حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع

حسن العطار

[مقدمة الكتاب]

[مُقَدَّمَة الْكِتَاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ قَالَ الشَّارِحُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَالتَّفْتَازَانِي أَوْ الِاسْتِعَانَةِ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ أَوْ هِيَ صِلَةٌ لِلْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ وَعَلَيْهِ يَرِدُ مَا أَوْرَدُوهُ مِنْ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ وَمِمَّا أَجَابُوا بِهِ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي اعْتَبَرُوهُ فِي مُقَارَنَةِ الْحَالِ لِوُقُوعِ مَضْمُونِ عَامِلِهَا جَعَلُوهُ أَعَمَّ مِمَّا لَا يَفْضُلُ عَمَّا وَقَعَ فِيهِ وَمَا يَفْضُلُ عَنْهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّلَبُّسَانِ فِي زَمَانٍ بِهَذَا الْمَعْنَى وَأَمْكَنَ وُقُوعُ الِابْتِدَاءِ فِي حَالِ التَّلَبُّسَيْنِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ تَدَافُعِ الِابْتِدَاءَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِالْجِنَانِ أَوْ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ وَالْآخَرُ بِآخَرَ مِنْهَا أَوْ يَكُونُ مَعًا بِالْجِنَانِ لِجَوَازِ إخْطَارِ الشَّيْئَيْنِ مَعًا بِالْبَالِ قَالَ اللَّيْثِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ وَفِي كِلَيْهِمَا نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ مَعْنَى الْعُمُومِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ النُّحَاةُ فِي مُقَارَنَةِ الْحَالِ لِلْعَامِلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَزْمَانٌ فَاصِلَةٌ عَنْ أَزْمَانٍ عَامِلَةٍ حَتَّى تَكُونَ مُقَارَنَتُهَا لَهُ بِبَعْضِهَا لَا بِتَمَامِهَا كَمَا فِي جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ قَبْلَ الْمَجِيءِ مُمْتَدًّا إلَيْهِ وَبَاقِيًا بَعْدَهُ. وَأَمَّا جَوَازُ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الرُّكُوبِ مُقَارِنًا لِلْمَجِيءِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَفِي التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ أَيُّهُمَا أُخِّرَ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ مُقَارِنًا لِلِابْتِدَاءِ الَّذِي لَيْسَ لِزَمَانِهِ انْقِسَامٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّلَبُّسَ بِأَمْرٍ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ تَحَقُّقِ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَلَوْ قَارَنَ بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّلَبُّسِ بِالتَّحْمِيدِ ذَلِكَ الِابْتِدَاءَ لَزِمَ وُقُوعُ ابْتِدَاءَيْنِ مُتَدَافِعَيْنِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَالتَّحْمِيدَ الْمُعْتَدَّ بِهِمَا الْمَرْجُوُّ مِنْهُمَا حُصُولُ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ مَا يَكُونُ عَنْ قَلْبٍ حَاضِرٍ وَتَوَجُّهٍ تَامٍّ وَالْقَلْبُ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ التَّوَجُّهُ التَّامُّ إلَى شَيْئَيْنِ مَعًا مِثْلُ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ إلَّا نَادِرًا لِلْأَفْرَادِ الْمُتَجَرِّدِينَ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الْعَوَائِقِ الْبَشَرِيَّةِ اهـ. ثُمَّ إنَّ الْبَدْءَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي صَدْرِ الْفِعْلِ وَالْمَطْلُوبُ تَعْمِيمُ الْبَرَكَةِ فَمِنْ ثَمَّ رُجِّحَ تَقْدِيرُ الْمُتَعَلِّقِ خَاصًّا لِتَعُمَّ الْبَرَكَةُ سَائِرَ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ فَتَقْدِيرُ أُؤَلِّفُ مُقْتَضٍ بِلَفْظِهِ صُحْبَةَ التَّأْلِيفِ لِمَا تَبَرَّكَ بِهِ لَكِنْ قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِ أَبْتَدِئُ يُسَاوِي أُؤَلِّفُ مَثَلًا بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي هُوَ الْبَسْمَلَةُ أَوْ الْحَمْدَلَةُ لِمَا بُدِئَ بِهِ مَصْحُوبَ الْبَرَكَةِ عَلَى جَمِيعِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ ذَلِكَ إذْ فِيهِ الْحَضُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ فِي الْبِدَاءِ يَحْصُلُ هَذَا الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ اهـ. وَقَدْ أَوْرَدَ سَمِّ هُنَا إشْكَالًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ عِيسَى الصَّفَوِيِّ حَاصِلُهُ أَنَّ جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً أَوْ إنْشَائِيَّةً وَيَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِدُونِ التَّلَفُّظِ بِهِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ حِكَايَةً عَنْهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مُصَاحَبَةِ الِاسْمِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ مِنْ تَتِمَّةِ الْخَبَرِ وَهُمَا لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِهَذَا التَّلَفُّظِ وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ شَأْنَ الْإِنْشَاءِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ وَأَصْلُ الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ غَالِبًا؛ لِأَنَّ نَحْوَ الْأَكْلِ وَالسَّفَرِ وَالذَّبْحِ مِمَّا لَيْسَ بِقَوْلٍ لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْبَسْمَلَةِ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ مَثَلًا بِسْمِ اللَّهِ أَذْبَحُ أَوْ أُسَافِرُ بِقَصْدِ الْإِنْشَاءِ فَإِنْ جُعِلَتْ لِإِنْشَاءِ الْمُصَاحَبَةِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ مُتَعَلِّقِهَا وَالْأَصْلُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدُورِ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى أَبْدَأُ أَوْ أَفْتَتِحُ بِسْمِ اللَّهِ أَيْ أَجْعَلُهُ بُدَاءَةَ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ الْجَعْلِ لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَلَا يَجْرِي حَقِيقَةً إلَّا فِي نَحْوِ التَّأْلِيفِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بُدَاءَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ أَمْكَنَ إجْرَاؤُهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي جَعْلِهِ بُدَاءَةً اهـ. وَأَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَائِلَ إذَا شَرَعَ فِي ذَبْحٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ سَفَرٍ مَثَلًا فَإِنْ قُلْنَا إنَّ تَقْدِيرَ أَتَبَرَّكُ أَوْ أَسْتَعِينُ فِي هَذَا الْفِعْلِ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَتْ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ أَصْلًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ تَقْدِيرَهُ أَذْبَحُ أَوْ أُسَافِرُ بِسْمِ اللَّهِ مَثَلًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ ظَاهِرٌ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ مَنْ هُوَ؟ فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ لِهَذَا الْفِعْلِ تُغْنِي عَنْ الْإِخْبَارِ لَوْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ يَحْتَاجُ إلَى الْإِخْبَارِ وَلَعَلَّك لَا تَجِدُهُ أَصْلًا فَإِنَّك إنْ قَصَدْت اللَّهَ بِالْإِخْبَارِ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ قَصَدْت نَفْسَك فَكَذَلِكَ وَلَهَا ثَمَّ ثَالِثٌ يُقْصَدُ بِالْإِخْبَارِ وَلَوْ كَانَ لَأَغْنَتْهُ الْمُبَاشَرَةُ لِلْفِعْلِ عَنْ الْإِخْبَارِ، فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَعَلَّقَ الْجَارُّ بِهَذَا الْفِعْلِ عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَمَعْنَى أَذْبَحُ أَتَبَرَّكُ أَوْ أَسْتَعِينُ فِي الذَّبْحِ بِالتَّضْمِينِ الْمَذْكُورِ فَتَكُونُ مَقُولَةً لِإِنْشَاءِ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ فِي الذَّبْحِ مَثَلًا، وَلَا يَكُونُ الْإِخْبَارُ بِهِ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَعْيِينِ مَحَلِّ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ، وَالْأَصْلُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِتَعْيِينِ مَحَلِّ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِنْشَاءُ بِمُتَعَلِّقِهِ لَا بِهِ نَفْسِهِ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ النُّدُورِ نَلْتَزِمُهُ. وَنَقُولُ إنَّ النَّادِرَ يَرِدُ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ أَحْيَانًا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُقَدَّرَ أَذْبَحُ أَوْ أُسَافِرُ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إلَى التَّضْمِينِ فَجُمْلَةُ أَذْبَحُ مَثَلًا خَبَرٌ وَأَمَّا بِاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ إنْشَاءٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهَا خَبَرِيَّةُ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةُ الْعَجُزِ وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ الْخَبَرَ وَالْإِنْشَاءَ مُتَقَابِلَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَالْحَالُ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّنَا إذَا قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ الْقَيْدِ وَنَظَرْنَا لِمَا تَمَّ بِهِ الْإِسْنَادُ مِنْ رُكْنَيْ الْجُمْلَةِ كَانَتْ خَبَرِيَّةً وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى الْقَيْدِ كَانَتْ إنْشَائِيَّةً فَالْخَبَرِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ بِاعْتِبَارَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ الْجُرْجَانِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ فِي مَبْحَثِ الْإِنْشَاءِ عِنْدَ قَوْلِ التَّفْتَازَانِيِّ " رُبَّ " لِإِنْشَاءِ التَّقْلِيلِ " وَكَمْ " الْخَبَرِيَّةُ لِإِنْشَاءِ التَّكْثِيرِ قَالَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ كَلَامًا مُحْتَمِلًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِحَسَبِ نِسْبَةٍ غَيْرِ نِسْبَةِ التَّقْلِيلِ وَالتَّكْثِيرِ فَإِذَا قُلْتَ كَمْ رَجُلٌ عِنْدِي فَهُوَ بِاعْتِبَارِ نِسْبَةِ الظَّرْفِ إلَى الرَّجُلِ كَلَامٌ خَبَرِيٌّ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ اسْتِكْثَارِك إيَّاهُمْ فَلَا يَحْتَمِلُهَا؛ لِأَنَّك اسْتَكْثَرْتهمْ وَلَمْ تُخْبِرْ عَنْ كَثْرَتِهِمْ اهـ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْجَوَابِ وَالْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ إنْشَائِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَعَلَى الثَّانِي صَالِحَةٌ لِلْخَبَرِيَّةِ وَالْإِنْشَائِيَّة بِالِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَأَمَّلْ وَقَوْلُ السَّيِّدِ الصَّفَوِيِّ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى إلَخْ يُشِيرُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْإِشْكَالِ وَفِيهِ أَنَّ جَعْلَ الْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَبْعَدٌ هُنَا جِدًّا فَإِنَّ بَاءَ التَّعْدِيَةِ هِيَ الْمُعَاقِبَةُ لِلْهَمْزَةِ فِي تَصْيِيرِ الْفَاعِلِ مَفْعُولًا كَمَا فِي ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ وَأَنَّ كَوْنَ الْجُمْلَةِ لِإِنْشَاءِ الْجَعْلِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْإِنْشَائِيَّةَ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا اسْتِحْدَاثُ مَدْلُولِهَا وَالْجَعْلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مُدِلًّا لَا لَهَا بَلْ هُوَ مَعْنًى خَارِجِيٌّ عَنْهَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَجْرِي حَقِيقَةً إلَخْ يَعْنِي أَنَّ التَّأْلِيفَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَكُونُ مِنْ مَقُولَةِ اللَّفْظِ يَصِحُّ أَنْ يَفْتَتِحَ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ بِأَنْ تَجْعَلَ جُزْءًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُفْتَتَحُ بِجُزْئِهِ فَجَعْلُ الْبَسْمَلَةِ جُزْءًا مِنْ التَّأْلِيفِ وَاضِحٌ. وَأَمَّا نَحْوُ الْأَكْلِ وَالذَّبْحِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مَقُولَةِ اللَّفْظِ فَجَعْلُ الْبَسْمَلَةِ بُدَاءَةً لَهُ يَسْتَدْعِي جُزْئِيَّتَهَا مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهَا كَالْجُزْءِ فِي كَوْنِهَا تُذْكَرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَحَالَ مُلَابَسَةِ أَوَّلِهِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك وَجْهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَمُخَالَفَةِ الْمَشْهُورِ وَلِبَعْضِ أَشْيَاخِنَا هُنَا تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أُمُورٍ لَا تَتِمُّ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ لَيْسَ بِكَلَامٍ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَنَا فِي تَقْرِيرِ مَعْنَى كَوْنِ الْجُمْلَةِ خَبَرِيَّةَ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةَ الْعَجُزِ أَنَّهُ لَا وُرُودَ لِهَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى أَسْتَعِينُ بِسْمِ اللَّهِ مم كَيْفَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْقَيْدِيَّةِ وَعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَقَدْ اُضْطُرَّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى إلَى تَقْرِيرِ الْمُتَعَلِّقِ حَتَّى تَمَّ لَهُ مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ رُجُوعٌ مِنْهُ لِأَصْلِ التَّرْكِيبِ فَالْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَلِّقُ الَّذِي قَدَّرَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَجْرُورُ عَنْ حُكْمِ أَصْلِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَأَفْتَتِحُ بِسْمِ اللَّهِ وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ نَحْوُ هَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَلَوِيِّ عَلَى السُّلَّمِ فَقَالَ إنَّ الْمَجْرُورَ مُخْبَرٌ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي الْمَجْرُورِ بِحَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدِ أَمَّا الْمَجْرُورُ بِحَرْفِ الْجَرِّ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ غَيْرُ صَرِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النُّحَاةُ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُخْبِرًا عَنْهُ فِي الْمَعْنَى انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَتَغَيَّرَ مَدْلُولُ التَّرْكِيبِ إذْ فَرْقٌ بَيْنَ إخْبَارِك بِوُقُوعِ ضَرْبِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو وَالْمُؤَدَّى بِقَوْلِك ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَإِخْبَارِك بِثُبُوتِ الضَّرْبِ لِعَمْرٍو فِي قَوْلِك: عَمْرٌو مُضْرَبُ زَيْدٍ فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْ التَّرْكِيبَيْنِ غَرَضًا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ الْمُتَعَلِّقَ فَضْلَةً نَحْوُ مُبْتَدِئًا وَمُسْتَعِينًا وَمُتَبَرِّكًا وَكَانَتْ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ فَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةُ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةُ الْعَجُزِ. وَفِيهِ أَنَّ جَعْلَ الْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ مم لِمَا سُمِعَتْ وَأَمَّا هَذِهِ الْمَنْصُوبَاتُ فَهِيَ أَحْوَالٌ تَسْتَدْعِي عَامِلًا وَالْعَامِلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَبْتَدِئُ مَثَلًا وَإِذَا قُدِّرَ الْفِعْلُ كَانَ أَحَقَّ بِالْعَمَلِ لِأَصَالَتِهِ كَمَا قَالَ فِي مِثْلِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ إذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْمُقَدَّرَاتِ بِلَا دَاعٍ إلَيْهِ وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَقْدِيرَ مُسْتَعِينًا وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَحْوَالِ لَيْسَ لِتَعَلُّقِ الْمَجْرُورِ بِهِ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْبَاءِ وَمِنْهَا أَنَّهُ فَسَّرَ فِي بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُصَاحَبَةَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِالْمُلَاحَظَةِ وَالِاسْتِحْضَارِ وَهُوَ لَيْسَ مَعْنًى حَقِيقِيًّا لَهُمَا إذْ بَاءُ الْمُصَاحَبَةِ هِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مُلَابَسَةِ الْفِعْلِ وَمُصَاحَبَتِهِ فَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] وَبَاءُ الِاسْتِعَانَةِ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْآلَةِ كَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَلِذَلِكَ اُسْتُشْكِلَ جَعْلُ الْبَاءِ لِلِاسْتِعَانَةِ بِجَعْلِ اسْمِ اللَّهِ آلَةً لِلْفِعْلِ وَهُوَ تَرْكُ الْأَدَبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى مَجَازِيًّا يَلْزَمُ عَلَى إرَادَتِهِ ذَهَابُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ التَّرْكِيبِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَعْلِ الْبَاءِ لِلْمُلَابَسَةِ إفَادَةُ مُلَابَسَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّبَرُّكِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ وَمِنْ جَعْلِهَا لِلِاسْتِعَانَةِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ بِدُونِ ذِكْرِهِ تَعَالَى وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جَعْلِ اسْمِ اللَّهِ آلَةً مُنْدَفِعٌ بِعَدَمِ مُلَاحَظَةِ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ الْمُلَاحَظُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَمَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ لَفَسَّرَ الْقَوْمُ بَاءَ الِاسْتِعَانَةِ وَلَمْ يُرَدْ الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُلَاحَظَةِ وَالِاسْتِحْضَارِ وَفِي الْمَعْنَى وَهَلْ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمَعْنَيَيْنِ يُفَسَّرُ بِهِمَا كُلٌّ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ لَزِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ بَاءِ الِاسْتِعَانَةِ وَالْمُلَابَسَةِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى طَرِيقِ التَّوْزِيعِ يُقَالُ لَهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ تَغَايُرِ الْمَعْنَيَيْنِ لِمَ خَصَّ إحْدَيْهِمَا بِهَذَا دُونَ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) تَجْرِي احْتِمَالَاتُ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْجِنْسِ وَالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فِي " الـ " دُونَ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ لِنُدْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَلِكَوْنِ مَدْخُولِهِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ فَيَصْدُقُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ وَالْمَقَامُ يَأْبَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي الْحَصْرَ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَعْلِهَا استغراقية أَوْ جِنْسِيَّةً أَوْ ظُهُورِ الْفَرْدِ بِحَيْثُ يَكُونُ خَارِجًا عَنْ الذِّهْنِ مُطْلَقًا بِجَعْلِهَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ وَاجِبٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَالْوَاجِبُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَانِيَةً لِيَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ غَيْرُهُ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي الْفُرُوعِ مِنْ اسْتِحْبَابِ إعْطَاءِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ جِهَارًا وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهُ مُفْتَتَحٌ بِهَا وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ وَتَوْجِيهُ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِمَا سَيَأْتِي لِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّوْجِيهَ مُنَاقَشٌ فِيهِ بِمَا سَتَسْمَعُهُ وَلِلتَّفَنُّنِ أَيْضًا فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُحْتَوِيًا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ. وَأَمَّا إنَّ الْفِعْلِيَّةَ أَبْلَغُ أَوْ الِاسْمِيَّةُ فَالتَّحْقِيقُ فِيهِ مَا قَالَ الْفَنَارِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي اخْتِيَارِ طَرِيقَةِ الْحَمْدِ وَتَرْجِيحِهَا جَانِبَ الْبَلَاغَةِ فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّابِتَةِ فَالْمُنَاسِبُ الِاسْمِيَّةُ كَمَا فِي سُورَةِ

عَلَى أَفْضَالِهِ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الرُّبُوبِيَّةَ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ لِلذَّاتِ وَإِلَّا فَالْفِعْلِيَّةُ ثُمَّ إنَّ جَعْلَ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً أَقْوَى لِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: تَوَافُقُهُمَا مَعَ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ إذْ هِيَ إنْشَائِيَّةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَدَعْوَى بَعْضٍ تَجْوِيزَ خَبَرِيَّتِهَا تَكَلُّفٌ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِالثَّنَاءِ مُثْنٍ بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ بِالصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِمُصَلٍّ فَلَوْ جُعِلَتْ جُمْلَةُ الْحَمْدَلَةِ خَبَرِيَّةً لَزِمَ تَخَالُفُ الْجُمْلَتَيْنِ خَبَرًا وَإِنْشَاءً وَفِي الْعَطْفِ خِلَافُ الثَّانِي مَا قَالَهُ الْفَنَارِيُّ إنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ وَأَمْثَالَهُ أَخْبَارٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْإِنْشَاءِ أَيْ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ مَجَازٌ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ لَيْسَ بِصَدَدِ الْإِخْبَارِ وَالْإِعْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَمَعْنَى " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدُ لَك يَا رَبُّ فَمَقْصُودُ الْمُتَلَفِّظِ بِهِ إنْشَاءُ تَعْظِيمِهِ تَعَالَى لِتَوْفِيقِهِ لِلْحَمْدِ وَإِيجَادِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ كَصِيَغِ الْعُقُودِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّيَغَ الْمَذْكُورَةَ إخْبَارٌ فِي اللُّغَةِ نَقَلَهَا الشَّارِعُ إلَى الْإِنْشَاءِ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَإِثْبَاتُ النَّقْلِ فِي أَمْثَالِ مَا نَحْنُ فِيهِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ مُشْكِلٌ جِدًّا اهـ. وَأَيْضًا رَجَّحَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ أَنَّهَا إنْشَائِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: عَلَى أَفْضَالِهِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحَقُّقِ الِاسْتِحْقَاقَيْنِ الذَّاتِيِّ وَالْوَصْفِيِّ فَإِنَّ لَفْظَ " اللَّهِ " أَعْلَمُ لِلذَّاتِ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَمْدُ أَوَّلًا تَنْبِيهًا عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ عُلِّقَ عَلَى الْأَفْضَالِ تَنْبِيهًا عَلَى الثَّانِي قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّيَالَكُوتِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ وَالِاسْتِحْقَاقُ الذَّاتِيُّ مَا لَا يُلَاحَظُ مَعَهُ خُصُوصِيَّةُ صِفَةٍ حَتَّى الْجَمِيعِ لَا مَا يَكُونُ الذَّاتُ الْبَحْثُ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَمْدِ لَيْسَ إلَّا عَلَى الْجَمِيلِ سُمِّيَ ذَاتِيًّا لِمُلَاحَظَةِ الذَّاتِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ صِفَةٍ أَوْ لِدَلَالَةِ اسْمِ الذَّاتِ عَلَيْهِ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ لَا إشْعَارَ فِي الْكَلَامِ بِالِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ إذْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ تَعْلِيقَ أَمْرٍ بِاسْمٍ غَيْرِ صِفَةٍ يَدُلُّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ مَدْلُولِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُفْهَمُ بِالذَّوْقِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الْحَمْدُ لِلْمُتَفَضِّلِ مَثَلًا لَا مِنْ أَنْ تَعَلَّقَ أَمْرٌ بِاسْمٍ يَدُلُّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ مَدْلُولِهِ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ لَفْظَةُ " اللَّهِ " تَعَالَى لَمَّا دَلَّتْ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَاشْتُهِرَ اتِّصَافُ تِلْكَ الذَّاتِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي ضِمْنِ هَذَا الِاسْمِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُجْعَلَ لِلتَّعْلِيقِ بِهِ فِي حُكْمِ التَّعْلِيقِ بِالْمُشْتَقِّ الدَّالِّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَالْإِفْضَالُ مَصْدَرُ أَفْعَلَ وَلَمْ يُسْمَعْ بَلْ الْمَسْمُوعُ فَضْلٌ عَبَّرَ بِهِ دُونَ أَنْعَمَ كَمَا فِي الْمُصَنَّفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ أَنْعَامَهُ تَعَالَى بِمَحْضِ الْفَضْلِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْوُجُوبِ مَعَ الرَّمْزِ إلَى أَنَّ فِي الشَّرْحِ زِيَادَةَ فَوَائِدَ عَلَى الْمُصَنَّفِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ الزِّيَادَةُ. وَقَوْلُ الْحَوَاشِي فِي أَوْجُهِ التَّرْجِيحِ إنَّ الْإِفْضَالَ صَرِيحٌ فِي إيقَاعِ الْحَمْدِ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الصَّادِرِ مِنْ الْمَحْمُودِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى نِعَمٍ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ النِّعَمُ جَمْعَ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُنْعَمِ بِهِ بَلْ الثَّانِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ وَالْحَمْدُ عَلَى الْفِعْلِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْفِعْلِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ الْحَمْدِ عَلَى الْأَثَرِ فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ أَثَرُ الْفِعْلِ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْأَثَرِ يُلَاحَظُ فِيهِ أَيْضًا الْفِعْلُ وَمُلَاحَظَةُ شَيْئَيْنِ أَقْوَى مِنْ مُلَاحَظَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ

وَآلِهِ. هَذَا مَا اشْتَدَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّعْمَةِ الْمَطْلُوبِ فِي مَقَامِ الْحَمْدِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ إنَّ الْحَمْدَ هُوَ إظْهَارُ صِفَةِ الْكَمَالِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالنِّسْبَةِ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَيَكُونُ تَعْلِيلًا لِلْحُكْمِ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ لَا الْحُكْمَ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ فَإِنَّهُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْحَاكِمِ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إذْعَانِ النِّسْبَةِ وَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ خَبَرِ الشَّاكِّ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَجَوَّزَ الْحَوَاشِي فِي تَعْلِيقِ الظَّرْفِ وُجُوهًا مِنْهَا أَنَّهُ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْدِ وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ لُزُومَ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَصْدَرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَعْمُولَاتِهِ إلَّا أَنْ يُغْتَفَرَ ذَلِكَ فِي الظُّرُوفِ لِكَثْرَةِ تَوَسُّعِهِمْ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ حِينَئِذٍ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ الْحَمْدُ عَلَى أَفْضَالِ اللَّهِ ثَابِتٌ لِلَّهِ وَثُبُوتُ الْحَمْدِ عَلَى أَفْضَالِ اللَّهِ لِلَّهِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمُضَافُ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ عَمَلَ الْمَصْدَرِ الْمُعَرَّفِ " بِأَلْ " قَلِيلٌ حَتَّى قَالَ الْجَامِيُّ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَصَادِرِ الْمُعَرَّفَةِ بِاللَّامِ عَامِلًا فِي فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ صَرِيحٍ بَلْ قَدْ جَاءَ عَامِلًا بِحَرْفِ الْجَرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 148] وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَصْدَرَ إنَّمَا عَمِلَ؛ لِأَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ انْحِلَالِهِ إلَى " أَنْ وَالْفِعْلِ " فَكَمَا لَا تَدْخُلُ لَامُ التَّعْرِيفِ عَلَى أَنْ مَعَ الْفِعْلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُقَدَّرِ بِهِ وَبِهَذِهِ الْعِلَّةِ يَظْهَرُ لَك وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ فِيهِ إخْبَارًا عَنْ الْمَصْدَرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَعْمُولَاتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْبَارٍ عَنْ الْمَوْصُولِ قَبْلَ تَمَامِ صِلَتِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِمْ أَيْضًا فِي عِلَّةِ الِامْتِنَاعِ إنَّ فِيهِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ مَعْمُولٌ لِلْمَصْدَرِ فَهُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الصِّلَةِ وَالْخَبَرُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا وَظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَيْضًا ضَعْفُ تَجْوِيزِهِمْ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ خَبَرَ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ حَمْدِي؛ لِأَنَّ فِيهِ عَمَلَ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفًا وَعِلَّتُهُ مَا ذَكَرْنَا فَيَرْجِعُ لِحَذْفِ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ مَعَ بَقَاءِ مُتَعَلِّقِ الصِّلَةِ تَأَمَّلْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ إلَخْ فَمُنْدَفِعٌ بِجَعْلِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً كَمَا بَيَّنَّا وَعَلَى تَقْدِيرِ خَبَرِيَّتِهَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا إخْبَارُ أَحَدٍ بَلْ قُصِدَ بِهَا تَحْصِيلُ الْحَمْدِ كَبَقِيَّةِ صِيَغِ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ وَكَيْفَ لَا وَمَنْ الَّذِي قُصِدَ إخْبَارُهُ حَتَّى تَكُونَ الْإِفَادَةُ لَهُ وَلَوْ فُرِضَ مُخَاطَبٌ قُصِدَ إخْبَارُهُ لَكَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ بِقَوْلِنَا السَّمَاءُ فَوْقَنَا وَنَقَلَ يَاسِينُ فِي حَوَاشِي الصُّغْرَى عَنْ الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْجُمَلَ الْخَبَرِيَّةَ لَا يَلْزَمُهَا الْإِخْبَارُ بَلْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّحَسُّرِ وَالتَّحَزُّنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَالتَّحْمِيدُ فَيَكُونُ قَائِلُهَا حَامِدًا كَمَا كَانَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مُتَحَسِّرَةً وَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا مُحْتَمَلَةً لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهَا إذَا نُظِرَ لِمُجَرَّدِ مَفْهُومِهَا تَحْتَمِلُهَا وَهَذَا هُوَ الْفَاصِلُ لِلْخَبَرِ عَنْ الْإِنْشَاءِ وَقَوْلُهُمْ فِي الْجَوَابِ إنَّنَا نُلَاحِظُ الْمُضَافَ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ يَأْبَاهُ مَقَامُ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِضَافَةِ كَمَا قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ الْإِشَارَةُ إلَى حُضُورِ الْمُضَافِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ كَمَا أَنَّ اللَّامَ إشَارَةٌ إلَى حُضُورِ مَا عُرِفَ بِهَا فِيهِ اهـ. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الْإِفْضَالُ الْكَامِلُ الظُّهُورُ الْبَالِغُ إلَى حَدِّ حُضُورِهِ فِي ذِهْنِ كُلِّ أَحَدٍ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْمُتَّصِفُ بِهِ أَنْ يَحْمَدَهُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ يَبْقَى الْمُضَافُ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ فَيَدُلُّ عَلَى فَضْلٍ مَا وَلَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ كَمَا سَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ عَنْ قَرِيبٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُرَدُّ تَقْدِيرُ جَعْلِ الظَّرْفِ خَبَرًا عَنْ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ مَا رَجَّحْنَاهُ سَابِقًا أَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ ذَلِكَ انْحِصَارُ عِلَّةِ ثُبُوتِ الْحَمْدِ لِلَّهِ فِي الْإِفْضَالِ

إلَيْهِ حَاجَةُ الْمُتَفَهِّمِينَ لِجَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ شَرْحٍ يَحُلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ غَيْرُ الْأَفْعَالِ كَالذَّاتِ وَصِفَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ يَكُونُ عِلَّةً أَيْضًا أَمَّا إنْ جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ فَلَا إيرَادَ إذْ ثُبُوتُ جِنْسِ الْحَمْدِ لِأَجْلِ الْإِفْضَالِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي ثُبُوتِ الِانْحِصَارِ فَإِنَّ انْحِصَارَ الْمَاهِيَّةِ فِي شَيْءٍ يَقْضِي أَنَّهُ لَا فَرْدَ لِمَا سِوَاهُ نَظِيرُ مَا قَالَهُ الْمَنَاطِقَةُ فِي الْكُلِّيِّ الْمُنْحَصِرِ فِي فَرْدِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ هُنَا الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ لَا الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُكْمِ كَمَا بَنَوْا عَلَيْهِ كَلَامَهُمْ وَلِذَلِكَ اسْتَشْكَلُوا وُقُوعَ الْحَمْدِ بِالصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَتَكَلَّفُوا فِي جَوَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَآلِهِ) وَاقْتَصَرَ عَلَى الْآلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِالصَّحْبِ بَعْدَهُ اخْتَلَّ السَّجْعُ وَإِنْ قَدَّمَهُ يَلْزَمُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ هِيَ الْوَارِدَةُ فِي الْكَيْفِيَّاتِ الْمَرْوِيَّةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ فَبِطَرِيقِ الْقِيَاسِ هَذَا إنْ فُسِّرَ الْآلُ بِأَقَارِبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ فُسِّرَ بِالْأَتْبَاعِ دَخَلَتْ الصَّحَابَةُ وَكَانَ فِيهِ تَوْرِيَةٌ وَهَذَا أَوْلَى لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ إيَّاهُ، وَلِوُجُودِ الْمُحَسِّنِ الْبَدِيعِيِّ (هَذَا مِمَّا اشْتَدَّتْ) أَوْرَدَ الْمُسْنَدَ إلَيْهِ اسْمَ إشَارَةٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى كَمَالِ اسْتِحْضَارِهِ وَتَمْيِيزِهِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ بِوَاسِطَةِ الْإِشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ فَإِنَّ أَصْلَ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ أَنْ يُشَارَ بِهَا إلَى مَحْسُوسٍ مُشَاهَدٍ كَقَوْلِ ابْنِ الرُّومِيِّ هَذَا أَبُو الصَّقْرِ فَرْدًا فِي مَحَاسِنِهِ ... مِنْ نَسْلِ شَيْبَانَ بَيْنَ الضَّالِّ وَالسَّلَمِ وَتَقْرِيرُ الِاسْتِعَارَةِ هُنَا غَيْرُ خَفِيٍّ وَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَالْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي أَوْلَى لَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ صِلَاتِ الْمَوْصُولِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَيَّانَ فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] الْآيَةَ وَكَأَنَّ هَذَا الْمَوْصُولَ وَصَلَاتَهُ شَرْحٌ لِلْمُتَّقِينَ وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ تَرْتِيبِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ اهـ. بَلْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْمَوْصُولِ أَنْ يُطْلِقَهُ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى مَا يُعْتَقَدُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَعْرِفُهُ بِكَوْنِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِحُكْمٍ حَاصِلٍ لَهُ فَلِذَا شُرِطَ فِي صِلَتِهِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِلْمُخَاطَبِ لِزَوَالِ إبْهَامِهِ بِتِلْكَ الصِّلَةِ وَكَانَتْ الْمَوْصُولَاتُ مَعَارِفَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرْحَ لَا وُجُودَ لَهُ خَارِجًا قَبْلَ الْإِشَارَةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْلَمَ الْمُخَاطَبُ اتِّصَافَهُ بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ وَمَا وَاقِعُهُ عَلَى شَرْحٍ كَمَا بَيَّنَهُمَا بِقَوْلِهِ لَهُ مِنْ شَرْحِ إلَخْ وَإِنَّمَا أَبْهَمَ الْمَحْكُومَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ فَسَّرَهُ لِتَتَشَوَّقَ النَّفْسُ لِتَفْسِيرِهِ فَيَتَمَكَّنُ الْحُكْمُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ أَشَدَّ تَمَكُّنٍ وَقَدَّمَ بَعْضَ الصِّفَاتِ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ التَّشَوُّقِ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا إمَّا الْعِبَارَاتُ الذِّهْنِيَّةُ الَّتِي أَرَادَ الشَّارِحُ كِتَابَتَهَا كَمَا قَالَ نَظِيرُهُ الْعَلَّامَةُ الْقَوْشَجِيُّ فِي قَوْلِ الْعَضُدِ فِي مُفْتَتَحِ الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ هَذِهِ فَائِدَةٌ، أَوْ الْمَعَانِي فَظَهَرَ أَنَّ الْمُسْنَدَ اسْمٌ نَكِرَةٌ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ أَفْرَادِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فَهُوَ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ صَادِقٌ عَلَى أَيِّ شَرْحٍ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِتَخْصِيصِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي: ثُمَّ إنْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ إلَخْ، كَلَامٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إذْ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ لِلشَّرْحِ كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ أَنَّهُمْ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَقُولُونَ وَسَمَّيْتُهُ كَذَا. وَأَمَّا مَا هُنَا فَالْحَمْلُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى كَمَا تَوَهَّمُوهُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ اُشْتُهِرَ وَطَفَحَتْ بِهِ عِبَارَاتُهُمْ فَلَا يَخْلُو عَنْ الْمُنَاقَشَةِ فَإِنَّ ذِكْرَهُمْ الْخِلَافَ فِي الذِّهْنِ هَلْ يَقُومُ بِهِ الْمُفَصَّلُ كَمَا يَقُومُ بِهِ الْمُجْمَلُ أَوْ لَا لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي إذْ يَقُومُ بِهِ الْأَمْرَانِ مَعًا بِدَلِيلِ تَقْسِيمِهِمْ الْعَلَمَ إلَى الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَنَّ فِي ذِكْرِ الْقِيَامِ إشْعَارٌ بِالْقَوْلِ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَقَدْ نَفَاهُ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ. وَالْقَوْلُ بِعَلَمِيَّةِ الْجِنْسِ ضَعِيفٌ فَإِنَّ عَلَمِيَّتَهُ تَقْدِيرِيَّةٌ اضْطِرَارِيَّةٌ لِضَرُورَةِ الْأَحْكَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الْجِنْسِ فِي الْمَعْنَى اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدَّاعِيَ لِجَعْلِهِمْ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ وَتَرْجِيحَهُ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ تَصْحِيحُ الْمَعْنَى حَيْثُ اتَّحَدَا مَعْنًى فَمَا الْمُرَجَّحُ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْعَلَمِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ يُنَافِيهِ دُخُولُ (الـ) فِي نَحْوِ الْمِفْتَاحِ وَالْكَافِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِنَاؤُهُمْ جَعْلَهَا مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الشَّخْصِ عَلَى أَنَّ الذِّهْنَ يَقُومُ بِهِ الْمُفَصَّلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ يَكْفِي فِي وَضْعِ الْعَلَمِ الشَّخْصِيِّ اسْتِحْضَارُهُ وَلَوْ بِوَجْهٍ كُلِّيٍّ كَمَا بَيَّنَهُ الْعِصَامُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْوَضِيعَةِ وَقَوْلُهُمْ هَلْ الشَّيْءُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ إلَخْ مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ وَالْعَرَضُ يَتَشَخَّصُ بِتَشْخِيصِ مَحَلِّهِ فَيَتَعَدَّدُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ الْمَعَانِي تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ التَّعَلُّقَاتِ فَالْأَوْلَى هَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ التَّعَدُّدُ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ تَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: اشْتَدَّتْ) أَيْ قَوِيَتْ وَقَوْلُهُمْ عَبَّرَ هُنَا بِ اشْتَدَّتْ وَفِي شَرْحِهِ لِمِنْهَاجِ الْفِقْهِ بِدَعَتْ؛ لِأَنَّ شُرُوحَ الْمِنْهَاجِ السَّابِقَةَ عَلَى شَرْحِهِ أَكْثَرُ وَأَجَلُّ وَأَفْيَدُ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ فَحَاجَتُهُ إلَى شَرْحِهِ دُونَ حَاجَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ إلَى شَرْحِهِ مِنْ النِّكَاتِ الضَّعِيفَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى تَعْلِيقَاتٍ أَضْعَفَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ هُنَا دَعَتْ وَهُنَاكَ اشْتَدَّتْ لَارْتَكَبُوا لَهُ عِلَّةً أَيْضًا وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْطَرَ فِي حَوَاشِي أَمْثَالِ هَذَا الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: الْمُتَفَهِّمِينَ) مِنْ التَّفَهُّمِ وَصِيغَةُ التَّفَعُّلِ كَمَا تَأْتِي لِلصَّيْرُورَةِ كَتَحَجُّرِ الطِّينِ تَأْتِي لِلتَّكَلُّفِ وَالْمُرَادُ هُنَا لَازِمُهُ وَهُوَ إحْكَامُ الشَّيْءِ وَإِتْقَانُهُ؛ لِأَنَّ تَكَلُّفَ الْفِعْلِ يَقْضِي بِإِتْقَانِهِ وَأَحْكَامِهِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شُرُوحَ مَنْ قَبْلَهُ يَكْفِي لِأَصْلِ الْفَهْمِ لَكِنْ لَا يَكْفِي لِلتَّفَهُّمِ؛ لِأَنَّهُ التَّكَلُّفُ فِي الْفَهْمِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ فَشَرْحُهُ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِفَهْمِ الْكِتَابِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَفِيهِ مَدْحُ شَرْحِهِ وَبَيَانُ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ الشُّرُوحِ لَا يُغْنِي عَنْهُ (قَوْلُهُ: يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ) فِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ فِي يَحِلُّ، وَالْأَلْفَاظُ

وَيُحَقِّقُ مَسَائِلَهُ وَيُحَرَّرُ دَلَائِلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَرِينَةٌ أَوْ مَكْنِيَّةٌ فِي الْأَلْفَاظِ وَيَحِلُّ تَخْيِيلٌ وَمَا قِيلَ إنَّهُ تَرْشِيحٌ لِلْمَكْنِيَّةِ فَسَهْوٌ أَوْ فِيهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ حَيْثُ أَسْنَدَ الْحَلَّ إلَى ضَمِيرِ الشَّرْحِ وَحَقُّهُ أَنْ يُسْنَدَ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْحَ آلَةٌ فِي الْحَلِّ. (قَوْلُهُ: وَيُبَيِّنُ مُرَادُهُ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَوْ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَوْ مُرَادُ مُؤَلِّفِهِ فَهُوَ مَجَازٌ حُذِفَ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِعَارَةُ الْمَكِنِيَّةُ فِي الضَّمِيرِ وَإِثْبَاتُ الْمُرَادِ تَخْيِيلٌ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّ حَلَّ الْأَلْفَاظِ يَلْزَمُهُ بَيَانُ الْمُرَادِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ فِي أَمْثَالِهِ لَا اللُّزُومُ الْعَقْلِيُّ وَهُوَ عَدَمُ الِانْفِكَاكِ فَإِنَّ مُصْطَلَحَ الْمِيزَانِ الْمُقَامَ هُنَا خِطَابِيٌّ يَنْزِلُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْبَيَانِيِّينَ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَلَّ الْأَلْفَاظِ قَدْ لَا يَتَبَيَّنُ بِمُجَرَّدِهِ الْمُرَادُ وَتَبْيِينُ الْمُرَادِ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ حَلِّ الْأَلْفَاظِ كَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نَحْوِ وَالْمُرَادُ كَذَا. (قَوْلُهُ: وَيُحَقِّقُ مَسَائِلَهُ) أَيْ يَذْكُرُهَا عَلَى وَجْهٍ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ يَصْحَبَهَا دَلِيلٌ أَوْ لَا وَالْمَسْأَلَةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْقَضِيَّةِ الْمَلْفُوظَةِ كَذَلِكَ تُطْلَقُ عَلَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ فَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ قُدِّرَ مُضَافٌ أَيْ أَحْكَامُ مَسَائِلِهِ. (قَوْلُهُ: وَيُحَرِّرُ دَلَائِلَهُ) أَيْ يُخَلِّصُهَا عَمَّا يُخِلُّ بِوَجْهِ الدَّلَالَةِ أَوْ يَدْفَعُ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُنَوَّعِ شُبِّهَ ذَلِكَ التَّخْلِيصُ بِتَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ بِجَامِعِ زَوَالِ النَّقْصِ فِي كُلٍّ وَإِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَمَالِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ وَالدَّلَائِلُ جَمْعُ دَلَالَةٍ بِمَعْنَى الدَّلِيلِ فَهُوَ جَمْعٌ قِيَاسِيٌّ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ

عَلَى وَجْهٍ سَهْلٍ لِلْمُبْتَدِئِينَ حَسَنٍ لِلنَّاظِرِينَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ آمِينَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (نَحْمَدُك اللَّهُمَّ) أَيْ نَصِفُك بِجَمِيعِ صِفَاتِك إذْ الْحَمْدُ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى جَمِيلٌ وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ إذْ الْمُرَادُ بِهِ إيجَادُ الْحَمْدِ لَا الْإِخْبَارُ سَيُوجَدُ وَكَذَا قَوْلُهُ نُصَلِّي وَنَضْرَعُ الْمُرَادُ بِهِ إيجَادُ الصَّلَاةِ وَالضَّرَاعَةِ لَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُمَا سَيُوجَدَانِ. وَأَتَى بِنُونِ الْعَظَمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فِعَالَةً وَقِيلَ جَمْعُ دَلِيلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ الْمَحَلِّيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِتَحْرِيرِ دَلَائِلِهِ تَحْرِيرَ دَلَائِلِهِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ وَهِيَ قَلِيلَةٌ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ فَرُبَّمَا ذَكَرْنَا الْأَدِلَّةَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ ذِكْرَ أَدِلَّةِ مَسَائِلِهِ مُحَرَّرَةً أَوْ أَعَمَّ مِنْ تَحْرِيرِ الْأَدِلَّةِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ وَمِنْ ذِكْرِهِ أَدِلَّةَ بَقِيَّةِ مَسَائِلِهِ مُحَرَّرَةً اهـ. فَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ تَحْرِيرُ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي وَعَلَى الثَّانِي تَحْرِيرُ دَلَائِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَعَلَى الثَّالِثِ تَحْرِيرُ دَلَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهِ إمَّا بِأَنَّهَا فِيهِ أَوْ أَنَّهَا دَلَائِلُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَمَنْشَأُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ إضَافَةُ دَلَائِلَ إلَى الْكِتَابِ وَعَطْفُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ تَامَّةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا وَأَنَّ الْمَوْصُوفَ عَرِيقٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ إلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ) تَنَازَعَهُ كُلُّ مَنْ يَحِلُّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: سَهْلٌ لِلْمُبْتَدِئِينَ) لَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِصُعُوبَةِ كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ فُحُولِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ سُهُولَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ لِزِيَادَةِ تَحْرِيرِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ سُهُومَ الْبَيَانِ لَا تُنَافِي غُمُوضَ الْمَطَالِبِ فِي ذَاتِهَا وَالْإِشْكَالُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: حَسَنٌ لِلنَّاظِرِينَ) أَيْ الْمُتَأَمِّلِينَ فِيهِ وَقَيَّدَهُ بِالنَّاظِرِينَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَحْسُنُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَحْسُنُ لِلنَّاظِرِينَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِمْ مَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ الْحُسْنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ قَادِحٍ فِي حُسْنِ الشَّيْءِ فِي الْوَاقِعِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَإِذَا خَفِيتُ عَنْ الْغَبِيِّ فَعَاذِرٌ ... أَنْ لَا تَرَانِي مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ بَلَغَ مَبْلَغًا مِنْ الْحُسْنِ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ وَاحْتِمَالُ أَنَّ حُسْنَهُ لِلنَّاظِرِينَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فِي نَفْسِهِ بَعِيدٌ عَنْ الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ صِفَاتِك) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ لِعَجْزِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِكِمَالَاتِهِ - تَعَالَى - تَفْصِيلًا وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ مَدْلُولًا لِلصِّيغَةِ وَحْدَهَا إذْ الْمَدْلُولُ نُثْنِي عَلَيْك فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ وَلِذَا عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ إذْ الْحَمْدُ إلَخْ فَنَقَلَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ عَنْ الْفَائِقِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقَدِّمَةَ الْقَائِلَةَ وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ جَمِيلٌ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَذْكُورَ يَحْتَاجُ لِمَعُونَةٍ فَهَذَا إنْشَاءُ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِحَالِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ) أَيْ قَوْلُهُ نَحْمَدُك وَقَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِ التَّعْظِيمِ مُرَادًا بِأَنَّ الْجُمْلَةَ قُصِدَ بِهَا إيجَادُ الْحَمْدِ وَإِنْشَاؤُهُ لَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ سَيُوجَدُ. وَفِي تَصْدِيرِ الْمُضَارِعِ بِسِينِ الِاسْتِقْبَالِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ نَحْمَدُك وَنَحْوَهُ إنَّمَا يَكُونُ إخْبَارًا بِالنَّظَرِ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبِلِ لَا الْحَالِ فَهُوَ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ مِنْهُ حَمْدٌ أَوْ إمَّا أَنَّهُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ أَوْ بِبَعْضِهَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ فَهَذَا وَجْهٌ مُرَجَّحٌ لِاخْتِيَارِ جَعْلِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الِاسْتِقْبَالُ هُنَا فِي الْجُمْلَةِ الْمُضَارِعَةِ مَعَ كَوْنِ الْمُضَارِعِ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ فِعْلٌ لِسَانِيٌّ فَلَا يُمْكِنُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ بِهِ فَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ إخْبَارًا لَا يَكُونُ إخْبَارًا عَنْ الْحَالِ فَهُوَ إمَّا إنْشَاءٌ أَوْ خَبَرٌ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ لَكِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنْ الِاسْتِقْبَالِ تَفُوتُ النُّكْتَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا يَتِمُّ هَذَا فِي نُصَلِّي وَنَضْرَعُ إذْ الْمَقْصُودُ بِهِمَا الْإِنْشَاءُ، فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا عَنْ حَمْدٍ

لِإِظْهَارِ مَلْزُومِهَا الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ لَهُ يَتَأَهَّبُ لَهُ الْعِلْمُ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] . وَقَالَ مَا تَقَدَّمَ دُونَ نَحْمَدُ اللَّهَ الْأَخْصَرُ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاصِلٍ كَمَا إذَا قِيلَ أَتَكَلَّمُ مُخْبِرًا عَنْ التَّكَلُّمِ الْحَاصِلِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ بِنَاءً عَلَى مَا حَقَّقَهُ بَعْضُ حَوَاشِي شَرْحِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَنْهَا فِي الْوَاقِعِ فَلَا تَكُونُ حِكَايَةً عَنْ نَفْسِهَا إذْ مُحَاكَاةُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَارَ احْتِمَالُ الْمُطَابَقَةِ واللامطابقة مِنْ خَوَاصِّ التَّصْدِيقَاتِ فَإِنَّ الصُّورَةَ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَنْ أَمْرٍ وَاقِعٍ لَا تَجْرِي فِيهَا التَّخْطِئَةُ وَالتَّغْلِيطُ وَقَالَ مِيرْ زَاهِدْ فِي حَوَاشِي ذَلِكَ الشَّرْحِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ هُوَ مِصْدَاقُ الْقَضِيَّةِ وَمِصْدَاقُهَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ نَفْسَهَا وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَى قَوْلِهِ " وَأَتَى بِنُونِ الْعَظَمَةِ " تَوْجِيهٌ لِاخْتِبَارِ كَوْنِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً لِمَا ذُكِرَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَنَاسُقِ الْجُمَلِ فِي الْعَطْفِ فَالْجُمَلُ الثَّلَاثَةُ مِنْ قِبَلِ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِنْشَاءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِإِظْهَارِ مَلْزُومِهَا) أَيْ الْعَظَمَةِ وَذَلِكَ الْمَلْزُومُ تَعْظِيمُ اللَّهِ لَهُ كَمَا قَالَ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ إلَخْ وَعِلَّةُ الْإِظْهَارِ امْتِثَالٌ قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وَخُلَاصَتُهُ، أَنَّهُ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ إلَى النُّونِ الَّتِي لِلْجَمَاعَةِ أَوْ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ النُّونُ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الْإِنْشَائِيَّةَ وَالشَّخْصُ إنَّمَا يُنْشِئُ فِعْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ لِمُشَارَكَةٍ. نَعَمْ، عَلَى تَقْدِيرِ الْخَبَرِيَّةِ هِيَ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ وَتَكُونُ إخْبَارًا عَنْهُ وَعَنْ لِسَانِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَصِحُّ الْإِنْشَائِيَّةُ بِتَخَيُّلِ أَنَّهُ يُنْشِئُ الْحَمْدَ بِلِسَانِهِ وَبِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ فَتُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حَامِدِينَ لَكِنَّهُ وَجْهٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخَيُّلِ فَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَجَعْلُ النُّونِ هُنَا لِلْمُعَظِّمِ نَفْسِهِ اسْتِعْمَالٌ كِنَائِيٌّ فَإِنَّ النُّونَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعَظَمَةِ لِيَنْتَقِلَ الذِّهْنُ مِنْهَا إلَى مَلْزُومِهَا الَّذِي وَهُوَ التَّعْظِيمُ كَذَا فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لَا فِي مَلْزُومِهِ فَإِنَّ اللَّازِمَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَلْزُومِهِ بِجَوَازِ كَوْنِهِ أَعَمَّ وَإِنَّمَا الْمَلْزُومُ يَدُلُّ عَلَى لَازِمِهِ دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ هُنَا لَازِمٌ أَيْضًا إذْ مُرَادُ الْبَيَانِيِّينَ اللُّزُومُ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ أَوْ الْغَلَبَةِ أَوْ الْقَرِينَةِ أَوْ الِادِّعَاءِ فَيَدَّعِي هُنَا مُسَاوَاةَ اللُّزُومِ وَالِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مَعْنًى كِنَائِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ يُرَادَ الْعَظَمَةُ وَالتَّعْظِيمُ مَعًا وَلَا يُقَالُ إنَّ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ تَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّزْكِيَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا مَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ لَا مَا كَانَتْ بِنَحْوِ تَعْرِيفِ مَقَامِهِ فِي الْعِلْمِ لِيَقْصِدَ وَيَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ إنَّ خِطَابَ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدِهِ مَقَامُ التَّلَبُّسِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْكِسَارِ وَلَيْسَ مَقَامَ تَعَرُّضٍ لِعَظَمَةِ الْعَبْدِ فَمُنْدَفِعٌ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَتُجْعَلُ هَذِهِ النِّعْمَةُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ مَعَ اعْتِرَافِهِ لِرَبِّهِ بِالْخُضُوعِ فَالْمُرَادُ بِالتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ هُنَا الِاعْتِرَافُ بَيْنَ يَدَيْ الْحَقِّ بِهَا فَتَكُونُ مِنْ بَابِ الشُّكْرِ أَيْضًا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ أَيْضًا إنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِالتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ مَعَ غَيْرِ اللَّهِ لَا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخِطَابُ هُنَا مَعَهُ سُبْحَانَهُ. (قَوْلُهُ: الْأَخْصَرُ مِنْهُ) أَفْعَلُ

لِلتَّلَذُّذِ بِخِطَابِ اللَّهِ وَنِدَائِهِ. وَعَدَّلَ عَنْ الْحَمْدِ لِلَّهِ الصِّيغَةَ الشَّائِعَةَ لِلْحَمْدِ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنْ الْخَلْقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفْضِيلِ الْمُعَرَّفُ بِأَلْ كَالْمُضَافِ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمِنْ فَيُؤَوَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ " أَلْ " زَائِدَةٌ أَوْ جِنْسِيَّةٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَدْخُولَهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ أَوْ بِأَنَّ مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَخْصَرَ مُقَدَّرٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْمَذْكُورِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًا ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ كَذَا فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَنُظِرَ فِي التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ بِصَيْرُورَةِ مَدْخُولِ " أَلْ " نَكِرَةً فَيَلْزَمُ نَعْتُ نَحْمَدُ اللَّهَ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ بِالنَّكِرَةِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ (وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ) بِجَعْلِهِ بَدَلًا أَوْ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِيَّةِ قِيلَ وَهَلْ يُرَدُّ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا جِنْسِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مَدْخُولَهَا لَهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ مَدْخُولَا " أَلْ " الْجِنْسِيَّةِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ إجْرَاؤُهُ مَجْرَاهَا نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ إجْرَائِهِ مَجْرَى الْمَعْرِفَةِ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ. أَقُولُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ التَّكَلُّفِ فَالْأَحْسَنُ، الْقَوْلُ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ فَإِنَّ جَعْلَهَا جِنْسِيَّةً مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الْجَامِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ إنَّ اللَّامَ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْعَهْدِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُشَارُ بِاللَّامِ إلَى مُعَيَّنٍ بِتَعْيِينِ الْمُفَضَّلِ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا طُلِبَ شَخْصٌ أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ فَقُلْتَ عَمْرٌو الْأَفْضَلُ أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ. (قَوْلُهُ: لِلتَّلَذُّذِ) بِخِطَابِ اللَّهِ وَنِدَائِهِ الْخِطَابُ بِالْكَافِ وَالنِّدَاءُ بِالْمِيمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ يَا اللَّهُ حُذِفَتْ يَا وَعُوِّضَ عَنْهَا بِالْمِيمِ وَلِهَذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَشُدِّدَتْ لِتَكُونَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ لَاهُمَّ بِحَذْفِ " أَلْ " هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ وَالتَّقْدِيرُ يَا اللَّهَ آمِنَّا بِخَيْرٍ أَيْ اقْصِدْنَا ثُمَّ حُذِفَ لِلِاخْتِصَارِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُنَاكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمِيمَ زَائِدَةٌ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِ كَمَا زِيدَتْ فِي " زُرْقُمٍ " لِشِدَّةِ الزُّرْقَةِ وَاِبْنُم فِي الِابْنِ قَالَ السَّيِّدُ وَهُوَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْظِيمِ وَإِنْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ فَإِنَّ التَّاءَ فِي قَوْلِنَا تَاللَّهِ بَدَلٌ مِنْ الْبَاءِ وَفِيهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ قَالَ الْكَمَالُ وَيَصِحُّ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ أَيْضًا بِمَا فِي الْخِطَابِ وَالنِّدَاءِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ حَمْدَهُ وَاقِعٌ عَلَى وَجْهِ الْإِحْسَانِ الْمُفَسَّرِ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ» ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخِطَابِ وَالنِّدَاءِ دَالٌّ عَلَى الْحُضُورِ. (قَوْلُهُ: إذْ الْقَصْدُ) أَيْ بِالصِّيغَةِ الشَّائِعَةِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ الصِّيغَةُ الشَّائِعَةُ لِلْحَمْدِ مِنْ أَنَّ صِيغَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ " لِإِنْشَاءِ الْحَمْدِ أَيْ لِإِنْشَاءِ الثَّنَاءِ " عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ إلَخْ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْعُدُولِ عَنْ تِلْكَ الصِّيغَةِ إلَى مَا قَالَهُ. (قَوْلُهُ: مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ لَامَ " لِلَّهِ " لِلْمُلْكِ وَمِثْلُهُ مَا إذَا جُعِلَتْ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَنَّ " أَلْ " استغراقية أَوْ جِنْسِيَّةٌ وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ الْخَلْقِ لِإِخْرَاجِ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذْ مَرْجِعُهُ لِصِفَةِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالثَّنَاءِ وَصِفَاتُهُ تَعَالَى لَا تَتَّصِفُ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْإِيهَامِ اللَّفْظِيِّ وَإِنْ كَانَتْ اللَّامُ الَّتِي لِلْمُلْكِ مَعْنَاهَا الِارْتِبَاطُ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الْحَنَفِيَّةِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ إذْ الصِّفَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِمَوْصُوفِهَا وَلَوْ جُعِلَتْ لَامُ " لِلَّهِ " لِلِاخْتِصَاصِ لَدَخَلَ الْحَمْدُ الْقَدِيمُ أَيْضًا وَيُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ مِنْ الْخَلْقِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إذْ لَيْسَ غَرَضُهُ إلَّا بَيَانَ كَوْنِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً لَا خَبَرِيَّةً فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُ ثَنَائِهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ. وَأَقُولُ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ إنْشَاءً مَضْمُونًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ كَمَا بَيَّنُوهُ وَهُوَ إنَّمَا الْمَقْصُودُ إنْشَاءُ الثَّنَاءِ بِمَضْمُونِهَا وَهُوَ حَاصِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ شُمُولِ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ أَيْضًا فَتَدَبَّرْ تَقْيِيدَهُمْ إفَادَةَ أَلْ الْجِنْسِيَّةِ لِلِاخْتِصَاصِ بِجَعْلِ لَامِ لِلَّهِ لِلْمُلْكِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ بَلْ

لَا الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَصْلِ فِي الْقَصْدِ بِالْخَبَرِ مِنْ الْإِعْلَامِ بِمَضْمُونِهِ إلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ بِرِعَايَةِ الْأَبْلَغِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهِيَ وَحْدَهَا مُفِيدَةٌ لَهُ فَنَقُولُ كُلَّمَا كَانَ لَامُ الْمُلْكِ كَافِيًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَالْبِنَاءُ عَلَى دَلَالَةِ مَجْمُوعِ اللَّامَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَكِنْ الْمُقَدَّمُ حَقٌّ فَكَذَا التَّالِي. وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَامَ الْمُلْكِ يَدُلُّ مَعْنَاهُ بِمُجَرَّدِ انْضِمَامِهِ إلَى مَجْرُورٍ فَمَعْنَاهُ اخْتِصَاصُ شَيْءٍ بِمَجْرُورِهِ لِاخْتِصَاصِ حَمْدٍ مُعَيَّنٍ بِكَوْنِ كُلِّ حَمْدٍ أَوْ جِنْسِ الْحَمْدِ أَوْ الْحَمْدِ الْمَعْهُودِ بِمَجْرُورِهِ فَإِنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ إنَّمَا هِيَ مَجْمُوعُ اللَّامَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِتَقْيِيدِ إفَادَةِ لَامِ الْمُلْكِ الِاخْتِصَاصَ بِانْضِمَامِ " أَلْ " الْجِنْسِيَّةِ بَلْ يَجْرِي هَذَا فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِفَادَةَ الْمَذْكُورَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ضَمِيمَةِ اللَّامِ عَلَى سَائِرِ احْتِمَالَاتِهَا فَالْقَصْرُ قُصُورٌ لَا يُقَالُ اخْتِصَاصُ شَيْءٍ مَا بِمَجْرُورِهِ مَعْنًى كُلِّيٌّ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَعْنَى الْحَرْفِ جُزْئِيٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُهُمْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ وَالْإِضَافِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ وَإِلَّا فَالِابْتِدَاءُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِنَا سِرْتُ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْكُوفَةِ لَيْسَ جُزْئِيًّا حَقِيقِيًّا أَيْضًا إذْ ذَلِكَ الِابْتِدَاءُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا لَا تُحْصَى مِثْلَ الِابْتِدَاءِ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ وَكُلُّهَا مِنْ هَذِهِ أَفْرَادٌ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الِابْتِدَاءُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْحُرُوفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اخْتِصَاصَ شَيْءٍ مَا بِاَللَّهِ تَعَالَى جُزْءٌ إضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى اخْتِصَاصِ شَيْءٍ مَا بِشَيْءٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْحُرُوفَ مَوْضُوعَةٌ لِمَعَانٍ جُزْئِيَّةٍ حَقِيقِيَّةً فَالدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ الْفَهْمِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ التَّهْذِيبِ لِلْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَامَ الْمُلْكِ بِمُجَرَّدِ انْضِمَامِهِ إلَى الْمَجْرُورِ يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَاهُ وَلَوْ إجْمَالًا فَيَكُونُ دَالًّا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَا الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الثَّنَاءُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّهُ مَالِكٌ إلَخْ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ جُمْلَةَ الْحَمْدِ لِلَّهِ إذَا كَانَتْ خَبَرِيَّةً لَا تُفِيدُ الْحَمْدَ وَهُوَ خِلَافُ الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَالِكٌ أَوْ مُخْتَصٌّ بِالْحَمْدِ حَامِدٌ قَالَ بَعْضٌ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِالْحَمْدِ لَيْسَ بِحَامِدٍ هُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ اهـ. وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَا إنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِمَا كَادَ يَصِيرُ إجْمَاعًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جُمْلَةَ الْحَمْدَلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ اسْمِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً خَبَرِيَّةً أَوْ إنْشَائِيَّةً مُفِيدَةٌ لِلْحَمْدِ ضِمْنًا وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي هَذَا النَّفْيِ إشَارَةً إلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِحِ لَيْسَ إلَّا بَيَانَ مَا يُقْصَدُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي مَقَامِ الْحَمْدِ مِنْ إنْشَاءِ الثَّنَاءِ بِهَا وَإِنْ حَصَلَ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا أَيْضًا فَجَعَلَ الشَّارِحُ تِلْكَ الْجُمْلَةَ إنْشَائِيَّةً لِيُوَافِقَ الْوَاقِعَ مِنْ الْجَامِدِ لَا لِتَوَقُّفِ حُصُولِ الْحَمْدِ عَلَى كَوْنِهَا إنْشَائِيَّةً فَتَأَمَّلْ اهـ. وَكُلُّ هَذَا بَعِيدٌ عَنْ مَذَاقِ عِبَارَةِ الشَّارِحِ بَلْ مَقْصُودُ مَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي مِنْ أَنَّ قَصْدَ الْمُخْبِرِ إمَّا إعْلَامُ الْمُخَاطَبِ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَصْلُ أَوْ إعْلَامُهُ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَالِمٌ بِذَلِكَ الْمَضْمُونِ كَقَوْلِك لِمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَنْتَ تَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَالْأَوَّلُ مُسَمَّى فَائِدَةِ الْخَبَرِ وَالثَّانِي مُسَمَّى لَازِمِهَا إذْ إعْلَامُ الْمُخَاطَبِ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَالِمٌ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ إعْلَامِهِ بِمَضْمُونِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْفَكُّ قَصْدُهُ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُطَوَّلِ عِنْدَ قَوْلِ التَّلْخِيصِ لَا شَكَّ أَنَّ قَصْدَ الْمُخْبِرِ إفَادَةُ الْمُخَاطَبِ إمَّا الْحُكْمَ أَوْ كَوْنَهُ عَالِمًا بِهِ أَيْ مَنْ يَكُونُ بِصَدَدِ الْإِخْبَارِ وَالْإِعْلَامِ لَا مَنْ يَتَلَفَّظُ بِالْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مَا تُورَدُ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ لِأَغْرَاضٍ أُخَرَ سِوَى إفَادَةِ الْحُكْمِ أَوْ لَازِمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ امْرَأَةِ عِمْرَانَ {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36] إظْهَارًا لِلتَّحَسُّرِ وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4] إظْهَارًا لِلضَّعْفِ وَالتَّخَشُّعِ إلَخْ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّيَالَكُوتِيُّ وَقَوْلُهُ كَثِيرًا مَا تُورَدُ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ أَيْ مُرَادًا بِهَا مَعْنَاهَا وَلَيْسَ إنْشَاءً حَتَّى لَا يَصْلُحَ شَاهِدًا اهـ. وَقَدْ سَبَقَ لَك أَيْضًا نَحْوُهُ وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا خَبَرِيَّةً تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْأَصْلِ فِي الْإِخْبَارِ مِنْ الْإِعْلَامِ فَالْمُتَكَلِّمُ بِهَا لَا يُقَالُ لَهُ مُعْلِمٌ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا لَهُ مُخْبِرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَى مَا قَالَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَدَلَ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ نَحْمَدُك ثَنَاءً بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَيْ نَصِفُك بِجَمِيعِ صِفَاتِك وَقَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْأَبْلَغِيَّةِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا أَبْلَغُ فَأَبْلَغُ فِي كَلَامِهِ

وَهَذَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا. وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ إلَّا الْأَبْلَغِيَّةُ هُنَاكَ بِأَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ فَذَلِكَ الْبَعْضُ أَعَمُّ مِنْ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ لِصِدْقِهِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا الْكَثِيرَ فَالثَّنَاءُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ الثَّنَاءِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا نَعَمْ الثَّنَاءُ بِهَا مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهَا أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ الثَّنَاءِ بِهِ. (عَلَى نِعَمٍ) جَمْعُ نِعْمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمُبَالَغَةِ أَيْ أَزْيَدُ فِي الْمَعْنَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَأَمَّا كَوْنُهَا أَبْلَغَ مِنْ الْبَلَاغَةِ أَيْ أَتَمُّ بَلَاغَةً فَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْحَمْدُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا أَيْ ثَنَاءٌ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ هِيَ مَالِكِيَّةُ جَمِيعِ الْحَمْدِ وَاعْتَرَضَهُ الْكَمَالُ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ كُلُّ حَمْدٍ مُسْتَحَقٌّ لَهُ تَعَالَى أَوْ مُخْتَصٌّ بِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ صِفَةٌ تَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إجْمَالًا؛ لِأَنَّ كُلَّ حَمْدٍ مَعْنَاهُ كُلُّ ثَنَاءٍ بِجَمِيلٍ وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى جَمِيلٌ فَرِعَايَةُ الْأَبْلَغِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الشَّارِحُ حَاصِلَةٌ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ وَلَا يَدَّعِي أَنَّ الِافْتِتَاحَ بِمَا سِوَى مَا اُفْتُتِحَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ أَبْلَغُ مِنْ الِافْتِتَاحِ بِهِ إلَّا مَنْ ذَهِلَ عَنْ مُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْأَدَبِ مَعَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَأَطَالَ الْمُحَشِّي فِي رَدِّهِ تَرَكْنَاهُ لِمَا فِي أَكْثَرِهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّحَامُلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا رُوعِيَتْ الْأَبْلَغِيَّةُ وَلَفْظُ هُنَاكَ إشَارَةٌ لِقَوْلِهِ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ انْتِفَاءَ رِعَايَةِ الْأَبْلَغِيَّةِ صَادِقٌ بِإِرَادَةِ الثَّنَاءِ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ وَالثَّنَاءِ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ الصَّادِقِ بِالثَّنَاءِ بِكُلِّ الصِّفَاتِ وَبِبَعْضِهَا فَلَوْ حَذَفَ الشَّارِحُ قَيْدَ الْبَعْضِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَلْيَقَ بِمَقَامِ تَرْجِيحِ الْفِعْلِيَّةِ. وَأَجَابَ الْمُحَشِّي بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِأَنْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ الْأَبْلَغِيَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لَهُ وَالْمَعْنَى وَإِنْ انْتَفَتْ مُرَاعَاةُ الْأَبْلَغِيَّةِ بِسَبَبِ أَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِالْبَعْضِ وَبِالْكُلِّ بِخِلَافِ إرَادَةِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ فَاحْتَاجَ لِبَيَانِهِ وَاسْتَغْنَى عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ بِأَنْ لِلتَّمْثِيلِ بِمَعْنَى كَانَ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ شَيْخَيْ الشَّافِعِيَّةِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي كُتُبِهِمَا عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ اسْتِقْرَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَابَعَهُمَا الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَذَلِكَ الْبَعْضُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إبْهَامُهُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ لِصِدْقِهِ بِهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا وَبِغَيْرِهَا مُطْلَقًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَوْ إنَّمَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي الْأَبْلَغِيَّةِ وَقَوْلُهُ فَالثَّنَاءُ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْبَعْضِ أَبْلَغُ مِنْ الثَّنَاءِ بِهَا أَيْ مِنْ تِلْكَ الْوَاحِدَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي بَعْضِ التَّقَادِيرِ لَا كُلِّهَا إذْ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ تِلْكَ الْوَاحِدَةِ بِهِ فَالْمَوْجُودُ الْمُسَاوَاةُ لَا الْأَبْلَغِيَّةُ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَيْ كَمَا أَنَّ الثَّنَاءَ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ أَبْلَغُ وَقَوْلُهُ: نَعَمْ، اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَبْلَغُ دُفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ أَرْجَحِيَّةِ الثَّنَاءِ بِهِ عَلَى الثَّنَاءِ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهَا أَيْ تَعْيِينُهَا بِالْعِبَارَةِ وَالْحَيْثِيَّةِ لِتَعْلِيلِ الْأَوْقَعِيَّةِ وَقَوْلُهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ أَيْ أَمْكَنُ فِيهَا

بِمَعْنَى إنْعَامٍ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْظِيمِ أَيْ إنْعَامَاتٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْهَا الْإِلْهَامُ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْإِقْدَارِ عَلَيْهِ وَعَلَى صِلَةِ نَحْمَدُ. وَإِنَّمَا حَمِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِلْفِهَا الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ وَقَوْلُهُ مِنْ الثَّنَاءِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْبَعْضِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ بِالْعِبَارَةِ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ مُعَيَّنٌ وَقَدْ يُقَالُ الثَّنَاءُ بِهَا وَإِنْ كَانَ أَوْقَعَ مِنْ حَيْثُ التَّعْيِينُ فَالثَّنَاءُ لَهُ أَبْلَغُ لِشُمُولِهِ لَهَا وَلِغَيْرِهَا الْكَثِيرَ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الثَّنَاءُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ قَالَ الْبَعْضُ وَقَدْ يُوجَدُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ الثَّنَاءَ بِالْجُمْلَةِ الْفَعِيلَةِ بِقَصْدِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ كَمَا أَنَّ نِعَمَهُ تَعَالَى لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ وَتَتَزَايَدُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَمْدِهِ بِمَحَامِدَ لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إنْعَامٍ) وَجْهُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْجَمْعِ حَمْلُ النِّعَمِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأَنْوَاعُ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إنْ أُوقِعَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَثَرِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا الْأَصْلَ إذْ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَالْحَمْدُ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ كُلِّهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهَا دَخْلًا فِي تَحَقُّقِ أَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا، عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمَنْسُوبُ لِلْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا فِيهِ أَوْ لَا أَوْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا مَجَازٌ عَنْ الْمَدْحِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ فَيَشْمَلُ الْأَخْلَاقَ النَّفْسَانِيَّةَ كَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي الْمُطَوَّلِ إنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى النِّعْمَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فِعْلًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْأَثَرَ النَّاشِئَ عَنْ الْفِعْلِ قَدْ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ وَصُدُورُهُ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ مِمَّا لُوحِظَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا مُنَافَاةَ هَذَا الْحَمْلُ تَصْرِيحُهُ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ بِأَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا. (قَوْلُهُ: لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْظِيمِ) أَيْ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا فَإِنَّ التَّنْوِينَ قَدْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُمَا مَعًا كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] أَيْ ذَوُو عَدَدٍ كَثِيرٍ وَآيَاتٍ عِظَامٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ إنْعَامَاتٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ النِّعَمَ جَمْعٌ كَثْرَةٍ وَالْإِنْعَامَاتِ جَمْعُ قِلَّةٍ؛ لِأَنَّ جُمُوعَ السَّلَامَةِ لِلذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ لِلْقِلَّةِ فَكَيْفَ فَسَّرَهَا بِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْكَثْرَةِ وَالْعِظَمِ دَفَعَ إرَادَةَ الْقِلَّةِ وَصَرَفَهُ إلَى الْكَثْرَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْهُ الْإِلْهَامُ إلَخْ) خَصَّ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِمُنَاسَبَتِهِمَا لِلْمَقَامِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى صِلَةِ نَحْمَدُ) أَيْ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَلَا يُنَافِيهِ جَعْلُ بَعْضِهِمْ لَهَا تَعْلِيلِيَّةً وَذَكَرَهُ مَعَ كَمَالِ وُضُوحِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ يُحْتَمَلُ تَعَلُّقُ عَلَى بِالْحَمْدِ فِي قَوْلِهِ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ أَوْ بِمَحْذُوفٍ فَلِهَذَا اُحْتُرِزَ عَنْهُ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ جَعْلِي يُؤْذِنُ بِالْحَمْدِ إلَخْ صِفَةً لِنِعَمٍ فَلَوْ جُعِلَ الْجَارُّ مُتَعَلِّقًا بِالْحَمْدِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ جُزْءًا مِنْ صِفَتِهِ وَامْتِنَاعُهُ بَدِيهِيٌّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ الْجُمْلَةُ صِفَةً لِنِعَمٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَنْتَظِمُ الْجُمْلَتَانِ أَعْنِي جُمْلَةَ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ وَجُمْلَةَ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ

عَلَى النِّعَمِ أَيْ فِي مُقَابَلَتِهَا لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ وَالثَّانِيَ مَنْدُوبٌ. وَوَصَفَ النِّعَمَ بِمَا هُوَ شَأْنُهَا بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِازْدِيَادِهَا، وَقَوْلُ النَّجَّارِيِّ إنَّ " عَلَى " لَيْسَتْ تَعْلِيلِيَّةً لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ بَاعِثَةٌ عَلَى الْحَمْدِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ وَالْبَعْضُ قَالَ فِي جَوَابِهِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَعْلِيلِ حُصُولِ الشَّيْءِ بِعِلَّةِ قَصْرِ حُصُولِهِ عَلَى تِلْكَ الْعِلَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ وَهُوَ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى النِّعَمِ) لَمْ يَقُلْ عَلَى الْإِنْعَامَاتِ مَعَ أَنَّهَا الْمُرَادَةُ كَمَا أَسْلَفَهُ مُجَارَاةً لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي مُقَابَلَتِهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عِلَّةً لِصُدُورِ الْحَمْدِ (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّقَ الْحَمْدَ أَوَّلًا بِضَمِيرِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ وَهُوَ الْكَافُ فَيُفِيدُ الْحَمْدَ لِلذَّاتِ لَا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ حَمِدَ حَمْدًا مُطْلَقًا أَيْضًا فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ أَشَارَ لِمِثْلِ ذَلِكَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ التَّلْخِيصِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ قَالَ سَمِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا مُطْلَقًا أَيْ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ لَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ أَيْ الْحَمْدُ عَلَى النِّعَمِ وَاجِبًا وَكَانَ الْوَاجِبُ أَهَمَّ مِنْ الْمَنْدُوبِ، لَمْ يُطْلَقْ الْحَمْدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِئَلَّا يَخْرُجَ الْأَهَمُّ بَلْ قَيَّدَ بِالنِّعَمِ لِيَحْصُلَ وَإِنْ حَصَلَ غَيْرُهُ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُسْتَشْكِلُ نَظَرَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحْقِيِّينَ كَالْعِصَامِ فِي أَطْوَالِهِ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ إفَادَةَ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ يُفِيدُ عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُشْتَقًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْعَلَمِ وَالضَّمِيرِ فَلَا يَدُلُّ التَّعْلِيقُ بِهِ عَلَى عِلِّيَّةِ الذَّاتِ وَلَئِنْ سُلِّمَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ غَيْرِ الذَّاتِ كَمَا فِي حَمْدِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ تَنْظِيرٌ فِي مَحَلِّهِ وَإِنْ تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ الْجَوَابَ عَنْهُ وَحَيْثُ عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَمْدُ الْمُطْلَقُ أَصْلًا وَلَا التَّنْبِيهُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ الْإِشْكَالُ الْمُتَقَدِّمُ اهـ. وَأَقُولُ قَدْ سَلَفَ مِنَّا مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ التَّفْتَازَانِيِّ وَلْنَذْكُرْ هُنَا أَيْضًا مَا يَنْدَفِعُ بِهِ مَا أَوْرَدُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ وَجْهُ دَلَالَةِ التَّعْلِيقِ الْحَمْدُ بِلَفْظِ اللَّهِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ أَنَّهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الصِّفَاتِ جُعِلَ تَعْلِيقُ الْحَمْدِ بِهِ كَتَعْلِيقِهِ بِالْمُشْتَقِّ الدَّالِّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْإِنْعَامِ كَأَنَّهُ تَخَصَّصَ بَعْدَ التَّعْمِيمِ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ ذَاتُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِلصِّفَاتِ وَمُسْتَتْبِعَةً لَهَا بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ بِالْغَيْرِ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْحَمْدِ بِخِلَافِ سَائِرِ الذَّوَاتِ وَوَجْهُ دَلَالَةِ تَعْلِيقِ الْحَمْدِ بِلَفْظِ اللَّهِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ تَعْلِيقَ الْحَمْدِ بِالْإِنْعَامِ فَالْعِبَارَةُ الظَّاهِرَةُ الْحَمْدُ لِلْمُنْعِمِ أَوْ لِمَنْ أَنْعَمَ فَإِذَا عَدَلَ إلَى تَعْلِيقِهِ بِاسْمِ الذَّاتِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْعَامَ فَلَا بُدَّ مِنْ نُكْتَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ الْحَمْدَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً وَقَوْلُهُ وَاجِبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ وَاجِبًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَهُ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَاسْتَغْرَقَ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ فِي أَدَاءِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ وَلَمْ تَفِ طَاقَتُهُ إذْ نِعَمُهُ تَعَالَى مُتَوَالِيَةٌ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَنْقَطِعُ سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَجَدُّدِ الْأَعْرَاضِ فَإِنَّهُ إنْعَامٌ بِاسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشُّكْرَ لَا يَنْحَصِرُ فِي اللِّسَانِ بَلْ يَعُمُّ الْجِنَانَ وَالْأَرْكَانَ فَيُمْكِنُ اسْتِغْرَاقُ عُمُرِهِ فِي الشُّكْرِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْلَى جَمِيعِ النِّعَمِ مُذْعِنًا بِذَلِكَ وَعُرُوضُ الْغَفْلَةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِمْرَارَ الِاعْتِقَادِ كَمَا أَنَّ الْغَفْلَةَ فِي الْإِيمَانِ لَا تُزِيلُهُ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ الْمُطْلَقُ. (قَوْلُهُ: وَوَصَفَ النِّعَمَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّعَمِ الْمَعْنَى لَا اللَّفْظُ

(يُؤْذِنُ الْحَمْدُ) عَلَيْهَا (بِازْدِيَادِهَا) أَيْ يُعْلِمُ بِزِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِلْهَامِ لَهُ وَالْإِقْدَارِ عَلَيْهِ وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ. فَيَقْتَضِيَانِ الْحَمْدَ وَهُوَ مُؤْذِنٌ بِالزِّيَادَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَمْدِ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بِمَا هُوَ مُنَاسِبٌ مِنْ شَأْنِهَا وَقَضِيَّةُ هَذَا تَعَيُّنُ ظَرْفِيَّةِ الْبَاءِ فِي بِقَوْلِهِ. وَأَمَّا مَا جَوَّزَهُ الْكَمَالُ مِنْ إبْدَالِهِ بِقَوْلِهِ مِنْ بِمَا هُوَ شَأْنُهَا فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْمَوْصُوفَ النِّعَمَ الَّتِي هِيَ الْمَعَانِي كَمَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ اقْتَضَى أَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ بِمَعْنَى قَوْلِهِ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَإِنْ جُعِلَ لَفْظُ النِّعَمِ مَذْكُورٌ اقْتَضَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ شَأْنُ لَفْظِ النِّعَمِ وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ نَظَرٌ اهـ. سَمِّ. وَقَدْ يُمْنَعُ التَّكَلُّفُ بِأَنَّ حَذْفَ الْمُضَافِ كَثِيرٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ وَقَوْلُهُ وَفِي صُحْبَةِ ذَلِكَ نَظَرٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ وَصْفٌ لِلنِّعَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ شَأْنَ لَفْظِ النِّعَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا. (قَوْلُهُ: يُؤْذِنُ الْحَمْدُ عَلَيْهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَمْدَ مُطْلَقًا يُؤْذِنُ بِالزِّيَادَةِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَمْدِ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ عَلَى نِعَمٍ وَلِيَصِحَّ وَصْفُ النِّعَمِ بِالْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا اهـ سَمِّ وَكَتَبَ الْغُنَيْمِيُّ أَقُولُ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ بِازْدِيَادِهَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُعْلِمُ) تَفْسِيرٌ لِيُؤْذِنَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ لَكِنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى يَدُلُّ دَلَالَةً الْتِزَامِيَّةً كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ إلَخْ إذْ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى شَيْءٍ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ الْتِزَامًا فَالتَّجَوُّزُ فِي الْمُسْنَدِ الَّذِي هُوَ يُؤْذَنُ لَا فِي إسْنَادِهِ إلَى مَرْفُوعِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ يُؤْذِنُ أَيْ يُعْلَمُ الْحَمْدُ عَلَيْهَا الَّذِي هُوَ شُكْرٌ إمَّا بِازْدِيَادِهَا؛ لِأَنَّ صِدْقَ الْوَعْدِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] يَقْتَضِي كَوْنَ الشُّكْرِ مَلْزُومًا لِلِازْدِيَادِ فَوُجُودُهُ يُؤْذِنُ بِوُجُودِهِ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ لَا يَتَخَلَّفُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ قَرِيبٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: بِزِيَادَتِهَا) لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِمُزَاوَجَةِ قَوْلِهِ لِرَشَادِهِمَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي الِاكْتِسَابِ وَالْكَسْبِ وَأَصْلُ ازْدِيَادٍ ازْتِيَادٌ أُبْدِلَتْ التَّاءُ دَالًا (قَوْلُهُ: وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ) مُجَرَّدُ هَذَا كَافٍ فِي صِدْقِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ بِازْدِيَادِهَا فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ أُرِيدَ بِالْحَمْدِ عَلَى النِّعَمِ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ إلَيْهِ لِدُخُولِ الْحَمْدِ عَلَى كُلِّ إلْهَامٍ وَإِقْدَارٍ حِينَئِذٍ قَالَهُ سَمِّ. (قَوْلُهُ: فَيَقْتَضِيَانِ الْحَمْدَ) أَيْ يَسْتَلْزِمَانِهِ وَاعْتَرَضَهُ سَمِّ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ يَقْتَضِيَانِ وُجُودَ الْحَمْدِ فَمَمْنُوعٌ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ أَوْ لَا يُوجَدَ الْحَمْدُ عَلَيْهِمَا بِأَنْ يَحْمَدَ الْإِنْسَانُ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى النِّعَمِ فَقَدْ وُجِدَا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ حَمْدٌ عَلَيْهِمَا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَحْمَدْ بَعْدَ تِلْكَ الْمَرَّةِ وَإِنْ أَرَادَ يَقْتَضِيَانِ طَلَبَ الْحَمْدِ فَمُجَرَّدُ طَلَبِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُودِهِ لَا يُؤْذِنُ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا الْمُؤْذِنُ بِهَا وُجُودُهُ وَمُجَرَّدُ طَلَبِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ إذْ امْتِثَالُ الطَّلَبِ غَيْرُ لَازِمٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مُرَاعًى فِي الِاقْتِضَاءِ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْعَبْدِ مِنْ امْتِثَالِ الطَّلَبِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ اهـ وَلَا يَخْفَى صَلَاحِيَّةُ الْجَوَابِ عَلَى اخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْ الشِّقَّيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُحْمَدُ عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ الْمُقَارَنَةِ لِلْحَمْدِ بِحَيْثُ يَشْمَلُ الْإِلْهَامَ وَالْإِقْدَارَ أَيْضًا فَلَا يَحْتَاجُ لِحَمْدٍ آخَرَ وَيُمْكِنُ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ الْحَالِيَّةِ وَالِاسْتِقْبَالِيَّة إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لَا يَكُونُ عَلَى

وَهَلُمَّ جَرَّا فَلَا غَايَةَ لِلنِّعَمِ حَتَّى يُوقَفُ بِالْحَمْدِ عَلَيْهَا {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] وَازْدَادَ وَزَادَ اللَّامَ مُطَاوِعًا زَادَ الْمُتَعَدِّيَ تَقُولُ زَادَ اللَّهُ النِّعَمَ عَلَيَّ فَازْدَادَتْ وَزَادَتْ. (وَنُصَلِّي) . (عَلَى نَبِيِّك مُحَمَّدٍ) . مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَهِيَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ أَيْ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ «أَمَرَنَا اللَّهُ نُصَلِّي عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» إلَخْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا صَدْرَهُ فَمُسْلِمٌ. وَالنَّبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّعْمَةِ الْغَيْرِ مَوْجُودَةِ حَالَ الْحَمْدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُوقَفَ بِالْحَمْدِ عَلَيْهَا) أَيْ تِلْكَ الْغَايَةِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهَلُمَّ جَرَّا فَحَتَّى تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ. (قَوْلُهُ: وَازْدَادَ وَزَادَ) اللَّازِمُ تَخْصِيصُ زَادَ بِتَقْيِيدِهِ بِاللَّازِمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ ازْدَادَ مُطَاوِعٌ فِي حَالَتَيْ التَّعَدِّي وَاللُّزُومِ. (قَوْلُهُ: وَنُصَلِّي) لَمْ يُسَلَّمْ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا يُوَافِقُ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهِيَةِ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَلَى السَّلَامِ وَالْقَائِلُ بِالْكَرَاهَةِ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ) عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى نَبِيٍّ لَا صِفَةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعَلْمَ يَنْعَتُ وَلَا يُنْعَتُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ الْمَلَائِكَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} [فاطر: 13] مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي حُكْمِ الْإِعْرَابِ إيقَاعُ اسْمِ اللَّهِ صِفَةً لِاسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ وَرَبُّكُمْ خَبَرٌ إنَّمَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ كَالْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ وَإِلَّا فَتَجْوِيزُ نَعْتِ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِمَا لَيْسَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ وَمَا لَيْسَ بِمَوْصُولٍ مِمَّا أَجْمَعَ النُّحَاةُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ أَيْضًا بِامْتِنَاعِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فِي مُفَصَّلِهِ وَأَيْضًا صَرَّحَ فِي أَوَائِلِ الْكَشَّافِ بِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يُوصَفُ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى عَلَمِيَّتِهِ ثُمَّ الْبَدَلِيَّةِ وَإِنْ جَوَّزَهَا فِي قَوْله تَعَالَى {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 2] لَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ هَا هُنَا أَيْضًا الصِّفَةُ السَّابِقَةُ وَتَقْرِيرُ النِّسْبَةِ تَبَعٌ وَالْبَدَلِيَّةُ تَسْتَدْعِي الْعَكْسَ. (قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ مَأْخُوذَةٌ مِنْهَا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ قَيْدٌ أَوَّلٌ مُخْرِجٌ لِلصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَاتِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَقَوْلُهُ الْمَأْمُورُ بِهَا قَيْدٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْغَيْرِ مَأْمُورٍ بِهَا أَعْنِي صَلَاةَ اللَّهِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ) فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ الدُّعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَقَالَ الْكُورَانِيُّ الصَّلَاةُ نَفْسُ الدُّعَاءِ، وَالدُّعَاءُ يَلْزَمُهُ التَّعْظِيمُ فَإِنَّ مَنْ دَعَوْتَ لَهُ فَقَدْ عَظَّمْتَهُ فَأُطْلِقَ الْمَلْزُومُ وَأُرِيدَ اللَّازِمُ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا أَيْ وَتُعَظِّمُ نَبِيَّك بِأَنْ تَقُولَ يَا إلَهَنَا صَلِّ عَلَيْهِ أَيْ عَظِّمْهُ وَبَجِّلْهُ اهـ. قَالَ سَمِّ وَهُوَ تَوْجِيهٌ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ فَإِنَّ فِيهِ صَرْفَ الْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى ذَلِكَ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَفَةِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَظَاهِرِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ مَعْنَى الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَةُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَرْحُومٌ فَلَا نَطْلُبُ لَهُ الرَّحْمَةَ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الرَّحْمَةِ وَمَرَاتِبَهَا لَا تَنْحَصِرُ وَلَيْسَ جَمِيعُهَا حَاصِلًا لَهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَيُطْلَبُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ حَاصِلًا لَهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ هَذَا عَجِيبٌ فَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ إنَّ أَصْلَهَا فِي اللُّغَةِ التَّعْظِيمُ وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِنَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَظِّمْهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ وَفِي الْآخِرَةِ بِتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَمُضَاعَفَةِ أَجْرِهِ وَمَثُوبَتِهِ وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّلَاةُ الَّتِي بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ لَا تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَاَلَّتِي بِمَعْنَى الدُّعَاءِ تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَمِثْلُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الشِّفَاءِ لِعِيَاضٍ نَقْلًا عَنْ الْقُشَيْرِيِّ وَغَيْرِهِ نَعَمْ زَادَ الْكُورَانِيُّ حَيْثُ جَعَلَ الْأَصْلَ هُوَ الدُّعَاءُ وَاعْتَبَرَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ لَازِمٌ مَشْهُورٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ عِنْدَهُمْ حَتَّى قَالُوا إنَّهُ الْحَقِيقَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَخْذًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ لِأَجْلِ كَوْنِ صَلَاتِنَا عَلَيْهِ مَأْمُورًا بِهَا وَكَوْنِهَا بِمَعْنَى دُعَائِنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ أَخَذْنَا ذَلِكَ مِنْهُ أَخْذًا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى هَاتَيْنِ الدَّعْوَتَيْنِ فَقَطْ. وَأَمَّا الدَّعْوَى الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ أَيْ الرَّحْمَةُ مِنْ صَلَاةِ اللَّهِ بِمَعْنَى رَحْمَتِهِ فَلَا يَدُلُّ لَهَا الْحَدِيثُ بَلْ هُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ النَّقْلُ عَنْهَا (قَوْلُهُ أَمَرَنَا اللَّهُ) أَمَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَمَا يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ يُقَالُ أَمَرْتُك الْخَيْرَ وَأَمَرْتُك بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ وَإِنْ كَانَ حَذْفُهَا مَعَ إنْ وَأَنْ مُطَّرِدًا. (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) أَيْ رَوَيَا غَالِبَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا صَدْرَهُ فَمُسْلِمٌ وَذَلِكَ الصَّدْرُ هُوَ قَوْلُهُ «أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك» (قَوْلُهُ: وَالنَّبِيُّ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَهُوَ إنْسَانٌ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فَرْدٌ وَالْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ النَّبِيِّ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ

إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَإِنْ أُمِرَ بِذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا أَوْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ إذْ الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ لَا يُعْرَفُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ (قَوْلُهُ: إنْسَانٌ) عَبَّرَ بِهِ مُوَافَقَةً لِلْمَشْهُورِ فِي تَعْبِيرَاتِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى وَلْيَشْمَلْ مَنْ اخْتَلَفَ فِي نُبُوَّتِهِ مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي نُبُوَّةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَسَارَةَ وَهَاجَرَ وَقَدْ حَكَى وُقُوعَ هَذَا الْخِلَافِ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ فِي شَرْحِ قَصِيدَةٍ يَقُولُ الْعَبْدُ فِي بَدْءِ الْأَمَالِي وَقَدْ ذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي النُّبُوَّةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْكُورَانِيِّ وَالنَّبِيُّ ذَكَرٌ إلَخْ وَقَالَ وَقَوْلُنَا ذَكَرٌ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ إنْسَانٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اسْتِنْبَاءِ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُذَكَّرِهِ وَمُؤَنَّثِهِ بِالتَّاءِ فَيُقَالُ فِي الذَّكَرِ إنْسَانٌ وَفِي الْأُنْثَى إنْسَانَةٌ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ سَمِّ. وَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقُ فَإِنَّ إنْسَانَةً مُوَلَّدٌ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ إنْسَانَةٌ فَتَّانَةٌ ... بَدْرُ الدُّجَى مِنْهَا خَجِلَ مِنْ كَلَامِ الْمُوَلِّدِينَ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي اللُّغَةِ وَقَالَ مُحَشِّي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أُخِذَ الْإِنْسَانُ جِنْسًا لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَلَكُ وَالْجِنُّ إذْ النَّبِيُّ لَا يَكُونُ إلَّا إنْسَانًا بِخِلَافِ الرَّسُولِ حَيْثُ جَوَّزُوا كَوْنَهُ مَلَكًا وَلِذَا قِيلَ بِالْعُمُومِ مِنْ وَجْهٍ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ حَيْثُ جَوَّزَ فِي قَوْله تَعَالَى {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] كَوْنَ الْمَلَكِ الْمُبَلِّغِ رَسُولًا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَذَهَبَ التَّفْتَازَانِيُّ إلَى أَنَّ لِلرَّسُولِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُسَاوٍ لِلنَّبِيِّ. وَالْآخَرُ: أَخَصُّ مُطْلَقًا. وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ اهـ. ثُمَّ إنْ أُرِيدَ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ فَالْمُرَادُ بِالْهِدَايَةِ الْإِيصَالُ بِالْفِعْلِ وَإِنْ أُرِيدَ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ فَالْمُرَادُ الدَّلَالَةُ. (قَوْلُهُ: أَوْحَى إلَيْهِ) قَالَ مُحَشِّي الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ الْوَحْيُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا حَصَلَ بِلِسَانِ الْمَلَكِ فَوَقَعَ فِي سَمْعِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْمُبَلِّغِ بِآيَةٍ قَاطِعَةٍ وَالْقُرْآنُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَالثَّانِي: مَا وَضَحَ بِإِشَارَةِ الْمَلَكِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِالْكَلَامِ. وَالثَّالِثُ: بِإِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ أَرَاهُ بِنُورٍ مِنْ عِنْدِهِ. وَاَلَّذِينَ يَرَوْنَ الِاجْتِهَادَ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ جَعَلُوهُ قِسْمًا رَابِعًا وَسَمَّوْهُ وَحْيًا خَفِيًّا وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَحْيًا ظَاهِرًا فَالْوَحْيُ فِي التَّعْرِيفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الشَّامِلِ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ؛ لِأَنَّ مَا بَلَّغَهُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْخَلْقِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا لَا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ثَبَتَ بِكَلَامِ الْمَلَكِ أَوْ بِإِشَارَتِهِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي الْوَحْيِ بِجَعْلِهِ شَامِلًا لِمَا أُوحِيَ لِلنَّبِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ إيحَائِهِ إلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَوْحَى إلَى إسْمَاعِيلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ} [النساء: 163] الْآيَةَ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا لَا نَبِيًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} [مريم: 54] مَعَ أَنَّ أَوْلَادَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا عَلَى شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي أَنْوَارِ التَّنْزِيلِ فَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَبْعُوثٌ لِتَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ شَرِيعَةِ أَبِيهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ وَكَذَا أَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَبْعُوثُونَ لِتَبْلِيغِ التَّوْرَاةِ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُوحًى إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 246] الْآيَةَ أَنَّهُ يُوشَعُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ شَمَوْئِيلُ وَأَنَّهُ قَالَ دُعِيتُ اللَّيْلَةَ وَأُوحِيَ إلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ شَمْعُونُ وَأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيلُ وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إلَى قَوْمِك لِتُبَلِّغَهُمْ رِسَالَةَ رَبِّك فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَك فِيهِمْ نَبِيًّا. وَعَنْ وَهْبٍ إنَّمَا كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى الْمَبْعُوثُونَ إلَيْهِمْ لِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنْ التَّوْرَاةِ فَأَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَبْعُوثُونَ بِالتَّوْرَاةِ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - دَاخِلُونَ فِي التَّعْرِيفِ كَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ عَدَمُ شُمُولِهِ لِمَنْ يَدْعُو إلَى تَقْرِيرِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَلِكَ لَا يُشْكِلُ كَثْرَةُ الرُّسُلِ مَعَ قِلَّةِ الْكُتُبِ وَالصُّحُفِ الْمُنَزَّلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَظَهَرَ لَك مِنْهُ صِحَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا إذْ مَعْنَاهُ صَادِقٌ بِأَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ يَكُونَ نُزِّلَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ وَدَعَا هُوَ إلَيْهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَوْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ) أَيْ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ أَوْ نُسَخٌ لِبَعْضِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ كَيُوشَعَ فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا قَوْلَانِ. فَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنْ الرَّسُولِ عَلَيْهِمَا وَفِي ثَالِثٍ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ مَعْنَى الرَّسُولِ عَلَى الْأَوَّلِ الْمَشْهُورِ وَقَالَ نَبِيِّك دُونَ رَسُولِك؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَلَفْظُهُ بِالْهَمْزِ مِنْ النَّبَأِ أَيْ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ وَبِلَا هَمْزٍ وَهُوَ الْأَكْثَرُ قِيلَ إنَّهُ مُخَفَّفُ الْمَهْمُوزِ بِقَلْبِ هَمْزَتِهِ يَاءً وَقِيلَ إنَّهُ الْأَصْلُ مِنْ النَّبْوَةِ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيْ الرِّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَأَوْ عَطْفٌ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ وَالْوَاوُ عَطْفٌ عَلَى أُوحِيَ الْمَحْذُوفِ مَعَ مَعْطُوفِ أَوْ لِدَلَالَةِ مَا سَبَقَ. (قَوْلُهُ: فَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنْ الرَّسُولِ) أَيْ عُمُومًا مُطْلَقًا وَهُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مُسَاوٍ لِلرَّسُولِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالْقَوْلِ الثَّالِثِ مَنْ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ وَلَا رَسُولٍ بَلْ وَلِيٌّ فَقَطْ كَذَا قِيلَ قَالَ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ تَعْرِيفُ النَّبِيِّ بِإِنْسَانٍ بَعَثَهُ اللَّهُ لِلْخَلْقِ لِتَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ لَا يَشْمَلُ مَنْ أُوحِيَ إلَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِكَمَالِهِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَبْعُوثًا إلَى غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ اهـ. وَنُقِلَ عَنْهُ وَجْهُ التَّكَلُّفِ أَنْ يُحْمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْسَانٌ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَبْلِيغِ مَا أَوْحَاهُ لِغَيْرِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ غَيْرًا بِالذَّاتِ أَوْ بِالِاعْتِبَارِ فَزِيدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ مُغَايِرٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَمِلَ بِهِ اهـ. وَحِينَئِذٍ سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاسِطَةُ وَبَعْدَ تَسْمِيَةِ مِثْلِهِ وَلِيًّا فَإِنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَعَلَّهَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَطْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَفْظُهُ) أَيْ النَّبِيِّ لَا يُقَيِّدُ كَوْنَهُ مَهْمُوزًا أَوْ غَيْرَ مَهْمُوزٍ. (قَوْلُهُ: بِالْهَمْزِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَعْرِفَةٍ أَيْ الْكَائِنُ نَعْتَ لَفْظٍ أَوْ نَكِرَةَ حَالٍ مِنْهُ عَلَى رَأْيِ مَنْ جَوَّزَ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْكَائِنِ حَذْفُ الْمَوْصُولِ مَعَ صِلَتِهِ وَإِبْقَاءِ الْمَعْمُولِ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ وَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَحَثَ فِيهِمْ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْكَائِنَ الْمُقَدَّرَ فِي مِثْلِهِ لِلثُّبُوتِ كَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَاللَّامُ فِيهِ حَرْفُ تَعْرِيفٍ لَا اسْمٌ مَوْصُولٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مُخْبِرٌ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَوْ كَسْرِهَا عَلَى أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ الْأَصْلُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَرَّفَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ أَصْلٌ لِلْمَهْمُوزِ وَلَوْ نَكِرَةً لِتَوَهُّمِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ وَزَيَّفَهُ سَمِّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلًا لِمَهْمُوزٍ كَانَ بِمَعْنَى الْمَهْمُوزِ السَّابِقِ أَوْ كَانَ الْمَهْمُوزُ بِمَعْنَاهُ الْآتِي لِيَتَّحِدَ مَعْنَاهُمَا وَكَيْفَ مَعَ الِاخْتِلَافِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لِلْآخَرِ فَالتَّنْكِيرُ أَنْسَبُ. (قَوْلُهُ: أَيْ الرِّفْعَةُ) قَالَ ابْنُ سم هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَقُولٍ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّارِحِ مَا أُورِدَ

لِأَنَّ النَّبِيَّ مَرْفُوعُ الرُّتْبَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْخَلْقِ. وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَفَاؤُلًا بِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْجَمِيلَةِ كَمَا رُوِيَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا لِمَ سَمَّيْتَ ابْنَك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِك وَلَا قَوْمِك قَالَ رَجَوْتُ أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى (هَادِي الْأُمَّةِ) أَيْ دَالُّهَا بِلُطْفٍ (لِرَشَادِهَا) يَعْنِي لِدِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ تَمَكُّنُهُ فِي الْوُصُولِ بِهِ إلَى الرَّشَادِ وَهُوَ ضِدُّ الْغَيِّ كَأَنَّهُ نَفْسُهُ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] أَيْ دِينِ الْإِسْلَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَنْ فَسَّرَهُ بِالرِّفْعَةِ بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَامُوسُ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبْوَةَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ اهـ. وَأَقُولُ لَا وُرُودَ لِهَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا فَإِنَّ تَفْسِيرَ الْمَذْكُورِ وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّ اسْتِعْمَالَ الثِّقَاتِ الْأَلْفَاظَ فِي الْمَعَانِي يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ نَقْلِهِمْ وَرِوَايَتِهِمْ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْخَلْقِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ فَقَدْ يَكُونُ مَرْفُوعَ الرُّتْبَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ أَيْضًا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَكُونُ مَرْفُوعَ الرُّتْبَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: هَادِي الْأُمَّةِ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ مُحَمَّدٍ لَا صِفَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ الْهِدَايَةُ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا وَبِإِلَى وَبِاللَّامِ وَمَعْنَاهَا عَلَى الْأَوَّلِ الْإِيصَالُ، وَعَلَى الثَّانِي إرَادَةُ الطَّرِيقِ، قَالَ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْجَلَالِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْهُدَى بِمَعْنَى الْهِدَايَةِ تَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لَفْظًا أَوْ تَقْرِيرًا لِنَفْسِهِ أَوْ بِحَرْفِ الْجَرِّ إلَى وَاللَّامِ وَمَعْنَى الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَلِذَا يُسْنَدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] وَمَعْنَى الْمُتَعَدِّي بِحَرْفِ الْجَرِّ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا يُوصِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ فَيُسْنَدُ تَارَةً إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِهِ لَهُ تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] وَتَارَةً إلَى الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] وَالتَّقْدِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا ثَمُودُ} [فصلت: 17] الْآيَةَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ إلَى الْحَقِّ أَوْ لِلْحَقِّ فَمَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا يُوصِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] إنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ إلَى الْحَقِّ فَمَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا نَقْضَ بِهِمَا. (قَوْلُهُ: بِلُطْفٍ) قَيْدٌ فِي مَعْنَى الْهِدَايَةِ فَقَدْ فَسَّرَهَا الرَّاغِبُ بِالدَّلَالَةِ بِلُطْفٍ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] فَهُوَ التَّهَكُّمُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: يَعْنِي لِدِينِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَقَدْ أَطْلَقَ الرَّشَادَ وَأَرَادَ بِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ إطْلَاقًا لِلْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ طَرِيقٌ مُوصِلٌ لِلرَّشَادِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ الَّذِي هُوَ إلَخْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِتَمَكُّنِهِ وَبِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ نَفْسُهُ لِبَيَانِ قُوَّةِ السَّبَبِ وَشِدَّةِ الْعَلَاقَةِ هُنَا وَإِنْ كَانَ يَكْفِ فِي التَّجَوُّزِ مُطَلَّقُ السَّبَبِيَّةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قُوَّةِ السَّبَبِ وَالرَّشَادُ الِاهْتِدَاءُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَالْغَيُّ الضَّلَالُ عَنْهُ فَهُمَا وُجُودِيَّانِ فَلِهَذَا قَالَ وَهُوَ ضِدُّ الْغَيِّ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ أَيْ الْهِدَايَةُ إلَى الرَّشَادِ بِمَعْنَى دِينِ الْإِسْلَامِ مَأْخُوذٌ أَيْ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] أَيْ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْآيَةَ سَبَبُ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَفْسِيرِ الرَّشَادِ فِيهِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الشَّارِحُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْأَخْذِ أَنَّ

(وَعَلَى آلِهِ) هُمْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ بَيْنَهُمْ تَارِكًا غَيْرَهُمْ مِنْ بَنِي عَمَّيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْبِيرَ فِي الْآيَةِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ اسْتِعَارَةٌ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ وَلِجَوَازِ بَقَاءِ الرَّشَادِ فِي كَلَامِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ بَقَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الشَّارِحِ الْأَخْذَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مَا فِي الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ هُنَا ذَلِكَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الْمُهْدَى إلَيْهِ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا يُنَاسِبُ حَمْلَهُ إلَّا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ طَرِيقٌ مُوصِلٌ إلَى الرَّشَادِ لَا عَلَى نَفْسِ الرَّشَادِ إذْ لَيْسَ طَرِيقًا بَلْ هُوَ ثَمَرَةٌ لِلطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ عَبَّرَ فِيهِ بِالرَّشَادِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ بَلْ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ أَرَادَ تَصْحِيحَ إرَادَةِ ذَلِكَ هُنَا بِدَلِيلِ مَا فِي الْآيَةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْأَخْذِ مِنْ الْخَفَاءِ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا أَيْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْآيَةِ وَالْمَقْصُودُ تَرْجِيحُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّرْحَ الَّذِي ذَكَرْنَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُوَافِقٌ لَهُ فَهُوَ أَوْلَى بِشَرْحِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِهِ) كَرَّرَ الْجَارَّ رِعَايَةً لِلْأَدَبِ؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَ الْمُتَعَلِّقِ يَسْتَلْزِمُ تَكْرِيرَ الْمُتَعَلَّقِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ نَوْعٌ آخَرُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إفْرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاةٍ تَخُصُّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَدَبِ مِنْ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلِهِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا قِيلَ وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ مُغَيِّرٌ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بَلْ الْمُتَعَلِّقُ هُنَا لِحَرْفَيْ الْجَرِّ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ فِيهِ التَّعَدُّدُ الِاعْتِبَارِيُّ فَتَمَّ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: هُمْ كَمَا قَالَ) الضَّمِيرُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَقَارِبُهُ وَكَمَا قَالَ إلَخْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَفِي الْمُؤْمِنُونَ وَبَنِي هَاشِمٍ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ وَالْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ بَنَاتِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْآلِ وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُهُنَّ خَارِجِينَ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ وَلِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَوْقِعُ هَذِهِ الْكَافِ (قُلْت) يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِتَشْبِيهِ الْقَوْلَيْنِ أَيْ أَقُولُ كَمَا قَالَ إلَخْ وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْكَافَ هَاهُنَا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْوُجُودِ وَهُوَ مَعْنًى غَرِيبٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَعَلَاءُ الدِّينِ الْبِسْطَامِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] إذْ الْمَعْنَى أَوْجِدْ رَحْمَتَهُمَا إيجَادًا مُحَقَّقًا كَمَا أَوْجَدَا التَّرْبِيَةَ إيجَادًا مُحَقَّقًا. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَحَادِيثُ ثَلَاثَةٌ دَلَّ أَوَّلُهَا عَلَى أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ لِأَقَارِبِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ وَثَانِيهَا عَلَى أَنَّ الصَّدَقَاتِ لَا تَحِلُّ إلَّا لَهُ وَثَالِثُهَا عَلَى أَنَّ مَا لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَاتُ مَنْ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ فَدَلَّ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى أَنَّ آلَهُ هُمْ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنْ يُقَالَ آلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْفَرْضُ بِالنَّصِّ وَكُلُّ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْمَذْكُورَةُ هُمْ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ يَنْتِجُ آلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبُ وَهُوَ الْمُدَّعَى دَلِيلُ الصُّغْرَى الْحَدِيثُ الثَّانِي نَصًّا وَالثَّالِثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ آلِ أَهْلُ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى مَجْمُوعٌ لِلْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَا الْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ وَلَا الثَّالِثِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْمَوْصُوفُونَ بِاسْتِحْقَاقِ خُمُسِ الْخُمُسِ. (لَا يُقَالُ) مُفَادُ الثَّالِثِ أَخَصُّ مِنْ مُفَادِ الثَّانِي فَهَلَّا أَغْنَى عَنْهُ (؛ لِأَنَّا نَقُولُ) مَوْضُوعُ النَّتِيجَةِ الْمُدَّعَاةِ لَفْظُ الْآلِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ سِوَى الثَّانِي مَعَ إفَادَتِهِ عِلَّةَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ كَوْنُهَا أَوْسَاخَ النَّاسِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَعْلِيلَهَا فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ بِأَنَّ لَهُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيهِمْ أَوْ يُغْنِيهِمْ لِصِحَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ عِلَّتَانِ ثُمَّ أَنْ يَرِدَ عَلَى الدَّلِيلِ النَّقْضُ التَّفْصِيلِيُّ بِمَنْعِ الصُّغْرَى بِسَنَدِ أَنَّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ أَعَمُّ مِنْ الْآلِ لِحُرْمَتِهَا عَلَى مَوَالِيهِمْ وَبِمَنْعِ الْكُبْرَى بِسَنَدِ أَنَّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ أَمْ مِنْ الْآلِ بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ مُخَصِّصًا الْآلُ بِبَنِي هَاشِمٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَيُجَابُ عَنْ النَّقْضِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَ حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَوَالِي بِالنَّصِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ يُقَالُ إنَّ لَفْظَ الْآلِ يَتَنَاوَلُهُمْ حُكْمًا لِخَبَرِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ هَذَا

نَوْفَلَ وَعَبْدِ شَمْسٍ مَعَ سُؤَالِهِمْ لَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ «لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْضَ لَا يَضُرُّ الْمُعَلَّ وَأَمَّا قَوْلُ النَّجَّارِيِّ فِي تَقْرِيرِ الْقِيَاسِ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ لِاخْتِصَاصِهِمْ دُونَ بَنِي عَمَّيْهِمْ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى وَكُلُّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ آلُهُ فَأَقَارِبُهُ الْمَذْكُورُونَ آلُهُ. اهـ. فَهُوَ عَكْسٌ لِلدَّعْوَى. وَلَك أَنْ تُقَرِّرَ الِاسْتِدْلَالَ بِوَجْهٍ آخَرَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ تَقُولَ آلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ لِقَرَابَتِهِ وَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ لِقَرَابَتِهِ فَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ خُمُسَ الْخُمُسِ لِقَرَابَتِهِ وَالْمُسْتَحَقُّونَ خُمُسَ الْخُمُسِ لِقَرَابَتِهِ هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ فَآلُهُ هُمْ هَؤُلَاءِ إلَخْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَدَلِيلُ الثَّانِي الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَدَلِيلُ الثَّالِثِ الْأَوَّلُ فَصَارَ كُلُّ حَدِيثٍ لِمُقَدِّمَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِنَا لِقَرَابَتِهِ حَتَّى لَا يُنْتَقَضَ بِالِاعْتِبَارِ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ خُمُسَ الْخُمُسِ لِمُوجِبٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: نَوْفَلُ وَعَبْدُ شَمْسٍ) هُمَا وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي) أَيْ لَا كَثِيرًا أَوْ لَا قَلِيلًا وَيُحْتَمَلُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الصَّدَقَاتِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّدَقَاتِ مُطَهِّرَةٌ فَهِيَ كَالْغُسَالَةِ. (قَوْلُهُ: لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ) فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ الظَّرْفِيَّةِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِمْ خُمُسَ الْخُمُسِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الظَّرْفِيَّةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَيْ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا ذُكِرَ فَلَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقُ جُمْلَتِهِمْ تَمَامَ خُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ أَنْ يُرَادَ بِخُمُسِ الْخُمُسِ الْمَفْهُومُ الْعَامُ الصَّادِقُ بِكُلِّ خُمُسٍ مِنْ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ وَحِينَئِذٍ تَصْدُقُ الظَّرْفِيَّةُ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِمْ تَمَامَ خُمُسِ الْخُمُسِ لِصِحَّةِ ظَرْفِيَّةِ الْمَفْهُومِ الْعَامِّ لِفَرْدِهِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَهُ سَمِّ وَلَا يَخْفَى بَعْدَ التَّوْجِيهِ. الثَّانِي: مَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ فِي الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْفُصَحَاءِ قَلِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْفُضَلَاءِ لَا يَخْلُو عَنْهَا وَالْأَوْلَى مِنْهُ أَنْ تُجْعَلَ لَا فِي قَوْلِهِ مَا يَكْفِيكُمْ مَصْدَرِيَّةً أَيْ لَكُمْ فِيهِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَوْ مِنْ لَفْظِ النَّبْوَةِ لَا لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي قَالَ سَمِّ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْإِضْرَابُ بَلْ يُمْكِنُ حَمْلُ أَوْ عَلَى

وَالصَّحِيحُ جَوَازُ إضَافَتِهِ إلَى الضَّمِيرِ " كُمْ " اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَصَحْبِهِ) هُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبِهِ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَطَفَ الصَّحْبَ عَلَى الْآلِ الشَّامِلِ لِبَعْضِهِمْ لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ بَاقِيَهُمْ. (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ (قَامَتْ الطُّرُوسُ) أَيْ الصُّحُفُ جَمْعُ طِرْسٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ (وَالسُّطُورُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرْدِيدِ إشَارَةً إلَى أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كِفَايَةً. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ جَوَازُ إضَافَتِهِ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يُضَافُ إلَّا إلَى ذِي شَرَفٍ لِمَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَالْمُفْصِحُ عَنْ الشَّرَفِ الِاسْمُ الظَّاهِرُ وَهِيَ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ إذْ الضَّمِيرُ كَمَرْجِعِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخَفَاءِ يَزُولُ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَاحِبَةِ لَهُ الْمَشْرُوطِ اسْتِعْمَالُهُ مَعَهَا عَلَى أَنَّ الْخَفَاءَ إنْ سَلِمَ فَفِي ضَمِيرِ الْغَائِبِ أَمَّا الْخِطَابُ فَقَدْ تُدَّعَى أَوْضَحِيَّتُهُ عَنْ الْعِلْمِ لِلِاشْتِرَاكِ فِيهِ وَتَعْيِينِ ضَمِيرِ الْخِطَابِ وَلِذَلِكَ كَانَ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ. (قَوْلُهُ: هُوَ اسْمُ جَمْعٍ) لَا يُشْكِلُ بِوُجُودِ الْوَاحِدِ مِنْ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ قَدْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَا. وَلَمْ يَجْعَلْهُ جَمْعًا؛ لِأَنَّ فَعْلًا لَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْجُمُوعِ وَفِي حَاشِيَةِ دده أَفَنْدِي عَلَى شَرْحِ تَصْرِيفِ الْغَزِّيِّ أَنَّ أَسْمَاءَ الْجُمُوعِ سَمَاعِيَّةٌ وَاعْتَرَضَ بِذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ: " إنَّ الْخَوَاصَّ اسْمُ جَمْعٍ لِخَاصَّةٍ " بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: لِصَاحِبِهِ) صَرَّحَ بِالْإِضَافَةِ فِي الْمُفْرَدِ تَبَعًا لِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي اسْمِ جَمْعِهِ إذْ الْمُرَادُ هُنَا صَاحِبٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الصَّحَابِيُّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ وَهُوَ الْكِتَابُ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تَنَازَعَهُ كُلُّ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ مُؤْمِنًا فَخَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ كَافِرًا ثُمَّ آمَنَ وَمَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِغَيْرِ نَبِيِّنَا فَلَا يُسَمَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَحَابِيًّا اصْطِلَاحًا وَلَمْ يَزِدْ فِي التَّعْرِيفِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ عَلَى الْإِيمَانِ شَرْطٌ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ لَا لِتَحَقُّقِهَا، وَالتَّعْرِيفُ لِمَنْ تَحَقَّقَتْ لَهُ الصُّحْبَةُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: الشَّامِلِ لِبَعْضِهِمْ) أَيْ لِبَعْضِ الصَّحْبِ وَقَوْلُهُ لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ بَاقِيَهُمْ أَيْ بَاقِيَ الصَّحْبِ وَهُوَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ لَيْسُوا بِآلٍ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَبَيْنَ الصَّحْبِ وَالْآلِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآلِ وَإِلَّا فَلَوْ فُسِّرَ بِالِاتِّبَاعِ دَخَلَتْ الصَّحَابَةُ بِالْأَوْلَى وَيَكُونُ ذِكْرُهُمْ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ اهْتِمَامًا بِشَرَفِهِمْ وَتَكُونُ النِّسْبَةُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ. (قَوْلُهُ: مَا قَامَتْ) أَيْ وُجِدَتْ (قَوْلُهُ: وَالسُّطُورُ) مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ صَحِيحٌ إذْ الطِّرْسُ الصَّحِيفَةُ وَهِيَ الْكِتَابُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا قِيلَ: إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ الطِّرْسَ الْوَرَقُ وَالسُّطُورَ حَالَّةٌ فِيهِ وَالْحَالُّ لَيْسَ جُزْءَ الْمَحَلِّ غَلَطٌ فَاحِشٌ. نَعَمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالطُّرُوسِ الْوَرَقُ بِلَا سُطُورٍ مَجَازًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى جُزْئِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. أَقُولُ: أَمَّا أَنَّ السُّطُورَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ الصُّحُفِ فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَيْسَتْ جُزْءًا خَارِجِيًّا كَمَا هُوَ مَطْمَحُ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فَلْيُنْظَرْ وَقَالَ الْكَمَالُ حَمَلَ الشَّارِحُ الصُّحُفَ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَأَنَّ الْعَطْفَ عَلَيْهَا مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَتَوْجِيهُهُ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ قَالَ وَعُيُونُ الْأَلْفَاظِ خِيَارُهَا وَفِي تَرْكِيبِ الْمَتْنِ اسْتِعَارَةٌ

مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ صَرَّحَ بِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى (لِعُيُونِ الْأَلْفَاظِ) أَيْ لِلْمَعَانِي الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا بِاللَّفْظِ وَيَهْتَدِي بِهَا كَمَا يَهْتَدِي بِالْعُيُونِ الْبَاصِرَةِ وَهِيَ الْعِلْمُ الْمَبْعُوثُ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ (مَقَامَ بَيَاضِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكِنَايَةِ فِي الْأَلْفَاظِ بِتَشْبِيهِ أَنْوَاعِهَا بِذَوِي الْعُيُونِ الْبَاصِرَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ كُلٍّ ذَا أَجْزَاءٍ بَعْضُهَا أَشْرَفُ مِنْ بَعْضٍ وَالْعُيُونُ تَخْيِيلٌ وَالسُّطُورُ وَالطُّرُوسُ تَجْرِيدٌ وَالسَّوَادُ وَالْبَيَاضُ تَرْشِيحٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالطُّرُوسِ الْوَرَقَ بِدُونِ كِتَابَةٍ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَصْدُ تَمَكُّنِ تَجْنِيسِ الْقَلْبِ بَيْنَ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ وَرَدَّهُ سَمِّ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلطُّرُوسِ هُوَ الصُّحُفُ كَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَاجِبًا عِنْدَ انْتِقَاءِ قَرِينَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ الْوَرَقُ الْخَالِي عَنْ الْكِتَابَةِ وَرَاجِحًا عِنْدَ ضَعْفِهَا وَقَرِينَةُ هَذَا الْمَجَازِ عَطْفُ السُّطُورِ عَلَى الطُّرُوسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يُرَدْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى عَطْفِهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذِهِ الْقَرِينَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ لَا لِعَدَمِ دُخُولِهِمَا فِيمَا قَبْلَهَا بَلْ لِشَرَفِهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ. وَأَمَّا تَرَتُّبُ جِنَاسِ الْقَلْبِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ قَرِينَةً عَلَى الْحَمْلِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا مِنْ فَوَائِدِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَا مِنْ قَرَائِنِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَ فَائِدَةِ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُودِهِ بِشَرْطِهِ وَبَيْنَ قَرِينَتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّةُ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُجَرَّدِ تَرَتُّبِ فَائِدَةٍ عَلَى إرَادَتِهِ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ عَاقِلٌ فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمَعْنَى الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ وَأَنَّ الْحَمْلَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ أَوْ رَاجِحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ نُكْتَةٍ لِذَلِكَ الْعَطْفِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ فَبَيَّنَ الشَّارِحُ أَنَّ تِلْكَ النُّكْتَةَ هِيَ أَشَرَفِيَّةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ لِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةِ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ. وَأَنَا أَقُولُ إنَّ قَوْلَ الْكَمَالِ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ قَصْدُ تَمَكُّنِ إلَخْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ هِيَ قَصْدُ تَمَكُّنِ تَجْنِيسِ الْقَلْبِ أَيْ فَيَتَرَجَّحُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ وَلَمْ يُرِدْ الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ سَمِّ كَلَامَهُ وَيَدُلُّ لَهُ زِيَادَةُ لَفْظِ تَمَكُّنٍ وَإِلَّا لَقَالَ لِتَحْصِيلِ فَإِنَّ الْجِنَاسَ حَاصِلٌ لَكِنْ تَمَكُّنُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِحَمْلِ الصُّحُفِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِيَقَعَ التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فَيَحْصُلُ التَّمَكُّنُ الْمَذْكُورُ فَمَعْنَى كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَمَعَ بَيْنَ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ مَعَ كَوْنِ السَّطْرِ جُزْءًا مِنْهَا لِتَحْقِيقِ جِنَاسِ الْقَلْبِ وَيَزْدَادُ هَذَا تَمَكُّنًا بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ. وَأَمَّا دَعْوَى سَمِّ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُنَا رَاجِحٌ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ بَلْ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ أَرْجَحُ لِتَحْصِيلِ هَذِهِ النُّكْتَةِ وَلِلسَّلَامَةِ مِنْ تَكَلُّفِ نُكْتَةٍ لِعَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: لِعُيُونِ الْأَلْفَاظِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ لِلطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِقَامَتْ وَفِيهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ اسْتِعَارَةٌ إمَّا تَصْرِيحِيَّةٌ بِأَنْ اُسْتُعِيرَ لِمَعَانِي الْأَلْفَاظِ لَفْظُ الْعُيُونِ بِجَامِعِ الِاهْتِدَاءِ وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ الْعُيُونِ لِلْأَلْفَاظِ وَإِمَّا مَكْنِيَّةٌ بِتَشْبِيهِ الْأَلْفَاظِ بِذَوِي عُيُونٍ بَاصِرَةٍ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا بَعْضُ أَجْزَائِهِ أَشْرَفُ مِنْ بَعْضِهَا وَإِضَافَةُ الْعُيُونِ إلَيْهَا تَخْيِيلٌ وَالْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ تَرْشِيحٌ عَلَى كُلٍّ وَالسُّطُورُ وَالطُّرُوسُ تَجْرِيدٌ عَلَى كُلٍّ، وَإِلَى عَلَاقَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيُهْتَدَى بِهَا كَمَا يُهْتَدَى بِالْعُيُونِ الْبَاصِرَةِ فَالْبَاصِرَةُ اسْمُ نَسَبٍ أَيْ ذَوَاتُ الْبَصَرِ وَإِلَّا لَقَالَ الْمُبْصِرَةُ. (قَوْلُهُ: الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا بِاللَّفْظِ) تَوْجِيهُهُ لِإِضَافَتِهِ الْعُيُونَ إلَى الْأَلْفَاظِ وَالضَّمِيرِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَيُهْتَدَى بِهَا وَقَوْلِهِ وَهِيَ الْعِلْمُ لِلْمَعَانِي وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةِ الْخَمْرِ إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَبْعُوثُ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ بِخِلَافِ الْعِلْمِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ وَالْإِدْرَاكِ. (قَوْلُهُ: مَقَامَ بَيَاضِهَا إلَخْ) الْمَقَامُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ أَيْ مَقَامًا مِثْلَ مَقَامٍ فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ ثُمَّ حُذِفَتْ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَإِنَّمَا شَبَّهَ قِيَامَ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ بِمَعَانِي الْأَلْفَاظِ بِقِيَامِ بَيَاضِ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُمَا وَحِفْظَهُمَا عَنْ الْعَدَمِ بِهِمَا لِكَوْنِهِمَا عَرْضَيْنِ قَائِمَيْنِ بِهِمَا

أَيْ الطُّرُوسِ (وَسَوَادِهَا) أَيْ سُطُورِ الطُّرُوسِ الْمَعْنَى نُصَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQلَازِمَيْنِ لَهُمَا وَبِانْتِفَائِهِمَا انْتِفَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ وَكَذَا بَقَاءُ الْمَعَانِي وَحِفْظُهَا عَنْ الضَّيَاعِ بِالطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ فَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْقِيَامَيْنِ كَوْنُ كُلٍّ بِهِ بَقَاءُ مَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ وَحِفْظُهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي التَّشْبِيهِ كَوْنُ الْقِيَامِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ بَيْنَ عَارِضٍ وَمَعْرُوضٍ. وَفِي الْمُشَبَّهِ لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَتْ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ عَرْضًا لِلطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَضَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْجَوْهَرِ لِقِيَامِهِ عَلَيْهِ وَالْجَوْهَرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مَشْرُوطٌ بِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْآخَرِ إلَّا أَنَّ جِهَةَ التَّوَقُّفِ مُخْتَلِفًا فَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الدَّوْرِ هُنَا. (قَوْلُهُ: أَيْ الطُّرُوسُ وَأَيْ سُطُورُ الطُّرُوسِ) لَيْسَ تَفْسِيرًا لِبَيَاضِهَا وَسَوَادِهَا وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنَى نُصَلِّي مُدَّةَ قِيَامِ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ مَقَامَ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ وَلَا مَعْنَى لَهُ بَلْ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ لِضَمِيرَيْهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَا يُنَافِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرَيْنِ إلَى الْكُتُبِ فِي قَوْلِهِ الْمَعْنَى نُصَلِّي إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ وَإِنَّمَا سُطُورُ الطُّرُوسِ دُونَ الطُّرُوسِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِتَحْقِيقِ مَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَفِي الْكَمَالِ أَنَّ فِي ضَمِيرَيْ بَيَاضِهَا وَسَوَادِهَا اسْتِخْدَامًا بِرُجُوعِهِمَا لِلْعُيُونِ بِمَعْنَى الْبَاصِرَاتِ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْعُيُونُ الْمُقَيَّدَةُ بِإِضَافَتِهَا لِلْأَلْفَاظِ وَآلَاتُ الْبَصَرِ الَّتِي يَرْجِعُ إلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي الِاسْتِخْدَامِ لَيْسَتْ مِنْ مَعَانِي عُيُونِ الْأَلْفَاظِ بَلْ مِنْ مَعَانِي لَفْظِ الْعُيُونِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ. اهـ. أَقُولُ تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُ هَذَا التَّكَلُّفِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ فَهُوَ جَوَابُنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّرُوسِ الصُّحُفُ وَعَطْفُ السُّطُورِ عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ لِاخْتِصَاصٍ وَذَلِكَ الْجُزْءُ بِكَوْنِهِ مَنَاطَ الْحُكْمِ مِثْلُ أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَوَجْهُهُ فَإِنَّ السُّطُورَ هِيَ الَّتِي لِلْمَعَانِي أَصَالَةً وَكَوْنُ الصُّحُفِ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِتَبَعِيَّةِ السُّطُورِ وَالْمُرَادُ بِالْعُيُونِ الْمَعَانِي وَإِطْلَاقُ الْعُيُونِ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا آلَةً لِلِاهْتِدَاءِ وَإِضَافَةُ الْعُيُونِ إلَى الْأَلْفَاظِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عُيُونًا لِلْأَلْفَاظِ وَإِنَّمَا هِيَ عُيُونٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَهَا فَيَهْتَدُونَ بِهَا وَهِيَ مَدْلُولَاتٌ لِلْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً وَالْمُرَادُ بِالْمَقَامِ الْقِيَامُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لَا الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالْمَعْنَى مَا بَقِيَتْ وَدَامَتْ الصُّحُفُ سِيَّمَا سُطُورُهَا لِأَجْلِ إفَادَةِ الْمَعَانِي مِثْلُ بَقِيَّةِ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ لِلصُّحُفِ وَالسُّطُورِ وَلُزُومِهَا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي دَوَامِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ وَلُزُومُهُمَا لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الصُّحُفُ وَالسُّطُورُ فَأَرَادَ تَوْقِيتَ بَقَاءِ الصَّلَاةِ بَقَاءَ الصُّحُفِ وَالسُّطُورِ لِلْمَعَانِي مِثْلُ لُزُومِ الْعَرْضَيْنِ مَحَلَّهُمَا وَكَانَ الشَّارِحُ مَالَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي الْمُحَقَّقَةِ دُونَ الْمُخَيَّلَةِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي الْمُحَقَّقَةِ وَحَمْلَهَا عَلَيْهَا إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمُخَيَّلَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وُجُودٌ إلَّا بِمُجَرَّدِ التَّخَيُّلِ ثُمَّ هُوَ مَعْنًى لَهُ مُحَصَّلٌ فِي الْعَقْلِ لَا أَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُفْهَمُ أَصْلًا أَوْ لَا يُعْقَلُ كَمَا تُوُهِّمَ. نَعَمْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ بَلْ عَنْ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ صَاحِبِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ لُطْفٍ يَدْعُو إلَى حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بَلْ فِيهِ بُعْدٌ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ بُعْدِ الدَّلَالَةِ يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعِ فَلِذَلِكَ رَدُّوا عَلَى الشَّارِحِ هُنَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعُيُونِ عَلَى الْمَعَانِي بِعَلَاقَةِ الْآلِيَّةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَيْسَ كُلُّ آلَةٍ لِلِاهْتِدَاءِ يَحْسُنُ فِيهَا إطْلَاقُ الْعَيْنِ إذْ لَا يُقَالُ لِلْجِبَالِ وَالْمَنَارَاتِ وَأَمْثَالِهَا كَالنِّيرَانِ إنَّهَا عُيُونٌ ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ الْعُيُونِ لِلْأَلْفَاظِ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا قَامَ مَقَامَ كَذَا أَنَّهُ اسْمُ مَكَان فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمِيمِيِّ بَعِيدٌ وَأَنَّ مُقْتَضَى مُقَابِلِ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ بِالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ يُعْتَبَرُ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى صَاحِبِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ فَتَرْكُهُ يُخْرِجُ الْمَعْنَى عَنْ الْحُسْنِ وَإِنْ عَطَفَ السُّطُورَ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ بُعْدٍ وَإِنْ قَامَ الطُّرُوسُ وَالسُّطُورُ لِلْمَعَانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَقِيَامُ الْعَرْضِ بِالْمَحَلِّ بِمَعْنَى اللُّزُومِ فَاعْتِبَارُ التَّشْبِيهِ لَا يَخْلُو عَنْ الْبُعْدِ فَتَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ تُرِكَ لِسُلُوكِ الْجَادَّةِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالطُّرُوسِ بَيَاضَ الْوَرَقِ فَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ

مُدَّةَ قِيَامِ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ قِيَامَ بَيَاضِهَا وَسَوَادِهَا اللَّازِمَيْنِ لَهَا وَقِيَامُهَا بِقِيَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَخْذِهِمْ إيَّاهُ مِنْهَا كَمَا عُهِدَ وَقِيَامُهُمْ إلَى السَّاعَةِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بِطُرُقٍ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ أَيْ السَّاعَةُ» كَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَيْ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بِقَوْلِهِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَأَبَّدَ الصَّلَاةِ بِقِيَامِ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّطُورَ الَّتِي هِيَ سَوَادُهُ وَقَدْ شَبَّهَ الْأَلْفَاظَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمُعَانَى بِالْهُدَاةِ إلَى السَّبِيلِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْهِدَايَةُ مَدَارُهَا عَلَى الْعَيْنِ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَهْتَدِيَ أَوَّلًا حَتَّى يَهْدِيَ غَيْرَهُ وَالْأَعْمَى لَا اهْتِدَاءَ لَهُ فَكَيْفَ يَهْدِي غَيْرَهُ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يُبْصِرَ الْمُنْحَرِفَ عَنْ الطَّرِيقِ حَتَّى يَهْدِيَهُ إلَيْهِ أَثْبَتَ لَهُ الْعُيُونَ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيلِ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] أَيْ آيَةً مُبْصِرَةً وَلَمَّا كَانَتْ هِدَايَةُ الْأَلْفَاظِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِبَقَائِهَا فِي الْمُصْحَفِ صَارَ كَأَنَّهَا إذَا كَانَتْ ثَمُودُ فِيهَا فَهِيَ ذَوَاتُ عُيُونٍ لَهَا سَوَادٌ هِيَ السُّطُورُ وَالْبَيَاضُ هِيَ الطُّرُوسُ بِمَعْنَى بَيَاضِ الْأَوْرَاقِ وَسَوَادِهَا وَهُمَا لَهَا قَائِمَانِ مَقَامَ بَيَاضِ الْعُيُونِ لِلْهُدَاةِ وَسَوَادِهَا لَهُمْ فَالْمَعْنَى مَا بَقِيَتْ الْأَلْفَاظُ الْهَادِيَةُ فِي الصُّحُفِ فَصَارَتْ كَالْهُدَاةِ ذَوَاتِ الْعُيُونِ وَصَارَ بَيَاضُ الْأَوْرَاقِ لَهَا كَبَيَاضِ عُيُونِ الْهُدَاةِ وَسَوَادُ السُّطُورِ كَسَوَادِ الْعُيُونِ وَهَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ حَسَنٌ يُوَافِقُهُ اللَّفْظُ بِلَا تَكَلُّفٍ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ مَا فِي الْكَلَامِ مِنْ الْمَكْنِيَّةِ وَالتَّخْيِيلِ وَالتَّرْشِيحِ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: مُدَّةَ قِيَامِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الَّذِي يَصْلُحُ مَظْرُوفًا مُؤَبَّدًا بِهَذِهِ الْمُدَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ صَلَاةُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ قَوْلِهِ نُصَلِّي لَكِنْ صَحَّ جَعْلُ صَلَاتِنَا مَظْرُوفَةً بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا لِذَلِكَ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِادِّعَاءِ وَالْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي أَحْمَدُك حَمْدًا دَائِمًا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَاصِلَ صَلَاتِنَا سُؤَالُ صَلَاةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَذَا السُّؤَالُ لَا يَدُومُ بِخِلَافِ الْمَسْئُولِ الَّذِي هُوَ صَلَاةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ يَدُومُ فَالتَّأْبِيدُ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ لَهُ اهـ. سَمِّ. (قَوْلُهُ: كَمَا عُهِدَ) أَيْ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَكُونُ بِإِلْهَامٍ أَوْ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ: وَقِيَامُهُمْ إلَى السَّاعَةِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ هُنَا الرِّيحُ اللَّيِّنَةُ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ فَلَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ وَالسَّاعَةُ لَا تَقُومُ إلَّا عَلَى الْأَشْرَارِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْحَقِّ) خَبَرٌ ثَانٍ أَيْ ثَابِتِينَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ ظَاهِرِينَ خَبَرٌ أَوَّلٌ أَيْ غَالِبِينَ غَيْرَهُمْ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْحَقِّ. قَوْلُهُ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَالْفُقَهَاءُ فِي الدِّينِ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمَبْعُوثِ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشُمُولِهِمْ لِعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَتَخْصِيصُهُمْ بِالْأَخِيرِ عُرْفٌ طَارِئٌ. (قَوْلُهُ: وَأَبَّدَ الصَّلَاةَ إلَخْ) تَوْجِيهٌ لِاخْتِيَارِ هَذَا التَّأْبِيدِ

كِتَابَهُ هَذَا الْمَبْدُوءَ بِمَا هِيَ مِنْهُ مِنْ كُتُبِ مَا يُفْهَمُ بِهِ ذَلِكَ الْعِلْمُ. (وَنَضْرَعُ) بِسُكُونِ الضَّادِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَيْ نَخْضَعُ وَنَذِلُّ (إلَيْك) يَا اللَّهَ (فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ) أَيْ نَسْأَلُك غَايَةَ السُّؤَالِ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ أَنْ تَمْنَعَ الْمَوَانِعَ أَيْ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَمْنَعُ أَيْ تَعُوقُ (عَنْ إكْمَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَاصِّ وَقَوْلُهُ بِمَا أَيْ بِكَلَامٍ وَهُوَ الْخُطْبَةُ هِيَ أَيْ الصَّلَاةُ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ وَقَوْلُهُ مِنْ كُتُبِ خَبَرِ أَنَّ كِتَابَهُ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى فَنٍّ أَيْ أَنَّ كِتَابَةَ بَعْضِ كُتُبِ فَنٍّ يُفْهَمُ بِهِ ذَلِكَ الْعِلْمُ الْمَذْكُورُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْمَبْعُوثُ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ فَإِنَّ كُتُبَ الْأُصُولِ مِنْ جُمْلَةِ الْآلَاتِ الَّتِي يُفْهَمُ بِهَا ذَلِكَ الْعِلْمُ الْمَبْعُوثُ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ الْأُصُولُ لَقَبٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ وَالِاسْتِنْبَاطُ طَرِيقُ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ فَيَلْزَمُ دَوَامُ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ وَتَأْبِيدُ كُتُبِ الْعِلْمِ وَدَوَامُهَا تَأْبِيدُ كُتُبِ مَا يُفْهَمُ بِهِ إذْ دَوَامُ الْمُتَوَقِّفِ يَسْتَلْزِمُ دَوَامَ الْمُتَوَقَّفِ عَلَيْهِ وَتَأْبِيدُ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ تَأْبِيدَ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِدَوَامِ الْكُتُبِ دَوَامُهَا بِالنَّوْعِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ أَبَّدَ الصَّلَاةَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَكِنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ التَّحْدِيدَ وَالِانْقِطَاعَ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عِنْدَ الطُّولِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَلَا يُقَالُ فِي هَذَا التَّأْبِيدِ قُصُورٌ وَإِنَّمَا أَبَّدَ الصَّلَاةَ دُونَ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِحَمْدِ حَامِدٍ وَلَا بِعِبَادَةِ عَابِدٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا وَإِنْ كَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُصَلِّي عَوْدَ نَفْعِهَا لَهُ فَتَأْبِيدُ الصَّلَاةِ تَكْثِيرُ الْفَائِدَةِ لِلْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَمْدِ فَإِنَّ تَأْبِيدَهُ إنَّمَا يُكْثِرُ الْفَائِدَةَ لِلْحَامِدِ. (قَوْلُهُ: وَنَضْرَعُ) ضُمِّنَ مَعْنَى الْقَصْدِ أَوْ التَّوْجِيهِ فَعُدِّيَ بِإِلَى. (قَوْلُهُ: بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ) أَسْنَدَهُ إلَيْهِ تَقْوِيَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بِتَشْدِيدِ الضَّادِ وَالرَّاءِ وَأَنَّ أَصْلَهُ نَتَضَرَّعُ قُلِبَتْ التَّاءُ ضَادًا وَأُدْغِمَتْ فِي الضَّادِ. (قَوْلُهُ: نَخْضَعُ وَنَذِلُّ) ؛ لِأَنَّ الضَّرَاعَةَ لُغَةً الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ. (قَوْلُهُ: أَيْ نَسْأَلُك غَايَةَ السُّؤَالِ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِلنَّوْعِ قَالَ الْكَمَالُ لَا يَخْلُو كَلَامُهُ عَنْ غُمُوضٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَيْ نَخْضَعُ وَنَذِلُّ تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى نَضْرَعُ لُغَةً وَقَوْلُهُ أَيْ نَسْأَلُك غَايَةَ السُّؤَالِ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ تَفْسِيرٌ بِاعْتِبَارِ مَا اُشْتُهِرَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ أَهْلُ الشَّرْعِ " وَمِنْ " فِي قَوْلِهِ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُبَيَّنُ غَايَةُ السُّؤَالِ وَاعْتَرَضَهُ سَمِّ بِأَنَّ جَعْلَ مِنْ بَيَانِيَّةً لَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ نَسْأَلَك تَفْسِيرٌ بِاعْتِبَارِ مَا اُشْتُهِرَ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ كَوْنِهِ تَفْسِيرًا بِاعْتِبَارِ مَا اُشْتُهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الدُّعَاءُ مَعَ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ فَيَكُونُ غَايَةُ السُّؤَالِ هُوَ الدُّعَاءُ مَعَ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ لَا مُجَرَّدُ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِالْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ فَالْمُلَائِمُ أَنْ تُجْعَلَ مِنْ ابْتِدَائِيَّةً أَوْ سَبَبِيَّةً اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ السُّؤَالُ بِوَاسِطَةِ الْخُضُوعِ بَلَغَ الْغَايَةَ اُعْتُبِرَ الْخُضُوعُ كَأَنَّهُ غَايَةُ السُّؤَالِ أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ مِنْ ذِي الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ أَوْ تُجْعَلُ مِنْ بِمَعْنَى بَاءِ الْمُصَاحَبَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ غَايَةَ السُّؤَالِ. (قَوْلُهُ: الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَمْنَعُ) لَعَلَّ الْعُدُولَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَانِعَةِ أَوْ الْمَوَانِعِ أَنَّهَا الْأَنْسَبُ بِتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةً إلَى أَنَّ زَمَنَ اسْمِ الْفَاعِلِ أَعْنِي الْمَوَانِعَ أَعَمُّ مِنْ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَعُوقُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَضْمِينِ الْمَوَانِعِ مَعْنَى الْعَوَائِقِ؛ لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِالتَّعْدِيَةِ اهـ سَمِّ وَإِنَّمَا قَالَ أَنْسَبُ دُونَ أَنْ يَقُولَ الْمُنَاسِبُ لِتَعَدِّي مَنَعَ بِعَنْ كَتَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَتَعَدَّ عَاقَ إلَّا بِعَنْ كَانَ التَّضْمِينُ أَنْسَبَ

هَذَا الْكِتَابِ. (جَمْعِ الْجَوَامِعِ) تَحْرِيرًا بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ الَّذِي إكْمَالُهُ لِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِيمَا آمُلُهُ خُيُورٌ كَثِيرَةٌ وَعَلَى كُلِّ خَيْرٍ مَانِعٌ وَأَشَارَ بِتَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ إلَى جَمْعِهِ كُلُّ مُصَنِّفٍ جَامِعٍ فِيمَا هُوَ فِيهِ فَضْلًا عَنْ كُلِّ مُخْتَصَرٍ يَعْنِي مَقَاصِدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالْخِلَافِ فِيهَا دُونَ الدَّلَائِلِ وَأَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْأَقْوَالِ إلَّا يَسِيرًا مِنْهُمَا فَذَكَرَهُ لنيركت ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ (الْآتِي مِنْ فَنِّ الْأُصُولِ) بِإِفْرَادِ فَنٍّ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَثْنِيَتِهِ وَهِيَ أَوْضَحُ أَيْ فَنُّ أُصُولِ الْفِقْهِ أَوْ فَنُّ أُصُولِ الدِّينِ الْمُخْتَتَمِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ التَّصَوُّفِ وَالْفَنُّ النَّوْعُ وَفَنُّ كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِئَلَّا يَكُونَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَصِحُّ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: هَذَا الْكِتَابِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ جَمْعَ الْجَوَامِعِ عَلَمٌ لَا اسْمُ جِنْسٍ وَسَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَأَشَارَ بِتَسْمِيَتِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: جَمْعِ الْجَوَامِعِ) أَيْ لِلْكُتُبِ الْجَوَامِعِ أَوْ الْمُصَنَّفَاتِ الْجَوَامِعِ فَهُوَ جَمْعُ جَامِعٍ عَلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ فَاعِلًا إذَا كَانَ وَصْفًا لِغَيْرِ عَاقِلٍ كَصَاهِلٍ يَنْقَاسُ جَمْعُهُ عَلَى فَوَاعِلَ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذَا كَانَ وَصْفًا لِعَاقِلٍ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجَمْعَ هُنَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَقَدْ سَهَا عَنْ شَرْطِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ جَعَلَ الْجَوَامِعَ وَصْفًا لِمُقَدِّمَاتٍ مَثَلًا أَوْ رَسَائِلَ أَيْ الْمُقَدِّمَاتُ الْجَوَامِعُ أَوْ الرَّسَائِلُ الْجَوَامِعُ كَانَ مُفْرَدُهُ جَامِعَةً وَيَكُونُ الْجَمْعُ قِيَاسِيًّا لَكِنْ الْمُتَبَادَرُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ كُلُّ مُصَنَّفٍ جَامِعٌ (قَوْلُهُ: تَحْرِيرًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ عَنْ إكْمَالِ تَحْرِيرِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْكِتَابَ تَحَقَّقَ خَارِجًا وَأَنَّ الْخُطْبَةَ إلْحَاقِيَّةٌ وَالشَّارِحُ فَهِمَ هَذَا مِنْ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ الْآتِي مِنْ فَنَّيْ الْأُصُولِ إلَخْ وَلِذَلِكَ قَالَ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَقَرِينَةُ السِّيَاقِ هِيَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ لَاحِقِ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى خُصُوصِ الْمَقْصُودِ أَوْ سَابِقِهِ. وَأَمَّا قَرِينَةُ السِّبَاقِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَهِيَ دَلَالَةُ التَّرْكِيبِ عَلَى مَعْنًى يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْهُ مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ غَيْرِهِ وَتُسَمَّى دَلَالَةَ السِّيَاقِ كَمَا أَنَّ قَرِينَةَ السِّيَاقِ تُسَمَّى كَذَلِكَ وَقَوْلُ الْكَمَالِ إنَّ الْحَمْلَ عَلَى إكْمَالِ التَّأْلِيفِ مُمْكِنٌ بِنَاءً عَلَى تَصَوُّرِهِ فِي الذِّهْنِ كَامِلًا مُتَّصِفًا بِمَا وَصَفَهُ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ قَدْ اسْتَبْعَدُوهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَقَعُ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فِيمَا آمُلُهُ) حَالٌ مِنْ كَثْرَةٍ أَفَادَ بِهِ دَفْعَ مَا يُقَالُ مِنْ أَيْنَ كَثْرَةُ الِانْتِفَاعِ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهَا حَالَ السُّؤَالِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلِّ خَيْرٍ مَانِعٌ) أَيْ نَوْعٌ مِنْ الْمَانِعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ الْخَيْرِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَفْرَادُهُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْلَا هَذَا الْمَعْنَى اللَّطِيفِ لَكَانَ الظَّاهِرُ مَنْعَ الْمَانِعِ بِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ فِي مَقَامِ النَّفْيِ أَوْلَى مِنْ الْجَمْعِ لِصِدْقِ نَفْيِ الْجَمْعِ مَعَ بَقَاءِ الْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِتَسْمِيَتِهِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ إنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ وَلَمْحِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ الْإِضَافِيِّ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ الْعِلْمِيُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ. (قَوْلُهُ: إلَى جَمْعِهِ كُلَّ مُصَنَّفٍ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْجَوَامِعِ استغراقية وَأَنَّ أَجْزَاءَ هَذَا الْجَمْعِ أَفْرَادٌ لَا جُمُوعٌ وَقَوْلُهُ فِيمَا أَيْ فِي فَنٍّ هُوَ أَيْ جَمْعُ الْجَوَامِعِ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ وَهَذَا كَلَامٌ ادِّعَائِيٌّ كَقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ: الْبَالِغِ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالْأَصْلَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَضْلًا) مَصْدَرٌ إمَّا مَنْصُوبٌ بِفِعْلِ مَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِمُصَنَّفٍ أَوْ حَالٌ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الشَّارِحُ فِي الثَّابِتِ مَعَ أَنَّ ابْنَ هِشَامٍ قَالَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي النَّفْيِ كَقَوْلِك فُلَانٌ لَا يَمْلِكُ دِرْهَمًا فَضْلًا عَنْ دِينَارٍ أَيْ لَا يَمْلِكُ دِينَارًا بِالْأَوْلَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ إلَى جَمْعِهِ بِالنَّفْيِ بِمَعْنَى لَمْ يَتْرُكْ عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ صِحَّةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْإِثْبَاتِ. (قَوْلُهُ: بِإِفْرَادِ فَنٍّ) يُحْتَمَلُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ أَوْ يُرَادُ بِفَنِّ الْأُصُولِ الْجِنْسُ فَيُوَافِقُ التَّثْنِيَةَ وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِقَوْلِهِ الْآتِي الْبَالِغِ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالْأَصْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ بِتَثْنِيَتِهِ) قَالَ الْكَمَالُ كِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ مِنْ لَفْظِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَوْضَحُ) ؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ نَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اسْمَ جِنْسٍ دَالًّا عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ مِنْ وَحْدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَصْدُقُ بِالِاثْنَيْنِ لَكِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ تُعَيِّنُ الْمَقْصُودَ وَقَدْ يُوَجَّهُ الْإِفْرَادُ بِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْكِتَابِ بِالذَّاتِ أُصُولُ الْفِقْهِ وَالتَّثْنِيَةِ إلَى اشْتِمَالِ كِتَابِهِ عَلَى الْفَنَّيْنِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ مِنْ الْإِفْرَادِ. (قَوْلُهُ: الْمُخْتَتَمِ بِمَا يُنَاسِبُهُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فُنُونٌ ثَلَاثَةٌ لِخَتْمِهِ بِعِلْمِ التَّصَوُّفِ بِأَنَّ عِلْمَ التَّصَوُّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِلْمٌ بَاحِثٌ عَنْ أَحْوَالِ النَّفْسِ

مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ وَيَوْمِ الْخَمِيسِ وَمِنْ وَمَا بَعْدَهَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ (بِالْقَوَاعِدِ الْقَوَاطِعِ) قُدِّمَ عَلَيْهِ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ. وَالْقَاعِدَةُ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَخْلَاقِهَا الْبَاطِنَةِ كَمَا أَنَّ الْفَنَّ الثَّانِيَ عِلْمٌ بَاحِثٌ عَنْ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ الْحَقَّةِ وَبِهَا طَهَارَةُ النَّفْسِ أَيْضًا لِخُلُوصِهَا مِنْ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ فَاشْتَرَكَا فِي ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلًّا طَهَارَةٌ لِلنَّفْسِ وَتَصْفِيَةٌ لَهَا فَجُعِلَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْفَنِّ الثَّانِي لِشِدَّةِ الْمُنَاسَبَةِ وَأَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمُخْتَتَمِ إذْ خَاتِمَةُ الشَّيْءِ جُزْءٌ مِنْهُ أَوْ كَالْجُزْءِ وَفِي كَوْنِ التَّصَوُّفِ عِلْمًا مُسْتَقِلًّا كَلَامٌ ذَكَرْنَاهُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْأَثِيرِيَّةِ لِلشَّرِيفِ الْحُسَيْنِيِّ عَاقَتْ عَنْ إتْمَامِهَا عَوَائِقُ نَسْأَلُ اللَّهَ رَفْعَهَا (قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ مِنْ الْمُضَافِ الْمَعْنَى وَمِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ اللَّفْظُ كَمَا فِي سَعِيدُ كُرْزٍ وَدَفَعَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ تَوَهُّمَ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ قِيلَ وَمَا قَالَهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ وَفِيهِ أَنَّ إضَافَةَ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ قَبِيحَةٌ إلَّا فِيمَا سُمِعَ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَشَهْرِ شَعْبَانَ وَعِلْمِ النَّحْوِ وَشَجَرِ أَرَاكٍ فَلَا يَحْسُنُ حَيَوَانٌ وَإِنْسَانٌ رَجُلٌ وَالشَّارِحُ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُ الْوَارِدِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى لِلِاسْمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْسِينِ الْقَبِيحِ فِي الْوَارِدِ وَكَثِيرٌ يَخْرُجُ مِثْلُهُ عَلَى أَنَّهُ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ إلَّا أَنَّ قَاعِدَتَهُمْ فِي الْبَيَانِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي مِثْلِهِ عَلَى الْبَيَانِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الشَّائِعُ فِي الْبَيَانِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَأَوْهَى مِمَّا فَرَّ مِنْهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي اللُّغَةِ هُوَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ مَعْنَاهُ لَا إرَادَةُ اللَّفْظِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَلِيلٌ لَا يُعْدَلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ هُنَا تَوَقُّفًا إذْ لَفْظُ الْأُصُولِ لَيْسَ اسْمًا لِلْفَنَّيْنِ وَإِنَّمَا اسْمُ أَحَدِهِمَا أُصُولُ الْفِقْهِ وَاسْمُ الثَّانِي أُصُولُ الدِّينِ بَلْ اُشْتُهِرَ بِتَسْمِيَتِهِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ وَمَا بَعْدَهَا بَيَانٌ) فِيهِ تَسَاهُلٌ إذْ الْبَيَانُ إنَّمَا هُوَ الْمَجْرُورُ فَقَطْ وَالْمُبَيِّنُ الْقَوَاعِدُ قَالَ سَمِّ وَقَدْ يُقَالُ إنْ أُرِيدَ بِالْبَيَانِ مَا مَدْلُولُهُ حَقِيقَةُ الشَّيْءِ الْمُبَيَّنِ فَالتَّسَاهُلُ وَاضِحٌ وَإِنْ أُرِيدَ مَا يُبَيَّنُ بِهِ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا حَقِيقَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ. (قَوْلُهُ: بِالْقَوَاعِدِ الْقَوَاطِعِ) قِيلَ فِيهِ جِنَاسٌ مُضَارِعٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا فِي الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ التَّرْتِيبُ فِي الْحُرُوفِ وَلَا تَرْتِيبَ هَاهُنَا. (قَوْلُهُ: قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ) أَيْ مَحْكُومٌ فِيهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ حَمْلِيَّةٌ مُوجِبَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ لَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْإِفْرَادِ وَإِنَّمَا كُلِّيَّتُهَا أَنْ يَكُونَ الرَّبْطُ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ الْأَوْضَاعِ وَالْأَحْوَالِ الْمُمْكِنَةِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمُقَدَّمِ وَالْحُكْمُ فِيهَا بِالتَّعْلِيقِ وَلَيْسَ مَقْصُودًا فِي مَسَائِلِ الْعُلُومِ إذْ لَا بَحْثَ فِيهِ

يُتَعَرَّفُ مِنْهَا أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِهَا نَحْوُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً. وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقَاطِعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ وَالْحَمْلِيَّةُ السَّالِبَةُ لَا تَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ وَلَكِنَّ الْفَاضِلَ السَّيَالَكُوتِيَّ فِي حَوَاشِي الرَّازِيّ عَلَى الشَّمْسِيَّةِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَضَايَا السَّالِبَةَ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ اسْتِنْبَاطَ الْفُرُوعِ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمُوجِبَاتِ يَكُونُ مِنْ السَّوَالِبِ قَالَ سَمِّ وَلَا يَكْفِي فِي كُلِّيَّةِ الْقَضِيَّةِ هُنَا مُجَرَّدُ كُلِّيَّةِ مَوْضُوعِهَا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَإِلَّا لَدَخَلَ فِيهَا الْجُزْئِيَّةُ وَالطَّبِيعِيَّةُ لِكُلِّيَّةِ الْمَوْضُوعِ فِيهِمَا وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ قَوْلِهِمْ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَثَلًا قَاعِدَةُ " مَنْ " حَمْلَ أَلْ فِي الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ. وَأَقُولُ هَذَا تَوَهُّمٌ بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّهُ مَتَى قِيلَ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا عَلَى سَائِرِ الْأَفْرَادِ لَا مَا مَوْضُوعُهَا كُلِّيٌّ. (قَوْلُهُ: يَتَعَرَّفُ فِي صِيغَةِ التَّفَعُّلِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ بِالْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ فَخَرَجَ مِنْ التَّعْرِيفِ الْقَضِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَكُونُ فُرُوعُهَا بَدِيهِيَّةً غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى التَّخْرِيجِ فَيَكُونُ ذِكْرُ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فِي الْفَنِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ لِمَسَائِلَ أُخَرَ وَطَرِيقُ التَّعَرُّفِ أَنْ يَحْمِلَ مَوْضُوعَ الْقَاعِدَةِ كَالْأَمْرِ فِي مِثَالِنَا عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ كَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ فَيَحْصُلُ قَضِيَّةٌ صُغْرَى وَتُجْعَلُ الْقَاعِدَةُ الْكُبْرَى فَيُقَالُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً يَنْتِجُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً فَالْقَاعِدَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفِعْلِ وَتَعَرُّفُهَا مِنْهَا بِإِبْرَازِهَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْإِبْرَازِ تَفْرِيعٌ. (قَوْلُهُ: جُزْئِيَّاتِهَا) أَيْ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا فَإِنَّ مَوْضُوعَهَا أَمْرٌ كُلِّيٌّ كَالْأَمْرِ فِيمَا قِيلَ فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِيهِ جَمِيعُ جُزْئِيَّاتِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] . (قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ لِلَّهِ) مِثَالٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لِلْقَاعِدَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَالتَّمْثِيلُ بِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً إذْ كُلٌّ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الذَّاتِ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا تَكْثُرُ لَهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ يَتَكَثَّرُ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ قُلْنَا التَّكَثُّرُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلتَّعَلُّقَاتِ لَا لِلصِّفَةِ ذَاتِ التَّعَلُّقِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ لَا قَاعِدَةٌ وَاللَّائِقُ لِلْمِثَالِ أَنْ يُقَالَ لِلْمُشَابَهَةِ مُحَالٌ فِي حَقِّ الْبَارِئِ وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَجَابَ سَمِّ بِأَنَّ التَّمْثِيلَ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ قَائِلَةٍ كُلُّ شَيْءٍ مَعْلُومٌ لِلَّهِ وَالْحَامِلُ لِلشَّارِحِ عَلَى ذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَغَيْرِهِ أَرَادَ بِالْقَوَاعِدِ أَعَمَّ مِمَّا كَانَتْ قَاعِدَةً بِنَفْسِهَا أَوْ بِمَا تَؤَوَّلُ إلَيْهِ اهـ. وَأَقُولُ الْحَقُّ مَعَ الْكَمَالِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ قَوْلَنَا الْعِلْمُ ثَابِتٌ لِلَّهِ إلَخْ يَسْتَلْزِمُ مَا ذُكِرَ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْعِلْمِ مُطْلَقًا لَا يَسْتَلْزِمُ مَعْلُومِيَّةَ كُلِّ شَيْءٍ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ الْمُتَكَلِّمُونَ بَعْدَ إثْبَاتِ صِفَةِ الْعِلْمِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى شُمُولِ عِلْمِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْقُدْرَةِ احْتَاجُوا إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى شُمُولِ تَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ وَقَدْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ أَوْ لِلَّهِ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الشَّرَّ كَمَا يَخْلُقُ الْخَيْرَ أَوْ لَا فَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ مُسْتَلْزِمًا لِتَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ لَكَانَ الْخُلْفُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ لَهُ تَعَالَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَوْضُوعَ قَوَاعِدِ الْعِلْمِ يَرْجِعُ لِنَفْسِ مَوْضُوعِ الْعِلْمِ عَلَى تَفْصِيلٍ مَشْهُورٍ مُبَيَّنٍ فِي كُتُبِ الْمَنْطِقِ وَمَوْضُوعُ عِلْمِ الْكَلَامِ ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُنَا الْعِلْمُ ثَابِتٌ

بِمَعْنَى الْمَقْطُوعِ بِهَا كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْفَاعِلِ إلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِمُلَابَسَةِ الْفِعْلِ لَهُمَا. وَالْقَطْعُ بِالْقَوَاعِدِ الْقَطْعِيَّةِ أَدِلَّتُهَا الْمُبَيَّنَةُ فِي مَحَالِّهَا كَالْعَقْلِ الْمُثْبِتِ لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ الْمُثْبِتَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلَّهِ وَنَحْوُهُ يَرْجِعُ لِقَوْلِنَا اللَّهُ عَالِمٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضِيَّتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَأَمَّا قَوْلُنَا كُلُّ شَيْءٍ مَعْلُومٌ لِلَّهِ فَالْمَوْضُوعُ فِيهِ الْمَعْلُومُ فَالْحَقُّ مَا نَقَلَهُ السَّيَالَكُوتِيُّ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ الْعَقَائِدَ الْإِسْلَامِيَّةَ أَكْثَرُهَا قَضَايَا شَخْصِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ، اللَّهُ عَالِمٌ اللَّهُ وَاحِدٌ وَمَوْجُودٌ وَقَدِيمٌ وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيٌّ صَادِقٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا جَزَمَ الْمُحَقِّقُ الدَّوَانِيُّ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى الْحَوَاشِي الشَّرِيفَةِ عَلَى شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْعَضُدِيِّ فِي بَحْثِ تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ مَسَائِلَ الْكَلَامِ لَيْسَتْ بِقَوَاعِدَ لِعَدَمِ كَوْنِهَا كُلِّيَّةً. وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَوْضُوعَهَا وَإِنْ كَانَ جُزْئِيًّا حَقِيقِيًّا لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِوَجْهٍ كُلِّيٍّ فَتَكُونُ قَضَايَا كُلِّيَّةً مَوْضُوعُهَا مُنْحَصِرٌ فِي فَرْدٍ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ عَقَائِدُ جُزْئِيَّةٌ تُسْتَفَادُ مِنْهَا اهـ وَقَوْلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ إلَخْ أَيْ نَمْنَعُ فَإِنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا تَخْرُجُ الْقَضِيَّةُ عَنْ الشَّخْصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مُشَخَّصٌ وَتَصَوُّرُهُ بِالْوَجْهِ الْكُلِّيِّ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَقْطُوعِ بِهَا) إنْ قُلْتَ، إنَّ فِي عِبَارَاتِهِ تَنَافِيًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَعْنَى الْمَقْطُوعِ بِهَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا تَجَاوُزَ فِي الْإِسْنَادِ بَلْ فِي الْمُسْنَدِ وَقَوْلُهُ مِنْ إسْنَادِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ التَّجَوُّزَ فِي الْإِسْنَادِ فِي الْمُسْنَدِ قُلْتُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى الْمَقْطُوعِ بِهَا أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةً بِهَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّ هَذَا اسْمُ الْفَاعِلِ مُرَادٌ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ حَتَّى يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ بَلْ أَرَادَ بِذَلِكَ بَيَانَ حَالِ الْقَوَاعِدِ فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَنَّهَا مَقْطُوعٌ بِهَا لَا قَاطِعَةٌ حَتَّى يَظْهَرُ التَّجَوُّزُ فِي الْإِسْنَادِ أَفَادَهُ سَمِّ وَفِيهِ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يُقَالَ وَالْقَوَاعِدُ مَقْطُوعٌ بِهَا لَا مَا ذَكَرَهُ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ بِمَعْنَى الْمَقْطُوعِ بِهَا نَظَرًا لِلْمِثَالِ لَا لِمَفْهُومِ اللَّفْظِ لِيُوَافِقَ مَا بَعْدَهُ أَوْ الْمَعْنَى فَإِسْنَادُهَا مِنْ إسْنَادِ إلَخْ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. (قَوْلُهُ: لِمُلَابَسَةِ الْفِعْلِ) أَيْ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْحَدَثُ. (قَوْلُهُ: كَالْعَقْلِ) فِي التَّمْثِيلِ بِهِ لِلْأَدِلَّةِ تَجَوُّزٌ إذْ الدَّلِيلُ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ بَلْ مُقَدِّمَاتٌ يَحْكُمُ بِهَا الْعَقْلُ وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَنَظَرِ الْعَقْلِ أَوْ تَأْوِيلُهُ بِالْمَفْعُولِ أَيْ الْمَعْقُولِ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ نَظَرَ الْعَقْلِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ فَمَا زَالَ الْإِشْكَالُ بَاقِيًا وَأَنَّ الْعَقْلَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَكَيْفَ يُؤَوَّلُ بِالْمَفْعُولِ فَإِنَّ الَّذِي يُؤَوَّلُ بِالْمَفْعُولِ مَصْدَرُ عَقَلَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ كَدَلِيلِ الْعَقْلِ أَيْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي يَسْتَخْرِجُهُ الْعَقْلُ بِوَاسِطَةِ النَّظَرِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْعَقْلِيَّةِ. (قَوْلُهُ: الْمُثْبِتِ لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ) أَيْ لِقَاعِدَتَيْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَيْ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمُتَعَلِّقَتَيْنِ بِهِمَا وَهُمَا كُلُّ شَيْءٍ مَعْلُومٌ لِلَّهِ وَكُلُّ شَيْءٍ مَقْدُورٌ لِلَّهِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَالْعَقْلِ تَمْثِيلٌ لِأَدِلَّةِ الْقَوَاعِدِ وَكُلٌّ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَيْسَ بِقَاعِدَةٍ أَفَادَهُ سَمِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفَهُ وَفِيهِ مَا قَدْ سَمِعْتَ. (قَوْلُهُ: وَالنُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ) لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِالْكَافِ كَلَاحِقِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ سَابِقِهِ لِتَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأُصُولِ الدِّينِ وَلَاحِقُهُ مُتَعَلِّقٌ بِأُصُولِ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّ النُّصُوصَ تُطْلَقُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَطْعِيَّةَ الْمَدْلُولِ أَمْ لَا وَتَارَةً عَلَى مَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَدْلُولِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ) قَالَ بَعْضُ حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ بَلْ هُوَ مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ أُورِدَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْمَبْدَئِيَّةِ وَتَكْمِيلِ

لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ. وَكَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ الْمُثْبِتِ لِحُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ حَيْثُ عَمِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِهِمَا مُتَكَرِّرًا شَائِعًا مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ الَّذِي هُوَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وِفَاقَ عَادَةً. وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأُصُولِ قَوَاعِدُ قَوَاطِعَ تَغْلِيبٍ فَإِنَّ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ مَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ كَحُجِّيَّةِ الِاسْتِصْحَابِ وَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَمِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَا لَيْسَ بِقَاعِدَةٍ كَعَقِيدَةِ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِكَذَا مِمَّا سَيَأْتِي. (الْبَالِغِ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالْأَصْلَيْنِ) ، لَمْ يَقُلْ الْأُصُولِيِّينَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ إيثَارًا لِلتَّخْفِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّنَاعَةِ وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَالْتَزَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الدِّينِ لَكِنْ جِهَةُ الْبَحْثِ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إثْبَاتُ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ الْأَدِلَّةُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَيْثُ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْقَضَايَا فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ هِيَ قَوْلُك الْبَعْثُ ثَابِتٌ، الْحِسَابُ ثَابِتٌ الْقِيَاسُ حُجَّةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ اهـ. قُلْت وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَدُّ هَذِهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّيَّةِ مَوْضُوعِهَا فَكَانَ الْمَعْنَى بَعْثُ كُلِّ أَحَدٍ ثَابِتٌ، حِسَابُ كُلِّ أَحَدٍ ثَابِتٌ؛ أَيْ وَقَدْ خَصَّ مِنْهُ مَنْ لَا يُحَاسَبُ، كُلُّ قِيَاسٍ حُجَّةٌ كُلُّ خَبَرٍ وَاحِدٍ حُجَّةٌ اهـ. سَمِّ وَفِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ عَمِلَ) ظَرْفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ بِهِمَا أَيْ بِالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) صِفَةٌ لِسُكُوتِ الْبَاقِينَ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ وِفَاقٌ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ مِثْلُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وَبَيَانٌ لِمِثْلِ ذَلِكَ أَيْ كَالِاسْتِقْرَاءِ وَالِاسْتِصْحَابِ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ سُكُوتِيٌّ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ ظَنِّيٌّ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي حُجِّيَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ قُلْت قَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ لَيْسَ مِنْ السُّكُوتِ الظَّنِّيِّ لِامْتِيَازِهِ بِتَكَرُّرِ الْعَمَلِ بِهِ وَشُيُوعِهِ وَكَوْنِ الْمَسْكُوتِ عَلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعِيَّةَ عَادَةً فَقَوْلُهُ وِفَاقٌ عَادَةً أَيْ قَطْعًا أَفَادَهُ سَمِّ. (قَوْلُهُ: تَغْلِيبٌ) أَيْ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ كَمَا قَرَّرَهُ أَوَّلًا وَإِلَّا فَلَوْ نَظَرْنَا إلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ أَيْضًا كَانَ مَا جَعَلَهُ ظَنِّيًّا قَطْعِيًّا أَيْضًا إذَا الْقَطْعُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ كَالْمُتَوَاتِرِ وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَالَةِ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ ظَنِّيًّا وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَظْنُونِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ لِلْعَمَلِ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ اهـ. زَكَرِيَّا ثُمَّ إنَّ التَّغْلِيبَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ فَنِّ الْأُصُولِ بَيَانٌ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ حَالًا مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْبَاءُ فِي الْقَوَاعِدِ بِالْمُلَابَسَةِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ الْآتِي وَالتَّقْدِيرُ الْآتِي حَالَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِالْقَوَاعِدِ الْقَوَاطِعِ حَالَةَ كَوْنِهَا بَعْضَ الْأُصُولِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِيهِ قَوَاعِدُ قَوَاطِعَ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى دَعْوَى التَّغْلِيبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ مَا أَتَى بِتَمَامِ الْفَنِّ وَإِنَّمَا أَتَى مِنْهُ بِالْقَاطِعِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ التَّغْلِيبَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الْقَوَاطِعِ خَاصَّةً إذْ كُلُّهُ قَوَاعِدُ كَمَا أَنَّ التَّغْلِيبَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُصُولِ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ خَاصَّةً إذْ كُلُّهُ قَوَاطِعُ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَا يَسْتَنِدُ لِلدَّلَالَةِ الظَّنِّيَّةِ كَالسَّمْعِيَّاتِ وَلِذَلِكَ وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِيهَا وَلَمْ يُكَفِّرْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. (قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ) مُوَافِقٌ لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَقَدْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا هَلْ جَمِيعُ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ كُلِّهَا قَطْعِيَّةٌ أَوْ بَعْضُهَا قَطْعِيٌّ وَبَعْضُهَا ظَنِّيٌّ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ رَأْيُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ: كَعَقِيدَةِ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَالْعَقِيدَةُ بِمَعْنَى الْمُعْتَقَدَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ أُصُولِ الدِّينِ الْمَسَائِلُ الْمُعْتَقَدَةُ لَا نَفْسُ الِاعْتِقَادِ. (قَوْلُهُ: الْبَالِغُ مِنْ الْإِحَاطَةِ) مِنْ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [فاطر: 40] أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِالْأَصْلَيْنِ مَقُولَةٌ بِالتَّشْكِيكِ كَأَنَّهَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكِتَابُ بَلَغَ مِنْ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ بُلُوغَ ذَوِي الْجَدِّ وَالتَّشْمِيرُ فِي تِلْكَ الْمَرَاتِبِ وَمَا بَلَغُوهُ مِنْهَا هُوَ أَقْصَاهَا فَقَدْ بَلَغَ الْكِتَابُ أَقْصَاهَا فَقَدْ تَخَيَّلَ هُنَا مَا تَخَيَّلَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِي وَصْفِ الْبَلَاغَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ شَتَّى إلَخْ وَيُقَالُ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ

مِنْ غَيْرِ إلْبَاسٍ (مَبْلَغَ ذَوِي الْجِدِّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ بُلُوغَ أَصْحَابِ الِاجْتِهَادِ (وَالتَّشْمِيرِ) مِنْ تِلْكَ الْإِحَاطَةِ (الْوَارِدِ) أَيْ الْجَائِي (مِنْ زُهَاءِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَالْمَدِّ أَيْ قَدْرِهَا تَقْرِيبًا مِنْ زَهَوْتُهُ بِكَذَا أَيْ حَرَّزْته حَكَاهُ الصَّاغَانِيُّ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً لِتَطَرُّقِهَا إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ كَمَا فِي كِسَاءٍ (مَنْهَلًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْوَارِدِ (يُرْوِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ تِلْكَ الْإِحَاطَةِ وَجَعْلُ مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلْغَايَةِ كَمَا قَرَّرَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ إذْ الْغَايَةُ لَا تَقْتَضِي التَّلَبُّسَ بِالْمَجْرُورِ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَضُرُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ إذَا كَانَ مَقَامُ الْمَدْحِ قَرِينَةً عَلَى الدُّخُولِ وَجَعْلُهَا لِلْبَيَانِ نَظَرَ فِيهِ الشِّهَابُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّظَرِ وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْمُبَيَّنِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَفْعُولَ الْبُلُوغِ مُقَدَّرٌ أَيْ الْبَالِغُ مَرْتَبَةً هِيَ الْإِحَاطَةُ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُبَيَّنَ هُوَ قَوْلُهُ مَبْلَغُ ذَوِي الْجَدِّ فَهُوَ بَيَانٌ تَقَدَّمَ عَلَى مَبْنِيِّهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ تِلْكَ الْإِحَاطَةِ تَكْرَارٌ ذَكَرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَحَلِّهِ إلَّا أَنَّ تَفْسِيرَهُ الْمُبَلَّغُ بِالْبُلُوغِ لَا يُسَاعِدُ هَذَا الْوَجْهَ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ الْبَاسِّ) أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْأَصْلَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْأُصُولِينَ فَإِنَّهُ يَلْتَبِسُ بِجَمْعِ الْأُصُولِيِّ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِينَ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَالْجَمْعُ بِيَاءَيْنِ فَأَيْنَ الْإِلْبَاسُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ بِبَاءٍ وَاحِدَةٍ لَا يَمْنَعُ إمْكَانَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُذْهَلُ عَنْ كَوْنِهِ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلَيْنِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ جَمْعُ أَصْلِيٍّ بِنَاءً عَلَى الذُّهُولِ عَنْ كَوْنِهِ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَتُوُهِّمَ أَنَّهُ بِيَاءَيْنِ أَفَادَهُ سَمِّ. وَأَقُولُ إنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ فِي غَايَةِ الْوَهْنِ لِذَلِكَ لَمْ نَرَ وَاحِدًا مِنْ مُحَقِّقِي الْأَعَاجِمِ يَسْطُرُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ وَإِنَّمَا شَغَفَ بِأَمْثَالِهَا مَنْ تَعَوَّدَ نَقْدَ الْأَلْفَاظِ فِيمَا قَلَّ وَجَلَّ وَاللَّائِقُ الِالْتِفَاتُ لِجَانِبِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَاللُّبَابُ وَاللَّفْظُ كَالْقِشْرِ نَعَمْ الْأَدَبِيُّونَ يُحَافِظُونَ عَلَى تَحْسِينِ الْأَلْفَاظِ لِغَرَضٍ لَهُمْ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ إذْ الْمُعَانَى الْمَقْصُودَةُ لَهُمْ تَخَيُّلَاتٌ تُؤَدَّى بِهَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَقْصِدْ مَا قَصَدَهُ سَمِّ بَلْ مَقْصُودُهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ الْبَاسِّ دَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْأَصْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ فِيهِ إلْبَاسُ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْأَصْلَيْنِ بِهَذَا الْعِنْوَانِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ دَلَالَةُ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودِ مَا عَنْوَنَ عَنْهُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ فِي الْأُصُولِ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ وَلَا الْتِبَاسَ مَعَ الْقَرِينَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بُلُوغُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَبْلَغَ مَصْدَرٌ مُبَيِّنٌ لِلنَّوْعِ بِمَعْنَى بُلُوغٍ وَالْأَصْلُ بُلُوغًا مِثْلُ بُلُوغٍ وَعَطْفُ التَّشْمِيرِ عَلَيْهِ عَطْفُ لَازِمٍ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمُجِدَّ يُشَمِّرُ أَثْوَابَهُ وَيَكُفُّ أَذْيَالَهُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا إزَالَةُ مَا يَعُوقُ وَيَشْغَلُ عَنْ الْجِدِّ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِي) تَفْسِيرٌ لِلْوَارِدِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمُرَادُ هُنَا مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ أَيْ الْحَاصِلُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْوُرُودِ حُصُولُ الْوَارِدِ وَالْقَرِينَةُ اسْتِحَالَةُ الْوُرُودِ الْحَقِيقِيِّ فَحَاصِلُ الْمَعْنَى الْحَاصِلِ مِنْ قَدْرِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ تَقْرِيبًا وَهَذَا مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ اخْتَصَرْته أَوْ أَخَذْته أَوْ جَمَعْتُهُ مِنْ كَذَا. (قَوْلُهُ: تَقْرِيبًا) وَجْهُهُ أَنَّ الزُّهَاءَ اسْمٌ لِلْقَدْرِ الَّذِي يُحْرَزُ بِهِ الشَّيْءُ وَالْحِرْزُ إنَّمَا يُفِيدُ التَّقْرِيبَ فَيَكُونُ الزُّهَاءُ هُوَ الْقَدْرُ التَّقْرِيبِيُّ وَقَوْلُهُ مِنْ زَهَوْته بِكَذَا إلَخْ مَصْدَرُهُ الزَّهْوُ. وَأَمَّا الزُّهَاءُ فَهُوَ اسْمٌ لِلْقَدْرِ الَّذِي يُحْرَزُ بِهِ الشَّيْءُ وَيُقَدَّرُ بِهِ لَا لِمُطْلَقِ الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ قُلِبَتْ الْوَاوُ أَيْ الَّتِي آخِرُ زُهَاءٍ إذْ أَصْلُهُ زَهَاوٌ. (قَوْلُهُ: حَالٌ) أَعْرَبَهُ حَالًا؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ إعْرَابِهِ مَفْعُولًا بِهِ لِلْوَارِدِ؛ لِأَنَّهُ كَوْنُهُ مَنْهَلًا يَقْتَضِي مِنْ كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ

أَيْ كُلَّ عَطْشَانَ إلَى مَا هُوَ فِيهِ (وَيَمِيرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ يَعْنِي يُشْبِعُ كُلَّ جَائِعٍ إلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ مَارَ أَهْلَهُ أَتَاهُمْ بِالْمِيرَةِ أَيْ الطَّعَامِ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ يُشْبِعُ فَحَذَفَ مَعْمُولَيْ الْفِعْلَيْنِ لِلتَّعْمِيمِ مَعَ الِاخْتِصَارِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَالْمَنْهَلُ عَيْنُ مَاءٍ يُورَدُ وَوَصَفَهُ بِالْإِرْوَاءِ وَالْإِشْبَاعِ كَمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ (يَرْوِي) الْعَطْشَانَ وَيُشْبِعُ الْجَوْعَانَ وَمِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُمَا الْمَعْرُوفِ كَمَا هُنَا قَوْلُ الْعَرَبِ جُعْت إلَى لِقَائِك أَيْ اشْتَقْت وَعَطِشْت إلَى لِقَائِك أَيْ اشْتَقْت حَكَاهُ الصَّاغَانِيُّ (الْمُحِيطُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُهُ وَرَدَ الْمَنْهَلَ فَإِنَّ وَصْفَ زَيْدٍ بِأَنَّهُ بَحْرٌ مَثَلًا أَبْلَغُ مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ وَرَدَ الْبَحْرَ بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا إذَا جُعِلَ مَفْعُولًا لِوَارِدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى وَصْفُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِأَنَّهُ وَرَدَ مَنْهَلًا يَرْوِي وَيَمِيرُ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ مُصَنَّفٍ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ فَرُوِيَ مِنْهُ وَامْتَارَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ زُهَاءِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ بَيَانًا قُدِّمَ عَلَى الْمُبَيَّنِ إذْ لَوْ أُخِّرَ عَلَى الْمُبَيَّنِ بِهِ مَعَ صِفَتِهِ فَأَتَتْ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ وَلَوْ فُصِلَ بِهِ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ خِلَافُ الْأَوْلَى فَشُبِّهَتْ الْكُتُبُ الَّتِي اسْتَمَدَّ مِنْهَا كِتَابَهُ بِمَنْهَلٍ يُرْوَى وَيَمِيرُ مِنْ وِرْدِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَيْرُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ بَعْضِ الْمَنَاهِلِ كَمَاءِ زَمْزَمَ عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ وَشَبَّهَ كِتَابَهُ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ بِمَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَنْهَلَ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَإِثْبَاتُ الْوُرُودِ تَخْيِيلٌ وَرَشَّحَ الِاسْتِعَارَتَيْنِ بِذِكْرِ الْإِرْوَاءِ وَالْمَيْرِ وَعَلَى مَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ فَإِنْ بَيَّنَّا عَلَى مَا جَوَّزَهُ السَّعْدُ مِنْ أَنَّ: زَيْدٌ أَسَدٌ اسْتِعَارَةٌ كَانَ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِعَارَةُ الْمُصَرِّحَةُ فَقَطْ مُرَشَّحَةً بِذِكْرِ الْإِرْوَاءِ وَالْمَيْرِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حَمْلُ الشَّارِحِ إيَّاهُمَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَمِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ إلَخْ؛ لِأَنَّ التَّرْشِيحَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ وَحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ تَجْرِيدًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَإِنْ بَنَيْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ: زَيْدٌ أَسَدٌ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَمَنْهَلٌ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وَلَا اسْتِعَارَةَ أَصْلًا وَعَلَى الْأَوَّلِ دَرَجَ الشَّارِحُ حَيْثُ جَعَلَ يَرْوِي وَيَمِيرُ مُسْتَعْمَلَيْنِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُمَا الْحَقِيقِيِّ إذْ هُمَا عَلَى أَنَّ مَنْهَلًا تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ مُسْتَعْمَلَانِ فِي مَعْنَاهُمَا الْحَقِيقِيِّ أَلْبَتَّةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَجْهٌ لَطِيفٌ مَعْنًى، بَعِيدٌ لَفْظًا وَالْأَقْرَبُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ أَنَّ مَنْهَلًا مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ فَإِنَّ وَصْفَهُ بِكَوْنِهِ وَارِدًا يَأْبَى اعْتِبَارَ كَوْنِهِ مَنْهَلًا إذَا الْمَنْهَلُ مَوْرُودٌ لَا وَارِدٌ وَأَيْضًا يَتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ الْمَنْهَلِ بَعْدَ الْوُرُودِ أَنَّهُ مَفْعُولُهُ فَصَرْفُهُ إلَى مَعْنًى آخَرَ حَمْلٌ عَلَى خِلَافِ الْمُتَبَادَرِ. (قَوْلُهُ: أَيْ كُلَّ عَطْشَانَ) قَدَّرَ الْمَفْعُولَ كُلَّ عَطْشَانَ وَقَدَّرَهُ الْكَمَالُ كُلَّ مَنْ وَرَدَهُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمَنْهَلِ وَتَقْدِيرُ الشَّارِحِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَعْنَى يُرْوِي فَإِنَّ الْإِرْوَاءَ إزَالَةُ الْعَطَشِ وَتَعْلِيقُهُ بِالْعَطْشَانِ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِهِ الْوَارِدَ وَأَعَمُّ لِشُمُولِهِ غَيْرَ الْوَارِدِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي إفَادَةِ كَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي تَقْدِيرِ مَفْعُولِ يَمِيرُ. (قَوْلُهُ: إلَى مَا) أَيْ فَنٍّ هُوَ أَيْ الْكِتَابُ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْوِي الْعَطْشَانَ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ) وَيَجُوزُ أَيْضًا ضَمُّهُ مِنْ أَمَارَ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي يُشْبِعُ) عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَقَوْلُهُ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ إلَخْ إشَارَةٌ لِلْعَلَاقَةِ وَهِيَ السَّبَبِيَّةُ فَإِنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَرَّةِ سَبَبٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلْإِشْبَاعِ. (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ) أَيْ سِيَاقِ الْمَدْحِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لِلتَّعْمِيمِ. (قَوْلُهُ: يُورَدُ) فَإِنْ لَمْ يُورَدْ لَا يُسَمَّى مَنْهَلًا. (قَوْلُهُ: وَوَصَفَهُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمَنْهَلُ الْمَاءُ وَهُوَ لَا يُشْبِعُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يُشْبِعُ كَمَاءِ زَمْزَمَ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهَا تَعْلِيلِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَالْإِشْبَاعِ) عَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَيْرِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ يَمِيرُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْإِتْيَانِ بِالْمِيرَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمَيْرِ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: أَيْ اُشْتُقَّتْ) إنْ قِيلَ لِمَ أُفْرِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّعْبِيرِ وَلِمَ لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي تَفْسِيرٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يُقَالَ عَطِشْتُ وَجُعْتُ إلَى لِقَائِك أَيْ اشْتَقْت مَعَ مُحَافَظَتِهِ عَلَى الِاخْتِصَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّنْصِيصُ عَلَى اسْتِعْمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الِاشْتِيَاقِ وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ لَا بِجَمْعِهِمَا فِي تَفْسِيرٍ وَاحِدٍ لِإِيهَامِ ذَلِكَ أَنَّ التَّفْسِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ

أَيْضًا بِزُبْدَةِ أَيْ خُلَاصَةِ (مَا فِي شَرْحَيْ عَلَى الْمُخْتَصَرِ) لِابْنِ الْحَاجِبِ (وَالْمِنْهَاجُ) لِلْبَيْضَاوِيِّ وَنَاهِيكَ بِكَثْرَةِ فَوَائِدِهِمَا (مَعَ مُزْبِدٍ) بِالتَّنْوِينِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ (كَثِيرٍ) عَلَى تِلْكَ الزُّبْدَةِ أَيْضًا (وَيَنْحَصِرُ) جَمْعُ الْجَوَامِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ مَجْمُوعُ الصَّادِقِ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمَا يَصْدُقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى الْمَقْصُودِ وَفِيهِ أَيْضًا دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْعِبَارَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ عَطِشْت وَجُعْت وَاقِعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا وَرَدَ مِنْ زُهَاءِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ خُلَاصَةُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ أَتَى بِزُبْدَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لَا زُبْدَةِ جَمِيعِ مَا فِيهَا وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ حَيْثُ شَبَّهَ خُلَاصَةَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ بِزُبْدَةِ اللَّبَنِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مَا فِي شَرْحَيْ إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّرْحَيْنِ مِنْ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا زَائِدَانِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْضًا وَلَمْ يَشْرَحْ الْمُصَنِّفُ الْمِنْهَاجَ بِتَمَامِهِ بَلْ كَمَّلَ مَا شَرَحَهُ وَالِدُهُ وَلَكِنْ شَرْحُ وَالِدِهِ قَلِيلٌ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَأُطْلِقَ أَنَّهُ شَرَحَهُ أَوْ فِي كَلَامِهِ تَغْلِيبُ الشَّرْحِ الَّذِي لَهُ بِتَمَامِهِ وَهُوَ شَرْحٌ عَلَى الْآخَرِ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ شَرْحِي عَلَى كَذَا يَصْدُقُ بِالْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: وَنَاهِيكَ بِكَثْرَةِ فَوَائِدِهِمَا) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفِ خَبَرِ نَاهِيكَ وَنَاهِيكَ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْ نَهْيُك عَنْ تَطَلُّبِ غَيْرِهِمَا حَاصِلٌ لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهِمَا لِكِفَايَتِهِمَا وَالْغِنَى بِهِمَا أَوْ زَائِدَةٌ وَمَدْخُولُهَا خَبَرُ نَاهِيكَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَنَاهِيكَ بِحَالِهِ. (قَوْلُهُ: بِالتَّنْوِينِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ) أَسْنَدَهُ الشَّارِحُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ كَوْنِهِ مُضَافًا وَعَلَيْهِ فَمَزِيدُ اسْمِ مَفْعُولٍ وَأَمَّا عَلَى الْإِضَافَةِ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَمُؤَدًّى الْوَجْهَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْكَثْرَةَ عَلَى كِلَيْهِمَا وَصْفٌ لِلشَّيْءِ الْمَزِيدِ لَكِنْ مُرَادُ الشَّارِحِ اتِّبَاعُ ضَبْطِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهٌ لِاخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ هَذَا الضَّبْطَ وَوَجْهُهُ فِي الْآيَاتِ بِمَا فِيهِ مِنْ وَصْفِ الشَّيْءِ الْمَزِيدِ عَلَيْهَا بِالْكَثْرَةِ وَعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِمَزِيدِ الْكُتُبِ بِخَوْفِ الْإِضَافَةِ لِفَوَاتِ وَصْفِ الْمَزِيدِ عَلَيْهَا بِالْكَثْرَةِ وَتَخْصِيصِهِ بِمَزِيدِ الْكُتُبِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ كَوْنُ مَوْصُوفِ الْكَثِيرِ فِيهَا هُوَ الْكُتُبُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَنْحَصِرُ إلَخْ) مِنْ عَطْفِ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ فَلَا يُقَالُ إنَّ مَا تَقَدَّمَ إنْشَاءٌ وَهَذَا إخْبَارٌ أَوْ الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَهَذَا الْحَصْرُ جَعْلِيٌّ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَوَاشِي الْوَلَدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: جَمْعُ الْجَوَامِعِ) بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ يَنْحَصِرُ فَلَيْسَ مِنْ حَذْفِ الْفَاعِلِ أَوْ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ بِحَذْفِ أَيْ ثُمَّ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ الْمَشْهُورُ مِنْ أَنَّ مُسَمَّى الْكُتُبِ وَالتَّرَاجِمِ الْأَلْفَاظُ الْمَخْصُوصَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ يُرَادُ بِجَمْعِ الْجَوَامِعِ الْأَلْفَاظُ وَكَذَلِكَ الْمُقَدِّمَاتُ وَالْكُتُبُ فَالْحَصْرُ حِينَئِذٍ مِنْ قِبَلِ حَصْرِ الْكُلِّ فِي أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِجَمْعِ الْجَوَامِعِ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ بِالْمُقَدِّمَاتِ وَالْكُتُبِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ هَذَا بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِ الشَّارِحِ لَفْظَ الْمَقْصُودِ فَالْمُنْحَصِرُ حِينَئِذٍ مَفْهُومُ كُلٍّ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْكِتَابِ فِي جُزْئِيَّاتِ مَفْهُومِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى كُلِّيٌّ لِصِحَّةِ الْحَمْلِ وَزَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ الْمَقْصُودِ لِدَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَيْضًا أَعْنِي وَيَنْحَصِرُ إلَخْ فَإِنَّهَا مِنْ مُسَمَّى الْكِتَابِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا الْكُتُبِ السَّبْعَةِ وَزَادَ لَفْظُ الْمَعْنَى لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ فَبِالْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا وَسَائِلُ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَلَفْظِهِ مِنْ تَبْعِيضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابِ بَعْضٌ مِنْهُ إذْ هُوَ اسْمٌ لِجُمْلَةِ أَلْفَاظٍ مِنْهَا الْخُطْبَةُ وَالتَّرَاجِمُ وَغَيْرُهَا وَجَعَلَهَا صِلَةَ الْمَقْصُودِ وَالْتِزَامُ خُرُوجِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ عَنْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْهُ تَكَلَّفَ مَعَ اقْتِضَائِهِ أَنَّ مُسَمَّى الْكِتَابِ الْأَلْفَاظُ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الْمَعْنَى ثُمَّ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ جَعْلِ الْمُقَدِّمَاتِ مَقْصُودَةً هُنَا وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ فِي أُمُورٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ مُقَدَّمَةٍ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مَقْصُودَةً مِنْ الْكِتَابِ لَا يُنَافِي أَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِلْمِ هَذَا مَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَرَّرَ بِهِ الْمَقَامُ

يَعْنِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْهُ (فِي مُقَدِّمَاتِ) بِكَسْرِ الدَّالِ كَمُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ لِلْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْهُ مِنْ قَدَمَ اللَّازِمِ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ وَمِنْهُ {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ} [الحجرات: 1] وَبِفَتْحِهَا عَلَى قِلَّةٍ كَمُقَدَّمَةِ الرَّحْلِ فِي لُغَةِ مَنْ قَدَّمَ الْمُتَعَدِّيَ أَيْ فِي أُمُورٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ مُقَدَّمَةٍ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ مَعَ تَوَقُّفِهِ عَلَى بَعْضِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُمْ هُنَا تَكَلُّفَاتُ احْتِمَالَاتٍ تُشَوِّشُ الْإِفْهَامَ. (قَوْلُهُ: كَمُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ) أَيْ فِي أَنَّهَا مَكْسُورَةُ الدَّالِ. (قَوْلُهُ: مِنْ قُدِّمَ اللَّازِمِ) إنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ اللَّازِمِ دُونَ الْمُتَعَدِّي؛ لِأَنَّهَا لَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ لَأُضِيفَتْ إلَى مَنْ قَدَّمْته كَالطَّالِبِ أَوْ الْمُشْتَغِلِ بِهَا مَثَلًا لَا إلَى مَا تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ إفَادَةِ أَنَّ التَّقَدُّمَ ذَاتِيٌّ لَهَا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَسْرِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى تَقَدَّمَ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّازِمِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى كَمَا فِي زَيْدٍ تَقَدَّمَهُ عُمَرُ وَكَذَا قِيلَ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمُتَعَدِّي. (قَوْلُهُ: لَا تُقَدِّمُوا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَمَا هُوَ الْقِرَاءَةُ السَّبُعِيَّةُ وَمَعْنَاهُ تَتَقَدَّمُوا؛ لِأَنَّ قَدَّمَ رُبَاعِيٌّ وَقُرِئَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ بِتَاءَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَةٌ عَشْرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: كَمُقَدَّمَةِ الرَّحْلِ) أَيْ فِي كَوْنِهَا بِفَتْحِ الدَّالِ. (قَوْلُهُ: فِي لُغَةٍ) حَالٌ مِنْ مُقَدَّمَةِ الرَّحْلِ وَاللُّغَةُ الْأُخْرَى كَسْرُ دَالِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْجَيْشِ لَيْسَتْ إلَّا بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ فِي أُمُورٍ مُتَقَدِّمَةٍ فَفِيهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ عَلَى هَذَا وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَمُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ فَقَدْ بَسَطَهُ الْعِصَامُ فِي شَرْحِ الْوَضِيعَةِ وَشَرَحْنَاهُ هُنَاكَ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ أَتَمَّ شَرْحٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ إنْ شِئْت. (قَوْلُهُ: عَلَى بَعْضِهَا) أَيْ عَلَى مَدْلُولِ بَعْضِهَا فَقَدْ

كَتَعْرِيفِ الْحُكْمِ وَأَقْسَامِهِ إذْ يُثْبِتُهَا الْأُصُولِيُّ تَارَةً وَيَنْفِيهَا أُخْرَى كَمَا سَيَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجِدَ فِيهَا الْأَمْرُ أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْكِتَابِ وَالْعِلْمِ قَالَ سَمِّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْمُطَوَّلِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَمُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ مُوَافِقٌ لِمَا قَرَّرَهُ السَّعْدُ فَإِنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْمَقْصُودِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ مَعَ تَوَقُّفِهِ عَلَى تَعَلُّقِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ فَتَصْلُحُ أَنْ تُجْعَلَ مُقَدِّمَةَ الْكِتَابِ مُتَضَمِّنَةً لِمُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ اهـ. فَاعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُقَدِّمَةَ الْعِلْمِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشُّرُوعُ فِي مَسَائِلِهِ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِحَدِّهِ وَغَايَتِهِ وَمَوْضُوعِهِ وَلَمْ تُذْكَرْ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ هُنَا فَهَذِهِ مُقَدِّمَةُ كِتَابٍ فَقَطْ فَجَعَلَهَا مُقَدِّمَةَ عِلْمٍ وَكِتَابٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ كَتَعْرِيفِ الْحُكْمِ فَاسِدًا اهـ. وَأَقُولُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْفَسَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَالْمُحَشِّي وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ فَإِنَّ الْمُحَشِّيَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا الْأَخْذِ وَإِنَّمَا الْمُصَنِّفُ لَمَّا عَرَّفَ فَنَّ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِ أُصُولُ الْفِقْهِ دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ مَوْضُوعِهِ بِأَنَّهُ هِيَ الدَّلَائِلُ الْإِجْمَالِيَّةُ وَقَوْلُهُ فَالْأُصُولِيُّ الْعَارِفُ بِهَا إلَخْ يُؤْخَذُ مِنْهُ فَائِدَةُ هَذَا الْعِلْمِ وَهِيَ كَيْفِيَّةُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ الدَّلَائِلِ الْإِجْمَالِيَّةِ فَقَدْ وُجِدَتْ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى مُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ وَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا تَعَارِيفُ اصْطِلَاحَاتٍ تُذْكَرُ فِي الْمَقْصُودِ كَتَعْرِيفِ الْحُكْمِ وَأَقْسَامِهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَقْصُودِ فَصَارَتْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُقَدِّمَةَ كِتَابٍ أَيْضًا فَهِيَ صَالِحَةٌ لَهُمَا مَعًا فَإِنْ نُظِرَ لِجِهَةِ الْخُصُوصِ أَعْنِي بِذَلِكَ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ فَهِيَ مُقَدِّمَةُ عِلْمٍ وَإِنْ نُظِرَ لِجِهَةِ الْعُمُومِ أَعْنِي جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِمَّا لَهُ ارْتِبَاطٌ بِالْمَقْصُودِ فَهِيَ مُقَدِّمَةُ كِتَابٍ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ سَمِّ فَتَصْلُحُ حِينَئِذٍ كَيْفَ وَهُوَ مُعْتَرَفٌ بِأَنَّ مُقَدِّمَةَ الْعِلْمِ اسْمٌ لِلْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَسَيَأْتِي نَقْلُ كَلَامِ السَّيِّدِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّفْتَازَانِيَّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ اعْتَرَضَ عَلَى الْقَوْمِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ تَوَقُّفِ الشُّرُوعِ فِي الشَّيْءِ عَلَى كَذَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشُّرُوعُ بِدُونِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ شَيْئًا مَا ذُكِرَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الطَّالِبِينَ يُحَصِّلُ كَثِيرًا مِنْ الْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ كَالنَّحْوِ وَغَيْرِهِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ رَسْمِهَا وَغَايَاتِهَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الطَّالِبِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِمَّا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى مُحَصَّلٌ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا قَصَدُوهُ وَلِأَنَّ تَمَيُّزَ الْعِلْمِ عِنْدَ الطَّالِبِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ الْمَوْضُوعِ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ بِجِهَاتٍ أُخَرَ، نَعَمْ، تَمَايُزُ الْعُلُومِ فِي أَنْفُسِهَا إنَّمَا يَكُونُ بِتَمَايُزِ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: كَتَعْرِيفِ الْحُكْمِ) أَيْ وَكَتَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ. (قَوْلُهُ: إذْ يُثْبِتُهَا الْأُصُولِيُّ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْحُكْمِ وَأَقْسَامِهِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ إمْكَانَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّصَوُّرِ بِوَجْهٍ مَا لَا عَلَى التَّصَوُّرِ بِالتَّعْرِيفِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إمْكَانُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ عَلَى وَجْهِ الْبَصِيرَةِ يَتَوَقَّفُ

(وَسَبْعَةِ كُتُبٍ) فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ خَمْسَةٌ فِي مَبَاحِثِ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْخَمْسَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَالِاسْتِدْلَالُ وَالسَّادِسُ فِي التَّعَادُلِ وَالتَّرَاجِيحِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا وَالسَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ الرَّابِطِ لَهَا بِمَدْلُولِهَا وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَأَحْكَامِ الْمُقَلَّدِينَ وَآدَابِ الْفُتْيَا. وَمَا ضُمَّ إلَيْهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُفْتَتَحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَعْرِيفِهَا عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ أَعَمُّ مِنْ الْحَدِّ فَهُوَ يَصْدُقُ بِالرَّسْمِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَسَبْعَةُ كُتُبٍ فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ) وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ خَتْمُ الْكِتَابِ السَّابِعِ بِمَا وُصِفَ بِهِ كِتَابُهُ لِخُرُوجِهِ بِزِيَادَةِ الْمَقْصُودِ وَظَرْفِيَّةُ الْكُتُبِ بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ فِي الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنِيُّ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الدَّالِّ فِي الْمَدْلُولِ وَهُوَ كَثِيرٌ شَائِعٌ كَعَكْسِهِ وَارْتِكَابُ الِاسْتِعَارَةِ فِي الظَّرْفِيَّةِ لَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَإِنْ اُشْتُهِرَ عَلَى أَنَّ مَا قَالُوهُ هُنَا لَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا الِارْتِبَاطَ جَامِعًا وَلَا يَحْسُنُ فَإِنَّ مُجَرَّدَ الِارْتِبَاطِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا وَإِلَّا لَصَلَحَ إدْخَالُ فِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُرْتَبِطِينَ بِأَيِّ ارْتِبَاطٍ كَانَ وَجَعَلُوا الظَّرْفِيَّةَ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ وَالْمُتَعَارَفُ فِيهِ صِحَّةُ تَقْدِيرِ الْكَافِ وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا. وَأَمَّا تَقْدِيرُ كَانَ فَمَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَرَّفٍ يُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ الِاسْمِ أَيْضًا ثُمَّ لَازِمُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَشْبِيهُ الْكُتُبِ السَّبْعَةِ بِالْكَائِنَةِ فِي الْمَقْصُودِ فَلَا بُدَّ أَنْ تُعَرَّفَ تِلْكَ الْأُمُورُ الْكَائِنَةُ فِي الْمَقْصُودِ مَا هِيَ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ بَيْنَ الْكُتُبِ السَّبْعَةِ وَبَيْنَهَا وَجْهَ شَبَهٍ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: مَبَاحِثَ) جَمْعٌ مَبْحَثٍ وَهُوَ الْقَضِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْبَحْثِ أَيْ الْإِثْبَاتِ لِلْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ) مُرْتَبِطٌ بِالْأَمْرَيْنِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ تَعَارُضِهَا

[الكلام في المقدمات في أصول الفقه]

بِمَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ الْمُخْتَتَمِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ خَاتِمَةِ التَّصَوُّفِ. (الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) افْتَتَحَهَا بِتَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرْتَبِطٌ بِالثَّانِي وَقَوْلُهُ الرَّابِطُ لَهَا بِمَدْلُولِهَا أَيْ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهَا بِحَسَبِهِ مُرْتَبِطَةٌ بِمَدْلُولِهَا وَبَيْنَ الْبَيَانِ مُنَاسَبَةٌ ذَكَرَ التَّعَادُلَ وَالتَّرَاجِيحَ عَقِبَ الْأَدِلَّةِ. (قَوْلُهُ: بِمَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ) صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ لَيْسَ مِنْهَا وَأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ فَلَا غُبَارَ عَلَى مَنْ جَعَلَ مُفْتَتَحَ الْكَلَامِ بِمَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ أَفَادَهُ سَمِّ. 1 - (قَوْلُهُ مِنْ خَاتِمَةِ التَّصَوُّفِ) مِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ وَزَادَ هُنَا لَفْظَ خَاتِمَةٍ دُونَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ الْآتِي مِنْ فَنِّ الْأُصُولِ إلَخْ هَذَا مُقَامٌ مَقَامَ ذِكْرِ التَّرَاجِمِ وَتَفَاصِيلِهَا فَيُطَالَبُ فِيهِ ذِكْرُ لَفْظِ خَاتِمَةٍ أَوْ أَنَّ ذِكْرَ لَفْظِ الْمُقَدِّمَاتِ هُنَا اسْتَدْعَى ذَكَرَ لَفْظَ خَاتِمَةٍ لِتَحْصِيلِ الْطِبَاقِ [الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ] (قَوْلُهُ: الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) الْأَوْجَهُ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرَ مَحْذُوفٍ اسْمِ إشَارَةٍ أَيْ هَذَا الْكَلَامُ إلَخْ اعْتَنَى بِشَأْنِ الْحُكْمِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْبَيَانَ الْحَاصِلَ لِوُضُوحِهِ بَلَغَ مَبْلَغَ الْمَحْسُوسِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اسْمُ الْإِشَارَةِ كَقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] وَيَصِحُّ جَعْلُ الْخَبَرِ مَحْذُوفًا أَيْ الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا، ثُمَّ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْكَلَامِ الْمَعْنَى الْحَدَثِيُّ أَيْ التَّكَلُّمُ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّاعِرِ قَالُوا كَلَامُك هِنْدًا وَهِيَ مُصْغِيَةٌ ... يَشْفِيكَ قُلْت صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كَانَا فَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ التَّكَلُّمُ الْآنَ الصَّادِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَفِي سَبَبِيَّةٌ صِلَةٌ لَهُ فَالظَّرْفُ لُغَةٌ أَوْ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْهُ أَوْ صِفَةٌ لَهُ أَيْ هَذَا الْكَلِمُ الْحَاصِلُ الْآنَ هُوَ التَّكَلُّمُ بِسَبَبِ الْمُقَدِّمَاتِ أَيْ بِسَبَبِ إيضَاحِهَا، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ كَائِنًا لِذَلِكَ أَوْ الْكَائِنَ لِذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالصَّدْرِ وَهُوَ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ فَفِي بِمَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْأَلْفَاظُ إذْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْكِتَابِ الْمُرَادِ بِهِ ذَلِكَ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَعَانِي فَفِي إمَّا سَبَبِيَّةٌ صِلَةٌ أَوْ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ أَوْ ظَرْفِيَّةٌ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الدَّالِ فِي الْمَدْلُولِ وَالظَّرْفِيَّةُ حِينَئِذٍ مَجَازِيَّةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ أَوْ التَّصْرِيحِيَّةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَلَك أَنْ تَجْعَلَ التَّقْدِيرَ جَاءَ الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَالْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ وَتَسْتَغْنِيَ عَنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ وَأَنْ لَا تُقَدِّرَ شَيْئًا أَصْلًا بِأَنْ تَجْعَلَ الْكَلَامَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقَدِّمَاتُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَنْسَبَ بِبَقِيَّةِ التَّرَاجِمِ الْآتِيَةِ حَيْثُ قَالَ: الْكِتَابُ الْأَوَّلُ إلَخْ وَقَدْ يُوَجَّهُ صَنِيعُهُ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ أَلْ سِيَّمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْخَطَابِيَّةِ الْجِنْسِيَّةُ فَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ الْكَلَامَ جَمِيعَهُ مُنْحَصِرٌ فِيهَا لِعِظَمِ نَفْعِهَا فَفِيهِ تَرْغِيبٌ لِلِاعْتِنَاءِ بِهَا وَحَثٌّ لِلطَّالِبِ عَلَى تَحْصِيلِهَا. (قَوْلُهُ: افْتَتَحَهَا) أَيْ الْمُقَدِّمَاتِ قِيلَ الْأَنْسَبُ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ وَإِعَادَتُهُ إلَى الْكَلَامِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفْتَتَحُ بِتَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ تَأْنِيثَ الضَّمِيرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِيَّةِ التَّعْرِيفِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنَّ فَاتِحَةَ الشَّيْءِ مِنْهُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْغَالِبُ لَا بِشَيْءٍ أَجْنَبِيٍّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَذْكِيرِ الضَّمِيرِ اهـ. قِيلَ إنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ أَيْضًا حَاصِلَةٌ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَدَعْوَى إيهَامِ التَّذْكِيرِ دُونَ التَّأْنِيثِ مَمْنُوعَةٌ، وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ التَّذْكِيرُ أَنْسَبَ إذَا حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى التَّكَلُّمِ فَلَا؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ أُصُولِ الْفِقْهِ لَيْسَ تَكَلُّمًا حَتَّى يُنَاسِبَ جَعْلَهُ فَاتِحَةَ التَّكَلُّمِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَلَعَلَّ الشَّارِحَ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى التَّكَلُّمِ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ. (قَوْلُهُ: بِتَعْرِيفِ) أَيْ بِلَفْظِهِ بِنَاءً عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّ

لِيَتَصَوَّرَهُ طَالِبُهُ بِمَا يَضْبِطُ مَسَائِلَهُ الْكَثِيرَةَ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَطَلُّبِهَا إذْ لَوْ تَطَلَّبَهَا قَبْلَ ضَبْطِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْأَلْفَاظُ فَالتَّعْرِيفُ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّعْرِيفِ مَعْنَاهُ أَحْتِيجَ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ بِدَالِ تَعْرِيفٍ إلَخْ، ثُمَّ إنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ بَلْ لَمْ يُمْكِنْ ذِكْرُ التَّعْرِيفِ دُونَهُ كَيْفَ وَقَدْ قَالُوا مُعَرَّفُ الشَّيْءِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لِإِفَادَةِ تَصَوُّرِهِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الِافْتِتَاحِ عَلَى الْعُرْفِيِّ؛ لِأَنَّ الِافْتِتَاحَ حَقِيقَةً لَيْسَ بِالتَّعْرِيفِ بَلْ بِالْمُعَرَّفِ. (قَوْلُهُ: لِيَتَصَوَّرَهُ طَالِبُهُ) قَدْ يُقَالُ هَذَا الدَّلِيلُ لَا يُنْتِجُ افْتِتَاحَ الْمُقَدِّمَاتِ بِالتَّعْرِيفِ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمُعَرَّفِ الَّذِي هُوَ أُصُولُ الْفِقْهِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْكِتَابِ فَسَوَاءٌ ذُكِرَ التَّعْرِيفُ فِي أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا يَحْصُلُ تَقَدُّمُ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمُعَرَّفِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنَّمَا يُنْتِجُ افْتِتَاحَ الْكُتُبِ السَّبْعَةِ الَّتِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَبِهِ يُجَابُ بِأَنَّ طَلَبَ أُصُولِ الْفِقْهِ يَسْتَتْبِعُ طَلَبَ مُقَدِّمَاتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَوَّرَهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي طَلَبِ مُقَدِّمَاتِهِ أَيْضًا فَقَوْلُهُ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي طَلَبِهِ أَيْ الْمُسْتَتْبِعُ لِطَلَبِ مَا يَنْفَعُ فِيهِ أَوْ الْمُرَادُ بِطَلَبِهِ أَعَمُّ مِنْ طَلَبِهِ نَفْسَهُ وَطَلَبِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِيهِ فَكَانَ افْتِتَاحُ الْكُتُبِ السَّبْعَةِ بِهِ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الْمُقَدِّمَاتِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِافْتِتَاحِهِ بِهِ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ مُقَدَّمًا عَلَى نَفْسِهِ عَلَى كِلَا الْجَوَابَيْنِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ أَصْلًا إذْ حَاصِلُ الْإِيرَادِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَقْتَضِي افْتِتَاحَ الْمُقَدِّمَاتِ بِالتَّعْرِيفِ لَا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ حِينَئِذٍ افْتِتَاحُ الْأُصُولِ بِالتَّعْرِيفِ، ثُمَّ إنَّ مَبْنَى الِاعْتِرَاضِ تَعَلُّقُ اللَّامِ بِالِافْتِتَاحِ وَلَك أَنْ تَجْعَلَهَا مُتَعَلِّقَةً بِالتَّعْرِيفِ فَلَا يُرَادُ الِاعْتِرَاضُ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ افْتَتَحَهَا فَقَدْ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ أَنَّ التَّعْرِيفَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لَا لَأَنْ يُبَيِّنَ لَهُ عِلَّةً وَإِنَّمَا ذَكَرَ عِلَّةَ التَّعْرِيفِ لِيَظْهَرَ كَوْنُهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَعْنَى افْتَتَحَ الْمُقَدِّمَاتِ التَّعْرِيفُ الَّذِي هُوَ التَّصَوُّرُ لِيَتَصَوَّرَ أُصُولَ الْفِقْهِ طَالِبُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ

لَمْ يَأْمَنْ فَوَاتَ مَا يُرَجِّيهِ وَضَيَاعَ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ فَقَالَ (أُصُولُ الْفِقْهِ) أَيْ الْفَنُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَخْ وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ التَّفَعُّلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى التَّكَلُّفِ فِي الطَّلَبِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُنَا أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بَصِيرَةً مَا فَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّصَوُّرِ بِالتَّعْرِيفِ بَلْ التَّصَوُّرِ بِوَجْهٍ مَا أَوْ كَمَالِ الْبَصِيرَةِ فَلَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ التَّعْرِيفِ بَلْ لَا بُدَّ فِي كَمَالِهَا مِنْ التَّصْدِيقِ بِمَوْضُوعِيَّةِ الْمَوْضُوعِ وَفَائِدَةِ الْعِلْمِ وَيَزْدَادُ ذَلِكَ بِبَقِيَّةِ الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالْمَبَادِئِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا حَقِيقَةً كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَعْضِ حَوَاشِينَا الْمَنْطِقِيَّةِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَرْدٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْبَصِيرَةِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِالتَّعْرِيفِ أَوْ الْمُرَادُ بَصِيرَةٌ ذَاتُ كَمَالٍ بَصِيرَةُ مَا، وَلَا بَصِيرَةَ بَالِغَةٌ فِي الْكَمَالِ. الثَّانِي: إنَّ ضَبْطَ الْمَسَائِلِ بِدُونِ التَّعْرِيفِ مُمْكِنٌ بِأَنْ تُعَدَّ لِلطَّالِبِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ أَجَابَ الشَّارِحُ عَنْهُ بِوَصْفِ الْمَسَائِلِ بِالْكَثْرَةِ فَإِنَّ كَثْرَتَهَا تَمْنَعُ ضَبْطَهَا بِنَحْوِ هَذَا الطَّرِيقِ وَتُحْوِجُ إلَى التَّصَوُّرِ بِالتَّعْرِيفِ لَا يُقَالُ الْكَثْرَةُ لَا تُنَافِي الْإِمْكَانَ بَلْ وَلَا تَقْتَضِي الْمَشَقَّةَ كُلِّيًّا فَإِنَّ الْكَثْرَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي نَحْوِ الْعَشْرِ وَالْعِشْرِينَ وَالْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَالْوُقُوفُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ بِنَحْوِ الْعَدَدِ مُمْكِنٌ بَلْ سَهْلٌ فِي بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ الظَّاهِرَةُ جِدًّا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالُوهُ وَهُوَ ذُهُولٌ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَتَضَبَّطُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِجِهَةِ الْوَحْدَةِ الَّتِي بِهَا صَارَتْ سَائِلُ الْعِلْمِ الْمُنْكَثِرَةُ شَيْئًا وَاحِدًا وَبِالْإِحَاطَةِ بِجِهَةِ الْوَحْدَةِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْإِجْمَالِيُّ بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ بِالْقُوَّةِ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ. وَأَمَّا سَرْدُ الْمَسَائِلِ مَعْدُودَةً فَلَا يَحْصُلُ جِهَةَ الْوَحْدَةِ فَلَا يُفِيدُ ضَبْطًا بَلْ تَحْصِيلًا لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا ضَبْطُ الْمَسَائِلِ فَحُصُولٌ لَهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَالشَّارِحُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْحُصُولِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ، وَأَمَّا قَوْلُ سم بَقِيَ هُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ بِانْفِرَادٍ وَبِذَلِكَ يَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَطَلُّبِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى تَصَوُّرِهِ بِتَعْرِيفِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ تَصَوُّرِهِ بِتَعْرِيفِهِ فَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ كَيْفَ يَتَأَتَّى تَصَوُّرُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَسَائِلِ بِتَعْرِيفٍ يَخُصُّهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْضِي بِتَعَدُّدِ جِهَةِ وَحْدَةِ الْعِلْمِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَلَيْسَ تَعْرِيفُ الْأَنْوَاعِ تَعْرِيفًا لِلْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَلَا فِي مَعْنَاهُ فَإِنْ قُلْت كُلُّ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مَجْمُوعُ تَصْدِيقَاتٍ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّصَوُّرُ الَّذِي هُوَ

الْمُسَمَّى بِهَذَا اللَّقَبِ الْمُشْعِرُ بِمَدْحِهِ بِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ عَلَيْهِ إذْ الْأَصْلُ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفَادُ التَّعْرِيفِ. قُلْت التَّصَوُّرَاتُ لَا حَجْرَ فِيهَا فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ حَتَّى جَوَّزُوا تَصَوُّرَ التَّصَوُّرِ وَتَصَوُّرَ التَّصْدِيقِ بَلْ يَجُوزُ تَصَوُّرُ عَدَمِ التَّصَوُّرِ فَمَعْنَى تَصَوُّرِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّصَوُّرُ حُضُورِيًّا فَمَعْنَى تَصَوُّرِهَا الِالْتِفَاتُ إلَيْهَا وَاسْتِحْضَارُهَا وَإِنْ كَانَ حُصُولِيًّا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهَا الْأَصْلِيِّ فِي الذِّهْنِ مِنْ تَصْدِيقَاتٍ وَبِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الظَّنِّيِّ تَصَوُّرَاتٌ مَعَ الِاتِّحَادِ بِالذَّاتِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْوُجُودَيْنِ تَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ. (قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى بِهَذَا اللَّقَبِ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ عِلْمٌ لِلْفَنِّ لَا اسْمُ جِنْسٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ مُعَلِّلًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِلْمًا لَمَا دَخَلَتْهُ لَامُ التَّعْرِيفِ الْجِنْسِيَّةُ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَدْخُولَ اللَّامِ لَفْظَةُ أُصُولٍ بِدُونِ إضَافَةٍ وَلَيْسَتْ الْعِلْمَ إنَّمَا الْعِلْمُ الْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ وَلَا تَدْخُلُهُ اللَّامُ. (قَوْلُهُ: الْمُشْعِرُ بِمَدْحِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِهِ لَقَبًا إذْ اللَّقَبُ عَلَمٌ يُشْعِرُ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُشْعِرُ؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا دَلَالَةَ لَهُ إلَّا عَلَى الذَّاتِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا نُقِلَ وَجُعِلَ عَلَمًا صَارَ مَلْحُوظًا فِيهِ هَذَا الْإِشْعَارُ وَتَحْقِيقُ الْمَقَامِ أَنَّ الْعِلْمَ الْمُدَوَّنَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ حَصَلَتْ فِي ذِهْنِ الْوَاضِعِ بِأَمْرٍ كُلِّيٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا كَالْمَوْضُوعِ وَالْغَايَةِ مَثَلًا وَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُشْتَرَكُ آلَةً لِلْوَضْعِ وَالْمَوْضُوعُ لَهُ جَمِيعُ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَغَيْرِ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْعِلْمُ الَّذِي تَتَزَايَدُ مَسَائِلُهُ مُتَحَقِّقًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فِي وَقْتٍ مَا وَالْعَالِمُ بِهِ إنَّمَا سُمِّيَ عَالِمًا بِاعْتِبَارِ الْمَلَكَةِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّصْدِيقَاتِ بِالْمَسَائِلِ وَلَيْسَ هَذَا الْوَضْعُ مِنْ قَبِيلِ الْوَضْعِ الْعَامِّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ الْخَاصُّ لِعَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ بَلْ الْوَضْعُ وَالْمَوْضُوعُ لَهُ شَخْصِيَّانِ ضَرُورَةَ كَوْنِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى شَخْصِيًّا إلَّا أَنَّ آلَةَ الْوَضْعِ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ تَنْدَرِجُ فِيهِ الْأَجْزَاءُ الْمُسْتَخْرَجَةُ وَغَيْرُ الْمُسْتَخْرَجَةِ كَمَا إذَا قَدَّرَ الرَّجُلُ ابْنًا لَهُ وَوَضَعَ لَهُ اسْمًا، ثُمَّ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَعَدُّدُ الْمَسَائِلِ وَالتَّصْدِيقَاتِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمَحَالِّ نَظَرًا لِلْعُرْفِ كَانَتْ أَسْمَاءُ الْعُلُومِ أَعْلَامًا شَخْصِيَّةً وَإِنْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ كَانَتْ أَعْلَامًا جِنْسِيَّةً فَلِذَلِكَ جَعَلَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ لِلْمُخْتَصَرِ أُصُولَ الْفِقْهِ عِلْمَ جِنْسٍ مَعَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ أَعْلَامٌ شَخْصِيَّةٌ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِمُلَاحَظَةِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ مَسَائِلَ الْعُلُومِ تَتَزَايَدُ يَوْمًا فَيَوْمًا بِتَزَايُدِ الْأَفْكَارِ فَكَيْفَ يَتَحَصَّلُ وَضْعُ الِاسْمِ لَهَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الِاسْمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْصِيلِهِ فِي الْخَارِجِ بَلْ فِي الذِّهْنِ وَيَكْفِي فِي اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُلَاحَظَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ كَمَا قُلْنَا

(دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ بَعْضُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ مُسْتَخْرَجًا بِالْفِعْلِ وَبَعْضُهَا حَاصِلٌ بِالْقُوَّةِ تَدَبَّرْ. (قَوْلَهُ دَلَائِلُ الْفِقْهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَإِنَّمَا لَمْ أَقُلْ أُصُولُ الْفِقْهِ دَلَائِلُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْأُصُولِ وَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْإِضْمَارُ مَا أَمْكَنَ وَلِتَغَايُرِ الْفِقْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَحَدُ جُزْأَيْ لَقَبٍ مُرَكَّبٍ مِنْ مُتَضَايِفَيْنِ وَالثَّانِي الْعِلْمُ بِالْمَعْرُوفِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ الْمَخْصُوصَةِ كَالْمَنْطِقِ تُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الْمَعْلُومَاتِ الْمَخْصُوصَةِ فَيُقَالُ مَثَلًا فُلَانٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ أَيْ يَعْلَمُ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَأُخْرَى عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَقِيقَةُ كُلِّ عِلْمٍ مَسَائِلُهُ وَعَلَى الثَّانِي حَقِيقَتُهُ التَّصْدِيقَاتُ بِمَسَائِلِهِ. وَأَمَّا جَعْلُهُمْ أَجْزَاءَ الْعُلُومِ الْمَوْضُوعَ وَالْمَبَادِئَ وَالْمَسَائِلَ فَتَسَاهُلٌ، وَيُطْلَقُ لَفْظُ الْعِلْمِ أَيْضًا عَلَى الْمَلَكَةِ وَأَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْفَنِّ هُوَ الْأَدِلَّةُ الْإِجْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَغْرَاضِهَا الذَّاتِيَّةِ وَمَوْضُوعُ الْعِلْمِ مَا هُوَ يَبْحَثُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ عَنْ أَغْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَحْثِ عَنْ الْأَغْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ حَمْلُهَا عَلَى مَوْضُوعِ الْعِلْمِ كَقَوْلِنَا الْكِتَابُ يُثْبِتُ الْحُكْمَ أَوْ عَلَى أَنْوَاعِهِ كَقَوْلِنَا الْأَمْرُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ أَوْ عَلَى أَغْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْعَامُّ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى أَنْوَاعِ أَغْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ حُجَّةٌ فِيمَا بَقِيَ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَسَّرَ الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أُصُولُ الْفِقْهِ دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَقِيلَ مَعْرِفَتُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْأُصُولِيُّ الْعَارِفُ بِهَا فَصَالِحٌ لَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَسَتَسْمَعُ مَا فِيهِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ كَمَا سَيَنْقُلُهُ عَنْهُ الشَّارِحُ لَكِنَّهُ مُعْتَرِضٌ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَوْضُوعُ الْعِلْمِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تَعْرِيفًا لَهُ بِمَعْنَى الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْمُبَايِنِ وَأَجَابُوا عَنْهُ إمَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مَسَائِلُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ أَيْ الْمَسَائِلُ الْمَبْحُوثُ فِيهَا عَنْ أَحْوَالِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ كَقَوْلِنَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَثَلًا أَوْ أَنْ يُرَادَ بِالدَّلَائِلِ نَفْسُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَيُضَعِّفُ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَنَّ حَذْفَ الْمُضَافِ فِي التَّعْرِيفَاتِ بَعِيدٌ سِيَّمَا مَعَ مُعَارَضَةِ مَا رَجَّحَ بِهِ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ إذْ الْأُصُولُ لُغَةً: الْأَدِلَّةُ فَهَذَا الْقَوْلُ يُبْعِدُ تَقْدِيرَ احْتِمَالِ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ. الثَّانِي: أَنَّ التَّعْرِيفَاتِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَبَادَرَةِ مِنْهَا وَالْمُبَادَرُ مِنْ الدَّلَائِلِ الْإِجْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إلَخْ لَا مَسَائِلُ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ دَلَائِلَ إجْمَالِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ كُبْرَيَاتُ الدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِرَادَةُ مَسَائِلِ الْأُصُولِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا قَلَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ أَحَدٌ وَأَيْضًا سَيَجِيءُ أَنَّ التَّفْصِيلِيَّةَ جُزْئِيَّاتٌ لِلْإِجْمَالِيَّةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ إذَا حُمِلَتْ الْإِجْمَالِيَّةُ عَلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ وَكَيْفَ تَتَحَمَّلُ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتُ أَمْثَالَ هَذِهِ التَّكْلِيفَاتِ الْبَعِيدَةِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُوَ الْمُرَادُ فَهُوَ مِنْ الْمُرَادِ الَّذِي لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ إنَّ الشَّارِحَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنَّ بَيَانَهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِبَاهِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ بِمَوْضُوعَاتِهَا، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ التَّعْرِيفَيْنِ بِاخْتِصَارٍ مُخِلٌّ. وَهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ إمَّا الْمَسَائِلُ أَوْ التَّصْدِيقُ بِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ أَفْرَادَ الْمَوْضُوعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْحُكْمِ فِي الْمَحْصُورَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الطَّبِيعِيَّةَ لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَسَائِلِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بَيَانَ أَحْوَالِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ مَثَلًا قَوْلُنَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفَنِّ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِيهَا أَقِيمُوا الصَّلَاةَ آتُوا الزَّكَاةَ إلَخْ فَالْبَحْثُ عَنْ هَذِهِ الْجُزَيْئَاتِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةٌ تَفْصِيلِيَّةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلَهُمْ أُصُولَ الْفِقْهِ الْمَسَائِلَ الْبَاحِثَةَ عَنْ أَحْوَالِ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ أَوْ

أَيْ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ كَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَفِعْلِ النَّبِيِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِصْحَابِ الْمَبْحُوثِ عَنْ أَوَّلِهَا بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً وَالثَّانِي بِأَنَّهُ لِلْحُرْمَةِ كَذَلِكَ الْبَاقِي بِأَنَّهَا حُجَجٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ فَخَرَجَ بِالدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ نَحْوُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] وَصَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ حَيْثُ لَا عَاصِبَ لَهُمَا وَقِيَاسُ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاسْتِصْحَابُ الطَّهَارَةِ لِمَنْ شَكَّ فِي بَقَائِهَا فَلَيْسَتْ أُصُولُ الْفِقْهِ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ بَعْضُهَا فِي كُتُبِهِ لِلتَّمْثِيلِ (وَقِيلَ) أُصُولُ الْفِقْهِ (وَمَعْرِفَتُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْرِفَتَهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي الْمَوْضُوعِ لِبَيَانِ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ أَدِلَّتِهِ الْإِجْمَالِيَّةِ دُونَ التَّفْصِيلِيَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْإِجْمَالِيَّةِ مُجَرَّدُ كَوْنِ الْبَحْثِ عَنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ بِأَنْ لَا يَقَعَ التَّفْصِيلُ عُنْوَانَ الْمَبَاحِثِ أَوْ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّغَايُرَ بَيْنَ الْإِجْمَالِيَّةِ وَالتَّفْصِيلِيَّةِ بِالِاعْتِبَارِ لَا بِالذَّاتِ إذْ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ لَهُ جِهَتَانِ {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المجادلة: 13] مَثَلًا لَهُ جِهَةُ إجْمَالٍ هِيَ كَوْنُهُ أَمْرًا وَجِهَةُ تَفْصِيلٍ هِيَ كَوْنُ مُتَعَلِّقِهِ خَاصًّا هِيَ إقَامَةُ الصَّلَاةِ فَالْبَحْثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْفَنِّ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى وَفِي الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ التَّالِيَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ) تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ عَدَمُ الْإِيضَاحِ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ التَّعْيِينِ أَيْ التَّفْصِيلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا أَنَّهَا مُهِمَّةٌ فِي أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً لِمَسَائِلَ جُزْئِيَّةٍ فَالْمُعَيَّنَةُ هِيَ الَّتِي عُيِّنَ كُلُّ دَلِيلٍ مِنْهَا لِمَسْأَلَةٍ جُزْئِيَّةٍ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَعَدَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرُ التَّفْصِيلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِالْمُسَاوِي فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ (قَوْلُهُ كَمُطْلَقِ الْأَمْرِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِيهِ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ أَيْ الْقَاعِدَةُ الْمَحْكُومُ فِيهَا عَلَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَالْقَرِينَةُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا الْآتِي مِنْ فَنَّيْ الْأُصُولِ بِالْقَوَاعِدِ الْقَاطِعِ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ فِيهِ أَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ مَثَلًا مِنْ مَوْضُوعِ أُصُولِ الْفِقْهِ الْمَبْحُوثِ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِهِ وَالْمُرَادُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ مَا خَلَا عَنْ خُصُوصِ الْمُتَعَلِّقِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مِنْ نَاحِيَةِ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعْرِيفِ وَمُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَلْتَئِمَ مَعَ مَا سَبَقَ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا قَدْ سَمِعْته فَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ: الْمَبْحُوثِ عَنْ أَوَّلِهَا) وَهُوَ مُطْلَقُ الْأَمْرِ أَيْ الْمُثْبِتُ لَهُ الْوُجُوبَ بِجَعْلِهِ مَوْضُوعًا لَهُ فَنَقُولُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: وَالْبَاقِي) وَهُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ الْمُثْبِتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ الْحُجِّيَّةُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَمِعْت فِي الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى الْأَمْرِ وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَمْرِ وَمَا مَعَهُ وَأَرَادَ بِالْغَيْرِ نَحْوَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ إلَخْ وَقَوْلُهُ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَأَرَادَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَحْوَ قَوْلِنَا الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَالْعَامُّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الدَّلَائِلُ التَّفْصِيلِيَّةُ) أَيْ الْقَضَايَا الْمَحْكُومُ فِيهَا عَلَى الدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ نَحْوُ قَضِيَّةِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَعْنِي أَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً لِيُنَاسِبَ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي قَوْلِهِ مِنْ دَلَائِلِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَتْ) أَيْ الدَّلَائِلُ التَّفْصِيلِيَّةُ أُصُولَ الْفِقْهِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَلَيْسَتْ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ لِيَكُونَ نَصًّا فِي نَفْيِ كَوْنِهَا بَعْضًا مِنْهُ الَّذِي هُوَ الْمُتَوَهَّمُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْرِفَتُهَا) لَمْ يُرِدْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ كَتَصْوِيبِ الْأَوَّلِ الْوَاقِعِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ رَدَّ هَذَا الْقَوْلِ بَلْ بَيَانَ أَوْلَوِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوَاعِدِ أَشْيَعُ فِي الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَشَّى الْحَوَاشِي الشَّرِيفَةِ عَلَى الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ أَنَّ ابْتِنَاءَ الْمَطَالِبِ أَصَالَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَصِّلُ. وَأَمَّا عَلَى الْعِلْمِ بِهِ فَبِالتَّبَعِ فَإِذَا أُطْلِقَ الْأُصُولُ يَتَبَادَرُ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَصَالَةً فَانْدَفَعَ بِمَا قُلْنَاهُ إنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ تُطْلَقُ

أَيْ مَعْرِفَةُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ إذْ الْأُصُولُ لُغَةً الْأَدِلَّةُ كَمَا فِي تَعْرِيفِ جَمِيعِهِمْ الْفِقْهَ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ لَا نَفْسِهَا إذْ الْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمَسَائِلِ وَعَلَى الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا هُنَا صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: أَيْ مَعْرِفَةُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ) أَيْ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِهَا وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي نَظِيرِهِ بَعْدُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ ذَاتِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ عِلْمٌ تَصَوُّرِيٌّ بَلْ تِلْكَ الْأَحْوَالُ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهَا لِلْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فَهُوَ تَصْدِيقٌ بِثُبُوتِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَقَعُ مَحْمُولَاتٍ لِلْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَثَلًا فَآلَ الْمَعْنَى إلَى أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ عِلْمٌ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَرَّرُوا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ الْقَوَاعِدُ فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي التَّأْوِيلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا قَدْ سَمِعْته، قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عِلْمُ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ قَوَاعِدَهُ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ تَوَصُّلًا قَرِيبًا بَلْ إنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُحَافَظَةِ الْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ أَوْ مُدَافَعَتِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فَإِنَّ الْجَدَلِيَّ إمَّا مُجِيبٌ بِحِفْظٍ وَضْعًا أَوْ مُعْتَرِضٌ يَهْدِمُ وَضْعًا إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَكْثَرُوا فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَبَنَوْا نِكَاتَهُ عَلَيْهِ حَتَّى تُوُهِّمَ أَنَّ لَهُ اخْتِصَاصًا بِالْفِقْهِ، وَأُصُولُ الْفِقْهِ وَإِنْ كَانَتْ أَصْلًا لِلْفِقْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فَرْعٌ لِأُصُولِ الدِّينِ لِاحْتِيَاجِ كَوْنِ الْأَدِلَّةِ حُجَّةً لِمَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ. (قَوْلُهُ: أَقْرَبُ إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ) التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمَعْرِفَةِ قُرْبًا إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ لَهَا قُرْبٌ إلَيْهِ لِتَعَلُّقِهَا بِهِ (قَوْلُهُ: إذْ الْأُصُولُ لُغَةً إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَهُوَ أَمْرٌ عَامٌّ كُلِّيٌّ يَشْمَلُ الدَّلِيلَ وَغَيْرَهُ فَالدَّلِيلُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْحَصْرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْرِفَةِ أَيْ إنَّ الْأُصُولَ الْأَدِلَّةُ لَا الْمَعْرِفَةُ وَأُورِدُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُصُولُ لُغَةً الْأَدِلَّةُ فَلَا مَعْنَى لِقُرْبِ الْأَوَّلِ إلَى الْمَدْلُولِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ عَيْنُهُ حِينَئِذٍ وَالشَّيْءُ لَا يَقْرُبُ مِنْ نَفْسِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الَّتِي هِيَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَعَمُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُهَا وَغَيْرَهَا كَأَدِلَّةِ الْفِقْهِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ مِنْ إطْلَاقِهَا عَلَى مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّ فَرْدَ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ

[تعريف الأصولي]

(وَالْأُصُولِيُّ) أَيْ الْمَرْءُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْأُصُولِ أَيْ الْمُلْتَبِسُ بِهِ (الْعَارِفُ بِهَا) أَيْ بِدَلَائِل الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ (وَبِطُرُقِ اسْتِفَادَتِهَا) يَعْنِي الْمُرَجِّحَاتِ الْمَذْكُورِ مُعْظَمُهَا فِي الْكِتَابِ السَّادِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ بَقِيَتْ الدَّلَائِلُ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَسَائِلِ الْبَاحِثَةِ عَنْ أَحْوَالِ الدَّلَائِلِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ تِلْكَ الْمَسَائِلَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ يَجْعَلُهَا كُبْرَى لِصُغْرَى هِيَ دَلِيلٌ تَفْصِيلِيٌّ نَحْوِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً ثَانِيهِمَا تَقْدِيرُ الْمُضَافِ وَعَلَيْهِمَا فَلَا إيرَادَ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَاكَ سَابِقًا. [تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ] (قَوْلُهُ: وَالْأُصُولِيُّ الْعَارِفُ إلَخْ) لَمَّا اعْتَبَرَ فِي الْأُصُولِيِّ مَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ طُرُقُ الِاسْتِفَادَةِ وَحَالُ الْمُسْتَفِيدِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِتَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْأُصُولِ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكُورَانِيُّ مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْأُصُولِ يَعْنِي تَعْرِيفَ الْأُصُولِيِّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُصُولِيِّ زِيَادَةُ اعْتِبَارٍ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فَلَا إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ صَحَّ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَبِرَ فِي مَفْهُومِ الْأُصُولِيِّ الَّذِي هُوَ مَنْسُوبٌ لِلْأُصُولِ مَا لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا تَوَقَّفَ عِنْدَ مَعْرِفَةِ الْأُصُولِيِّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ زَادَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ فَإِنْ قُلْت هَلَّا فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْأُصُولِيَّ بِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْمَلَكَةُ كَمَا قَالَ الْكَسْتَلِيُّ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ إنَّ الْعَالِمَ بِكُلِّ صِنَاعَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْ عَرَفَ جَمِيعَ مَسَائِلِهَا وَالْإِنْسَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ الْأُولَى تَهَيُّؤُهُ لَهُ تَهَيُّؤًا تَامًّا بِأَنْ تَحْصُلَ عِنْدَهُ مَبَادِئُهُ بِأَسْرِهَا مَعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْعِرْفَانِ عِنْدَهُ بِالْمَلَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَاسْتِحْصَالُهُ إيَّاهَا بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي مَبَادِيهِ وَيَحْصُلَ مِنْهَا مُشَاهِدًا إيَّاهُ وَيُسَمَّى عَقْلًا مُسْتَفَادًا بِالْقِيَاسِ إلَيْهِ، الثَّالِثَةُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةُ اسْتِحْضَارِهِ بَعْدَ غَيْبُوبِيَّتِهِ مَتَى شَاءَ مِنْ تَجَشُّمِ كَسْبٍ جَدِيدٍ وَيُسَمَّى عَقْلًا بِالْفِعْلِ فَأَسَامِي الْعُلُومِ تُطْلَقُ عَلَى الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى مَسَائِلِهَا وَلَكِنَّ الْحَاصِلَ لِلْإِنْسَانِ الْبَاقِي مَعَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنْ الْعُلُومِ إمَّا مَلَكَةُ الِاسْتِنْبَاطِ أَوْ مَلَكَةُ الِاسْتِحْضَارِ حَتَّى إنَّهُ لَا يُرَادُ بِقَوْلِنَا فُلَانٌ فَقِيهٌ مُتَكَلِّمٌ غَيْرُ هَذَا اهـ. وَأَيْضًا لَوْ فَسَّرَ الْأُصُولِيَّ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَا كَانَ جَامِعًا لِمَعَانِي إطْلَاقَاتِ الْعِلْمِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُرَادُ الِاعْتِرَاضُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْكُورَانِيُّ قُلْت لَا يُسَاعِدُهُ ذَلِكَ عَلَى مَا سَلَكَهُ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ وَقَصَدَهُ وَظَهَرَ لَك مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَسْتَلِيِّ أَنَّ مَا قَالَهُ سم نَقْلًا عَنْ الصَّفَوِيِّ أَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ عَلَى التَّهَيُّؤِ أَيْضًا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الشَّرِيفِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَلَكَةِ وَجَعْلُهُ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ مَرَاتِبَ الْمَلَكَةِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَرْءِ الْمَنْسُوبِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأُصُولِيَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَلَبِّسُ) بَيَانٌ لِجِهَةِ النِّسْبَةِ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْعَارِفِ بِالْأُصُولِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ الْعَارِفُ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُتَلَبِّسَ مَفْهُومُهُ أَعَمُّ مِنْ الْعَارِفِ إذْ الْمُلَابَسَةُ الْمُخَالَطَةُ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَقُومَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالْمُتَلَبَّسِ أَوْ يَقُومَ بِالْمُتَلَبِّسِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِلْأُصُولِ إذْ التَّلَبُّسُ هُوَ الِاتِّصَافُ بِالْعِلْمِ دُونَ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْبَارِدِ قَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي التَّلَبُّسُ بِالْقَوَاعِدِ مَجَازِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ فَالْجَوَابُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ. إذْ الْعِلْمُ إمَّا نَفْسُ الْمَعْلُومِ وَالتَّغَايُرُ اعْتِبَارِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَمْرُ ظَاهِرٌ عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ لَمَّا لَمْ يَنْفَكَّ عَنْ الْعِلْمِ كَانَ التَّلَبُّسُ بِأَحَدِهِمَا تَلَبُّسًا بِالْآخَرِ حَقِيقَةً وَهَبْ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ فَأَيُّ حَجْرٍ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي الْمُرَجِّحَاتِ) أَيْ لِبَعْضِ الْأَدِلَّةِ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَأَتَى بِالْعِنَايَةِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ طُرُقِ اسْتِفَادَةِ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ مَا يَتَوَسَّلُ إلَيْهَا مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ وَغَيْرِهَا وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ طُرُقِ الْمُسْتَفِيدِ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَطْلُوبِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهَا فَتَخْصِيصُ الْأُولَى بِالْمُرَجِّحَاتِ وَالثَّانِيَةِ بِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ خَفِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ لَا يَدُلُّ عَلَى خَاصٍّ بِخُصُوصِهِ وَلِهَذَا أَتَى بِالْعِنَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ إذْ الطُّرُقُ حَقِيقَةً الْمَسَائِلُ الْحِسِّيَّةُ وَقَالَ سم عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ

(وَ) بِطُرُقِ (مُسْتَفِيدِهَا) يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا كَانَتْ الْمُرَجِّحَاتُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ طُرُقًا لِاسْتِفَادَةِ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فَإِنَّ الْمُرَجِّحَاتِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهَا وَإِنَّمَا طُرُقُ الِاسْتِفَادَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ هُوَ النَّقْلُ مَثَلًا عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ لِخَفَاءِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ وَلَمَّا كَانَ طُرُقُ الشَّيْءِ مَا يُوَصِّلُ إلَيْهِ وَلَيْسَتْ الْمُجْتَهِدُ طُرُقًا لِلْمُسْتَفِيدِ عَبَّرَ بِيَعْنِي أَيْضًا لِخَفَاءِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ إنَّ طُرُقَ الِاسْتِفَادَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ النَّقْلُ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ بِالْقِيَاسِ فَقَطْ وَأَمَّا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَلَا يُرْتَابُ فِي أَنَّ طَرِيقَهَا النَّقْلُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ لِلْأُصُولِيِّ إلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ الْغَيْرِ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَيْضًا مَنْقُولٌ وَإِنْ كَانَ الْقَائِسُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأُصُولِيِّ هُنَا الْمُجْتَهِدَ بَلْ الْعَارِفَ بِفَنِّ الْأُصُولِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِطُرُقِ مُسْتَفِيدِهَا) جَعَلَ الْكَمَالُ وَمُسْتَفِيدِهَا عَطْفًا عَلَى الظَّرْفِ أَيْ وَبِمُسْتَفِيدِهَا وَزَعَمَ أَنَّ صَنِيعَ الشَّارِحِ تَكَلُّفٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ تَرْكُ إعَادَةِ الْجَارِ وَهُوَ الْبَاءُ إذْ كَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يُقَالَ وَبِمُسْتَفِيدِهَا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَثْقَلَ تَكْرَارَ الْجَارِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَتَرَكَهُ اكْتِفَاءً بِوُضُوحِ الْمَعْنَى اهـ. وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مَا زَعَمَهُ مِنْ التَّكَلُّفِ فِي تَقْرِيرِ الشَّارِحِ التَّكَلُّفَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُضَافُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْمُتَعَاطِفَيْنِ وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ وَشُيُوعِهِ وَإِنْ أَرَادَ التَّكَلُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَطْلَقَ الطُّرُقَ عَلَى صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ وَأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهَا طُرُقًا فَهَذَا مَمْنُوعٌ إذْ لَا مَعْنَى لِطُرُقِ الشَّيْءِ إلَّا الْأُمُورُ الْمُوَصِّلَةُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا طَرِيقُ كَذَا إمَّا إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ الْمُوَصِّلِ إلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَ إلَيْهِ وَتَارَةً إلَى الْفَاعِلِ أَيْ الْمُوَصِّلِ فَالْمُرَادُ بِهِ يَصِلُ الْفَاعِلُ فِيهِ أَوْ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ، وَالْمُرَجِّحَاتُ طَرِيقٌ لِلِاسْتِفَادَةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ طَرِيقٌ لَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ بِهَا إلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَلَا تَكَلُّفَ فِي هَذَا الْمَعْنَى غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ غَرَابَةً وَدِقَّةٌ يُتَوَهَّمُ مِنْهَا التَّكَلُّفُ فِيهِ. وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الْمُضَافِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ وَالْعَارِف بِمُسْتَفِيدِهَا وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ حِينَئِذٍ مَعْرِفَةُ ذَاتِ الْمُسْتَفِيدِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ وَلَا مَعْنَى لَهُ أَوْ مَعْرِفَتُهُ مِنْ حَيْثُ اسْتِفَادَتُهُ الْأَحْكَامَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَا مُسْتَلْزِمٍ لِلْمُرَادِ فَإِنْ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ مِنْ حَيْثُ الصِّفَاتُ الَّتِي يَتَوَقَّفُ تَأَمُّلُهُ لِلِاسْتِفَادَةِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِهَا فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَكِنَّ الْعِبَارَةَ قَاصِرَةٌ عَنْ إفَادَتِهِ فَالتَّكَلُّفُ فِي صَنِيعِهِ لَا فِي صَنِيعِ الشَّارِحِ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الطَّرِيقُ قَدْ تُضَافُ إلَى السَّالِكِ الْوَاصِلِ بِالسُّلُوكِ فِيهَا إلَى الْمَقْصُودِ وَقَدْ تُضَافُ إلَى الْغَايَةِ الْمَقْصُودِ بِالسُّلُوكِ فِيهِ الْوُصُولُ إلَيْهَا أَمَّا الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ فَفِيهِمْ أَنَّهُمَا فَاعِلُ الطَّرِيقِ أَوْ مَفْعُولُهُ كَمَا يُقَالُ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ فِيمَا ذَكَرَهُ إيهَامُ أَنَّ الطَّرِيقَ مُخْتَلِفَةٌ مَعْنًى وَلَيْسَ كَذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّ إرَادَةَ الطُّرُقِ مِنْ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ مَعْنًى خَفِيٌّ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ تَعْبِيرٌ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي التَّخَاطُبِ فَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا فِي مَقَامِ شَرْحِ أَلْفَاظِ التَّعْرِيفِ فَلَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِدَفْعِ

صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ السَّابِعِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِشُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَبِالْمُرْجِحَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعٌ لَهُ بِمِثْلِهِ تَأَمَّلْ. 1 - (قَوْلُهُ: الْمُجْتَهِدِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَفِيدُ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ بِخِلَافِ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ بِوَاسِطَةِ دَلِيلٍ إجْمَالِيٍّ وَهُوَ أَنَّ هَذَا أَفْتَاهُ فِيهِ الْمُفْتِي وَكُلُّ مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُفْتِي فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ لِآيَةِ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ فَجَعْلُهُ دَاخِلًا فِي الْمُسْتَفِيدِ سَهْوٌ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَبِالْمُرْجِحَاتِ إلَخْ) الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِتُسْتَفَادُ قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلْحَصْرِ؛ لِأَنَّ اسْتِفَادَةَ تَعْيِينِ مَا هُوَ الدَّلِيلُ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يُرَادُ إثْبَاتُهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ إنَّمَا هِيَ بِمَعْرِفَةِ الْمُرَجِّحِ الَّذِي قَامَ بِهَذَا الدَّلِيلِ دُونَ غَيْرِهِ كَأَنْ يَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ وَآخَرُ عَلَى سُنِّيَّتِهِ وَأَحَدُهُمَا نَصٌّ وَالْآخَرُ ظَاهِرٌ فَالدَّلِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ لِتَرْجِيحِهِ بِكَوْنِهِ نَصًّا وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْ الشَّارِحِ فِي تَمْهِيدِ اعْتِرَاضٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ حَاصِلٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ كَمَا سَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ وَحُصُولُهُ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ الْأَدِلَّةُ الْإِجْمَالِيَّةُ وَالْمُرَجِّحَاتُ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ التَّفْصِيلِيَّ إنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي أَفَادَهُ بِوَاسِطَةِ تَرَكُّبِهِ مَعَ الدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ الَّذِي هُوَ كُلِّيٌّ لَهُ بِجَعْلِ الدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ مُقَدِّمَةً صُغْرَى وَالْإِجْمَالِيَّ كُبْرَى هَكَذَا {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً يُنْتِجُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ يُعْلَمُ بِمَعْرِفَتِهَا مَا هُوَ دَلِيلُ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْمُسْتَفِيدَ لِلْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ إنَّمَا يَكُونُ أَهْلًا لِاسْتِفَادَتِهَا مِنْهُ إذَا قَامَتْ بِهِ صِفَاتُ الِاجْتِهَادِ. فَعُلِمَ أَنَّ ابْتِنَاءَ الْفِقْهِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ أُصُولُهُ فَيَكُونُ الْأُصُولِيُّ مَنْ يَعْرِفُهَا وَأَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ طَرِيقَانِ لِاسْتِفَادَةِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ دُونَ الْإِجْمَالِيَّةِ وَأَنَّ الْمُجْتَهِدَ هُوَ مَنْ يَعْرِفُ الدَّلَائِلَ الْمَذْكُورَةَ وَالْمُرَجِّحَاتِ وَقَامَتْ بِهِ صِفَاتُ الِاجْتِهَادِ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّ وَالْمُجْتَهِدِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مُسَمَّى الْأُصُولِيِّ مَعْرِفَتُهَا وَفِي مُسَمَّى الْمُجْتَهِدِ قِيَامُهَا بِهِ لِاسْتِنْبَاطِهِ بِهَا الْأَحْكَامَ بِخِلَافِ الْأُصُولِيِّ. فَإِنْ قِيلَ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْته كَوْنَ الدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ أَيْضًا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ لِابْتِنَائِهِ عَلَيْهَا. أُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ أَفْرَادُهَا غَيْرَ مُنْحَصِرَةٍ لَمْ يَحْسُنْ جَعْلُهَا جُزْءًا مِنْ مُسَمَّى الْأُصُولِ لِانْتِشَارِهَا فَفِي الْإِجْمَالِيَّةِ غِنًى عَنْهَا لِكَوْنِهَا كُلِّيَّاتِهَا وَيُعْلَمُ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ حُكْمُ الْجُزْئِيَّاتِ هَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمُرَجِّحَاتُ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَتَا مِنْ مُسَمَّى الْأُصُولِ بَلْ طَرِيقُ الِاسْتِفَادَةِ الدَّلَائِلُ الْإِجْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَأَجَابَ عَنْ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ عَدَمُ ذِكْرِهِمَا فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَعَدَمُ ذِكْرِهِمَا فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ بِأَنْ ذَكَرَهُمَا فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا وَإِنْ جَازَ فِي ذِكْرِهِمَا فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ فِي ذِكْرِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ فَذَكَرَ هُوَ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْأُصُولُ إشَارَةً لِلتَّوَقُّفِ الْمَذْكُورِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِمَا لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا مِنْهُ وَتَبَعًا لِلْقَوْمِ فِي عَدَمِ ذِكْرِهِمَا فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَإِنْ

أَيْ بِمَعْرِفَتِهَا تُسْتَفَادُ دَلَائِلُ الْفِقْهِ أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جُمْلَةِ دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا وَبِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ أَيْ بِقِيَامِهَا بِالْمَرْءِ يَكُونُ مُسْتَفِيدًا لِتِلْكَ الدَّلَائِلِ أَيْ أَهْلًا لِاسْتِفَادَتِهَا بِالْمُرَجِّحَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ الْمُصَنِّفِ يَدَّعِي أُمُورًا أَرْبَعَةً: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُسْتَفَادَ بِالْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ الدَّلَائِلُ الْإِجْمَالِيَّةُ. الثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مُسَمَّى الْأُصُولِ. الثَّالِثُ: أَنَّ ذِكْرَهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا. الرَّابِعُ: أَنَّ ذِكْرَهُ إيَّاهَا فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ كَذِكْرِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ مِنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ قَالُوا الْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ أَيْ ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى عَرَبِيَّةً إلَخْ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ وَمَا قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَالِمُ بِالْأَحْكَامِ صَرَّحَ بِالْأَرْبَعَةِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ أَمَّا بِالْأَوَّلِ فَفِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَيْهِ. وَأَمَّا بِالثَّانِي فَفِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ وَبِالثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِهِ إلَخْ وَبِالرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَذَكَرَهَا حِينَئِذٍ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَعْرِفَتِهَا) لَمْ يَقُلْ ابْتِدَاءً وَبِمَعْرِفَةِ الْمُرَجِّحَاتِ مُجَارَاةً لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ إضَافَةِ الطُّرُقِ الَّتِي هِيَ الْمُرَجِّحَاتُ إلَى الِاسْتِفَادَةِ يَقْتَضِي اسْتِفَادَةَ تِلْكَ الدَّلَائِلِ بِنَفْسِ الطُّرُقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ مَعْرِفَتِهَا فَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَيْ بِمَعْرِفَتِهَا وَيَجْرِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَبِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَعَ ظُهُورِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِدَلَائِلَ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ: الْمُشَارُ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ بِالْمُرَجِّحَاتِ لَيْسَ كُلُّ الْأَدِلَّةِ مُطْلَقًا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ مُسْتَفَادُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ بَلْ بَعْضُ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَهُوَ مَا عَرَضَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ يَسْتَفِيدُ الْمُجْتَهِدُ بِالْمُرَجِّحَاتِ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ الْبَعْضُ الرَّاجِحُ مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ جُمْلَةِ إلَخْ) حَالٌ مِنْ " مَا " وَ " مِنْ " تَبْعِيضِيَّةٌ (وَقَوْلُهُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِبَدَلٍ أَوْ تُسْتَفَادُ وَالضَّمِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ لِمَا وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا لِوُقُوعِهَا عَلَى دَلَائِلَ وَعَلَى الثَّانِي يَرْجِعُ لِدَلَائِلِ الْفِقْهِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ " دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ " لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَارُضِ جَمِيعِ دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ لَفْظَةِ جُمْلَةِ بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَهْمُ التَّبْعِيضِ مَعَ زِيَادَتِهِ أَقْرَبُ وَبَقِيَ أَنَّ الدَّالَ عِنْدَ التَّعَارُضِ هُوَ الرَّاجِحُ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كَوْنَهُ لَيْسَ دَلِيلًا عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ الْمُرَجِّحِ لِمُقَابِلِهِ لَا يُنَافِي تَرْجِيحَهُ عِنْدَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ فَهُوَ دَلِيلٌ عِنْدَهُ أَوْ أَنَّهُ دَلِيلٌ لَوْلَا وُجُودُ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ الْمُعَارِضِ أَوْ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ. (قَوْلُهُ: بِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ) أَيْ بِقِيَامِهَا بِالْمَرْءِ لَمْ يَجْرِ عَلَى نَسَقِ سَابِقِهِ تَمْهِيدًا لِلِاعْتِرَاضِ الْآتِي عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصِّفَاتِ الْقِيَامُ لَا الْمَعْرِفَةُ الْمُوهِمُ لَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَقُلْ بِقِيَامِهَا بِهِ مَعَ أَخْصَرِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ قِيَامِهَا بِهِ لَا يُسَمَّى مُجْتَهِدًا فَلِذَلِكَ أَظْهَرَ وَلَمْ يَقُلْ بِقِيَامِهَا بِالْمُجْتَهِدِ فِرَارًا مِنْ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَنْ قَامَتْ بِهِ صِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: لِتِلْكَ الدَّلَائِلِ) أَيْ التَّفْصِيلِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَيَسْتَفِيدَ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمِرَةٌ جَوَازًا لِعِطْفِهِ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ وَهُوَ اسْتِفَادَةُ أَيْ أَهْلًا؛ لَأَنْ يَسْتَفِيدَ الْأَدِلَّةَ فَيَسْتَفِيدَ أَيْ بِالْفِعْلِ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى يَكُونُ لِعَدَمِ تَفَرُّعِ الِاسْتِفَادَةِ بِالْفِعْلِ عَلَى كَوْنِهِ أَهْلًا

فَيَسْتَفِيدُ الْأَحْكَامَ مِنْهَا وَلِتَوَقُّفِ اسْتِفَادَةِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا الَّتِي هِيَ الْفِقْهُ عَلَى الْمُرَجِّحَاتِ. وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ ذَكَرُوهَا فِي تَعْرِيفِي الْأُصُولِ الْمَوْضُوعِ لِبَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ مِنْ أَدِلَّتِهِ لَكِنَّ الْإِجْمَالِيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ دُونَ التَّفْصِيلِيَّةِ لِكَثْرَتِهَا جِدًّا وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ صِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ وَأَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ كَمَا عَلِمْت لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا تُذْكَرُ فِي كُتُبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِاسْتِفَادَةِ نَعَمْ لَوْ أُرِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَسْتَفِيدَ الِاسْتِفَادَةُ بِالْقُوَّةِ صَحَّ الرَّفْعُ بِالْعَطْفِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ الْفِقْهُ) صِفَةُ الْأَحْكَامِ بِنَاءٌ عَلَى إطْلَاقِ الْفِقْهِ عَلَى الْمَعْلُومِ أَوْ بِتَقْدِيرِ الَّتِي هِيَ أَيْ عِلْمُهَا بِمَعْنَى التَّهَيُّؤِ الْفِقْهَ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ الشِّهَابُ مِنْ أَنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا حَيْثُ أَطْلَقَ الْفَهْمَ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ إلَخْ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُهُ وَمُنْشَؤُهُ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الَّتِي صِفَةُ الِاسْتِفَادَةِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ جَعَلَ الِاسْتِفَادَةَ هِيَ الْفِقْهُ وَظَاهِرُهُ الِاسْتِفَادَةُ بِالْفِعْلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ أَيْ بِجَمِيعِهَا التَّهَيُّؤُ لِلْعِلْمِ بِجَمِيعِهَا لَا الْعِلْمُ بِجَمِيعِهَا بِالْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ) وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُرَجِّحَاتِ مَعْرِفَتُهَا وَفِي صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ قِيَامُهَا بِهِ. (قَوْلُهُ: الْمَوْضُوعِ) الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْجَعْلُ وَالتَّدْوِينُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِبَيَانِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ بِالْمُرَادِ بِالْوَضْعِ مَعْنَاهُ الْمَشْهُورُ أَعْنِي تَعْيِينَ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى حَتَّى يُرَدَّ أَنَّ التَّعْرِيفَ يَتَعَلَّقُ بِمُسَمَّى الْأُصُولِ وَالْوَضْعُ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْمَوْضُوعَ لَفْظُ الْأُصُولِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْأُصُولِ الْمُعَرَّفُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعَرَّفُ بِالتَّعْرِيفَيْنِ السَّابِقَيْنِ فَلَا يَصِحُّ النَّعْتُ أَوْ يُقَدَّرَ الْمُضَافُ أَيْ تَعْرِيفُ مُسَمَّى الْأُصُولِ أَوْ الْمَوْضُوعُ اسْمُهُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهِ فَتَكُونُ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ بَيَانًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ الَّذِي وُضِعَ لَهُ عِلْمُ الْأُصُولِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ فِي كَوْنِ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ إمَّا الْقَوَاعِدُ وَإِمَّا مَعْرِفَتُهَا لَكِنَّ بَعْضَ الْقَوَاعِدِ بَاحِثٌ عَنْ أَحْوَالِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ، وَبَعْضُهَا بَاحِثٌ وَمُبَيِّنٌ لِلْمُرَجِّحَاتِ، وَبَعْضُهَا مُبَيِّنٌ لِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ لَا أَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ مُسَمَّى أُصُولِ الْفِقْهِ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ الْمَجْعُولَيْنِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ الْقَوَاعِدُ الْبَاحِثَةُ عَنْ أَحْوَالِهَا لَا أَنْفُسُهَا كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِدَلَائِلِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ الْقَوَاعِدُ الْبَاحِثَةُ عَنْ أَحْوَالِهَا لَا أَنْفُسُهَا. (قَوْلُهُ: وَأَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ) اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ لِلْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ قَالَ النَّجَّارِيُّ وَلَعَلَّ شُبْهَتَهُ فِي الْإِسْقَاطِ أَنَّ مُسَمَّى الْأُصُولِ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ الْإِجْمَالِيَّةُ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْأَدِلَّةِ. (قَوْلُهُ: لِمَا قَالَهُ) أَيْ فِي

لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَيْهِ قَالَ وَذِكْرُهَا حِينَئِذٍ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ كَذِكْرِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ مِنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ قَالُوا الْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ وَهُوَ ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى عَرَبِيَّةً وَأُصُولًا إلَى آخِرِ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ وَمَا قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَالِمُ بِالْأَحْكَامِ هَذَا كَلَامُهُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الْمَتْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْعِ الْمَوَانِعِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ الْأَسْئِلَةِ الَّتِي أُورِدَتْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ طَرِيقٌ إلَى الْأُصُولِ الَّذِي هُوَ الدَّلَائِلُ الْإِجْمَالِيَّةُ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَقَوْلُهُ وَذِكْرُهَا حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ذُو الدَّرَجَةِ) الضَّمِيرُ لِلْمُجْتَهِدِ وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُجْتَهِدِ تَعْرِيفٌ لِلْفَقِيهِ؛ لِأَنَّهُ فُسِّرَ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا قَالُوا الْفَقِيهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَالُوا. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ الْمُتَضَمِّنُ لِتِلْكَ الدَّعَاوَى. (قَوْلُهُ: لِظَاهِرِ الْمَتْنِ) إنَّمَا قَالَ ظَاهِرِ إلَخْ إشَارَةً إلَى

فِي أَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ طَرِيقٌ لِلدَّلَائِلِ الْإِجْمَالِيَّةِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ كَمَا قَالَ مِنْ إسْقَاطِهَا مِنْ تَعْرِيفَيْ الْأُصُولِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ بِأَنَّهَا طَرِيقٌ لِلدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ سَرَى إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ التَّفْصِيلِيَّةِ جُزْئِيَّاتِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ تَوَقُّفَ التَّفْصِيلِيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهَا الْمُفِيدُ لِلْأَحْكَامِ عَلَى أَنَّ تَوَقُّفَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِمَالِ تَقْدِيرِ مُضَافٍ قَبْلَ الضَّمِيرِ فِي اسْتِفَادَتِهَا وَمُسْتَفِيدِهَا أَيْ اسْتِفَادَةِ جُزْئِيَّاتِهَا وَمُسْتَفِيدِ جُزْئِيَّاتِهَا. (قَوْلُهُ: الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ مُجَرَّدُ كَوْنِهَا طَرِيقًا لِلدَّلَائِلِ الْإِجْمَالِيَّةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا مِنْ الْأُصُولِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأُصُولِ طَرِيقًا لِبَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى كَوْنِهَا طَرِيقًا مَا ذُكِرَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَوْنِهَا طَرِيقًا بَلْ هُوَ كَوْنُهَا طَرِيقًا مَعَ خُرُوجِهَا عَنْ الْأُصُولِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ خُرُوجَهَا كَافٍ وَكَوْنُهَا طَرِيقًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِمُجَرَّدِ ذِكْرِهِ فَضْلًا عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ وَكَيْفَ سَلَّمَ لَهُ الشَّارِحُ الْبِنَاءَ وَنَازَعَ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ وَهَلَّا نَازَعَهُ فِي نَفْسِ الْبِنَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا صَنَعَهُ مَبْنِيًّا عَلَى التَّنَزُّلِ مَعَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: جَعْلُ الْمَعْرِفَةِ أَيْ بِطَرِيقِ اسْتِفَادَتِهَا جُزْءًا مِنْ مَدْلُولِ الْأُصُولِ دُونَ الْأُصُولِ لَمْ يَسْبِقْنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ فَذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَأَخَذَهُ الْمُتَعَقِّبُونَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: مِنْ إسْقَاطِهَا) بَيَانٌ لِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَالْإِشَارَةِ إلَى جَعْلِ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ طَرِيقًا لِلْإِجْمَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ: جُزْئِيَّاتِ الْإِجْمَالِيَّةِ) أَيْ فَمَا ثَبَتَ لَهَا يَثْبُتُ لِلْإِجْمَالِيَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ لِلتَّفْصِيلِيَّةِ التَّوَقُّفُ عَلَى الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا فِي التَّمْهِيدِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ لِلْإِجْمَالِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا سَرَى إلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا طَرِيقٌ لِلْإِجْمَالِيَّةِ فَهَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الدَّعْوَى الْأُولَى. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ وَقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهَا أَيْ تَعَلُّقُهَا بِشَيْءٍ خَاصٍّ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا جُزْئِيَّاتِ الْإِجْمَالِيَّةِ الْمُقْتَضِي تَوَقُّفَ الْإِجْمَالِيَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ إفَادَتَهَا الْأَحْكَامَ الْمَخْصُوصَةَ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمُفِيدُ لِلْأَحْكَامِ فَهَذَا الْقَدْرُ خَاصٌّ بِهَا لَا يَتَعَدَّاهَا إلَى الْكُلِّيِّ فَمَنَاطُ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ مَثَلًا إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ خَاصِّ مَادَّةِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] لَا مِنْ مَادَّةِ كَوْنِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ إذَا الْعَامُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْخَاصَّ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ تَوَقُّفَهَا) أَيْ الْإِجْمَالِيَّةِ، وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ تَنَزَّلْنَا وَقُلْنَا إنَّ تَوَقُّفَ التَّفْصِيلِيَّةِ عَلَى الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا جُزْئِيَّاتِ الْإِجْمَالِيَّةِ فَتَتَوَقَّفُ الْإِجْمَالِيَّةُ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ جَرَيْنَا فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى أَنَّ تَوَقُّفَهَا إلَخْ فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فِي مُسَمَّى الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهَا عَلَى صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهَا لِلْمَرْءِ لَا مَعْرِفَتُهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُسَمَّى الْأُصُولُ مَعْرِفَتُهَا لَا حُصُولُهَا وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِ الْأُصُولِيِّ هُوَ مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الْمُفِيدَةِ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِمْ الْمُجْتَهِدُ هُوَ الْعَارِفُ بِكَذَا فَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ هِيَ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا الْأُصُولِيُّ وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ تَوَقُّفُ الْفِقْهِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا

عَلَى صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهَا لِلْمَرْءِ لَا مَعْرِفَتِهَا. وَالْمُعْتَبَرُ فِي مُسَمَّى الْأُصُولِيِّ مَعْرِفَتُهَا لَا حُصُولُهَا كَمَا تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّ مَعْرِفَةَ الدَّلَائِلِ الْإِجْمَالِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ الْمَعْقُودِ لَهَا الْكِتَابَانِ الْبَاقِيَانِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْأُصُولِ فَالصَّوَابُ مَا صَنَعُوا مِنْ ذِكْرِهَا فِي تَعْرِيفَيْهِ كَأَنْ يُقَالَ أُصُولُ الْفِقْهِ دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ وَطُرُقُ اسْتِفَادَةِ وَمُسْتَفِيدِ جُزْئِيَّاتِهَا وَقِيلَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَوَقَّفُ عَلَى الصِّفَاتِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِالْمُجْتَهِدِ وَالصِّفَاتُ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِالْمُجْتَهِدِ لَيْسَتْ بِقَوَاعِدَ يَعْرِفُهَا الْأُصُولِيُّ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ أَيْضًا ذَكَرُوا فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْأُصُولُ. (قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ) أَيْ حَالَ كَوْنِ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ وَهِيَ حَالٌ لَازِمَةٌ أَتَى بِهَا لِرَبْطِ الْكَلَامِ بِهَا لَا لِإِخْرَاجِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ حُصُولُهَا) أَيْ قِيَامُهَا بِالْمَرْءِ لَا مِنْ حَيْثُ مَعْرِفَتُهَا كَمَا زَعَمَ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: وَبِالْجُمْلَةِ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ إنْ أَرَدْت الْقَوْلَ بِالْجُمْلَةِ فَظَاهِرٌ إلَخْ قَالَ سم أَوْ التَّقْدِيرُ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْجُمْلَةِ فَظَاهِرٌ إلَخْ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي نَحْوِ {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] إنَّ التَّقْدِيرَ وَأَمَّا رَبُّك فَكَبِّرْ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مِنْ الْأُصُولِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ الْمَعْقُودِ لَهَا الْكِتَابَانِ الْبَاقِيَانِ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ يُقَالَ) قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَبَّرَ بِفِعْلِ الِاسْتِقْبَالِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا صَنَعُوا وَهُوَ مَاضٍ لَا مُسْتَقْبَلٌ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجْعَلَ التَّقْدِيرَ فَالصَّوَابُ مِثْلُ مَا صَنَعُوا وَصَوَابِيَّةُ ذَلِكَ الْمَثَلِ لَيْسَ إلَّا بِصَوَابِيَّةِ مُمَاثِلِهِ اهـ. أَقُولُ أَوْ التَّقْدِيرُ فَالصَّوَابُ نَوْعُ مَا صَنَعُوا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِمْ لَهُ وَصَوَابِيَّةُ إلَخْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَطُرُقُ اسْتِفَادَةِ وَمُسْتَفِيدِ جُزْئِيَّاتِهَا) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِطُرُقِ اسْتِفَادَتِهَا وَمُسْتَفِيدِهَا أَيْ الْإِجْمَالِيَّةِ مُنْتَقَدٌ بِأَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ طُرُقٌ لِاسْتِفَادَةِ الدَّلِيلِ الْجُزْئِيِّ وَأَنَّ الْفَقِيهَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ بِهَا الدَّلِيلَ الْجُزْئِيَّ لَا الْكُلِّيَّ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ عِبَارَةَ الْمَتْنِ مِنْ تَسْمِيَةِ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ طُرُقًا وَالْأَوْضَحُ أَنْ يُقَالَ وَطُرُقُ اسْتِفَادَةِ جُزْئِيَّاتِهَا وَصِفَةُ مُسْتَفِيدِهَا أَوْ تُغَيَّرُ الصِّفَةِ بِالْحَالِ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ فَيُقَالُ وَحَالُ مُسْتَفِيدِهَا، ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا تَحْقِيقًا غَيْرَ مَا ارْتَضَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَهُوَ أَنَّ مَبَاحِثَ التَّرْجِيحِ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْأُصُولِ دُونَ مَبَاحِثِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهَا مُتَمِّمَاتٌ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَيُعَرَّفُ أُصُولُ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا وَقِيلَ الْعِلْمُ بِهِمَا لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ تَمَايُزَ الْعُلُومِ بِتَمَايُزِ الْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ أَحْوَالِهَا وَإِلَيْهَا تَرْجِعُ مَوْضُوعَاتُ الْمَسَائِلِ وَمَوْضُوعُ الْأُصُولِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَمَبَاحِثُ التَّرْجِيحِ الْبَحْثُ فِيهَا عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ بِاعْتِبَارِ تَعَارُضِهَا. وَأَمَّا مَبَاحِثُ الِاجْتِهَادِ فَبَعْضُ مَسَائِلِهِ فِقْهِيَّةٌ مَوْضُوعُهَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَمَحْمُولُهَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَمَسْأَلَةِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ فِي عَصْرِهِ، وَمَسْأَلَةِ لُزُومِ التَّقْلِيدِ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ وَبَعْضُهَا اعْتِقَادِيَّةٌ كَقَوْلِهِمْ

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمُتَقَدِّمُ: الْفَقِيهُ: الْمُجْتَهِدُ، وَكَذَا عَكْسُهُ الْآتِي فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ فَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْمَاصَدَقَ أَيْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ هُوَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ وَالْعَكْسُ لَا بَيَانُ الْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُمَا مُخْتَلِفٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ تَعْرِيفَيْ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ مَا قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَالِمُ بِالْأَحْكَامِ أَيْ إلَخْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجْتَهِدُ فِيمَا لَا قَاطِعَ فِيهِ مُصِيبٌ وَقَوْلِهِمْ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ غَيْرُ جَائِزٍ وَنَحْوِهِمَا وَلِهَذَا نَبَّهَ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ مَبَاحِثَ الِاجْتِهَادِ كَالتَّابِعِ وَالتَّتِمَّةِ لِأُصُولِ الْفِقْهِ فَهِيَ مُتَمِّمَةٌ لِمَقَاصِدِهِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِدْخَالِهَا فِي الْأُصُولِ وَضْعًا فَأُدْخِلَتْ فِيهِ حَدًّا اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْكَمَالِ، ثُمَّ إنَّكَ قَدْ عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ الْمَجْعُولَةِ مِنْ الْأُصُولِ هِيَ الْقَوَاعِدُ الْبَاحِثَةُ عَنْ أَحْوَالِهِمَا فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ الْقَوَاعِدُ وَمَعْرِفَتُهَا وَلَا شَيْءَ مِنْ هَاتَيْنِ بِقَوَاعِدَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا أَنْفُسُهُمَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمُتَقَدِّمُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ تَنْتَفِي الْحَاجَةُ إلَى تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ سَلَكَ فِي تَعْرِيفِهِ مَسْلَكَ الْقَوْمِ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ حَيْثُ أَخَذُوا فِي تَعْرِيفِهِ مَا يَتَوَقَّفُ الْفِقْهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: الْمَاصَدَقِ) اسْمٌ مُرَكَّبٌ تَرْكِيبًا مَزْجِيًّا مِنْ مَا وَصَدَقَ فِعْلًا مَاضِيًا جُعِلَ اسْمًا لِأَفْرَادِ الْكُلِّيِّ كَمَاصَدَقَ الْإِنْسَانِ أَيْ أَفْرَادُهُ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ اسْمٌ مُعْرَبٌ فَيَكُونُ هُنَا مَجْرُورًا. (قَوْلُهُ: وَالْعَكْسُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ ثَابِتٌ وَالْمُرَادُ بِهِ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُنَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّعْرِيفِ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ أَنَّ التَّعْرِيفَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ بَيَانُ الْمَاصَدَقَ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ تَعْرِيفًا وَهَذَا وَإِنْ وَافَقَ الِاصْطِلَاحَ فِي بَابِ التَّعْرِيفِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْمَاصَدَقَ رَافِعًا لِدَعْوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ تَعْرِيفٌ لِلْفَقِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ تَعْرِيفًا وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ وَيُجَابُ بِحَمْلِ التَّعْرِيفِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ عَلَى التَّعْرِيفِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ التَّبْيِينُ الْأَعَمُّ مِنْ تَبْيِينِ الْحَقِيقَةِ وَتَبْيِينِ الْمَاصَدَقَ فَلَا تَقْتَضِي الْمُبَالَغَةُ كَوْنَ تَبْيِينِ الْمَاصَدَقَ تَعْرِيفًا اصْطِلَاحًا اللَّازِمُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيَانَ الْمَاصَدَقَ تَعْرِيفٌ اصْطِلَاحِيٌّ اللَّازِمُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ نَمْنَعُ دَعْوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ بِالْمُجْتَهِدِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ مِنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِتَعْرِيفِ الْفَقِيهِ بِالْمُجْتَهِدِ بَيَانَ الْمَاصَدَقِ لَمْ تَكُنْ الشُّرُوطُ مَقْصُودَةً لَهُمْ فِي بَيَانِ الْفِقْهِ أَصْلًا حَتَّى يُقَالَ إنَّهُمْ ذَكَرُوهَا وَإِنْ فُهِمَ لُزُومًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاعْتِرَاضُ بَاقٍ عَلَى دَعْوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ إمَّا يَمْنَعُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ تَعْرِيفٌ كَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَإِمَّا يَمْنَعُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ الشُّرُوطَ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيَانَ الْمَاصَدَقَ تَعْرِيفٌ اصْطِلَاحِيٌّ كَذَا قِيلَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ بَيَانَ الْمَاصَدَقَ تَعْرِيفٌ اصْطِلَاحِيٌّ مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمَنَاطِقَةُ مِنْ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّعْرِيفِ شَرْحُ الْمَاهِيَّةِ نَعَمْ بَيَانُ الْمَاصَدَقَ يَلْزَمُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالتَّعْرِيفِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَفْهُومَهُمَا مُخْتَلِفٌ) أَيْ بِغَيْرِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ وَإِلَّا فَكُلُّ تَعْرِيفٍ وَمُعَرَّفٍ مُخْتَلِفَا الْمَفْهُومِ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، وَبَيَانُ اخْتِلَافِ مَفْهُومِهِمَا أَنَّ مَفْهُومَ الْفَقِيهِ الْعَالِمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ إلَخْ وَمَفْهُومَ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَفْرِغُ وُسْعَهُ فِي تَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَاعْتَرَضَ الشِّهَابُ وَالنَّاصِرُ تَعْلِيلَهُ عَدَمَ إرَادَةِ بَيَانِ الْمَفْهُومِ بِالِاخْتِلَافِ الْمَفْهُومِ بِأَنْ يُرَادَ تَعْرِيفَ كُلٍّ مِنْ الْفَقِيهِ وَالْمُجْتَهِدِ بِالْآخَرِ تَعْرِيفًا رَسْمِيًّا لِتَلَازُمِ مَفْهُومِهِمَا وَتَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِلَازِمِ مَفْهُومِهِ مِنْ طُرُقِ بَيَانِ الْمَفْهُومِ غَايَتُهُ أَنَّهُ رَسْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ بَنَى التَّعْلِيلَ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ فِي بَيَانِ مَقَامِ الِاصْطِلَاحِيَّاتِ بِتَعْرِيفَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ لَا الرَّسْمِيَّةِ إذْ لَا فَائِدَةَ يُعْتَدُّ بِهَا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فَإِذَا قَالُوا الْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ لَمْ يَكُنْ الْمُنَاسِبُ إلَّا بَيَانَ حَقِيقَتِهِ الذَّاتِيَّةِ إذْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِبَيَانِهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ لَكِنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَفْهُومِهِمَا أَيْ بِغَيْرِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ وَإِنَّمَا تَرَكَ هَذَا الْقَيْدَ لِظُهُورِهِ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَيَانُ الْمَاصَدَقَ لَا الْمَفْهُومِ فَقَوْلُهُ

[تعريف الفقه]

لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَهُ تَصْرِيحًا بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. (وَالْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مَفْهُومَهُمَا مُخْتَلِفٌ أَيْ وَالْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ التَّعْرِيفُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَفْهُومِ بِغَيْرِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ) أَيْ لِعِلْمِهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ تَمَامَ التَّعْرِيفِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ) كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الزَّنْجَانِيِّ وَمُرَادُ الشَّارِحِ بِذَلِكَ النَّقْضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فِي قَوْلِهِ وَمَا قَالُوا الْفِقْهُ إلَخْ إذْ مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: تَصْرِيحًا بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مَا الْفَائِدَةُ فِي تَصْرِيحِ بَعْضِهِمْ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ. [تَعْرِيفِ الْفِقْه] (قَوْلُهُ: وَالْفِقْهُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِتَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَرَّفَ الْفِقْهَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ لِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى التَّرْكِيبِيِّ الْإِضَافِيِّ وَالْفِقْهُ الْوَاقِعُ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ لَا مَعْنَى لَهُ كَالزَّايِ مِنْ زَيْدٍ حَتَّى يُعَرِّفَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَعْرِيفِ جُزْئِهِ الْأَوَّلِ أَعْنِي أُصُولَهُ. وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فَإِنَّمَا عَرَّفُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَعْنَى أُصُولِ الْفِقْهِ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْمُرَكَّبِ عَلَى مَعْرِفَةِ أَجْزَائِهِ فَتَعَرَّضُوا لِتَعْرِيفِ طَرَفَيْهِ، ثُمَّ عَرَّفُوهُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ غَايَةُ الْمُنَاسَبَةِ وَالِارْتِبَاطِ نَاسَبَ تَعْرِيفَهُ عَقِبَ تَعْرِيفِهِ لِالْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَى بَيَانِهِ عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِبَيَانِ الْأُصُولِ وَكَفَى بِهِ دَاعِيًا وَأَبْلَغُ مِنْهُ أَنَّ لَفْظَ أُصُولِ الْفِقْهِ لَمَّا كَانَ لَقَبًا مُشْعِرًا بِمَدْحِ هَذَا الْفَنِّ بِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ عَلَيْهِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي تَوَقُّفِ الْمَدْحِ بِذَلِكَ عَلَى مَعْرِفَةِ أَنَّ الْفِقْهَ ذُو خَطَرٍ وَقَدْرٍ وَإِلَّا فَلَا مَدْحَ بِذَلِكَ الِابْتِنَاءِ وَلَا يُنَافِي هَذَا كَوْنَ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِمَعْنَى الْأَحْكَامِ دُونَ مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَنْبَنِي عَلَى الدَّلِيلِ اهـ. قِيلَ مَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفَ الْفِقْهَ لِوُقُوعِهِ جُزْءًا فِي قَوْلِنَا أُصُولُ الْفِقْهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ تَعْرِيفُ الْفِقْهِ لِوُقُوعِهِ جُزْءًا مِنْ تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ بِقَوْلِنَا دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ اهـ. وَأَقُولُ تَعْرِيفُ الْفِقْهِ بِمَا ذُكِرَ شَهِيرٌ لَا يَحْتَاجُ لِبَيَانِهِ بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ جُزْءًا مِنْ الْمُعَرَّفِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِذِكْرِهِ بَيَانُ جِهَةِ شَرَفِ فَنِّ الْأُصُولِ وَإِظْهَارُهَا قَالَ الْمُجِيبُ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ جَعْلِهِ جُزْءًا مِنْ الْمُعَرَّفِ أَنْ لَا يَحْتَاجَ لِبَيَانٍ وَإِلَّا نَافَى ذِكْرَهُ فِي التَّعْرِيفِ كَيْفَ وَقَدْ قَالُوا مُعَرَّفُ الشَّيْءِ مَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ مَعْرِفَتُهُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ أَجْزَاءُ التَّعْرِيفِ مَعْلُومَةً عِنْدَ السَّامِعِ قَبْلَ الْمُعَرِّفِ فَتُذْكَرُ لَهُ مَحْمُولَةً عَلَيْهِ لِتَنْكَشِفَ لَهُ الْحَقِيقَةُ الْمَجْهُولَةُ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ إلَخْ) تَعْرِيفٌ لِعِلْمِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ التَّصْدِيقَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسَائِلِ كَمَا هُوَ أَحَدُ إطْلَاقِ مَعْنَى الْعِلْمِ، ثُمَّ إنَّ الْحُكْمَ يُطْلَقُ عَلَى خِطَابِ اللَّهِ إلَخْ وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ الَّتِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إيجَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ سَلْبِيَّةً وَعَلَى إذْعَانِ تِلْكَ النِّسْبَةِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ وَهَذَا مُصْطَلَحُ الْمَنَاطِقَةِ وَعَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ إذَا عَبَّرُوا عَنْ الْحُكْمِ الْخَبَرِيِّ بِالنِّسْبَةِ التَّقْيِيدِيَّةِ أَضَافُوا الْمَحْكُومَ بِهِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا مَعْنَى قَوْلِنَا زَيْدٌ أَبُوهُ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمُ الْأَبِ حَيْثُ فُسِّرَ الْعِلْمُ هُنَا بِالتَّصْدِيقِ الَّذِي مَوْرِدُهُ النِّسْبَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ تَعَيَّنَ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ هُنَا بِالنِّسْبَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ بِجَمِيعِ النِّسَبِ التَّامَّةِ اهـ. قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ حُقِّقَ أَنَّ النِّسْبَةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ زَيْدٍ وَقَائِمٍ مَثَلًا هُوَ الْوُقُوعُ بِعَيْنِهِ وَاللَّاوُقُوعُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ هُنَا نِسْبَةٌ أُخْرَى هِيَ مَوْرِدُ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ وَأَنَّهُ قَدْ تُتَصَوَّرُ تِلْكَ النِّسْبَةُ فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حُصُولِهَا وَلَا حُصُولِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَعَلُّقٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ تَعَلُّقَ الثُّبُوتِ أَوْ الِانْتِفَاءِ وَتُسَمَّى حُكْمِيَّةً وَمَوْرِدَ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ وَنِسْبَةً ثُبُوتِيَّةً أَيْضًا نِسْبَةُ الْعَامَّ إلَى الْخَاصِّ أَعْنِي الثُّبُوتَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَوَّرُ أَوَّلًا فِي حُصُولِهَا وَقَدْ تُسَمَّى سَلْبِيَّةً أَيْضًا إذَا اُعْتُبِرَ انْتِفَاءُ الثُّبُوتِ. وَقَدْ تُتَصَوَّرُ بِاعْتِبَارِ حُصُولِهَا أَوَّلًا حُصُولُهَا فِي نَفْس الْأَمْرِ فَإِنْ تَرَدَّدَ فَهُوَ الشَّكُّ وَإِنْ أَذْعَنَ لِحُصُولِهَا أَوَّلًا حُصُولُهَا فَهُوَ التَّصْدِيقُ الْمُسَمَّى بِالْحُكْمِ فَالنِّسْبَةُ الثُّبُوتِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِهَا عُلُومٌ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ تُصُوِّرَ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، وَالثَّانِي يَحْتَمِلُهُ، وَالثَّالِثُ تَصْدِيقِيٌّ فَظَهَرَ. أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ لَيْسَ مُغَايِرًا لِلْوُقُوعِ وَاللَّاوُقُوعِ وَأَمَّا النِّسْبَةُ التَّقْيِيدِيَّةُ الْمُغَايِرَةُ لَهَا فَمِمَّا لَا تَثْبُتُ وَإِلَّا لَزِمَ ازْدِيَادُ أَجْزَاءِ الْقَضِيَّةِ وَتَصَوُّرَاتُ التَّصْدِيقِ عَلَى أَرْبَعَةٍ اهـ. وَمَا حَقَّقَهُ ذَلِكَ الْفَاضِلُ هُوَ مُخْتَارُ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الْمُرَكَّبَ التَّامَّ مُشْتَمِلًا عَلَى نِسْبَةٍ تَامَّةٍ يَرْتَبِطُ بِهَا

أَيْ بِجَمِيعِ النِّسَبِ التَّامَّةِ (الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الشَّرْعِ الْمَبْعُوثِ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ (الْعَمَلِيَّةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحْمُولُ بِالْمَوْضُوعِ وَأَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ غَيْرُ وَاقِعَةٍ وَهِيَ نِسْبَةٌ تَقْيِيدِيَّةٌ هِيَ مَوْرِدُ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ عِنْدَهُمْ لَكِنَّهُ خِلَافُ التَّحْقِيقِ وَعَلَيْهِ دَرَجَ سم. وَأَمَّا مَا قَالَهُ تَفْرِيعًا عَلَى كَلَامٍ ذَكَرَهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُنَاقَشَةِ اللَّهِ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ الْإِنْشَائِيَّةِ مِنْ الْفِقْهِ فَمِمَّا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ كَيْفَ وَعِلْمُ الْفِقْهِ أَمَّا التَّصْدِيقَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَسَائِلِ أَوْ نَفْسِ الْمَسَائِلِ وَالْمَسْأَلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا خَبَرِيَّةً فَلْيُتَأَمَّلْ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ وَزَادَ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَسَلَفُهُ فِي ذَلِكَ النَّجَّارِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْأَعَاجِمِ لَمْ يَذْكُرُوهُ فَلْيُنْظَرْ مَا سَلَفَ النَّجَّارِيِّ وَلَا يُقَالُ إنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِمُقَايَسَةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ طَرِيقُهَا النَّقْلُ عَنْ أَرْبَابِهَا لَا الْمُقَايَسَةُ وَالِاسْتِظْهَارُ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مَا هُوَ مَفْقُودٌ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالْقَوْمُ يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ فَيَقَعُونَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْغَلَطَاتِ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الشَّرْعِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لَزِمَ اسْتِدْرَاكُ قَيْدِ الْمُكْتَسَبِ وَقَيْدٌ مِنْ أَدِلَّتِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَرْوِيَّةَ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ مَا لَمْ يُرْوَ عَنْهُ كَالثَّابِتِ مِنْهَا بِالْقِيَاسِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا بَعْضٌ مِنْ الشَّرْعِ فَيَكُونَ هَذَا الْأَخْذُ مِنْ أَخْذِ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ كَقَوْلِك أَخَذْت خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يَعُمُّ الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ وَالِاعْتِقَادِيَّة فَهُوَ كُلٌّ وَالْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ بَعْضٌ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ النِّسْبَةَ فِي قَوْلِهِ شَرْعِيَّةٌ صَحِيحَةٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا لِاخْتِلَافِ الْمَنْسُوبِ وَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ بِالْبَعْضِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ كَذَا قِيلَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ الشَّارِحَ بِصَدَدِ بَيَانِ جِهَةِ النِّسْبَةِ وَهِيَ أَنَّ نِسْبَتَهَا لِلشَّرْعِ بِاعْتِبَارِ أَخْذِهَا مِنْهُ وَنَمْنَعُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ الْقِيَاسِ لَيْسَتْ مَأْخُوذَةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ فَالْقِيَاسُ مُسْتَنِدٌ لِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَيْضًا فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ بِالْوَاسِطَةِ وَظَهَرَ أَمْرُ النِّسْبَةِ عَلَى هَذَا ظُهُورًا بَيِّنًا. 1 - (قَوْلُهُ: النَّبِيُّ الْكَرِيمُ) آثَرَ التَّعْبِيرَ بِالنَّبِيِّ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالرَّسُولِ؛ لِأَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالرَّسُولِ شَائِبَةَ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ الْمَبْعُوثِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ أَكْثَرُ

أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ الْوِتْرَ مَنْدُوبٌ (الْمُكْتَسَبِ) ذَلِكَ الْعِلْمُ (مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ) أَيْ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِعْمَالًا. (قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ) مِنْ قَبِيلِ تَعَلُّقِ الْإِسْنَادِ بِطَرَفَيْهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْكَامِ النِّسَبُ وَالْمُرَادُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَمَلِ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْعَمَلَ وَمَحْمُولُهَا الْكَيْفِيَّةَ وَهِيَ الْوُجُوبُ وَأَخَوَاتُهُ كَمَا يُقَالُ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ مَثَلًا، ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْعَمَلِ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُفِيدٌ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَمُعْتَبَرَةٌ مَعَهُ حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الْكَيْفِيَّةُ عِبَارَةً عَنْ الْأَحْوَالِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْفِقْهِ بَلْ قَيْدٌ لِلْمَوْضُوعِ وَتَتِمَّةٌ لَهُ مَعْنَاهُ أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يَثْبُتُ لَهَا الْكَيْفِيَّةُ وَأَنَّهَا مِنْ عَوَارِضِهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا وَلَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَظَهَرَ أَنَّ مَوْضُوعَ عِلْمِ الْفِقْهِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ فَيُبْحَثُ عَنْهَا بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَمَوْضُوعُ مَسَائِلِهِ رَاجِعٌ لِمَوْضُوعِهِ بِأَنْ يَكُونَ ذَاتَه أَوْ نَوْعَهُ أَوْ عَرَضًا ذَاتِيًّا لَهُ أَوْ نَوْعًا مِنْ عَرَضِهِ الذَّاتِيِّ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ. وَفِي كُتُبِ الْمَنْطِقِ مَسْطُورٌ، وَأُورِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ أَنَّهُ يُبْحَثُ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ عَنْ أَفْعَالِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمُتْلَفَاتِ الْبَهَائِمِ وَأَنَّهُمْ عَدُّوا مِنْ الْفِقْهِ عِلْمَ الْفَرَائِضِ وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَةُ. وَالْجَوَابُ كَمَا أَفَادَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ مَوْضُوعُهَا رَاجِعًا إلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا حَتَّى يَرْجِعَ مَوْضُوعُهَا إلَيْهِ كَمَسْأَلَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى فِعْلِ الْوَلِيِّ وَأَنَّ مَوْضُوعَ عِلْمِ الْفَرَائِضِ قِسْمَةُ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لَا التَّرِكَةُ إذْ الْمُبَيَّنُ فِيهِ أَحْوَالُ قِسْمَتِهَا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْقِسْمَةُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَيَكُونَ مَوْضُوعُهُ الْعَمَلُ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا قَالَهُ سم وَتَبِعُوهُ فِيهِ مِنْ أَنَّ تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ يَجْعَلُهَا شَامِلَةً لِأَفْعَالِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ يَجْعَلُهَا شَامِلَةً لِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَأَخَوَاتِهِ كَالْمَنْعِ وَالضَّرْبِ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا زِنَا الصَّبِيِّ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَالْأَمْرِ فِي قَوْلِنَا صَلَاةُ الصَّبِيِّ يُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ نَحْوَ الْمَنْعِ وَالْأَمْرِ وَالضَّرْبِ لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَغَيْرِهِمَا وَتِلْكَ الْأَحْكَامُ هِيَ الْمُرَادَةُ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ كَمَا حَقَّقُوهُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ الْكَيْفِيَّاتِ وَتَكَثُّرُهَا الْمُؤَدِّي لِعَدَمِ الضَّبْطِ وَالِانْتِشَارِ وَأَنَّا إذَا وَجَدْنَا فِعْلَيْنِ تَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ نَوْعَ تَعَلُّقٍ نَقُولُ الْفِعْلُ الْمُتَعَلِّقُ كَيْفِيَّةٌ لِلْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ وُجُوبُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ إلَخْ فِي سِيَاقِ رَدِّ قَوْلِ النَّاصِرِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ صُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ كَتَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا وَأَنَّهُ سَهْوٌ وَلَقَدْ صَدَقَ فِي الْحُكْمِ بِالسَّهْوِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِهِمْ. وَأَمَّا الْبَحْثُ عَنْ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ خَلًّا مَثَلًا وَعَنْ سَبَبِيَّةِ الزَّوَالِ لِلظُّهْرِ وَنَحْوِهِمَا فَيَرْجِعُ لِلتَّأْوِيلِ السَّابِقِ بِأَنْ يُقَالَ اسْتِعْمَالُ الْخَمْرِ الْمُسْتَحِيلَةِ خَلًّا جَائِزٌ وَالصَّلَاةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ تَجِبُ قَالَ سم أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُنَا اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَاجِبٌ فَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْوَاجِبِ لِلِاعْتِقَادِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْفِقْهِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ بِنَفْسِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ فَمِنْ الْكَلَامِ وَيَرُدُّهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ عَلَى الْخَيَالِيِّ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ عَمَلُ الْجَوَارِحِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَنْدَرِجَ الِاعْتِقَادُ فِيهِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَاجِبَةٌ فَيَكُونَ دَاخِلًا فِي الْفِقْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنَّ أَكْثَرَ الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِنَفْسِ الِاعْتِقَادِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِكَيْفِيَّةٍ مِثْلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَاجِبَةٌ أَيْ الِاعْتِقَادُ بِوُجُودِهِ وَصِفَاتِهِ وَاجِبٌ فَيَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ الِاعْتِقَادِ اهـ. لَا يُقَالُ عَمَّمَ الشَّارِحُ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ كَالنِّيَّةِ قُلْنَا النِّيَّةُ أَيْضًا مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْقَلْبِ وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ وَالْمَعْرِفَةُ وَنَحْوُهُمَا فَلَيْسَا مِنْ الْأَفْعَالِ الْقَلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ وَلَوْ جَعَلْنَا أَمْثَالَ الِاعْتِقَادِيَّاتِ دَاخِلَةً فِي مَوْضُوعِ الْفِقْهِ لَزِمَ اخْتِلَاطُ مَسَائِلِهِ بِمَسَائِلِ الْكَلَامِ وَلَا يَصِحُّ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْعِلْمُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ

لِلْأَحْكَامِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِغَيْرِهَا مِنْ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَالْبَيَاضِ وَبِقَيْدِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ وَبِقَيْدِ الْعِلْمِيَّةِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ أَيْ الِاعْتِقَادِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكْتَسَبَ صِفَةٌ لِلْعِلْمِ وَلَيْسَ تَقْدِيرَ النَّائِبِ لِلْفَاعِلِ الْمَحْذُوفِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَيْ. (قَوْلُهُ: لِلْأَحْكَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَدِلَّةِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ لَامِيَّةٌ (قَوْلُهُ: بِقَيْدِ الْأَحْكَامِ إلَخْ) أُخْرِجَ بِهِ لَا بِالْعِلْمِ لِشُمُولِهِ فِي نَفْسِهِ لِلتَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَالْبَيَاضِ وَإِنْ كَانَ هُنَا يَنْصَرِفُ لِلتَّصْدِيقِ بِقَرِينَةِ تَعَلُّقِهِ بِالْأَحْكَامِ وَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا قَالَ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي وَعَبَّرُوا عَنْ الْفِقْهِ هُنَا بِالْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ لِظَنِّيَّةِ أَدِلَّتِهِ ظَنًّا إلَخْ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هُنَا التَّصْدِيقُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ تَصْدِيقٌ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، ثُمَّ بِانْصِرَافِهِ إلَى التَّصْدِيقِ يَخْرُجُ تَصَوُّرُ الْأَحْكَامِ فَلَا يُقَالُ جَعْلُ الْعِلْمِ شَامِلًا لِلتَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ يُؤَدِّي إلَى خُلُوِّ التَّعْرِيفِ عَنْ قَيْدٍ مُخْرِجٍ لِتَصَوُّرِ الْأَحْكَامِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ) الْمُرَادُ بِالذَّوَاتِ مَا لَوْ وُجِدَ فِي الْخَارِجِ كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَاهِيَّاتُ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِالْعَقْلِ لَا بِنَفْسِهَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا فَيَصِحُّ قَوْلُهُ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُودِ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ فِي الْخَارِجِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَلَا وَقَدْ حَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى أَتَمَّ تَحْرِيرٍ وَالْمُرَادُ بِالصِّفَاتِ الْمَعَانِي الَّتِي إنْ وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ لَمْ تَقُمْ بِنَفْسِهَا فَتَدْخُلُ فِيهِ صِفَاتُ الْبَارِي وَالْأَفْعَالُ وَالْأُمُورُ الِاعْتِيَادِيَّةُ وَقَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِدُخُولِ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ فِي الصِّفَاتِ وَيُجَابُ بِأَنَّ جَعْلَ جِنْسِ التَّعْرِيفِ هُوَ الْعِلْمُ بِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ خُرُوجُ الْعِلْمِ بِمَا عَدَاهُ مِنْ الصِّفَاتِ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ تَصَوُّرًا وَهُوَ أَيْضًا خَارِجٌ. (قَوْلُهُ: الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ) الْمُرَادُ بِالْعَقْلِيَّةِ مَا حَكَمَ بِهَا الْعَقْلُ بِدُونِ الِاسْتِنَادِ لِلْحِسِّ وَبِالْحِسِّيَّةِ خِلَافُهَا فَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ كَثُبُوتِ الرَّفْعِ لِلْفَاعِلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاضِعِ عَقْلِيَّةٌ وَإِلَى غَيْرِهِ حِسِّيَّةٌ لِاسْتِنَادِهَا لِلْحِسِّ وَهُوَ السَّمَاعُ وَثُبُوتُ الْإِحْرَاقِ لِلنَّارِ حِسِّيٌّ لِاسْتِنَادِ الْعَقْلِ فِيهِ إلَى الْإِحْسَاسِ بِإِحْرَاقِ أَفْرَادِهَا فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ إنَّهُ أَغْفَلَ التَّنْبِيهَ عَلَى خُرُوجِ الْوَضْعِيَّةِ كَثُبُوتِ الرَّفْعِ لِلْفَاعِلِ وَاعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ بِأَنَّ النَّارَ الْكُلِّيَّةَ مُحْرِقَةٌ هُوَ الْعَقْلُ لَا الْحِسُّ وَإِنْ كَانَ الْحِسُّ يَحْكُمُ بِالْجُزْئِيِّ فَلَوْ قَالَ وَإِنَّ هَذِهِ نَارٌ مُحْرِقَةٌ لَأَجَادَ اهـ. عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُ أَلْ فِي النَّارِ لِلْحُضُورِ فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى نَارٍ حَاضِرَةٍ جُزْئِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: الْعِلْمِيَّةِ أَيْ الِاعْتِقَادِيَّةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ وَإِنْ كَانَ عِلْمًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ ثُبُوتُ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ تَعَالَى لَكِنَّهُ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْعِلْمُ وَالِاعْتِقَادُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عِلْمِيَّةً وَاعْتِقَادِيَّةً وَلِلْمُحَشِّي هَاهُنَا كَلَامٌ فِي أَنَّ اعْتِقَادَنَا أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْآنَ وَأَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِنْ الْفِقْهِ أَوْ الْكَلَامِ وَأَطَالَ ذَيْلَ الْكَلَامِ وَتَرَدَّدَ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ تَفْصِيلًا طَوِيلًا انْحَطَّ آخِرَ الْكَلَامِ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَسَائِلَ الِاعْتِقَادِيَّةَ الَّتِي طَرِيقُهَا السَّمْعُ فَقَطْ فِقْهٌ عِنْدَهُ قَالَ. وَفِي شَرْحِ الْوَالِدِ عَلَى الْمِنْهَاجِ اسْتِظْهَارُ أَنَّ وُجُوبَ اعْتِقَادِ أَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ الدِّيَانَاتِ بِالسَّمْعِ لَا يُسَمَّى فِقْهًا قَالَ وَلَكِنِّي لَسْت أُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَقُولُ مَا نَقَلْته لَك سَابِقًا هُوَ التَّحْقِيقُ فَلَا يُوقِعَنَّكَ هَذَا التَّطْوِيلُ فِي تَشْكِيكٍ وَالشَّيْخُ النَّجَّارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ

كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَبِقَيْدِ الْمُكْتَسَبِ عِلْمُ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ بِمَا ذُكِرَ وَبِقَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ الْمُكْتَسَبِ لِلْخِلَافِيِّ مِنْ الْمُقْتَضَى وَالنَّافِي الْمُثْبَتِ بِهِمَا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْفَقِيهِ لِيَحْفَظَهُ عَنْ إبْطَالِ خَصْمِهِ فَعِلْمُهُ مَثَلًا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَدْخُلُ الِاعْتِقَادَاتُ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِيهَا بِحُصُولِ الْعِلْمِ فِي الْقَلْبِ لَا بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ عَلَى الِاعْتِقَادِيَّاتِ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ قَبِيلِ الْعُلُومِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى مُتَعَارَفِ اللُّغَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ إلَخْ) مَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَسَائِلَ الِاعْتِقَادِيَّةَ قِسْمَانِ مَا دَلِيلُهُ الْعَقْلُ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَمَا دَلِيلُهُ السَّمْعُ كَالْمِثَالِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: عِلْمُ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ) أَيْ فَلَا يُسَمَّى وَاحِدٌ مِنْهَا فِقْهًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى الضَّرُورِيِّ وَالْكَسْبِيِّ هُوَ الْعِلْمُ الْحُصُولِيُّ وَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ حُضُورِيٌّ وَعِلْمُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُسْتَنِدٌ لِلْوَحْيِ. وَأَمَّا عِلْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاصِلُ عَنْ اجْتِهَادٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الْكَمَالُ إنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِلْحُكْمِ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِنَقْلٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ أَوْ إخْبَارِهِ عَنْهُ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يُعَدُّ فِقْهًا بَلْ هُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ وَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى فِقْهًا بِالْإِصْلَاحِ وَتَسْمِيَتُهُ فِقْهًا هُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ اهـ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ عِلْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاصِلَ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا يُسَمَّى فِقْهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِلْمًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ بِبَعْضِهَا وَهُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ وَاسْتَشْكَلَ الشِّهَابُ خُرُوجَ عِلْمِ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ بِأَنَّهُ حَيْثُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ التَّهَيُّؤُ لَزِمَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَفْهُومِ بِأَسْرِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا جِبْرِيلُ قَالَ سم وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ هَذَا الْإِشْكَالِ نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ نَقُلْ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَحُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاجْتِهَادِ إنْ كَانَ خَطَأً فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَوَابًا يَنْقَلِبُ بِوَاسِطَةِ التَّقْرِيرِ إلَى الضَّرُورِيِّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْوَحْيِ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يُشْبِهُ الْوَحْيَ اهـ. وَأَقُولُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا كُلِّهِ فَإِنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْعِلْمَ عَلَى التَّهَيُّؤِ فَالْمُرَادُ التَّهَيُّؤُ الْحَاصِلُ عَنْ مُمَارَسَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُجْتَهِدُ وَأَمَّا الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا الْمَعْنَى فِطْرِيٌّ فِيهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِطَرِيقِ الْكَسْبِ كَالْمُجْتَهِدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْمُكْتَسَبِ لِلْخِلَافِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْخِلَافِيَّ يَسْتَفِيدُ عِلْمًا بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَانْتِفَائِهِ مِنْ مُجَرَّدِ تَسَلُّمِهِ مِنْ الْفَقِيهِ وُجُودُ الْمُقْتَضَى وَالنَّافِي إجْمَالًا وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حِفْظُهُ عَنْ إبْطَالِ الْخَصْمِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ عِلْمًا وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْمَذْكُورِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي فَيَكُونَ هُوَ الدَّلِيلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ كَانَ فَقِيهًا فَالصَّوَابُ أَنَّ قَيْدَ التَّفْصِيلِيَّةِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِاللَّازِمِ فَهُوَ لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ كَقَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا فَإِنَّهُ لِلْبَيَانِ إذْ لَا اكْتِسَابَ إلَّا مِنْ الدَّلِيلِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ صَنِيعُ الشَّارِحِ حَيْثُ ذَكَرَ الِاحْتِرَازَ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْقُيُودِ وَمَا بَعْدَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ صَنِيعُ الشَّارِحِ أَيْ إلَى كَوْنِ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ فَالضَّمَائِرُ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدَهُ وَعَنْهُ تَرْجِعُ إلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِلْمَ الْخِلَافِيِّ عِلْمٌ مُدَوَّنٌ يُقَارِبُ مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ وَفَنِّ الْمُنَاظَرَةِ وَدَلَائِلُهُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْجَدَلِ إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ حِفْظُ الْمُدَّعَى

وَعَبَّرُوا عَنْ الْفِقْهِ هُنَا بِالْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِبْطَالُ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ مُدَّعَى الْخَصْمِ فَالْخِلَافِيُّ مَنْسُوبٌ لِعِلْمِ الْخِلَافِ أَيْ الْمُشْتَغَلِ بِهِ فَلَا تُتَوَهَّمُ مِنْ بَعْضِ الْحَوَاشِي هَاهُنَا وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِابْنِ الْقَاسِمِ الْآخِذِ عَنْ أَشْهَبَ وَبِالْمُزَنِيِّ الْآخِذِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخِلَافِيَّ خَاصٌّ بِمَنْ أَخَذَ الْحُكْمَ عَنْ نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ حَافِظٍ لِقَوْلِ إمَامِهِ يُرِيدُ تَأْيِيدَهُ وَلَوْ فِي عَصْرِنَا وَقَالَ زَكَرِيَّا الْحَقُّ أَنَّ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ خَرَجَ بِهِ الْعِلْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَفِيدُهُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ بِوَاسِطَةِ دَلِيلٍ إجْمَالِيٍّ كَمَا مَرَّ اهـ. وَبَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا طَالَعَ الْمُقَلِّدُ الْمَسَائِلَ مَعَ الدَّلَائِلِ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ عَنْ أَدِلَّتِهَا فَيَكُونُ فَقِيهًا مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى عَدَمِ فَقَاهَةِ الْمُقَلِّدِ قَالَ الْخَيَالِيُّ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ كَمَا أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى عَدَمِ فَقَاهَةِ الْمُقَلِّدِ كَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْفِقْهِ مَعْنَيَانِ وَعَدَمُ حُصُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُقَلِّدِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الْآخَرِ فِيهِ. اهـ. قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ يَعْنِي أَنَّ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ تَنَافِيًا؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ الْغَيْرَ الْمُجْتَهِدُ الْعَالِمُ بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ فَقِيهًا إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَقِيهِ إلَّا الْعَالِمُ بِالْفِقْهِ وَالْفِقْهُ هُوَ الْمَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ فَقَاهَةِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ يُنَافِيهِ فَوَجَبَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ إلَّا بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْفِقْهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ لِلْمُقَلِّدِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ فَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ يَكُونُ فَقِيهًا. وَالثَّانِي: مَا لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَعْنَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَمَارَاتِ. فَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ حُصُولِهِ لَا يَكُونُ فَقِيهًا (وَعَبَّرُوا عَنْ الْفِقْهِ إلَخْ) إنْ قُلْت هَلَّا أَبْقَاهُ عَلَى مَعْنَاهُ لِإِمْكَانِهِ بِحَمْلِ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ وَمُقَلِّدِيهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَمُقَلِّدِيهِ الْعَمَلُ بِمَا يَظُنُّهُ وَإِنْ خَالَفَ الْوَاقِعَ فَإِذَا ظَنَّ حُكْمًا حَصَلَ لَهُ عِلْمٌ قَطْعِيٌّ بِأَنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مُقَلِّدِيهِ وَالدَّلِيلُ وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ تَحْصِيلَ الْيَقِينِ بِالْأَحْكَامِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُجْتَهِدِ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا نَظَرَ فِي دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ

وَإِنْ كَانَ لِظَنِّيَّةِ أَدِلَّتِهِ ظَنًّا كَمَا سَيَأْتِي التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ ظَنُّ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي هُوَ لِقُوَّتِهِ قَرِيبٌ مِنْ الْعِلْمِ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِالْأَحْكَامِ جَمِيعًا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ مِنْ أَكَابِرِ الْفُقَهَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَصَلَ لَهُ ظَنُّ الْحُكْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ قَطْعًا وَكُلَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا يَكُونُ مَعْلُومًا مَا عِنْدَهُ قَطْعًا. أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمَظْنُونَ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ يَجِبُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ بِهِ قَطْعًا وَكَثُرَتْ الْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ مُتَوَاتِرَةَ الْمَعْنَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَطْعِيَّةَ لَيْسَتْ حَاصِلَةً عَنْ الدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ بَلْ الْحَاصِلُ عَنْهُ هُوَ ظَنُّ الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ ظَنِّيٌّ مِنْ حَيْثُ اسْتِفَادَتُهُ مِنْ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ لَكِنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ وَالِاتِّبَاعِ عَلَيْهِ قَطْعًا أَوْصَلَهُ إلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِهِ قَطْعًا وَهَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مُفَادِ الدَّلِيلِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَدْلُولِ ظَنِّيًّا وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ قُلْت فَمُعْظَمُ مُتَضَمَّنِ مَسَائِلِ الشَّرِيعَةِ ظُنُونٌ قُلْنَا لَيْسَتْ الظُّنُونُ فِقْهًا وَإِنَّمَا الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ عِنْدَ قِيَامِ الظُّنُونِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ أَخْبَارُ الْآحَادِ وَأَقْيِسَةُ الْفِقْهِ لَا تُوجِبُ عَمَلًا لِذَوَاتِهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ وَهِيَ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ عِنْدَ رِوَايَةِ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَإِجْرَاءِ الْأَقْيِسَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَإِنْ زَائِدَةٌ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ ظَنِّيٌّ لِظَنِّيَّةِ أَدِلَّتِهِ وَالدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ لَا يُنْتِجُ إلَّا ظَنًّا فَدَلَالَتُهُ ظَنِّيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَدِّمَاتُهُ كُلُّهَا ظَنِّيَّةً أَوْ بَعْضُهَا لَا يُقَالُ إنَّ الْفِقْهَ أَحْكَامٌ قَطْعِيَّةٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ طَرِيقٍ قَطْعِيٍّ كَإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ بَلَغَ الْمُجْتَهِدَ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِالْتِزَامِ خُرُوجِهَا عَنْهُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ الْأَدِلَّةُ اللَّفْظِيَّةُ لَا تُفِيدُ إلَّا ظَنًّا وَكَذَا مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْفِقْهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَجَعَلَ التَّعْبِيرَ بِالظَّنِّ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْأَقَلِّ. وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الضَّرُورِيَّةُ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ مَثَلًا فَإِنَّ الْمُجْتَهِدِينَ اسْتَنْبَطُوهَا وَحَصَّلُوهَا عَلَى أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ فَلَيْسَتْ فِي أُصُولِهَا ضَرُورِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِمْ بِلَا دَلِيلٍ إلَّا أَنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِشُهْرَتِهَا الْتَحَقَتْ بِضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَلِذَلِكَ كَفَّرُوا جَاحِدَهَا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَحْصُولِ قَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْفِقْهِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ النَّجَّارِيُّ إنَّ الْعِلْمَ بِأَحْكَامِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ لِحُصُولِهِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا بِالِاسْتِدْلَالِ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الْفِقْهِ فِي شَيْءٍ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ وَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ اسْتَنْبَطَهَا الْمُجْتَهِدُونَ بَعِيدٌ فَإِنَّ وُجُوبَ أَمْثَالِهَا مِنْ عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْآنَ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَهِيَ مِنْ الْقَوَاطِعِ يَقِينًا. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ ظَنُّ الْمُجْتَهِدِ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ إشْعَارٌ بِأَنَّ عَلَّاقَةَ الْمَجَازِ فِيهِ الْمُجَاوَرَةُ أَوْ الضِّدِّيَّةُ أَوْ الْمُشَابَهَةُ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ أَوْ اسْتِعَارَةٌ وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّ التَّعَارِيفَ تُصَانُ عَنْ الْمَجَازِ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَاضِحَةٍ. وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ بِالظَّنِّ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ هُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّهَيُّؤِ شَائِعٌ عُرْفًا فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْقَرِينَةِ. اهـ. أَقُولُ قَدْ أَبْعَدَ الْمَرْمَى حَيْثُ جَعَلَ الْقَرِينَةَ مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ وَكَيْفَ تَكُونُ قَرِينَةُ الْمَجَازِ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ سَهْمٌ أَصَابَ وَرَامِيهِ بِذِي سَلَمٍ ... مَنْ بِالْعِرَاقِ لَقَدْ أَبْعَدْت مَرْمَاك وَجَعَلَهُ قَوْلَ الشَّارِحِ وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّهَيُّؤِ إلَى آخِرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعِلْمِ فِي الظَّنِّ مَجَازٌ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ التَّهَيُّؤِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمَلَكَةِ الْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ الظَّنِّ الَّذِي لَيْسَ مِمَّا يَسْتَغِلُّ فِيهِ لَفْظَ الْعِلْمِ إلَّا الْمَنَاطِقَةُ وَالْكَلَامُ هُنَا بِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ فِي رَدِّ كَلَامِ النَّاصِرِ الْآتِي اعْتَرَفَ بِأَنَّ الشَّارِحَ بَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّ الْعِلْمَ الْمُفَسَّرَ بِهِ الْفِقْهُ وَهُوَ الظَّنُّ وَثَانِيًا أَنَّ الْفِقْهَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّهَيُّؤُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، ثُمَّ قَدْ يُقَالُ إنَّ اعْتِبَارَ الْمُجَاوَرَةِ هَاهُنَا لَا يَتِمُّ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ الْمُرَادُ بِالْمُجَاوَرَةِ مَا يَعُمُّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا حَالًّا فِي الْآخَرِ بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ الْحُلُولِ أَوْ كَوْنَهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ كَوْنَهُمَا مُتَلَازِمَيْنِ فِي الْوُجُودِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْخَيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَلَا مُلَابَسَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ لَا يُقَالُ

فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً مِنْ أَرْبَعِينَ سُئِلَ عَنْهَا لَا أَدْرِي؛ لِأَنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لِلْعِلْمِ بِأَحْكَامِهَا بِمُعَاوَدَةِ النَّظَرِ، وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّهَيُّؤِ شَائِعٌ عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ وَلَا يُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ مَسَائِلِهِ حَاضِرَةٌ عِنْدَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ بَلْ إنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لِذَلِكَ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ قَيْدٌ وَاحِدٌ جَمْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُعَرَّفَ بِخِطَابِ اللَّهِ الْآتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّنُّ وَالْعِلْمُ مُتَجَاوِرَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّفْسُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْيَقِينِ يَزُولُ الظَّنُّ وَعِنْدَ وُجُودِ الظَّنِّ يَزُولُ الْيَقِينُ فَهُمَا مُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ إنْ قِيلَ هُمَا يَتَعَاقَبَانِ فِي الْمَحَلِّ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِمَا بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُمَا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ قُلْنَا الْمُجَاوَرَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا حَيْثُ يَكُونَانِ مَعًا فِي الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مُقَدِّمَةِ التَّمْهِيدِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً فَقَالَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا لَا أَدْرِي وَقَدْ وَقَعَ قَوْلُ لَا أَدْرِي لِغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ. (قَوْلُهُ: بِمُعَاوَدَةِ النَّظَرِ) مِنْ الْعَوْدِ بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} [الأعراف: 89] فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُعَاوَدَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ نَظَرٌ فِي تِلْكَ وَنَسِيَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ التَّهَيُّؤِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ التَّهَيُّؤَ الْبَعِيدَ حَاصِلٌ لِغَيْرِ الْفَقِيهِ وَالْقَرِيبَ لَا ضَابِطَ لَهُ إذْ لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَيَّ قَدْرٍ مِنْ الِاسْتِعْدَادِ يُقَالُ لَهُ التَّهَيُّؤُ الْقَرِيبُ وَلَا يَلِيقُ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْجَدِّ الْعِلْمُ وَيُرَادُ بِهِ تَهَيُّؤٌ مَخْصُوصٌ لَا دَلَالَةَ لِلَّفْظِ عَلَيْهِ. وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنْ لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْعِلْمِ عَلَى تَهَيُّؤٍ مَخْصُوصٍ فَقَوْلُكُمْ لَا ضَابِطَ لَهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَلَكَةٌ يُقْتَدَرُ بِهَا عَلَى إدْرَاكِ جُزْئِيَّاتِ الْأَحْكَامِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عُرْفًا إطْلَاقُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَلَكَةِ أَفَادَهُ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ السُّؤَالِ وَقَدْ اعْتَرَضَ الشِّهَابُ وَالنَّاصِرُ الشَّارِحَ بِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هَاهُنَا الظَّنُّ مَجَازًا وَذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّهَيُّؤُ مَجَازًا فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَافٍ. وَأَجَابَ سم بِجَوَابٍ أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَاهُ هَذَا وَالْأَحْسَنُ مَا أَفَادَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ هُوَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْحَاصِلَةِ لَهُ بِالْفِعْلِ حَاصِلَةً بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ قَالَ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْجَمِيعِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ تَتَزَايَدُ يَوْمًا فَيَوْمًا وَأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ التَّعْرِيفِ فِقْهُ مِثْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِثُبُوتِ لَا أَدْرِي فِي حَقِّهِ اهـ. وَأَقُولُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ مِثْلَ الْمُزَنِيّ وَسَحْنُونٍ الْآخِذِينَ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَالْمُخَرِّجِينَ عَلَى قَوَاعِدِهِمْ لَا يُسَمَّى مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَسَائِلِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِاجْتِهَادِهِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَنْبَطُوهَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَادِثَةٍ لَيْسَ لِإِمَامِهِ فِيهَا نَصٌّ أَمَّا مَا خَالَفَ فِيهِ إمَامَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَهَذَا فِي أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَثِيرٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الْكُبْرَى لِلْمُصَنِّفِ مَا خُلَاصَتُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ تَفَرُّدَاتِ الْمُزَنِيّ لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا لَمْ يُخَرِّجْهَا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ فِي مَسْأَلَةِ خَلْعِ الْوَكِيلِ أَنَّ الْمُزَنِيّ لَا يُخَالِفُ أُصُولَ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا يُخَالِفَانِ أُصُولَ صَاحِبِهِمَا اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنْ يَلْحَقَ مَذْهَبَهُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ بِالْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ مَا انْحَازَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي أَصْلٍ يَتَعَلَّقُ الْكَلَامُ فِيهِ بِقَاطِعٍ وَإِذَا لَمْ يُفَارِقْ

فَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَإِنْ آلَ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ كَوْنِهِمَا قَيْدَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَالْحُكْمُ) الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْإِثْبَاتِ تَارَةً وَالنَّفْيِ أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيَّ فِي أُصُولِهِ فَتَخْرِيجَاتُهُ مُخَرَّجَةٌ عَلَى قَاعِدَةِ إمَامِهِ وَإِنْ كَانَ لِتَخْرِيجٍ مُخَرَّجٍ الْتِحَاقٌ بِالْمَذْهَبِ فَأَوْلَاهُ تَخْرِيجُ الْمُزَنِيّ لِعُلُوِّ مَنْصِبِهِ وَتَلَقِّيه أُصُولَ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَفِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَنَّ الْمُزَنِيّ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَزِيدُونَ عَلَى اجْتِهَادِهِ اجْتِهَادًا وَلَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُزَنِيّ رُبَّمَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ وَانْحَازَ عَنْ الْمَذْهَبِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَوْجُهُ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى مَذْهَبِهِ يُخَرِّجُونَهَا عَلَى أُصُولِهِ وَيَسْتَنْبِطُونَهُ امِنْ قَوَاعِدِهِ وَيَجْتَهِدُونَ فِي بَعْضِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَصْلِهِ اهـ. قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَقَوْلُهُ وَيَجْتَهِدُونَ فِي بَعْضِهَا إلَى آخِرِهِ يُوهِمُ أَنْ يُعَدَّ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ الْفَصْلُ فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ وَلَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَا نَافَى قَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ لَمْ يُعَدَّ وَمَا نَاسَبَهَا عُدَّ. (قَوْلُهُ: فَخِلَافُ الظَّاهِرِ) إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي مَعْرِضِ التَّقْيِيدِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا قَيْدٌ مُسْتَقِلٌّ لَا جُزْءُ قَيْدٍ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَدْقِيقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَعْرِيفَاتِهِمْ أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ مَشَايِخِ الْأُصُولِ فَجَعْلُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قَيْدًا وَاحِدًا جَمْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَفِي سم كَلَامٌ طَوِيلٌ تَرَكْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي مَوْضُوعِ الْعِلْمِ مَعَ قِلَّةِ جَدْوَاهُ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَلِكَ التَّعْمِيمِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ آلَ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي الِاحْتِرَازِ إذْ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يُحْتَرَزُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ. (قَوْلُهُ: الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ لِتَبَادُرِ ذِهْنِ الْأُصُولِيِّ عِنْدَ سَمَاعِهِ إلَيْهِ وَكَذَا ذِهْنُ طَالِبِ الْأُصُولِ إذْ عُلِمَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ أَنَّهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَتْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ كَمَا يُوهِمُهُ ذِكْرُهُ عَقِبَ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ الْأَحْكَامُ حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ وَهُوَ هَذَا الْمَعْنَى لِلُزُومِ اسْتِدْرَاكِ قَيْدِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ الْحُكْمُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَكُونُ إلَّا شَرْعِيًّا وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ الْمُعَرَّفُ بِهِ الْفِقْهُ تَصَوُّرًا لِتَعَلُّقِهِ بِمُفْرَدٍ وَهُوَ الْخِطَابُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنِسْبَةٍ مَعَ أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ قَبِيلِ التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسَائِلِ، ثُمَّ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي هُنَا كَلَامٌ فِي تَقْسِيمِ أَلْ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَذْهَبَيْ النُّحَاةِ وَالْبَيَانِيِّينَ فِيهَا هُوَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُحَرَّرٍ كَمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَى حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ تَطْوِيلٌ بِمَا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ جَارٍ بَيْنَ الْبَيَانِيِّينَ وَلَيْسَ لِلنُّحَاةِ فِي ذَلِكَ مَدْخَلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ صِنَاعَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ تَبَعًا لِلْبَيَانِيِّينَ لِتَعَلُّقِ غَرَضٍ لَفْظِيٍّ بِهِ كَذِكْرِهِمْ نِكَاتَ حَذْفِ الْفَاعِلِ فِي بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ فَلَا تُفْعَلُ وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْمُتَعَارَفِ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ أَخْصَرِيَّتِهِ إشَارَةً إلَى أَتَمِّيَّةِ الْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: بِالْإِثْبَاتِ تَارَةً إلَخْ) كَقَوْلِهِ الْحُكْمُ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ ذِكْرِ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَهُوَ الْبَحْثُ عَنْ الدَّلَائِلِ الْإِجْمَالِيَّةِ لَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ الْحُكْمَ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ قَبْلَهُ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ أَلْ لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْإِثْبَاتِ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ السَّبَبِيَّةِ وَلَا تَنَاقُضَ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ تَارَةً؛ لِأَنَّ كُلًّا بِاعْتِبَارٍ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالْإِثْبَاتَ بَعْدَهَا أَوْ هُمَا بِالنَّظَرِ لِحَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ إنَّ تَوَقُّفَ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ بِالْوَاسِطَةِ فَإِنَّ إثْبَاتَ الْأُصُولِيِّ لَهُ وَنَفْيَهُ لَيْسَ مِنْ الْمَسَائِلِ بَلْ مِنْ الْمَبَادِئِ فَذِكْرُهُ إنَّمَا هُوَ لِتَوَقُّفِ بَعْضِ

(خِطَابُ اللَّهِ) أَيْ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ الْأَزَلِيُّ الْمُسَمَّى فِي الْأَزَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبَادِئِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ تَوَقُّفُ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الْمُتَوَقِّفِ عَلَى شَيْءٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: خِطَابُ اللَّهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُصْطَلَحَ هُوَ مَا ثَبَتَ بِالْخِطَابِ كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لَا نَفْسِ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ نَفْسُ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَفْعَلُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِالذَّاتِ بَلْ الِاعْتِبَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ إذَا نُسِبَ لِلْحَاكِمِ يُسَمَّى إيجَابًا وَإِذَا نُسِبَ إلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْفِعْلُ يُسَمَّى وُجُوبًا وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْإِيجَابِ يُقَالُ أَوْجَبَ الْفِعْلَ فَوَجَبَ فَكَيْفَ يَكُونُ عَيْنَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرَتُّبُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارٍ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إذْ مَرْجِعُهُ إلَى تَرَتُّبِ أَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُك ضَرَبْت تَأْدِيبًا مَعَ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ التَّأْدِيبُ هُوَ الضَّرْبُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فِعْلًا مُؤْلِمًا اُعْتُبِرَ ضَرْبًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ قُصِدَ بِهِ التَّأَدُّبُ تَأْدِيبٌ، ثُمَّ عَلَّلَ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ نَفْسِهِ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي وَاعْتَبَرَ أَنَّهُ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي مُتَرَتِّبٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ حَقَّقَ أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ الْإِيجَابِ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ الْوَاضِحُ أَنَّ كَلَامَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ أَثَرُ الْخِطَابِ هَذَا وَلَوْ حُمِلَ الْخِطَابُ عَلَى مَا خُوطِبَ بِهِ أَيْ مَا ثَبَتَ بِالْخِطَابِ وَهُوَ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ مَثَلًا فَحِينَئِذٍ يُرَادُ بِالْحُكْمِ مَا حُكِمَ بِهِ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ لَا يُنَاسِبُ الْحَمْدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْخِطَابَ بِالْكَلَامِ الْأَزَلِيِّ إلَخْ وَهُوَ مَا وَقَعَ بِهِ التَّخَاطُبُ. وَفِي سم كَلَامٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ هَاهُنَا وَأَرَادَ أَيْضًا عَدَمَ تَنَاوُلِ الْحُكْمِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ بِنَحْوِ الْقِيَاسِ إذْ لَا خِطَابَ فِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ وَنَحْوَهُ كَاشِفٌ عَنْ خِطَابِهِ تَعَالَى وَمُعَرِّفٌ لَهُ. 1 - (قَوْلُهُ: أَيْ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ) الْخِطَابُ فِي الْأَصْلِ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ نَحْوَ الْغَيْرِ لِلْإِفْهَامِ، ثُمَّ نَقُلْ إلَى الْكَلَامِ الْمُخَاطَبِ بِهِ وَهُوَ مَا أَرَادَهُ الشَّارِحُ وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَنَوِّعَ إلَى الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ هُوَ هَذَا لَا الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَقَيَّدَ الْكَلَامَ بِالنَّفْسِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظِيَّ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الْمُخْتَصَرِ وَوَصْفُهُ بِالْأَزَلِيِّ بَعْدَ وَصْفِهِ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ بِاللَّازِمِ لَا مَا قَالَهُ الشِّهَابُ مِنْ أَنَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُبَيِّنُ حَقِيقَةَ الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِمْ الْجِسْمُ الطَّوِيلُ الْعَرِيضُ الْعَمِيقُ لَهُ فَرَاغٌ يَشْغَلُهُ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَنَّ الْأَزَلِيَّ قِيلَ هُوَ مُرَادِفُ الْقَدِيمِ وَقِيلَ أَعَمُّ لِتَخْصِيصِ الْقَدِيمِ بِمَا لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَزَلِ) قَالَ الشِّهَابُ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالْمُسَمَّى وَلَا كَوْنُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِيهِ لِاسْتِلْزَامِهِمَا وُجُودَ التَّسْمِيَةِ فِي الْأَزَلِ بَلْ وُجُودُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لِقَوْلِهِ حَقِيقَةً إذْ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا اهـ. قَالَ سم لَا شُبْهَةَ فِي قُوَّةِ هَذَا الْإِشْكَالِ وَصُعُوبَتِهِ نَعَمْ يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ لَكِنْ عَلَى مَعْنَى الْمُسَمَّى فِيمَا لَا يَزَالُ حَالَ كَوْنِهِ

خِطَابًا حَقِيقَةً عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي (الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ) أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَلْحُوظًا فِي الْأَزَلِ أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْآنَ هَذَا اللَّفْظُ إطْلَاقًا حَقِيقِيًّا بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ وَبِمُلَاحَظَتِهَا أَيْ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِ وُجُودِهِ وَعَدَمِ أَوَّلِيَّتِهِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَلَوْ قِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ التَّسْمِيَةَ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْإِشْكَالِ بَلْ الْمَعْنَى مُقَدَّرًا تَسْمِيتَةُ بِذَلِكَ لَتَمَّ. وَأَمَّا قَوْلُ النَّجَّارِيِّ إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الظَّرْفُ بِالْمُسَمَّى وَالْمُسَمَّى بِذَلِكَ هُوَ اللَّهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ سَمَّاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْهِجَائِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ بَلْ بِاسْمٍ إذَا عُبِّرَ عَنْهُ بِحُرُوفٍ هِجَائِيَّةٍ كَانَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَطَّرَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْأُصُولِيِّينَ وَلَوْ أَصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِغَيْرِ هَذَا الِاسْمِ لَسَاغَ لَهُمْ كَبَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَرْبَابُ الِاصْطِلَاحِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَصْنَعُ فِي مُقَابِلِ هَذَا الْقَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ لَا يُسَمَّى فِي الْأَزَلِ خِطَابًا بَلْ فِيمَا لَا يَزَالُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ إطْلَاقُ الْخِطَابِ عَلَيْهِ مَجَازٌ وَالْحُدُودُ تُصَانُ عَنْ الْمَجَازِ اهـ. وَأَقُولُ يُبْعِدُهُ قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مُقَابِلٍ لَهُ وَأَمَّا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فِي ذَلِكَ فَطَرِيقَةُ النَّقْلِ عَنْهُمْ لَا دَعْوَى التَّصْحِيحِ الْمُشْعِرِ بِضَعْفِ مُقَابِلِهِ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى مُخْتَارِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ قِدَمِ الْحُكْمِ وَالْخِطَابِ بِنَاءً عَلَى أَزَلِيَّةِ تَعَلُّقَاتِ الْكَلَامِ وَتَنَوُّعِهِ فِي الْأَزَلِ أَمْرًا وَنَهْيًا وَغَيْرِهِمَا وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ كَمَا سَيَأْتِي أَيْ فِي تَوْجِيهِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً مِنْ أَنَّهُ نَزَّلَ الْمَعْدُومَ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْخِطَابَ حَادِثَانِ بِنَاءً عَلَى حُدُوثِ تَعَلُّقَاتِ الْكَلَامِ وَعَدَمِ تَنَوُّعِهِ فِي الْأَزَلِ وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ حَقِيقَةً عَلَى الْأَصَحِّ إلَى أَنَّ تَفْسِيرَ خِطَابِ اللَّهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْأَزَلِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَيُفَسَّرُ الْخِطَابُ بِالْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ لِلْإِفْهَامِ أَوْ الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ إفْهَامُ مَنْ هُوَ مُتَهَيِّئٌ لِفَهْمِهِ اهـ. فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْخِطَابُ فِي الْأَزَلِ مُتَعَلِّقًا بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ الْأَشْعَرِيِّ يَلْزَمُ طَلَبُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْمَعْدُومِ وَهُوَ سَفَهٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ السَّفَهَ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ مِنْ الْمَعْدُومِ حَالَ عَدَمِهِ. وَأَمَّا طَلَبُهُ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَلَا كَمَا إذَا قَدَّرَ الرَّجُلُ ابْنًا لَهُ فَأَمَرَهُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ حَالَ الْوُجُودِ وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ فِي الْأَزَلِ أَنْ يَفْعَلَ فِيمَا يَزَالُ فَلَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ) قَالَ الشِّهَابُ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِيَعْنِي بَدَلَ أَيْ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْمُكَلَّفِ الْمَلْزُومِ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَقَدْ فَسَّرَهُ هُنَا بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَفِيمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْمَلْزُومِ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ لِسَلَامَتِهِ هُنَا مِنْ نَوْعِ تَكْرَارٍ فِي الْمَعْنَى إذْ مِنْ جُمْلَةِ التَّعَلُّقِ الْإِلْزَامُ فَيَصِيرُ حَاصِلَ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمُتَعَلِّقِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْمُلْزِمِ بِالْفِعْلِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ الْمُلْزَمِ بِالْفِعْلِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَفَسَّرَهُ فِيمَا يَأْتِي بِالْمَلْزُومِ إلَخْ مُرَاعَاةً لِقَيْدِ الْحَيْثِيَّةِ إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. (قَوْلُهُ: تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا) أَيْ صُلُوحِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِهِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ قَدِيمٌ بِخِلَافِ التَّنْجِيزِيِّ فَإِنَّهُ حَادِثٌ

قَبْلَ وُجُودِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَنْجِيزِيًّا بَعْدَ وُجُودِهِ بَعْدَ الْبَعْثَةِ إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَهَا كَمَا سَيَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ التَّعَلُّقُ بِالْفِعْلِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ مُسْتَجْمِعًا لِلشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْخِطَابِ بِمَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَتَنْجِيزِيٌّ قَدِيمٌ. . 1 - (قَوْلُهُ: قَبْلَ وُجُودِهِ) وَكَذَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَكَذَا بَعْدَ الْبَعْثَةِ غَيْرُ مُسْتَكْمِلٍ بَقِيَّةَ شُرُوطِ التَّكْلِيفِ كَالْعِلْمِ بِالْبَعْثَةِ وَبُلُوغِ الْأَحْكَامِ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَهَا) قَالَ الشِّهَابُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ بِانْتِفَاءِ قَيْدٍ مِنْهُ وَهُوَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ وَبِهِ يُوَجَّهُ كَلَامُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَيْنِ مَعًا يُعْتَبَرَانِ فِي مَفْهُومِ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ هُنَا " وَتَنْجِيزِيًّا " دُونَ " أَوْ تَنْجِيزِيًّا " وَقَالَ الْعَضُدُ فِي تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ فِي الْأَزَلِ خِطَابًا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْخِطَابِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ الْكَلَامُ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ يُفْهَمُ فَيُسَمَّى وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ الْكَلَامُ الَّذِي أَفْهَمَ لَمْ يَكُنْ خِطَابًا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلَامَ حُكْمٌ فِي الْأَزَلِ أَوْ يَصِيرُ حُكْمًا فِيمَا لَا يَزَالُ اهـ. فَأَنْتَ تَرَاهُ صَرَّحَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ التَّنْجِيزِيِّ اهـ. قَالَ سم وَحَاصِلُهُ مُنَازَعَةُ الشَّارِحِ فِي اعْتِبَارِ التَّنْجِيزِيِّ فِي مَفْهُومِ الْحُكْمِ، وَصَرِيحُ الْعَضُدِ بِخِلَافِهِ. وَأَقُولُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِظَاهِرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَمُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ الْعَضُدِ لَا تَقْدَحُ فِي ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بَعْدَ الْتِزَامِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ تَقْلِيدَ الْعَضُدِ مَعَ الْقَطْعِ بِاطِّلَاعِهِمَا عَلَى كَلَامِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ اتِّفَاقُ الْقَوْمِ عَلَى مَا قَالَهُ بَلْ لَوْ فُرِضَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُمَا الْمُخَالَفَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا شَاءَ إذْ لَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ بِهِ مَعَ قَيْدِ الْآخَرِ فِي الْخَارِجِ إذْ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ صِفَةِ التَّنْجِيزِ وَمُقَابِلِهِ مَعًا كَمَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ قَبْلِيَّةِ الْوُجُودِ مَعَ بَعْدِيَّتِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مُكَلَّفٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُوجَدَ التَّعَلُّقَانِ فِي الْخَارِجِ مَعًا وَيَكُونَ الْخِطَابُ مُتَّصِفًا بِالتَّعَلُّقَيْنِ مَعًا بِأَنْ يَكُونَ مَعَ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا مُتَعَلِّقًا تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا أَيْضًا وَالْأَقْرَبُ فِي مِثْلِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالتَّعَلُّقَيْنِ بِكُلِّ تَعَلُّقٍ فِي وَقْتِهِ أَيْ أَنَّهُ بِحَيْثُ يَتَعَلَّقُ قَبْلَ الْوُجُودِ بِهَذَا الْوَجْهِ وَبَعْدَهُ بِذَلِكَ الْوَجْهِ وَهَذَا الِاتِّصَافُ دَائِمِيٌّ لِلْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَفْعَالِ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الصِّفَتَيْنِ مَعًا فِي وَقْتٍ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ كُلٍّ فِي وَقْتِهَا الَّتِي هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِهِ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ الْحُكْمِ بِعَدَمِ وُجُودِ التَّنْجِيزِيِّ فَإِنَّ اللَّازِمَ وُجُودُ التَّنْجِيزِيِّ فِي وَقْتِهِ لَا دَائِمًا وَإِنَّمَا اللَّازِمُ دَائِمًا هُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا جَاءَ وَقْتُ التَّنْجِيزِ تَنَجَّزَ وَهَذَا مَوْجُودٌ بِلَا رَيْبٍ وَكَذَلِكَ يُشْكِلُ قَوْلُهُ هُنَا إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا فِي الْحَالِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا فِيمَا قَبْلُ وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَةُ الْعِبَارَةِ عَلَيْهِ قَاصِرَةً وَإِنَّ حَمْلَ الْمَتْنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مُطْلَقٌ لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ تَعَلُّقٍ فَيَكْفِي فِي صِدْقِهِ أَدْنَى تَعَلُّقٍ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا التَّعَلُّقِ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ الذِّهْنُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْقَوْمِ وَمُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ. فَالِاعْتِذَارُ بِأَنَّهُ اصْطِلَاحٌ وَلَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ مِمَّا لَا يُقْبَلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ يُؤْخَذُ عَلَى إطْلَاقِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ هُنَا ضَرُورَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِمَكَانِ الْإِلْبَاسِ وَإِيهَامِ أَنَّهُ اصْطِلَاحُ أَهْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَا اصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ إلَّا لِأَغْرَاضٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَغْيِيرُ تِلْكَ الِاصْطِلَاحَاتِ كَثِيرًا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ تِلْكَ الْأَغْرَاضِ وَتَرْتَفِعُ الثِّقَةُ بِالنَّقْلِ عَنْ الْمُصْطَلَحِ الْأَوَّلِ وَأَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَهُوَ عَبَثٌ يُحْتَرَزُ عَنْ مِثْلِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّا إذَا أَخَذْنَا فِي مَفْهُومِ الْحُكْمِ التَّعَلُّقَ التَّنْجِيزِيَّ بَعْدَ الْبَعْثَةِ لَزِمَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِالضَّرُورَةِ وَصَارَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ لَغْوًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَكَيْفَ ذَكَرُوهُ وَعَدُّوهُ مَسْأَلَةً وَالْمَسَائِلُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَظَرِيَّةً وَقَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَنَقَلُوا فِيهِ خِلَافَ الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ يَرُدَّانِ قَوْلَهُ إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَهَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ بَعْدَ الْبَعْثَةِ فِي مَفْهُومِ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَالْأَقْرَبُ أَنْ لَا يُجْعَلَ جُزْءًا مِنْ التَّعْرِيفِ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِوَقْتِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ بِتَقْدِيرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ

(مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ) أَيْ مُلْزَمٌ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي فَتَنَاوَلَ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ الِاعْتِقَادِيَّ وَغَيْرَهُ وَالْقَوْلِيَّ وَغَيْرَهُ وَالْكَفَّ وَالْمُكَلَّفَ الْوَاحِدَ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَصَائِصِهِ وَالْأَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَلِّقَ بِأَوْجُهِ التَّعَلُّقِ الثَّلَاثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَعْثَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُزُومِ لَغَوِيَّةِ قَوْلِهِمْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ تَأَمَّلْ جِدًّا. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ أَوْ فَتْحِهَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْكِسَائِيّ بِجَوَازِ إضَافَةِ حَيْثُ إلَى الْمُفْرَدِ أَوْ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُجْعَلَ أَنَّ وَمَعْمُولَهَا فِي التَّقْدِيرِ اسْمَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ ثَابِتٌ فَعَدُّ الْفَتْحِ لَحْنًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُلْزَمٌ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ يُوجِبُ الدَّوْرَ إذْ التَّكْلِيفُ بِمَعْنَى إلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ نَوْعٌ مِنْ الْحُكْمِ فَإِدْخَالُهُ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ دَوْرٌ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ أَخْذَ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْحُكْمِ فِي تَعْرِيفِهِ لَا يُوجِبُ الدَّوْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِدُونِ تَعَقُّلِ مَفْهُومِ الْحُكْمِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَأَقُولُ هَذِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا كَيْفَ وَالْمُكَلَّفُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مَفْهُومُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الذَّاتِ وَالْوَصْفِ كَمَا هُوَ حَالُ الْمُشْتَقَّاتِ وَتَعَقُّلُ مَفْهُومِ الْمُرَكَّبِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَعَقُّلِ كُلٍّ مِنْ جُزْئَيْهِ وَالتَّكْلِيفُ أَحَدُ جُزْئَيْهِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَقُّلُ الذَّاتِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْوَصْفِ فِي مَفْهُومِ الْمُشْتَقِّ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ وَارْتِكَابُ التَّجْرِيدِ فِي مِثْلِهِ مُخِلٌّ بِالتَّعْرِيفِ (قَوْلُهُ: فَيَتَنَاوَلُ) أَيْ التَّعْرِيفَ لَا الْفِعْلَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَالْمُتَعَلِّقَ بِأَوْجُهِ التَّعَلُّقِ الثَّلَاثَةِ إذَا الْمُتَعَلِّقُ هُنَاكَ صِفَةُ الْخِطَابِ اهـ. وَأَقُولُ يَصِحُّ رَفْعُ الْفِعْلِ وَنَصْبُ الْقَلْبِيِّ وَكَذَا رَفْعُ الْمُكَلَّفِ وَنَصْبُ الْوَاحِدِ وَرَفْعُ الْمُتَعَلِّقِ وَيُجْعَلُ مَفْعُولُهُ مُقَدَّرًا أَيْ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَبَاعُدًا عَنْ التَّكْرَارِ اللَّفْظِيِّ مَعَ ظُهُورِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ إسْنَادَ التَّنَاوُلِ إلَى ضَمِيرِ التَّعْرِيفِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَجَازٌ إذْ الْمُتَنَاوَلُ الْفِعْلُ أَوْ الْمُكَلَّفُ أَوْ الْمُتَعَلِّقُ (قَوْلُهُ: الِاعْتِقَادِيَّ) أَيْ كَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِقَادَ فِعْلٌ لِلنَّفْسِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ نَفْسَهُ بَلْ بِأَسْبَابِهِ الْمُحَصِّلَةِ لَهُ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا عُرْفًا لَا يَنْفَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ كَوْنَهُ لَيْسَ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ مَقْدُورٌ بِنَفْسِهِ لِلْمُكَلَّفِ وَلَا يَتَعَلَّقُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ إلَّا بِهِ نَفْسِهِ أَفَادَهُ سم وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا رَدَدْنَا بِهِ كَلَامَهُ سَابِقًا فِي إدْخَالِ مِثْلِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ وَاجِبٌ تَحْتَ مَوْضُوعِ عِلْمِ الْفِقْهِ إذْ حَاوَلَ هُنَاكَ أَنَّ الِاعْتِقَادَ فِعْلٌ. وَأَمَّا أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ هَلْ هُوَ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ أَوْ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ فَسَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ وَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَقُولَاتِ الصُّغْرَى. (قَوْلُهُ: وَغَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الِاعْتِقَادِيِّ وَهُوَ الْفِعْلُ الْقَلْبِيُّ الَّذِي لَيْسَ اعْتِقَادِيًّا كَالنِّيَّةِ وَالْفِعْلِ الْقَوْلِيِّ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَوْلُهُ وَغَيْرَهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفِعْلِ الْقَلْبِيِّ وَالْقَوْلِيِّ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَفْعَالِ مِثْلِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَوْ غَيْرِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ أَقْرَبُ (قَوْلُهُ وَالْكَفَّ) أَيْ كَفَّ النَّفْسِ وَزَجْرَهَا الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ النَّهْيِ فَعَطْفُهُ عَلَى الْقَوْلِيِّ عَطْفٌ خَاصٌّ أَتَى بِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَدَمِ شُمُولِ التَّعْرِيفِ لَهُ النَّاشِئِ عَنْ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا. (قَوْلُهُ: وَالْمُكَلَّفَ الْوَاحِدَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ اسْمُ جَمْعٍ يَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَالتَّعْبِيرُ بِهِ أَظْهَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُكَلَّفِينَ لِظُهُورِ الْمُرَادِ فِي الْجِنْسِ دُونَ الْجَمْعِ وَفِي إدْخَالِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَصَائِصِهِ إدْخَالٌ لِنَحْوِ خُزَيْمَةَ فِي جَعْلِ شَهَادَتِهِ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدِ) فِيهِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَحْمَدُك عِنْدَ قَوْلِهِ الْأَخْصَرُ مِنْهُ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَلَا إعَادَةَ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَعَلِّقَ) أَيْ وَالْخِطَابَ الْمُتَعَلِّقَ عَطْفٌ عَلَى الْفِعْلِ أَيْضًا قَالَ سم وَسَهَا شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ فِي بَعْضِ مَرَّاتِ تَدْرِيسِ الشَّرْحِ فَقَالَ

مِنْ الِاقْتِضَاءِ الْجَازِمِ وَغَيْرِ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرِ الْآتِيَةِ لِتَنَاوُلِ حَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفِعْلُ الْمُتَعَلِّقُ وَعَلَّقُوهُ عَنْهُ فَاحْذَرْهُ (وَقَوْلُهُ بِأَوْجُهِ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَعَلِّقِ وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ مِنْ قَبِيلِ مُلَابَسَةِ الشَّيْءِ لِأَوْصَافِ أَنْوَاعِهِ وَلَيْسَتْ صِلَةَ الْمُتَعَلِّقِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْخِطَابِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ لَا تِلْكَ الْأَوْجُهَ وَلِأَنَّ مَعْنَى تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِشَيْءٍ بَيَانُ حَالِهِ مِنْ كَوْنِهِ مَطْلُوبًا أَوْ غَيْرَهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْخِطَابُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَلْ الْخِطَابُ مُتَّصِفٌ بِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الِاقْتِضَاءِ) بَيَانٌ لِأَوْجُهِ وَالْمُرَادُ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ أَوْ الْكَفِّ فَيَشْمَلُ الِاقْتِضَاءَ الْجَازِمَ الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ وَغَيْرَ الْجَازِمِ لِيَشْمَلَ النَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ وَقَوْلُهُ وَالْآتِيَةِ صِفَةٌ لِمَدْخُولَاتِ مِنْ أَوْ لِأَوْجُهِ التَّعَلُّقِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: لِتَنَاوُلِ حَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ) عِلَّةٌ لِشُمُولِ التَّعْرِيفِ الْخِطَابَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَوْجُهِ التَّعَلُّقِ الثَّلَاثِ بِجَعْلِ الْحَيْثِيَّةِ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَيَيْهَا مَعًا وَهُمَا التَّقْيِيدُ وَالتَّعْلِيلُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ التَّعَلُّقُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ وَهُوَ مَعْنَى التَّقْيِيدِ أَوْ بِسَبَبِ وُجُودِ الْإِلْزَامِ وَلِأَجْلِ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ فَتَنَاوَلَتْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةُ الْأَوَّلَ وَهُوَ الِاقْتِضَاءُ الْجَازِمُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّقْيِيدِ وَتَنَاوَلَتْ الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الِاقْتِضَاءُ غَيْرُ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْخِطَابِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِفِعْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالْمُرَادُ بِتَنَاوُلِ حَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ لِلثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا تُجَامِعُهَا وَلَا تُخْرِجُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ دُخُولَهَا فِيمَا قَبْلَهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا حَتَّى يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَصْدِ بِهَا إدْخَالُ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْقَطْعِ بِدُخُولِهَا فِيمَا قَبْلَهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْهَا فَعُلِمَ انْدِفَاعُ قَوْلِ التَّفْتَازَانِيِّ لَا يَخْفَى أَنَّ اعْتِبَارَ حَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الْإِبَاحَةِ بَلْ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْرِ الْحَيْثِيَّةِ عَلَى التَّقْيِيدِ وَانْدِفَاعِ مَا أَوْرَدَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ مِنْ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ التَّعْرِيفِ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الْإِلْزَامُ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِأَجْلِ الْإِلْزَامِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِلْزَامَ نَفْسَهُ. وَأَيْضًا الْمَعْهُودُ أَنَّ الْحَيْثِيَّاتِ تُعْتَبَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَالِاحْتِرَازِ لَا لِلْإِدْخَالِ كَمَا قَالَهُ اهـ.؛ لِأَنَّ مَبْنَى إيرَادِهِ الْأَوَّلِ عَلَى قَصْرِ الْحَيْثِيَّةِ عَلَى التَّعْلِيلِ وَمَبْنَى إيرَادِهِ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الْإِدْخَالُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إخْرَاجُ الْمُتَعَلِّقِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ تَكُونُ لِلْإِدْخَالِ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي كِلَا مَعْنَيَيْهِ مَعًا مَجَازٌ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَحَمْلُ التَّعْرِيفِ عَلَى مِثْلِهِ بَعِيدٌ سِيَّمَا مَعَ خَفَاءِ الْقَرِينَةِ، ثُمَّ إنَّ صَرْفَ الْحَيْثِيَّةِ التَّقْيِيدِيَّةِ إلَى بَعْضِ أَقْسَامِ التَّعَلُّقِ وَالتَّعْلِيلِيَّةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ يُوجِبُ بُعْدًا آخَرَ فِي الْكَلَامِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ الَّذِي لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ وَحِينَئِذٍ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ الْحَيْثِيَّةُ التَّقْيِيدِيَّةُ وَمُرَادُ الشَّارِحِ عُمُومُ التَّكْلِيفِ لِلتَّكْلِيفِ أَصَالَةً وَتَبَعًا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ أَصَالَةً كَنَفْسِ الْإِلْزَامِ أَوْ تَبَعًا كَتَوَابِعِ الْإِلْزَامِ وَبَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَيْثِيَّةَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَرَّرَ تَقْتَضِي شُمُولَ التَّعْرِيفِ لِخِطَابِ الْوَضْعِ إذْ يَصْدُقُ عَلَى الْخِطَابِ الْوَارِدِ بِكَوْنِ الزِّنَا سَبَبًا لِلْحَدِّ مَثَلًا أَنَّهُ خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الزِّنَا لِأَجْلِ أَنَّهُ مُلْزَمٌ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ إذْ لَوْلَا وُجُودُ التَّكْلِيفِ لَمْ

لِلْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا كَالْأَوَّلِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَوْلَا وُجُودُ التَّكْلِيفِ لَمْ يُوجَدَا أَلَا تَرَى إلَى انْتِفَائِهِمَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ ثُمَّ الْخِطَابُ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَغَيْرُهُمَا، وَخَرَجَ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَذَوَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْجَمَادَاتِ كَمَدْلُولَيْ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [البقرة: 255] {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف: 47] وَبِمَا بَعْدَهُ مَدْلُولُ وَمَا تَعْمَلُونَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوجَدْ أَلَا تَرَى إلَى انْتِفَائِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ مَعَ أَنَّ غَرَضَهُ إخْرَاجُ خِطَابِ الْوَضْعِ كَمَا سَيُفْصِحُ عَنْهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ الَّذِي أَثْبَتَ بِهِ الشَّارِحُ تَبَعِيَّةَ الِاقْتِضَاءِ غَيْرِ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرَ لِلتَّكْلِيفِ حَاصِلُهُ الدَّوَرَانُ وَمَحَلُّ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ لَا مُضَاعِفَ لَهُ وَقَدْ أَضْعَفْته بِالنِّسْبَةِ إلَى خِطَابِ الْوَضْعِ بِثُبُوتِ خِطَابِ الْوَضْعِ فِي حَقِّ مَنْ انْتَفَى عَنْهُ التَّكْلِيفُ كَمَا فِي غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ الِاقْتِضَاءِ غَيْرِ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرِ إذْ لَمْ يَثْبُتَا فِي حَقِّ مَنْ انْتَفَى عَنْهُ التَّكْلِيفُ أَصْلًا. . (قَوْلُهُ: لِلْأَخِيرَيْنِ) أَيْ لِلِاقْتِضَاءِ غَيْرِ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ كَالْأَوَّلِ الظَّاهِرِ أَيْ الِاقْتِضَاءِ الْجَازِمِ، فَإِنَّ تَنَاوُلَ حَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ لَهُ ظَاهِرٌ، وَلِلْأَخِيرَيْنِ خَفِيٌّ؛ لِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ الْجَازِمَ هُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، وَذَلِكَ مَعْنَى التَّكْلِيفِ. وَأَمَّا الِاقْتِضَاءُ غَيْرُ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرُ فَلَا إلْزَامَ فِيهِمَا، فَفِي تَنَاوُلِ حَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ لَهُمَا خَفَاءٌ وَبَيَّنَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ لَوْلَا وُجُودُ التَّكْلِيفِ لَمْ يُوجَدْ أَيْ وَلَوْلَا ثُبُوتُ تَعَلُّقِ إلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ لَمْ يَثْبُتْ تَعَلُّقُهُمَا حَتَّى إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ تَعَلُّقُ إلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ قَبْلَ ثُبُوتِ تَعَلُّقِ الِاقْتِضَاءِ غَيْرِ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُمَا مُنْتَفِيَانِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانْتِفَائِهِ أَيْ وَبَعْدَ الْبَعْثَةِ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ تَعَلُّقُهُمَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ تَعَلُّقُ إيجَابِ تَصْدِيقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى إلَى انْتِفَائِهِمَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الِانْتِفَاءِ قَبْلَهَا لَا يَقْتَضِي كَوْنَ خُصُوصِ بَعْضِهَا عِلَّةً فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ انْتِفَاءً وَوُجُودًا. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الِانْتِفَاءِ قَبْلَهَا وَالثُّبُوتِ بَعْدَهَا يَتَضَمَّنُ الدَّوَرَانَ وَهُوَ مِنْ مَسَالِكِ الْغَايَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَيَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ بَعْضِهَا لِلْبَعْضِ الْآخَرِ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَأَمَّا تَعْيِينُ خُصُوصِ التَّكْلِيفِ لِلْعِلِّيَّةِ دُونَ الْعَكْسِ فَلِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ أَصَالَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ مِنْ الْبَعْثَةِ (قَوْلُهُ:، ثُمَّ الْخِطَابُ الْمَذْكُورُ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ بِخُرُوجِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ إذْ لَا خِطَابَ. وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ كُلًّا مِمَّا ذُكِرَ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتٌ لَهُ أَيْ إنَّهُ كَاشِفٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُعَرِّفٌ لَهُ وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهَا أَدِلَّةً لِأَحْكَامٍ. أَفَادَهُ سم. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا إشْعَارَ فِي الْكَلَامِ بِوُرُودِ اعْتِرَاضٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْوَجِيهُ أَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ الْخِطَابَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِذَاتِهِ أَعْنِي الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الْأَزَلِيَّ أَشَارَ إلَى مَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْ دَلِيلِهِ تَكْمِيلًا لِلْبَيَانِ وَتَوْضِيحًا لِلْمَقَامِ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ النَّجَّارِيُّ مِنْ أَنَّهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا إطْلَاعٌ لَنَا عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ إثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا لَا خُرُوجًا وَلَا دُخُولًا؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى فَمَا الطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَيْهِ الْأَلْفَاظُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالسُّنِّيَّةُ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ) لَمْ يَخْرُجْ بِقَوْلِهِ الْمُتَعَلِّقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْخِطَابِ إذْ خِطَابُهُ تَعَالَى لَا يَخْلُو عَنْ تَعَلُّقٍ بِشَيْءٍ. (قَوْلُهُ: بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ) أَيْ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [البقرة: 255] مِثَالٌ لِلْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ وَوُجُوبِهَا وقَوْله تَعَالَى {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] مِثَالٌ لِلْمُتَعَلِّقِ بِصِفَتِهِ الْفِعْلِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَذَوَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْجَمَادَاتِ) بَقِيَ عَلَيْهِ ذَوَاتُ الْبَشَرِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَبَقِيَّةُ الْحَيَوَانَاتِ وَأَفْعَالُهُمَا وَصِفَاتُهُمَا وَصِفَاتُ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَيْسَتْ أَفْعَالًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي بَيَانِ الْإِخْرَاجِ بِالْعِنْوَانِ التَّنْصِيصُ عَلَى كُلِّ مَا خَرَجَ بَلْ يَكْفِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْبَعْضِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ) قَالَ النَّاصِرُ

وَلَا خِطَابَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَوَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ مَا وَجَبَ فِي مَالِهِمَا مِنْهُ كَالزَّكَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَهُوَ أَيْ الْخِطَابُ مُتَعَلِّقٌ بِمَفْعُولِهِمْ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْمَوْلَى التَّفْتَازَانِيَّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ فِي مَبْحَثِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ عَلَى خَلْقِ الْأَفْعَالِ صَرَّحَ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَعَمَلَكُمْ وَعَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَمَعْمُولَكُمْ بِشُمُولِ مَعْمُولَكُمْ عَلَى الثَّانِي لِلْأَفْعَالِ قَالَ؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْعَبْدِ لَمْ نُرِدْ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي هُوَ الْإِيجَادُ وَالْإِيقَاعُ بَلْ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَادِ وَالْإِيقَاعِ أَعْنِي مَا يُشَاهَدُ مِنْ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مَثَلًا وَلِلذُّهُولِ عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ يَعْنِي شُمُولَ الْمَعْمُولِ لِلْأَفْعَالِ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً اهـ. أَيْ فَكَذَا الْفِعْلُ هُنَا الْمُرَادُ بِهِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ هُنَا حَيْثُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْخِطَابِ الْأَثَرُ الَّذِي يُوجِدُهُ الْمُكَلَّفُ بِهِ الْخَارِجُ لَا إيقَاعُ هَذَا الْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ. (قَوْلُهُ: وَلَا خِطَابَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا نَفْيُ الْخِطَابِ التَّكْلِيفِيِّ عَنْ فِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْخِطَابَ الْوَضْعِيَّ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ نَفْيًا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» إلَخْ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَوْجُهِ التَّعَلُّقِ عَنْ فِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْيِ إذْ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِهِمَا عَلَى وَجْهِ النَّفْيِ هُوَ لَا بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَذَا وَيَكُونُ نَفْيًا بِمَعْنَى النَّهْيِ، ثُمَّ كَانَ الْأَنْسَبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ فِعْلُ غَيْرِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخِطَابُ الْمَذْكُورُ أَوْ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ الْمَذْكُورُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ لِإِيهَامِ عِبَارَتِهِ نَفْيَ خِطَابِ الْوَضْعِ أَيْضًا فَيُخَالِفُ مَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا وَشَرْطًا إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ يُوقِعُ هَذَا الْإِيهَامَ كَوْنُ الْكَلَامِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِفِعْلِ كُلٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا جَعْلُ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ الْمَنْفِيَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كُلًّا مِنْ الْخِطَابَيْنِ فَمُنَافٍ لِكَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي كَمَا اعْتَرَفَ هُوَ وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى عَدَمِ تَعَلُّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ دَلِيلًا وَغَيْرَهُ وَأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ كَذَا لَيْسَ فِعْلًا قَطْعًا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ كَذَا وَإِنْ يَكُنْ فِعْلًا إلَّا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْكَوْنُ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا وَالْخِطَابُ الْمُبَيِّنُ لِكَوْنِ الْفِعْلِ كَذَا خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ قَطْعًا إذْ لَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِهِ بِهِ إلَّا طَلَبَهُ أَوْ الْإِذْنَ فِيهِ أَوْ بَيَانَ حَالِهِ كَبَيَانِ كَوْنِهِ سَبَبًا وَكَأَنَّ الشَّيْخَ تَوَهَّمَ أَنَّ جَعْلَ الْكَوْنِ الْمُضَافِ إلَى الْفِعْلِ مُتَعَلِّقَ الْخِطَابِ ابْتِدَاءً مَانِعٌ مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ مُتَعَلِّقًا لَهُ وَلَوْ صَحَّ مَا تَوَهَّمَهُ لَزِمَ انْتِفَاءُ تَعَلُّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ ابْتِدَاءً بِالْكَوْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُ الشَّارِحِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا أَفَادَهُ سم. (قَوْلُهُ: وَوَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَخْ) هَذَا دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ تَعَلُّقِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ فِيهَا ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يُتَوَهَّمُ تَعَلُّقُهُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ وَلِيِّهِمَا وَبَقِيَ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى نَفْيِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِمَا ذُكِرَ مَا أَوْرَدَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور: 58] . وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَمْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُرْشِدُوا الْقَاصِرِينَ لِلِاسْتِئْذَانِ بِدَلِيلِ تَصْدِيرِ الْآيَةِ بِخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ أَنَّ خِطَابَ الْأَمْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِإِرْشَادِ الْقَاصِرِينَ لِذَلِكَ خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْإِرْشَادِ إلَى شَيْءٍ خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ مُبَيِّنٌ لِحَالِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَنْفِيُّ هُوَ التَّعَلُّقُ الْقَصْدِيُّ وَالتَّعَلُّقُ الْقَصْدِيُّ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْإِرْشَادِ وَمِثْلُ هَذَا كُلِّهِ فِي نَحْوِ خَبَرِ «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ» فَالتَّعَلُّقُ الْقَصْدِيُّ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْأَوْلِيَاءِ. (قَوْلُهُ: بِأَدَاءِ مَا وَجَبَ) إنْ كَانَ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ فِي مَالِهِمَا أَوْ مِنْ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ فَقَوْلُهُ فِي مَالِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِقْرَارٍ مَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ مَا الْوَاقِعِ عَلَى الْمُؤَدَّى

وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ كَمَا يُخَاطَبُ صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ حَيْثُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا لِتَنَزُّلِ فِعْلِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْزِلَةَ فِعْلِهِ وَصِحَّةُ عِبَادَةِ الصَّبِيِّ كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا لَيْسَ هُوَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا كَالْبَالِغِ بَلْ لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِفِعْلِ كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مَا وَجَبَ أَدَاؤُهُ عَلَى الْوَلِيِّ كَائِنًا فِي مَالِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَدَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَمَا يُخَاطَبُ صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ فَالضَّمَانُ بِمَعْنَى الْغُرْمِ وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِضَمَانِ بَدَلِ الْمُتْلَفِ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا وَجَبَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ أَوْ عَلَى الزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ وَالضَّمَانُ عَلَى هَذَيْنِ بِمَعْنَى الْمَضْمُونِ بِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُخَاطَبُ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ حُذِفَ وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ أَيْ يُخَاطَبُ خِطَابًا كَخِطَابِ صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ حَيْثُ فَرَّطَ ظَرْفٌ لِيُخَاطَب أَوْ لِأَتْلَفَتْهُ. (قَوْلُهُ: كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ) هَذَا عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى الصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ وَفَرَّقَ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ كُلَّ يَوْمٍ فَيَشُقُّ أَمْرُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنْ قُلْت قَوْلُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ مَنْدُوبَةٌ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ النَّدْبَ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى مَنْدُوبَةٍ مَطْلُوبَةٌ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَلَا أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْ الْوَلِيِّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْوَلِيِّ بِأَنْ يَأْمُرَ الصَّبِيَّ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى نَدْبِهَا أَنَّ لَهَا حُكْمَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إثَابَةُ فَاعِلِهِ وَعَدَمُ إثْمِهِ بِالتَّرْكِ وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ الْإِشْكَالِ. (قَوْلُهُ: الْمُثَابِ عَلَيْهَا) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلصَّبِيِّ فَنَائِبُ فَاعِلِ الْمُثَابِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى أَلْ الْوَاقِعَةِ عَلَى الصَّبِيِّ فَالصِّلَةُ جَارِيَةٌ عَلَى مَنْ هِيَ لَهُ أَوْ نَعْتٌ لِعِبَادَةِ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى الصَّبِيِّ فَالنَّعْتُ سَبَبِيٌّ وَالصِّلَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ وَلَمْ يَبْرُزْ لَا مِنْ اللَّبْسِ أَوْ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ فَالنَّعْتُ حَقِيقِيٌّ بِمَعْنَى الَّتِي يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ عَلَيْهَا قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا لِتَقْوَى الشُّبْهَةُ فِي تَوَهُّمِ تَعَلُّقِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِهَا إذْ الصِّحَّةُ وَحْدَهَا تَتَحَقَّقُ بِاسْتِجْمَاعِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْفِعْلِ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَبُ بِهِ كَالْمُبَاحِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ هُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ صِحَّةِ عِبَادَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا كَمَا فِي الْبَالِغِ أَيْ حَتَّى يُقَالَ أَمْرُهُ بِهَا نَصٌّ فِي تَعَلُّقِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَاعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ أَمْرَ الْبَالِغِ بِهَا عِلَّةٌ لِلصِّحَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَذَا قَوْلُهُ بَلْ لِيَعْتَادَهَا قَضِيَّتُهُ أَنَّ الِاعْتِيَادَ عِلَّةٌ لِلصِّحَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا. وَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الِاعْتِيَادَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ بَاعِثَةٌ لِحَمَلَةِ الشَّرْعِ عَلَى الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَإِلَّا فَأَحْكَامُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهَةٌ عَنْ الْعِلَلِ الْبَاعِثَةِ. وَأَجَابَ سم عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعَبُّدُ بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ شَرْعًا وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَ الظُّهْرَ مَثَلًا مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ خَلَلٍ فِي فِعْلِهَا أَوَّلًا كَانَتْ بَاطِلَةً فَيَصِحُّ تَعْلِيلُ صِحَّتِهَا بِالْأَمْرِ بِهَا وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مَأْمُورٌ بِهَا رَاجِعٌ لِلْعِبَادَةِ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ صِحَّةَ عِبَادَةِ الْبَالِغِ مَأْمُورٌ بِهَا فَتَكُونُ الصِّحَّةُ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ وَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ رَاجِعًا لِلصِّحَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُكَلَّفِ لِلْعُمُومِ فِي أَشْخَاصِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَأَنَّ امْتِنَاعَ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَتَالِيَيْهِ فِي الظَّاهِرِ نَفْيٌ لِلتَّكْلِيفِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْخَاصِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ. (وَفِي التَّحْقِيقِ) أَيْ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ لِذَلِكَ وَتَحْرِيرِهِ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى نَفْيِ التَّكْلِيفِ عَنْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ دُونَ سَائِرِهَا وَالتَّخْصِيصُ بِالنَّظَرِ لِلْأَوَّلِ رَاجِعٌ لِعُمُومِ الْأَشْخَاصِ الْمَلْزُومِ وَإِلَى الثَّانِي رَاجِعٌ لِعُمُومِ الْأَحْوَالِ اللَّازِمِ أَفَادَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ قَالَ سم وَحَاصِلُهُ حَمْلُ أَلْ عَلَى الْعُمُومِ إلَّا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْخَاصِ أَوْ الْأَحْوَالِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا يُوجِبُ اخْتِلَالَ التَّعْرِيفِ إذْ لَا يَصْدُقُ حِينَئِذٍ إلَّا عَلَى الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِفِعْلِ كُلِّ مُكَلَّفٍ سِوَى مَا وَقَعَ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْوَاحِدِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّسْبَةِ لِخَصَائِصِهِ فَالْوَجْهُ حَمْلُ الـ فِي الْمُكَلَّفِ عَلَى الْجِنْسِ

كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي مِنْ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ وَالْمُكْرَهِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ إلَى انْتِفَاءِ تَكْلِيفِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ. وَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ الْآتِي فَلَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَكُونُ مَقْصُودُ الشَّارِحِ بَيَانَ الْوَاقِعِ وَدَفْعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّعْرِيفِ قَصْدًا إلَى زِيَادَةِ الْفَائِدَةِ وَإِلَّا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ تَعَلَّقَ بِجِنْسِ الْمُكَلَّفِ فَهُوَ حُكْمٌ وَأَمَّا أَنَّ الْخِطَابَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَوْ لَا فَأَمْرٌ آخَرُ اهـ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَخْ أَنَّ مَا أَفَادَهُ هَذَا النَّفْيُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ عَنْ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ يَرْجِعُ عِنْدَ تَحْقِيقِهِ وَتَحْرِيرِهِ إلَى انْتِفَاءِ تَكْلِيفِهِمْ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ فَيَكُونُ الْخِطَابُ التَّكْلِيفِيُّ فِي الْوَاقِعِ مُتَعَلِّقًا بِأَفْعَالِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ فَالتَّخْصِيصُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحْوَالِ قَالَ النَّاصِرُ مَا حَاصِلُهُ إنَّ الْحَقَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَخْ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَرَدَّهُ ابْنُ قَاسِمٍ بِأَنَّ اسْتِلْزَامَ الْعُمُومِ فِي الْأَشْخَاصِ لِلْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ لَا يُنَافِي جَوَازَ التَّخْصِيصِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا اللَّازِمِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِلْزَامِ هَاهُنَا أَنَّهُ إذَا عَمَّ الْحُكْمُ فِي الْوَاقِعِ الْأَشْخَاصَ لَزِمَ أَنْ يَعُمَّ أَيْضًا فِي الْوَاقِعِ الْأَحْوَالَ وَذَلِكَ يُنَافِي التَّخْصِيصَ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ لَا أَنَّ الصِّفَةَ إذَا أَفَادَتْ الْعُمُومَ فِي الْأَشْخَاصِ كَانَتْ مُفِيدَةً لَهُ فِي أَحْوَالِهَا أَيْضًا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّخْصِيصَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَحْدَهَا كَمَا لَا يَخْفَى فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ الْحَقُّ هَذَا وَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ أَلْ هَاهُنَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُمُومِ وَرَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا وَرَدَ عَنْ الشِّهَابِ تَأَمَّلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّجَّارِيُّ وَيَحْمِلُ كَلَامُ الشَّارِحِ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ إيرَادِ تَقْرِيرِهِ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُكَلَّفِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَالشُّمُولِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ وَإِذْ لَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ فَيُفِيدُ عَكْسَ التَّعْرِيفِ فَأَجَابَ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ أَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ فَلَا يَفْسُدُ عَكْسُ التَّعْرِيفِ وَالثَّانِي عَلَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ فَسَادَ عَكْسِ التَّعْرِيفِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ اللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يَرْجِعُ إلَى انْتِفَاءِ تَكْلِيفِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي) قَالَ الشِّهَابُ فِيهِ قُصُورٌ عَنْ تَنَاوُلِ خِطَابِ الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيبًا أَوْ اكْتِفَاءً أَوْ يَدَّعِي أَنَّهُ حَيْثُ أُطْلِقَ التَّكْلِيفُ فِي كَلَامِهِمْ يُرِيدُونَ بِهِ قَسِيمَ الْوَضْعِ بِأَنْوَاعِهِ مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً اهـ. وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ كَوْنُ الْغَفْلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهَا مَوَانِعَ مِنْ تَعَلُّقِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ عُلِمَ كَوْنُهَا مَوَانِعَ أَيْضًا مِنْ بَقِيَّتِهَا لِظُهُورِ أَنَّ مَانِعِيَّتَهَا لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ التَّأَهُّلِ مَعَهَا لِلْخِطَابِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) أَيْ حَيْثُ أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْحَيْثِيَّةِ عَلَى مَعْنَيَيْهَا التَّقْيِيدِ

وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ زَادَ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ مَا يُدْخِلُهُ فَقَالَ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ أَوْ الْوَضْعِ. لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِنْ الْوَضْعِ مَا مُتَعَلِّقُهُ غَيْرُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ كَالزَّوَالِ سَبَبًا لِزَوَالِ الظُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّعْلِيلِ يَدْخُلُ خِطَابُ الْوَضْعِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي أَدْخَلَ بِهِ الشَّارِحُ الِاقْتِضَاءَ الْغَيْرَ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْلَا وُجُودُ التَّكْلِيفِ لَمْ يُوجَدْ الْوَضْعُ أَلَا تَرَى إلَى انْتِفَائِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الطَّرِيقُ الْمَذْكُورُ حَاصِلُهُ الدَّوَرَانُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَحَلُّ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ لَهُ وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا ثُبُوتُ خِطَابِ الْوَضْعِ مَعَ انْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ فِي الْجُمْلَةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ وَالِاقْتِضَاءِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ إذَا لَمْ يَثْبُتَا بِدُونِ التَّكْلِيفِ فِي حَقِّ أَحَدٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ زَادَ أَوْ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْخِطَابُ نَوْعَانِ تَكْلِيفِيٌّ وَوَضْعِيٌّ فَإِذَا ذُكِرَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ ذِكْرُ الْآخَرِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْهُ يَمْنَعُ كَوْنَ الْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ حُكْمًا فَكَيْفَ ذَكَرَهُ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ بَلْ كَيْفَ يَصِحُّ وَقَدْ يُقَالُ مَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ الْوَضْعِ لِدُخُولِهِ فِي الْحَدِّ إذْ الْمُرَادُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ الْأَعَمُّ مِنْ الصَّرِيحِ وَالضِّمْنِيِّ وَخِطَابُ الْوَضْعِ مِنْ قَبِيلِ الضِّمْنِيِّ إذْ مَعْنَى سَبَبِيَّةِ الزَّوَالِ مَثَلًا إيجَابُ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ فَانْدَفَعَ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِنْ الْوَضْعِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: زَادَ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ) قَالَ الشِّهَابُ فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْرِيفِ السَّابِقِ فِيهِ تَسَامُحٌ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَلْزَمُ مَنْ جَعْلِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ أَعَمُّ مِنْ الصَّرِيحِيِّ وَالضِّمْنِيِّ وَخِطَابُ الْوَضْعِ مِنْ قَبِيلِ الضِّمْنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ إذْ جَعْلُ الزِّنَا سَبَبًا لِلْحَدِّ مَثَلًا يَرْجِعُ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ عِنْدَ الزِّنَا وَجَعْلُ الطَّهَارَةِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْبَيْعِ يَرْجِعُ إلَى تَجْوِيزِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ عِنْدَهَا وَتَحْرِيمِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَقِسْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَلَا يَتِمُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَدْخُلُهُ مِنْ أَنَّ قَيْدَ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ يُخْرِجُهُ اهـ. وَالِاعْتِرَاضُ الثَّانِي ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا نَقَلْنَا عِبَارَتَهُ قَالَ سم وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَدْفُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ وَاحِدٌ فَالتَّعْرِيفَانِ حِينَئِذٍ مُتَسَاوِيَانِ فِي أَدَاءِ الْمُرَادِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ فَتَمَّ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَدَّعِ لُزُومَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِمَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ بَلْ حَاصِلُ كَلَامِهِ حِكَايَةُ أَمْرٍ وَاقِعٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ زَادَ مَا ذُكِرَ قَاصِدًا بِزِيَادَتِهِ الْإِدْخَالَ وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا أَنَّ الْإِدْخَالَ مُتَوَقِّفٌ فِي الْوَاقِعِ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَوَّلًا فَأَمْرٌ آخَرُ وَلَوْ سَلِمَ فَالْمُرَادُ مَا يُدْخِلُهُ إدْخَالًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ لَا يَلِيقُ بِالْحُدُودِ فَلَا يُنَافِي دُخُولَهُ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ قِيلَ بَعْضُ مَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَيُشْكِلُ قَوْلُهُ مَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ زَادَ إلَخْ مِنْ لَازِمِهِ صِيَغُ الْعُمُومِ وَالْحُكْمُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُ قُلْنَا الْحُكْمُ عَلَى الْعَامِّ قَدْ يَكُونُ عَلَى مَجْمُوعِ أَفْرَادِهِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُ وَكَلَامُ الشَّارِحِ جَارٍ عَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِ مَنْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَالتَّقْدِيرُ وَفَرِيقٌ جَعَلَهُ مِنْهُ زَادَ إلَخْ فَلَا يَلْزَمُ الْعُمُومُ. اهـ. مُلَخَّصًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كَلِمَةَ مَنْ لِلْعُمُومِ الِإِفْرَادِيِّ لَا لِلْعُمُومِ الْمَجْمُوعِيِّ وَقَدْ قَالُوا إنَّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَالْحُكْمُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِفْرَادِ دُونَ الْمَجْمُوعِ وَيَرُدُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى جَمِيعُ مَنْ جَعَلُوهُ مِنْهُ زَادُوا إلَخْ وَهُوَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْتِزَامِهِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لِلْخِطَابِ الشَّامِلِ لِخِطَابِ التَّكْلِيفِ وَخِطَابِ الْوَضْعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ وَقَدْ أَوْرَدَ التَّفْتَازَانِيُّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ فِي التَّلْوِيحِ. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَلُّقِ الْوَضْعِيِّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُجْعَل فِعْلُ الْمُكَلَّفِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا مَثَلًا لِشَيْءٍ أَوْ يُجْعَلَ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا مَثَلًا لَهُ وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَرْتَضِ هَذَا الْجَوَابَ لِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ التَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الضِّمْنِيَّ بِكَوْنِ الزَّوَالِ سَبَبًا لِلظُّهْرِ مَثَلًا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ أَوَّلًا بِالذَّاتِ بِالزَّوَالِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُبَيِّنُ وَهُوَ كَوْنُهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَإِنْ تَكَلَّفْنَا بِجَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِالْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبَيِّنُ فِي الْجُمْلَةِ

وَاسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ ثَمَّ لِلْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ كَوْنُ الزَّوَالِ سَبَبًا لَهُ فَالْوُجُوبُ لَيْسَ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ وَإِنَّمَا فِعْلُهُ نَفْسُ الظُّهْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى تَعَلُّقِهِ بِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَا يَشْمَلُ أَيْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ الْخَالِي عَنْ التَّكَلُّفِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِالْحُدُودِ وَإِلَّا بِطَرِيقَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِدُونِ ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى ارْتِكَابِهِ الثَّانِي أَنَّا إذَا اعْتَمَدْنَا عَلَى هَذَا التَّكَلُّفِ نَقُولُ إنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ يَكُونُ الزَّوَالُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ كَمَا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ الظُّهْرُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ التَّكَلُّفِ تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الزَّوَالِ عَلَى وَجْهٍ خَالٍ عَنْ التَّكَلُّفِ حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ. وَكُلٌّ مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ حُكْمٌ وَضْعِيٌّ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ مَقْصُودٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ تَنَاوَلَ التَّعَلُّقَ الْأَوَّلَ لَا يَتَنَاوَلُ الثَّانِيَ قَطْعًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ مَا مُتَعَلِّقُهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ كَالزَّوَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ أَيْ لَا يَشْمَلُ هَذَا الْوَضْعَ الْخَاصَّ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِخُصُوصِ مَا لَيْسَ بِفِعْلٍ تَعَلُّقًا خَالِيًا عَنْ التَّكَلُّفِ بِأَنْ يُلَاحَظَ تَعَلُّقُهُ بِهِ ابْتِدَاءً وَعَدَمُ شُمُولِهِ لِذَلِكَ لَا يَنْدَفِعُ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيَانُ مُتَعَلِّقِ آخِرِ الْخِطَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِخُرُوجِ الْخِطَابِ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ مُتَعَلِّقَيْهِ لَا سِيَّمَا مَعَ كَوْنِ تَعَلُّقِهِ بِهِ ظَاهِرًا لَا يَنْدَفِعُ بِبَيَانِ دُخُولِهِ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ الْآخَرِ لَا سِيَّمَا مَعَ كَوْنِ تَعَلُّقِهِ بِهِ فِيهِ تَكَلُّفٌ وَلَا يُدْفَعُ فِي اعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ التَّعَلُّقَيْنِ وَكَوْنُ الْخِطَابِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ بِخُصُوصِهِ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ الْوَضْعِ اتِّحَادُ الْخِطَابِ وَإِلَّا لَزِمَ امْتِنَاعُ تَعَدُّدِ الْحُكْمِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَعَدَّدَ فِيهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقَاتِهِ لَا يُقَالُ شَرْطُ مُتَعَلِّقِ الْوَضْعِ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا فَغَيْرُهُ وَإِنْ وَقَعَ مُتَعَلِّقًا فِي الظَّاهِرِ لَا يَكُونُ الْخِطَابُ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ الْوَضْعِيَّاتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا بَاطِلٌ لِتَصْرِيحِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِهِ حَتَّى ابْنِ الْحَاجِبِ نَفْسِهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ هُوَ بِمَا لَيْسَ فِعْلًا فَقَطْ بَلْ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا مُتَعَلِّقُهُ غَيْرُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ شَامِلٌ لِمَا لَيْسَ فِعْلًا أَصْلًا كَالزَّوَالِ وَلِمَا هُوَ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ الْمُتَعَلِّقَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَشْمَلُهُ التَّعْرِيفُ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ لِقَيْدِهِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لَا يُقَالُ بَلْ يَشْمَلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْمُكَلَّفِ أَعْنِي الْإِنْسَانَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا اعْتِبَارَ لِمِثْلِ هَذَا فِي غَيْرِ التَّعْرِيفِ لِعَدَمِ انْفِهَامِهِ مِنْ اللَّفْظِ فَكَيْفَ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى مَا مُتَعَلِّقُهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِجِنْسِ الْمُكَلَّفِ مُطْلَقُ الْحَيَوَانِ إذْ لَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ عَاقِلٌ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ سم. وَأَقُولُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّكَلُّفِ فِي جَوَابِ التَّفْتَازَانِيِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ مَا تَكَلَّفَهُ فِي إيرَادَاتِهِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى هَذَا الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَعْمَلَ الْمُصَنَّفُ) السِّينُ فِيهِ لَيْسَتْ لِلطَّلَبِ بَلْ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ أَيْ أَعْمَلَ بِمَعْنَى أَطْلَقَ (وَقَوْلُهُ كَغَيْرِهِ) تَقْوِيَةٌ وَسَنَدٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ أَوْ حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ طَلَبُ الْعَمَلِ كَالِاسْتِخْرَاجِ وَالِاسْتِغْفَارِ طَلَبُ الْخُرُوجِ وَالْمَغْفِرَةِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَعْنَى الطَّلَبِ يَبْقَى مَعْنًى لَا الْأَعْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ لِلْكَلَامِ كَبِيرُ مَعْنًى فَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ طَلَبٌ مَجَازِيٌّ أَيْ جُعِلَ عَامِلًا فِي الْمَكَانِ مُفِيدًا لَهُ كَأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الْعَمَلُ وَالْإِفَادَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّأْكِيدِ هَاهُنَا نَعَمْ السِّينُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمُضَارِعِ فِي نَحْوِ حَدِيثِ «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» الْحَدِيثَ قَالُوا إنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ وَبَيَّنُوا بِأَنَّ هَذَا الِافْتِرَاقَ وَاقِعٌ أَلْبَتَّةَ فَالتَّأْكِيدُ فِيهِ ظَاهِرٌ دُونَ مَا هُنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِلْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ) عَدَّى اسْتَعْمَلَ بِاللَّامِ إمَّا لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى اسْتَعَارَ أَوْ هِيَ بِمَعْنَى فِي، ثُمَّ إنَّ عَلَامَةَ هَذَا الْمَجَازِ الْمُشَابَهَةُ فَإِنَّ الْمَعْنَى مَحَلٌّ لِتَرَدُّدِ الْفِكْرِ وَجَوْلَاتِهِ كَالْمَكَانِ وَالْقَرِينَةَ اسْتِحَالَةَ كَوْنِ الْمَعْنَى مَكَانًا كَذَا قَرَّرَ سم وَمَنْ اعْتَبَرَ الْمُشَابَهَةَ فِي أَنَّ كُلًّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُكْمِ خِطَابَ اللَّهِ يَنْبَنِي عَلَيْهِ قَوْلُنَا لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ كَمَا إنَّ الْمَكَانَ الْحِسِّيَّ يَنْبَنِي عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابَ الْمَحَزَّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَرَتُّبُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ عَلَى التَّعْرِيفِ السَّابِقِ فَهُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَجَوُّزٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ هُنَا فِي الْقَرِيبِ بِعَلَاقَةِ الضِّدْيَةِ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا

كَثِيرًا وَيُبَيِّنُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ كَمَا سَيَأْتِي. فَقَوْلُهُ هُنَا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ خِطَابُ اللَّهِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجَازِ قَوْلُهُ مِنْ هُنَا وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْمُشَارِ بِهِ لِلْبَعِيدِ لِحَمْلِهِ عَلَى التَّجَوُّزِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْنَى غَيْرُ مَحْسُوسٍ فَكَأَنَّهُ بَعِيدٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ انْقِضَاءِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ لَفْظَةِ مِنْ هُنَا وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيُبَيَّنُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ثَمَّ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى أَزْيَدَ مِنْ مَشَارِبِهَا إلَيْهِ لُوحِظَ فِيهِ كَوْنُهُ مَكَانًا وَأَمَّا بَيَانُ ذَاتِهِ فَبِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا. . (قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ هُنَا وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) الْقَوْلُ بِمَعْنَى الْمَقُولِ مُبْتَدَأٌ وَهُنَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى الْقَوْلِ بِمَعْنَى الْمَقُولِ وَقَوْلُهُ أَيْ مِنْ هُنَا جَعَلَهُ النَّاصِرُ خَبَرًا عَنْ الْقَوْلِ بِإِقَامَتِهِ أَيْ مَقَامَ قَوْلِنَا مَعْنَاهُ وَأَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ إذْ إرَادَةُ مَعْنَاهُ مِنْ لَفْظَةِ " أَيْ " بَعِيدٌ جِدًّا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ يُقَالُ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ أَيْ وَمِنْ هُنَا أَيْ هَذَا اللَّفْظُ. (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَقُولُ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَارَ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلٍ مُقَدَّرٍ وَجُمْلَةُ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ مَفْعُولُهُ وَلَك أَنْ تَجْعَلَ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ أَيْ قَضِيَّةُ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ نَاشِئَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَامِلُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَنَّ الْمُعَلَّلَ لَا يَكُونُ إلَّا فِعْلًا وَلَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْوَاقِعِ خِطَابَ اللَّهِ أَنْ نَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الِاعْتِقَادُ أَيْ مِنْ أَجْلِ اعْتِقَادِ أَنَّ الْحُكْمَ خِطَابُ اللَّهِ نَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَجَعَلَ الشَّارِحُ مِنْ تَعْلِيلِيَّةً لَا ابْتِدَائِيَّةً مَعَ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْمَكَانِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِثَمَّ لِتَخَلُّفِ ضَابِطِ الِابْتِدَائِيَّةِ فِيهِ فَإِنَّ الرِّضَا يَقُولُ إنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِمِنْ الِابْتِدَائِيَّةِ شَيْئًا مُمْتَدًّا كَالسَّيْرِ وَيَكُونُ الْمَجْرُورُ بِهَا الشَّيْءَ الْمُبْتَدَأَ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِهَا أَصْلًا لِلشَّيْءِ الْمُمْتَدِّ نَحْوَ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ فَإِنَّ الْخُرُوجَ لَيْسَ شَيْئًا مُمْتَدًّا إذْ هُوَ الِانْفِصَالُ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ خُطْوَةٍ وَتُعْرَفُ بِأَنْ يَحْسُنَ فِي مُقَابَلَتِهَا إلَى أَوْ مَا يُفِيدُ فَائِدَتَهَا نَحْوُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَلْتَجِئُ إلَيْهِ فَالْبَاءُ هُنَا أَفَادَتْ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ اهـ. ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ هُوَ الِاعْتِقَادُ لَا التَّلَفُّظُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ وَالِاعْتِقَادُ لَيْسَ أَمْرًا مُمْتَدًّا وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ أَصْلًا لِأَمْرٍ مُمْتَدٍّ إلَّا بِتَكَلُّفٍ كَمَا لَا يَظْهَرُ أَصْلُ مُقَابَلَةِ مِنْ هُنَا بِإِلَى أَوْ مَا يُفِيدُ فَائِدَتَهَا فَضْلًا عَنْ حُسْنِ مَوْقِعِهَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ أَيْضًا بِخِلَافِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ لَا تَكَلُّفَ فِيهِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ إنَّ التَّعْلِيلَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِصِحَّةِ الِابْتِدَاءِ بَلْ هُوَ أَظْهَرُ لِلْمُنَاسِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِنَا بِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ أَنَّا نَقُولُ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ فَلَا حُكْمَ عِنْدَنَا لِلْعَقْلِ بِحُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا أَخَذْنَا الْخِطَابَ جِنْسًا يَتَنَاوَلُ الْمَخْلُوقَ وَغَيْرَهُ وَبِإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ خَرَجَ خِطَابُ مَنْ سِوَاهُ فَلَا حُكْمَ إلَّا خِطَابُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ غَيْرُ وَافِيَةٍ بِإِيضَاحِ هَذَا الْمَحَلِّ اهـ. وَمُرَادُهُ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَعُمُّ مِنْ تَعْرِيفِنَا الْحُكْمَ بِمَا ذُكِرَ أَنْ نَقُولَ إلَخْ فَنُوَجِّهُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ وَعِلْمِ هَذَا الْقَوْلِ السَّابِقِ لِلْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ لَا الْمُطْلَقِ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَ الْحُكْمِ مَخْصُوصًا هُوَ خِطَابُ اللَّهِ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ أَنْ لَا حُكْمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا لِلَّهِ كَمَا أَفَادَتْهُ لَا الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْأَخَصِّ الِاخْتِصَاصُ بِالْأَعَمِّ حَتَّى يَتَفَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ اعْتِقَادُ الثَّانِي. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ نَفْيَ جِنْسِ مُطْلَقِ الْحُكْمِ بَلْ نَفْيَ جِنْسِ الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ أَوْ يُقَالُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فَإِذَا اخْتَصَّ بِهِ تَعَالَى هَذَا الْحُكْمُ الْمَخْصُوصُ لَزِمَ اخْتِصَاصُ الْمُطْلَقِ بِهِ اهـ. وَيَرِدُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ النَّفْيُ بِلَا الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هِيَ لِنَفْيِ جِنْسِ مَا فِيهِ الْكَلَامُ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يُقَالُ إنَّ السُّؤَالَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ بَعْدَ أَنْ عَرَفْت تَأْوِيلَ الْكَمَالِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: فَلَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ) الْمُنَاسِبُ لِعُمُومِ النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ

(لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ) فَلَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْرِيفُ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ أَصْلٌ لِهَذَا الْقَوْلِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ كَيْفَ وَصِحَّةُ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْقَصْرِ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ حُكْمٌ لِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْرِيفُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُحَشِّي فَهِمَ أَنَّ إنْكَارَ الْكَمَالِ مِنْ جِهَةِ التَّصَوُّرِ بِأَنَّ التَّصَوُّرَ الْمُسْتَفَادَ بِالتَّعْرِيفِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَبْدَأً لِلْحُكْمِ فَقَالَ لَيْسَ الْعِلَّةُ التَّعْرِيفَ الَّذِي هُوَ التَّصَوُّرُ بَلْ التَّصْدِيقُ الضِّمْنِيُّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ التَّعْرِيفِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَنَا لَا حُكْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَنَّ الْحُكْمَ خِطَابُ اللَّهِ تَصَوُّرًا وَتَصْدِيقًا فَإِنَّ مَنْ جَوَّزَ الْحُكْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ الْحُكْمَ خِطَابُ اللَّهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُكْمِ خِطَابَ اللَّهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ وَأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِاَللَّهِ فَمَعْرِفَتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا لِلِاخْتِصَاصِ بَلْ الِاخْتِصَاصُ أَصْلٌ لَهُ، ثُمَّ اعْتَرَضَ الْمُحَشِّي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّعْرِيفُ السَّابِقُ أَنَّ الْحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ هُوَ خِطَابُ اللَّهِ لَا مُطْلَقُ الْحُكْمِ الشَّامِلِ لِلتَّكْلِيفِيِّ وَالْوَضْعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا حُكْمَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ يَتَضَمَّنُ حُكْمَيْنِ إثْبَاتٌ وَنَفْيٌ وَالنَّفْيُ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنَّهُ أَرَادَ التَّنْصِيصَ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ إذْ هُوَ مُنْحَصِرٌ فِي الْوَاقِعِ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ فَقَطْ وَمَعْنَى حُكْمِ الْعَقْلِ عِنْدَهُمْ أَيْ إدْرَاكُهُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى

فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ يَتْبَعُهَا حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ وَقَوْلُهُ أَيْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِمَّا سَيَأْتِي عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْ بَعْضِهِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَلِمَا شَارَكَهُ فِي التَّعْبِيرِ بِهِمَا عَنْهُ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ وِفَاقًا بَدَأَ بِهِ تَحْرِيرًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ فَقَالَ (الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ) لِلشَّيْءِ (بِمَعْنَى: مُلَاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ) كَحُسْنِ الْحُلْوِ وَقُبْحِ الْمُرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ وَلَيْسَ الْعَقْلُ مُسْتَبِدًّا بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا لِلْعَقْلِ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَلْ جَعَلُوهُ طَرِيقًا إلَى الْعِلْمِ بِهِ يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ سَمْعٍ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عِنْدَهُمْ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فَمَا كَانَ حَسَنًا عَقْلًا جَوَّزَهُ الشَّرْعُ وَمَا كَانَ قَبِيحًا عَقْلًا مَنَعَهُ الشَّرْعُ فَالشَّرْعُ عِنْدَهُمْ تَابِعٌ لِلْعَقْلِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ إنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ فِيمَا أَدْرَكَهُ مِنْ حُسْنِ الْأَشْيَاءِ وَقُبْحِهَا وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ الْحَسَنَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَالْقَبِيحَ مَا قَبَّحَهُ. (قَوْلُهُ: مِمَّا سَيَأْتِي عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ) أَيْ مِنْ تَرْتِيبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ عَاجِلًا وَالثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ آجِلًا عَلَى الْفِعْلِ وَمِنْ وُجُوبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ إلَخْ مَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ الْمُعَبَّرِ نَعْتٌ لِمَا وَضَمِيرُ بَعْضِهِ يَعُودُ لِمَا وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْبَعْضِ تَرَتُّبُ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ وَالثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ عَلَى الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ أَيْ الْعَقْلِيَّيْنِ وَهَلْ مَحَلُّ النِّزَاعِ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ فَقَطْ أَوْ يَعُمُّ التَّكْلِيفِيَّ وَالْوَضْعِيَّ؟ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْعَضُدِ وَالشِّهَابِ الْعُمُومُ. (قَوْلُهُ: وَلِمَا شَارَكَهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي شَارَكَهُ وَفِي عَنْهُ يَرْجِعَانِ لِبَعْضٍ وَيَصِحُّ رُجُوعُ ضَمِيرِ عَنْهُ لِمَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ وَهُوَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَفْظًا لَكِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ رُتْبَةً؛ لِأَنَّهُ فَاعِلُ شَارَكَ وَضَمِيرُ بِهِمَا عَائِدٌ عَلَى الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مَا الْفَائِدَةُ فِي تَقْسِيمِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ إلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْمَعْنَى الثَّالِثِ وَاعْتَرَضَ الشِّهَابُ وَالنَّاصِرُ قَوْلَ الشَّارِحِ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ الْوَاجِبُ حَذْفَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِمَا عَنْهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَتَكَلَّفَ سم فِي الْجَوَابِ بِمَا أَثَرُ الْكُلْفَةِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وِفَاقًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَحْكُمُ وَقَوْلُهُ بَدَأَ بِهِ أَيْ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ وِفَاقًا. (قَوْلُهُ: لِلشَّيْءِ) لَمْ يَقُلْ وَالْحُسْنُ لِلشَّيْءِ وَالْقُبْحُ لَهُ مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ اخْتِصَارًا

(وَ) بِمَعْنَى (صِفَةِ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ) كَحُسْنِ الْعِلْمِ وَقُبْحِ الْجَهْلِ (عَقْلِيٌّ) أَيْ يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ اتِّفَاقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوُضُوحِ الْمَقَامِ وَإِيمَاءً إلَى أَنَّهُ قَدْ يُوصَفُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا يَأْتِي فِي الصِّدْقِ الضَّارِّ وَالْكَذِبِ النَّافِعِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مُلَائِمَةِ الطَّبْعِ) فَمَا وَافَقَ الطَّبْعَ فَحَسَنٌ وَمَا نَافَرَهُ فَقَبِيحٌ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَبِيحًا وَلَا حَسَنًا وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِهَذَا الْمَعْنَى بِالْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ فَيُقَالُ الْحَسَنُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَالْقَبِيحُ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَمَا خَلَا عَنْهُمَا لَا يَكُونُ شَيْئًا مِنْهُمَا وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ مِنْ مُلَابَسَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ لِصِدْقِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِمَا بَعْدَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَتَمَامِيَّةُ هَذَا الْوَجْهِ تَنْبَنِي عَلَى جَعْلِ الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الشَّامِلِ لَهَا مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا وَهُوَ الظَّاهِرُ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ مِنْ مُلَابَسَةِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى بِمَعْنَى مُصَاحَبَتِهِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَالْمُرَادُ لَفْظُ الْحُسْنِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ أَنَّهُ بِصَدَدِ بَيَانِ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلِمَا شَارَكَهُ فِي التَّعْبِيرِ إلَخْ وَكَأَنَّهُ قَالَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ يُطْلَقُ بِالْإِطْلَاقَاتِ الثَّلَاثَةِ كَذَا وَكَذَا إلَخْ لَكِنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ لِصِحَّةِ الْحَمْلِ أَيْ مَعْنَاهُمَا عَقْلِيٌّ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ بِمَعْنَى عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ حَالٌ إمَّا مِنْ الْحُسْنِ أَوْ الْقُبْحِ عَلَى تَجْوِيزِ سِيبَوَيْهِ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ أَوْ مِنْ مَرْفُوعٍ عَقْلِيٍّ، وَإِضَافَةُ مَعْنَى لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ وَإِضَافَةُ مُلَائِمَةٍ لِلطَّبْعِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ. وَكَذَا الْمُنَافَرَةُ وَزَادَ لَفْظُ الْمَعْنَى حَتَّى فَاتَهُ الِاخْتِصَارُ الْمَقْصُودُ لَهُ وَلَزِمَ ارْتِكَابُ خِلَافِ مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ بَيَانِيَّةِ الْإِضَافَةِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ بِمُلَاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَدْخُولَ الْبَاءِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْقُبْحِ وَالْحُسْنِ وَلَوْلَا زِيَادَتُهُ لَمْ يُفْهَمْ ذَلِكَ وَعَلَيْك بِالِاعْتِبَارِ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ جَرَيَانِ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَاعْتَبِرْ (قَوْلُهُ: وَبِمَعْنَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَقَعَتْ فِي مَتْنِ الْمَوَاقِفِ أَيْضًا فَقَالَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ يُقَالُ لِمَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: صِفَةُ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ فَقَالَ السَّيِّدُ أَيْ كَوْنُ الصِّفَةِ صِفَةَ كَمَالٍ وَكَوْنُ الصِّفَةِ صِفَةَ نُقْصَانٍ يُقَالُ الْعِلْمُ حَسَنٌ أَيْ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهِ كَمَالٌ وَارْتِفَاعُ شَأْنٍ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ أَيْ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهِ نُقْصَانٌ وَاتِّضَاعُ حَالٍ اهـ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّوْضِيحِ الْمَعْنَى الثَّانِي كَوْنُهُ صِفَةَ كَمَالٍ وَكَوْنُهُ صِفَةَ نُقْصَانٍ. اهـ. قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّلْوِيحِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى الْعِلْمُ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ اهـ. فَالْمُرَادُ مِنْهُ صِفَةُ كَمَالٍ لِلشَّخْصِ وَصِفَةُ نُقْصَانٍ لَهُ وَهِيَ الْمَلَكَاتُ الْفَاضِلَةُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَرَمِ وَالْحِلْمِ وَالنَّقْصُ نَقَائِضُهَا إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت اتِّجَاهَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الشِّهَابُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَبِمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ صِفَةَ كَمَالٍ أَوْ نَقْصٍ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ نَفْسَهَا هِيَ الشَّيْءُ الْمُتَّصِفُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَمَا تَكَلَّفَ بِهِ سم فِي رَدِّ اعْتِرَاضِهِمَا بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً فَتَكُونُ الصِّفَةُ هِيَ عَيْنُ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ الْحُسْنَ كَمَالٌ لِشَيْءٍ مَا كَيْفَ وَكَمَالُ الْجَهْلِ أَقْبَحُ مِنْ نَقْصِهِ وَكَذَلِكَ كَمَالُ كُلٍّ شَرٍّ نَقْصٌ. وَأَمَّا مَا تَمَسَّكَ بِهِ مِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ وَكَلَامِ الْمَوَاقِفِ فَلَا يُفِيدُهُ بَلْ عِبَارَةُ حَاشِيَةِ الْعَضُدِ مُجْمَلَةٌ عَلَى عِبَارَتِهِ الْمُفَصِّلَةِ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ كَيْفُ وَقَرِينَةُ هَذَا الْحَمْلِ صَرْفُهُ عِبَارَةَ مَتْنِ الْمَوَاقِفِ الْمُوَافَقَةِ لِمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ عَنْ ظَاهِرِهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ اتِّفَاقًا) أَيْ يَصْدُقُ بِهِ وَيُدْرِكُهُ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى وُرُودِ شَرْعٍ، ثُمَّ إنَّ الْمُدْرَكَ إمَّا كُلِّيٌّ وَإِمَّا جُزْئِيٌّ وَالثَّانِي إمَّا صُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ وَإِمَّا

(وَبِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمَدْحِ) وَ (الذَّمِّ عَاجِلًا) وَالثَّوَابِ (وَالْعِقَابِ آجِلًا) كَحُسْنِ الطَّاعَةِ وَقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ (شَرْعِيٌّ) أَيْ لَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا الشَّرْعُ الْمَبْعُوثُ بِهِ الرُّسُلُ أَيْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَانٍ مُنْتَزَعَةٌ مِنْهَا وَمُدْرِكُ الْكُلِّيَّاتِ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ وَهِيَ الْقُوَّةُ الْعَاقِلَةُ وَمَا عَدَاهَا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا مُرْتَسِمَةٌ فِي آلَاتِهَا وَمُدْرِكُ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةِ الْقُوَّةُ الْوَاهِمَةُ وَمُدْرِكُ صُوَرِ الْمَحْسُوسَاتِ هُوَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ وَمَا قِيلَ هُنَا إنَّ إسْنَادَ الْإِدْرَاكِ لِلْعَقْلِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مِنْ بَابِ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى آلَتِهِ فَإِنَّ الْمُدْرِكَ حَقِيقَةً هُوَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ فَمَعْنَى عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ هُوَ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ الَّذِينَ الْكَلَامُ بِاصْطِلَاحِهِمْ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى (قَوْلُهُ: وَبِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمَدْحِ إلَخْ) إنْ أُرِيدَ بِتَرْتِيبِ ذَلِكَ حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ قُدِّرَ فِي الْكَلَامِ مُضَافٌ أَيْ اسْتِحْقَاقُ تَرَتُّبِ إلَخْ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ اسْتِحْقَاقُ التَّرَتُّبِ لَا نَفْسُهُ لِجَوَازِ تَخَلُّفِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّرْتِيبِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لَا حُصُولَهُ بِالْفِعْلِ فَلَا تَقْدِيرَ وَعَاجِلًا وَآجِلًا ظَرْفَانِ لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ أَوْ لِلتَّرْتِيبِ إنْ كَانَ بِمَعْنَى لِحُصُولٍ بِالْفِعْلِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ الْمُقَدَّرِ وَلَا لِلتَّرْتِيبِ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ بِالنَّظَرِ إلَى الظَّرْفِ الثَّانِي لِتَحَقُّقِهِمَا فِي الْحَالِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: كَحُسْنِ الطَّاعَةِ) يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ لِتَرَتُّبِ الْمَدْحِ عَاجِلًا وَالثَّوَابِ آجِلًا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ وَقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَرَامِ فَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ حِينَئِذٍ وَاسِطَةٌ. (قَوْلُهُ: شَرْعِيٌّ) أَيْ مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّرْعِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ خِطَابُ اللَّهِ وَرَدَ بِالْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ بِكَوْنِ شَيْءٍ سَبَبًا لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ إلَخْ حَتَّى يَعْتَرِضَ أَنَّ هَذَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا حُكْمَ بِهِ إلَّا الشَّرْعُ) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَضِيَّةَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ فِي جُزْأَيْ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ الْمُفَادِ بِطَرِيقِ الْحَصْرِ حَتَّى يَكُونَ مَا أَثْبَتَهُ الْمُخَالِفُ لِلْعَقْلِ هُوَ مَا أَثْبَتْنَاهُ لِلشَّرْعِ مَعَ أَنَّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُخَالِفُ إنَّمَا هُوَ إدْرَاكُ الْعَقْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي أُثْبِتَ لِلشَّرْعِ فِي الْجُمْلَةِ الْحَصْرِيَّةِ كَوْنُهُ حَاكِمًا فَلَمْ يَتَّحِدْ مَوْرِدُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْخَصْمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ فِي كِلَا جُزْأَيْ الْحَصْرِ هُوَ الْإِدْرَاكُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالشَّرْعِ أَيْ لَا يَكُونُ وَاسِطَةً فِي إدْرَاكِهِ أَيْ إنَّهُ طَرِيقٌ إلَى إدْرَاكِهِ لَا كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّ طَرِيقَ إدْرَاكِهِ الْعَقْلُ فَظَهَرَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ لَا يَحْكُمُ إلَخْ تَجَوُّزٌ فِي الظَّرْفِ عِلَاقَتُهُ اللُّزُومُ أَوْ السَّبَبِيَّةُ وَجُعِلَ التَّجَوُّزِ عَقْلِيًّا مِنْ قَبِيلِ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى مَكَانِهِ الْمَجَازِيِّ لِاشْتِمَالِ الشَّرْعِ عَلَى الْحُكْمِ اشْتِمَالَ الْكُلِّ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ حَذْفِيًّا أَيْ ذُو الشَّرْعِ لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا أَتَى بِالْحَصْرِ هُنَا دُونَ الْعَقْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الشَّرْعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ أَيْضًا وَلَا مَدْخَلَ عِنْدَنَا لِلْعَقْلِ فِي الشَّرْعِيِّ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا الشَّارِعُ مَعَ أَنَّهُ دَافِعٌ لِلتَّجَوُّزِ فِي الْمُسْنَدِ وَهُوَ " يَحْكُمُ " وَالْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَهُوَ الشَّارِعُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا الشَّرْعُ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّجَوُّزِ فِيهِمَا مُحَافَظَةً عَلَى ذِكْرِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْمَنْسُوبِ. (قَوْلُهُ: الْمَبْعُوثُ بِهِ الرُّسُلُ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْكَشْفُ وَالْبَيَانُ فَالشَّرْعُ أَعَمُّ مِنْ الْمَبْعُوثِ بِهِ الرُّسُلُ لِمَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ

(خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ عَقْلِيٌّ أَيْ يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ لِمَا فِي الْفِعْلِ مِنْ مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ يَتْبَعُهَا حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ يُدْرِكُ الْعَقْلُ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ كَحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الْكَذِبِ الضَّارِّ أَوْ بِالنَّظَرِ كَحُسْنِ الْكَذِبِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الصِّدْقِ الضَّارِّ وَقِيلَ الْعَكْسُ وَيَجِيءُ الشَّرْعُ مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ أَوْ بِاسْتِعَانَةِ الشَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيِّ وَالرَّسُولِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاحْتِرَازُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَاكِمٌ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ لِرَسُولٍ أَوْ نَبِيٍّ لَيْسَ بِرَسُولٍ فَالْوَجْهُ تَرْكُ هَذَا الْقَيْدِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ نَظَرًا لِكَثْرَةِ حَمْلِهِ شَرْعَ الرُّسُلِ الْآخِذِينَ لِلْأَحْكَامِ مِنْهُمْ وَبِأَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْمَارِّ أَعْنِي اسْتِوَاءَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ وَهُوَ مَعْنَى الرَّسُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ حُذِفَ عَامِلُهُ أَيْ نُخَالِفُ خِلَافًا أَوْ هُوَ حَالٌ بِتَأْوِيلِهِ بِ " مُخَالِفًا " وَقَوْلُهُ فِي قَوْلِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ الْعَامِلِ فِي " خِلَافًا " وَالْأَصْلُ تَخَالَفَ خِلَافًا بِقَوْلِنَا إنَّهُ شَرْعِيٌّ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ عَقْلِيٌّ وَضَمِيرُ إنَّهُ يَرْجِعُ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: لِلْمُعْتَزِلَةِ) أَيْ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ كَمَا فِي الْمَنْخُولِ لِلْغَزَالِيِّ قَالَ فِيهِ رَدًّا لَهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَدَلِ أَنْتُمْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ حُسْنَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَقُبْحَهَا مُسْتَدْرَكُ الْعُقُولِ وَأَوَّلُهَا وَنَحْنُ نُنَازِعُكُمْ فِي ذَلِكَ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ فَإِنْ نَسَبُونَا إلَى عِنَادٍ عَكَسْنَا عَلَيْهِمْ دَعْوَاهُمْ، ثُمَّ الْعِنَادُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي شِرْذِمَةٍ يَسِيرَةٍ وَنَحْنُ الْجَمْعُ الْغَفِيرُ وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنَّا التَّوَاطُؤُ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ وَمَرِّ الدُّهُورِ مِنْ غَيْرِ فَرْضِ رُجُوعِ أَحَدٍ مِنَّا إلَى الْإِنْصَافِ وَلَنَا فِي تَحْقِيقِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ اعْتِدَاءٌ يُجَانِسُ الْفِعْلَ الْمُسْتَوْفَى قِصَاصًا فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَافِلَ عَنْ الْمُسْتَنِدِ فِيهِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بَيْنَهُمَا وَالْمُخْتَلِفَانِ فِي صِفَةِ الذَّاتِ يَسْتَحِيلُ اشْتِبَاهُهُمَا وَتَجَانُسُهُمَا وَكَذَا يُقَالُ فِي النِّكَاحِ وَالزِّنَا. (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْفِعْلِ مِنْ مَصْلَحَةٍ) قَالَ الشِّهَابُ قَدْ يُشَكَّكُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحَاكِمَ الْعَقْلُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَلَى الْفِعْلِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ فَهُوَ حُكْمٌ بِذَلِكَ لِوَسَطٍ إذْ هُوَ مَا يُقْرَنُ بِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ يُقَالُ؛ لِأَنَّهُ كَذَا وَكُلُّ حُكْمٍ كَذَلِكَ فَهُوَ نَظَرِيٌّ فَتَقْسِيمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إلَى ضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ مِنْ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِوَسَطٍ لَا يُنَافِي الضَّرُورَةَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُنَافِيهَا إذَا كَانَ بِتَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَالِانْتِقَالِ مِنْهَا إلَى الْمَطْلُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ زَوْجٌ ضَرُورِيٌّ مَعَ أَنَّهُ لَوْ سُلِّطَ مُقَارِنٌ لَهَا فِي الْإِدْرَاكِ وَهُوَ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ بِمُتَسَاوِيَيْنِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الضَّرُورِيَّاتِ قَدْ تَحْتَاجُ لِوَسَطٍ بِدُونِ حَرَكَةٍ فَكِّرْ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّشْكِيكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يُدْرِكُ الْعَقْلُ ذَلِكَ أَيْ الْحُسْنَ مَثَلًا لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْنَى يُدْرِكُ الْعَقْلُ ذَلِكَ الَّذِي فِي الْفِعْلِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ فَلَا تَشْكِيكَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: يَتْبَعُهَا حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ) . قَالَ الشِّهَابُ: الْأَوَّلُ يُشِيرُ إلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالثَّانِي يُشِيرُ لِلتَّحْرِيمِ اهـ قَالَ سم أَمَّا إسْقَاطُهُ الْإِبَاحَةَ فَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَشْمَلُهَا إذْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهَا أَوْ تَرْكِهَا مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ. وَأَمَّا تَرْكُهُ الْكَرَاهَةَ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ يَتَرَتَّبُ الْمَدْحُ عَلَى تَرْكِهَا فَيَشْمَلُهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إذْ لَمْ يَرِدْ اشْتِرَاطُ تَرَتُّبِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا أَشْكَلَ عَلَى الشِّهَابِ فِي عَدِّ النَّدْبِ إذْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ عِقَابٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْعَضُدِ مَا يُفِيدُ إدْخَالَ الْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ أَيْضًا عِنْدَهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْفَتْحِ كَوْنَ الْفِعْلِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الذَّمَّ عِنْدَ الْعَقْلِ وَبِالْحُسْنِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ ذَلِكَ وَرُبَّمَا قَيَّدُوهُ بِكَوْنِ الْفِعْلِ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ، ثُمَّ الْقُبْحُ هُوَ مَعْنَى الْحُرْمَةِ وَالْحُسْنُ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ وَتَارِكُهُ الذَّمَّ عِنْدَ الْعَقْلِ فَهُوَ الْوُجُوبُ، وَإِلَّا فَإِنْ اسْتَحَقَّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ فَقَطْ فَهُوَ النَّدْبُ، أَوْ اسْتَحَقَّ تَارِكُهُ الْمَدْحَ فَقَطْ فَهُوَ الْكَرَاهَةُ، أَوْ لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ وَلَا تَرْكِهِ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ فَهُوَ الْإِبَاحَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُدْرِكُ الْعَقْلُ ذَلِكَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى مَرْجِعِ الضَّمِيرِ فِي أَنَّهُ عَقْلِيٌّ وَفِي يَحْكُمُ بِهِ وَهُوَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ بِمَعْنَى التَّرَتُّبِ السَّابِقِ وَفِي قَوْلِهِ أَيْ يُدْرِكُ إلَخْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَعْنَى حُكْمِ الْعَقْلِ إدْرَاكُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ كَالْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْحَاكِمَ حَقِيقَةً هُوَ الشَّرْعُ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْعَقْلَ هَلْ هُوَ كَافٍ فِي مَعْرِفَتِهِ أَوْ لَا

فِيمَا خَفِيَ عَلَى الْعَقْلِ كَحُسْنِ الصَّوْمِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَقُبْحِ صَوْمِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالَ وَقَوْلُهُ وَكَغَيْرِهِ عَقْلِيٌّ وَشَرْعِيٌّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا وَتَرْكُهُ كَغَيْرِهِ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ لِلْعِلْمِ بِهِمَا مِنْ ذِكْرِ مُقَابِلِهِمَا الْأَنْسَبِ كَمَا قَالَ بِأُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْعِقَابَ عِنْدَهُمْ لَا يَتَخَلَّفُ وَلَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ، وَالثَّوَابُ يَقْبَلُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّفْ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: كَحُسْنِ الصِّدْقِ) تَمْثِيلُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَيْ يُدْرِكُ الْعَقْلُ ذَلِكَ أَوْ تَمْثِيلٌ لِإِدْرَاكِ الْعَقْلِ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ إدْرَاكِ حُسْنِ إلَخْ وَالنَّظَرُ فِي حُسْنِ الْكَذِبِ النَّافِعِ إلَى نَفْعِهِ وَفِي قُبْحِ الصِّدْقِ الضَّارِّ إلَى ضَرَرِهِ (وَقَوْلِهِ وَقِيلَ الْعَكْسُ) يَعْنِي قُبْحَ الْكَذِبِ النَّافِعِ وَحُسْنَ الصِّدْقِ الضَّارِّ نُظِرَ فِي الْأَوَّلِ إلَى كَوْنِهِ كَذِبًا وَفِي الثَّانِي إلَى كَوْنِهِ صِدْقًا (وَقَوْلُهُ مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ) أَيْ لِإِدْرَاكِ الْعَقْلِ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِاسْتِعَانَةِ الشَّرْعِ إلَخْ) أَيْ يُدْرِكُ ذَلِكَ بِاسْتِعَانَةِ الشَّرْعِ فِي إدْرَاكِهِمَا لِتَوَقُّفِ إدْرَاكِهِ إيَّاهُمَا عَلَى وُرُودِهِ فَإِنَّهُ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْفِعْلَ جِهَةُ حُسْنٍ أَوْ جِهَةُ قُبْحٍ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ وَقَدْ لَا يُدْرِكُ الْعَقْلُ لَا بِالضَّرُورَةِ وَلَا بِالنَّظَرِ وَلَكِنْ إذَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ عُلِمَ أَنَّ ثَمَّةَ جِهَةً مُحَسِّنَةً كَمَا فِي صَوْمِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ أَوْ جِهَةً مُقَبِّحَةً كَصَوْمِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالَ حَيْثُ حَرَّمَهُ الشَّارِعُ فَإِدْرَاكُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَوْقُوفٌ عَلَى كَشْفِ الشَّرْعِ عَنْهُمَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَمَّا كَشْفُهُ عَنْهُمَا فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ بِهِمَا بِأَمْرِهِ إمَّا بِضَرُورَتِهِ أَوْ بِنَظَرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا خَفِيَ عَلَى الْعَقْلِ) أَيْ مِنْ حُسْنِ الْفِعْلِ أَوْ قُبْحِهِ لِخَفَاءِ مَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ (وَقَوْلُهُ كَغَيْرِهِ إلَخْ) إشَارَةٌ لِسُؤَالَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَفْظِيٌّ وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ الْخَبَرِ الْمُطَابَقَةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا لِإِفْرَادِ الْخَبَرِ وَتَثْنِيَةِ الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ تَرَكَ ذِكْرَ الْمُقَابِلِ فِي جَانِبِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ فَمَا وَجْهُهُ وَفِي قَوْلِهِ: الْأَنْسَبِ إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ مُرَتَّبٍ عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ مَا وَجْهُ تَعَيُّنِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ دُونَ مُقَابِلِهِمَا؟ (قَوْلُهُ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ) وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِأَحَدِهِمَا وَحُذِفَ خَبَرُ الْآخَرِ لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُبْتَدَأِ مُفْرَدًا لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَوْلُهُ أَوْ كِلَاهُمَا أَيْ عَلَى تَقْدِيرِهِ مُفْرَدًا لَفْظًا فَقَطْ (قَوْلُهُ: الْأَنْسَبِ كَمَا قَالَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الْمُقَابِلِ دُونَ عَكْسِهِ لَا قَيْدٌ لِلْمُقَابِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عُلِمَ مِنْ ذِكْرِهِ الْمُقَابِلَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِقَابَ عِنْدَهُمْ لَا يَتَخَلَّفُ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ إنَّمَا يُثْبِتُ نِسْبِيَّةَ مُقَابِلِ الثَّوَابِ فَلَا بُدَّ فِي تَتْمِيمِ الدَّلِيلِ مِنْ مُلَاحَظَةِ أَنَّهُ لَمَّا نَاسَبَ إيثَارَ الثَّوَابِ بِالذِّكْرِ نَاسَبَ إيثَارَ مَا يُنَاسِبُهُ وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَدْحِ الَّذِي هُوَ الذَّمُّ لِلْمُنَاسِبَةِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَخَلَّفْ) أَيْ فَهِيَ أَخَصُّ بِهِمْ وَأَلْصَقُ وَكَانَ الْأَنْسَبُ عِنْدَ إرَادَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إيثَارَهُ بِالذِّكْرِ لِمَزِيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ مُعْتَقِدِهِمْ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ

(وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا عَسَاهُ أَنْ يُقَالَ لَا دَخَلَ لِلْأَخَصِّيَّةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. . (قَوْلُهُ: وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا إنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ بَعْدَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْ تَنَزَّلْنَا مَعَكُمْ وَسَلَّمْنَا جَدَلًا قَوْلَكُمْ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ قَوْلُكُمْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ أَوْرَدَهُمَا لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِذِكْرِهِمَا بَعْدَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَائِدَةٌ لِفَهْمِهَا مِنْهَا اهـ. قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَمَّا أَوَّلًا فَبِأَنَّ التَّنَزُّلَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ قَوْلَ الْمَحْصُولِ وَاعْلَمْ أَنَّا مَتَى بَيَّنَّا فَسَادَ الْقَوْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ فَقَدْ صَحَّ مَذْهَبُنَا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْأَصْحَابَ سَلَّمُوا أَيْ جَدَلًا بِالْقَوْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، ثُمَّ بَيَّنُوا أَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ لَا يَصِحُّ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اهـ. مَا نَصُّهُ اعْلَمْ وَفَّقَك اللَّهُ أَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامَ نَظَرًا وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَازِمًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لُزُومًا قَطْعِيًّا لَا يُتَصَوَّرُ إقَامَةُ الدَّلِيلِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الْقَطْعِيِّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَ تَسْلِيمِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَصْلًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ سَلِمَ اللُّزُومُ الْقَطْعِيُّ لِوُجُوبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَقْلًا وَأَنَّ الْأَشْيَاءَ لَا حُكْمَ لَهَا قَبْلَ الشَّرْعِ بِالْعَقْلِ. وَمَتَى كَانَ اللُّزُومُ الْقَطْعِيُّ وَاقِعًا إمَّا حَقِيقَةً أَوْ بِحُكْمِ التَّسْلِيمِ اسْتَحَالَ تَخَلُّفُ اللَّازِمِ عَنْهُ فَلَا يَقْبَلُ الْمُعَارَضَةَ وَمَتَى كَانَ اللَّازِمُ ظَنِّيًّا وَكَانَ وُقُوعُ الْمَلْزُومِ ظَنِّيًّا كَانَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ قَابِلًا لِلْمُعَارَضَةِ لَكِنْ مَتَى سَلِمَ لَهُمْ قَاعِدَةُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَطْعًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَلَا يُمْكِنُنَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَالصَّوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ لَهُمْ الْقَاعِدَةَ أَصْلًا انْتَهَى وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمَّنْ لَا يَرَى التَّنَزُّلَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَمْ يَسْلُكْ طَرِيقَتَهُ وَبِاحْتِمَالِ ذَلِكَ يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَنَصُّهُ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِخُصُوصِهِمَا مُتَابَعَةٌ لِلْأَصْحَابِ وَاقْتِدَاءٌ بِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ اكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ إلَى التَّنَزُّلِ حَيْثُ أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ مَعَ فَهْمِهِمَا مِمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهُمَا أَوْ قَصَدَ الِاحْتِيَاطَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّنَزُّلُ فَذَكَرَهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ التَّنَزُّلَ وَعَدَمَهُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَمُ لُزُومِ التَّنَزُّلِ لَكَانَ ذِكْرُهُمَا إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْجَدَلِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ نَقْلِ الْخِلَافِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ قَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَخْصِيصِ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْجَدَلِ وَبَيَانِ عَدَمِ تَمَامِ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمُعْتَرِضُ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ تَقْلِيدِ الْأَصْحَابِ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَنْفَعُ وَلَا يُفِيدُ تَأَمَّلْ هَكَذَا اعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَا يَدْفَعُ اعْتِرَاضَهُ حَيْثُ قَالَ: مَسْأَلَةٌ تُرْسَمُ بِشُكْرِ الْمُنْعِمِ؛ شُكْرُ الْمُنْعِمِ لَا يُدْرَكُ وُجُوبُهُ بِالْعَقْلِ عِنْدَنَا وَهَذَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْأَصْلِ الَّذِي سَبَقَ عَقْدُهُ اهـ. فَتَرْجَمَ هَذَا الْأَصْلَ بِمَسْأَلَةٍ مُعْتَرِفًا بِانْدِرَاجِهِ تَحْتَ مَا سَبَقَ عَقْدُهُ وَهُوَ مَسْأَلَةُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ وَكَفَى بِهِ سَلَفًا لِلْمُصَنِّفِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ ذَلِكَ يَعْنِي الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ وَاقِعًا فِي قِسْمِ الضَّرُورِيَّاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مُدْرَكٌ بِالنَّظَرِ عَقْلًا وَالْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ فِي بُطْلَانِ مَا صَارُوا إلَيْهِ أَنَّ الشُّكْرَ تَعَبٌ لِلشَّاكِرِ نَاجِزٌ وَلَا يُفِيدُ الْمَشْكُورَ شَيْئًا فَكَيْفَ يَقْضِي الْعَقْلُ بِوُجُوبِهِ فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ يُفِيدُ الشَّاكِرَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ فِي الْأَجَلِ وَالْعَقْلُ قَاضٍ بِاحْتِمَالِ التَّعَبِ الْعَاجِلِ لِارْتِقَابِ النَّفْعِ الْآجِلِ قُلْنَا كَيْفَ يُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ وَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ الْعَاقِلُ هَذَا وَالْمَشْكُورُ يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيَّ نَفْعُك ابْتِدَاءً وَمَا يَنْفَعُنِي فَأُعَوِّضُك فَإِنْ قِيلَ يَدْرَأُ الشَّاكِرُ بِالشُّكْرِ الْعِقَابَ الْمُرْتَقَبَ عَلَى تَرْكِ الشُّكْرِ قُلْنَا كَيْفَ يُعْلَمُ ذَلِكَ وَالْكُفْرُ وَالشُّكْرُ سِيَّانِ فِي حَقِّ الْمَشْكُورِ اهـ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي الْمُتَأَخِّرَةِ فِي بَيَانِ التَّنَزُّلِ أَنْ يُقَالَ تَنَزَّلْنَا مَعَكُمْ إلَى أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لَكِنْ يَلْزَمُكُمْ أَنْ لَا يَكُونَ الشُّكْرُ عَقْلِيًّا فَإِنَّ الْعَقْلَ إذَا خُلِّيَ وَنَفْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ الْحُسْنَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمُشْتَمِلَ عَلَيْهَا الشُّكْرُ إمَّا أَنْ تَكُونَ رَاجِعَةً لِلْمَشْكُورِ أَوْ إلَى الشَّاكِرِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلُ؛ لِأَنَّ الرَّبَّ

أَيْ وَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِإِنْعَامِهِ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالصِّحَّةِ وَغَيْرِهَا بِالْقَلْبِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِشُكْرِ شَاكِرٍ أَوْ عِبَادَةِ عَابِدٍ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ الْغِنَى الْمُدَلْمَقُ إذْ لَوْ انْتَفَعَ بِذَلِكَ لَزِمَ افْتِقَارُهُ إلَى خَلْقِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ. وَأَمَّا فَلِأَنَّ النِّعْمَةَ الْوَاصِلَةَ إلَى الشَّاكِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُسْدِيهَا وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا لَا تُسَاوِي عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ شُكْرًا فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِالشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ الشُّكْرُ وَاجِبًا فَيَكُونَ الشُّكْرُ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الشِّقِّ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ النِّعْمَةَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْكَمَالُ كَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ مَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الشُّكْرُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَوْضُوعَهَا الشُّكْرُ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَى مَصْنُوعَاتِهِ وَالسَّمْعِ إلَى تَلَقِّي أَوَامِرِهِ وَإِنْذَارِهِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. قَالَ سم بَعْدَ تَسْلِيمِ الشَّارِحِ إنَّ مَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ يَكُونُ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الشَّارِحَ فَرَضَ الْخِلَافَ فِي بَعْضِ صُوَرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ الشُّكْرَ بِالْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَهُ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الشُّكْرِ الْعُرْفِيِّ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الشُّكْرِ الْعُرْفِيِّ بِجَعْلِ أَوْ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَإِدْخَالِ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ صَرْفِ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ لِلطَّاعَةِ فِي قَوْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ أَوْ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ فَيَمْنَعُهُ الشَّارِحُ اُعْتُبِرَ فِي مَعْنَى الشُّكْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يَكُونَ الثَّنَاءُ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ وَالْعُرْفِيُّ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ إنَّ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ الثَّنَاءُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ عُمُومٌ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ فَإِنَّ إطْلَاقَ الثَّنَاءِ عَلَى عَمَلِ اللِّسَانِ حَقِيقَةٌ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ مَجَازٌ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ الذِّكْرُ بِخَيْرٍ فَيَخْتَصُّ بِاللِّسَانِ فَإِنْ مَشَيْنَا عَلَى أَنَّهُ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا تَجَوُّزَ وَيَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ لُزُومُ وُقُوعِ الْمَجَازِ فِي التَّعْرِيفِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا وَهِيَ تَقْسِيمُهُ إلَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُ سم إنَّ الشَّارِحَ فَرَضَ الْخِلَافَ إلَخْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنَّ الشَّارِحَ صَوَّرَ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ بِغَيْرِ وَجْهِهِ. (قَوْلُهُ: لِإِنْعَامِهِ) تَعْلِيلٌ لِلثَّنَاءِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِاعْتِبَارِهِ فِي مَفْهُومِ الشُّكْرَ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ الشُّكْرِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشِّهَابِ إنَّ الشَّارِحَ أَخَذَهُ مِنْ تَرْتِيبِ الشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ إذْ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: بِالْخَلْقِ) قَالَ الشِّهَابُ حَقِيقَةُ الْخَلْقِ الْإِيجَادُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْإِنْعَامِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُنْعَمًا بِهِ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلْقِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَكَذَا الرِّزْقُ إنْ ضُبِطَ بِالْفَتْحِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ فِي الْحَاصِلِ بِهِ أَمْرٌ شَائِعٌ. اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ بِالْخَلْقِ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّنَاءِ وَقَوْلُهُ الرِّزْقِ بِكَسْرِ الرَّاءِ لِإِعْطَائِهِ الرِّزْقَ وَكَذَا الصِّحَّةُ أَيْ يُثْنَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ: بِالْقَلْبِ) مُتَعَلِّقٌ بِالثَّنَاءِ وَقَوْلُهُ بِأَنْ يَعْتَقِدَ تَفْسِيرٌ لِلثَّنَاءِ بِالْقَلْبِ وَتَعَلُّقُ الْإِيجَابِ الَّذِي شَرَطَهُ كَوْنُ مُتَعَلِّقِهِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا بِالِاعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ كَيْفٌ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعَلُّقُهُ بِأَسْبَابِهِ الْمَقْدُورَةِ كَالنَّظَرِ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ إلَخْ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ إذَا أَثْنَى بِقَلْبِهِ عَلَى الْمُنْعِمِ بِغَيْرِ

وَلِيُّهَا أَوْ اللِّسَانِ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ يَخْضَعَ لَهُ تَعَالَى (وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ لَا الْعَقْلِ) فَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. (وَلَا حُكْمَ) مَوْجُودٌ (قَبْلَ الشَّرْعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُفْهِمُ صُدُورَ تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنْهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ شُكْرًا وَكَذَا قَوْلُهُ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ إذَا أَثْنَى بِقَلْبِهِ عَلَى الْمُنْعِمِ بِغَيْرِ مَا يُفْهِمُ صُدُورَ تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنْهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ شُكْرًا أَوْ كَذَا قَوْلُهُ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ إذَا أَثْنَى بِلِسَانِهِ بِغَيْرِ التَّحَدُّثِ الْمَذْكُورِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ شُكْرًا أَوْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الثَّنَاءِ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صُدُورِ تِلْكَ النِّعْمَةِ مِنْ الْمُنْعِمِ وَلَا تَحَدَّثَ بِهَا وَأَنَّ الثَّنَاءَ بِالْقَلْبِ يَصْدُقُ بِنَحْوِ اعْتِقَادِ الْكَمَالِ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ وَالثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ يَصْدُقُ بِنَحْوِ وَصْفِهِ بِالْكَمَالِ لِأَجْلِ الْإِنْعَامِ بَلْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ بِأَنَّ فِي الْمَوْضُوعِينَ عَلَى التَّمْثِيلِ عَلَى مَا هُوَ عَادَتُهُ تَبَعًا لِشَيْخَيْ مَذْهَبِهِ وَيَكُونُ مُخَالَفَةُ الْأُسْلُوبِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَمْثِيلَهُ الثَّنَاءَ بِالْقَلْبِ وَالثَّنَاءَ بِاللِّسَانِ وَالثَّنَاءَ بِغَيْرِهِمَا بِمَا ذَكَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ فَمَنْ تَبْلُغُهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ وَصَلَتْ لَهُ نِعْمَةٌ وَلَمْ يُلَاحِظْ أَنَّ اللَّهَ مُولِيهَا وَلَمْ يَتَحَدَّثْ بِهَا وَلَا وُجِدَ مِنْهُ نَحْوُ خُضُوعٍ أَثِمَ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْفُرُوعِ خِلَافُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْخُطْبَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْحَمْدِ عَلَى النِّعْمَةِ وَاجِبًا أَنَّهُ يَقَعُ وَاجِبًا لَا أَنَّهُ إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَلِيُّهَا) أَيْ مُولِيهَا وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ اللِّسَانِ مِنْ الْجَوَارِحِ وَقَوْلُهُ كَأَنْ يَخْضَعَ إلَخْ تَمْثِيلٌ لِلثَّنَاءِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ لَا لِلْغَيْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كُلُّ ثَنَاءٍ بِفِعْلٍ خُضُوعٌ لِلَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ ثَنَاءً إلَّا إنْ كَانَ خِدْمَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ خِدْمَةٍ خُضُوعٌ فَالْإِتْيَانُ بِالْبَاءِ أَوْلَى اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخُضُوعِ خُصُوصُ سُكُونِ الْأَعْضَاءِ مَهَابَةً مِنْهُ تَعَالَى كَمَا يُفْعَلُ بَيْنَ أَيْدِي الْمُلُوكِ أَوْ تُجْعَلُ الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةً. (قَوْلُهُ: وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ) هَذَا الْكَلَامُ وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ فَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ إلَخْ يَقْضِي بِإِثْمِ مَنْ تَرَكَ الشُّكْرَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْفُرُوعِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى مَنْ غَفَلَ مُطْلَقًا عَنْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلَى النِّعَمِ وَلَمْ يَتَحَدَّثْ بِهَا وَلَا لَاحَظَ الْخُضُوعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَهُ بِأَنْ يُرَادَ الِاعْتِقَادُ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ لَاحَظَ النِّعَمَ أَنَّ مُولِيَهَا هُوَ اللَّهُ وَالتَّحَدُّثُ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إنْ سُئِلَ عَنْ مَوْلَى النِّعَمِ لَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ اللَّهُ وَالْخُضُوعُ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ لَاحَظَ عِزَّةَ اللَّهِ وَعَظَمَتَهُ رَأَى نَفْسَهُ خَاضِعَةً لِذَلِكَ. وَفِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْقَرَافِيِّ أَنَّ شُكْرَ اللَّهِ إطَاعَتُهُ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ أَوْ التَّرْكِ لِلْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ وَأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ الطَّاعَاتُ الْوَاجِبَةُ وَمَا هُوَ مَنْدُوبٌ وَهُوَ الطَّاعَاتُ الْمَنْدُوبَةُ، ثُمَّ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ شُكْرَ اللَّهِ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ الْوَاجِبُ جُزْءُ هَذَا الْمَجْمُوعِ لَا كُلُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشُّكْرَ مَجْمُوعُ الطَّاعَاتِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلُهُ فَظَهَرَ أَنَّ شُكْرَ اللَّهِ غَيْرُ وَاجِبٍ إلَخْ كَلَامٌ غَيْرُ لَائِقٍ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] نَعَمْ الْمَقْصُودُ وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَكِنَّ التَّعْبِيرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الشُّكْرِ، ثُمَّ حَمْلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ غَيْرُ لَائِقٍ، ثُمَّ إنْ صَدَقَ مَعْنَى الشُّكْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إتْيَانِ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَإِلَّا لَمَا وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ. (قَوْلُهُ: فَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ إلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ وَلَوْ دَعْوَتُهُ إلَى الْإِيمَانِ دُونَ وُجُوبِ الشُّكْرِ فَهُوَ آثِمٌ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ شُكْرٌ وَعَبَّرَ هَاهُنَا بِالدَّعْوَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي تَحْقِيقِ الْحُكْمِ مُجَرَّدُ الْبَعْثَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَةِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ إلَى الشَّرْعِ الْمُرْسَلِ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ التَّنْجِيزِيَّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَبْلِيغِهِ وَفِيمَا بَعْدُ بِالْبَعْثَةِ رِعَايَةً لِمَا فِي الْآيَةِ الْمُسْتَدَلِّ بِهَا أَعْنِي قَوْلَهُ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] . . (قَوْلُهُ: وَلَا حُكْمَ) أَيْ لَا حُكْمَ مُتَعَلِّقٌ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ قَدِيمٌ لَا يَنْتَفِي وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ السَّابِقُ تَجَوُّزًا قَالَهُ زَكَرِيَّا وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى خِلَافِ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ

أَيْ الْبَعْثَةِ لِأَحَدٍ مِنْ الرُّسُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ إلَخْ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُصُولِ أَيْ الْعَقَائِدِ وَالْفُرُوعِ فَلَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ وَلَا غَيْرُهُ قَبْلَ إرْسَالِ الرُّسُلِ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَنُقِلَ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ: مَوْجُودٌ) قَالَ الشِّهَابُ التَّصْرِيحُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْخَبَرِ مَعَ كَوْنِهِ اسْتِقْرَارًا عَامًّا فِي الْمَزْجِ الَّذِي يُصَيِّرُ الْمَجْمُوعَ كَلَامًا وَاحِدًا غَيْرُ مُنَاسِبٍ اهـ. وَرَدَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمَزْجِ يُصَيِّرُ الْمَجْمُوعَ كَلَامًا وَاحِدًا حَقِيقَةً مَمْنُوعٌ قَطْعًا وَكَوْنُهُ يُصَيِّرُهُ كَالْكَلَامِ الْوَاحِدِ لَوْ سَلِمَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ، ثُمَّ إنَّ مُتَعَلِّقَ الْخَبَرِ لَمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَادَّةُ الْوُجُودِ فَيُفِيدُ انْتِفَاءَ وُجُودِ نَفْسِ الْحُكْمِ قَبْلَ الشَّرْعِ أَوْ مَادَّةُ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ يُحْتَمَلُ مَعَهُ حُصُولُ نَفْسِ الْحُكْمِ قَبْلَ الشَّرْعِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْمَعْلُومِ احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى بَيَانِهِ حَتَّى يُعْلَمَ الْمَقْصُودُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ قَوْلِهِمْ السُّكُونُ الْعَامُّ يَجِبُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبَ حَذْفِهِ فِي كَلَامٍ لَا يُنَافِي ذِكْرَهُ فِي كَلَامٍ آخَرَ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى بَيَانِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ الشَّارِحُ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقًا بِالْحُكْمِ وَيُقَدَّرُ الْخَبَرُ بَعْدَ الظَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ لَكَانَ مَنْصُوبًا مُنَوَّنًا لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ شَبِيهًا بِالْمُضَافِ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي لَفْظِ حُكْمَ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ لَا مَبْنِيٌّ مَعَهَا عَلَى الْفَتْحِ فَلَا تَنْوِينَ فِيهِ نَعَمْ جَوَّزَ الْبَغْدَادِيُّونَ نَصْبَ التَّشْبِيهِ بِالْمُضَافِ مَعَ إسْقَاطِ تَنْوِينِهِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ نَحْوُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت اهـ. أَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ، ثُمَّ إنَّ مُتَعَلِّقَ الْخَبَرِ إلَخْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَذْفَ الْخَبَرِ قَرِينَةٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ كَوْنًا عَامًّا وَلَوْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ التَّخْصِيصَ لَذَكَرَهُ إذْ لَا مَعْنَى لِحَذْفِهِ حِينَئِذٍ وَقَوْلُهُ وُجُوبَ حَذْفِهِ فِي كَلَامٍ إلَخْ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ الْحَذْفُ وَاجِبًا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِوُجُوبِهِ فَهَذَا تَخْصِيصٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْبَعْثَةِ لِأَحَدٍ مِنْ الرُّسُلِ) فَسَّرَ الشَّرْعَ بِالْبَعْثَةِ دُونَ الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ وَظَاهِرُ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا قِيلَ جَمِيعُ الرُّسُلِ وَهُوَ مَا قَبْلَ آدَمَ عَلَى الْجَمِيعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ فِي بَابِ مَنْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَاقِلًا ذَا رَأْيٍ وَنَظَرٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ دِينًا فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ دَعْوَةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا شَكَّ أَنَّهُ سَمِعَ دَعْوَةَ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَتَطَوُّلِ أَزْمَانِ دَعْوَتِهِمْ وَوُفُورِ عَدَدِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِمْ وَاتَّبَعُوهُمْ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِهِمْ وَخَالَفُوهُمْ فَإِنَّ الْخَبَرَ قَدْ يَبْلُغُ عَلَى لِسَانٍ الْمُخَالِفِ كَمَا يَبْلُغُ عَلَى لِسَانِ الْمُوَافِقِ وَإِذَا سَمِعَ آيَةَ دَعْوَةٍ كَانَتْ إلَى اللَّهِ فَتَرَكَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِعَقْلِهِ عَلَى صِحَّتِهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ كَانَ بِذَلِكَ مُعْرِضًا عَنْ الدَّعْوَةِ فَكَفَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ بِدِينٍ وَلَا دَعْوَةِ نَبِيٍّ عُرِفَ أَنَّ فِي الْعَالَمِ مَنْ يُثْبِتُ إلَهًا وَمَا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فَإِنْ كَانَ فَأَمْرُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ يَعْنِي فِي أَنَّ الْإِيمَانَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ النَّقْلِ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ تَكْلِيفِ كُلِّ أَحَدٍ الْإِيمَانَ بَعْدَ وُجُودِ دَعْوَةِ أَحَدٍ مِنْ الرُّسُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا إلَيْهِ، وَفِي تَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ إنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مُؤَاخَذَةٌ قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ. وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي اعْتِمَادِهِ حَتَّى قَالَ فَمَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَقَصَّرَ فِي الْبَحْثِ عَنْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ فَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي نَجَاةِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ اهـ. لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ وَالشَّافِعِيَّةُ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ لَا يُعَذَّبُونَ وَقَدْ صَحَّ تَعْذِيبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَحَادِيثَهُمْ آحَادٌ لَا تُعَارِضُ الْقَطْعَ بِعَدَمِ تَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْذِيبُ مَنْ صَحَّ تَعْذِيبُهُ مِنْهُمْ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ عِلْمُهُ تَعَالَى وَرَسُولِهِ نَظِيرُ مَا قِيلَ فِي كُفْرِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِأَنَّ تَعْذِيبَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْأَحَادِيثِ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ غَيَّرَ

لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ حِينَئِذٍ مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] أَيْ وَلَا مُثِيبِينَ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الثَّوَابِ بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ مِنْ الْعَذَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَدَّلَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِمَا لَا يُعْذَرُ بِهِ كَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَتَغْيِيرِ الشَّرَائِعِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُوَافِقُ إطْلَاقَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَلَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ إلَّا بِالشَّرْعِ حَتَّى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّا لَا نَتَعَبَّدُ أَصْلًا وَفَرْعًا إلَى بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْ ثَبَتَ تَعْذِيبُهُ مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ بَقِيَ شَرْعُهُ إذْ ذَاكَ كَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَبْقَ إشْكَالٌ أَصْلًا، ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ كُلُّ مَنْ كَانَ بَيْنَ رَسُولَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مُرْسَلًا إلَيْهِمْ وَلَا أَدْرَكُوا الثَّانِيَ فَهُمْ أَهْلُ فَتْرَةٍ وَقَدْ فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الْإِيمَانِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمِلَلُ مِنْ الْفُرُوعِ هَلْ هُوَ كَالْإِيمَانِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ هَذَا النِّزَاعُ فِيهِ نَظَرٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِأَنْ يُرَادَ بِهِ لَا حُكْمَ أَصْلِيًّا وَلَا فَرْعِيًّا يَتَعَلَّقُ بِأَحَدٍ قَبْلَ بَعْثَةِ أَحَدٍ مِنْ الرُّسُلِ إلَيْهِ وَإِنْ بُعِثَ إلَى غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ) أَيْ الْحُكْمِ قَبْلَ الشَّرْعِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ لَا شَرْعَ وَهُوَ ظَرْفٌ لِلِانْتِفَاءِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا دَلِيلٌ أَتَى وَمَا سَيَجِيءُ أَنَّهُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْقَيْدِ دَلِيلٌ لِمَنٍّ تَأَمَّلَ. (قَوْلُهُ: مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ) بَيَانٌ لِلَازِمِهِ وَقَدْ يُمْنَعُ اللُّزُومُ بِانْفِكَاكِ التَّرَتُّبِ عَنْ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُ الظُّهْرِ مَثَلًا بِدُخُولِ وَقْتِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ثَوَابٌ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَرَتُّبُ مَا ذُكِرَ تَرَتُّبَ اسْتِحْقَاقِ الشَّخْصِ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ أَوْ نَفْسَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا لَازِمٌ لِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الدَّلِيلُ بِتَقْدِيرِ تَمَامِيَّتِهِ إنَّمَا يَنْهَضُ لِنَفْيِ مَا كَانَ مَلْزُومًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ دُونَ غَيْرِهِ كَالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْجَمِيعِ وَأَيْضًا لِلْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يَمْنَعُوا كَوْنَ مَا ذُكِرَ لَازِمًا مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا بِشَرْطِ وُجُودِ الْبَعْثَةِ فَلَا يَدُلُّ انْتِفَاؤُهَا قَبْلَهَا عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فَإِذَا انْتَفَى مَلْزُومُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ انْتَفَى غَيْرُهُ أَيْضًا وَأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ مُطْلَقًا حَيْثُ أَثْبَتُوا الْإِثْمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ خِلَافًا لِلْمُحْتَرَزِ وَإِذَا كَانَ لَازِمًا عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا فَانْتِفَاؤُهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ مَلْزُومِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: 15] الْآيَةَ) قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ يَتِمُّ إذَا كَانَ مَقْصُودُنَا تَحْصِيلَ غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عِلْمِيَّةً فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالدَّلَائِلِ الظَّنِّيَّةِ اهـ. وَقَدْ ضَعَّفَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ بِوُجُوهٍ مِنْهَا آيَةُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ الْعَقْلِيُّ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا بَاطِلٌ فَذَاكَ بَاطِلٌ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إذَا جَاءَ الشَّرْعُ وَادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَمِعِ اسْتِمَاعُ قَوْلِهِ وَالتَّأَمُّلُ فِي مُعْجِزَاتِهِ أَوْ لَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَقَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالنُّبُوَّةِ وَإِنْ وَجَبَ فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالشَّرْعِ فَإِنْ وَجَبَ بِالْعَقْلِ فَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ الْعَقْلِيُّ وَإِنْ وَجَبَ بِالشَّرْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي أَوْ غَيْرَهُ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُ الْكَلَامِ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ يَقُولُ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِي أَنِّي أَقُولُ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِي وَهَذَا إثْبَاتٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْعُ غَيْرَهُ كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَلَزِمَ. أَمَّا الدَّوْرُ وَالتَّسَلْسُلُ وَهُمَا مُحَالَانِ قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَسُولٌ ثَبَتَ صِدْقُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ مَحْذُورٍ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ أَوْ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ وَإِنْ كَانَ ثُبُوتُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الشَّرْعُ بِمَعْنَى أَنَّ

الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى التَّكْلِيفِ وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ السَّابِقُ بِانْتِفَاءِ قَيْدٍ مِنْهُ وَهُوَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ (بَلْ الْأَمْرُ) أَيْ الشَّأْنُ فِي وُجُودِ الْحُكْمِ (مَوْقُوفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتَهُ بِإِخْبَارِ مَنْ ثَبَتَتْ رِسَالَتُهُ بِالْمُعْجِزَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَلَيْسَ حَاصِلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِي أَنِّي أَقُولُ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِي حَتَّى يَلْزَمَ إثْبَاتُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِي؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَيَجِبُ صِدْقِي وَتَصْدِيقِي فِي كُلِّ مَا أَدَّعِيهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا إثْبَاتُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَلَا دَوْرَ وَلَا تَسَلْسُلَ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ يَقْطَعُ بِهِ أَنَّ الْخَصْمَ مُوَافِقٌ عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ بِالشَّرْعِ فِيمَا خَفِيَ عَلَى الْعَقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ الشَّرْعُ وَتَجِبُ الْمُتَابَعَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الرِّسَالَةِ مَعَ اقْتِرَانِ الْمُعْجِزَةِ وَتَمَكُّنِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ مِنْ النَّظَرِ وَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ إذَا ادَّعَى النَّبِيُّ الرِّسَالَةَ وَاقْتَرَنَ بِدَعْوَاهُ الْمُعْجِزَةُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَةِ وَكَانَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ عَاقِلًا مُتَمَكِّنًا مِنْ النَّظَرِ فَقَدْ ثَبَتَ لِلشَّرْعِ وَاسْتَقَرَّ وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ سَوَاءٌ نَظَرَ أَمْ لَمْ يَنْظُرْ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ الِاسْتِمْهَالُ وَلَوْ اسْتَمْهَلَ لَمْ يَجِبْ الْإِمْهَالُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِإِيجَادِ الْعِلْمِ عَقِيبَ النَّظَرِ الَّذِي هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعِقَابِ عَلَى وُجُودِ مَعْنَى لَفْظِ التَّكْلِيفِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً أَوْ عَلَى وُجُودِ مَعْنًى هُوَ التَّكْلِيفُ إنْ كَانَتْ بَيَانِيَّةً أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَةِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِقَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مُلْزَمٍ بِهِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالثَّوَابُ يَكُونُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ تَارَةً وَعَلَى غَيْرِهِ التَّابِعِ فِي الْوُجُودِ لِلْمُلْزَمِ بِهِ أُخْرَى بَلْ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِهِ كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَصَوْمِهِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ بِوَاسِطَةٍ أَظْهَرُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهَا تَارَةً بِوَاسِطَةٍ وَتَارَةً بِهَا. (قَوْلُهُ: وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يُقَالُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّ خِطَابَ اللَّهِ الَّذِي فَسَّرْت بِهِ الْحُكْمَ قَدِيمٌ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْحُكْمَ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ إلَخْ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أُمُورٍ فَإِذَا انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْهَا انْتَفَى هُوَ وَالتَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ جُزْءٌ مِنْهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ قَبْلَ الشَّرْعِ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ قَالَ الْكَمَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ إلَخْ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ انْتِفَاءُ حَقِيقَةِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ وَذَلِكَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ انْتِفَاءُ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ حُكْمًا أَيْ تَسْمِيَتُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حُكْمًا قَبْلَ حُصُولِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ بِالْفِعْلِ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ وَأَنَّ الْحَادِثَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُكَلَّفِ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّ مُسَمَّاهُ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ فِي الْأَزَلِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا وَبِالْفِعْلِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا وَأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ قَيْدٌ فِي مُسَمَّاهُ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ مَعْنَاهُ نَفْيُ حُصُولِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ اهـ. وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا حُكْمَ إلَخْ ظَاهِرٌ ظُهُورًا تَامًّا فِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ قَبْلَ الشَّرْعِ نَفْسُ الْحُكْمِ لَا شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْهُ كَتَعَلُّقِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ صَرْفٌ لَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ صَرِيحِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ لَا مُشَاحَةَ فِيهِ فَلِهَذَا دَرَجَ الشَّارِحُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ وَصَرَّحَ بِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ وَالشَّارِحُ ثَبَتَ ثِقَةً فَيَكُونُ تَصْرِيحُهُ بِذَلِكَ لِثُبُوتِ التَّصْرِيحِ بِهِ وَلَوْ مِنْ الْبَعْضِ وَلَمْ يَثْبُتُ اتِّفَاقٌ وَلَا قَاطِعَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَقْصُودَهُ مُجَرَّدُ تَوْجِيهِ ظَاهِرِ الْمَتْنِ وَالْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَلَا مِنْ أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحًا لِلْمُصَنِّفِ اهـ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَتَذَكَّرْ مَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ) أَيْ هُنَا وَإِلَّا فَقَدْ يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ قَيْدٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّأْنُ فِي وُجُودِ الْحُكْمِ) الشَّأْنُ هُوَ الْحَدِيثُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ يَعْنِي أَنَّ الْأَمْرَ الثَّابِتَ فِي الْوَاقِعِ لِوُجُودِ الْحُكْمِ كُلَّ وَقْتٍ هُوَ أَنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ مَوْقُوفٌ فَالشَّأْنُ هُوَ وَقْفُ وُجُودِ الْحُكْمِ وَالْمَوْقُوفُ هُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ بِقَوْلِهِ مَوْقُوفٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَوْقُوفٌ خَبَرُ هُوَ أَوْ أَنَّهُ مَحْذُوفٌ وَالضَّمِيرُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ عَائِدٌ عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ وَالتَّقْدِيرُ بَلْ الْأَمْرُ فِي وُجُودِ الْحُكْمِ هُوَ أَوَانُهُ أَيْ الْوُجُودُ مَوْقُوفٌ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا أَغْفَلَ التَّصْرِيحَ بِهَذَا الْمُقَدَّرِ لِوُضُوحِهِ كَذَا قِيلَ وَيَرِدُ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظَةِ " أَنَّهُ " أَنَّ فِيهِ حَذْفَ الْمَوْصُولِ الْحَرْفِيِّ وَبَعْضِ صِلَتِهِ وَيَرِدُ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْحَدِيثَ الْمُطَابِقَ لِمَا فِي نَفْسِ

إلَى وُرُودِهِ) أَيْ الشَّرْعِ أَشَارَ بِهَذَا كَمَا قَالَ إلَى أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ مِنَّا فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِالْوَقْفِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَنْ نَفَى مِنَّا الْحُكْمَ فِيهَا وَبَلْ هُنَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى الْأَوَّلِ إذْ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْعِ مُشْتَمِلٌ عَلَى انْتِفَائِهِ قَبْلَهُ وَوُجُودُهُ بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرِ الْمُطَابِقَةَ لِلْوَاقِعِ فَغَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ الْكَاذِبُ وَهُوَ زَيْدٌ قَائِمٌ مَثَلًا وَإِنْ أَرَادَ الْمُطَابِقَةَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ خَبَرٍ فَإِنَّ الْمُخْبِرُ مُظْهِرٌ لِمُطَابَقَةِ خَبَرِهِ إذَا كَانَ بِصَدَدِ الْإِخْبَارِ فَلَا يَظْهَرُ كَبِيرُ فَائِدَةٍ لِقَيْدِ الْمُطَابَقَةِ وَكَأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ صِدْقِ الْجُمْلَةِ عَلَى الشَّأْنِ الْمُطَابَقَةُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ صِدْقَ الْجُمْلَةِ عَلَيْهِ هُوَ اتِّحَادُهُمَا خَارِجًا الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِهُوَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُطَابَقَةُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هَذَا وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ عَلَى وَجْهٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ أَصْلًا فِي صِحَّةِ الْإِخْبَارِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى شَأْنَ النَّاسِ وَحَالَهُمْ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ وَبِمُلَاحَظَةِ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ فَالظَّرْفِيَّةُ فِيهِ نَظِيرُ الظَّرْفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ الدَّارُ فِي نَفْسِهَا قِيمَتُهَا كَذَا أَيْ بِمُلَاحَظَةِ نَفْسِهَا. وَقَوْلُ سم فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ الشَّارِحِ يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الْأَمْرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْوُجُودِ أَيْ بَلْ وُجُودُهُ مَوْقُوفٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى ذَلِكَ فَقَوْلُهُ أَيْ الشَّأْنُ فِي وُجُودِهِ أَيْ وَهُوَ تَقَرُّرُ وُجُودِهِ أَيْ ثُبُوتِهِ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ اهـ لَا يَخْفَى مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ رَكَاكَةِ التَّرْكِيبِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ هَكَذَا بَلْ الْأَمْرُ أَيْ وُجُودُهُ فِي وُجُودِهِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَخَلَّصَ عَنْ الرِّكَّةِ فَعُدِلَ عَنْ تَقْدِيرِ لَفْظِ الْوُجُودِ إلَى لَفْظِ التَّقَرُّرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي إنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُجْعَلُ فِي بِمَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ زِيَادَةُ رَكَاكَةٍ عَلَى رَكَاكَةٍ وَقَوْلُ سُمْ أَيْضًا إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي خَبَرِ لَفْظِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ أَنْ يَكُونَ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ وَيُحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الضَّمِيرِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الِاسْمِ الظَّاهِرِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ كَذَلِكَ اهـ. غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ النُّحَاةَ إنَّمَا أَوْجَبُوا كَوْنَ خَبَرِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ بِمَعْنَى الْقِصَّةِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُ الْكَلَامُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَلْيَكُنْ لَفْظُ الشَّأْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ سم وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرَهُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بَلْ يَجُوزُ تَخْرِيجُهَا عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوا الْإِخْبَارَ عَلَى ضَمِيرِ الشَّأْنِ بِمُفْرَدٍ خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّينَ كَمَا أَنَّهُمْ جَوَّزُوا حَذْفَ أَحَدِ جُزْأَيْ الْجُمْلَةِ الْمُخْبَرِ بِهَا عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّينَ الْمَانِعِينَ مِنْهُ فَيَجُوزُ تَخْرِيجُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَذْفِ أَحَدِ جُزْأَيْ الْجُمْلَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: إلَى وُرُودِهِ) أَيْ الشَّرْعِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْثَةُ كَمَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِهَا لَزِمَ وَصْفُ الْبَعْثَةِ بِالْوُرُودِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ إذْ الْبَعْثَةُ هِيَ الْإِرْسَالُ وَوَصْفُ الْإِرْسَالِ بِالْوُرُودِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَحْكَامُ لَمْ يَحْسُنْ الْإِضْرَابُ إذْ التَّقْدِيرُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الْأَحْكَامِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى وُرُودِ الْأَحْكَامِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ وُرُودُ الْأَحْكَامِ الْبَعْثَةَ. اهـ. سم. وَقَدْ يُجَابُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُرُودِ الْوُجُودُ فَالْمَعْنَى إلَى وُجُودِ الْإِرْسَالِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي مَقُولَةٍ بَعْدَ هَذِهِ (قَوْلُهُ أَشَارَ بِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِهِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ وَقَصَدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ دَفْعَ مَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْإِضْرَابِ لِفَهْمِهِ مِنْ النَّفْيِ قَبْلَهُ بَلْ الْإِتْيَانُ بِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ لَمْ يُرِدْ مَعْنَى أَنَّا أَوَّلًا نَدْرِي هَلْ الْحُكْمُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَوْ لَا بَلْ أَرَادَ أَنَّ وُجُودَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُرُودِ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَفْعَالِ) أَيْ فِي شَأْنِ الْأَفْعَالِ وَالْمُرَادُ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ الْأَفْعَالَ وَالِاعْتِقَادَاتِ وَإِنْ كَانَ تَعَلُّقُ الْخِطَابِ بِالِاعْتِقَادَاتِ بِاعْتِبَارِ أَسْبَابِهَا لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْكَيْفِ لَا الْفِعْلِ حَقِيقَةً وَإِنْ عُدَّتْ مِنْ الْفِعْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَامَحَةِ. (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ: إذْ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْعِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إلَى فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى عَلَى وَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ التَّعْبِيرَ بِعَلَى وَاسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ تَوَقُّفَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ فَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَالْأَحْكَامُ هِيَ الشَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ حَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى الشَّرْعِ أَوْ أَنَّ الْأَحْكَامَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْأَحْكَامِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِ هُنَا الْبَعْثَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَحْكَامَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ قَبْلَ التَّبْلِيغِ. (قَوْلُهُ: مُشْتَمِلٌ عَلَى انْتِفَائِهِ قَبْلَهُ إلَخْ) أَيْ مُحْتَوٍ عَلَيْهِ احْتِوَاءَ الْمَلْزُومِ عَلَى لَازِمِهِ لَا احْتِوَاءَ الْكُلِّ عَلَى مَا فِي ضِمْنِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاءَ قَبْلَهُ وَالْوُجُودَ بَعْدَهُ خَارِجَانِ عَنْ مَفْهُومِ

وَحَكَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْلَ) فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَمَا قَضَى بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ضَرُورِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوَقُّفِ الْحُكْمِ، لَازِمَانِ لَهُ، كَذَا قَرَّرَ الشِّهَابُ وَجَعْلُ الْمَلْزُومِ مُحْتَوِيًا عَلَى لَازِمِهِ تَسَامُحٌ إذْ الِاسْتِلْزَامُ مُغَايِرٌ لِلِاحْتِوَاءِ لَكِنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ اعْتِرَاضُ النَّاصِرُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ مَعْنَى الِاشْتِمَالِ وَمَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ احْتِوَاءُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ حَيْثُ قَالَ أَيُّ مُحْتَوًى مَفْهُومُهُ احْتِوَاءُ الْكُلِّ عَلَى مَا فِي ضِمْنِهِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِانْتِفَاءَ قَبْلَهُ وَالْوُجُودَ بَعْدَهُ خَارِجَانِ عَنْ مَفْهُومِ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ لَازِمَانِ لَهُ وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُ بِأَنَّ الْوُجُودَ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُ مَفْهُومُ الْمُتَوَقِّفِ لِذَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْطَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ الَّذِي قَدْ لَا يُوجَدُ بَعْدَهُ اهـ. فَمُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ الْمُسْتَلْزِمَ مَفْهُومُ التَّوَقُّفِ لِذَاتِهِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ مَفْهُومُ التَّوَقُّفِ لِلْغَيْرِ وَبَيَانُ هَذَا الْمَلْزُومِ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي الْحُكْمِ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ وَلَا بُدَّ فَإِذَا حُكِمَ بِتَوَقُّفِهِ عَلَى الشَّرْعِ لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ قَبْلَهُ وَوُجُودُهُ بَعْدَهُ هَذَا وَقَوْلُهُ وَوُجُودُهُ بَعْدَهُ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ. . (قَوْلُهُ: وَحَكَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْلَ) صِيغَةُ فَعَّلَ هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّصْيِيرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَيِّرُوا الْعَقْلَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْعَقْلِ حَاكِمَا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُنْشِئٌ لِلْحُكْمِ إذْ الْمُنْشِئُ لَهُ اتِّفَاقًا مِنَّا وَمِنْهُمْ لَيْسَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَمُقَابَلَةُ قَوْلِهِ وَحَكَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْلَ لِقَوْلِهِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِ الْعَقْلِ الْحُكْمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ تَابِعٌ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الذَّاتِيَّيْنِ لِمُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ قَبْلَ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَا يَنْفَكَّانِ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَعَلِّقِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ أَوْ بِاعْتِبَارِ لَازِمِ قَوْلِهِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِنَا الْحُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ عَدَمُ إدْرَاكِ الْعَقْلِ لَهُ الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّبَعِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَنَفْيُهُ قَبْلَ الشَّرْعِ نَفْيٌ لِتِلْكَ التَّبَعِيَّةِ فَيَنْتَفِي إدْرَاكُ الْعَقْلِ لَهُ فَاسْتَقَامَتْ الْمُقَابَلَةُ وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَبِمَعْنَى تَرَتُّبِ الذَّمِّ عَاجِلًا وَالْعِقَابِ آجِلًا شَرْعِيٌّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَأَجَابَ النَّاصِرُ بِأَنَّ مَا هُنَا أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ لِشُمُولِهِ جَمِيعَ الْأَفْعَالِ وَاخْتِصَاصِ مَا تَقَدَّمَ بِالْحَرَامِ وَالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ اهـ. قَالَ سم وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ تَصْرِيحٌ بِتَحْكِيمِ الْعَقْلِ لِاحْتِمَالِ التَّوَقُّفِ وَأَيْضًا فِيمَا هُنَا زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ تَفْصِيلُ مَذْهَبِهِمْ بِقَوْلِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَقْضِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَفْعَالِ) يَعْنِي اعْتَقَدَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْلَ حَاكِمًا فِي الْأَفْعَالِ فَالْجَارُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ حَكَّمَتْ وَلَيْسَ الْمَعْنَى جَعَلَتْهُ حَاكِمًا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَكَأَنَّهُ فِي فِرَارٍ عَنْ جَعْلِ صِيغَةِ فَعَّلَ بِمَعْنَى جَعَلَ؛ لِأَنَّ الْجَعْلَ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صِيغَةَ فَعَّلَ لِلنِّسْبَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِ جَعَلَ بِمَعْنَى اعْتَقَدَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19] أَيْ اعْتَقَدُوهُ حَاكِمًا فَالْأَحْسَنُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَتَعَلُّقُ الْجَارِ بِحَكَّمَتْ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادُ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ وَالِاعْتِقَادَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا سَمِعْت مِرَارًا. (قَوْلُهُ: فَمَا قَضَى إلَخْ) مَا إمَّا مَوْصُولَةٌ أَيْ فَالْحُكْمُ الَّذِي قَضَى الْعَقْلُ بِهِ أَوْ شَرْطِيَّةٌ فَالتَّقْدِيرُ فَأَيُّ حُكْمٍ قَضَى الْعَقْلُ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ إدْرَاكُ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَالْوُجُوبِ لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ فَأَمْرُ قَضَائِهِ فِيهِ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَوْصُولِيَّةِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ وَهِيَ خَبَرٌ أَيْضًا عَنْ اسْمِ الشَّرْطِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ خَبَرَ اسْمِ الشَّرْطِ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً هُوَ جَوَابُهُ وَقِيلَ الْخَبَرُ فِعْلُ الشَّرْطِ وَقِيلَ مَجْمُوعُهُمَا وَقَدْ أَوْرَدَ النَّاصِرُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِيَّةِ أَنَّ جَوَابَ اسْمِ الشَّرْطِ الْمَرْفُوعِ بِالِابْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَمِيرٍ يَرْبِطُهُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ هُنَا لَزِمَ مَحْذُورٌ صِنَاعِيٌّ وَإِنْ قُدِّرَ بِأَنْ قِيلَ الْأَصْلُ فَأَمْرُ قَضَائِهِ فِيهِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَقْضِيِّ بِهِ مِنْ وُجُوبٍ مَثَلًا لَزِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَمْرٌ مُسْتَدْرَكٌ لَا فَائِدَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ قَضَاءِ الْعَقْلِ فِي الْفِعْلِ الضَّرُورِيِّ مَثَلًا بِمَا قَضَى بِهِ فِيهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ تَفْصِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي أَمْرِ قَضَائِهِ بَيَانِيَّةٌ سَلَّمْنَا أَنَّهَا غَيْرُ بَيَانِيَّةٍ فَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ التَّفْصِيلُ وَهُنَا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ فَتَفَاصِيلُ مُقْتَضَى قَضَائِهِ بِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ فِي فِعْلٍ مِنْ تِلْكَ

كَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ اخْتِيَارِيٌّ لِخُصُوصِهِ بِأَنْ أَدْرَكَ فِيهِ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً أَوْ انْتِفَاءَهُمَا فَأَمْرُ قَضَائِهِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الضَّرُورِيَّ مَقْطُوعٌ بِإِبَاحَتِهِ. وَالِاخْتِيَارِيُّ لِخُصُوصِهِ يَنْقَسِمُ إلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ فِعْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ: ضَرُورِيٌّ) يُطْلَقُ الضَّرُورِيُّ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا لَا قُدْرَةَ عَلَى فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَعَلَى مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ دُعَاءً تَامًّا لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ كَمَا سَيَجِيءُ فِي قَوْلِهِ وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ إلَخْ وَالتَّنَفُّسُ فِي الْهَوَاءِ أَشْبَهُ بِالثَّالِثِ مِنْهُ بِغَيْرِهِ مَعْلُومٌ أَنَّ التَّنَفُّسَ اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يُنَافِي جَرَيَانَ الْأَحْكَامِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهِ نَحْوُ الْهَلَاكِ وَمَنْدُوبًا كَمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِهِ مَفْسَدَةٌ وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَمَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا عَلَى تَرْكِهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَفْسَدَةٌ وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا كَمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ كَتَنَفُّسٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ كَالْقَتْلِ وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى فِعْلِهِ مَفْسَدَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ وَهُوَ أَنَّ الضَّرُورِيَّ مَقْطُوعٌ بِإِبَاحَتِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ الِانْقِسَامَ إلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ بِالِاخْتِيَارِيِّ وَالِاقْتِصَارَ فِي الضَّرُورِيِّ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَمَا أَجَابَ بِهِ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبَاحَةِ الْإِذْنُ فَيَشْمَلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ أَيْضًا فَلَا يَخْلُصُ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَقِيَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الضَّرُورِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى بِالِاخْتِيَارِيِّ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا اخْتِيَارِيٌّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ اخْتِيَارِيٌّ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِخُصُوصِهِ) أَيْ لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الِاخْتِيَارِيِّ أَيْ لِخُصُوصِيَّةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ أَوْ عَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَا بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ وَأَنَّهُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَضَى مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَضَى الْمَذْكُورُ أَوْ بِقَوْلِهِ اخْتِيَارِيٌّ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَوْ فِعْلٌ يَخْتَارُ الْعَاقِلُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ أَوْ الْكَفَّ عَنْهُ أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ خُصُوصِيَّةٍ وَجَوَّزَ الْأَخِيرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي وَالِاخْتِيَارِيُّ لِخُصُوصِهِ إلَخْ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَضَى الْمَذْكُورِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ فَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْعَقْلُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا لِخُصُوصِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارِيُّ لِخُصُوصِهِ فَقَدْ قَالَ شِهَابٌ إنَّ لِخُصُوصِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَنْقَسِمُ أَوْ بِمُقَدَّرٍ أَيْ وَالِاخْتِيَارِيُّ الْمَقْضِيُّ فِيهِ لِأَجْلِ خُصُوصِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَدْرَكَ فِيهِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَضَى الْمُعَلَّلِ بِالْخُصُوصِيَّةِ وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الِاخْتِيَارِيِّ الْمَقْضِيِّ فِيهِ لِخُصُوصِهِ فَإِدْرَاكُ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ فِعْلًا وَتَرْكًا سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَإِدْرَاكُ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ فِعْلًا وَتَرْكًا سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ بِالْحُرْمَةِ وَالْوُجُوبِ وَإِدْرَاكُ انْتِفَائِهِمَا سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ بِالْإِبَاحَةِ. (قَوْلُهُ: فَأَمْرُ قَضَائِهِ فِيهِ ظَاهِرٌ) ضَمِيرُ قَضَائِهِ يَعُودُ إلَى الْفِعْلِ وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ لِلشَّيْءِ. (قَوْلُهُ: فِعْلُهُ) فَاعِلُ اشْتَمَلَ

فَحَرَامٌ كَالظُّلْمِ أَوْ تَرْكُهُ فَوَاجِبٌ كَالْعَدْلِ أَوْ عَلَى مَصْلَحَةٍ فِعْلُهُ فَمَنْدُوبٌ كَالْإِحْسَانِ أَوْ تَرْكُهُ فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ فَمُبَاحٌ. (فَإِنْ لَمْ يَقْضِ) الْعَقْلُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا لِخُصُوصِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ كَأَكْلِ الْفَاكِهَةِ فَاخْتُلِفَ فِي قَضَائِهِ فِيهِ لِعُمُومِ دَلِيلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ أَوْ تَرْكُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ نُكْتَةَ تَقْدِيمِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْفَاعِلِ مُرَاعَاةُ قُرْبِ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْفَاعِلِ مِنْهُ الَّتِي هِيَ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ قُرْبِ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عُمْدَةٌ بِخِلَافِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ وَبَقِيَ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ فِعْلُهُ عَائِدٌ لِلْفِعْلِ فَيَلْزَمُ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَافَ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَالْمُضَافَ إلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ فَتَغَايَرَا أَوْ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَسَبَ هُنَا الْمَفْسَدَةَ وَالْمَصْلَحَةَ إلَى الْفِعْلِ الْمُضَافِ مَعَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ الْفِعْلُ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ خَارِجًا لِاتِّحَادِهِمَا خَارِجًا أَوْ بِجَعْلِ الْفِعْلِ الْمُضَافِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَاشِئٌ عَنْ الثَّانِي فَتَظْهَرُ النِّسْبَةُ وَأُورِدُ أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّقْسِيمِ أَنْ تَتَقَابَلَ الْأَقْسَامُ فِيهِ وَالْقِسْمُ الْمُسَمَّى بِالْمَنْدُوبِ صَادِقٌ بِالْمُسَمَّى بِالْوَاجِبِ لِاشْتِمَالِ فِعْلِهِ أَيْضًا عَلَى مَصْلَحَةٍ وَالْمُسَمَّى بِالْمَكْرُوهِ صَادِقٌ بِالْمُسَمَّى بِالْحَرَامِ لِاشْتِمَالِ تَرْكِهِ أَيْضًا عَلَى مَصْلَحَةٍ فَقَدْ لَزِمَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ جَعْلُ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ حَذَفَ مِنْ تَعْرِيفِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ قَيْدًا يُسْتَفَادُ مِنْ مُقَابِلِهِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ بِشَيْءٍ فِي مَقَامِ تَمْيِيزِهِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ وَانْتِفَائِهِ عَنْ الْمُقَابِلِ الْآخَرِ وَالْمَحْذُوفُ لِقَرِينَةٍ كَالثَّابِتِ فَقَوْلُهُ فِي تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبِ أَوْ عَلَى مَصْلَحَةٍ فِعْلُهُ أَيْ وَلَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ تَرْكُهُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ فَخَرَجَ الْوَاجِبُ وَقَوْلُهُ فِي تَعْرِيفِ الْمَكْرُوهِ أَوْ تَرْكُهُ أَيْ وَلَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ تَرْكُهُ بِقَرِينَةِ مَا ذُكِرَ فَخَرَجَ الْحَرَامُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْعَقْلُ إلَخْ) هَذَا سَلْبٌ جُزْئِيٌّ لَا كُلِّيٌّ؛ لِأَنَّ لَيْسَ بَعْضُ صُوَرِ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ فَالْقَضِيَّةُ سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ لَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ مِنْ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ نَكِرَةٌ وَقَعَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَفْظَ الْبَعْضِ رَجَعَ لِلسَّلْبِ الْجُزْئِيِّ (وَقَوْلُهُ لِخُصُوصِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَقْضِ أَيْ فَإِذَا انْتَفَى قَضَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ لَا يَنْتَفِي قَضَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْقَضَاءِ وَحِكَايَةِ الْخِلَافِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ فَقَوْلُهُ لِخُصُوصِهِ دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّنَاقُضِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَنَاقُضَ أَيْضًا بَيْنَ مَا هُنَا وَقَوْلِهِ سَابِقًا وَحَكَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ مُهْمَلَةٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِعَانَةِ الشَّرْعِ فِيمَا خَفِيَ عَلَى الْعَقْلِ فَإِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْكُمُ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ اسْتِقْلَالًا وَالْمُوجَبَةُ الْمُهْمَلَةُ لَا تُنَاقِضُ السَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ. وَأَمَّا مَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْعَقْلَ قَاضٍ فِي الْجَمِيعِ إلَّا أَنَّهُ تَارَةً يَقْضِي لِلْخُصُوصِ بِحُكْمٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَدْرَكَ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً أَوْ انْتِفَاءَهُمَا وَتَارَةً لَا يَقْضِي لِخُصُوصِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَا ذُكِرَ بَلْ لِعُمُومِ دَلِيلِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حَمْلَ قَوْلِهِ

عَلَى أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (فَثَالِثُهَا لَهُمْ الْوَقْفُ عَنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ) أَيْ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَحْظُورٌ أَوْ مُبَاحٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَمَحْظُورٌ أَوْ لَا فَمُبَاحٌ وَهُمَا الْقَوْلَانِ الْمَطْوِيَّانِ دَلِيلُ الْحَظْرِ أَنَّ الْفِعْلَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَكَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْلَ عَلَى الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ وَالْمَفْسَدَةُ فِي الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَانْتِفَاؤُهُمَا عَنْهُمَا. (قَوْلُهُ: فِي قَضَائِهِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ لِعُمُومِ دَلِيلِهِ أَيْ دَلِيلِ الْمُقْتَضَى بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُقْتَضَى بِهِ الَّذِي هُوَ مُدْرَكُ الْعَقْلِ وَقَضَاؤُهُ إدْرَاكُهُ فَالضَّمِيرُ فِي دَلِيلِهِ لِلْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْمَقْضِيِّ بِهِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ، أَوْ مَقْضِيِّ قَضَائِهِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَقْوَالٍ) فِيهِ أَنَّ الْقَضَاءَ كَمَا عَلِمْت بِمَعْنَى الْمَقْضِيِّ بِهِ وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْوَقْفُ لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَيُجَابُ بِالتَّغْلِيبِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّفْصِيلِيِّ كَمَا فِي غَيْرِ الثَّالِثِ وَالْإِجْمَالِيِّ كَمَا فِيهِ إذْ فِيهِ قَضَاءٌ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهَا) أَيْ الْأَقْوَالَ بِمَعْنَى الْمَقُولَاتِ أَيْ الْمُعْتَقَدَاتِ فَإِنَّ ضَمِيرَ ثَالِثِهَا يَعُودُ لِلْأَقْوَالِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ وَصَرَّحَ بِتَعْيِينِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ الْوَقْفُ وَأَشَارَ إلَى تَعْيِينِ الِاثْنَيْنِ بِقَوْلِهِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. (قَوْلُهُ: لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَحْظُورٌ) فِيهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الْوَقْفِ بِذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَقْوَالِ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ لَا فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَاخْتُلِفَ فِي قَضَائِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ حُمِلَ سَابِقًا عَلَى الْمَقْضِيِّ بِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَضِيَّةَ مَانِعَةٌ خُلُوٍّ كَمَا أَنَّهَا مَانِعَةٌ جَمْعٍ فَتَكُونُ مُنْفَصِلَةً وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْإِبَاحَةِ اسْتِوَاءُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ فَدَعْوَى عَدَمِ الْخُلُوِّ عَنْهُمَا مَمْنُوعَةٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا مَثَلًا لَكِنْ خَفِيَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْمَفْسَدَةُ عَلَى الْعَقْلِ فَلَمْ يُدْرِكْ فِيهِ شَيْئًا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ أَوَّلًا فَمُبَاحٌ مَمْنُوعٌ أَيْضًا، الْجَوَازُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا مَثَلًا. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا) أَيْ مَعَ وُجُودِ الْحُكْمِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عِنْدَ صَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا الْقَوْلَانِ الْمَطْوِيَّانِ) الضَّمِيرُ لِلْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ فَمَحْظُورٌ قَوْلُهُ فَمُبَاحٌ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ دَلِيلُ الْحَظْرِ فَهُوَ نَظِيرُ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لِلْعِبَادِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَوُرُودِ الشَّرْعِ مُبَاحَةٌ عِنْدَ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ وَبَعْضِ الْإِمَامِيَّةِ مِنْ الشِّيعَةِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَفَسَّرَ الْإِمَامُ تَوَقُّفَهُمَا بِعَدَمِ الْحُكْمِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ السَّمْعِ فَحَيْثُ لَا شَرْع لَا حُكْمَ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ هُوَ الْحَقُّ وَنَظَرَ فِيهِ الشَّارِحُونَ بِأَنْ لَيْسَ تَوَقُّفًا بَلْ قَطْعًا بِعَدَمِ الْحُكْمِ وَبِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِ السَّمْعِ عَيْنُ النِّزَاعِ خُصُوصًا عَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ وَتَسْلِيمِ قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَقْلًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ التَّوَقُّفُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ أَيْ لَا نَدْرِي أَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ فَلَا نَدْرِي أَهُوَ إبَاحَةٌ أَوْ لَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ عِنْدَ الشَّيْخِ الْأَشْعَرِيِّ فَلَوْ فُسِّرَ التَّوَقُّفُ بِعَدَمِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَبَعْدَهَا يَكُونُ لِتِلْكَ الْأَفْعَالِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ تَعَالَى لَا مَحَالَةَ فَيَلْزَمُ حُدُوثُهُ. 1 - (قَوْلُهُ: دَلِيلُ الْحَظْرِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِبْطَالِ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ لِظُهُورِ أَخْذِهِ مِمَّا سَبَقَ لَهُ فَإِنَّهُ سَاقَ اسْتِدْلَالَ الْأَصْحَابِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ قَبْلَهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ دَلِيلَيْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ اللَّازِمِ مِنْهُ بُطْلَانُ دَلِيلِ الْوَقْفِ وَهُوَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا لِانْتِفَائِهِ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْفِعْلَ تَصَرُّفٌ إلَخْ) أَيْ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ فِي مِلْكِ اللَّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَمْنُوعٌ فَهَذَا التَّصَرُّفُ مَمْنُوعٌ دَلِيلُ الْكُبْرَى الْقِيَاسُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُبْرَى بِالْفَرْقِ بَيْنَ تَضَرُّرِ الشَّاهِدِ دُونَ الْغَائِبِ وَأَيْضًا حُرْمَةُ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الشَّاهِدِ

بِغَيْرِ إذْنِهِ إذْ الْعَالَمُ أَعْيَانُهُ وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَبْدَ وَمَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُبِحْ لَهُ كَانَ خَلْقُهُمَا عَبَثًا أَيْ خَالِيًا عَنْ الْحِكْمَةِ وَوَجْهُ الْوَقْفِ عَنْهُمَا تَعَارُضُ دَلِيلَيْهِمَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَهُمْ أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ فُقَهَائِنَا أَيْ كَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْحَظْرِ وَبَعْضِهِمْ بِالْإِبَاحَةِ فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ لِغَفْلَتِهِمْ عَنْ تَشَعُّبِ ذَلِكَ عَنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ مَا ابْتَغَوْا مَقَاصِدَهُمْ وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا أَيْ كَالْأَشْعَرِيِّ فِيهَا بِالْوَقْفِ مُرَادُهُ بِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ فِيهَا أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَفَادَةٌ مِنْ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِذْنِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يُبَحْ) نَظْمُ الْقِيَاسِ هَكَذَا لَوْ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْفِعْلُ كَانَ خَلْقُهُمَا عَبَثًا وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَبَطَلَ الْمُقَدَّمُ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْجَوَابُ بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ فَيَحْرُمُ التَّصَرُّفُ وَبِالْحِلِّ بِأَنَّهُ رُبَّمَا خَلَقَهُمَا لِيَشْتَهِيَهُ فَيَصْبِرَ عَنْهُ فَيُثَابَ عَلَيْهِ أَوْ خُلِقَ لِغَرَضٍ آخَرَ لَا نَعْلَمُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ عَبَثٌ. (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْوَقْفِ) لَمْ يَقُلْ وَدَلِيلُ الْوَقْفِ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ إذْ لَا حُكْمَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّ فِيهِمَا حُكْمًا وَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ) تَنَازَعَهُ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ فِي الْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ الْعَقْلُ فِيهِ مَصْلَحَةً وَلَا مَفْسَدَةً وَيُجَابُ بِأَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ فَلَا مُخَالَفَةَ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ لِغَفْلَتِهِمْ) بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَقُولُ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ تَحْقِيقًا وَالْقَوْلُ يُنْسَبُ لِقَائِلِهِ وَإِنْ اعْتَقَدَ غَيْرُهُ غَلَطَهُ فِيهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّفْيَ حَقِيقَةً بَلْ حُكْمًا أَيْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفِيِّ عَنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ صُدُورَهُ عَنْهُ فِي حُكْمِ غَيْرِ الصَّادِرِ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ عَلَى قَوَاعِدِهِ. (قَوْلُهُ: عَنْ تَشَعُّبِ) أَيْ تَفَرُّعِ ذَلِكَ عَلَى أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَمْ يَقْضِ فِيهِ الْعَقْلُ لِخُصُوصِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ مَصْلَحَةً وَلَا مَفْسَدَةً بَلْ قَضَى فِيهِ دَلِيلٌ عَامٌّ فَكَيْفَ يَتَفَرَّعُ ذَلِكَ عَلَى أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِأُصُولِهِمْ هَاهُنَا مُجَرَّدُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. (وَهَاهُنَا فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ) وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الْكُبْرَى عِنْدَ تَرْجَمَةِ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ أَحَدِ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ الْكِبَارِ فَقَالَ إنَّ مَذَاهِبَ تُحْكَى عَنْ هَذَا الْإِمَامِ فِي الْأُصُولِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعْتَزِلَةِ حَتَّى إنَّ أَبَا سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيَّ سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِهِ فَقَالَ قَدَّسَهُ مِنْ وَجْهٍ وَدَنَّسَهُ مِنْ وَجْهٍ أَيْ دَنَّسَهُ مِنْ جِهَةِ نَصْرِهِ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكُنْت أَغْتَبِطُ بِكَلَامٍ رَأَيْته لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي التَّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ وَلِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي تَعْلِيقَتِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي مَسْأَلَةِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَمَّا حَكَيَا الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ عَقْلًا عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنَ سُرَيْجٍ وَغَيْرَهُ كَانُوا قَدْ بَرَعُوا فِي الْفِقْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي الْكَلَامِ وَطَالَعُوا عَلَى الْكِبَرِ كُتُبَ الْمُعْتَزِلَةُ فَاسْتَحْسَنُوا عِبَارَاتِهِمْ وَقَوْلَهُمْ يَجِبُ شُكْرُ الْمُنْعِمِ عَقْلًا فَذَهَبُوا إلَى ذَلِكَ غَيْرَ عَالَمِينَ بِمَا تُؤَدِّي إلَيْهِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ قَبِيحِ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَأَمَّا الْقَفَّالُ فَقَدْ قَالَ فِي حَقِّهِ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ إنَّهُ كَانَ مَائِلًا عَنْ الِاعْتِدَالِ قَائِلًا بِالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ اهـ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ الْقَفَّالَ أَخَذَ عِلْمَ الْكَلَامِ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَأَنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْفِقْهَ. (قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِهِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ لِغَفْلَتِهِمْ عَنْ التَّشَعُّبِ وَقَوْلِهِ مَقَاصِدَهُمْ أَيْ أُصُولَهُمْ. (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ) أَيْ اسْتِحَالَتُهُ عَقْلًا فِي الثَّلَاثَةِ وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَالتَّكْلِيفِ الْمُحَالِ بِأَنَّ الْمُحَالَ فِي الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الثَّانِي رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ كَتَكْلِيفِ الْغَافِلِ

أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي كَالنَّائِمِ وَالسَّاهِي فَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهَذَا الْفَرْقِ يَنْدَفِعُ مَا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ مَنَعَ تَكْلِيفَ الْغَافِلِ وَجَوَّزَ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ تَكْلِيفَ الْغَافِلِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ وَقَدْ مَنَعَ هَذَا بَعْضُ مَنْ جَوَّزَ ذَاكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ عَلَى أَنَّ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَائِدَةً مَفْقُودَةً فِي تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّخْصِ هَلْ يَمْتَثِلُ بِالْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ أَوْ لَا وَلَكِنَّهُ يَبْقَى الْإِشْكَالُ بِالْمُلْجَأِ فَإِنَّ تَكْلِيفَهُ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْلِيفِ الزَّمِنِ بِالْمَشْيِ وَالْإِنْسَانِ بِالطَّيَرَانِ الَّذِي سَيَأْتِي عَدُّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ الَّذِي جَوَّزَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ سم إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِمُجَرَّدِ أَنَّ الْمُلْجَأَ سَاقِطُ الِاخْتِيَارِ رَأْسًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ وَأُورِدَ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ تَكْلِيفُ الْعَبْدِ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْإِجْمَالِيَّةَ حَاصِلَةٌ بِالْفِطْرَةِ وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي انْتِفَاءِ الْغَفْلَةِ عَنْ التَّكْلِيفِ وَالْمُكَلَّفِ بِهِ وَهُوَ الْمَعْرِفَةُ التَّفْصِيلِيَّةُ وَبِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ إنَّمَا هُوَ فَهْمُ الْمُكَلَّفِ تَكْلِيفَهُ بِأَنْ يَفْهَمَ الْخِطَابَ قَدْرَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لَا أَنْ يَصْدُقَ بِتَكْلِيفِهِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ وَعَدَمُ تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ وَهُوَ هُنَا قَدْ فَهِمَ ذَلِكَ وَأَنْ يَصْدُقَ بِهِ. وَأَمَّا الْغَافِلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ فَهُوَ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ كَالصِّبْيَانِ أَوْ يَفْهَمُ لَكِنْ لَمْ يُقَلْ لَهُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ كَاَلَّذِي لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ دَعْوَةُ نَبِيٍّ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَافِلَ عَنْ التَّصَوُّرِ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ لَا الْغَافِلَ عَنْ التَّصْدِيقِ وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمَعْرِفَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ فَقَدْ ضَعُفَ بِامْتِنَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ أَمَّا امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْأَوَّلِ وَيُمْكِنُ التَّقْدِيرُ فِي جَانِبِ الْخَبَرِ أَيْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ أَوْ فَامْتَنَعَ تَكْلِيفُهُ؛ لِأَنَّ إلَخْ وَهُوَ أَوْجَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَزْعُ الْخُفِّ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ وَلِمُوَافَقَةِ كَلَامِهِ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي) قَالَ النَّاصِرُ يَصْدُقُ بِالْمَجْنُونِ وَنَفَى تَكْلِيفَهُ اتِّفَاقًا وَيُمْكِنُ عَدَمُ صِدْقِهِ عَلَيْهِ بِجَعْلِ مَنْ كِنَايَةً عَنْ الْمُكَلَّفِ أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِقَرِينَةِ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ السَّابِقِ اهـ. قَالَ سم وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ كَالسَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُجَوِّزُهُ مَنْ مَنَعَ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ انْتَهَى يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِي الْمَجْنُونِ أَيْضًا، ثُمَّ إنَّ إطْلَاقَ السَّكْرَانِ يَشْمَلُ الْمُتَعَدِّيَ بِسُكْرِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ كَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ مِنْ تَصَرُّفِ النَّاقِلِ لَهُ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ حُكْمًا لِجَرَيَانِ أَحْكَامِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا بَلْ مِنْ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِتَسَبُّبِهِ فِي إزَالَةِ عَقْلِهِ بِمُحَرَّمٍ قَصْدًا وَعَبَّرَ كَغَيْرِهِ بِالتَّكْلِيفِ مَعَ قُصُورِهِ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ وَلَوْ عَبَّرَ وَأَبْدَلَهُ بِتَعَلُّقِ خِطَابٍ غَيْرِ وَضْعِيٍّ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى اعْتِذَارٍ. (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ) أَيْ الْمَطْلُوبَ بِالتَّكْلِيفِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُقْتَضَى اللَّازِمَ إذْ التَّكْلِيفُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِتْيَانَ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ

بِالشَّيْءِ الْإِتْيَانُ بِهِ امْتِثَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: امْتِثَالًا) افْتِعَالًا مِنْ مَثَلَ بِوَزْنِ ضَرَبَ أَيْ قَامَ وَانْتَصَبَ أَوْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ أَيْ احْتَذَاهُ أَيْ اقْتَدَى بِهِ هَذَا مَعْنَاهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ النَّاصِرُ زِيَادَةَ لَفْظِ الِامْتِثَالِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الِامْتِثَالَ بِالْإِتْيَانِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ كَمَا أُمِرَ بِهِ فَمَفْهُومُهُ هُوَ مَفْهُومُ مَا قَبْلَهُ أَيْ الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ سَوَاءٌ جُعِلَ حَالًا أَوْ مَفْعُولًا لَهُ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ مَعَ قَصْدِ الِامْتِثَالِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الِامْتِثَالُ أَيْ قَصْدُهُ مِنْ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ وَمَا سَيَأْتِي فِي تَقْسِيمِهِ وَتَعْرِيفَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَضَى هُوَ الْفِعْلُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لَهُ بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ صَحَّحَا عَدَمَ اعْتِبَارِ قَصْدِ الِامْتِثَالِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ وَهُنَا اعْتَبَرَاهُ فِي الْإِتْيَانِ بِالشَّيْءِ الْمُكَلَّفِ بِهِ كَفًّا كَانَ الشَّيْءُ أَوْ غَيْرَهُ فَلَمْ يُفَرِّقْ هُنَا بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضٌ. وَأَجَابَ سم عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّفْسِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِلِامْتِثَالِ فَسَّرَهُ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي مَقَامٍ يُنَاسِبُهُ لَا جَمِيعُهُمْ وَقَدْ فَسَّرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ فِي تَقْرِيرِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي حَمَلَ الِامْتِثَالَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ عَلَى قَصْدِهِ فَوَافَقَ مَا صَوَّبَهُ وَبِأَنَّهُ إذَا أَعْرَبَ امْتِثَالًا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ أَفَادَ مَعْنَى الْقَصْدِ قَطْعًا إذْ لَا مَعْنَى لِلْإِتْيَانِ بِالشَّيْءِ لِأَجْلِ الِامْتِثَالِ إلَّا الْإِتْيَانُ بِهِ بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى مَا صَوَّبَهُ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ الْفَائِدَةَ عَلَى جَعْلِهِ مَفْعُولًا لَهُ وَلَا تَصْوِيبُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَبِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِامْتِثَالَ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَفْهُومُهُ هُوَ مَفْهُومُ مَا قَبْلَهُ حَتَّى تَنْتَفِي الْفَائِدَةُ قَيَّدَ فِيهِ الْإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ كَمَا أُمِرَ بِهِ وَأَطْلَقَ فِيمَا قَبْلَهُ عَنْ هَذَا الْقَيْدِ فَتَغَايَرَا تَغَايَرَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَذِكْرُ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الْمُطْلَقِ يُفِيدُ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ فَنَفْيُ

وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ بِهِ وَالْغَافِلُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَقَظَتِهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْمَالِ وَقَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي زَمَانِ غَفْلَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ. وَعَنْ الثَّانِي يُمْنَعُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ وَتَعْرِيفَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَضَى هُوَ الْفِعْلُ لَا يُنَافِي أَنَّ الْفِعْلَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَإِنَّمَا أَطْلَقُوهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ كَافٍ فِي الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ تَمْيِيزُ الْحُكْمِ وَأَقْسَامُهُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِحُصُولِ ذَلِكَ التَّمْيِيزِ مَعَ إطْلَاقِهِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحُ لَمْ يُصَرِّحَا هُنَا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا أَطْلَقَا وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ بَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيُقَيَّدُ مَا هُنَا بِالْأَمْرِ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَقَظَتِهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْمَالِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّعْمِيمِ وَعَدَمِ إثْبَاتِ الدَّلِيل لِلْمُدَّعِي بِتَمَامِهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا أَعَمُّ مِمَّا بِالْفِعْلِ وَبِالْقُوَّةِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي مَا هُوَ بِالْفِعْلِ فَلَا تَخَالُفَ أَوْ إنَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ غَيْرِهِمَا وَمَا ذَكَرَاهُ فِيمَا يَأْتِي مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا اهـ مُلَخَّصًا وَلَا يَخْفَاك التَّكَلُّفُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ (لَا يُقَالُ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ فُقَهَائِنَا أَنَّ مَنْ أَتَى بِالْوَاجِبِ مَثَلًا غَافِلًا عَنْ مُلَاحَظَةِ الِامْتِثَالِ غَيْرَ مُتَصَوِّرٍ لَهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَهُوَ يُنَافِي اعْتِبَارَ الِامْتِثَالِ فِي مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ (وَأُجِيبَ) بِاحْتِمَالِ مُخَالَفَةِ طَرِيقَتَيْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَبِاحْتِمَالٍ لِلتَّوْفِيقِ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُ الِامْتِثَالِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ لَاحَظَ عِلَّةَ إتْيَانِهِ بِالْفِعْلِ لَاحَظَ أَنَّهَا قَصْدُ الِامْتِثَالِ وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ فَالدَّلِيلُ صَحِيحٌ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ الْإِتْيَانُ بِهِ امْتِثَالًا أَوْ الِامْتِثَالُ. (قَوْلُهُ: لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ) أَيْ التَّكْلِيفَ. (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ) أَتَى بِهِ مَعَ تَقَدُّمِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ وَجَبَ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ تَوَقُّفَ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالشَّيْءِ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِهِ امْتِثَالًا عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ وَامْتِنَاعَ وُجُودِهِ بِدُونِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَوَقُّفَ نَفْسِ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعُهُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ اهـ. وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَخْ أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يُكَلَّفَ غَيْرُ الْعَالِمِ، ثُمَّ يَعْلَمُ بِالتَّكْلِيفِ فَيَأْتِيَ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ امْتِثَالًا قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى أَنْ يَقْتَضِيَ التَّكْلِيفُ الْإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ امْتِثَالًا أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالتَّكْلِيفِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ امْتِثَالًا غَيْرُ مُمْكِنٍ مِنْ الْغَافِلِ فَيَمْتَنِعُ طَلَبُهُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَكَذَا عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ لِكَوْنِ تَكْلِيفِهِ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ لَا التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ. وَأَمَّا الْإِتْيَانُ بِهِ امْتِثَالًا بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِهِ فَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِعْلَامِ لَا عَلَى التَّكْلِيفِ حَالَ الْغَفْلَةِ بَلْ التَّكْلِيفُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِغَيْرِ مَقْدُورٍ وَتَكْلِيفٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالتَّكْلِيفُ حَقِيقَةً إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْإِعْلَامِ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ صِحَّةُ الِاسْتِلْزَامِ الَّذِي مَنَعَهُ وَانْدِفَاعُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ إلَخْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَأْخُذْ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي التَّكْلِيفِ مِنْ مُجَرَّدِ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي مُقْتَضَاهُ بَلْ مِنْ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهِ وَالْفَائِدَةِ فِي التَّكْلِيفِ بِهِ اهـ. مُلَخَّصًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَوَقُّفَ نَفْسِ التَّكْلِيفِ إلَخْ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِاسْتِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ التَّكْلِيفُ بِدُونِ الْعِلْمِ كَانَ تَكْلِيفًا بِغَيْرِ مَقْدُورٍ وَتَكْلِيفًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَأَجَابَ النَّجَّارِيُّ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْجَوَابُ أَقْعَدُ فَإِنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ لَا تُعَلَّلُ بِالثَّمَرَاتِ وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ تَابِعَةٌ لِأَفْعَالِ اللَّهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُكَلَّفِينَ لَا إلَى الْحَقِّ تَعَالَى لِتَعَالِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَنْ يَبْعَثَهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ (قَوْلُهُ: بَعْدَ يَقَظَتِهِ) أَيْ زَوَالِ غَفْلَتِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَالِ) أَخْرَجَ غَيْرَ الْمَالِ كَالْخَمْرَةِ الْمُحْتَرَمَةِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَإِنْ امْتَنَعَ إتْلَافُهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ سَبَبِهِمَا) قَدْ

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يَدْرِي وَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَمَّا أُلْجِئَ إلَيْهِ كَالْمُلْقَى مِنْ شَاهِقٍ عَلَى شَخْصٍ يَقْتُلُهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهِ الْقَاتِلِ لَهُ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ بِالْمُلْجِئِ إلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُلْجِئَ إلَيْهِ وَاجِبُ الْوُقُوعِ وَنَقِيضُهُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ وَقِيلَ بِجَوَازِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ كَحَمْلِ الْوَاحِدِ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ وُجُوبَ قَضَاءِ الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هُنَا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اشْتِغَالُ ذِمَّتِهِ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ الْغَفْلَةِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِمَا. الثَّانِي: وُجُوبُ الْفِعْلِ لِلصَّلَاةِ قَضَاءً وَهُوَ الْحَاصِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْغَفْلَةِ وَهَذَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَقَظَتِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِتْلَافِ فَاشْتِغَالُ ذِمَّتِهِ بِالْبَدَلِ يَثْبُتُ حَالَ الْغَفْلَةِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَوُجُوبُ أَدَاءِ الْبَدَلِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ زَوَالِ الْغَفْلَةِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي إلَخْ) هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَا السَّابِقُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ أَيْ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْأَوَّلِ مَثَلًا كَمَا بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ يَدْرِي) إنَّمَا قَيَّدَهُ بِمَنْ يَدْرِي لِتَتِمَّ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَافِلِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ فِي تَفْسِيرِ مَفْهُومِهِ إلَى هَذَا الْقَيْدِ إذْ مَفْهُومُ الْمُلْجَإِ مَنْ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَافِلِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَصَادَقَانِ فِيمَنْ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ وَهُوَ غَافِلٌ (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ) أَيْ لَا سَعَةَ مِنْ نَدَحْت الشَّيْءَ إذَا وَسَّعْته. (قَوْلُهُ: عَمَّا أُلْجِئَ إلَيْهِ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِأَنَّ ذِكْرَ قَوْلِهِ أُلْجِئَ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الْمُلْجَأِ فِيهِ دَوْرٌ وَدَفَعَهُ سم بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُلْجَأَ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَيْ الشَّخْصُ الْمَعْرُوفُ بِهَذَا الِاسْمِ وَأُلْجِئَ إلَيْهِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (قَوْلُهُ: يَقْتُلُهُ) صِفَةٌ لِشَخْصٍ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ إذْ فَاعِلُ يَقْتُلُهُ هُوَ الْمُلْقَى وَلَمْ يَبْرُزْ جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ لِأَمْنِ اللَّبْسِ هُنَا بِظُهُورِ أَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الْمُلْقَى أَوْ حَالٌ مُنْتَظَرَةٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْمُلْقَى. (قَوْلُهُ: الْقَاتِلِ لَهُ) صِفَةٌ لِلْوُقُوعِ وَضَمِيرُ لَهُ لِلشَّخْصِ الْمُلْقَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَاجِبُ الْوُقُوعِ) أَيْ عَادَةً وَكَذَا قَوْلُهُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ بِهَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُمَا وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ فِي وَاجِبِ الْوُقُوعِ وَمُمْتَنِعِهِ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ) وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ تَكْلِيفَ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ لَيْسَ مِنْهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الطَّاقَةَ هِيَ الْقُدْرَةُ فَمَا يُطَاقُ هُوَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ سَوَاءٌ امْتَنَعَ لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ امْتَنَعَ لَا لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ لِغَيْرِهِ كَخَلْقِ الْأَجْسَامِ وَبِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَذْكُورَةَ لِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَهِيَ الِاخْتِيَارُ هَلْ يَأْخُذُ فِي الْأَسْبَابِ جَارِيَةً فِي تَكْلِيفِ الْمُلْجَأِ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ رَدِّ تَكْلِيفِ الْمُلْجَأِ لِانْتِفَائِهَا فِيهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْمُلْجَأِ مُنَافٍ لِمَا يَأْتِي مِنْ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ قَالَ سم مَا ادَّعَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ مَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بِنَاءِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْبَنِيَ فَرْدُ الشَّيْءِ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ حُكْمِهِ فَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ أَيْ الَّذِي هَذَا مِنْ أَفْرَادِهِ أَيْ لِأَجْلِ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ الَّذِي

مِنْ الِاخْتِيَارِ هَلْ يَأْخُذُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا مِنْ أَفْرَادِهِ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ اسْتِثْنَاؤُهُ عَنْ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزِ لَهُ عَنْهُ وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُنَافَاةِ الَّتِي ادَّعَاهَا آخَرُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَضُدُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ يَحْتَاجُ لِتَحْرِيرِ فَرْقٍ وَاضِحٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ التَّكَالِيفِ بِالْمُحَالِ كَالتَّكْلِيفِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ صَعْبٌ جِدًّا وَفِي عِبَارَةِ الزَّرْكَشِيّ فِي بَيَانِ الْمُلْجَأِ أَخْذًا مِنْ مَنْعِ الْمَوَانِعِ مَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَذَلِكَ كَالْمُلْقَى مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ فَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْوُقُوعِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَا هُوَ بِفَاعِلٍ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ آلَةٌ مَحْضَةٌ كَالسِّكِّينِ فِي يَدِ الْقَاطِعِ فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ وَحَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْمُرْتَعِشِ اهـ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاخْتِيَارِ مَنْ لَا فِعْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ آلَةٌ مَحْضَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَرْدَ الشَّيْءِ يَسْرِي إلَيْهِ الْحُكْمُ مِمَّا انْدَرَجَ هُوَ فِيهِ إذْ الْحُكْمُ عَلَى الْكُلِّيِّ أَوْ الْعَامِّ بِحُكْمٍ حُكْمٌ عَلَى سَائِرِ أَفْرَادِهِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الثَّانِيَ تَخْصِيصٌ فَمَا مَعْنَى إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْهُ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكُلِّيَّ أَوْ الْعَامَّ فَإِنَّ ذِكْرَ لَفْظِ الْبِنَاءِ يُشْعِرُ بِالْمُقَايَسَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُغَايَرَةِ فَقَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْبَنِيَ إلَخْ كَلَامٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ وَاعْتَرَضَ النَّاصِرُ أَيْضًا قَوْلَ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إلَخْ بِأَنَّ الْبِنَاءَ بِمَعْنَى الْقِيَاسِ فَكَانَ الظَّاهِرُ إسْقَاطَ لَفْظِ جَوَازِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ فِي الِاصْطِلَاحِ مَحَلُّ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمُ كَمَا فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ بِمَعْنَى الْقِيَاسِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ مَا ذَكَرَهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ التَّعْلِيلَ بِأَنَّ هَذَا فَرْدُ ذَاكَ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُ كَمَا مَرَّ اهـ. وَفِيهِ مَا مَرَّ قَالَ النَّاصِرُ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاجِ تَكْلِيفِ الْمُلْجَأِ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ كَوْنُ الْمُلْجِئِ إلَيْهِ مُحَالًا وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا. قُلْت الْمُمْكِنُ

فِي الْمُقَدِّمَاتِ مُنْتَفِيَةً فِي تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ وَإِلَى حِكَايَةِ هَذَا وَرَدِّهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِتَعْبِيرِهِ بِالصَّوَابِ. (وَكَذَا الْمُكْرَهُ) وَهُوَ مَنْ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا أُكْرِهَ بِهِ يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالذَّاتِ قَدْ يَجِبُ لِشَيْءٍ كَتَعَلُّقِ الْعِلَّةِ الْمُوجَبَةِ بِهِ كَالْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ وَيَسْتَحِيلُ لِآخَرَ كَأَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْعِلَّةُ الْفَاعِلِيَّةُ بِالِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ مُحَالًا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْعِبَارَاتِ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فِي الْمُقَدِّمَاتِ) يَعْنِي مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا) الْمُشَارُ إلَيْهِ الْغَافِلُ وَالْمُلْجَأُ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِهِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ) لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي تَعْرِيفِ الْمُلْجَأِ وَتَعْرِيفِ الْمُكْرَهِ صَرِيحٌ فِي تَغَايُرِهِمَا وَهُوَ أَيْضًا صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثًا كُلٌّ مِنْهَا أَبْعَدُ مِمَّا تَلِيهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْمَتْنِ قَالَ فَأَبْعَدُهَا تَكْلِيفُ الْغَافِلِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي وَيَتْلُوهَا تَكْلِيفُ الْمُلْجَأِ فَإِنَّهُ يَدْرِي وَلَكِنْ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْ الْفِعْلِ وَيَتْلُوهَا الْمُكْرَهُ فَإِنَّهُ يَدْرِي وَلَهُ مَنْدُوحَةٌ بِالصَّبْرِ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا يُلَائِمُهُ مَا ذَكَرَهُ سم بِقَوْلِهِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَأَتْبَاعِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُلْجَأَ قِسْمٌ مِنْ الْمُكْرَهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ جَوَازِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ كَعَكْسِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ وَحُسْنِهِ لِنُكْتَةٍ وَهِيَ هُنَا مُخَالَفَةُ الْمُلْجَأِ كَغَيْرِهِ بِضَعْفِ الْخِلَافِ فِيهِ جِدًّا حَتَّى عُدَّ الْمُخَالِفُ مُخْطِئًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ) قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ فِيهِ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ اهـ. وَأَقُولُ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ دَوْرٌ وَيُجَابُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُلْجَأِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ وَاحْتِرَازُهُمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ كَوْنَ الصَّوَابِ الِامْتِنَاعُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَوْلُهُ بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِيه التَّعْبِيرُ بِلَوْ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ النَّفْيِ وَلَوْ مَعْنًى كَالِامْتِنَاعِ هُنَا كَانَ النَّفْيُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاطِفَاتِ قَالَ الْكَمَالُ فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ دَعْوَى الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ بِنَقِيضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ

بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَمْنُوعَةٌ فَقَدْ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ بِتَرْكِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَالتَّكْلِيفِ بِتَرْكِ قَتْلِ الْمُكَافِئِ عُدْوَانًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ قَوْلَهُ وَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ مَعَهُ بِنَقِيضِهِ وَقَوْلَهُ فِي الْمَكْرُوهِ عَلَى الْقَتْلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ حَالَةَ الْقَتْلِ الصَّادِرِ لِلْإِكْرَاهِ بِتَرْكِهِ يَقْتَضِي كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ مَوْضِعَ النِّزَاعِ تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِفِعْلِ الْمُكْرَهِ وَحَالَ الْمُبَاشَرَةِ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ قَائِلُونَ بِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ فِعْلِ الْمُكْرَهِ وَغَيْرِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ فِعْلِ الْمُكْرَهِ وَقَدْ وَافَقَهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى انْقِطَاعِ التَّكَلُّفِ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ مَعَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِتَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَوْضِعَ النِّزَاعِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَبْلَ صُدُورِهِ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ هَلْ يَجُوزُ عَقْلًا تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِهِ وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَإِنَّ التَّحْقِيقَ مَعَ الثَّانِي لَا مَعَ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ فِي الْأَمْرَيْنِ اهـ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ أَوْ بِنَقِيضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لَا يُعَارِضُهُ حِكَايَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ بِنَقِيضِ الْفِعْلِ فِي صُورَتِهِ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّكْلِيفِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِيثَارُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِثْمُ الْقَاتِلِ لِإِيثَارِهِ نَفْسَهُ وَمَعْنَى التَّكْلِيفِ بِهِ مِنْ حَيْثُ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ تَخْصِيصَ الْمُكْرَهِ بِالذِّكْرِ لِوُضُوحِ الْخِلَافِ بِالْفِعْلِ مَعَهُمْ فِيهِ لَا لِاخْتِصَاصِ فِعْلِ الْمُكْرَهِ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ بِهَذَا الْخِلَافِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُمْ يَفْرِضُونَ النِّزَاعَ فِي بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ لِإِيضَاحِ التَّصْوِيرِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَامًّا عَلَى أَنَّهُ يُبْطِلُ الِاعْتِرَاضَ الثَّانِيَ مِنْ أَصْلِهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ حَالُ الْقُدْرَةِ وَأَنَّهُ مَفْقُودٌ فِي الْمُكْرَهِ حَتَّى فِي تِلْكَ الْحَالِ فَالتَّخْصِيصُ بِالْمُكْرَهِ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى

فَإِنَّ الْفِعْلَ لِلْإِكْرَاهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ وَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ مَعَهُ بِنَقِيضِهِ (وَلَوْ) كَانَ مُكْرَهًا (عَلَى الْقَتْلِ) لِمُكَافِئِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ حَالَةَ الْقَتْلِ لِلْإِكْرَاهِ بِتَرْكِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (وَإِثْمُ الْقَاتِلِ) الَّذِي هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتِثَالِ ذَلِكَ) أَيْ تَكْلِيفُهُ بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْفِعْلَ) لِلْإِكْرَاهِ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ دَاعِيَ الشَّرْعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُقَابِلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَبْنَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَتَأَتَّى مَا ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْصُلُ الِامْتِثَالُ بِهِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَحْصُلُ وَمَجْرُورُهَا عَائِدٌ إلَى الْفِعْلِ فَالْمَعْجُوزُ عَنْهُ هُوَ الِامْتِثَالُ وَإِنْ وُجِدَ الْفِعْلُ بِدُونِهِ وَأَمَّا النَّقِيضُ فَهُوَ مَعْجُوزٌ عَنْهُ نَفْسُهُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ مَعَهُ بِالنَّقِيضِ وَإِلَّا لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ مَعَهُ بِنَقِيضِهِ) الضَّمِيرَانِ لِلْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَعَهُ إلَى أَنَّ امْتِنَاعَ التَّكْلِيفِ إنَّمَا هُوَ حَالَةَ الْفِعْلِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ حَالَةَ الْفِعْلِ قَالَهُ عَمِيرَةُ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُمْ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مُنْتَفٍ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ وَغَيْرِهِ وَالِانْتِفَاءُ الَّذِي يَخُصُّ الْمُكْرَهَ الِانْتِفَاءُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: لِمُكَافِئِهِ) أَوْ لِغَيْرِهِ الْمُحْتَرَمِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ التَّكْلِيفُ فِي الْمُكَافِئِ الَّذِي يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْقَوَدُ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ النَّاصِرُ قَوْلُهُ لِمُكَافِئِهِ بَيَانٌ لِمُتَعَلِّقِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا قَدَرَهُ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ لَوْ أَظْهَرُ فِيهِ إذْ رُبَّمَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الْمُكَافِئِ يُكَلَّفُ بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِلْإِكْرَاهِ) صِلَةُ الْقَتْلِ وَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ بِتَرْكِهِ صِلَةُ تَكْلِيفِهِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى تَرْكِهِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ النَّاصِرُ وَلَمْ يَقُلْ بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَتَرَكَهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّرْكِ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِثْمُ الْقَاتِلِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى قَتْلِ الْمُكَافِئِ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِالْفِعْلِ وَلَا بِنَقِيضِهِ كَمَا قُلْتُمْ فَلِأَيِّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْإِثْمُ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِثْمَ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِيثَارُ أَيْ تَقْدِيمُهُ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى مُكَافِئِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى تَرْكِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُكْرَهَ لَهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ قَتْلِهِ لِمُكَافِئِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْمُكْرَهُ لَهُ إنْ لَمْ يَقْتُلْ ذَلِكَ الْمُكَافِئَ. (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ) ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْسُنُ الْإِيرَادُ إذَا

(لِإِيثَارِهِ نَفْسِهِ) الْبَقَاءَ عَلَى مُكَافِئِهِ الَّذِي خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا الْمُكْرِهُ بِقَوْلِهِ اُقْتُلْ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْتُك فَيَأْثَمُ بِالْقَتْلِ مِنْ جِهَةِ الْإِيثَارِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَقِيلَ يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْمُكْرَهِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ (قَوْلُهُ: لِإِيثَارِ نَفْسِهِ بِالْبَقَاءِ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ كَالْقَطْعِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِيثَارُ بِالْبَقَاءِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِهِ مُفَوِّتًا لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَمْتَثِلْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: الَّذِي خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا الْمُكْرَهُ) نَعْتٌ لِمُكَافِئِهِ وَالْهَاءُ فِي خَيَّرَهُ لَيْسَتْ عَائِدَ الْمَوْصُولِ بَلْ تَعُودُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْعَائِدُ الضَّمِيرُ فِي بَيْنَهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَوْصُولِ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ الَّذِي خَيَّرَهُ الْمُكْرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الَّذِي مُثَنًّى فِي الْمَعْنَى صِفَةٌ لِلْبَقَاءَيْنِ الْمَذْكُورِ وَالْمُقَدَّرِ مُضَافًا إلَى قَوْلِهِ مُكَافِئَةٌ بِدَلِيلِ إتْيَانِهِ بِالْعَائِدِ مُثَنًّى فِي قَوْلِهِ بَيْنَهُمَا وَأَجَابَ سم بِجَوَابٍ أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِالْقَتْلِ) قَالَ النَّاصِرُ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَيَأْثَمُ بِالْإِيثَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِثْمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا الْقَتْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ وَلَا بِنَقِيضِهِ لَا حَالَ مُبَاشَرَتِهِ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَلَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْقُدْرَةَ إنَّمَا تُوجَدُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ التَّكْلِيفُ وَالنَّهْيُ إلَّا بِإِيثَارِهِ نَفْسَهُ أَيْ بِالْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ فَالْإِثْمُ إنَّمَا هُوَ بِهِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُوَافَقَةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ إنَّمَا صَرَّحَ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ فَهُوَ أَيْ الْقَتْلُ ذُو جِهَتَيْنِ جِهَةِ الْإِكْرَاهِ وَلَا إثْمَ مِنْ نَاحِيَتِهَا وَجِهَةِ الْإِيثَارِ وَلَا إكْرَاهَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ أَصْلُ الْقَتْلِ لَا عِقَابَ فِيهِ وَالْقَتْلُ الْمَخْصُوصُ فِيهِ عِقَابٌ لِتَضَمُّنِهِ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ إيثَارُ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْإِثْمَ بِالْقَتْلِ مِنْ جِهَةِ الْإِيثَارِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِثْمُ الْقَاتِلِ إلَخْ أَنَّ إثْمَهُ بِالْقَتْلِ لِأَجْلِ تَضَمُّنِ ذَلِكَ الْقَتْلِ إيثَارَ نَفْسِهِ وَلَا يَنْهَضُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِالْقَتْلِ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ بِهِ وَإِثْمُ فَاعِلِهِ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْإِيثَارَ. وَأَمَّا جَعْلُهُ الْإِثْمَ بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِيثَارِ لِأَنَّهُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِهِ فَلَا يُنَاسِبُ فَرْضَ هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي حَالِ الْمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَدْعِي لِفَرْضِ كَوْنِ السُّؤَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ الْمُشَارُ إلَيْهِمَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِثْمُ الْقَاتِلِ إلَخْ مُتَعَلِّقَيْنِ بِحَالِ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْعَزْمَ لَا يَكُونُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ بَلْ قَبْلَهَا وَهَذَا الْعَزْمُ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى يَأْثَمُ بِهَا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي إثْمَهُ بِالْقَتْلِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ تَضَمُّنِهِ الْإِيثَارَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْمُكْرَهِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ)

لِقُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ بِأَنْ يَأْتِي بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لِدَاعِي الشَّرْعِ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَنَوَاهَا عِنْدَ أَخْذِهَا مِنْهُ أَوْ بِنَقِيضِهِ صَابِرًا عَلَى مَا أُكْرِهَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُكَلِّفْهُ الشَّارِعُ الصَّبْرَ عَلَيْهِ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ صَابِرًا عَلَى الْعُقُوبَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالثَّانِي لِلْأَشَاعِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي قَبْلَ التَّلَبُّسِ فِي الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي مَفْرُوضٌ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي حَالِ الْمُبَاشَرَةِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لِقُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِنَوْعَيْهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الِامْتِثَالِ إلَى الْإِشَارَةِ إذْ الِامْتِثَالُ يُضَافُ لِلتَّكْلِيفِ دُونَ الْمُكَلَّفِ بِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزَّكَاةِ فَنَوَاهَا) قَالَ النَّاصِرُ لَوْ قَالَ فَنَوَاهُ لَكَانَ أَوْفَقَ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ وَلِلْوَاقِعِ قَالَ سم وَجَّهَ لَهُ وَلِلْوَاقِعِ أَنَّ الْمَنْوِيَّ فِي الْوَاقِعِ هُوَ أَدَاؤُهَا هَذَا مُرَادُهُ ثُمَّ رَدَّ الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي نِيَّةِ الزَّكَاةِ مُلَاحَظَةُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ زَكَاةٌ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَقَصْدُهُ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِ مَذْهَبِ الشَّيْخِ مُوَافِقًا لِاعْتِرَاضِهِ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى اعْتِقَادِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُكَلِّفْهُ الشَّارِعُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَالنَّاصِرُ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِالنَّقِيضِ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا بِالصَّبْرِ الْمَذْكُورِ إذْ لَا يَحْصُلُ النَّقِيضُ إلَّا بِهَذَا الصَّبْرِ وَكُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَأَجَابَ النَّاصِرُ بِجَعْلِهِ مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِنَقِيضِهِ مُجَرَّدًا عَنْ النَّظَرِ إلَى التَّكْلِيفِ بِهِ وَأَجَابَ سم بِجَوَابٍ آخَرَ أَوْضَحَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُكَلِّفْهُ الشَّارِعُ إلَخْ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا أُكْرِهَ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي كَلَّفَهُ الشَّارِعُ الصَّبْرَ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِمُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ دُونَ التَّكْلِيفِ بِالنَّقِيضِ فَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ بِهِ بِالنَّظَرِ لِمُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ دُونَ التَّكْلِيفِ بِالنَّقِيضِ تَارَةً يَجِبُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَتَارَةً لَا يَجِبُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ تَعَاطِي الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَفْصِيلَ الْمَنْدُوحَةِ فِي الْإِكْرَاهِ بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّهُ تَارَةً يَجِبُ ارْتِكَابُهَا وَتَارَةً لَا وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لَا تُنَافِي وُجُوبَ الصَّبْرِ عَلَى مَا أُكْرِهَ بِهِ مُطْلَقًا إذَا كُلِّفَ بِنَقِيضِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ فِي صِحَّةِ تَوْجِيهِهِ حِينَئِذٍ بِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْفِعْلَ لِلْإِكْرَاهِ إلَخْ الْمُقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ نَظَرَ فِي التَّكْلِيفِ إلَى حَالِ الْمُبَاشَرَةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمْ ثُبُوتُ التَّكْلِيفِ قَبْلَ حُدُوثِ الْفِعْلِ وَانْقِطَاعِهِ حَالَ حُدُوثِهِ اهـ. قَالَ سم وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ مُنَافٍ لِأَصْلِهِمْ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّكْلِيفِ وَعَدَمِهِ بِحَالِ حُدُوثِ الْفِعْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ عَكْسُ أَصْلِهِمْ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا قَبْلَ حُدُوثِ الْفِعْلِ لَا بِحَالِ حُدُوثِهِ إذْ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ قَبْلَ الْحُدُوثِ وَيَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ حَالَ الْحُدُوثِ وَلَا خَفَاءَ فِي قُوَّةِ هَذَا الْإِشْكَالِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْتَزِلَةِ هُنَا بَعْضُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُ السَّيِّدِ الْمُعْتَزِلَةَ فِي قَوْلِ الْمَوَاقِفِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْقُدْرَةُ قَبْلَ الْفِعْلِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَكْثَرِهِمْ وَإِنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ خَالَفَ بَقِيَّةَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِ إنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ حَالُ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لِلْأَشَاعِرَةِ) أَيْ لِجُمْهُورِهِمْ إذْ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ مَنْ قَالَ إنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَالَ

وَرَجَعَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ آخِرًا وَمِنْ تَوْجِيهِهِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ التَّحْقِيقَ مَعَ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَيَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالْمَعْدُومِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا) بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبَاشَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ آخِرًا) أَيْ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَقَالَ وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ ثُمَّ يَرِدُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِرُجُوعِهِ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ إلَخْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَسَمُّحٌ فِي نَفْيِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ تَوْجِيهِهِمَا إلَخْ) لِأَنَّ تَوْجِيهَ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى فَرْضِ كَلَامِهِ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ وَتَوْجِيهَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ إلَخْ يَدُلُّ فَرْضَ كَلَامِهِ فِيمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ إلَخْ) فِيهِ تَسَمُّحٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ نِزَاعَ الْفَرِيقَيْنِ الْوَاقِعَ بِالْفِعْلِ لَمْ يَتَوَارَدُوا فِيهِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيهِمَا حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ التَّحْقِيقَ مَعَ الْأَوَّلِ إلَخْ) فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْفِعْلِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ فَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَهَا إلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ قُبَيْلَ التَّلَبُّسِ بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَا بِنِقْضَيْهِ وَبَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ لِلْإِكْرَاهِ يَمْتَنِعُ الْإِتْيَانُ بِهِ امْتِثَالًا وَبِنَقِيضِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِرُجُوعِ الْمُصَنِّفِ إلَى الثَّانِي وَأَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِهِمْ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّحْقِيقُ هُوَ الثَّانِي وَبِالْجُمْلَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَقَعْ لَهَا تَحْرِيرٌ عَلَى مَا يَنْبَغِي فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَا فِي مَوَادِّهِ فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ فِيهَا فَلْيُرْجِعْ لِمُطَوَّلَاتِ كُتُبِ الْكَلَامِ وَلِأَجْلِ هَذَا الِاضْطِرَابِ أَمَرَ الشَّارِحُ أَثْنَاءَ الْبَحْثِ بِالتَّأَمُّلِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالْمَعْدُومِ) قَالَ النَّاصِرُ الْأَمْرُ هُوَ الْإِيجَابُ وَالنَّدْبُ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا وَتَنْجِيزِيًّا مَعًا فَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَمْرٌ بِالْمَعْدُومِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ذَاتُ الْخِطَابِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا هُوَ الْأَمْرُ الْمَعْنَوِيُّ الْآتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ أَيْ الْكَلَامُ فِي الْأَزَلِ إلَى أَمْرٍ وَغَيْرِهِ لَا الْأَمْرُ التَّنْجِيزِيُّ الَّذِي هُوَ قِسْمٌ مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَسَيَأْتِي تَنَوُّعُ الْكَلَامِ فِي الْأَزَلِ إلَخْ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ أَيْضًا يَكُونُ مَعْنَوِيًّا كَمَا يَكُون تَنْجِيِزيًّا فَإِنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ انْقِسَامُ كُلٍّ مِنْ الْحُكْمِ وَالْأَمْرِ إلَى تَنْجِيزِيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ فَسَقَطَ الْإِشْكَالُ رَأْسًا وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ قَدْ تُسْتَشْكَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْمُورًا فِي حَالِ الْغَفْلَةِ وَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بَعْدَ تَذَكُّرِهِ بِالْأَمْرِ الْمَوْجُودِ فِي حَالِ غَفْلَتِهِ. أَشْكَلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْدُومِ بَلْ الْغَافِلُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَعْدُومُ مَأْمُورًا بَعْدَ وُجُودِهِ بِالْأَمْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وُجُودِهِ كَانَ الْغَافِلُ مَأْمُورًا بَعْدَ تَذَكُّرِهِ بِالْأَمْرِ الْوَارِد

بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ يَكُونُ مَأْمُورًا بِذَلِكَ الْأَمْرِ النَّفْسِيَّ الْأَزَلِيَّ لَا تَعَلُّقًا تَنْجِيِزيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ تَذْكِيرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا حَالَ غَفْلَتِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَأْمُورًا بَعْدَ تَذَكُّرِهِ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي حَالِ غَفْلَتِهِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْغَافِلِ كَحُكْمِ الْمَعْدُومِ سَوَاءٌ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَكُونُ مَأْمُورًا حَالَ عَدَمِهِ وَلَا حَالَةَ غَفْلَتِهِ وَيَكُونُ مَأْمُورًا بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ تَذَكُّرِهِ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي حَالَةِ الْعَدَمِ وَحَالَةِ الْغَفْلَةِ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِإِفْرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ. مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَعْدُومِ هُوَ الْأَمْرُ الْمَعْنَوِيُّ وَإِذَا تَعَلَّقَ بِالْمَعْدُومِ حَالَ عَدَمِهِ تَعَلَّقَ بِالْغَافِلِ حَالَ غَفْلَتِهِ بِالْأَوْلَى بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الصَّوَابِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْدُومِ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ فَيَشْمَلُ الْمَعْدُومَ حَقِيقَةً وَالْمَوْجُودَ الَّذِي لَمْ يَتَّصِفْ بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ فَالْغَافِلُ قَبْلَ وُجُودِهِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ وَلَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِهِ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ وُجُودِهِ حَالَ غَفْلَتِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ حِينَئِذٍ ثُبُوتُ التَّعَلُّقِ بِطَرِيقِ اسْتِمْرَارِ التَّعَلُّقِ حَالَ الْعَدَمِ وَالْمُرَادُ بِالتَّكْلِيفِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَافِلِ الَّذِي نُفِيَ عَلَى الصَّوَابِ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ تَعَلُّقًا تَنْجِيِزيًّا فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ لَا تُشْكَلُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَلَا تَشْتَبِهُ هَذَا مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْدُومِ مَا يَشْمَلُ مَا وُجِدَ غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ لَا يُسَوَّغُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْدُومِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ وُجِدَ بِدُونِ شُرُوطِ التَّكْلِيفِ اهـ. بِقَوْلِهِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّعْمِيمِ لِأَنَّ مَنْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ التَّكْلِيفِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِهِ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ وُجُودِهِ وَقَبْلَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِ التَّكْلِيفِ فِيهِ اهـ. لِأَنَّ هَذَا نَقْضٌ لِمَا بَنَى عَلَيْهِ جَوَابَ الْإِشْكَالِ تَأَمَّلْ وَنَعَمْ مَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا يَظْهَرُ تَعَلُّقُهَا بِهَذَا الْفَنِّ أَصْلًا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ فُرُوعِ الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ. (قَوْلُهُ: بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ) وَمِنْهَا الْبَعْثَةُ لَكِنْ يَجِبُ كَوْنُ الْبَاءِ لِلْمَعِيَّةِ لَا لِلْمُلَابَسَةِ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ الْبَعْثَةُ وَلَا يَصِحُّ مُلَابَسَةُ الشَّخْصِ لَهَا بِخِلَافِ الْمُصَاحَبَةِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَكَلَامُ سم هُنَا مَعَهُ بَعِيدٌ عَنْ مَذَاقِ كَلَامِهِ. (قَوْلُهُ: يَكُونُ مَأْمُورًا إلَخْ) إنْ أُرِيدَ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا عَلَى وَجْهِ التَّنْجِيزِ لَزِمَ تَفْسِيرُ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ بِالتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَإِنْ أُرِيدَ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا إلَّا بِقَيْدٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْمُورًا حَالَ عَدَمِهِ وَهُوَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ مِنْ إثْبَاتِ كَوْنِهِ مَأْمُورًا حَالّ الْعَدَمِ فَاللَّائِقُ بِالْإِيضَاحِ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيُوجَدُ بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ طَلَبٌ مِنْهُ فِي الْأَزَلِ مَا يَفْهَمُهُ وَيَعْقِلُهُ إذَا وُجِدَ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ فَإِذَا وُجِدَ بِهَا تَعَلَّقَ بِهِ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ بِذَلِكَ الطَّلَبِ الْأَزَلِيِّ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ طَلَبٍ آخَرَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْعَضُدِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّعَلُّقَ وَاحِدٌ فَلِذُلِّك قَالَ النَّاصِرُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَبْحَثَ بَلْ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَبَاحِثِ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ إذَا اُعْتُبِرَ التَّعَلُّقُ الْمَعْنَوِيُّ وَحْدَهُ كَافِيًا فِي تَحَقُّقِ مَفْهُومِ الْحُكْمِ اهـ. وَهُوَ وَجِيهٌ وَقَالَ النَّجَّارِيُّ ثُمَّ إنَّ هَذَا كُلَّهُ يَعْنِي لُزُومَ التَّنَاقُضِ وَغَيْرُهُ مَبْنِيٌّ كَمَا تَرَى عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ يُسَمَّى حُكْمًا بِدُونِ التَّعْلِيقَيْنِ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ مُسَمَّى الْحُكْمِ هُوَ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ التَّعَلُّقُ بِفِعْلِ

بِأَنْ يَكُونَ حَالَةَ عَدَمِهِ مَأْمُورًا (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِي نَفْيِهِمْ التَّعْلِيقَ الْمَعْنَوِيَّ أَيْضًا لَنَفِيهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَالنَّهْيَ وَغَيْرَهُ كَالْأَمْرِ وَسَيَأْتِي تَنَوُّعُ الْكَلَامِ فِي الْأَزَلِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَى الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ. (فَإِنْ اقْتَضَى الْخِطَابُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكَلَّفِ عِنْدَ وُجُودِهِ بِشَرَائِطِ التَّكْلِيفِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْكَمَالُ فَلَا إشْكَالَ اهـ. وَكَلَامُ سم يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ فَإِنَّهُ أَجَابَ عَنْ التَّنَاقُضِ بِأَنَّ حَاصِلَ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ تَعْلِيقُ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ عَلَى الْوُجُودِ الْمَذْكُورِ فَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْوُجُودِ الْمَذْكُورِ الْمُنْتَفِي قَبْلَهُ هُوَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ وَالْمَطْلُوبُ إثْبَاتُهُ قَبْلَ الْوُجُودِ الْمَذْكُورِ هُوَ التَّعَلُّقُ الْمَعْنَوِيُّ اهـ. وَنَازَعَ النَّاصِرُ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ إلَخْ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ لَا الْحُكْمِ وَأَنَّ تَعَلُّقَ الْأَمْرِ قِسْمَانِ مَعْنَوِيٌّ وَتَنْجِيرِيٌّ وَأَنَّ التَّعَلُّقَ الْمَعْنَوِيَّ غَيْرُ الْحُكْمِ التَّنْجِيزِيِّ الَّذِي هُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ هُنَا بِالْحُكْمِ فَمِنْ أَيْنَ لَزِمَ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْمَبْحَثِ تَحَقُّقُ مَفْهُومِ الْحُكْمِ عِنْدَ تَحَقُّقِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ حَتَّى يَتَأَتَّى هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّيْخِ اهـ. وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ تَعْلِيقَ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ لَيْسَ مِنْ التَّعَلُّقِ فِي شَيْءٍ بَلْ يَرْجِعُ لِتَخْصِيصِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ بِمَا بَعْدَ الْوُجُودِ فَلَيْسَ ثَمَّ إلَّا تَعَلُّقٌ وَاحِدٌ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ قَصُدَ التَّعَلُّقُ عَلَى حَالَةِ الْوُجُودِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الشَّارِحِ لَيْسَ تَعَلُّقًا حَالَةَ الْعَدَمِ بَلْ هُوَ عَدَمُ التَّعَلُّقِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَصْلُحُ بَيَانًا لِلتَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَكَوْنِهِ عَدَمًا لِلتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ لَا يَجْعَلُهُ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا بَلْ هُوَ عَدَمٌ لِلتَّعَلُّقِ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَا يَصْلُحُ لِلْبَيَانِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ حَالَةَ عَدَمِهِ إلَخْ) يَنْبَغِي هُنَا إرَادَةُ عَدَمِهِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ يُوجَدَ هُوَ وَلَا تُوجَدَ شُرُوطُ التَّكْلِيفِ وَقَوْلُهُ مَأْمُورًا أَيْ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ تَعَلُّقًا تَنْجِيِزيًّا. (قَوْلُهُ: لِنَفْيِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ) وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُقَسَّمِ نَفْيُ الْأَقْسَامِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَمْرُ وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَمْرِ نَفْيُ تَعَلُّقِهِ قَالَ سم لِبَاحِثٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا النَّفْيُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ النَّفْيَ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ فَهَلَّا أَثْبَتُوا تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا بِمَعْنَى إرَادَةِ الْفِعْلِ مِنْهُ إذَا وُجِدَ بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ اهـ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ وَنَفْيُهُمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ يَقْتَضِي نَفْيَ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ يَقْتَضِي نَفْيَ تَعَلُّقِهِ وَأَمَّا أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْأَمْرَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَعْدُومِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا فَشَيْءٌ آخَرُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ وَغَيْرُهُ) النَّهْيُ يَشْمَلُ غَيْرَ الْجَازِمِ أَيْضًا فَيَنْحَصِرُ قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ فِي الْإِبَاحَةِ وَقَوْلُهُ كَالْأَمْرِ أَيْ فَيَتَعَلَّقَانِ بِالْمَعْدُومِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَقَوْلُهُ سَيَأْتِي أَيْ فَتَسْمِيَةُ الْمُصَنِّفِ لَهُ أَمْرًا بِحَسَبِ الْأَزَلِ صَحِيحٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَصَحُّ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ يَتَنَوَّعُ فِي الْأَزَلِ إلَى الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ لَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَنَوَّعُ فِي الْأَزَلِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِتَعَلُّقِ النَّهْيِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي وَلَا يَرِدُ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَمْرِ مَفْهُومٌ أَيْضًا مِمَّا سَيَأْتِي فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ لِأَنَّ وَجْهَ ذِكْرِهِ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ وَعَلَى مُخَالَفَةِ الْمُعْتَزِلَةِ لِئَلَّا يُغْفَلَ عَنْ ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَضَى الْخِطَابُ الْفِعْلَ) قَالَ الْكُورَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَعَلَ الْمُقَسَّمَ نَفْسَ الْخِطَابِ دُونَ الْحُكْمِ مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ جِنْسُ الْحُكْمِ فَالْعُدُولُ عَنْ الْحُكْمِ لَا وَجْهَ لَهُ الثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ التَّرْكَ فِي الْحَرَامِ مُتَعَلِّقَ الِاقْتِضَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ غَيْرُ مَقْدُورٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَفِّ الثَّالِثُ: أَنَّهُ جَعَلَ خِلَافَ الْأَوْلَى مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَوَّلِيَّةِ لِلْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَجَابَ سم عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ جَعَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامَ لِلْخِطَابِ مِمَّا لَا مَانِعَ عَنْهُ وَكَوْنُهُ جِنْسًا لِلْحُكْمِ غَيْرُ مَانِعٍ وَوَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ تَقْسِيمِ الْحُكْمِ بَيَانُ صِحَّةِ جَعْلِهَا أَقْسَامًا لِلْخِطَابِ رَدًّا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جَعْلِ بَعْضِهِمْ إيَّاهَا أَقْسَامًا لِلْحُكْمِ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ أَقْسَامًا لِلْخِطَابِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ وَالتَّعْبِيرُ الْوَاقِعُ هُنَا وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفِ الْمُرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ إلَخْ فَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ الْقَوْمَ هُنَا فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّرْكِ ثُمَّ حَقَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا هُنَا. وَعَنْ

أَيْ طَلَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّالِثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَرُّضٌ لِكَوْنِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلِيَّةٌ أَوْ ثَانَوِيَّةٌ بَلْ عِبَارَتُهُ مُحْتَمَلَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ الْأَقْسَامِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِبَيَانِهَا كَذَلِكَ إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْأُصُولِيِّ فِي تَمْيِيزِ الْأُولَى مِنْهَا عَنْ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَجْعَلْهَا أَقْسَامًا لِلْحُكْمِ بَلْ لِلْخِطَابِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ مِمَّا أَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ وَيَرِدُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ فِي الْحَقِيقَةِ لِنَوْعٍ مِنْ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ لَا الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ فَإِنَّ أَقْسَامَهُ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ. ثُمَّ إنَّ الْأُصُولِيَّ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْخِطَابِ الْعَامِّ وَإِنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِنَوْعٍ مِنْهُ مُسَمًّى بِالْحُكْمِ فَأَيُّ دَاعٍ لِجَعْلِ الْمُقَسَّمِ مُطْلَقَ الْخِطَابِ مَعَ أَدَائِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الِانْحِصَارِ وَتَصْحِيحِ جَعْلِهَا أَقْسَامًا لِلْخِطَابِ مَا يَحْتَاجُ لِمَعُونَةٍ بِأَنْ يُرَادَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ إلَخْ فَيَعُودُ لِلْحُكْمِ وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ الْمُوَرَّدَ نَفْسَهُ أَجَابَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَيْهِ جَوَابُهُ فَلَا حَاجَةَ لِجَوَابِهِ الدَّاعِي لِلتَّكْرَارِ وَعَلَى الثَّالِثِ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ فِي التَّقْسِيمَاتِ الَّتِي تُذْكَرُ أَوَّلَ الْمَبَاحِثِ هِيَ التَّقْسِيمَاتُ الْأَوَّلِيَّةُ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ بَيْنَ أَرْبَابِ التَّدْوِينِ. وَفِي الْكَمَالِ أَنَّ إسْنَادَ الِاقْتِضَاءِ إلَى الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ مَجَازٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ النَّفْسِيَّيْنِ خِطَابٌ نَفْسِيٌّ لَا أَمْرٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ مُغَايِرٌ لَهُ وَكَتَبَ حَاشِيَةً عَلَى هَذَا نَصُّهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ جَعَلَ لِلِاقْتِضَاءِ اقْتِضَاءً أُسْنِدَ إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ جَدَّ جَدُّهُ حَيْثُ جَعَلُوا لِلْجَدِّ جَدًّا أَسْنَدُوهُ إلَيْهِ اهـ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فَلَيْسَ مَصْدَرًا أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا اقْتَضَى وُقُوعَ الْخِطَابِ هُنَا عَلَى الِاقْتِضَاءِ يَمْنَعُ مِنْهُ قِسْمُ الْإِبَاحَةِ الْآتِي فِي الِاقْتِضَاءِ إذْ لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي اعْتِرَاضِهِ الْآتِي عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَالصَّوَابُ أَوْ خُيِّرَ لِبَقَاءِ الْمَحْذُورِ بِرُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي خُيِّرَ إلَى الْخِطَابِ بِمَعْنَى الِاقْتِضَاءِ عَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاقْتِضَاءِ هُنَا الطَّلَبُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَيَرْجِعُ لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اشْتِقَاقُ الْفِعْلِ وَهُوَ اقْتَضَى مِنْهُ لَا بِمَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الِاعْتِرَاضِ وَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخِطَابِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِسْنَادُ مِنْ قَبِيلِ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى مَا هُوَ كَالْآلَةِ لَهُ كَمَا قَالُوا فِي إسْنَادِ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ لِلْقُدْرَةِ لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وُقُوعُ الْمَجَازِ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّا نَقُولُ كَمَا فِي سم أَنَّ التَّعَارِيفَ الضِّمْنِيَّةَ لَا تَضَايُقَ

كَلَامِ اللَّهِ النَّفْسِيَّ (الْفِعْلُ) مِنْ الْمُكَلَّفِ لِشَيْءِ (اقْتِضَاءً جَازِمًا) بِأَنْ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا أَوْ يُدَّعَى شُهْرَةُ هَذَا الْمَجَازِ اهـ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ تَعْرِيفًا ضِمْنِيًّا أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّقْسِيمِ إذْ التَّقَاسِيمُ مُتَضَمِّنَةٌ لِتَعَارِيفِ الْأَقْسَامِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُضَايَقَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقْسِيمُ دُونَ التَّعْرِيفِ وَأَمَّا دَعْوَى أَشَهْرِيَّةِ الْمَجَازِ فَلَا تَتِمُّ فِي نَفْسِهَا هُنَا وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ فِي كُلِّ اعْتِرَاضٍ عَلَى التَّعْرِيفِ بِوُقُوعِ الْمَجَازِ فِيهِ يَسُدُّ بَابَ الِاعْتِرَاضِ لِجَرَيَانِهِ فِي كُلِّ مَجَازٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ. (قَوْلُهُ: كَلَامُ اللَّهِ النَّفْسِيُّ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْخِطَابِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَالْمَعْهُودُ هُوَ خِطَابُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ سَابِقًا فِي قَوْلِهِ وَالْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ إلَخْ لَكِنْ لَا بِاعْتِبَارِ الْقُيُودِ لِئَلَّا يَقَعَ تَكْرَارٌ إذَا طُلِبَ الْفِعْلُ مَثَلًا مِنْ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ اعْتِبَارُ الْقُيُودِ بِجَعْلِ مَا هُنَا تَفْصِيلًا لِلْإِجْمَالِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ: الْفِعْلُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْتَمِلُ نَحْوَ الْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمُكَلَّفِ لِشَيْءٍ) الْجَارَّانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْفِعْلِ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِشَيْءٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْإِيجَادُ مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْأَثَرُ الْحَاصِلُ مِنْ الْفِعْلِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ فَأَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ لِشَيْءٍ وَحَمْلُ الْفِعْلِ عَلَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ لَا تُنَافِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ لِأَثَرٍ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَعْلِيقَ الِاقْتِضَاءِ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ إيجَادُ الْأَثَرِ لِتَوَسُّطِهِ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْأَثَرِ فَإِنَّ مَعْنَى وُجُوبِ الْأَثَرِ وُجُوبُ الْإِتْيَانِ بِهِ أَيْ إدْخَالُهُ فِي الْوُجُودِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْفِعْلِ بِالتَّرْكِ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ فِعْلِ الشَّيْءِ وَكَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ التَّرْكِ الْكَفُّ لَا يُنَافِي ذَلِكَ اهـ. وَفِيهِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ مُكَلَّفٌ بِهِ أَيْضًا لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِتَوَقُّفِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُمْ التَّكْلِيفُ إنَّمَا هُوَ بِالْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَيْ بِالذَّاتِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ مُكَلَّفٌ بِهِ تَبَعًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ بِهِ فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ (قَوْلُهُ: اقْتِضَاءً جَازِمًا) الِاقْتِضَاءُ لَيْسَ بِجَازِمٍ حَقِيقَةً وَلَا مُنْقَسِمٌ إلَى مَجْزُومٍ بِهِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ كُلَّ طَلَبٍ حَاصِلٍ فَهُوَ مَجْزُومٌ بِحُصُولِهِ وَإِنْ كَانَ طَلَبَ نَدْبٍ بَلْ الطَّلَبُ مَجْزُوم فِيهِ بِمُتَعَلِّقِهِ أَيْ مَقْطُوعٌ فِيهِ بِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِسْنَادُ جَازِمًا إلَى ضَمِيرِ الِاقْتِضَاءِ مَجَازٌ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْفَاعِلِ

(فَإِيجَابٌ) أَيْ فَهَذَا الْخِطَابُ يُسَمَّى إيجَابًا (أَوْ) اقْتِضَاءً (غَيْرَ جَازِمٍ) بِأَنْ جَوَّزَ تَرْكَهُ (فَنُدِبَ) . (أَوْ) اقْتَضَى (التَّرْكَ) لِشَيْءٍ اقْتِضَاءً (جَازِمًا) بِأَنْ لَمْ يُجَوِّزْ فِعْلَهُ (فَتَحْرِيمٌ) . (أَوْ) اقْتِضَاءً غَيْرَ جَازِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ الْمَجَازِيِّ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْإِدْرَاكُ الْجَازِمُ قَالَهُ النَّاصِرُ. (قَوْلُهُ: فَإِيجَابٌ) أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ فَوُجُوبٌ وَمِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ فَوَاجِبٌ لِأَنَّ الْإِيجَابَ هُوَ الْحُكْمُ وَالْوُجُوبُ أَثَرُهُ وَالْوَاجِبُ مُتَعَلِّقُهُ. وَقَوْلُهُ فَتَحْرِيمٌ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ فَحُرْمَةٌ وَمِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ فَحَرَامٌ لِمَا عُرِفَ وَإِنْ كَانَ التَّعْبِيرُ بِكُلٍّ مِنْهَا صَحِيحًا إذْ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ خِطَابُ اللَّهِ إذَا أَنْسَبُ إلَى الْحَاكِمِ سُمِّيَ إيجَابًا أَوْ تَحْرِيمًا أَوْ إلَى مَا فِيهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفِعْلُ يُسَمَّى وُجُوبًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ حُرْمَةً أَوْ حَرَامًا فَالْوُجُوبُ وَالْإِيجَابُ مَثَلًا مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ فِيمَنْ عَبَّرَ بِهَا وَمَنْ عَبَّرَ بِالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ اهـ. زَكَرِيَّا وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالْخِطَابِ لَا نَفْسَ الْخِطَابِ وَإِنَّ جَعْلَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ تَسَامُحٌ لَا يُقَالُ لَا تَغَايُرَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْحُكْمِ وَدَلِيلِهِ لِأَنَّهُ نَفْسُ قَوْلِهِ افْعَلْ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ هُوَ الْقَوْلُ النَّفْسِيُّ عَلَى مَا يُنَاسِبُ مَعْنَاهُ الْمَصْدَرِيَّ وَالدَّلِيلُ هُوَ الْقَوْلُ اللَّفْظِيُّ (أَوْ اقْتَضَى التَّرْكَ) أَيْ الْكَفَّ قَالَ الْعَضُدُ يَرِدُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْكَفِّ فِي قَوْلِهِ كُفَّ نَفْسَك فَعَلَى حَدِّ الْوُجُوبِ عَكْسًا وَعَلَى حَدِّ التَّحْرِيمِ طَرْدًا أَيْ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْوُجُوبِ وَدُخُولِهِ فِي حَدِّ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إيجَابٌ لِلْكَفِّ تَحْرِيمٌ لِلْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ فِيهِمَا بِأَنْ يُقَالَ الطَّلَبُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ أَوْ مِنْ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ عَنْهُ اهـ. أَيْ فَيُعْتَبَرُ قَيْدُ الْحَيْثِيَّةِ فِيهِمَا بِأَنْ يُقَالَ هُوَ إيجَابٌ أَوْ نَدْبٌ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِفِعْلٍ هُوَ الْكَفُّ وَتَحْرِيمٌ أَوْ كَرَاهَةٌ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْكَفِّ عَنْ فِعْلٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُتَنَاوِلٌ لِلْكَفِّ وَأَنَّ إسْقَاطَ الْمُصَنِّفِ فِيهِ غَيْرَ الْكَفِّ الَّذِي زَادَهُ غَيْرُهُ فِي حَدَّيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَيْدِ الْحَيْثِيَّةِ الْمُعْتَبَرِ قَالَ السَّيِّدُ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوُجُوبِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الصَّوْمُ وَاجِبًا لِأَنَّ صُومُوا طَلَبٌ لِفِعْلٍ هُوَ كَفٌّ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُمْنَعَ كَوْنُهُ كَفًّا لِأَنَّ جُزْأَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ غَيْرُ كَفٍّ اهـ. وَالنَّاصِرُ أَوْرَدَ مَا أَوْرَدَهُ الْعَضُدُ سَاكَتَا

(بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ) بِالشَّيْءِ كَالنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينَ» (فَكَرَاهَةٌ) أَيْ فَالْخِطَابُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْمَخْصُوصِ يُسَمَّى كَرَاهَةً وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَخْصُوصِ دَلِيلُ الْمَكْرُوهِ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ أَوْ دَلِيلُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِنْ الْمَخْصُوصِ (أَوْ بِغَيْرِ مَخْصُوصٍ) بِالشَّيْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ جَوَابِهِ فَشَنَّعَ عَلَيْهِ سم بِمَا رَأَيْنَا تَرْكَهُ خَيْرًا مِنْ نَقْلِهِ وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ عَلَى الشَّمْسِيَّةِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالنَّهْيِ لَيْسَ هُوَ عَدَمَ الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ لِأَنَّ عَدَمَهُ مُسْتَمِرٌّ مِنْ الْأَزَلِ فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ وَلَا حَاصِلًا بِتَحْصِيلِهِ بَلْ الْمَطْلُوبُ بِهِ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَحِينَئِذٍ يُشَارِكُ الْأَمْرُ النَّهْيَ فِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْكَفُّ عَنْ فِعْلٍ آخَرَ وَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي الْأَمْرِ وَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَيَّدَ الْأَمْرُ بِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ أُخْرَى مِنْهُمْ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالنَّهْيِ هُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِمْرَارِهِ إذْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ الْفِعْلَ فَيَزُولُ اسْتِمْرَارُ عَدَمِهِ وَلَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَيَسْتَمِرُّ. اهـ. قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ قَوْلُهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ أَيْ عَنْ فِعْلٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ طَلَبَ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ نَحْوُ اضْرِبْ أَوْ طَلَبَ الْكَفِّ لَكِنْ لَا يَكُونُ عَنْ فِعْلٍ آخَرَ بِأَنْ يَكُونَ طَلَبَ مُطْلَقِ الْكَفِّ نَحْوُ اُكْفُفْ أَوْ تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ مُسْتَفَادَةً مِنْ ذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ نَحْوُ اُكْفُفْ عَنْ الزِّنَا قَالَ فَتَدَبَّرْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ. (قَوْله بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ لَفْظِيٍّ لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ فَالْخِطَابُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْخُصُوصِ. (قَوْلُهُ: كَالنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) مَثَّلَ بِحَدِيثَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي النَّهْيِ بَيْنَ اقْتِرَانِهِ بِعِلَّةِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ اقْتِرَانِهِ بِهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا) أَيْ الْإِبِلَ خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ أَيْ طُبِعَتْ عَلَى طَبْعِهِمْ مِنْ النُّفُورِ وَالتَّوَحُّشِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ عَجَلٍ أَيْ وَإِذَا كَانَتْ عَلَى طَبْعِ الشَّيَاطِينِ كَانَتْ أَعْطَانُهَا مَظِنَّةَ الشَّيَاطِينِ لِأَنَّ اتِّحَادَ الطِّبَاعِ مَظِنَّةُ ائْتِلَافِ الذَّوَاتِ كَمَا قِيلَ شَبِيهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَخْصُوصِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْكَرَاهَةَ الْمُتَحَقِّقَةَ حَيْثُ كَانَ دَلِيلُ الْمَكْرُوهِ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُ الِاقْتِضَاءِ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ وَكُلٌّ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ لَيْسَ نَهْيًا فَقَوْلُهُ عَنْ الْمَخْصُوصِ أَيْ عَنْ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ فَلَيْسَ مَنْشَأُ السُّؤَالِ مُجَرَّدَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَخْصُوصِ وَقِيَاسُ الْمَخْصُوصِ مَخْصُوصٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْشَأَ السُّؤَالِ مُجَرَّدُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الشَّارِحِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَلْحُوظُ مُجَرَّدَ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ خُصُوصِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْمَقِيسِ فَتَأَمَّلْ اهـ. سم. وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ الْمُثْبِتَيْنِ لِلْكَرَاهَةِ لَا مُطْلَقِ إجْمَاعٍ وَقِيَاسٍ حَتَّى يَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ مُخَالَفَةُ مَنْشَأِ السُّؤَالِ لِمَوْرِدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنَّ مَوْرِدَ السُّؤَالِ هُنَا التَّعْرِيفُ الضِّمْنِيُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْسِيمِ وَمَنْشَؤُهُ مَا ذَكَرَهُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا) حَالٌ مِنْ دَلِيلٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ دَلِيلَ الْمَكْرُوهِ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ أَوْ دَلِيلُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَخْصُوصِ قَالَ سم فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ اللَّازِمَ لِلْإِجْمَاعِ مُطْلَقُ الْمُسْتَنِدِ أَمَّا كَوْنُهُ نَهْيًا مَخْصُوصًا فَمِنْ أَيْنَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ غَيْرَ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ قِيلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُسْتَنَدٍ مَخْصُوصٍ قُلْنَا هَذَا مَمْنُوعٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ خُصُوصًا وَتَخْصِيصُ الْكَرَاهَةِ بِمَا كَانَ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ حُدُوثَهُ لَا يُنَافِي اعْتِبَارَ الْمَخْصُوصِيَّةِ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْقَدِيمَ تَفْسِيرُ الْمَخْصُوصِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي قَصَرَ الِاصْطِلَاحُ الْحَادِثُ اسْمَ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ) أَيْ النَّهْيُ اللَّفْظِيُّ وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَفْظِيًّا أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ يُفِيدُهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الْمُسْتَفَادُ إلَخْ لَا أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ لَفْظًا لِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ أَوَامِرِهَا أَيْ اللَّفْظِيَّةِ وَفِي كَلَامِهِ

فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِ (فَخِلَافُ الْأَوْلَى) أَيْ فَالْخِطَابُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ يُسَمَّى خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا يُسَمَّى مُتَعَلِّقُهُ بِذَلِكَ فِعْلًا كَانَ كَفِطْرِ مُسَافِرٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ تَرْكًا كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ قِسْمِي الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الطَّلَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ الْمُقْتَضِيَةُ لِلتَّوْزِيعِ أَيْ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ هَذَا الْمَنْدُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَمْرِ بِهِ وَالنَّهْيُ عَنْ تَرْكِ ذَلِكَ الْمَنْدُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَمْرِ بِهِ وَكَذَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُ تَسْمِيَتِهِ غَيْرَ مَخْصُوصٍ مَعَ كَوْنِ مُتَعَلِّقِهِ خَاصًّا وَهُوَ تَرْكُ الْمَنْدُوبِ مَثَلًا قَالَ النَّاصِرُ السِّرُّ فِي جَمْعِ الْأَوَامِرِ وَإِفْرَادِ النَّهْيِ تَعَدُّدُ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَوَامِرِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ الْمُتَنَوِّعَةُ يَعْنِي الْمُعَبَّرَ عَنْهَا فِي كَلَامِهِ بِالْمَنْدُوبَاتِ وَاتِّحَادُ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ لَفْظُهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِ) وَإِنَّمَا قَالَ هُنَا مُسْتَفَادٌ يُفِيدُ فِي مَبْحَثِ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ تَرْكِهِ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُنَا اللَّفْظَانِ وَفِيمَا سَيَأْتِي النَّفْسِيَّانِ وَفِي الْأَوَّلَيْنِ تَنْتَفِي الْعَيْنِيَّةُ وَالتَّضْمِينُ وَفِي الْآخَرَيْنِ تَنْتَفِي الْإِفَادَةُ الَّتِي هِيَ الدَّلَالَةُ. اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ) قَالَ سم قَدْ يُسْتَشْكَلُ ذَلِكَ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ لِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ صِيغَةً دَالَّةً عَلَى طَلَبِ التَّرْكِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْأَوْلَى مَعَ انْتِفَاءِ الصِّيغَةِ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ قَطْعًا. وَأَقُولُ سَلَّمْنَا هَذَا الِاقْتِضَاءَ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا الصِّيغَةُ بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ وُرُودَ صِيغَةِ الْأَمْرِ بِالْمَنْدُوبِ الْمُفِيدَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ فِي قُوَّةِ وُرُودِ صِيغَةِ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ فَلَا إشْكَالَ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُسَمَّى مُتَعَلِّقُهُ بِذَلِكَ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْخِطَابَ الْمَذْكُورَ مُتَعَلِّقٌ بِتَرْكِ الشَّيْءِ وَالْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْأَوْلَى ذَلِكَ الشَّيْءُ لَا تَرْكُهُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْخِطَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّرْكَ هُوَ الْأَوْلَى لَا خِلَافُ الْأَوْلَى. وَأَجَابَ سم فَقَالَ كَمَا أَنَّ التَّرْكَ مُتَعَلَّقُ الْخِطَابِ كَذَلِكَ الشَّيْءُ نَفْسُهُ مُتَعَلَّقُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَلَّقُ التَّرْكِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُهُ وَمُتَعَلَّقُ الْمُتَعَلَّقِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَاسِطَةِ فَالْمُتَعَلَّقُ صَادِقٌ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِالْوَاسِطَةِ وَهَذَا أَعْنِي الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَاسِطَةِ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِقَرِينَةِ تَمْثِيلِهِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْمُتَعَلِّقِ فَإِنْ قُلْت قَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ الْمِثَالَ لَا يُخَصَّصُ فَالتَّمْثِيلُ لِمُتَعَلَّقِ الْمُتَعَلِّقِ لَا يَمْنَعُ إرَادَةَ نَفْسِ الْمُتَعَلِّقِ أَيْضًا قُلْت الِاقْتِصَارُ فِي التَّمْثِيلِ عَلَى مُتَعَلَّقِ الْمُتَعَلِّقِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْكَ فِي قَوْلِهِ أَوْ تَرْكًا الْمُمَثَّلَ بِهِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِالْوَاسِطَةِ غَيْرُ التَّرْكِ الَّذِي هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِلَا وَاسِطَةٍ فَالْأَمْرُ بِصَلَاةِ الضُّحَى يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ تَرْكِهَا وَالنَّهْيُ مَعْنَاهُ طَلَبُ التَّرْكِ فَحَاصِلُ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ تَرْكِهَا طَلَبُ تَرْكِ تَرْكِهَا فَالتَّرْكُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِلَا وَاسِطَةٍ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْوَاسِطَةِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِلَا وَاسِطَةٍ لَا يَكُونُ إلَّا تَرْكًا وَأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَاسِطَةِ قَدْ يَكُونُ تَرْكًا كَمَا فِي تَرْكِ الضُّحَى وَقَدْ يَكُونُ فِعْلًا كَمَا فِي فِطْرِ الْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ وَبِمَا مَرَّ يُعْلَمُ انْدِفَاعُ الِاسْتِشْكَالِ بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ تَقْسِيمَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ) أَيْ الْفَارِقُ أَوْ عَلَى ظَاهِرِهِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ قِسْمَيْ الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِهِ) الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُلْ بَيْنَ الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِأَنَّ الْفَرْقَ لَيْسَ بَيْنَ قِسْمَيْهِمَا وَهُمَا الطَّلَبُ بِالْمَخْصُوصِ وَالطَّلَبُ بِغَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ يُرِيدُ بِالْقِسْمَيْنِ الشَّيْئَيْنِ الْمَطْلُوبَيْنِ بِالْمَخْصُوصِ وَبِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ الطَّلَبَ فِي الْمَطْلُوبِ بِالْمَخْصُوصِ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَالِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ أَمَكْرُوه هُوَ إلَخْ وَنَقَلَ سم عَنْ النَّاصِرِ فِي دَرْسِهِ أَنَّ الْقِسْمَيْنِ هُمَا النَّهْيُ الْمَخْصُوصُ وَغَيْرُ الْمَخْصُوصِ الدَّالَيْنِ عَلَى الطَّلَبَيْنِ وَحِينَئِذٍ يُشْكَلُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَفْظِ قِسْمَيْ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَائِدَتُهَا الْإِجْمَالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ وَتُجْعَلُ إضَافَتُهَا مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ اهـ. وَقَالَ النَّاصِرُ فِي الْحَاشِيَةِ فَرَّقَ بِذَلِكَ بَيْنَ النَّهْيَيْنِ الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِهِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ

فِي الْمَطْلُوبِ بِالْمَخْصُوصِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ فَالِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ أَمَكْرُوهٌ هُوَ أَمْ خِلَافُ الْأَوْلَى اخْتِلَافٌ فِي وُجُودِ الْمَخْصُوصِ فِيهِ كَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ خِلَافَ الْأَوْلَى وَقِيلَ مَكْرُوهٌ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» وَأُجِيبَ بِضَعْفِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَتَقْسِيمُ خِلَافِ الْأَوْلَى زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأُصُولِيِّينَ أَخْذًا مِنْ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ حَيْثُ قَابَلُوا الْمَكْرُوهَ بِخِلَافِ الْأَوْلَى فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا وَمِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ بِالنَّهْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِطَابَيْنِ الْمَدْلُول عَلَيْهِمَا بِهِمَا. اهـ. وَمَا قَالَهُ الْأَوَّلَانِ أَوْفَقُ بِكَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الشِّهَابِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَطْلُوبِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَنَّ الطَّلَبَ لِلتَّرْكِ الْكَائِنَ فِي نَهْيِ أَوْ تَرْكِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ بِالْمَخْصُوصِ وَمَعْنَى كَيْنُونَتِهِ فِيهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ. (قَوْلُهُ: أَشَدُّ) وَجْهُ الْأَشَدِّيَّةِ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ مَا ثَبَتَ قَصْدًا وَمَا ثَبَتَ ضِمْنًا وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ مِنْ الثَّانِي أَيْ آكَدُ (قَوْلُهُ: فَالِاخْتِلَافُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ اخْتِلَافٌ فِي وُجُودِ الْمَخْصُوصِ أَيْ وَعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ: خِلَافُ الْأَوْلَى) أَيْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى رَجَحَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ لِأَنَّهُ أَنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ دَلِيلِ سَنِّ إفْطَارِهِ وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَفْطَرَ فِيهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «أُمِّ الْفَضْلِ أُمَامَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نِسَاءً اخْتَلَفْنَ عِنْدَهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَعْضُهُنَّ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُنَّ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلْت إلَيْهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ» وَلَيْسَ النَّهْيُ مُسْتَفَادًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمْ لِضَعْفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: زَادَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ الْكَمَالُ الْمَعْرُوفُ لِلْأُصُولِيَّيْنِ تَقْسِيمُ الْأَحْكَامِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهِيَ مَا عَدَا خِلَافَ الْأَوْلَى وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ طَلَبُ التَّرْكِ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ وَلَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ ذُو النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ آكَدُ مِنْهَا فِي الثَّانِي وَهُوَ ذُو النَّهْيِ غَيْرِ الْمَخْصُوصِ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَشْيَاءَ هَلْ هِيَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي خَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الثَّانِيَ بِاسْمِ خِلَافِ الْأَوْلَى تَمْيِيزًا لَهُ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ التَّعَرُّضُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فَظَهَرَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى وَجَعْلَهُ اسْمًا لِنَوْعٍ مِنْ الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ أَمْرٌ اخْتَرَعَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَنَّهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِطَرِيقَةِ الْأُصُولِيِّينَ مُخَالِفٌ لِطَرِيقَةِ الْبَعْضِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا سَمَّوْا بِخِلَافِ الْأَوْلَى مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمِ بَلْ تَسْمِيَةُ الطَّلَبِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى صَادِرٌ عَنْ غَفْلَةٍ عَنْ مُنَافَاتِهِ لِلْأَدَبِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَخْذًا) قَالَ النَّاصِرُ أَخْذُ الْمُسَمَّى صَحِيحٌ وَأَمَّا أَخْذُ الِاسْمِ فَلَا لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ بِذَلِكَ لَا تَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَةَ طَلَبِ تَرْكِهِ بِذَلِكَ وَفِيهَا بَشَاعَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى اهـ. وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ كَلَامِ الْكَمَالِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ تَسْمِيَةَ طَلَبِ التَّرْكِ بِذَلِكَ لَيْسَ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِتَسْمِيَةِ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُنَاقَشَ فِيهِ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُمْ لَمَّا أَطْلَقُوا خِلَافَ الْأَوْلَى عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ صَحَّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى نَفْسِ الطَّلَبِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتَعَلَّقِ عَلَى الْمُتَعَلَّق وَكَأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ ذُو خِلَافٍ الْأَوْلَى أَيْ الطَّلَبُ الْمُتَعَلِّقُ بِتَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا الْبَشَاعَةُ فَقَدْ يُخَفِّفُ أَمْرَهَا أَنَّ الْأَسَامِيَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ لَا يَلْزَمُ فِيهَا مُلَاحَظَةُ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ الْمَحْذُورِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَخْفَى صُعُوبَةُ تَسْمِيَةِ الطَّلَبِ بِذَلِكَ عَلَى الْقُلُوبِ اهـ. أَقُولُ دَعْوَى أَنَّ الْأَسَامِيَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ لَا يَلْزَمُ فِيهَا مُلَاحَظَةُ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ يُبْطِلُهَا اسْتِقْرَارَ الْمَنْقُولَاتِ كَيْف وَالْمَنْقُولُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ فَتَأَمَّلْ لَا يُقَالُ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ أَشْنَعُ مِنْ إطْلَاقِ خِلَافِ الْأَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُخَالِفِ الْأَوْلَى وَلَمْ يُشْتَهَرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ غَيْرِهِ بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي مُثْبِتِ الْحُرْمَةِ وَمُثْبِتُ الْكَرَاهَة فِي مُتَعَلَّقِهِمَا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ إطْلَاقِهِمَا الْمَذْكُورِ مُنَافَاةً لِلْأَدَبِ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ) أَيْ مِنْ كَلَامِ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَحَيْثُ ظَرْفٌ لِهَذَا الْمَحْذُوفِ. (قَوْلُهُ: فِي النِّهَايَةِ) أَيْ فَرَّقَ فِي النِّهَايَةِ أَوْ فَارَقَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ إنَّمَا نُقِلَ فِيهَا الْفَرْقُ وَلَكِنْ لَمَّا أَقَرَّهُ كَانَ كَأَنَّهُ قَائِلٌ بِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ مَا فَرَّقَ بَلْ نَقَلَ الْفَرْقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

الْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِ الْمَخْصُوصِ أَيْ الْعَامِّ نَظَرًا إلَى جَمِيعِ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةِ وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَيُطْلِقُونَ الْمَكْرُوهَ عَلَى ذِي النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِ الْمَخْصُوصِ وَقَدْ يَقُولُونَ فِي الْأَوَّلِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً كَمَا يُقَالُ فِي قِسْمِ الْمَنْدُوبِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَعَلَى هَذَا الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْأُصُولِيِّينَ يُقَالُ أَوْ غَيْرُ جَازِمٍ فَكَرَاهَةٌ. (أَوْ) اقْتَضَى الْخِطَابُ (التَّخْيِيرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ النِّهَايَةِ التَّعَرُّضُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ يُقَالُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَمَا لَا فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَقْصُودِ أَنْ يَكُونَ مُصَرَّحًا بِهِ كَقَوْلِهِ لَا تَفْعَلُوا كَذَا أَوْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ كَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ بِمُسْتَحَبٍّ فَإِنَّ تَرْكَهُ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ لِأَنَّا اسْتَفَدْنَاهُ بِاللَّازِمِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ. (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ) قَالَ الشِّهَابُ فَسَّرُوا الْمَقْصُودَ بِالصَّرِيحِ وَغَيْرَ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِ الصَّرِيحِ فِرَارًا مِمَّا يَقْتَضِي غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ كَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يَقْصِدْ النَّهْيَ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ أَنْ يُرَادَ الْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ بَلْ بِالْقَصْدِ التَّبَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْعَامُّ نَظَرًا إلَى جَمِيعِ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةِ) قَالَ الشِّهَابُ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّهْيَ الطَّالِبَ لِتَرْكِ شَيْءٍ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَوَامِرِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ خَاصًّا لِأَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِشَيْءٍ خَاصٍّ لَكِنَّهُ لِتَوَقُّفِ طَلَبِهِ لِتَرْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى عَامٍّ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَامٌّ بِسَبَبِ تَوَقُّفِ تَوَقُّفِهِ عَلَى عَامٍّ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِصَلَاةِ الضُّحَى مَثَلًا نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهَا وَهَذَا النَّهْيُ خَاصٌّ لِخُصُوصِ مُتَعَلِّقِهِ لَكِنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَلَمَّا تَوَقَّفَ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْعَامِّ وُصِفَ بِأَنَّهُ عَامٌّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ نَهْيٌ عَامٌّ مُتَعَلِّقٌ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَانَتْ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْهَا وَخَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَأَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ نَهْيٌ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضِدِّهِ سِيَّمَا إنْ قُلْنَا إنْ عَيَّنَهُ كَمَا سَيَجِيءُ فَالْأَصْوَبُ تَعْبِيرُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِالْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ اهـ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ لَا كَوْنُ النَّهْيِ مُتَعَلِّقًا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَالنَّهْيُ الصَّرِيحُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ غَيْرُ عَامٍّ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لِثُبُوتِهِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ بِخِلَافِ الضِّمْنِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمُتَعَلِّقِهِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ قَوْلُنَا كُلُّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ تَوَقُّفُ ثُبُوتِ النَّهْيِ لِمُتَعَلِّقِهِ عَلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ، وَعَدَمُ تَوَقُّفِهِ لَا الشُّمُولُ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَعَدَمُ الشُّمُولِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشِّهَابِ أَنَّ قَوْلَهُ نَظَرًا إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَيْ الْعَامِّ وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ خُلُوُّ قَوْلِهِ عُدِلَ عَنْ التَّعْلِيلِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ حِينَئِذٍ إذْ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ بِالْعُدُولِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِظُهُورِهِ وَصَرِيحُ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ يَعْنِي عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْمَخْصُوصِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مَخْصُوصٌ بِمُتَعَلِّقِهِ وَإِلَى غَيْرِ الْمَخْصُوصِ أَيْ الْعَامِّ نَظَرًا إلَى دَلِيلٍ يَعُمُّ الْأَوَامِرَ النَّدْبِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَالنَّهْيُ فِيهِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ نَهْيٍ مَخْصُوصٍ بِمُتَعَلِّقِهِ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ النَّدْبِيِّ بِوَاسِطَةِ هَذَا الدَّلِيلِ الْعَامِّ. اهـ. يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَدَلَ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ عِلَّةٌ لِلْعُدُولِ نَظَرًا لِلْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ وَيُمْنَعَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَفْسِيرِ غَيْرِ الْمَخْصُوصِ الْعَامِّ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَهِيَ دَفْعُ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ مَا يَشْمَلُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً حَتَّى يَتَوَجَّهَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بَلْ الْعَامُّ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرَهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ اسْتِفَادَةَ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا تَحْتَاجُ إلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهَا أَدِلَّةً مَخْصُوصَةً كَالنَّهْيِ الْمَخْصُوصِ فَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ هَذَا النَّهْيِ غَيْرَ مَخْصُوصٍ بِمَا ذُكِرَ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍّ فَمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ نَظَرًا إلَى جَمِيعِ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةِ نَظَرًا إلَى مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةَ أَيْ نَظَرًا إلَى تَوَقُّفِهِ عَلَى

بَيْنَ فِعْلِ الشَّيْءِ وَتَرْكِهِ فَإِبَاحَةُ ذِكْرِ التَّخْيِيرِ سَهْوٌ إذْ لَا اقْتِضَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ وَالصَّوَابُ أَوْ خُيِّرَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ عَطْفًا عَلَى اقْتَضَى وَقَابَلَ الْفِعْلَ بِالتَّرْكِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَالتَّرْكُ الْمُقْتَضَى فِي الْحَقِيقَةِ فِعْلٌ هُوَ الْكَفُّ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ وَأَنَّهُ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ. (وَإِنْ وَرَدَ) الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ بِكَوْنِ الشَّيْءِ (سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا وَصَحِيحًا وَفَاسِدًا) الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَعُمُّهَا. (قَوْلُهُ: بَيْنَ فِعْلِ الشَّيْءِ وَتَرْكِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ الْوَاجِبُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ كَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إلَى بَدَلٍ أَوْ لَا اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: ذِكْرُ التَّخْيِيرِ سَهْوٌ) تَكَلَّفَ فِي دَفْعِهِ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاقْتِضَاءِ الْإِفَادَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لَا خُصُوصُ الطَّلَبِ كَمَا هُوَ مَبْنَى الْحُكْمِ بِالسَّهْوِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَمِنْهَا أَنَّ اقْتَضَى يَأْتِي بِمَعْنَى أَعْلَمَ وَبِمَعْنَى أَدَّى غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْمُشْتَرَكَ فِي مَعْنَيَيْهِ وَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَلَى تَضْمِينِ اقْتَضَى مَعْنَى يَصْلُحُ لَأَنْ يَقَعَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَيْضًا أَيْ إفَادَةِ الْخِطَابِ التَّخْيِيرَ مِنْ بَابِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْوَاوِ وَكُلُّهَا تَمَحُّلَاتٌ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْعُرْفِ) أَيْ الَّذِي لَا يَعُدُّ التَّرْكَ فِعْلًا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا نُفِلَ أَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمَذْكُورَةَ بِالنَّظَرِ لِلْعُرْفِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَإِنَّ التَّرْكَ إلَخْ فَحَذَفَ الْجَوَابَ وَأَبْقَى عِلَّتَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ الْمُكَلَّفَ بِهِ. (قَوْلُهُ: الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ) قُيِّدَ بِالنَّفْسِيِّ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ اللَّفْظِيُّ لِأَنَّ الشَّائِعَ إسْنَادُ الْوُرُودِ إلَيْهِ دُونَ النَّفْسِيِّ وَإِنْ كَانَ الْإِسْنَادُ إلَى كُلٍّ مَجَازًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوُرُودِ الْمَجِيءُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ. (قَوْلُهُ: بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا إلَخْ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ مِنْ مُلَابَسَةِ الْمُتَعَلِّقِ لِمُتَعَلِّقِهِ لَا لِلتَّعَدِّيَةِ لِاقْتِضَائِهَا وُقُوعَ الْوُرُودِ عَلَى الْكَوْنِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: وَصَحِيحًا وَفَاسِدًا) جُعِلَ مِنْ أَقْسَامِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَوْنُ الشَّيْءِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَرَدَّهُ الْعَضُدُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ الْوَضْعِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَعْدَ وُرُودِ أَمْرِ الشَّرْعِ بِالْفِعْلِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ صَحِيحًا أَيْ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ أَوْ بَاطِلًا أَيْ مُخَالِفًا لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ فَهُوَ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ هُوَ عَقْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ فَقَالَ جَعْلُهَا لِلتَّقْسِيمِ يَقْتَضِي وُرُودَ الْخِطَابِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ الْمَذْكُورِ مُنْقَسِمًا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَأَنَّ الْوَضْعَ هُوَ الْخِطَابُ الْوَارِدُ بِذَلِكَ وَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ إذْ الْوَارِدُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ أَحَدَهَا وَضْعٌ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُهُ فَالصَّوَابُ بِشَهَادَةِ الذَّوْقِ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعِبَارَةِ إذَا كَانَتْ الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ وَإِنْ وَرَدَ الْخِطَابُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مُنْقَسِمًا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ وَرَدَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنْ وَرَدَ كَوْنُهُ سَبَبًا مَثَلًا فَإِنَّ وُرُودَ كَوْنِهِ سَبَبًا يَسْتَلْزِمُ وُرُودَهُ بِكَوْنِهِ أَحَدَهَا فَلَا إشْكَالَ قَالَ وَنَظِيرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ قَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ اهـ. وَلَمَّا أَوْرَدَ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَيْهِ أَنَّ أَوْ فِيهِ لِلتَّرْدِيدِ وَهُوَ يُنَافِي التَّحْدِيدَ أَجَابَ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ بِمَا حَاصِلُهُ كَمَا بَيَّنَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَلَوْ صَحَّ اعْتِرَاضُ الشَّيْخِ لَزِمَ بُطْلَانُ هَذَا الْجَوَابِ الَّذِي أَطْبَقُوا عَلَى قَبُولِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُنْقَسِمُ تَعَلُّقُهُ إلَى الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ مَعَ أَنَّهُ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَقَطْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ فَدَلَّ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى التَّقْسِيمِ مَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ اهـ. وَأَقُولُ كَلَامُ سم مَآلُهُ جَعْلُ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا لَا يَخْفَى فَهُوَ تَسْلِيمٌ لِلِاعْتِرَاضِ فَتَشْنِيعُهُ عَلَى شَيْخِهِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا يَقْتَضِيه عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَلْجَأَ إلَّا الِاعْتِرَافَ بِهِ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْحَوَاشِي الْمُتَأَخِّرَةِ شَنَّعَ عَلَى سم وَبَعْضًا انْتَصَرَ لَهُ وَلَمْ يَأْتِيَا بِمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَيِّدُ مَقَالَتَهُمَا حَتَّى إنِّي رَأَيْت تَقْرِيرًا مَنْسُوبًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا أَطَالَ فِيهِ الْقَوْلَ مُعَقِّدًا لِلْعِبَارَةِ مُرْتَكِبًا وُجُوهًا مِنْ التَّكَلُّفِ الْتَحَقَ بِهَا كَلَامُهُ بِاللُّغْزِ وَالْمُعَمَّى وَأَعْجَبُ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَجْرَى احْتِمَالَيْ التَّقْسِيمِ وَغَيْرِهِ فِي الْوَاوِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَرَدَ إلَخْ. وَأَنَّى بَعْدَ أَنْ أَوْضَحَ لَك الْمَقَامَ تَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْأَوْهَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ وَرَدَ الْخِطَابُ إلَخْ قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ حُكِمَ فِيهَا بِلُزُومِ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا وَشَرْطًا إلَخْ وَضْعًا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَهَذَا الْخِطَابُ يُسَمَّى وَضْعًا عَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِ الْخِطَابِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا إلَخْ فَعَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِ الْوَاوِ لِلتَّقْسِيمِ يَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّاصِرُ وَإِنْ وَرَدَ الْخِطَابُ مُنْقَسِمًا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ يُسَمَّى وَضْعًا وَهُوَ بَاطِلٌ فَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ وُرُودَ الْخِطَابِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا إلَخْ يُسَمَّى وَضَعَا أَيْ يُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَعْطُوفَةِ بِالْوَاوِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى أَوْ وَضْعًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ النَّاصِرِ إذْ الْوَارِدُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ أَحَدَهَا إلَخْ وَسَمِّ أَخَذَ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ وَرَدَّ بِهِ عَلَى النَّاصِرِ فَرَدَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ بِكَلَامِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَعْلِ الْوَاوِ لِلتَّقْسِيمِ وَبَيْنَ جَعْلِهَا بِمَعْنَى أَوْ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ الْخِطَابِ وَضْعًا تَحَقُّقُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ تَحَقُّقَ الْخِطَابِ فِي أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ وَالثَّانِي صَحِيحٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ النَّاصِرِ جَعْلُهَا لِلتَّقْسِيمِ إلَخْ. فَإِنْ قُلْت إذَا خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى مُصْطَلَحِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إنَّ الْكَلَامَ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ وَفِعْلُ الشَّرْطِ قَيْدٌ لَهُ هَلْ يَسْتَقِيمُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَيَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ. قُلْت لَا فَإِنَّ الْمَحْذُورَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ إذْ التَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْخِطَابِ بِالْوَضْعِ مُقَيَّدٌ بِوُرُودِ كَوْنِهِ سَبَبًا وَشَرْطًا إلَخْ أَيْ مُنْقَسِمًا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَأَمَّا إنْ جُعِلَتْ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ كَانَ مَعْنَى تَسْمِيَتِهِ وَضْعًا مُقَيَّدٌ بِتَحَقُّقِ كَوْنِهِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا إلَخْ فَيَنْدَفِعُ الْمَحْذُورُ فَظَهَرَ أَنَّ اسْتِقَامَةَ الْكَلَامِ إنَّمَا تَتِمُّ عَلَى جَعْلِهَا بِمَعْنَى أَوْ. وَأَمَّا جَعْلُهَا تَقْسِيمِيَّةً فَلَا سَوَاءٌ جَعَلْنَا الْقَضِيَّةَ شَرْطِيَّةً مُوَافِقَةً لِاصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ وَهُوَ التَّقْرِيرُ الْأَوَّلُ أَوْ جَعَلْنَاهَا حَمْلِيَّةً بِاعْتِبَارِ مَا تَئُولُ إلَيْهِ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا هُوَ التَّقْرِيرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ ارْتِبَاطُ الثَّانِي بِالْمُقَدَّمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْطُوفَةِ لَا عَلَى الْمَجْمُوعِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْحُكْمُ مُقَيَّدًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَيْضًا لَا عَلَى الْمَجْمُوعِ فَالتَّقْرِيرَانِ سَوَاءٌ وَمَنْشَأُ هَذَا كُلِّهِ وُرُودُ حَرْفِ الشَّرْطِ فِي التَّقْسِيمِ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهِ كَمَا هُوَ صَنِيعُ الشَّارِحِ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْوَاوُ تَقْسِيمِيَّةٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ وَرَدَ الْخِطَابُ إلَخْ التَّقْسِيمُ مَعَ أَنَّ مَقَامَ التَّقْسِيمِ يُنَافِي التَّعْلِيقَ لِتَبَايُنِ الْمَقَامَيْنِ فَإِنَّ فِي التَّعْلِيقِ حُكْمًا وَلَا حُكْمَ فِي التَّقْسِيمِ وَمَفَادُ التَّقْسِيمِ غَيْرُ مُفَادِ التَّعْلِيقِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ لَا يُقَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ عَرَفْت حُدُودَهَا يَقْتَضِي أَنَّ غَرَضَهُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ التَّقْسِيمُ لِأَنَّ التَّقَاسِيمَ تَتَضَمَّنُ حُدُودَ الْأَقْسَامِ. قُلْت لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَوْ سُلِّمَ فَالتَّقْسِيمُ حَاصِلٌ فِي ضِمْنِ التَّعْلِيقِ أَيْ عَرَفْت حُدُودَهَا مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّعْلِيقُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّقْسِيمُ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ حَتَّى يَكُونَ حَامِلًا لِلشَّارِحِ عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ تَقْسِيمِيَّةً. الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ عَرَفْت حُدُودَهَا نَبَّهَ بِتَكْرِيرِ مِنْ عَلَى أَنَّ حُدُودَ خِطَابِ الْوَضْعِ لَمْ تُعْرَفْ مِمَّا ذُكِرَ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي هُنَاكَ فَلَوْ كَانَ غَرَضُ الْمُصَنِّفِ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ التَّقْسِيمَ لَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ حُدُودَ أَقْسَامِ الْوَضْعِ لَمْ تُعْرَفْ مِمَّا ذُكِرَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ لِأَنَّ التَّقَاسِيمَ تَتَضَمَّنُ تَعَارِيفَ الْأَقْسَامِ وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ بَلْ اعْتَرَفَ هُوَ بِمَعْرِفَتِهَا فِي أَثْنَاءِ عِبَارَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَعْجَبُ مِنْ جَوَابِ سم تَمَسُّكُهُ فِي تَأْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ وَلَمَّا أَوْرَدَ الْمُعْتَزِلَةُ إلَخْ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ تَعْرِيفٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّعْرِيفِ لَا حُكْمَ فِيهِ فَلَيْسَ قَضِيَّةً وَمَا هُنَا قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ أَوْ حَمْلِيَّةٌ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ بِلَفْظِ أَوْ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَحَدٍ احْتِمَالَيْ أَوْ وَدَعْوَى سم أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِ أَوْ تَنْوِيعِيَّةً أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُنْقَسِمُ تَعَلُّقُهُ إلَخْ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا كَيْف وَقَدْ لَزِمَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَضَمُّنُ التَّعْرِيفِ لِلتَّقْسِيمِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فِي الْوَاقِعِ فَقَدْ أَخْرَجَ مَا قَالَهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْإِمَامُ اعْتِرَاضًا وَجَوَابًا عَنْ

وَهِيَ فِيهِ أَجْوَدُ مِنْ أَوْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَحَذْفُ مَا قَدَّرْته كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُخْتَصَرُ أَيْ كَوْنُ شَيْءٍ الْعِلْمُ بِهِ مَعْنًى مَعَ رِعَايَةِ الِاخْتِصَارِ وَوَصْفُ النَّفْسِيِّ بِالْوُرُودِ مَجَازٌ كَوَصْفِ اللَّفْظِيِّ بِهِ الشَّائِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضُوعِهِ وَتَثْبُتُ بِهِ فِي تَقْوِيَةِ كَلَامِهِ بَعْدَ صَرْفِهِ عَمَّا أَرَادُوهُ وَتَأْوِيلِهِ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَلَامِ الْإِمَامِ مَنْعُ كَوْنِ أَوْ لِلتَّرْدِيدِ وَجَعَلَهَا لِلتَّنْوِيعِ وَأَنَّ الْمُعَرِّفَ الْحُكْمُ بِنَوْعَيْهِ يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمَنَاطِقَةِ إنَّهُ يَمْتَنِعُ دُخُولُ أَوْ فِي التَّعَارِيفِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَدِّ وَالرَّسْمِ وَمِنْ كَوْنِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَوْ لِلشَّكِّ عَلَى تَفْصِيلٍ بَيَّنُوهُ هُنَاكَ فَأَيْنَ مَقَامُ التَّعْرِيفِ وَالِاخْتِلَافِ فِي أَوْ الْوَاقِعَةِ فِيهِ مِنْ مَقَامِ التَّعْلِيقِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّرْطِ. وَفِي الْوَاوِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ الْمُدَّعَى أَنَّهَا تَقْسِيمِيَّةٌ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ صَارَتْ مُشَرِّقَةً وَصِرْت مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ وَرَحِمَنَا مَعَهُمْ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ ثُمَّ إنَّ التَّقْسِيمَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ أَوْ التَّقْسِيمِيَّةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ الشَّارِحُ إمَّا رَاجِعٌ إلَى الشَّيْءِ أَوْ إلَى كَوْنِ الشَّيْءِ أَوْ إلَى الْخِطَابِ الْوَارِدِ بِهَذَا الْكَوْنِ وَكُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِيهِ أَجْوَدُ مِنْ أَوْ) لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ فِي الْحُكْمِ فَهِيَ أَنْسَبُ بِجَمْعِ الْحُكْمِ فِي أَفْرَادِ الْمُقَسَّمِ وَهُوَ هُنَا الشَّيْءُ الْمُقَدَّرُ بِخِلَافِ أَوْ فَإِنَّهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ فَقَدْ تُوُهِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ مِنْهَا فَقَطْ وَهَذَا فِي تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ كَمَا هُنَا أَمَّا فِي تَقْسِيمِ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ فَلَا يُقَالُ إنَّهَا أَجْوَدُ بَلْ مُتَعَيِّنَةٌ اهـ. زَكَرِيَّا وَإِنَّمَا قَالَ أَجْوَدُ لِأَنَّ لِأَوْ مُنَاسَبَةً بِالنِّسْبَةِ لِخُصُوصِ الْأَقْسَامِ لِإِفَادَتِهَا الِانْفِصَالَ الْحَقِيقِيَّ بَيْنَ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضِ الْمُفْضِي عَدَمُهُ إلَى فَسَادِ التَّقْسِيمِ فَظَهَرَ أَنَّ أَجْوَدِيَّةَ الْوَاوِ نَظَرًا إلَى الْمُقَسَّمِ مَعَ الْأَقْسَامِ وَأَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ فِي جَمِيعِهَا وَأَنَّ فِي الْوَاوِ جَوْدَةً أَيْضًا بِالنَّظَرِ لِحَالِ الْأَقْسَامِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ حَتَّى لَوْ لُوحِظَ هَذَا بِخُصُوصِهِ كَانَتْ هِيَ أَجْوَدَ مِنْ الْوَاوِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ كَوْنُ الشَّيْءِ) تَفْسِيرٌ لِمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ الَّذِي هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَالتَّشْبِيهُ لَا يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ ثُبُوتُ الْجَارِّ هُنَا لَا فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ لَا تَفْسِيرَ لِمَا قَدَّرَهُ لِأَنَّ الَّذِي قَدَّرَهُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ لَا كَوْنِ الشَّيْءِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَسَاهَلَ بِحَذْفِ الْجَارِّ مُرَاعَاةً لِعِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ. (قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِهِ مَعْنًى) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخِطَابَ النَّفْسِيَّ لَا يَكُونُ سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا وَصَحِيحًا وَفَاسِدًا وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ لَا يُقَالُ مَقَامَ التَّعْرِيفِ لَا يَكْفِي فِيهِ الْقَرِينَةُ الْعَقْلِيَّةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَقَامِ هُنَا لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّعْرِيفِ وَإِنْ فُهِمَ فِي ضِمْنِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّعْرِيفَ الضِّمْنِيَّ لَا يُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي التَّعْرِيفِ الصَّرِيحِ. (قَوْلُهُ: وَوَصْفُ النَّفْسِيِّ بِالْوُرُودِ) أَيْ إسْنَادُ الْوُرُودِ إلَيْهِ فَالْوَصْفُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ مَجَازٌ أَيْ عَقْلِيٌّ مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ إلَى السَّبَبِ فَإِنَّ الْخِطَابَ النَّفْسِيَّ الْمَذْكُورَ سَبَبٌ لِوُرُودِ الرَّسُولِ بِمَا ذُكِرَ وَيَصِحُّ جَعْلُ الْمَجَازِ مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ فَإِنَّ مِنْ لَازِمِ الْوُرُودِ بِالشَّيْءِ التَّعَلُّقُ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالْوُرُودِ التَّعَلُّقُ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ وَالْقَرِينَةُ اسْتِحَالَةُ الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: الشَّائِعِ)

وَالشَّيْءُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرَ فِعْلِهِ كَالزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالزَّوَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَإِتْلَافِ الصَّبِيِّ مَثَلًا سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي مَالِهِ وَأَدَاءِ الْوَلِيِّ مِنْهُ (فَوَضْعٌ) أَيْ فَهَذَا الْخِطَابُ يُسَمَّى وَضْعًا وَيُسَمَّى خِطَابَ وَضْعٍ أَيْضًا لِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ بِوَضْعِ اللَّهِ أَيْ بِجَعْلِهِ كَمَا يُسَمَّى الْخِطَابُ الْمُقْتَضَى أَوْ الْمُخَيَّرَ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ الْمُتَعَارَفُ كَمَا تَقَدَّمَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَدْ عَرَفْت حُدُودَهَا) أَيْ حُدُودَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَحَدُّ الْإِيجَابِ الْخِطَابُ الْمُقْتَضِي لِلْفِعْلِ اقْتِضَاءً جَازِمًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَسَيَأْتِي حُدُودُ السَّبَبِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَقْسَامِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ شَائِعٌ فِي الْخِطَابِ اللَّفْظِيِّ دُونَ النَّفْسِيِّ (قَوْله وَالشَّيْءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ أَيْ وَقَوْلُهُ وَاعْتِقَادُهُ أَوْ أَرَادَ بِفِعْلِهِ مَا يَشْمَلُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ فِعْلِهِ) تَحْتَهُ شَيْئَانِ مَا لَيْسَ فِعْلًا أَصْلًا وَمَا لَيْسَ فِعْلًا لِلْمُكَلَّفِ بَلْ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَلِذَا مَثَّلَ الشَّارِحِ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الضَّمَانِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَضْمُونُ بِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الْمُضَافُ لِلضَّمَانِ الثُّبُوتُ لَا الطَّلَبُ الْجَازِمُ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالْوُجُوبِ الْمُقَدَّرِ الْمُضَافِ لِأَدَاءِ الْوَلِيِّ الطَّلَبَ الْجَازِمَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ قَالَهُ النَّاصِرُ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ جَعْلِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنَيَيْهِ يُذْكَرُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْوُجُوبُ هُنَا ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَنَعَهُ مِنْ تَقْدِيرِ الْوُجُوبِ فِي الْمَعْطُوفِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُضَافَ تَسَلَّطَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَعْطُوفِ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فِي الْمَعْطُوفِ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَا هُنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لَا قَرِيبًا مِنْهُ اهـ. وَأَقُولُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى مَا فَهِمَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَنَّ سَبَبَ قُرْبِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ تَعَدُّدُ لَفْظِ الْوُجُوبِ الْمَذْكُورِ وَالْمُقَدَّرِ بَلْ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدَ مَعْنَيَيْ الْوُجُوبِ هُنَا لُغَوِيٌّ وَالْآخَرُ عُرْفِيٌّ فَلَا اشْتَرَاك حَقِيقَةً وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْقُولَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَبِهَذَا ظَهَرَ دَعْوَى كَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَفَسَادُ جَعْلِهِ مِنْهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى التَّكْلِيفِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ الْعَلَّامَةُ النَّجَّارِيُّ فَقَالَ وَإِنَّمَا قَالَ قَرِيبٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمُشْتَرَكِ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعَيْنِ إذْ الْوُجُوبُ الْأَوَّلُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ. (قَوْله لِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ بِوَضْعِ اللَّهِ) أَيْ تَعْلِيلٌ لِتَسْمِيَتِهِ بِالْوَضْعِ وَبِخِطَابِ الْوَضْعِ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ فَقَالَ أَخْصَرُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ أَيْ الْخِطَابَ وَضْعُ اللَّهِ أَيْ جَعْلُهُ اهـ. قَالَ سم لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْخِطَابِ وَضْعَ اللَّهِ أَيْ جَعْلَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ وَهُوَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ قَدِيمَةٌ فَلَيْسَتْ جَعْلًا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَعْلُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِمُتَعَلَّقِهِ كَوْنُ الشَّيْءِ سَبَبًا إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُسَمَّى الْخِطَابُ) الْأَنْسَبُ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِ وَيُسَمَّى خِطَابَ وَضْعٍ. (قَوْلُهُ: الْمُقْتَضَى أَوْ الْمُخَيَّرُ) الْإِسْنَادُ فِيهِمَا مَجَازِيٌّ إذْ الْمُقْتَضَى وَالْمُخَيَّرُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ الْمُتَعَارَفُ أَيْ مِنْ أَنَّهُ خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُلْزَمٌ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ) نَبَّهَ بِتَكْرِيرِ مِنْ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ بِالسُّنَّةِ لِلْوَضْعِ خِطَابُ الْوَضْعِ لَا حُدُودُ أَقْسَامِهِ أَيْضًا وَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهَا لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الشَّرْطِيَّةَ السَّابِقَةَ تَتَضَمَّنُ تَعَارِيفَ أَقْسَامِهِ فَيَكُونُ التَّقْسِيمُ غَيْرَ مَقْصُودٍ أَصَالَةً كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَمِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَوْلُهُ وَسَيَأْتِي حُدُودُ السَّبَبِ إلَخْ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك مَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا فِي تَقْوِيَةِ اعْتِرَاضِ النَّاصِرِ وَرَدِّ مَا تَمَحَّلُوا بِهِ فِي دَفْعِهِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي حُدُودُ السَّبَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَقْسَامِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ) فِي إطْلَاقِ الْمُتَعَلِّقِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُنْقَسِمِ إلَى السَّبَبِ وَغَيْرُهُ تَجَوَّزَ حَيْثُ أَطْلَقَ

وَكَذَا حَدُّ الْحَدِّ بِالْجَامِعِ الْمَانِعِ الدَّافِعِ لِلِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ مَا عُرِفَ رُسُومٌ لَا حُدُودٌ لِأَنَّ الْمُمَيَّزَ فِيهَا خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَعَلِّقَ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْمُتَعَلِّقِ إذْ الْمُتَعَلِّقُ حَقِيقَةً هُوَ الْكَوْنُ وَفِي قَوْلِهِ وَسَيَأْتِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ حُدُودِ السَّبَبِ وَغَيْرِهِ حُدُودُ أَقْسَامِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ لِكَوْنِ السَّبَبِ وَغَيْرِهِ مُتَعَلِّقَاتِ تِلْكَ الْأَقْسَامِ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِّ السَّبَبِ أَنَّ جَعْلَ الشَّيْءِ سَبَبًا مَعْنَاهُ جَعْلُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ وَمِنْ حَدِّ الشَّرْطِ أَنَّ جَعْلَ الشَّيْءِ شَرْطًا مَعْنَاهُ جَعْلُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَهَكَذَا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا حَدُّ الْحَدِّ) الْحَدُّ الْمُضَافُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّعْرِيفِ بِدَلِيلِ تَعَلُّقِ الْجَارِّ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ بِمَعْنَى الْمُعَرَّفِ وَقَوْلُهُ الدَّافِعُ لِلِاعْتِرَاضِ وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْحَدَّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِمَعْنَى الْمُعَرَّفِ سَوَاءٌ كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ أَوْ بِالْعَرَضِيَّاتِ فَلَا يَتَّجِهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ التَّعَارِيفَ الْمَذْكُورَةَ رُسُومٌ لَا حُدُودٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت حُدُودَهَا ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ رُسُومٌ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهَا حُدُودٌ اسْمِيَّةٌ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ حُدُودٌ حَقِيقِيَّةٌ مَمْنُوعٌ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَكَذَا حَدُّ الْحَدِّ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَوْنِهَا رُسُومًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُمَيِّزَ فِيهَا خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ بِأَنَّ تَعْرِيفَ الْإِيجَابِ بِأَنَّهُ الْخِطَابُ الْمُقْتَضِي لِلْفِعْلِ اقْتِضَاءً جَازِمًا بِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ نَفْسِيٌّ فَهُوَ نَفْسُ الْخِطَابِ فَلَا يَكُونُ خَارِجًا اهـ. وَبَعْدَ أَنْ قَوَّى هَذَا الِاعْتِرَاضَ سم وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَوَاشِي الْعَضُدِ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ هُوَ نَفْسُ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا أَسُنِدَ إلَى الْخِطَابِ مُبَالَغَةً كَمَا فِي جَدِّ جَدِّهِ وَيُوَافِقُهُ أَيْضًا قَوْلُ الشَّارِحِ نَعَمْ يُخْتَصَرُ فَيُقَالُ الْإِيجَابُ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ الْجَازِمِ إلَخْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاقْتِضَاءُ غَيْرَ الْخِطَابِ لَمْ يَكُنْ هَذَا اخْتِصَارًا لَهُ بَلْ تَمَحُّلٌ فِي الْجَوَابِ بِمَا لَا تَقْبَلُهُ الْأَلْبَابُ فَقَالَ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الشَّارِحَ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِنَقْلٍ عَنْهُمْ أَنَّ الْمُمَيِّزَ هُنَا خَارِجٌ أَوْ بِأَنَّهُ أَجَابَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْمُعْتَرِضِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا حُدُودٌ لَا رُسُومٌ وَأَنَّ الْمُمَيِّزَ فِيهَا ذَاتِيٌّ لَا عَرَضِيٌّ اهـ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ دَعْوَى أَنَّ الشَّارِحَ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا كَيْفَ وَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّ سَوَقَ الْعِبَارَةِ يَأْبَى دَعْوَى التَّنَزُّلِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ وَبَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا دَفَعَ إشْكَالَ الشِّهَابِ بِحَمْلِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى الطَّلَبِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَلَزِمَ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لَهُمْ اضْطِرَارَهُ إلَى أَنَّ لِلِاقْتِضَاءِ مَعْنَيَيْنِ وَأَنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى الطَّلَبِ. وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ فِي الِاخْتِصَارِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ وَأَنَّ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ الْخِطَابُ لَمْ يُرِيدُوا بِهِ الْحَصْرَ أَوْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَعْنَى الْخِطَابِ وَبَعْدَ أَنْ تَكَلَّفَ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ الْبَعِيدَةَ رَجَعَ آخَرُ إلَى أَنَّ الطَّلَبَ ذَاتِيٌّ أَيْضًا فَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا سِوَى إطَالَةِ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَرَامُ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ سم عَنْ النَّاصِرِ فِي دَرْسِهِ مِنْ أَنَّ انْقِسَامَ التَّعْرِيفِ إلَى الْحَدِّ وَالرَّسْمِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ كَالْإِنْسَانِ وَأَمَّا الْأُمُورُ الْجَعْلِيَّةُ فَهِيَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ يَعْتَبِرُهَا الْعَقْلُ فَإِذَا جَعَلَ لَهَا الْعَقْلُ جِنْسًا وَفَصْلًا وَعَرَّفَهَا بِذَلِكَ فَذَلِكَ حَدٌّ لَهَا وَالْأَجْنَاسُ وَالْفُصُولُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْعَقْلُ ذَاتِيَّاتٍ لَهَا فَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ كَالْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ فَسَاقِطٌ جِدًّا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ قِسْمَانِ مَاهِيَّاتٌ حَقِيقِيَّةٌ كَمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا مَاهِيَّاتٍ

نَعَمْ يُخْتَصَرُ فَيُقَالُ الْإِيجَابُ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ الْجَازِمِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَسَيَأْتِي حَدُّ الْأَمْرِ بِاقْتِضَاءِ الْفِعْلِ وَالنَّهْيُ بِاقْتِضَاءِ الْكَفِّ كَمَا يُحَدَّانِ بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِلْفِعْلِ وَلِلْكَفِّ فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِمَا عَدَا الْإِبَاحَةِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِيقَةً أَنَّهَا مُحَقَّقَةُ الْوُجُود خَارِجًا إمَّا بِوُجُودِ أَفْرَادِهَا فِي الْخَارِجِ أَوْ بِوُجُودِهَا نَفْسِهَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُودِ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ وَهَذِهِ الْمَاهِيَّاتُ تَعَارِيفُهَا تُكَوِّنُ حُدُودًا وَرُسُومًا فَمَا كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ فَحَدٌّ أَوْ بِالْعَرَضِيَّاتِ فَرَسْمٌ وَتُسَمَّى هَذِهِ حُدُودًا وَرُسُومًا حَقِيقِيَّةً. وَأَمَّا الْمَاهِيَّاتُ الِاعْتِبَارِيَّةُ كَحَقَائِقِ الْأُمُورِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ كَمَا هُنَا فَلَهَا حُدُودٌ وَرُسُومٌ أَيْضًا وَتُسَمَّى حُدُودًا وَرُسُومًا اسْمِيَّةً لِأَنَّهَا بِحَسَبِ الِاسْمِ ثُمَّ إنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى ذَاتِيَّاتِ الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَعَرَضِيَّاتِهَا وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهَا عَسِرٌ جِدًّا وَاصِلٌ إلَى حَدِّ التَّعَذُّرِ كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الشَّمْسِيَّةِ عَنْ ابْنِ سِينَا وَذَلِكَ لِاشْتِبَاهِ الْجِنْسِ بِالْعَرَضِ الْعَامِّ وَالْفَصْلِ بِالْخَاصَّةِ. وَأَمَّا الْمَاهِيَّاتُ الِاعْتِبَارِيَّةُ فَأَمْرُ الْفَرْقِ سَهْلٌ لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ النَّقْلُ عَنْ الْوَاضِعِ فَمَا اعْتَبَرَهُ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ الْمُسَمَّى الَّذِي وُضِعَ لَهُ الِاسْمُ فَذَاتِيٌّ وَمَا لَا فَعَرَضِيٌّ وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي كُتُبِ الْمَنْطِقِ وَالْمَسْأَلَةُ شَهِيرَةٌ فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى الشَّيْخِ الْحَالُ حَتَّى قَالَ مَا قَالَ وَتَفْسِيرُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْكَمَالِ الْمُمَيِّزُ لِتَعَلُّقِ الِاقْتِضَاءِ بِالْفِعْلِ وَتَعَلُّقِهِ بِالتَّرْكِ وَتَعَلُّقِ التَّخْيِيرِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَتَفْسِيرُ الْمَاهِيَّةِ بِمَاهِيَّةِ الْحُكْمِ فَغَيْرُ دَافِعٍ لِاعْتِرَاضِ الشِّهَابِ أَيْضًا لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْخِطَابِ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ الْحُكْمِ عِنْدَ الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فَلَيْسَ خَارِجًا عَنْ مَاهِيَّتِه. (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُخْتَصَرُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ الدَّافِعِ لِلِاعْتِرَاضِ دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِوَجْهٍ فَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ اخْتِصَارُ حُدُودِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فَكَيْف يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ آخِرَ الْكِتَابِ إنَّ اخْتِصَارَهُ مُتَعَذِّرٌ وَرَوْمُ النُّقْصَانِ مِنْهُ مُتَعَذِّرٌ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي) مَقْصُودُهُ بِهَذَا بَيَانُ مُسَاوَاةِ الْمَحْدُودِ هُنَا مِمَّا عَدَا الْإِبَاحَةَ لِلْمَحْدُودِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْمَعْنَى فَمُسَاوَاةُ التَّعَارِيفِ هُنَا لِلتَّعَارِيفِ بَعْدَ تَوْجِيهِ التَّعْبِيرِ عَنْ الْمَحْدُودِ هُنَا بِالْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى وَفِيمَا بَعْدُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُحَدَّانِ) أَيْ كَمَا يُحَدُّ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِلْفِعْلِ وَالنَّهْيِ بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِلْكَفِّ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ مُلَاحَظَةُ كُلٍّ عَلَى حِدَتِهِ وَإِفْرَادُهُ بِتَعْرِيفٍ يَخُصُّهُ فِي قَوْلِهِ وَسَيَأْتِي حَدُّ الْأَمْرِ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيعُ أَعْنِي قَوْلَهُ فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ إلَخْ عَلَى التَّوْزِيعِ أَيْضًا فَيَكُونُ الْمَعْنَى فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالْأَمْرِ وَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِمَجْمُوعِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالنَّهْيِ وَإِنَّمَا أَجْمَلَ الشَّارِحُ إيثَارَ الِاخْتِصَارِ مَعَ وُضُوحِ الْمُرَادِ. (قَوْلُهُ: فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا) أَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا نَتِيجَةُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ وَأَخَوَاتِهِ هُنَا بِالْخِطَابِ الْمُقْتَضِي وَبِالِاقْتِضَاءِ وَحَدِّ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيمَا يَأْتِي بِالِاقْتِضَاءِ وَحَدِّهِمَا بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْخِطَابِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْحَدِّ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْمَحْدُودِ ثُمَّ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِهِ السَّابِقُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى التَّوْزِيعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَحْدُودَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِمَجْمُوعِ لَفْظَيْ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ هُوَ عَيْنُ الْمَعْنَى الْمَحْدُودِ الْمُعَبَّر عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَالْمَعْنَى الْمَحْدُودُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِمَجْمُوعِ أَلْفَاظِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى هُوَ عَيْنُ الْمَعْنَى الْمَحْدُودِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِلَفْظِ النَّهْيِ وَاعْتَرَضَ النَّاصِرُ

[تعريف الفرض والواجب]

نَظَرًا هُنَا إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ وَهُنَاكَ إلَى أَنَّهُ كَلَامٌ. (وَالْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي مُرَادَفَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِمَا عَدَا الْإِبَاحَةَ مَعَ أَنَّ التَّرَادُفَ الِاتِّحَادُ فِي الْمَفْهُومِ وَالِاتِّحَادُ مَفْقُودٌ هُنَا لِأَنَّ الطَّلَبَ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ أَخَذَ بِشَرْطِ الْجَزْمِ وَفِي النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأُولَى أَخَذَ بِشَرْطِ عَدَمِهِ وَفِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَخْذٌ لَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَغَايَةُ مَا هُنَاكَ التَّسَاوِي فِي الْمَاصَدَقِ لَا الِاتِّحَادُ فِي الْمَفْهُومِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَدَّعِ التَّرَادُفَ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَفْهُومُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ اهـ. وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ تَامٍّ فَإِنَّ الشَّارِحَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ إلَخْ عَلَى أَنَّ اتِّحَادَ الْحَدِّ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْمَحْدُودِ وَمَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الْمَحْدُودَ هُوَ الْمَفْهُومُ لَا الْأَفْرَادُ فَالشَّارِحُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّرَادُفِ فَقَدْ لَزِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُكَابَرَةٌ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ إلَخْ مُشَاغَبَةٌ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِاللَّفْظِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنًى جُزَيْئًا أَوْ كُلِّيًّا فَالْأَوَّلُ يُرَادُ مِنْهُ الذَّاتُ إذْ هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَلَفْظُ زَيْدٍ مَثَلًا يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ الْمُشَخِّصَةُ. وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَجِيءُ قَصْدُ الذَّاتِ أَيْ الْإِفْرَادِ عِنْدَ انْعِقَادِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقَضَايَا الْمَحْصُورَةِ وَقَدْ يُرَادُ الْمَفْهُومُ نَفْسُهُ كَمَا فِي الْمُعَرَّفِ، وَالْقَضِيَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ مُحَقِّقِي الْمَنَاطِقَةِ حَقَّقَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَحْصُورَاتِ عَلَى مَفْهُومِ الْكُلِّيِّ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ شَهِيرَةٌ حَتَّى إنَّنَا فَرَدْنَاهَا بِرِسَالَةٍ فَتَمَّ إيرَادُ النَّاصِرِ. نَعَمْ تَمْهِيدُهُ لِذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمَاهِيَّةَ قَدْ تُؤْخَذُ بِشَرْطِ شَيْءٍ إلَخْ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ بَيَانُهُ يَسْتَدْعِي تَطْوِيلًا فَمَنْ رَجَعَ لِحَوَاشِينَا الْكُبْرَى عَلَى الْمَقَالَاتِ عَلِمَ مَا فِيهِ وَقَوْلُ بَعْضِ مَنْ كَتَبَ مُجِيبًا عَنْ اعْتِرَاضِ النَّاصِرِ إنَّ الْوَجْهَ فِي دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ مَنْعُ قَوْلِهِ: لَا اتِّحَادَ هُنَا فِي الْمَفْهُومِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُدَّعَى اتِّحَادُ الْأَمْرِ وَمَجْمُوعُ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَاتِّحَادِ النَّهْيِ وَمَجْمُوعِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى وَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْهُومَ الْأَمْرِ وَمَفْهُومَ مَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ أَيْ الْمَفْهُومَ الَّذِي يَجْمَعُ وَيَعُمُّ الْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ وَمَفْهُومُ النَّهْيِ وَمَفْهُومُ مَجْمُوعِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى أَيْ الْمَفْهُومُ الَّذِي يَجْمَعُ وَيَعُمُّ الثَّلَاثَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اقْتِضَاءُ التَّرْكِ فَيَكُونُ لَفْظُ الْأَمْرِ مُرَادِفًا لِمَجْمُوعِ لَفْظَيْ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَلَفْظُ النَّهْيِ مُرَادِفًا لِمَجْمُوعِ أَلْفَاظٍ ثَلَاثَةٍ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مَجْمُوعَ لَفْظِ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَفْظٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ التَّرَادُفُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْأَمْرِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الثَّانِي وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مَفْهُومِ اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ وَمَفْهُومِ اقْتِضَاءِ التَّرْكِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّدْبِ مُغَايِرٌ لِصَاحِبِهِ بِقَيْدٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَكَذَا الثَّلَاثَةُ فَانْدِرَاجُهَا تَحْتَ اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ انْدِرَاجُ النَّوْعِ تَحْتَ الْجِنْسِ وَالشَّارِحُ لَمْ يَدَّعِ اتِّحَادَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ الْمَفْهُومِ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ بَلْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَمَفْهُومُ الْأَمْرِ مُطْلَقٌ وَهَذِهِ الْمَفَاهِيمُ مُقَيَّدَةٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يُرَادِفُ الْمُقَيَّدَ وَأَيْضًا الْمَفْهُومُ الَّذِي يَعُمُّ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ لَمْ يُعَبَّرْ عَنْهُ بِلَفْظٍ مُفْرَدًا سم لِأَنَّ التَّرَادُفَ إنَّمَا يَكُونُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بَلْ دُلَّ عَلَيْهِ بِمُرَكَّبٍ إضَافِيٍّ فَاتِّحَادُ مَفْهُومِهِ بِمَفْهُومِ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ لَا يَنْفَعُ فِي دَعْوَى التَّرَادُفِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لِلْمُعَبَّرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ وَاحِدٌ وَاخْتَلَفَ الْعِبَارَةُ عَنْهُ فِيهِمَا لِلْمُنَاسَبَةِ فَعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا بِالْإِيجَابِ وَغَيْرِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ وَالْإِيجَابِ وَغَيْرُهُ مُنَاسِبٌ لَهُ وَعُبِّرَ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ يُنَاسِبُهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ. [تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب] (قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ) أَيْ هَذَانِ اللَّفْظَانِ إذْ التَّرَادُفُ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ وَانْجَرَّ الْكَلَامُ إلَيْهِمَا

مُتَرَادِفَانِ) أَيْ اسْمَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا جَازِمًا (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي نَفْيِهِ تَرَادُفَهُمَا حَيْثُ قَالَ هَذَا الْفِعْلُ إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ كَالْقُرْآنِ فَهُوَ الْفَرْضُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ الثَّابِتَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَبِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ وَالتَّسْمِيَةِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَمَا يُسَمَّى فَرْضًا هَلْ يُسَمَّى وَاجِبًا وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيِّ كَمَا يُسَمَّى وَاجِبًا هَلْ يُسَمَّى فَرْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جَعْلِ الْإِيجَابِ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الَّذِي إذَا أُضِيفَ إلَى مَا فِيهِ الْحُكْمُ سُمِّيَ وَاجِبًا وَوُجُوبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَوَّلًا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَا يُقَالُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَاجِبَ. (قَوْلُهُ: مُتَرَادِفَانِ) أَيْ اصْطِلَاحًا لَا لُغَةً وَلَعَلَّ الْحُكْمَ بِالتَّرَادُفِ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ تَسَمُّحٌ لِمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا الْأَحْكَامَ اللَّفْظِيَّةَ مُتَفَرِّعَةً عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَهُمَا بِحَسَبِهِ لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ وَمُتَرَادِفٌ بِمَعْنَى مُرَادِفٍ أَيْ مُرَادِفٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَلَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ شَرْطَ التَّثْنِيَةِ صَلَاحِيَةُ الْمَعْنَى لِلتَّجْرِيدِ وَهُوَ هُنَا لَا يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّ التَّرَادُفَ تَفَاعُلٌ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَك أَنْ تَقُولَ أَيْضًا يَصِحُّ إطْلَاقُ مُتَرَادِفٍ عَلَى الْوَاحِدِ بِقَيْدِ مَعَ فَيُقَالُ مُتَرَادِفٌ مَعَ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: لِمَعْنًى وَاحِدٍ) أَيْ مَفْهُومٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّرَادُفَ يُعْتَبَرُ فِيهِ اتِّحَادُ الْمَفْهُومِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ وَهِيَ مَفَاهِيمُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ لَك. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ وَقَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ إلَخْ الْمُرَادُ بِعِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ عِلْمُ ذَاتِهِ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ وَاحِدًا سُمِّيَ بِلَفْظَيْنِ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِمَّا سَبَقَ ذَاتُهُ لَا بِهَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ هَذَا التَّشْبِيهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَعْلُومَ هُنَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ لَا شَيْءٌ آخَرُ يُشْبِهُ الْمَعْلُومَ مِنْهُ وَالتَّشْبِيهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَيُجَابُ بِتَغَايُرِهِمَا اعْتِبَارًا فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ مُشَبَّهٌ بِاعْتِبَارِ ذِكْرِهِ هُنَا مُشَبَّهٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ فَالْأَحْسَنُ أَنْ تُجْعَلَ الْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى وَمَا مَصْدَرِيَّةً أَيْ بِنَاءً عَلَى عِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) ظَرْفٌ لِنَفْيِهِ وَالْحَيْثِيَّةُ تَعْلِيلِيَّةٌ فَهُوَ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ التَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا بَلْ لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: هَذَا الْفِعْلُ) أَيْ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا جَازِمًا. (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ إلَخْ) هَذَا الِاصْطِلَاحُ وَإِنْ اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنْ يَكْثُرُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ وَهُوَ إطْلَاقُ الْفَرْضِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ وَالْوَاجِبِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَقَوْلِهِمْ الْوِتْرُ فَرْضٌ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُسَمُّونَهُ فَرْضًا عَمَلِيًّا لَا عِلْمِيًّا يَلْزَمُ اعْتِقَادُهُ حَقِيقَةً وَكَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ قَالَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمْ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى التَّسْمِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَهُوَ الْوَاجِبُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنَّ لِلتَّسْمِيَةِ مَدْخَلًا فِي عَدَمِ الْفَسَادِ فَلَا يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُسَمَّى إلَخْ) الْعَامِلُ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَمَا بَعْدَ هَلْ وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ هَلْ ضَعِيفَةٌ فِي الِاسْتِفْهَامِ لِتَطَفُّلِهَا فِيهِ فَلَيْسَتْ كَالْهَمْزَةِ الْعَرِيقَةِ فِيهِ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ

فَعِنْدَهُ لَا أَخْذًا لِلْفَرْضِ مِنْ فَرَضَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى حَزَّهُ أَيْ قَطَعَ بَعْضَهُ، وَلِلْوَاجِبِ مِنْ وَجَبَ الشَّيْءُ وَجْبَةً سَقَطَ. وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ سَاقِطٍ مِنْ قِسْمِ الْمَعْلُومِ. وَعِنْدَنَا نَعَمْ أَخْذًا مِنْ فَرَضَ الشَّيْءَ قَدَّرَهُ، وَوَجَبَ الشَّيْءُ وُجُوبًا ثَبَتَ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُقَدَّرِ وَالثَّابِتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ وَمَأْخَذُنَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَهُ أَيْ دُونَنَا لَا يَضُرُّ فِي أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ فِقْهِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَلْ فِي الِاسْتِفْهَامِ قَبْلَ وَجَدْ ... مَعْمُولُ مَا بَعْدُ لِضَعْفٍ فَاعْتَمِدْ (قَوْلُهُ: فَعِنْدَهُ لَا أَخْذًا إلَخْ) عِنْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِلَا لِتَضَمُّنِهَا لِمَعْنَى الْفِعْلِ أَيْ انْتَفَتْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ وَأَخْذًا مَفْعُولٌ لَهُ لَا لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى حَزَّهُ) أَيْ قَطَعَ بَعْضَهُ أَيْ فَالْفَرْضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ أَيْ الْمَقْطُوعِ بِهِ وَاعْتَرَضَ النَّاصِرُ الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَوْجِيهَهُمْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أُرِيدَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لَكِنَّ أَمْثِلَتَهُمْ تُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْقَطْعَ بِالْأَحْكَامِ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ الْمُعَرَّفِ بِالْعِلْمِ أَيْ الظَّنِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ الْأَوَّلَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّارِحِ لِأَنَّهُ حَاكٍ لَهُ عَنْهُمْ بَلْ وَلَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَطْعَ عِنْدَهُمْ بِجَامِعِ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ احْتِمَالُهُ نَاشِئًا عَنْ الدَّلِيلِ كَمَا نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي أُصُولِهِمْ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ أَيْنَ لَزِمَ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ يُسَمَّى فِقْهًا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ بِوَجْهٍ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ تَفَاسِيرِ الْفِقْهِ عِنْدَهُمْ مَا يَتَنَاوَلُ الْقَطْعِيَّ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي أُصُولِهِمْ. (قَوْلُهُمْ سَاقِطٌ مِنْ قِسْمِ الْمَعْلُومِ) لِأَنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَلِذَا يُسَمُّونَ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ بِالْفَرْضِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ بِالْفَرْضِ عَمَلًا فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا نَعَمْ) يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ فَعِنْدَهُ لَا أَخْذًا. (قَوْلُهُ: وَوَجَبَ الشَّيْءُ وُجُوبًا ثَبَتَ) مِمَّا يُرَجِّحُ أَخْذَنَا لِلْوَاجِبِ مِنْ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ اتِّحَادُ الْوَاجِبِ وَمَأْخَذُهُ فِي الْمَصْدَرِ فَإِنَّ مَصْدَرَ كُلٍّ الْوُجُوبُ بِخِلَافِ أَخْذِهِمْ لَهُ مِنْ وَجَبَ بِمَعْنَى سَقَطَ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ عَلَيْهِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ مَصْدَرَ الْوَاجِبِ الْوُجُوبُ وَمَصْدَرُ مَأْخَذِهِ عِنْدَهُمْ الْوَجْبُ أَوْ الْوَجْبَةُ أَفَادَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ: وَمَأْخَذُنَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا) أَيْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ فَرْضٍ لُغَةً بِمَعْنَى قَدْرٍ أَكْثَرُ مِنْهُ بِمَعْنَى حَزٍّ وَاسْتِعْمَالَ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ أَكْبَرُ مِنْهُ بِمَعْنَى سَقَطَ فَاصْطِلَاحُنَا أَوْلَى فَهَذَا بَيَانٌ لِمُرَجِّحِ مَأْخَذِنَا الَّذِي عَارَضَهُ مَأْخَذُهُمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قُلْت قَدْ فَرَّقَ عِنْدَكُمْ بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ وَاجِبٌ عَلَيَّ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقُ فَرْضٌ عَلَيَّ. وَفِي الْحَجِّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ وَالرُّكْنُ بِخِلَافِهِ وَالْفَرْضُ يَشْمَلُهُمَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ قُلْت ذَلِكَ لَيْسَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا بَلْ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَلِاصْطِلَاحٍ آخَرَ فِي الْحَجِّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ فِي الطَّلَاقِ لَيْسَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ بَلْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مَعَ أَنَّ أَصْحَابَنَا نَقَضُوا أَصْلَ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا جَعْلُهُمْ مَسْحَ رُبْعِ الرَّأْسِ وَالْقَعْدَةِ آخِرَ الصَّلَاةِ فَرْضَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. (قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الثَّابِتِ بِالْقَطْعِيِّ وَالثَّابِتِ بِالظَّنِّيِّ تَفَاوُتٌ فِي الرُّتْبَةِ إذْ التَّفَاوُتُ فِي الرُّتْبَةِ لَا يَقْتَضِي التَّفَاوُتَ فِي التَّسْمِيَةِ فَاتِّحَادُهُمَا تَسْمِيَةٍ لَا يُوجِبُ اتِّحَادَهُمَا رُتْبَةً كَمَا لَا يُوجِبُ اتِّحَادُ دَلِيلِهِمَا رُتْبَةً قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ عَائِدٌ إلَى التَّسْمِيَةِ فَنَحْنُ نَجْعَلُ اللَّفْظَيْنِ اسْمًا لِمَعْنًى وَاحِدٍ لِتَفَاوُتِ أَفْرَادِهِ وَهُمْ يَخُصُّونَ كُلًّا مِنْهُمَا بِقِسْمٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَجْعَلُونَهُ اسْمًا لَهُ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُمَا مُتَرَادِفَيْنِ جَعَلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ الظَّنِّيَّ بَلْ الْقِيَاسَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ فِي مَرْتَبَةِ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ حَيْثُ جَعَلَ مَدْلُولَهُمَا وَاحِدًا وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ اهـ. وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ كَالسُّيُوطِيِّ فِي طَبَقَاتِ النُّحَاةِ مِنْ أَنَّ السَّعْدَ التَّفْتَازَانِيَّ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُهُ فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْتَصِرُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَمَّا السَّيِّدُ فَحَنَفِيٌّ بِاتِّفَاقٍ. (قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ) لَمْ يَقُلْ وَيَأْثَمُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ أَمْرٌ فِقْهِيٌّ أَيْ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي عَمِلَهَا وَهُوَ الْفِقْهُ وَجَعَلَ كَوْنَ صَلَاةِ تَارِكِهَا

[تعريف المندوب والمستحب والتطوع والسنة]

لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا. (وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ مُتَرَادِفَةٌ) أَيْ أَسْمَاءٌ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّ النَّدْبِ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ (خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابَنَا) أَيْ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ فِي تَفْهِيمِ تَرَادُفِهَا حَيْثُ قَالُوا هَذَا الْفِعْلُ إنْ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ السُّنَّةُ أَوْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ كَأَنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحَةً الَّذِي هُوَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ خِطَابِ الْوَضْعِ مِنْ الْفِقْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ أَيْ الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ صَحِيحُ لِأَنَّ الْفِقْهَ بَاحِثٌ عَنْ الْخِطَابَيْنِ التَّكْلِيفِيِّ وَالْوَضْعِيِّ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ تَحِلُّ وَتَحْرُمُ وَتَصِحُّ وَتَفْسُدُ. (قَوْلُهُ: لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ) قَالَ النَّاصِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنْ يُقَالَ لَا مَدْخَلَ لِلتَّسْمِيَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ الْمُجْتَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْفِقْهِيِّ لَا عَنْ التَّسْمِيَةِ فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ مَدْخَلِيَّةِ التَّسْمِيَةِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ إذْ لَوْ كَانَ لَهَا مَدْخَلٌ فِيهِ كَانَ النِّزَاعُ فِيهَا نِزَاعًا فِيهِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ مَعْنَوِيًّا وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَدَمِ الْفَسَادِ مَدْخَلِيَّةُ التَّسْمِيَةِ كَانَ النِّزَاعُ فِيهَا فَرْعَ النِّزَاعِ فِيهِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ مَعْنَوِيًّا وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ ظَنِّيَّةَ الدَّلِيلِ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلتَّسْمِيَةِ بِالْوَاجِبِ أَيْ السَّاقِطِ وَلِعَدَمِ الْفَسَادِ بِالتَّرْكِ وَكَانَتْ قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ سَبَبًا لِضِدِّ ذَلِكَ كَانَ لِعَدَمِ الْفَسَادِ مَدْخَلٌ فِي التَّسْمِيَةِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَعْتَبِرْ السَّبَبَ. [تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ] (قَوْلُهُ: وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ) وَمِثْلُهُ الْحَسَنُ وَالنَّفَلُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ (قَوْله مُتَرَادِفَةٌ) أَيْ اصْطِلَاحًا لُغَةً نَظِيرَ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ. (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ) أَيْ عَلَى مَا عُلِمَ أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُسَمًّى بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) كَالْبَغَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالْخُوَارِزْمِي فِي الْكَافِي وَالْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالُوا) ظَرْفٌ لِنَفْيِهِمْ وَالْحَيْثِيَّةُ تَعْلِيلِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: هَذَا الْفِعْلُ) أَيْ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ ظُلْمًا غَيْرُ جَازِمٍ الَّذِي هُوَ كُلِّيٌّ وَفَائِدَةُ الْإِشَارَةِ بَيَانُ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ لَا فِي مُطْلَقِ الْفِعْلِ وَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ لِلْفِعْلِ الْجُزْئِيِّ كَمَا تُوهِمُهُ الْإِشَارَةُ إذْ الْجُزْئِيُّ الْحَقِيقِيُّ لَا تُتَصَوَّرُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ وَلَا فِعْلُهُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ مَتَى فَعَلَهُ مَرَّةً انْقَضَى فَالْمُعَادُ لَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ بَلْ فِعْلٌ مُمَاثِلٌ لَهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَدُومُ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا تَدْقِيقٌ فَلْسَفِيٌّ وَالْعُرْفُ الْعَامُّ لَا يَلْتَفِتُ لِمِثْلِهِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الشَّرْحِ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَنْدُوبًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ صَرِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا فِي رَوَاتِبِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمُؤَكَّدِ مِنْهَا وَغَيْرِهِ بِمُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمِهَا وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُمْ فِي عَدَمِ مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدِ وَلِأَنَّ فِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدَعُ الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا بَعْدُ» وَلِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدَّالَّةِ عَلَى «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ جَمِيعَ شَعْبَانَ» وَالرِّوَايَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ بِأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَصُومُ كُلَّهُ وَتَارَةً كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ وَاحْتِمَالُ أَنَّ مَرَّاتِ الْبَعْضِ تَقَدَّمَتْ وَمَرَّاتِ الْكُلِّ تَأَخَّرَتْ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّرْكُ بَعْدَ الْفِعْلِ بَعِيدٌ نَعَمْ ذَكَرَ السُّيُوطِيّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جَمِيعَ نَوَافِلِهِ كَانَتْ فَرْضًا. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ خِلَافُ هَذَا أَيْضًا فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا خِلَافًا فِي نَوَافِلَ مُعَيَّنَةٍ كَالضُّحَى هَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَا فَلَوْ وَافَقُوا عَلَى وُجُوبِ جَمِيعِ نَوَافِلِهِ لَمْ يَتَّجِهْ تَخْصِيصُ بَعْضِ النَّوَافِلِ بِالْخِلَافِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُنَافِي التَّفْصِيلَ فِي نَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنَّ بَعْضَ نَوَافِلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَمَةِ وَالْبَعْضَ وَجَبَ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَمَةِ بَلْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إتْمَامَ كُلِّ تَطَوُّعٍ شُرِعَ فِيهِ أَيْ وُجُوبُ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ نَوَافِلِهِ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ مَعَ وُجُوبِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: كَانَ فِعْلُهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) دَلَّتْ الْكَافُ عَلَى عَدَمِ الِانْحِصَارِ فِي الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ وَلَعَلَّ الضَّابِطَ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْمُوَاظَبَةِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي ضَابِطِ الْمُوَاظَبَةِ وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يُتْرَكَ إلَّا لِعُذْرٍ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَهُوَ مَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْأَوْرَادِ فَهُوَ التَّطَوُّعُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمَنْدُوبِ لِعُمُومِهِ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بِلَا شَكٍّ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ: عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ وَالتَّسْمِيَةِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يُسَمَّى بِاسْمٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَ هَلْ يُسَمَّى بِغَيْرِهِ مِنْهَا فَقَالَ الْبَعْضُ لَا إذْ السُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ وَالْعَادَةُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْمَحْبُوبُ وَالتَّطَوُّعُ الزِّيَادَةُ، وَالْأَكْثَرُ نَعَمْ وَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ طَرِيقَةٌ وَعَادَةٌ فِي الدِّينِ وَمَحْبُوبٌ لِلشَّارِعِ بِطَلَبِهِ وَزَائِدٌ عَلَى الْوَاجِبِ. (وَلَا يَجِبُ) الْمَنْدُوبُ (بِالشُّرُوعِ) فِيهِ أَيْ لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرِيحًا وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَيُحْتَمَلُ دُخُولُهُ فِيمَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ فِي الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ لِلشَّارِعِ بِطَلَبِهِ صَرِيحًا. وَأَمَّا مَا هَمَّ بِفِعْلِهِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ مَانِعٌ كَمَا فِي تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ حِينَ خَطَبَ وَكَانَ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ عَزَمَ وَمَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ أَيْضًا كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ تَاسُوعَاءَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِمَا فَعَلَهُ ثُمَّ إنْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ أُلْحِقَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَبِالْقِسْمِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا رَغِبَ فِيهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ صَرِيحًا وَلَا فَعَلَهُ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ) وَلَا يُقَالُ إنَّهُ سُنَّةٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ وَلَا يَكُونُ طَرِيقَةً إلَّا بِالتَّكْرَارِ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُنْشِئُهُ) أَيْ وَجَعْلُهُ مَطْلُوبًا مِنْ حَيْثُ انْدِرَاجُهُ أَمْرٌ عَامٌّ وَالْإِنْشَاءُ مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ. (قَوْلُهُ: لِعُمُومِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ مُرَادِفٌ لِكُلٍّ مِنْهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا حَتَّى يُرَادِفَهَا لِأَنَّ الْأَعَمَّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُرَادِفُهُ الْأَخَصُّ. (قَوْلُهُ: إذْ السُّنَّةُ) أَيْ وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ الْمَحْبُوبُ) أَيْ وَمَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ مَحْبُوبٌ لِلنَّفْسِ لِعَدَمِ كَثْرَتِهِ إذْ لَوْ كَثُرَ لَرُبَّمَا حَصَلَ مِنْهُ الْمَلَلُ وَالسَّآمَةُ كَذَا قِيلَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا تَثْبُتُ الْمَحَبَّةُ بِارْتِكَابِهِ وَفِعْلِهِ وَلَوْ مَرَّةً وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ السُّنَّةَ يُقَالُ لَهَا مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ حُبًّا لِلشَّارِعِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالتَّطَوُّعُ الزِّيَادَةُ) أَيْ عَلَى مَا فَعَلَهُ الشَّارِعُ. (قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ إلَخْ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ نَعَمْ (قَوْلُهُ: وَمَحْبُوبٌ لِلشَّارِعِ بِطَلَبِهِ) أَيْ هُوَ مَطْلُوبٌ لَهُ بِسَبَبِ الطَّلَبِ فَلَيْسَتْ الْمَحَبَّةُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمَيْلِ بَلْ بِمَعْنَى الطَّلَبِ النَّفْسِيِّ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لِلشَّارِعِ فَلَا يُنَاسِبُهُ مَعْنَى الْمَيْلِ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ الْمَنْدُوبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ) أَيْ لَا يَصِيرُ الشُّرُوعُ فِيهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِي الْمَنْدُوبِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْكُلِّ فِي الْبَعْضِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِالشُّرُوعِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ وَإِنَّمَا فَسَّرَ ضَمِيرَ يَجِبُ بِالْمَنْدُوبِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السُّنَّةِ وَمَا بَعْدَهَا لِعُمُومِهِ لِلْكُلِّ كَمَا سَبَقَ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ) فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا حَصَلَ بِهِ الشُّرُوعُ إذْ هُوَ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ وَقَدْ يُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ لِجَوَازِ تَرْكِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَنَّهُ بِالتَّلَبُّسِ بِهِ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَهُوَ بَعِيدٌ مَعَ تَجْوِيزِ تَرْكِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَلُزُومِ تَبْعِيضِ الْعِبَادَةِ نَدْبًا وَوُجُوبًا لَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ عِنْدَنَا وَعَلَّلَ النَّاصِرُ مَنْدُوبِيَّةَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْوُجُوبِ وَالسَّبَبُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ السَّبَبَ مُتَقَدِّمٌ بِالذَّاتِ مُقَارَنٌ بِالزَّمَانِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُمْ كَحَرَكَةِ الْيَدِ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ اهـ. أَيْ فَلَا يَكُونُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مَنْدُوبًا وَعَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَبْنَى هَذَا النَّظَرِ أَنَّ ذَاتَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ سَبَبٌ فِي الْوُجُوبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ سَبَبًا أَيْ عِلَّةً فِي الْكُلِّ كَمَا قَالَ لَزِمَ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ

لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَتْرُكَ إتْمَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْكُلِّ نَفْسَ هَذَا الْجُزْءِ وَقَدْ جُعِلَ عِلَّةً لِلْكُلِّ فَيَكُونُ سَبَبًا فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ لَا يَكُونُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا عِلَّةً فِيهَا لِلْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ وَحِينَئِذٍ بَطَلَ قَوْلُهُ إنَّ السَّبَبَ مُتَقَدِّمٌ بِالذَّاتِ إلَخْ فَإِنَّ السَّبَبَ هُوَ نَفْسُ الشُّرُوعِ لِتَوَقُّفِ الْإِتْمَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى الْإِتْمَامِ سَبْقًا زَمَانِيًّا لَا ذَاتِيًّا وَلَيْسَ مُقَارِنًا لِلْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ أَتَى فَلَا يَمْتَدُّ زَمَنُهُ حَتَّى يُجَامِعَ الْإِتْمَامَ وَلَا يَلْزَمُ فِي السَّبَبِ مُقَارَنَتُهُ لِلْمُسَبَّبِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّنَا سَبَبٌ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَلَيْسَ مُقَارِنًا لَهُ وَكَذَلِكَ الزَّوَالُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَيَسْتَمِرُّ هَذَا الْوُجُوبُ بَعْدَهُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْعُهْدَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ وَإِنَّمَا الْمُقَارَنَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْطِ كَالطُّهْرِ لِلصَّلَاةِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ مُتَقَدِّمٌ بِالذَّاتِ مُقَارِنٌ بِالزَّمَانِ جَرْيٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْحُكَمَاءِ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبَبِ. وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنْ السَّبَبِ بِالْعِلَّةِ أَيْضًا وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالسَّبَبُ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ إلَخْ لَكِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْعِلَّةِ فَقَدْ خَلَطَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اصْطِلَاحًا بِاصْطِلَاحٍ لِيَتِمَّ لَهُ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ كَتَبَ هَاهُنَا أَنَّهُمْ قَالُوا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَمَا قُلْنَا وَبَعْدَ ذَلِكَ سَلَّمُوا السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ وَأَجَابُوا عَنْهُ تَبَعًا لسم بِأَنَّ السَّبَبَ حُصُولُ الْجُزْءِ وَثُبُوتُهُ أَيْ كَوْنُهُ حَاصِلًا ثَابِتًا وَهُوَ مُقَارِنٌ لِلْوُجُوبِ بِأَزْمَانٍ وَهُوَ يَرْجِعُ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الشُّرُوعُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُصُولَ الْجُزْءِ وَثُبُوتَهُ لَازِمٌ لَهُ وَمُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ اللَّائِقُ فِي الْجَوَابِ بَيَانُ مَنْشَأِ الْغَلَطِ كَمَا بَيَّنَّا لِئَلَّا يَبْقَى حُصُولُ الِاشْتِبَاهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاصْطِلَاحَيْنِ فَافْهَمْ وَنُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ لِتَوَقُّفِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَأُورِدَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا لَا مَنْدُوبًا وَأَجَابَ بِأَنَّ النَّدْبَ مِنْ حَيْثُ الْقُدُومُ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي وُجُوبَهُ بِالْأَخْذِ فِيهِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَاجِبًا لَزِمَ أَنَّ كُلَّ مَنْدُوبٍ وَاجِبٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَيُنَافِي وَصْفَهُ بِالنَّدْبِ وَدَعْوَى أَنَّ النَّدْبَ وَصْفٌ لِلْقُدُومِ خُرُوجٌ عَنْ الِاصْطِلَاحِ فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ بِالنَّدْبِيَّةِ ذَاتُ الْعِبَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَخْ) إشَارَةٌ لِقِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَشَارَ لِكُبْرَاهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَخْ وَلِصُغْرَاهُ بِقَوْلِهِ وَتَرْكُ إتْمَامِهِ وَنَظْمُ الْقِيَاسِ هَكَذَا تَرْكُ إتْمَامِ الْمَنْدُوبِ تَرْكٌ لِلْمَنْدُوبِ وَتَرْكُ الْمَنْدُوبِ جَائِزٌ يُنْتِجُ تَرْكَ إتْمَامِ الْمَنْدُوبِ جَائِزٌ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ تَرْكَ إتْمَامِ الْمَنْدُوبِ تَرْكٌ لَهُ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَهُوَ تَرْكُ مَا يَأْتِي وَإِبْطَالُ مَا مَضَى وَالتَّرْكُ الْجَائِزُ أُرِيدَ بِهِ التَّرْكُ ابْتِدَاءً لَمْ يَتَّحِدْ الْوَسَطُ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ فِي الصُّغْرَى تَرْكُ الْإِتْمَامِ وَإِنْ أُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ فَلَا نُسَلِّمُ جَوَازَهُ لِأَنَّ لِلْعِبَادَةِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهَا مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَيْسَ لَهَا قَبْلَهُ. وَالْجَوَابُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ حَدِيثُ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ فَظَهَرَ أَنَّ الْبَحْثَ مَعَ تَكْرَارِ الْحَدِّ الْوَسَطِ عَلَى تَقْدِيرٍ أَوْ الْكُبْرَى عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ فَهُوَ نَقْضٌ تَفْصِيلِيٌّ لِوُرُودِهِ عَلَى مُقَدَّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَمَّا وُرُودُهُ عَلَى الْكُبْرَى فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا مَنْعُ تَكَرُّرِ الْحَدِّ الْوَسَطِ فَلِأَنَّ تَكَرُّرَهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ إنْتَاجِ الْقِيَاسِ وَالْمُقَدَّمَةُ عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الدَّلِيلِ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِشُرُوطِ إنْتَاجِهِ وَإِنَّ الْجَوَابَ إثْبَاتٌ لِلْمُقَدَّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ وَهِيَ الْكُبْرَى وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمَمْنُوعُ الصُّغْرَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاصِرُ وَلَا الْكُبْرَى

الْمُبْطِلِ لِمَا فُعِلَ مِنْهُ تُرِكَ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِوُجُوبِ إتْمَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] حَتَّى يَجِبَ بِتَرْكِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْهُ قَضَاؤُهُمَا وَعُورِضَ فِي الصَّوْمِ بِحَدِيثِ «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ كَمَا قَالَهُ سم وَيَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ أَيْضًا لُزُومُ الْمُصَادَرَةِ لِأَنَّ الْكُبْرَى لَازِمَةٌ لِلْمُدَّعِي إذْ قَوْلُنَا الْمَنْدُوبُ لَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ يَلْزَمُهُ أَنَّ تَرْكَهُ جَائِزٌ وَقَدْ جُعِلَ كُبْرَى الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: الْمُبْطِلُ) صِفَةُ التَّرْكِ وَضَمِيرُ مِنْهُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ لِلْمَنْدُوبِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِوُجُوبِ إتْمَامِهِ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكُورَانِيُّ فَقَالَ لَا يَخْلُو مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَةِ النَّفْلِ أَوْ الْقَلْبِ بِالشُّرُوعِ وَاجِبًا. وَالثَّانِي بَاطِلٌ إجْمَاعًا إذْ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ فِي الشَّرِيعَةِ يَكُونُ بَعْضُهُ نَفْلًا وَبَعْضُهُ وَاجِبًا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ بِالشُّرُوعِ يَصِيرُ وَاجِبًا لَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ لَا ثَوَابُ النَّفْلِ وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اهـ. قَالَ سم قَوْلُهُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ إجْمَاعًا بَاطِلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَهُوَ قَطْعًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ وَكَيْف يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَدَعْوَى تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَتَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ غَيْرَ مَسْمُوعَةٍ إلَّا بِنَقْلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَعَمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ اسْتِقْرَاءِ الشَّرِيعَةِ حَتَّى يَجْزِمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَنْ نَذَرَ الْفِعْلَ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ إتْمَامُ مَا يَشْرَعُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الشُّرُوعُ فِيهِ وَهَذَا نَظِيرُ مَا ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَيْضًا إلَخْ فَالْمُلَازَمَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا مَمْنُوعَةٌ لِجَوَازِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَجِبُ الشُّرُوعُ فِيهِ وَمَا لَا يَجِبُ الشُّرُوعُ فِيهِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَقُلْ الْمُوجِبُ بِلَا تَمَامٍ بِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ فَقَوْلُهُ فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مُجَرَّدَ دَعْوَى. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى) أُجِيبَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ فِيهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْفُرُوضِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَجِبَ) حَتَّى بِمَعْنَى فَاءِ التَّفْرِيعِ فَيَجِبُ مَرْفُوعٌ. (قَوْلُهُ: وَعُورِضَ فِي الصَّوْمِ) الْمُعَارَضَةُ أَنْ يُورِدَ الْخَصْمُ فِي مُقَابَلَةِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ دَلِيلًا دَالًا عَلَى نَقِيضِ مُدَّعَاهُ. (قَوْلُهُ: بِحَدِيثِ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ) قَالَ النَّاصِرُ لِلْخَصْمِ أَنْ يَحْمِلَ الصَّائِمَ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ وَالْفَائِدَةُ فِي النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ أَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ لَا يُقَالُ فَيَكُونُ الصَّائِمُ مَجَازًا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ أَيْضًا مَجَازٌ قَبْلَ تَمَامِهِ وَيَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ الْأَوَّلُ

أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَيُقَاسَ عَلَى الصَّوْمِ الصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي حَمْلُ الصَّائِمِ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ بِبَقَاءِ صَامَ فِي قَوْلِهِ إنْ شَاءَ صَامَ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي إذْ حَقِيقَةُ الْإِمْسَاكِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ اهـ. قَالَ سم مَا تَمَسَّكَ بِهِ لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ الصَّائِمِ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ تَجَوُّزَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي لَفْظِ الصَّائِمِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَى مُرِيدِ الصَّوْمِ. وَالثَّانِي: فِي لَفْظِ أَفْطَرَ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ عَلَى هَذَا فِي مَعْنَى اسْتَمَرَّ مُفْطِرًا وَذَلِكَ خِلَافُ حَقِيقَتِهِ قَطْعًا بِخِلَافِ حَمْلِ الصَّائِمِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَجَوُّزٌ وَاحِدٌ فِي قَوْلِهِ إنْ شَاءَ صَامَ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى اسْتَمَرَّ صَائِمًا وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ تَقْلِيلَ الْمَجَازِ أَقْرَبُ إلَى الْأَصْلِ فَمَا قُلْنَاهُ أَرْجَحُ. وَأَمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ الصَّائِمَ مَجَازٌ فِيمَا قَبْلَ التَّمَامِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمُتَلَبِّسِ بِالْحَدَثِ قَبْلَ تَمَامِهِ حَقِيقَةٌ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ وَإِنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ لِصِدْقِ اسْمِ الصَّلَاةِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا بَعْدَ التَّمَامِ وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ مَجَازٌ قَطْعًا أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى اهـ. وَبُحِثَ فِي كَلَامِ سم بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ الصَّائِمَ حَقِيقَةٌ فِيمَا قَبْلَ التَّمَامِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ شَرْعًا الْإِمْسَاكَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَ أَنَّ الصَّائِمَ قَبْلَ تَمَامِ الصَّوْمِ مَجَازٌ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُمْسِكِ جَمِيعَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَإِنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ نَصَبَهُمْ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي التَّلَبُّسِ بِالْحَدَثِ قَبْلَ تَمَامِهِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَدَثٍ يَتَسَاوَى فِي إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ بَعْضِهِ وَكُلِّهِ كَالضَّرْبِ لَا عَلَى خِلَافِهِ كَالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ. وَفِي قَوْلِهِ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ إلَخْ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ كُلِّيًّا مِنْ كَلَامِهِ أَصْلًا وَلَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ الصَّائِمُ لِصِدْقِ كَلَامِهِ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً مَعَ التَّمَامِ. وَأَقُولُ هَذِهِ تَدْقِيقَاتٌ لَا يَتَحَمَّلُهَا الِاسْتِعْمَالُ اللُّغَوِيُّ وَلَا الْعُرْفِيُّ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَلَبِّسِ بِالْفِعْلِ مَعْنَاهُ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ مَا تَلَبَّسَ بِهِ مِنْ الْحَدَثِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ فِعْلٍ وَفِعْلٍ وَأَنَّ الْمُمْسِكَ عَنْ الْمُفْطِرِ مَعَ النِّيَّةِ مُتَلَبِّسٌ بِحَقِيقَةِ الصَّوْمِ قَطْعًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَبَادُرُ لَفْظِ الصَّائِمِ فِيهِ أَيَّ وَقْتٍ وَالتَّبَادُرُ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ الْغُرُوبُ نَعَمْ لَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ شَرْعًا لِإِتْمَامِ الْغُرُوبِ وَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ فَتَدَبَّرْ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا تَجَوُّزٌ ثَالِثٌ وَهُوَ حَمْلُ الْمُتَطَوِّعِ عَلَى مُرِيدِ التَّطَوُّعِ قَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ لَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ الْآحَادِ وَإِنْ صَحَّ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ عُمُومِ الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِ قَطْعِيًّا وَالْحَدِيثُ ظَنِّيٌّ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ كَلَامٌ مَتْنًا وَسَنَدًا. فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ هَانِئٍ وَتَسَاهُلُ الْحَاكِمِ مَعْلُومٌ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ صَحِيحٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْحَدِيثُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِحَيْثُ لَا يُعَارِضُ عُمُومَ الْقُرْآنِ فَتَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِهِ وَذَلِكَ إمَّا بِحَمْلِ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ تَطَوُّعًا أَوْ بِحَمْلِ الْأَمِيرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدْ غَلَبَ نَفْسَهُ وَقَهَرَهَا وَمَلَكَ زِمَامَهَا حَيْثُ صَبَّرَهَا عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ مِنْ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا وَكَانَ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَمَا كَانَ مُلْزَمًا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمِثْلُ هَذَا التَّأْوِيلِ لِمُرَاعَاةِ عُمُومِ الْآيَةِ مَقْبُولٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ مَعَ الْقَضَاءِ. اهـ. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ اهـ. أَقُولُ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَسَاهُلِ الْحَاكِمِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَأَيْته فِي تَارِيخِ الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ فِي تَرْجَمَةِ الْحَاكِمِ نَقْلًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَالِينِيِّ يَقُولُ طَالَعْت كِتَابَ الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ الَّذِي صَنَّفَهُ الْحَاكِمُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ حَدِيثًا عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ وَهَذَا إسْرَافٌ وَغُلُوٌّ مِنْ الْمَالِينِيِّ وَإِلَّا فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ جُمْلَةٌ وَافِرَةٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَجُمْلَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى شَرْطِ أَحَدِهِمَا لَعَلَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ نَحْوُ نِصْفِ الْكِتَابِ وَفِيهِ نَحْوُ الرُّبْعِ مِمَّا صَحَّ سَنَدُهُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مَنَاكِيرُ وَوَاهِيَاتٌ لَا تَصِحُّ وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ مَوْضُوعَاتٌ عُلِمَتْ لَك لَمَّا اخْتَصَرْت هَذَا الْمُسْتَدْرَكَ وَنَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ «أَمِيرُ نَفْسِهِ» رُوِيَ بِالرَّاءِ وَبِالنُّونِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ عَلَى الصَّوْمِ الصَّلَاةُ) لَعَلَّ الْجَامِعَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا عِبَادَةً بَدَنِيَّةً مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَفِي

فَلَا تَتَنَاوَلُهُمَا الْأَعْمَالُ فِي الْآيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. (وَوُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ) الْمَنْدُوبِ لِأَنَّ نَفْلَهُ أَيْ الْحَجِّ (كَفَرْضِهِ نِيَّةً) فَإِنَّهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَصْدُ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ أَيْ التَّلَبُّسِ بِهِ (وَكَفَّارَةً) فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْجِمَاعِ الْمُفْسِد لَهُ (وَغَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ النِّيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ كَانْتِفَاءِ الْخُرُوجِ بِالْفَسَادِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَحْصُلُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِفَسَادِهِ بَلْ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ بَعْدَ فَسَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ خِلَافٌ طَوِيلٌ فَالْإِمَامُ الرَّازِيّ يَقُولُ بِالْمَنْعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالتَّوَقُّفِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلَ كَثِيرَةٍ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيُقَاسُ عَلَى الصَّوْمِ غَيْرُهُ لِيَشْمَلَ بَاقِيَ الْمَنْدُوبَاتِ. وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُ مِنْ أَنَّ الْمَخْرَجَ مِنْ الْأَعْمَالِ إنَّمَا هُوَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَقَطْ فَيُفِيدُ أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ مِمَّا تَتَنَاوَلُهُ الْأَعْمَالُ فِي الْآيَةِ حُكْمًا لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ تَعَرَّضَ لَهُمَا الْخَصْمُ فِي كَلَامِهِ فَلَمْ يَرَ الشَّارِحُ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَيْهِ بِالتَّصْرِيحِ بِغَيْرِهِمَا وَلَا تَخْصِيصَ الْمَتْنِ بِهِمَا عَلَى مَا هُوَ عَادَتُهُ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِ عَنْ عَدَمِ اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِهِمَا. (قَوْلُهُ: فَلَا تَتَنَاوَلُهُمَا الْأَعْمَالُ) قَالَ النَّاصِرُ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ سَيَأْتِي أَنَّ عُمُومَهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِصَرِيحِ قَرِينَةِ السِّيَاقِ لَا تَتَنَاوَلُهُمَا الْأَعْمَالُ حُكْمًا أَوْ مُطْلَقًا وَهَذَا ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ) وَهِيَ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَلِلْجَمْعِ الْمَذْكُورِ جَعَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْقَائِلِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُمَا لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ مُنْقَطِعًا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَوُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّ تَمَامَ الْمَنْدُوبِ لَا يَجِبُ يَنْتَقِضُ بِوُجُوبِ إتْمَامِ الْحَجِّ الْمَنْدُوبِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى يَخُصُّ الْحَجَّ وَهِيَ تَسْوِيَةُ الشَّارِحِ بَيْنَ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ كَذَا قَرَّرَ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّ السُّؤَالَ وَارِدٌ عَلَى كُلِّيَّةِ كُبْرَى الْقِيَاسِ السَّابِقِ. وَالْجَوَابُ تَسْلِيمٌ لِانْتِقَاضِهَا فَيَخْتَلُّ نَظْمُ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَوُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ اسْتِثْنَاءٌ فِي الْمَعْنَى لَا جَوَابُ نَقْضٍ أَوْ جَوَابٌ عَنْ وَجْهِ إيجَابِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك صِحَّةُ كَلَامِ الْكُورَانِيِّ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَأَنَّ مَا رَدَّ بِهِ عَلَيْهِ سم خِلَافُ الْإِنْصَافِ وَعُدُولٌ عَنْ سُلُوكِ طَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْقَاعِدَةِ غَيْرُ الْحَجِّ كَالْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ وَإِذَا ذُبِحَتْ لَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ فَمَا وَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِتَمَامِ الذَّبْحِ تَحْصُلُ الْأُضْحِيَّةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا وُجُوبُ الْإِتْمَامِ بِالشُّرُوعِ وَعَلَى فَرْضِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ فَوُجُوبُ الْإِتْمَامِ لِدَفْعِ تَلَفِ الْمَالِ لَا لِلشُّرُوعِ فِي الْمَنْدُوبِ لَكِنَّ عَدَمَ الْإِتْمَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّلَفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ بِالشُّرُوعِ جُرْحٌ خَفِيفٌ تَعِيشُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ وَلَا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا بَلْ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ فَرْضُ عَيْنٍ. وَفِي حَقِّ مَنْ حَجَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنَّ إقَامَةَ شَعَائِرِ الْحَجِّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ اهـ وَنُوقِشَ بِأَنَّهُ يُصَوَّرُ بِحَجِّ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَبُحِثَ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِهَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَجَّهْ الْخِطَابُ إلَيْهِمْ فَإِنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ تَسْقُطُ بِالصِّبْيَانِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا بَلْ وَقَعَ نَفْلًا لَكِنَّهُ سَدَّ مَسَدَ الْفَرْضِ أَبَانَ الْكَلَامَ فِي نَفْلٍ يَصِحُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَحَجُّ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْوُجُوبِ وَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِإِتْمَامِهِ تَكَلُّفٌ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ يَطْرُدُهُ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ نَفْلَهُ كَفَرْضِهِ) ضَمِيرُ نَفْلِهِ يَعُودُ لِلْحَجِّ الْمُطْلَقِ عَنْ كَوْنِهِ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا لَا لِلْحَجِّ النَّفْلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اتِّحَادُ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامُ حَيْثُ أَطْلَقَ الْحَجَّ أَوَّلًا مُرَادًا بِهِ النَّفَلُ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ مُرَادًا بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَالْأَعَمُّ يُغَايِرُ الْأَخَصَّ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَجُّ بِمَعْنًى وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنًى آخَرَ. (قَوْلُهُ: أَيْ التَّلَبُّسُ بِهِ) تَفْسِيرُ الدُّخُولِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالدُّخُولِ حَقِيقَتَهُ وَهُوَ الْعُبُورُ فِي الْجِسْمِ أَيْ مُجَاوَزَةُ أَوَّلِ أَجْزَائِهِ بَلْ التَّلَبُّسُ الْمَعْنَوِيُّ بِالْفِعْلِ جَمِيعِهِ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَنْوِيٌّ

[تعريف السبب]

وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذَكَرَ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ نَفْلُهُ وَفَرْضُهُ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرَ فَالنِّيَّةُ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ غَيْرِهَا فِي فَرْضِهِمَا وَالْكَفَّارَةُ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ بِشَرْطِهِ دُونَ نَفْلِهِ وَدُونَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَبِفَسَادِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يَحْصُلُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا مُطْلَقًا فَفَارَقَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ غَيْرَهُمَا مِنْ بَاقِي الْمَنْدُوبِ فِي وُجُوبِ تَمَامِهِمَا لِمُشَابِهَتِهِمَا لِفَرْضِهِمَا فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَالسَّبَبُ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ) كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى زَادَ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ قَوْلُهُ (لِلتَّعَلُّقِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ (بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) مُعَرِّفٌ (لِلْحُكْمِ أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مُعَرِّفٍ لَهُ أَيْ مُؤَثِّرٍ فِيهِ بِذَاتِهِ أَوْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بَاعِثٌ عَلَيْهِ الْأَقْوَالُ الْآتِيَةُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْصُودٌ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ) يَعْنِي مِنْ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّ نَفْلَهَا كَفَرْضِهَا نِيَّةً وَكَفَّارَةً وَغَيْرَهُمَا. (قَوْلُهُ: لِمُشَابَهَتِهِمَا لِفَرْضِهِمَا) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْحُكْمِ لِلْمُشَابَهَةِ إنَّمَا يَصِحُّ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي عِلَّتِهِ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْقِيَاسِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ فِي الْفَرْضِ وَلَا مِنْ مُوجِبَاتِ عِلَّتِهِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ مَا يُجْمَعُ فِيهِ بِلَازِمِ الْعِلَّةِ أَوْ أَثَرِهَا أَوْ حُكْمِهَا إذْ عِلَّةُ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فِي فَرْضِ الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ فَرْضًا وَهُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا لَتَبِعَتْهُ حَيْثُ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ قَالَ سم وَهُوَ بَحْثٌ قَوِيٌّ طَالَمَا ظَهَرَ لَنَا قَبْلَ اطِّلَاعِنَا عَلَى إبْدَاءِ شَيْخِنَا إيَّاهُ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ الَّذِي أَشَارَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ فَرْعُ تَرَدُّدٍ بَيْنَ أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فَرْضُهُ. وَالْآخَرُ: نَفْلُ غَيْرِهِ. فَأُلْحِقَ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهًا وَهُوَ فَرْضُ الْحَجِّ. [تَعْرِيفِ السَّبَب] (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبُ) الـ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ لَكِنْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُتَعَلَّقَ خِطَابِ الْوَضْعِ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ مُطْلَقِ السَّبَبِ وَأَخَوَاتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الشَّرْطِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ الْكُورَانِيَّ بَحَثَ فِي تَرْتِيبِ الْمَتْنِ وَرَدِّهِ سم وَكَلَامُهُمَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي صَرْفُ الْعِنَايَةِ إلَى أَمْثَالِهِ فَإِنَّهَا أَبَدًا مُنَاسِبَاتٌ لَوْ سَلَكَ غَيْرُ مَا الْتَمَسَتْ لَهُ أَتَى بِمُنَاسِبَاتٍ غَيْرِهَا وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ عَظِيمُ فَائِدَةٍ (قَوْلُهُ: لِبَيَانِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ) أَيْ لِبَيَانِ سَبَبِهَا الَّذِي هِيَ مِنْ قَبْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلتَّعَلُّقِ مِنْ حَيْثُ إلَخْ فَقَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّعَلُّقِ يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ التَّعَلُّقُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَلَوْلَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَكَانَ الْحَجُّ غَيْرَ مُطَّرَدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ بِهَا كَمَا يُقَالُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ مَثَلًا وَحُرْمَةُ الزِّنَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ أُضِيفَ إلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهَا مَعْرُوضَةٌ لَهُ لَا يُقَالُ يَكْفِي فِي بَيَانِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ، وَتَصْحِيحُ الْحَدِّ أَنْ يُقَالَ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَرَّفٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِلتَّعَلُّقِ لِإِغْنَاءِ قَيْدِ الْحَيْثِيَّةِ عَنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ مَا لَيْسَ فِي حَذْفِهِ. (قَوْلُهُ: مُؤَثِّرٌ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْغَيْرِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ بِذَاتِهِ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَبِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ بِإِذْنِ اللَّهِ لِلْغَزَالِيِّ وَبِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَيْهِ لِلْآمِدِيِّ فَالْأَقْوَالُ أَرْبَعَةٌ وَمَا فِي الْمَتْنِ لِجُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ فَلَا يُؤَثِّر فِيهِ السَّبَبُ الْحَادِثُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ وَهُوَ حَادِثٌ. (قَوْلُهُ: الْأَقْوَالُ) مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَيْ فِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْآتِيَةُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فِي مَبْحَثِهَا وَقَوْلُهُ مَعْزُوًّا أَوَّلُهَا إلَخْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْآتِيَةِ وَأَوَّلُهَا هُوَ الْمَذْكُورُ

أَيْ حَيْثُمَا أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ مَعْزُوٍّ أَوَّلُهَا لِأَهْلِ الْحَقِّ وَتَعَرَّضَ لَهَا هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا بِالسَّبَبِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ كَالزِّنَا لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَإِضَافَةِ الْأَحْكَامِ إلَيْهَا كَمَا يُقَالُ يَجِبُ الْجَلْدُ بِالزِّنَا وَالظُّهْرُ بِالزَّوَالِ وَتَحْرُمُ الْخَمْرُ لِلْإِسْكَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُمَا أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ) أَيْ فِي كَلَامِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُطْلَقُ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ فِي التَّقْيِيدِ بِالْحَيْثِيَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ اخْتِلَافٌ فِيمَا هُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَهَا مِنْ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ لَا أَنَّهَا اصْطِلَاحَاتٌ مُتَخَالِفَةٌ لِقَائِلِهَا. (قَوْلُهُ: لِأَهْلِ الْحَقِّ) إنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْحَقِّ عَقِيدَةً أُشْكِلَ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِخِلَافِهِ غَيْرُ أَهْلِ الْحَقِّ عَقِيدَةً وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَائِلِ بِالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَإِنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا إشْكَالَ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي الَّذِي هُوَ الْحَقُّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ عَزَوْهُ لِأَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ حَقًّا فَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَا سَيَأْتِي الَّذِي هُوَ الْحَقُّ. (قَوْلُهُ: تَعَرَّضَ لَهَا) أَيْ بِقَوْلِهِ مُعَرِّفٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: تَنْبِيهًا) وَجْهُ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي كِلَا الْمَحَلَّيْنِ وَفِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ لِأَنَّا لَمْ نَعْرِفْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ حَتَّى نَصِلَ إلَيْهَا فِي الْكِتَابِ الرَّابِعِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِلَّةِ مِنْ الْمُعَرَّفِ أَوْ غَيْرِهِ أُخِذَ عَارِضًا لِلْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالسَّبَبِ حَيْثُ قِيلَ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِلتَّعَلُّقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعَرَّفٌ فَكَيْفَ يَتَّحِدُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِهِمَا قَالَهُ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الذَّاتَ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا هُنَا بِالسَّبَبِ هِيَ الذَّاتُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا هُنَاكَ بِالْعِلَّةِ وَأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَارِضًا لِذَاتِ السَّبَبِ هُوَ مَفْهُومُ الْعِلَّةِ لَا ذَاتُهَا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ السُّؤَالَ أَقْوَى لِمَنْ تَدَبَّرَ. (قَوْلُهُ: كَالزِّنَا إلَخْ) عَدَّدَ الْمِثَالَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا مُنَاسِبَةٌ لِلْحُكْمِ أَوْ لَا فَالزَّوَالُ عِلَّةٌ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ لِلْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الظُّهْرِ إذْ الزَّوَالُ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَالزِّنَا وَالْإِسْكَارُ مُنَاسِبَانِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مِنْ جَلْدٍ أَوْ رَجْمٍ مُنَاسِبٌ لِلزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُنَاسِبِ لَهُ الزَّجْرُ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ مُنَاسِبٌ لِلْإِسْكَارِ لِكَوْنِهِ مُزِيلًا لِلْعَقْلِ الْمُنَاسِبِ لَهُ الْمَنْعُ وَمَثَّلَ لِلْمُنَاسَبَةِ بِمِثَالَيْنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا قَائِمًا بِالْمُكَلَّفِ كَالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ كَالْإِسْكَارِ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الْجَلْدِ) مِثَالٌ لَا قَيْدٌ لَا يُقَالُ بَلْ هُوَ قَيْدٌ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّجْمِ لَيْسَ مُجَرَّدَ الزِّنَا بَلْ هُوَ مَعَ الْإِحْصَانِ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِي الْعِلَّةِ لَا شَطْرٌ مِنْهَا وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْحُكْمِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَة دُونَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ السَّابِقُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ تَعَالَى إيجَابٌ وَتَحْرِيمٌ وَبِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْفِعْلِ وُجُوبٌ وَحُرْمَةٌ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا مُخْتَلِفَانِ اعْتِبَارًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَيْهَا) كَمَا يُقَالُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلٍ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَنَبَّهَ عَنْهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ الْإِضَافَةَ اللُّغَوِيَّةَ وَهِيَ الِاسْتِنَادُ وَالرَّبْطُ وَإِنَّ الِاسْتِنَادَ وَالرَّبْطَ هُنَا مَا يُفْهَمُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِنَا قَتَلَهُ بِالرَّمْيِ وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَيَنْحَلُّ قَوْلُنَا السَّبَبُ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ إلَى قَوْلِنَا السَّبَبُ مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الِاسْتِنَادَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ فَاللَّامُ التَّعْلِيلِ أَوْ الْبَاءِ الَّتِي بِمَعْنَاهَا. (قَوْلُهُ: لِلْإِسْكَارِ) عَبَّرَ فِيهِ بِاللَّامِ وَبِالْبَاءِ فِيمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ اللَّامَ بِشَهَادَةِ الذَّوْقِ تُشْعِرُ بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ وَلُزُومِهَا لِمَحِلِّهَا وَالْبَاءُ تُشْعِرُ بِتَجَدُّدِهَا وَحُدُوثِهَا تَقُولُ يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بِزَهْرِهَا وَلَا تَقُولُ لِزَهْرِهَا وَتَقُولُ أَعْتَقْت سَالِمًا لِسَوَادِهِ وَلَا تَقُولُ بِسَوَادِهِ

وَمَنْ قَالَ لَا يُسَمَّى الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ السَّبَبِ الْوَقْتِيِّ عِلَّةً نَظَرَ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْعِلَّةِ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ وَمَا عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ بِهِ السَّبَبَ هُنَا مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ وَمَا عَرَّفَهُ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَالْآمِدِيِّ مِنْ الْوَصْفِ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا خَفَاءَ فِي لُزُومِ الْإِسْكَارِ لِمُسَمَّى الْخَمْرِ قَالَهُ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ) أَيْ كَالْآمِدِيِّ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ اعْتِرَاضٍ يُورَدُ عَلَى قَوْلِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: نَظَرٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي السَّبَبِ الْوَقْتِيِّ لِأَنَّهَا كَمَا سَيَأْتِي مُلَاءَمَةُ الْوَصْفِ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ وَالْأَوْقَاتُ لَا مَدْخَلَ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِيهَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ) لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحِكْمَةِ وَالْحِكْمَةُ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ لَهَا بِالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ الْمُعَلَّلِ بِهِ الْقَصْرُ اهـ. نَاصِرٌ أَقُولُ الْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ فَقَدْ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَإِيجَابُ الشَّرْعِ حُكْمًا لَا يَسْتَدْعِي فَائِدَةً قَالَ الْبُدَخْشِيُّ شَارِحُهُ لِأَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ وَأَحْكَامَهُ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِالْأَغْرَاضِ وَمَا قِيلَ إنَّ الْفِعْلَ لَا الْغَرَضَ عَبَثٌ وَهُوَ عَلَى الْحَكِيمِ مُحَالٌ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْعَبَثِ الْخَالِي عَنْ الْغَرَضِ فَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةٌ لِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا لَا إيجَابًا كَمَا هُوَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَهَذِهِ الْمَصَالِحُ ثَمَرَاتٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهَا وَغَايَاتٌ لَهَا لَا عِلَلٌ بَاعِثَةٌ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُعَرَّفِ) أَيْ الْعَلَامَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً بَلْ بِجَعْلِ جَاعِلٍ وَلِلْجَاعِلِ أَنْ يَجْعَلَ الشَّيْءَ عَلَامَةً عَلَى شَيْءٍ آخَرَ بِخِلَافِهِ عَلَى أَنَّهَا مُؤَثِّرٌ وَبَاعِثٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَا عُرِفَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مُبَيِّنٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ لِلسَّبَبِ رَسْمٌ لَا حَدٌّ لِأَنَّهُ بِالْخَاصَّةِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ لِلسَّبَبِ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِه وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ مُعَرَّفًا إلَخْ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ الْعَارِضَةِ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْبِيرُ بِحَيْثُ ثُمَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخَاصَّتِهِ بِالْبَاءِ وَأَمْرُهَا ظَاهِرٌ. وَفِي الْأَكْثَرِ بِاللَّامِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهَا النَّاصِرُ أَنَّ الْمُبَيَّنَ عِنْدَ الْقَوْمِ هُوَ الْمَاهِيَّةُ وَالْمُبَيَّنُ بِهِ قَدْ يَكُونُ ذَاتِيًّا لَهَا وَقَدْ يَكُونُ عَرَضِيًّا لَهَا وَخَاصَّةٌ مِنْ خَوَاصِّهَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُبَيِّنٌ لِلْمَاهِيَّةِ بِخَاصَّتِهَا اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَاصَّةِ الْمَاهِيَّةُ الْعَرَضِيَّةُ وَبَيَانُ الْمَاهِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ لِلسَّبَبِ بَيَانٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ) خَرَجَ الْخَفِيُّ كَاللَّذَّةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ حَيْثُ تَرَكْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ اللَّمْسَ وَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ تَجِبُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْعُلُوقِ لِأَنَّهُ خَفِيٌّ، وَقَوْلُهُ الْمُنْضَبِطُ خَرَجَ نَحْوُ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمْكِنَةِ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ

الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِهِ وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْوَصْفَ بِالْوُجُودِيِّ كَمَا فِي الْمَانِعِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصَّرَ الصَّلَاةَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ) الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ فَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ السَّبَبُ الْمُعَرِّفُ لِحُكْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ كَحِلِّ الشَّعْرِ بِالنِّكَاحِ وَحُرْمَتِهِ بِالطَّلَاقِ جَعَلَهُ عِلَّةً لِثُبُوتِ حَيَاتِهِ كَالْيَدِ فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ مُعْتَرِضًا عَلَى تَعْرِيفَيْ الْمُصَنِّفِ وَالْآمِدِيِّ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْعِلَّةَ تَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَمَعْلُولُهَا ثُبُوتُ أَمْرٍ حَقِيقِيٍّ وَهَذِهِ لَمْ يَشْمَلْهَا التَّعْرِيفُ لِأَنَّهَا لَمْ تُعَرِّفْ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَقَوْلُهُ وَمَعْلُولُهَا ثُبُوتُ أَمْرٍ إلَخْ لَيْسَ الْمَعْنَى ثُبُوتَهُ فِي نَفْسِهِ بَلْ ثُبُوتَهُ لِمَوْضُوعِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِجَعْلِ الْمَعْلُولِ ذَاتَ الْحَيَاةِ. (قَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِهِ) أَيْ لِذَاتِيَّاتِهِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ وَإِلَّا فَالْمَفْهُومُ قَدْ يَكُونُ عَرَضِيًّا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ قَدْ يُبَيَّنُ بِالْحَدِّ وَقَدْ يُبَيَّنُ بِالرَّسْمِ (قَوْلُهُ: وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ) أَيْ قَوْلُهُ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَانِعِ بِقِسْمَيْهِ أَمَّا مَانِعُ الْحُكْمِ فَلِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ نَقِيضَ الْحُكْمِ وَأَمَّا مَانِعُ السَّبَبِ فَلِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ لِاخْتِلَافِ حِكْمَة السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيَّدْ الْوَصْفُ بِالْوُجُودِيِّ) أَيْ كَمَا فِي الْمَانِعِ وَقَدْ يُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى حَيْثُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الْقَيْدُ فِي الْمَانِعِ دُونَ السَّبَبِ قَالَهُ سم. أَقُولُ لَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَانِعَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُكْمِ فَاعْتُبِرَ فِي مَفْهُومِهِ الْوُجُودُ لِيَظْهَرَ تَأْثِيرُهُ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُكْمِ وَأَمَّا السَّبَبُ فَهُوَ مُعَرِّفٌ وَعَلَامَةٌ وَكَثِيرًا مَا تَكُونُ الْعَلَامَةُ عَدَمِيَّةً كَعَدَمِ الشَّمْسِ لِوُجُودِ اللَّيْلِ مَثَلًا وَمِمَّا يُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ هَاهُنَا مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ يَحْيَى الشَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْعَارِفِ السَّنُوسِيِّ لِصُغْرَاهُ قَالَ حَصَلَتْ لِي مُنْذُ أَزْمِنَةٍ هُنَا وَقْفَةٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُوجَدُ إلَّا بِمَجْمُوعِ سَبَبِهِ أَوْ شَرْطِهِ وَعِنْدَ وُجُودِهِمَا وَوُجُودِ الْحُكْمِ مَعَهُمَا رَبَطُوهُ بِالسَّبَبِ كَالزَّوَالِ مَثَلًا وَجَعَلُوهُ مُقْتَضِيًا لَهُ إلَّا لِمَانِعٍ أَوْ تَخَلُّفِ شَرْطٍ فَذَاتُ السَّبَبِ حَاكِمَةٌ وَمُقْتَضِيَةٌ لِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَالشَّرْطُ لَا يَقْتَضِي كَالْحَوْلِ مَثَلًا فَتَخَلُّفُ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَوْلِ لَيْسَ مَعَ اقْتِضَاءِ الْحَوْلِ لَهَا وَعَارِضَةِ الدَّيْنِ مَثَلًا بَلْ هُوَ لَا اقْتِضَاءَ لَهُ أَصْلًا هَذَا مُحَصَّلُ مَا لِجَمِيعِهِمْ وَمَحَلُّ الْوَقْفَةِ فِيهِ أَنَّا نَدَّعِي أَنَّ الْحَوْلَ اقْتَضَى الزَّكَاةَ وَعِنْدَ التَّخَلُّفِ نَدَّعِي أَنَّهُ لِدَيْنٍ أَوْ لِنَفْيِ نِصَابٍ فَالشَّرْطُ قَدْ اقْتَضَى لَوْلَا مَا ذُكِرَ كَمَا قُلْنَا فِي الزَّوَالِ أَنَّهُ اقْتَضَى وُجُوبَ الظُّهْرِ لَوْلَا الْحَيْضُ وَالْجُنُونُ مَثَلًا فَنَدَّعِي اتِّفَاقَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا تَسْمِيَةً أَوْ نَدَّعِي أَنَّ الْجَمِيعَ سَبَبٌ مَثَلًا أَوْ شَرْطٌ فَلَا نَقُولُ الزَّوَالُ سَبَبٌ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ بَلْ هُمَا سَبَبٌ أَوْ هُمَا شَرْطٌ. وَكَوْنُ

قَدْ تَكُونُ عَدَمِيَّةً كَمَا سَيَأْتِي (وَالشَّرْطُ يَأْتِي) فِي مَبْحَثِ الْمُخَصِّصِ أَخَّرَهُ إلَى هُنَاكَ لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ مِنْ أَقْسَامِهِ مُخَصِّصٌ كَمَا فِي أَكْرِمْ رَبِيعَةَ إنْ جَاءُوا أَيْ الْجَائِينَ مِنْهُمْ وَمَسَائِلُهُ الْآتِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ مِنْ اصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِالزَّوَالِ كَيْفَمَا سَمَّيْته وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ بِالْحَوْلِ وَإِلَيْك النَّظَرُ فِيهِ فَقَدْ طَالَ بَحْثِي فِيهِ مَعَ فُضَلَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَمَا أَجِدُ مَنْ يَصِلُ إلَى الْإِشْكَالِ إلَّا بَعْدَ جَهْدٍ جَهِيدٍ فَيَحْصُلُ مِنْ الْجَوَابِ الْيَأْسُ الشَّدِيدُ وَالْمُنَاسَبَةُ الْفَارِقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ بَيْنَ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوَالَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا أَصْلًا وَلِأَجْلِ خَفَاءِ الْفَرْقِ وَعَدَمِ اطِّرَادِهِ وَجَدْنَا أَكَابِرَ الْأَئِمَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَرَافِيِّ يَخْتَلِفُونَ فِي أَمْرٍ يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ سَبَبًا وَبَعْضُهُمْ شَرْطًا وَلَوْ وَضَحَ الدَّلِيلُ لَمْ يَكُنْ لِلِاخْتِلَافِ مِنْ سَبِيلٍ اهـ. رَحِمَ اللَّهُ الشَّيْخَ اسْتَهْوَلَ الْإِشْكَالَ وَحَطَّ مِنْ قَدْرِ مُعَاصِرِيهِ بِمَا لَا يُنَاسِبُ مِنْ الْمَقَالِ وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ لَهُ مَا فِي ذَلِكَ الْإِشْكَالِ مِنْ الِاخْتِلَالِ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ أَجْمَعِينَ (قَوْلُهُ: قَدْ تَكُونُ عَدَمِيَّةً) أَيْ عَدَمًا مُضَافًا فَيُقَالُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ بِخِلَافِ الْعَدَمِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَجْهُولٌ فَكَيْفَ يُعَرَّفُ بِهِ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: إلَى هُنَاكَ) لَفْظَةُ هُنَا مِنْ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ وَتُجَرُّ بِمِنْ وَإِلَى وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فِي جَرِّهَا مَحَلًّا بِإِلَى هُنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إلَّا هُنَاكَ فَإِنْ جُعِلَتْ مَرْفُوعَةَ الْمَحَلِّ بَدَلًا مِنْ اسْمِ لَا مَعَ لَا فَإِنَّ مَحَلَّهُمَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ لَزِمَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ مَنْصُوبَةَ الْمَحَلِّ بَدَلًا مِنْ مَحَلِّ اسْمِ لَا وَحْدَهُ لِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ وَلَا إنَّمَا تَعْمَلُ فِي النَّكِرَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا مِنْ ظَرْفٍ مَحْذُوفٍ مُتَعَلِّقٍ بِذِكْرِهَا وَالْمَعْنَى لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا فِي مَحَلٍّ مِنْ الْمَحَالِّ إلَّا هُنَاكَ أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى ظَرْفِيَّتِهَا وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَجْرُورُ فَقَطْ وَالْمُخْتَارُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ الْإِتْبَاعُ فَيَكُونُ مَحَلُّهَا جَرًّا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ فَإِنْ جَرَيْنَا عَلَى غَيْرِ الْمُخْتَارِ مِنْ النَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الظَّرْفَ تَصَرَّفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصْبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَوْنُ الْكَلِمَةِ مَنْصُوبَةً وَهِيَ عَلَى مَعْنَى فِي وَإِنْ كَانَ النَّاصِبُ لَهَا أَدَاةَ الِاسْتِثْنَاءِ مَثَلًا وَفِيهِ تَوَقُّفٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الْمُنَاسِبُ هُنَا فَلَفْظَةُ هُنَا فِيهِ ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ هُنَا أَيْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ فَانْفَصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ فِي الْمُنَاسِبِ فَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْمُنَاسِبِ هُنَا الْمُنَاسِبُ هَذَا الْمَوْضِعَ وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ جَعْلِهَا ظَرْفًا لِلْمَحْذُوفِ بِجَعْلِهَا ظَرْفًا لِلْمُنَاسِبِ بِمَعْنَى اللَّائِقِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ مِنْ أَقْسَامِهِ) قَالَ النَّاصِرُ فِي كَوْنِ اللُّغَوِيِّ مِنْ الشَّرْعِيِّ مَنْعٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ هُوَ مُتَعَلَّقُ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللُّغَوِيَّ كَذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالشَّرْطُ مُطْلَقُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ إنْ وَرَدَ سَبَبًا إلَخْ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَوُقُوعُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا وَشَرْطًا إلَخْ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لَا يَقْتَضِي الْحَوَالَةَ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ وَلَا يَمْنَعُ الْحَوَالَةَ عَلَى وَجْهٍ أَعَمَّ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةِ الْفَائِدَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ أَقْسَامِهِ صِفَةُ اللُّغَوِيِّ وَخَبَرُ إنَّ قَوْلُهُ مُخَصِّصٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِينَ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا كَانَ مُخَصِّصًا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ بِدَلِيلِ الْإِخْرَاجِ بِهِ كَمَا يَأْتِي وَإِنْ كَانَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَقْوَى. (قَوْلُهُ: وَمَسَائِلُهُ الْآتِيَةُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إنَّ وَبِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ قَوْلُهُ لَا مَحَلَّ إلَخْ قِيلَ إنَّ ضَمِيرَ مَسَائِلِهِ يَعُودُ إلَى الشَّرْطِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لُغَوِيًّا لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَّصِلًا وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ اللُّغَوِيَّ يَنْقَسِمُ إلَى الْمُتَّصِلِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْهُ

مِنْ الِاتِّصَالِ وَغَيْرِهِ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا إلَّا هُنَاكَ ثُمَّ الشَّرْعِيُّ الْمُنَاسِبُ هُنَا كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَالْإِحْصَانِ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ. (وَالْمَانِعُ) الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَانِعُ الْحُكْمِ (الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الْمُعَرِّفُ نَقِيضَ الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمَ السَّبَبِ (كَالْأُبُوَّةِ فِي) بَابِ (الْقِصَاصِ) وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمُتَّصِلُ. (قَوْلُهُ: مِنْ الِاتِّصَالِ) أَيْ لَا يُفْصَلُ إلَّا بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ خُلْعٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الشَّرْعِيُّ إلَخْ) الشَّرْعِيُّ مُبْتَدَأٌ وَالْمُنَاسِبُ صِفَتُهُ وَكَالطَّهَارَةِ خَبَرٌ وَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلٍ أَوْ الْمُنَاسِبُ خَبَرُهُ وَكَالطَّهَارَةِ تَمْثِيلٌ فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَذَلِكَ كَالطَّهَارَةِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ الْمُنَاسِبَ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ بَيَانُ أَقْسَامِ مُتَعَلَّقِ الْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا وَاَلَّذِي مِنْ مُتَعَلِّقِهِ لَيْسَ إلَّا الشَّرْعِيَّ وَالشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: شَرْطُ السَّبَبِ وَهُوَ مَا يُخِلُّ عَدَمُهُ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَهُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ حُكْمُهُ وَحِكْمَةُ سَبَبِهِ حِلُّ الِانْتِفَاعِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ يُخِلُّ بِهِ. وَثَانِيهِمَا: شَرْطُ الْحُكْمِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ نَقِيضِ حُكْمِ السَّبَبِ وَلَمْ يُخِلَّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ عَدَمَهُ يَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ وَهُوَ عَدَمُ الثَّوَابِ وَحُكْمُ السَّبَبِ حُصُولُ الثَّوَابِ وَحِكْمَةُ السَّبَبِ التَّوَجُّهُ إلَى اللَّهِ وَلَمْ يُخِلَّ بِهِ عَدَمُ الطُّهْرِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ) أَيْ لِجَوَازِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ السَّبَبِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيرُ لَفْظِ الصِّحَّةِ أَيْ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إذْ الطَّهَارَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ذَاتُ الصَّلَاةِ أَيْ وُجُودُ حَقِيقَتِهَا هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ وَأَمَّا إنْ قُلْنَا أَنَّهَا لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يُحْتَاجُ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ ثُمَّ فِي تَقْدِيرِ لَفْظِ الصِّحَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ الْوَضْعِيَّةَ يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ مِنْهُ مَانِعَ السَّبَبِ وَالتَّعْرِيفُ لَا يَشْمَلُهُ فَيَكُونُ فَاسِدًا وَمَانِعُ السَّبَبِ هُوَ مَا يَسْتَلْزِمُ حِكْمَةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا فَإِنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ اسْتِغْنَاءُ الْمَالِكِ بِهِ وَلَيْسَ مَعَ الدَّيْنِ اسْتِغْنَاءٌ. وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَخْ وَقَوْلُهُ أَمَّا مَانِعُ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ إلَخْ دَلَالَةٌ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ التَّعْرِيفِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْرِيفِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ السَّبَبِ لِيَخْرُجَ بِهِ مَانِعُ السَّبَبِ أَجَابَ عَنْهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ نَقِيضُ الْحُكْمِ بَلْ انْتِفَاءُ السَّبَبِيَّةِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ نَقِيضَ الْحُكْمِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَانِعَ السَّبَبِ مُسْتَلْزِمٌ لِمَانِعِ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: الْوُجُودِيُّ) خَرَجَ بِهِ عَدَمُ الشَّرْطِ فَإِطْلَاقُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ لَفْظَ الْمَانِعِ تَسَمُّحٌ. (قَوْلُهُ: الْمُعَرِّفُ نَقِيضَ الْحُكْمِ) نَقِيضُ الْحُكْمِ رَفْعُهُ لَكِنَّهُ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ هُنَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ مُضَادٌّ لِحُكْمِ السَّبَبِ لِوَصْفِ الْمَانِعِ إشْعَارًا بِخُصُوصِهِ كَحُرْمَةِ الْقِصَاصِ الْمُرَادَةِ مِنْ نَفْيِ وُجُوبِهِ لِإِشْعَارِ الْأُبُوَّةِ بِهَا فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَانِعِ حَدُّ السَّبَبِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الصِّدْقُ اعْتِبَارَ وُجُودِيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْمَانِعِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّهُ فِي السَّبَبِ أَعَمُّ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُودِيِّ فَيَخْتَلُّ التَّحْدِيدُ

كَوْنُ الْقَاتِلِ أَبَا الْقَتِيلِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاص الْمُسَبَّبِ عَنْ الْقَتْلِ لِحِكْمَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَبَ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِ ابْنِهِ فَلَا يَكُونُ الِابْنُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ وَإِطْلَاقُ الْوُجُودِيِّ عَلَى الْأُبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ صَحِيحٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَدَمَ شَيْءٍ وَإِنْ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْإِضَافِيَّاتُ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا وُجُودِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ أَمَّا مَانِعُ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ وَلَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا بِأَحَدِهِمَا فَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْعِلَّةِ. (وَالصِّحَّةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ الْمَانِعَ سَبَبٌ لِحُكْمٍ وَمَانِعٌ لِحُكْمٍ آخَرَ اهـ. نَاصِرٌ قَالَ سم قَوْلُهُ لِوَصْفِ الْمَانِعِ إلَخْ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِقَوْلِهِ حُكْمٌ وَمَا أَجَابَ بِهِ صَحِيحٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِمَنْعِ قَوْلِهِ أُرِيدَ بِهِ هُنَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ بَلْ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا مُجَرَّدَ الرَّفْعِ وَالنَّفْيِ. وَأَمَّا الْحُكْمُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا ثَبَتَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَعَلَى مَا أَجَابَ بِهِ نَقُولُ الْأُبُوَّةُ مِنْ حَيْثُ نَفَتْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مَانِعٌ وَمِنْ حَيْثُ أَثْبَتَتْ حُرْمَتَهُ سَبَبٌ وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ هِيَ نَفَتْ الْوُجُوبَ وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ فَبِالدَّلِيلِ الَّذِي أَثْبَتَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَتْلٌ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ كَوْنُ الْقَاتِلِ إلَخْ) هُوَ تَعْرِيفٌ لِلْأُبُوَّةِ فِي بَابِ الْقِصَاصِ لَا لِلْأُبُوَّةِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ الِابْنُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ النَّاصِرُ مَا لَمْ تَزَلْ الْفُضَلَاءُ تَلْهَجُ بِهِ فَقَالَ قَدْ يُعْتَرَضُ هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِهِ هُوَ الْقَتْلُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ لَا الِابْنُ فَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ حِكْمَةً اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا السَّبَبُ الْبَعِيدُ فَإِنَّ الْوَلَدَ سَبَبٌ بَعِيدٌ فِي الْقَتْلِ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ قَتْلُهُ إيَّاهُ فَلَهُ مَدْخَلُ فِي الْقَتْلِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ أَفَادَهُ سم وَلَا يَخْفَاك سُقُوطُهُ لِجَرَيَانِهِ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ إذْ لَوْلَا وُجُودُهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا بَعِيدًا فِيهِ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَكُونُ الِابْنُ أَيْ مِنْ حَيْثُ قَتْلُهُ فَقَيْدُ الْحَيْثِيَّةِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْمَقَامِ قَيْدُ مُلَاحَظَةٍ فِيهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَمْرٌ إضَافِيٌّ) لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَلَمْ يَقُلْ نَسِيَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الَّتِي هِيَ الْمَقُولَةُ أَخَصُّ مِنْ النِّسْبَةِ وَهِيَ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهُ عَلَى تَعَقُّلِ غَيْرِهِ نِسْبَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهَا النِّسْبَةُ الْمُتَكَرِّرَةُ (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَدَمَ شَيْءٍ) أَيْ وَلَا دَاخِلًا الْعَدَمُ فِي مَفْهُومِهَا زَادَهُ النَّاصِرُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي مَعْنَى الْوُجُودِيِّ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ وَفِيهِ خَلْطُ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحٍ فَذِكْرُ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ هُنَا تَشْوِيشٌ عَلَى الطَّالِبِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ) أَيْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَبَيْنَ تَصْحِيحِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ أَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَيْسَتْ وُجُودِيَّةً لِأَنَّ مَا هُنَاكَ جَرَى عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا هُنَا عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ. (قَوْلُهُ: أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ) لِلِاعْتِبَارِيِّ مَعْنَيَانِ مَا يَكُونُ لَهُ تَحَقُّقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اعْتِبَارِ مُعْتَبَرٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ كَالْإِمْكَانِ وَمَا يَكُونُ تَحَقُّقُهُ بِاعْتِبَارِهَا وَلَوْ قَطَعَ النَّظَرَ عَنْ اعْتِبَارِنَا لَا يَكُونُ لَهُ تَحَقُّقٌ اهـ. سم. وَهُوَ كَلَامٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِبَارِيَّاتِ لَا تَحَقُّقَ لَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّ نَحْوَ الْإِمْكَانِ تَحَقُّقُهُ إنَّمَا هُوَ بِتَحَقُّقِ مَعْرُوضِهِ وَهُوَ الْمَاهِيَّةُ بِخِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ الْمَحْضَةِ كَأَنْيَابِ أَغْوَالٍ فَلَيْسَ لَهَا فِي الْخَارِجِ أَمْرٌ تَسْتَنِدُ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ مَوْجُودٌ بِوُجُودٍ انْتِزَاعِيٍّ وَالثَّانِي بِوُجُودٍ اخْتِرَاعِيٍّ وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَاشِيَةِ الْمَقُولَاتِ الصُّغْرَى. (قَوْلُهُ: وَالصِّحَّةُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الصِّحَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ بِعَرْضِ

مِنْ حَيْثُ هِيَ الشَّامِلَةُ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ (مُوَافَقَةُ) الْفِعْلِ (ذِي الْوَجْهَيْنِ) وُقُوعًا (الشَّرْعَ) وَالْوَجْهَانِ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ وَمُخَالَفَتُهُ أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ تَارَةً مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ لِاسْتِجْمَاعِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا وَتَارَةً مُخَالِفًا لَهُ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ عِبَادَةً كَانَ كَالصَّلَاةِ أَوْ عَقْدًا كَالْبَيْعِ لِصِحَّةِ مُوَافَقَتِهِ الشَّرْعَ بِخِلَافِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِبَادَةِ مَثَلًا عَلَى الْأَوَامِرِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ أَوْ مُخَالِفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ كَكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ تَارِكًا لَهُمَا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ عَقْلِيًّا وَتَمَحَّلَ سم بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ الْخِطَابَ إذَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِ الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَأَنَّهُ وَرَدَ بِأَنَّ مَا اسْتَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمُورَ مُوَافِقٌ وَمَا لَا مُخَالِفٌ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ فَالْحَقُّ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ لَمْ يَرِدْ بِهَا الْخِطَابُ وَعَلَى هَذَا فَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ ثَلَاثَةٌ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ كَلَامِ سم فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَطَّرَ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هِيَ إلَخْ) هِيَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ هِيَ صِحَّةٌ وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِإِضَافَةِ حَيْثُ إلَيْهَا فَلَمْ تُضَفْ حَيْثُ إلَى الْجُمْلَةِ وَالْحَيْثِيَّةُ لِلْإِطْلَاقِ وَالشَّارِحُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: الشَّامِلَةُ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إلَخْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّهُ فَرَّقَ غَيْرُ وَاحِدٍ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالْعِبَادَةِ بِأَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقُرْبَةُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالْعِبَادَةُ مَا تُعُبِّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ فَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ النَّظَرِ وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ فَعَلَى هَذِهِ مُتَفَرِّقَةٌ لَمْ يَتَنَاوَلْ كَلَامَ الشَّارِحِ نَحْوَ الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ مَعَ أَنَّهُمَا يُوصَفَانِ بِالصِّحَّةِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ تَحَكُّمٌ فَنَحْوُ الصَّلَاةِ يُقَالُ لَهُ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ بِاعْتِبَارَاتٍ وَكَذَا الْوَقْفُ وَنَحْوُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وُقُوعًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُوَافَقَةُ وُقُوعِ الْفِعْلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ فَحُذِفَ الْوُقُوعُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ فَأُضِيفَتْ الْمُوَافَقَةُ إلَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِالْوُقُوعِ تَمْيِيزًا فَالْمُتَّصِفُ بِذِي الْوَجْهَيْنِ حَقِيقَةً هُوَ الْوُقُوعُ لَا الْفِعْلُ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِجْمَاعِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا) هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الصِّحَّةَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ وَالْمُرَادُ بِمَا يَعْتَبِرُ الشُّرُوطَ وَالْأَرْكَانَ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ وَالْمُرَادُ اسْتِجْمَاعُهُ مَا ذُكِرَ وَلَوْ بِحَسَبِ ظَنِّ الْفَاعِلِ فَصَحَّ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْ الْقَضَاءَ أَيْ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ وَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِأَنَّ تَفْسِيرَ الْمُوَافَقَةِ بِهِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَهَا عَنْ صَلَاةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ فَتَنْتَفِي صِحَّتُهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيَأْتِي أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَمْرُ الشَّارِعِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لَتَنَاوَلَ الْحَدُّ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ وَالْعَقْدِ أَيْضًا بِدُونِ تَفْسِيرِ الْمُوَافَقَةِ بِالِاسْتِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ اهـ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَيَقَّنَةِ وَالْمَظْنُونَةِ فَدَعْوَى الِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ فَاقِدِ الطَّهُورِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ لِاسْتِجْمَاعِهَا مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَرْعًا إذْ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهَا إذْ هِيَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَصَلَاةُ مَرِيضٍ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِعَدَمِ مَنْ يُوَجِّهُهُ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَا يَقَعُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ ذِي الْوَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ: إلَّا مُوَافِقًا) وَكَذَا مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُخَالِفًا كَالشِّرْكِ فَلَا يُوصَفُ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَا وَجْهَيْنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ

إذْ لَوْ وَقَعَتْ مُخَالِفَةً لَهُ أَيْضًا كَانَ الْوَاقِعُ جَهْلًا لَا مَعْرِفَةً فَإِنَّ مُوَافَقَتَهُ الشَّرْعَ لَيْسَتْ مِنْ مُسَمَّى الصِّحَّةِ فَلَا يُسَمَّى هُوَ صَحِيحًا فَصِحَّةُ الْعِبَادَةِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ مُوَافَقَةُ الْعِبَادَاتِ ذَاتِ الْوَجْهَيْنِ وُقُوعًا الشَّرْعَ وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْ الْقَضَاءَ. (وَقِيلَ) الصِّحَّةُ (فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) أَيْ إغْنَاؤُهَا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاصِرُ أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ إيمَانُ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ أَوْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْإِيمَانُ لَا يَقَعُ إلَّا مُوَافِقًا وَقَدْ وُصِفَ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا وَقَالَ تَعَالَى {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: 81] أَيْ الشِّرْكُ فَقَدْ وُصِفَ بِالْبُطْلَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مُخَالِفًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا فِي مَسْأَلَةِ إيمَانِ الْمُقَلِّدِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَيْ الْكِفَايَةُ وَعَدَمُ الْكِفَايَةِ لَا الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ الْإِيمَانُ وَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ أَيْ إدْرَاكَهُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ لَا تَكُونُ إلَّا مُوَافِقَةً بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ تَصْدِيقٌ مَخْصُوصٌ بِأُمُورٍ مَخْصُوصَةٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ فَهُوَ ذُو وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ تَارَةً يَسْتَجْمِعُ تِلْكَ الْأُمُورَ وَتَارَةً لَا بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهَا ذَاتُ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي الْمُوَافِقِ كَوْنُ مَوْصُوفِ الصِّحَّةِ فِعْلًا وَبِهِ أَفْصَحَ كَلَامُ الشَّارِحِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَاطِلِ عَلَى الشِّرْكِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ لَيْسَ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا أَوْ بِاصْطِلَاحٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ وَقَعَتْ) أَيْ الْمَعْرِفَةُ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَعْرِفَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ مُخَالِفَةً فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ قِيلَ إنَّ لِلْمَعْرِفَةِ أَيْضًا جِهَتَيْنِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ اسْتِدْلَالِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ تَقْلِيدِيَّةً وَالْأُولَى مُسْتَجْمِعَةٌ لِلشُّرُوطِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُكْتَسَبَةً بِمُقَدِّمَاتٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَصَرْفِ الْقُوَّةِ وَرَفْعِ الْمَوَانِعِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ عَنْ قَائِلٍ بِدُونِ عَقْدِ الْقَلْبِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْإِذْعَانِ وَالثَّانِيَةُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَعْرِفَةُ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ وَالْأُولَى قَدْ تَكُونُ مَقْرُونَةً بِالْإِنْكَارِ بِاللِّسَانِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْفَسَادِ وَالِاسْتِنْكَارُ ظَاهِرٌ أَوْ قَدْ لَا يَكُونُ وَالْأُولَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَيْضًا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا تَكُونُ إلَّا مُوَافِقَةً وَهَذِهِ أُمُورٌ عَرَضِيَّةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَصِحَّةُ الْعِبَادَةِ إلَخْ) أَيْ إذَا عَرَفْت تَعْرِيفَ الصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَصِحَّةُ الْعِبَادَةِ فَهَذَا تَوْطِئَةٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالصِّحَّةُ إلَخْ زَادَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ عَامٌّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَخْذًا حَالٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقَةُ وَلَيْسَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْفَاعِلِ إذْ فَاعِلُ الْمُوَافَقَةِ الْعِبَادَةُ وَفَاعِلُ الْأَخْذِ الشَّخْصُ (قَوْلُهُ: مُوَافَقَةُ الْعِبَادَةِ إلَخْ) أُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَاسِدَ يُقَالُ لَهُ عِبَادَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَخَصَّهَا بَعْضُهُمْ بِالصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْ الْقَضَاءَ) أَيْ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَاةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ مُحْدِثٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ إلَخْ) عُزِيَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمِنْهَاجِ لِلْفُقَهَاءِ وَالْأَوَّلُ لِلْمُتَكَلِّمَيْنِ فَصَلَاةُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى رَأْيِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمُوَافَقَتِهَا أَمْرَ الشَّارِعِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ هَذَا الظَّنِّ دُونَ رَأْيِ الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ إسْقَاطِهَا الْقَضَاءَ قَالَ الشَّارِحُ الْبُدَخْشِيُّ. وَأَمَّا الثَّوَابُ فَلَيْسَ بِأَثَرٍ لَهَا عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يُرَدُّ اعْتِرَاضُ الْعَلَّامَةِ الشِّيرَازِيِّ بِأَنَّ الثَّوَابَ قَدْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ تَرْتِيبِ الْأَثَرِ لَا وُجُودُهُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْكَمَالِ إنَّمَا لَمْ يَعْزُ الشَّارِحُ هَذَا الْقَوْلَ إلَى الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ وَالْأَحْكَامِ وَغَيْرِهِمَا لِتَصْرِيحِ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُغْنِيَةً

بِمَعْنَى أَنْ لَا يُحْتَاجَ إلَى فِعْلِهَا ثَانِيًا فَمَا وَافَقَ مِنْ عِبَادَةٍ ذَاتِ وَجْهَيْنِ الشَّرْعَ وَلَمْ يُسْقِطْ الْقَضَاءَ كَصَلَاةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ يُسَمَّى صَحِيحًا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ) الَّتِي هِيَ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ مُوَافَقَتُهُ الشَّرْعَ (تَرَتَّبَ أَثَرُهُ) أَيْ أَثَرُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَا شُرِعَ الْعَقْدُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَا فَجَعَلُوا مِنْ الصَّحِيحَةِ مَا لَا يُغْنِي عَنْ الْقَضَاءِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ حَكَوْا وَجْهَيْنِ فِي وَصْفِ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِالصِّحَّةِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْجَدِيدِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنْ لَا يَحْتَاجَ) بِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ لِلْمُكَلَّفِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَلِمَجْهُولٍ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ لَا يُحْوِجَ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ وَصْفٌ لِلْمُكَلَّفِ وَعَدَمَ الْإِحْوَاجِ وَصْفٌ لِلْعِبَادَةِ كَمَا أَنَّ الْإِغْنَاءَ وَصْفُهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْإِحْوَاجِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْعِبَادَةِ بِلَازِمِهِ وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْمُكَلَّفِ وَمِثْلُهُ شَائِعٌ كَثِيرٌ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنْ يَحْتَاجَ بِالتَّحْتِيَّةِ أَمَّا إنْ قُرِئَ بِالْفَوْقِيَّةِ فَضَمِيرُهُ حِينَئِذٍ يَعُودُ لِلْعِبَادَةِ وَلَا يُرَدُّ مَا ذُكِرَ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَجَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: يُسَمَّى صَحِيحًا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) فِي ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ فِي صَلَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ مُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ وَأَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ إنْ تَبَيَّنَ حَدَثُهُ وَإِلَّا فَلَا وَرَدُّ الزَّرْكَشِيُّ لِهَذَا غَيْرُ مُتَّجَهٍ كَمَا بَيَّنَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ) فَسَّرَ الْآمِدِيُّ صِحَّةَ الْعَقْدِ بِتَرَتُّبِ أَثَرِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ وَغَيْرِهِ مِنْ شَارِحِي الْمُخْتَصَرِ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ تَسَاهُلًا وَأَنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ أَنْ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصْفٌ لِلْعَقْدِ وَهُوَ مُوَافَقَتُهُ الشَّرْعَ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ تَرَتَّبَ الْأَثَرُ فَهُوَ مَنْشَأٌ لِتَرَتُّبِ الْأَثَرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرَتُّبِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ مِنْ الْقِيلِ وَاتَّضَحَ سِرُّ مُغَايَرَةِ الْأُسْلُوبِ. (قَوْلُهُ: مُوَافَقَتُهُ الشَّرْعَ) لَمْ يَقُلْ مُوَافَقَةُ الْعَقْدِ ذِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَكُونُ إلَّا ذَا وَجْهَيْنِ فَقَوْلُهُ ذِي الْوَجْهَيْنِ فِي تَعْرِيفِ مُطْلَقِ الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ وَلِبَيَانِ الْوَاقِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْدِ قَالَ النَّاصِرُ هَذَا التَّعْرِيفُ يَرِدُ عَلَى عَكْسِهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلشَّرْعِ فَإِنْ قِيلَ الطَّلَاقُ حِلٌّ لَا عَقْدٌ قُلْت فَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لِمُطْلَقِ الصِّحَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَأَجَابَ ابْنُ قَاسِمٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ اسْتِجْمَاعُ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ قَدْ اسْتَكْمَلَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ. وَأَمَّا خُلُوُّهُ عَنْ الْحَيْضِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ لَا رُكْنًا وَلَا شَرْطًا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فِي نَفْسِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّيْءِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا وَمَا يَجِبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِهِ فِيهِ فَالِاعْتِدَادُ بِالطَّلَاقِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَحِلُّهُ عَلَى الْخُلُوِّ عَنْ الْحَيْضِ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ يُعْتَبَرُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا اجْتِنَابُ غَصْبِ سُتْرَةٍ أَوْ مَكَان وَإِنْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي حِلِّهَا فَتَصِحُّ بِسُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ وَمَكَانٍ مَغْصُوبٍ وَتَكُونُ مُعْتَدًّا بِهَا مَعَ الْحُرْمَةِ فَالْحُرْمَةُ

كَحِلِّ الِانْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ وَالِاسْتِمْتَاعِ فِي النِّكَاحِ فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرْتِيبِ لَا نَفْسُهُ كَمَا قِيلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ حَيْثُمَا وُجِدَ فَهُوَ نَاشِئٌ عَنْهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا حَيْثُمَا وُجِدَتْ نَشَأَ عَنْهَا حَتَّى يَرِدَ الْبَيْعُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَتَوَقُّفِ التَّرَتُّبِ عَلَى انْقِضَاءِ الْخِيَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَارِضَةٌ فِيهِمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَحِلِّ الِانْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ) لَمْ يَقُلْ كَالِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ عَنْ الصَّحِيحِ وَيُوجَدُ فِي الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرْتِيبِ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ بَيَّنَ الْغَرَضَ مِنْهُ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ لُزُومَ التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ مُسَبَّبًا عَنْ الصِّحَّةِ كَمَا تُفِيدُهُ بَاءُ السَّبَبِيَّةِ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهَا وَجَعَلَ الْأَثَرَ مُسَبَّبًا عَنْ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إضَافَةِ الْأَثَرِ إلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ أَثَرَ الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ وَمُسَبَّبٌ عَنْهُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الصِّحَّةَ هِيَ السَّبَبُ حَقِيقَةً وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةً لِلْعَقْدِ وَالصِّفَةُ وَالْمَوْصُوفُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ أُضِيفَ الْأَثَرُ إلَيْهِ مَجَازًا مِنْ إضَافَةِ مَا حَقُّهُ أَنْ يُضَافَ لِلْحَالِ وَهُوَ الصِّحَّةُ لِلْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ. وَأَجَابَ سم بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ إضَافَةَ الْأَثَرِ إلَى الْعَقْدِ تَقْتَضِي سَبَبِيَّتَهُ لَهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تِلْكَ الْإِضَافَةِ مُجَرَّدَ تَبَعِيَّةِ ذَلِكَ الْأَثَرِ لِلْعَقْدِ فِي الْحُصُولِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا آخَرَ فَمَعْنَى كَوْنِ حِلِّ الِانْتِفَاعِ أَثَرًا لِلْعَقْدِ مُجَرَّدُ أَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْحُصُولِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ التَّبَعِيَّةِ فِي الْحُصُولِ الصِّحَّةَ (قَوْلُهُ: لَا نَفْسُهُ) كَمَا قِيلَ قَائِلُهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ نَفْسَهُ أَنْ تَقُولَ لَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ لَمْ تُوجَدْ بِدُونِهِ لَكِنَّ التَّالِيَ بَاطِلٌ فَبَطَلَ الْمُقَدَّمُ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَبَدِيهِيَّةٌ. وَأَمَّا دَلِيلُ بُطْلَانِ التَّالِي فَلِأَنَّ الصِّحَّةَ قَدْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْأَثَرُ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَقَدْ يُمْنَعُ هَذَا بِأَنَّ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ مَفْرُوضٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَالْمَانِعُ هُنَا وُجُودُ الْخِيَارِ إذْ لَوْلَاهُ لَتَرَتَّبَ الْأَثَرُ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ حَيْثُمَا وُجِدَ إلَخْ) أُورِدَ عَلَيْهِ الْخُلَعُ وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَانِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا أَثَرُهُمَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ وَالْعِتْقِ مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ صَحِيحَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَرَتُّبَ أَثَرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَقْدِ بَلْ لِلتَّعْلِيقِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَنَظِيرُهُ الْقِرَاضُ وَالْوَكَالَةُ الْفَاسِدَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهِمَا التَّصَرُّفُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّرْتِيبِ وَالصِّحَّةِ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ فَالْوُجُودُ الْمُسْنَدُ إلَيْهِمَا إنْ كَانَ الْخَارِجِيَّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ الذِّهْنِيَّ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُثْبِتُونَهُ وَإِنْ أَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ فَضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ التَّحَقُّقُ وَالْأُمُورُ الِاعْتِبَارِيَّةُ تُوصَفُ بِهِ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَحَقُّقَهَا فِي نَفْسِهَا حَتَّى يُنَافِيَ مَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا بَلْ مَعْنَاهُ تَحَقُّقُ مَا اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ وَاعْتُبِرَتْ فِيهِ وَدَعْوَاهُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُثْبِتُونَ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ لَهُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ وَالْبَعْضُ أَثْبَتَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ سم مِمَّا لَا يَخْلُو بَعْضُهُ عَنْ الْقَدْحِ يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ وَقَفَ عَلَى كَلَامِهِ مَعَ اسْتِحْضَارِ مَا قَالَهُ الْحُكَمَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ هُنَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ. (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ التَّرَتُّبُ إلَخْ) جَوَابُ اعْتِرَاضٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ الصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرَتُّبِ بِأَنَّ الْمَنْشَأَ سَبَبٌ يَسْتَلْزِمُ مُقَارَنَةَ النَّاشِئِ عَنْهُ فَانْتِفَاءُ تِلْكَ الْمُقَارَنَةِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ السَّبَبِيَّةِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ اسْتِلْزَامِ الْمُقَارَنَةِ لِأَنَّ الْمُسَبَّبَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ مَانِعِهِ كَالْخِيَارِ وَوُجُودِ

الْمَانِعُ مِنْهُ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الصِّحَّةِ مَنْشَأَ التَّرَتُّبِ كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي سَبَبِيَّةِ مِلْكِ النِّصَابِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ تَوَقُّفُهُ عَلَى حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَقُدِّمَ الْخَبَرُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِيَتَأَتَّى لَهُ الِاخْتِصَارُ فِيمَا يَلِيهِمَا وَالْأَصْلُ وَتَرَتُّبُ أَثَرِ الْعَقْدِ بِصِحَّتِهِ وَعِنْدَ التَّقْدِيمِ غُيِّرَ الضَّمِيرُ بِالظَّاهِرِ وَالْعَكْسُ لِيَتَقَدَّمَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ. (وَ) بِصِحَّةِ (الْعِبَادَةِ) عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِي مَعْنَاهَا (إجْزَاؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطِهِ كَحَوَلَانِ الْحَوْلِ. (قَوْلُهُ: الْمَانِعُ) صِفَةٌ لِلْخِيَارِ وَضَمِيرُ مِنْهُ يَعُودُ لِلتَّرَتُّبِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي سَبَبِيَّةِ مِلْكِ النِّصَابِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِأَنَّ مِلْكَ النِّصَابِ مُسْتَمِرُّ الْوُجُودِ حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ حَوَلَانُ الْحَوْلُ الَّتِي هِيَ حَالَةُ انْعِدَامِ الْمَانِعِ وَالصِّحَّةِ مُتَقَدِّمٌ لِانْعِدَامِ مَوْصُوفِهَا وَهُوَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ لَفْظٌ يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ السَّبَبُ الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ بِجِهَةِ وُجُودِهِ مُعَرِّفًا وَهُوَ مَعْدُومٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ حَالَ وُجُودِهِ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَثَرَهُ يَقَعُ بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِهِ حَيْثُ لَا خِيَارَ وَمُنْفَصِلًا عَنْهُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ وُجُودِ الْخِيَارِ فَلَمْ يُعْرَفْ السَّبَبُ الصَّحِيحُ هُنَا لَا بِجِهَةِ وُجُودِهِ حَالَ وُجُودِهِ لَا حَالَ عَدَمِهِ. (قَوْلُهُ: لِيَتَأَتَّى لَهُ إلَخْ) قَدْ يُعَلَّلُ أَيْضًا بِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ لَكِنْ تَرَكَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَصْدَ نَفْيُ مَا قِيلَ إنَّ الصِّحَّةَ هِيَ التَّرَتُّبُ لَا نَفْيُ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا وَهُوَ نَظَرٌ دَقِيقٌ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: الِاخْتِصَارُ فِيمَا يَلِيهِمَا) هُوَ قَوْلُهُ وَالْعِبَادَةُ إجْزَاؤُهَا إلَخْ وَالِاخْتِصَارُ فِيهِ بِحَذْفِ بِصِحَّةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ عَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِ الْخَبَزِ وَإِجْزَاءُ الْعِبَادَةِ بِصِحَّتِهَا لَكِنَّهُ لَزِمَ عَلَى صَنِيعِهِ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ عَطْفٌ عَلَى الْعَقْدِ الْعَامِلِ فِيهِ صِحَّةٌ وَإِجْزَاؤُهَا عَطْفٌ عَلَى تَرَتُّبٍ الْعَامِلُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ لَا مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْخَبَرُ وَهُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ أَيْ بِصِحَّةٍ بَعْدَ الْعَاطِفِ لِتَتِمَّ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَجُوزُ حَذْفُهُ لِقَرِينَةٍ وَهِيَ هُنَا نَظِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يُنَافِي الِاخْتِصَارَ لِأَنَّ مَرْجِعَ الِاخْتِصَارِ إلَى اللَّفْظِ لَا التَّقْدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَالْعَكْسُ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ لِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَفِعْلُ الْعَكْسِ. (قَوْلُهُ: لِيَتَقَدَّمَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ) قَالَ النَّاصِرُ عِلَّةٌ لِتَغْيِيرِ الضَّمِيرِ بِالظَّاهِرِ وَالْعَكْسِ مَعًا لَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّقَدُّمَ لِلْمَرْجِعِ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ مَعَ التَّأَخُّرِ مُقَدَّمٌ رُتْبَةً وَهُوَ كَافٍ فِي الْجَوَازِ. اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ ذَاكَ إذَا عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ نَفْسِهِ وَهُنَا يَعُودُ إلَى مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْمُبْتَدَأُ وَلَيْسَ رُتْبَتُهُ التَّقَدُّمَ بِالذَّاتِ بَلْ بِالتَّبَعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إجْزَاؤُهَا) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْإِجْزَاءُ وَالِامْتِثَالُ وَهُوَ كَمَا مَرَّ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ كَمَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُوَافَقَةُ الْعِبَادَةِ الشَّرْعَ الَّتِي هِيَ صِحَّتُهَا فَإِجْزَاءُ الْعِبَادَةِ صِحَّتُهَا لَا نَاشِئٌ كَمَا يَقْتَضِيه الْمَتْنُ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ نَاصِرٌ قَالَ سم تَأَمَّلْنَاهُ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مِمَّا لَا خَفَاءَ فِي فَسَادِهِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ حَاصِلَهُ رَدُّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ لَيْسَا مُقَلِّدَيْنِ لَهُ وَلَا نَاقِلَيْنِ عَنْهُ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَى مَا قَالَهُ وَخَالَفَهُ عَنْ قَصْدٍ فَإِنَّهُ شَرَحَ الْمُخْتَصَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَلَوْ ارْتَضَاهُ لَنَقَلَهُ وَهُوَ كَثِيرًا مَا يَسْتَدْرِكُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْهَا بِقَرِينَةِ عُدُولِهِ عَنْهُ اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّ تَشْنِيعَهُ عَلَى شَيْخِهِ تَحَامُلٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هَاهُنَا لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ نَقُلْ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَبَيَانِ أَنَّ الْإِجْزَاءَ هَلْ هُوَ عَيْنُ الصِّحَّةِ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى

أَيْ كِفَايَتُهَا فِي سُقُوطِ التَّعَبُّدِ) أَيْ الطَّلَبِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ (وَقِيلَ) إجْزَاؤُهَا (إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) كَصِحَّتِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ الْإِجْزَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْتَضَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَصَنِيعُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِهَذَا الْمَطْلُوبِ إنْ كَانَ الْإِجْزَاءُ بِمَعْنَى الِامْتِثَالِ وَلَوْ عِنْدَ أَحَدٍ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ الْإِجْزَاءُ نَاشِئًا عَنْ الصِّحَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِي الصِّحَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ عَلَى الرَّاجِحِ نَاشِئٌ عَنْهُ. وَفِي الْمِنْهَاجِ مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَالْإِجْزَاءُ هُوَ الْأَدَاءُ الْكَافِي لِسُقُوطِ التَّعَبُّدِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْأَدَاءِ وَمَعْنَى السُّقُوطِ خُرُوجُ الْمُكَلَّفِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ تَكْلِيفٌ بِهِ وَالْأَدَاءُ الْكَافِي هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أَمَرَ الشَّارِعُ. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ فَاعْتِرَاضُهُ قَوِيٌّ لَا يَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ التَّشْنِيعِ إنَّمَا يَنْدَفِعُ بِنَقْلٍ قَوِيٍّ يُؤَيِّدُ مَقَالَةَ الْمُصَنِّفِ أَوْ إبْدَاءِ وَجْهٍ مَرْضِيٍّ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ الْفُضَلَاءِ. وَأَمَّا رَدُّ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِطْرَاءِ فِي الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فَعُدُولٌ عَنْ سَبِيلِ الْإِنْصَافِ نَعَمْ لَوْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ اخْتِيَارٌ لَهُ كَأَنْ قَالَ وَعِنْدِي مَثَلًا ثُمَّ مَا قَالَهُ سم لَكِنْ بَعْدَ بَيَانِ سِرِّ الْمُخَالَفَةِ وَتَرْجِيحِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا كَمَا هُوَ أُسْلُوبُهُ مِنْ الِالْتِفَاتِ لِلْإِطْرَاءِ وَدَعْوَى الِاطِّلَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ جَرَى مِثْلُهُ فِي مَجْلِسِ الْمُنَاظَرَةِ لَحُكِمَ عَلَى قَائِلِهِ بِالْإِفْحَامِ وَاعْتِرَاضِ بَعْضٍ مِنْ كُتُبٍ هُنَا بِأَنَّ الِامْتِثَالَ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ وَالْإِجْزَاءُ وَصْفٌ لِلْعِبَادَةِ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ الْإِجْزَاءُ بِالِامْتِثَالِ سَاقِطٌ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ كَتَفْسِيرِ الدَّلَالَةِ بِالْفَهْمِ فَمَا يُجَابُ بِهِ هُنَاكَ يُجَابُ بِهِ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ) بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيْ الْإِجْزَاءُ أَوْ الْعِبَادَةُ وَذَلِكَ كَصَلَاةِ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَدَثُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُ إذَا نَظَرَ فِيهِمَا لِلظَّنِّ سَقَطَ الطَّلَبُ وَالْقَضَاءُ وَإِنْ نُظِرَ لِلْوَاقِعِ فَلَا سُقُوطَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الطَّلَبَ لَا يُنْظَرُ فِيهِ لِمَا فِي الْوَاقِعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إنَّمَا يُطَالَبُ بِمَا فِي وُسْعِهِ مِثْلُ سُقُوطِ الطَّلَبِ وَأَمْرِهِ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَبَيُّنِ عَدِمِ مَا ظَنَّهُ بِأَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَالسَّاقِطُ هُوَ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا نَافَى وُجُوبَ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ فَكَيْفَ سَقَطَ وَبِأَنَّهُمْ يُعَلِّلُونَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ بِالْإِجْزَاءِ فَيَقُولُونَ سَقَطَ الْقَضَاءُ لِكَوْنِ الْفِعْلِ مُجْزِئًا فَلَوْ كَانَ هُوَ هُوَ لَمَّا عُلِّلَ بِهِ لِتَغَايُرِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ بِالذَّاتِ وَالْمَفْهُومُ وَاجِبٌ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُوجِبَ الْقَضَاءِ النَّصُّ الْجَدِيدُ هَاهُنَا لَا الْفَوَاتُ عَنْ الْوَقْتِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ الْعِلَّةُ الْخَارِجِيَّةُ بَلْ الِاسْتِدْلَال بِتَحَقُّقِ الْإِجْزَاءِ عَلَى تَحَقُّقِ السُّقُوطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّغَايُرُ بِالذَّاتِ كَمَا يُقَالُ الْإِنْسَانُ مَوْجُودٌ لِوُجُودِ الضَّاحِكِ. (قَوْلُهُ: فَالصِّحَّةُ إلَخْ) الـ لِلْعَهْدِ أَيْ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ وَصْفٌ لَهَا لَا الصِّحَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَمَا يُفِيدُهُ

عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِيهِمَا وَمُرَادِفَةٌ لِلْمَرْجُوحِ فِيهِمَا (وَيَخْتَصُّ الْإِجْزَاءُ بِالْمَطْلُوبِ) مِنْ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ أَيْ بِالْعِبَادَةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى الْعَقْدِ الْمُشَارِكِ لَهَا فِي الصِّحَّةِ (وَقِيلَ) يَخْتَصُّ (بِالْوَاجِبِ) لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى الْمَنْدُوبِ كَالْعَقْدِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِجْزَاءِ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْعَقْدُ وَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْمَنْدُوبَةُ وَقِيلَ الْوَاجِبَةُ فَقَطْ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مَثَلًا «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيّ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَصِحَّتِهَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِيهِمَا) أَيْ الْإِجْزَاءِ وَالصِّحَّةِ (قَوْلُهُ بِالْمَطْلُوبِ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَالْقَصْرُ إضَافِيٌّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَأُورِدَ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يُطْلَبُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فَيَكُونُ عِبَادَةً فَلَا يَتِمُّ مُقَابَلَةُ الْعِبَادَةِ بِالْعَقْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ مَا أَصْلُ وَضْعِهِ التَّعَبُّدُ لَا مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالْعَقْدِ (قَوْلُهُ: كَالْعَقْدِ) أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَيْهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْعَقْدُ) أَيْ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْإِجْزَاءِ فِيهِ إثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا وَقَوْلُهُ وَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مُرَادَهُ اخْتِصَاصُ إطْلَاقِ لَفْظِ الْإِجْزَاءِ بِالْعِبَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ فَتَتَّصِفُ هِيَ بِمَعْنَاهُ أَوْ فِي النَّفْيِ فَلَا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ فَاسْتَعْمَلَ الْإِجْزَاءَ إذْ الِاسْتِعْمَالُ الْإِطْلَاقُ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا وَمَنْشَأُ اعْتِرَاضِهِ حَمْلُ الِاتِّصَافِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْإِثْبَاتِ. (قَوْلُهُ: وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ) مَعْنَى كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا شَاكَلَهُ مَنْشَأَ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ كُلِّ مَا وُصِفَ فِيهَا بِالْإِجْزَاءِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ دَلِيلِ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يُوصَفُ بِالْإِجْزَاءِ إلَّا الْوَاجِبُ وَمَنْ قَالَ بِالْمَنْدُوبِ وَلَوْ فِي حَدِيثٍ مِنْهَا لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ دَلِيلِ النَّدْبِ قَالَ يُوصَفُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ لَك أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ أَبِي حَنِيفَةَ قَائِلًا بِالْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا قَدْ يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْهُ فِي أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ قَالَ بِهِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ عِنْدَهُ مَنْدُوبٌ وَقَدْ وُصِفَ بِالْإِجْزَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» أَيْ تُجْزِيهِ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا إلَى أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَطْ بَلْ هُوَ وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَا يُقَالُ الْحَدِيثُ إنَّمَا يُفِيدُ اسْتِعْمَالَ الْإِجْزَاءِ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ لِأَنَّا نَقُولُ

فَاسْتُعْمِلَ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةَ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ غَيْرِنَا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَاجِبِ اتِّفَاقًا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . (وَيُقَابِلُهَا) أَيْ الصِّحَّةَ (الْبُطْلَانُ) فَهُوَ مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ وُقُوعًا الشَّرْعَ وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ عَدَمُ إسْقَاطِهَا الْقَضَاءَ (وَهُوَ) أَيْ الْبُطْلَانُ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ مُخَالَفَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعَ (الْفَسَادُ) أَيْضًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَالَفَةُ مَا ذَكَرَ الشَّرْعُ (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي قَوْلِهِ مُخَالَفَةُ مَا ذَكَرَ الشَّرْعُ بِأَنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ إنْ كَانَتْ لِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْهُ لِأَصْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِدْلَال بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ إثْبَاتٌ. (قَوْلُهُ: فَاسْتُعْمِلَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأُضْحِيَّةِ) فِيهِ تَجَوُّزٌ جَارَى فِيهِ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَالْإِجْزَاءُ وَالْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْصَافٌ لِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ لَا لَهَا نَفْسِهَا إذْ الذَّوَاتُ لَا تُوصَفُ بِالْأَحْكَامِ حَقِيقَةً بَلْ الْمَوْصُوفُ بِهَا الْأَفْعَالُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَاجِبِ اتِّفَاقًا) يَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَى الْوَاجِبِ وَإِلَى الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ: حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لِكَوْنِهَا نَكِرَةً وَاقِعَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ فَاسْتِعْمَالُ الْإِجْزَاءِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي قُلْت لَا نُسَلِّمُ الْبِنَاءَ الْمَذْكُورَ إذْ الِاسْتِعْمَالُ الْمَذْكُورُ آتٍ بِتَقْدِيرِ الْعُمُومِ أَيْضًا وَبِكُلِّ حَالٍ فِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى الْحَنَفِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ اهـ. زَكَرِيَّا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ وَاجِبًا فِي الشَّيْءِ وَوُجُوبِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَالْكَلَامُ فِي الْأَوَّلِ وَالْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا وَلَيْسَ النَّظَرُ لِلصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ فِيهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيُقَابِلُهَا إلَخْ) لَكِنَّ الْمُقَابَلَةَ عَلَى الْأَوَّلِ مُقَابَلَةُ التَّضَادِّ وَعَلَى الثَّانِي مُقَابَلَةُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ. (قَوْلُهُ: الَّذِي عُلِمَ إلَخْ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ فِي الْعِبَادَةِ عَدَمُ إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْفَسَادُ فِيهَا أَيْضًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحَلُّ نِزَاعِ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الثَّانِي لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِالْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُسَمَّى بُطْلَانًا لَا يُقَالُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي أَبْوَابٍ مِنْهَا الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ فَلَا يَمْضِي فِيهِ وَيَفْسُدُ بِجِمَاعٍ فَيَمْضِي فِيهِ وَمِنْهُ الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مِنْهُمَا مَا كَانَ بِعِوَضٍ غَيْرِ مُتَمَوِّلٍ أَوْ كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ رَاجِعًا لِلْعَاقِدِ كَصِغَرٍ وَيَفْسُدُ مَا كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ رَاجِعًا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَحُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ حُرْمَةِ الْعَقْدِ وَحُكْمُ الْفَسَادِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَعَهَا الصَّدَاقُ وَالْعِتْقُ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ آخَرُ فَلَا يَضُرُّ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ ذِي الْوَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مَنْهِيَّا إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ وَفِيهِ أَنَّ مُخَالَفَتَهُ الشَّرْعَ غَيْرُ قَاصِرَةٍ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَلْ تَشْمَلُ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَلَوْ بِنَهْيٍ عَامٍّ فَإِنَّ مُخَالَفَةَ خِطَابِ الْوَضْعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالنَّهْيِ الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ إلَخْ) غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا قَبْلَهُ بَلْ هُوَ تَفْصِيلٌ لَهُ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ أَوْ اللَّامُ بِمَعْنَى مَعَ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا صِلَةٌ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَلَا يُقَالُ إنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ مِنْ الْأَوْصَافِ

فَهِيَ الْبُطْلَانُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِدُونِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ رُكْنٍ مِنْ الْبَيْعِ أَيْ الْمَبِيعِ أَوْ لِوَصْفِهِ فَهِيَ الْفَسَادُ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِصَوْمِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ لِلنَّاسِ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيّ الَّتِي شَرَعَهَا فِيهِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيُفِيدُ بِالْقَبْضِ الْمِلْكَ الْخَبِيثَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي فِعْلِهِ دُونَ نَذْرِهِ وَيُؤْمَرُ بِفِطْرِهِ وَقَضَائِهِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَيَفِيَ بِالنَّذْرِ وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عَهْدِ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ أَدَّى الصَّوْمَ كَمَا الْتَزَمَهُ فَقَدْ اعْتَدَّ بِالْفَاسِدِ أَمَّا الْبَاطِلُ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَفَاتَ الْمُصَنِّفَ أَنْ يَقُولَ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا قَالَ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ مُخَالَفَةَ ذِي الْوَجْهَيْنِ لِلشَّرْعِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لِأَصْلِهِ كَمَا تُسَمَّى بُطْلَانًا هَلْ تُسَمَّى فَسَادًا أَوْ لِوَصْفِهِ كَمَا تُسَمَّى فَسَادًا هَلْ تُسَمَّى بُطْلَانًا فَعِنْدَهُ وَعِنْدَنَا نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَكُونُ الْمُخَالَفَةُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِوَصْفِهِ. (قَوْلُهُ: لِانْعِدَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ فَالنَّهْيُ عَنْهُ وَقِسْ عَلَيْهِ نَظَائِرَهُ الْآتِيَةَ وَقَوْلُهُ أَيْ الْمَبِيعُ تَفْسِيرٌ لِرُكْنِ الْبَيْعِ لَا لِلْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: الْمِلْكُ الْخَبِيثُ) أَيْ الَّذِي يُطْلَبُ فَسْخُهُ شَرْعًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إلَخْ) فَلَا يُقَالُ كَيْفَ صِحَّةُ النَّذْرِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ فَالْمَعْصِيَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: دُونَ نَذْرِهِ) أَيْ الْإِتْيَانِ بِصِيغَتِهِ. (قَوْلُهُ: لِيَتَخَلَّصَ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ اعْتَدَّ بِالْفَاسِدِ) وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. (قَوْلُهُ: خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ لَا ثَوَابَ لَهُ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بِالْفِعْلِ وَمَعَ ذَلِكَ يَأْثَمُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَعْتَدُّ) يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لِيُفِيدَ قَصْرَ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبَعْضُ أَصْحَابِهِ كَمُحَمَّدٍ قَالَ بِالِاعْتِدَادِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ) وَالِاعْتِدَادُ وَعَدَمُهُ

(وَالْأَدَاءُ فِعْلُ بَعْضٍ وَقِيلَ كُلُّ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا وَقَوْلُهُ فِعْلُ بَعْضٍ يُغْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرٌ فِقْهِيٌّ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ كُلُّ مَا) حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً وَسِيَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا أُمُورًا مُتَقَابِلَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَغَايُرِ الْمَفَاهِيمِ بِالتَّعَارِيفِ الْمُتَبَايِنِ بَلْ يَجُوزُ صِدْقُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَالْإِعَادَةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَإِعَادَةٌ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ قَضَاءٌ وَإِعَادَةٌ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي مَعَ فِعْلِ إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا مَا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ لَا يَتَنَاوَلُ أَدَاءَ الصَّوْمِ وَلَا الْحَجَّ وَلَا أَدَاءَ الصَّلَاةِ إذَا فُعِلَتْ كُلُّهَا فِي الْوَقْتِ بِالتَّصْرِيحِ بَلْ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِالتَّعْرِيفِ وَبِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا إذَا فَعَلَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ مَعَ الْعَمْدِ فَاسِدٌ وَمَعَ عَدَمِهِ يَنْقَلِبُ

عَنْ فِعْلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الْوَقْتِ أَيْضًا صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ فِيهِ مِنْهَا رَكْعَةً كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَقَوْلُهُ بَعْضُ بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مِثْلِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْمَعْطُوفُ حُذِفَ اخْتِصَارًا كَقَوْلِهِمْ نِصْفُ وَرُبْعُ دِرْهَمٍ وَكَذَا قَوْلُهُ كُلٌّ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ (وَالْمُؤَدَّى مَا فُعِلَ) مِنْ كُلِّ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ فِيهِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْضُ نَفْلًا وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا فَعَلَ بَعْضَ الْعِبَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ خَارِجَهُ يَكُونُ أَدَاءً وَلَوْ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَبِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا فَعَلَ بَعْضَ مَا يَكُونُ أَدَاءً لِأَنَّ الْبَعْضَ مُبْهَمٌ وَبِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِعَدَمِ فِعْلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَصْلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَفْعَ الشَّارِحِ هَذَا تَكَلُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَدْفَعُ الْإِيرَادَ مُطْلَقًا وَفِيهِ كَلَامٌ. (قَوْلُهُ: مَعَ فِعْلٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ الْأَدَاءِ مَعَ أَنَّ الْأَدَاءَ فِعْلُ الْجَمِيعِ الْوَاقِعُ بَعْضُهُ فِي الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ دُونَ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا نَهَارًا. (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْبَيَانُ لِمَاهِيَّةِ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ حَذْفَ شَرْطٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَيْ مِنْ حَمْلِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالتَّعْرِيفِ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ الْمُبْهَمِ فِيهِ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ وَأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ مَعَ وُقُوعِ بَاقِيهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ لَمْ يُفِدْهُ التَّعْرِيفُ شَيْئًا بَلْ رُبَّمَا تَكَلَّفَ فِي تَنْزِيلِ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَلْفَاظِ التَّعْرِيفِ هَذَا عَلَى أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَدْفَعُ الْحَجَّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ فِعْلَ الْحَجِّ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمُكَلَّفُ بِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ فَتَسْمِيَتُهُ أَدَاءً بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ أَدَّيْت الدَّيْنَ بِمَعْنَى قَضَيْته لَا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَتَسْمِيَةُ الْمَفْعُولِ مِنْ بَعْدِ فَسَادِهِ قَضَاءً مَجَازٌ. (قَوْلُهُ: الْمَعْطُوفُ) أَرَادَ بِهِ الْمُصَاحَبَةَ تَسَمُّحًا لِدُخُولِهِ فِي مَفَاعِيلِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ وَإِلَّا فَالْمَعْطُوفُ قَبْلَ. (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَدَّى مَا فُعِلَ)

[تعريف القضاء]

وَالْوَقْتُ لِمَا فُعِلَ كُلُّهُ فِيهِ أَوْ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَدَاءٌ أَيْ لِلْمُؤَدَّى (الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لَهُ شَرْعًا مُطْلَقًا) أَيْ مُوَسَّعًا كَزَمَانِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَسُنَنِهَا وَالضُّحَى وَالْعِيدِ أَوْ مُضَيَّقًا كَزَمَانِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ فَمَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ زَمَانٌ فِي الشَّرْعِ كَالنَّفْلِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا كَالْإِيمَانِ لَا يُسَمَّى فِعْلُهُ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ ضَرُورِيًّا لِفِعْلِهِ. (وَالْقَضَاءُ فِعْلُ كُلِّ - وَقِيلَ بَعْضِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ أَنَّ هَذَا يُعْلَمُ وَيُعْرَفُ مِنْ تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ التَّعْرِيضَ بِابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالْوَقْتُ لِمَا فُعِلَ) اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْوَقْتِ أَيْ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ. (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ الْعِبَادَةِ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يُوهِمُ أَنَّ مَا فُعِلَ إشَارَةً بَعْضُ الْعِبَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلِكُلِّهَا عَلَى الثَّانِي وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْت حَوَّلَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ عَنْ ظَاهِرِهَا الْمُوهِمِ لِلْفَسَادِ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِيهِ وَبَعْدَهُ) لَا خُصُوصُ الْمَفْعُولِ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. (قَوْلُهُ: الْمُقَدَّرُ لَهُ) أَيْ لِلْمُؤَدِّي لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَأُورِدَ أَنَّ فِيهِ دَوْرًا لِأَخْذِ الْوَقْتِ فِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْمُؤَدِّي وَقَدْ أَخَذَ الْمُؤَدِّي فِي تَعْرِيفِ الْوَقْتِ فَيَتَوَقَّفُ الْوَقْتُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَضُرُّهُ الدَّوْرُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِأَنَّ هَذِهِ تَعَارِيفُ اصْطِلَاحِيَّةٌ فَهِيَ حُدُودٌ اسْمِيَّةٌ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَدِّي الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِ الْوَقْتِ الشَّيْءُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَصْفِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُقَدَّرِ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَامِلُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ تَقْدِيرًا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: الْبِيضُ) أَيْ اللَّيَالِي الْبِيضُ لِبَيَاضِهَا بِالْقَمَرِ. (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقَيْنِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُقَيَّدَيْنِ أَدَاءً وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي النَّفْلِ كَالْفَجْرِ وَلَا يَظْهَرُ فِي النَّذْرِ لِأَنَّ وَقْتَهُ مُقَدَّرٌ بِجَعْلِ النَّاذِرِ لَا بِالشَّرْعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهُ جَعْلِيًّا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ شَرْعِيًّا فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَهُ بِسَبَبِ الْتِزَامِ الْمُكَلَّفِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِمَا) أَيْ مِنْ عِبَادَةٍ لَمْ يُقَدَّرْ لَهَا وَقْتٌ فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَتْ نَفْلًا وَلَا نَذْرًا مُطْلَقَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا كَالْإِيمَانِ) لِأَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهُ شَرْعِيًّا إذْ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لِلْقَادِرِ لَا يُقَالُ قَدْ يَكُونُ الْإِيمَانُ غَيْرَ فَوْرِيٍّ كَمَا فِي الْكَافِرِ الْمُؤْمِنِ وَإِلَّا لَأُجْبِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ غَيْرَ فَوْرِيٍّ لَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمْرَارُ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ لَهُ مَعَ تَرَتُّبِ وُقُوعِهِ مِنْهُ وَلِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَيْنَا أَوْ عَلَيْهِ لِإِيمَانِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى فِعْلُهُ أَدَاءً) لَمْ يَذْكُرْ الْبَعْضَ مَعَ أَنَّهُ أَوْفَقُ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْبَعْضَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَهُ وَقْتٌ يَقَعُ بَعْضُهُ فِيهِ تَارَةً وَكُلُّهُ أُخْرَى. [تَعْرِيفِ الْقَضَاء] (قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ فِعْلُ كُلِّ إلَخْ) قَدَّمَ الرَّاجِحَ هَهُنَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْجِيحِ أَنَّ الْأَدَاءَ فِعْلُ

مَا خَرَجَ وَقْتُ أَدَائِهِ) مِنْ الزَّمَانِ الْمَذْكُورِ مَعَ فِعْلِ بَعْضِهِ الْآخَرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَيْضًا صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ قَبْلَهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهَا فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ كَالْجُنُونِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَتَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ إلَخْ قَالَ النَّاصِرُ وَيَرِدُ عَلَى عَكْسِهِ فِعْلُ بَعْضِ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا وَبَاقِيهَا بَعْدَهُ وَالْكُلُّ قَضَاءٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ قَدْ دَفَعَ وُرُودَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَمَّا أَطْلَقَ الْبَعْضُ فِي الْقَضَاءِ إلَى قَوْلِهِ فَيَضُمُّ إلَيْهِ إلَخْ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الصُّورَةَ الْمُورَدَةَ خَرَجَتْ بِمَنْطُوقِ التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي يَسَعُ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ أَدَائِهِ (قَوْلُهُ: مَا خَرَجَ وَقْتُ أَدَائِهِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِعِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ مَا خَرَجَ، فَإِنَّ اتِّصَافَ الْفِعْلِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ أَوْ خُرُوجِهِ إنَّمَا يَكُونُ حَالَ فِعْلِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ فِي الْأَدَاءِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الدُّخُولِ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ يَصْدُقُ بِمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: مِنْ الزَّمَانِ الْمَذْكُورِ) بَيَانٌ لِوَقْتِ أَدَائِهِ وَالْمُرَادُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ الزَّمَانِ الْمُقَدَّرُ لَهُ شَرْعًا وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِمْ قَضَاءُ الْحَجِّ الْفَاسِدِ مَجَازٌ مِنْ حَيْثُ الْمُشَابَهَةُ لِأَنَّ الْحَجَّ وَقْتُهُ الْعُمُرُ فَلَا يَخْرُجُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ فِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مَعْنَى الْأَدَاءِ فَلَا يُنَافِي الْأَدَاءَ الِاصْطِلَاحِيَّ وَقَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّهُ لَمَّا تَلَبَّسَ بِهِ صَارَ وَقْتُهُ مُضَيَّقًا فَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ. وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ إعَادَتَهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَضَاءٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ فَقَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ إنَّهُ حَقِيقَةٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ وَقْتَهُ مَحْدُودٌ مُعَيَّنٌ بِأَشْهُرٍ مَعْلُومَةٍ (قَوْلُهُ: مَعَ فِعْلِ إلَخْ) تَتِمَّةٌ لِلتَّعْرِيفِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مَعْلُومَةٌ مِنْ مَحَلِّهَا فَلَا يُقَالُ إنَّ التَّعْرِيفَ نَاقِصٌ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي ارْتِكَابُهَا فِي التَّعَارِيفِ وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْبَعْضِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ لِلْكُلِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي مُسَمَّى الْقَضَاءِ هَلْ هُوَ وُقُوعُ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بَعْضِهِ الْآخَرِ وَلَوْ أَتَى بِهِ عَقِبَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ إلَخْ) مُبَالَغَةٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْبَعْضَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ عَلَى عُمُومِهِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالرَّكْعَةِ وَإِلَّا كَانَ تَعْرِيفًا لِلْقَضَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ. (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ) أَيْ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ الْأَدَاءُ فِعْلُ بَعْضٍ هُوَ رَكْعَةٌ وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَارِدٍ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ كَانَتْ الصَّلَاةُ قَضَاءً وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ لَكِنَّهُ يُضْعِفُ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لُزُومَ التَّجَوُّزِ فِي لَفْظِ أَدْرَكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّ مَعْنَى أَدْرَكَ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ وَمَعْنَى الثَّانِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ أَيْ فِي شَأْنِهَا أَوْ الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ) فَمَعْنَى

وَلَوْ قَالَ وَقْتَهُ كَمَا قَالَ فِي الْأَدَاءِ كَفَى (اسْتِدْرَاكًا) بِذَلِكَ الْفِعْلِ (لِمَا) أَيْ لِشَيْءٍ (سَبَقَ لَهُ مُقْتَضًى لِلْفِعْلِ) أَيْ لَأَنْ يُفْعَلَ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْدُوبَةَ تُقْضَى فِي الْأَظْهَرِ وَيُقَاسُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ الْمَنْدُوبُ فَقَوْلُهُ مُقْتَضِي أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وُجُوبٌ: لَكِنْ لَوْ قَالَ لِمَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضِي كَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ أَدْرَكَ وُجُوبَهَا أَوْ أَدْرَكَ وَقْتَهَا الَّذِي هُوَ سَبَبٌ فِي وُجُوبِهَا بِهَا فَلَا يُعَارِضُ مَا هُنَا وَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً إلَخْ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَمَّا عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ فَتَجِبُ بِإِدْرَاكِ زَمَنٍ يَسَعُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إلَخْ) قِيلَ إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقْتُ أَدَائِهِ لِيَكُونَ التَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ لِلْقَضَاءِ شَامِلًا لِمَا إذَا وَقَعَ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ فَإِنَّ هَذَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ مَا خَرَجَ وَقْتُ أَدَائِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ إذْ الزَّمَنُ الْمَفْعُولُ فِيهِ الْمَذْكُورُ وَقْتٌ لِفِعْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ فِي دَفْعِ خُرُوجِ هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي لَمَّا أَطْلَقَ الْبَعْضُ إلَخْ (قَوْلُهُ: اسْتِدْرَاكًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ عَامِلُهُ فِعْلٌ أَيْ لِأَجْلِ الِاسْتِدْرَاكِ بِهَذَا الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَ الْوَقْتِ لِلْفِعْلِ الَّذِي سَبَقَ طَلَبُ إيقَاعِهِ فِي الْوَقْتِ وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ وَبِالشَّيْءِ الْوَاقِعَ عَلَيْهِ مَا الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ. (قَوْلُهُ: لِلْفِعْلِ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَا أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَأَنْ يُفْعَلَ) نَبَّهَ بِكَوْنِ الْمَصْدَرِ مَسْبُوكًا مِنْ فِعْلِ الْمَفْعُولِ عَلَى أَنَّ الْمَلْحُوظَ فِي الِاقْتِضَاءِ السَّابِقِ هُوَ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ دُونَ خُصُوصِيَّةِ الْفَاعِلِ مِنْ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ قَوْلُهُ مُطْلَقًا وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا التَّفْسِيرِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ هُنَا الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ لَهُ الرَّاجِعِ ضَمِيرُهُ الْمَجْرُورُ لِمَا الْوَاقِعِ عَلَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ كَمَا أَنَّ كُلًّا وَبَعْضًا فِي التَّعْرِيفِ وَاقِعَانِ عَلَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ بِدَلِيلِ وُقُوعِهِمَا مُتَعَلِّقَ الْفِعْلِ الْمُصَدَّرِ بِهِ التَّعْرِيفُ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ. (قَوْلُهُ: وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ اقْتِضَاءَ وُجُوبٍ أَوْ اقْتِضَاءَ نَدْبٍ وَأَعْرَبَهُمَا النَّاصِرُ حَالَيْنِ مِنْ مُقْتَضَى فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ بِمَعْنَى الْمُوجِبِ وَالنَّدْبُ بِمَعْنَى النَّادِبِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ ثَلَاثَةَ مَجَازَاتٍ أَحَدُهَا عَقْلِيٌّ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ لَا الْخِطَابُ وَفِي الثَّانِي مَجَازَانِ أَحَدُهُمَا عَقْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْدُوبَةَ تَقْتَضِي) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِمَا لَا يُقْضَى كَنَفْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْضَى (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ) مُقْتَضَى قِيَاسِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا وُجُودُ الدَّلِيلِ عَلَى قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْمَنْدُوبَةِ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَدَدِهِ. (قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْدُوبَةَ. (قَوْلُهُ: أَحْسَنُ إلَخْ) لِأَنَّ تَعْرِيفَ مَنْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ لَا يَشْمَلُ قَضَاءَ الْمَنْدُوبِ قَالَ النَّاصِرُ الْعُذْرُ لَهُ بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ اخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ إلَّا الْفَجْرَ فَإِنَّهُ يُقْضَى فَقِيلَ حَقِيقَةٌ وَقِيلَ مَجَازٌ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الِاعْتِذَارَ لَا يَدْفَعُ الْأَحْسَنِيَّةَ إذْ شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِسَائِرِ الْمَذَاهِبِ أَحْسَنُ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِبَعْضِهَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ عَلَى نَفْسِ مَذْهَبِهِ بِالنَّظَرِ لِلْفَجْرِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ قَضَاؤُهُ إلَى الزَّوَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلًا بِمَجَازِيَّةِ قَضَائِهِ بَلْ التَّعْبِيرُ بِالْحُسْنِ الْمُشْعِرِ بِجَوَازِ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ فِي التَّعْرِيفِ كَوْنَهُ جَامِعًا وَيَجُوزُ التَّعْرِيفُ بِالْأَخَصِّ أَمَّا عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ مُقْتَضًى مُتَعَيِّنٌ. (قَوْلُهُ: كَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ) أَمَّا الْأَخْصَرِيَّةُ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا الْأَوْضَحِيَّةُ فَلِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى هَذَا وَتَعَدُّدِهِ عَلَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ الْمُحْوِجِ لِخَفَاءِ مَعْنَاهُ إلَى جَعْلِ قَوْلِهِ لِلْفِعْلِ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقٍ لَهُ بِمُقْتَضًى وَقَدْ يُدَّعَى أَنَّ لَهُ يَتَعَلَّقُ بِسَبْقٍ جِيءَ بِهِ لِزِيَادَةِ الرَّبْطِ كَمَا قَالُوهُ فِي قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] هَذَا مَا أَفَادَهُ النَّاصِرُ مُوَضِّحًا. وَفِي بَعْضِ رَسَائِلِ فُضَلَاءِ الرُّومِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] اهْتِمَامًا بِشَأْنِ مُنْكِرِي الْبَعْثِ بِأَنَّهُمْ مَدْنُوٌّ مِنْهُمْ وَمُقَرَّبٌ لَهُمْ وَمُنْذَرُونَ

(مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ كَمَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي قَضَاءِ النَّائِمِ الصَّلَاةَ وَالْحَائِضِ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ سَبَقَ مُقْتَضًى لِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ النَّائِمِ وَالْحَائِضِ لَا مِنْهُمَا وَإِنْ انْعَقَدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فِي حَقِّهِمَا لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا أَوْ نَدْبِهِ لَهُمَا وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِاسْتِدْرَاكِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاخْتِصَاصِهِمْ بِذَلِكَ الْوَعِيدِ لَا مُجَرَّدَ ذِكْرِ الْمُقْتَرِبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] فَإِنَّ الْجِهَةَ الْمَنْظُورَ فِيهَا هُنَا بَيَانُ الْمُقْتَرِبِ دُونَ الْمَدْنُوِّ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ لِإِثْبَاتِ وُقُوعِ السَّاعَةِ وَاقْتِرَابِهَا بِآيَاتٍ تُنْذِرُ بِحُلُولِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَقِيلَ إنَّ اللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَاعِلِ لِلْمُسَارَعَةِ إلَى إدْخَالِ الرَّوْعَةِ فَإِنَّ نِسْبَةَ الِاقْتِرَابِ إلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مِمَّا يَسُوءُهُمْ وَيُورِثُهُمْ رَهْبَةً وَانْزِعَاجًا مِنْ الْمُقْتَرِبِ وَجَعَلَهَا تَأْكِيدًا لِلْإِضَافَةِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ اقْتَرَبَ حِسَابُ النَّاسِ ثُمَّ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ الْحِسَابُ ثُمَّ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ مَعَ أَنَّهُ تَعَسُّفٌ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) حَالٌ مِنْ الْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْفِعْلِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَاضِي. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِمُقْتَضًى. (قَوْلُهُ: سَبَبُ الْوُجُوبِ) وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ مَعَ التَّكْلِيفِ فَإِنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَلَوْ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْحَائِضِ وَتَخَلُّفُ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ لِشَيْءٍ آخَرَ كَوُجُودِ الْمَانِعِ لَا يَنْفِي سَبَبِيَّتَهُ فِي نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ انْعَقَدَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ كَانَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا وَسَيَأْتِي التَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِاسْتِدْرَاكِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكُ الشَّيْءِ وَإِدْرَاكُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا جَمَاعَةً مَطْلُوبٌ وَأَنَّ فِعْلَهَا جَمَاعَةً بَعْدَ وَقْتِهَا الْمُؤَدَّاةِ فِيهِ فُرَادَى يُوصِلُ إلَى مَا سَبَقَ لَهُ مُقْتَضًى فَالْحَدُّ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ قَضَاءً فَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَإِخْرَاجُهُ مِنْهُ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ مَحَلُّ نَظَرٍ ثُمَّ إنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَ وَقْتِهَا الْمُؤَدَّاةِ فِيهِ بِطَهَارَةٍ مَظْنُونَةٍ تَبَيَّنَ انْتِفَاؤُهَا لِسُقُوطِ الْمُقْتَضَى بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَتَوَصَّلْ بِالْفِعْلِ الثَّانِي إلَى مَا سَبَقَ لَهُ مُقْتَضًى وَهُوَ قَضَاءٌ بِلَا نِزَاعٍ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ أَفَادَهُ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الِاسْتِدْرَاكَ لَيْسَ مُجَرَّدَ الْوُصُولِ إلَى مَا سَبَقَ لَهُ مُقْتَضًى بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْوُصُولُ إلَيْهِ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهِ الْجَبْرِيَّةِ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ أَوْ لَا إمَّا بِتَرْكِ الْفِعْلِ رَأْسًا وَإِمَّا بِفِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ خَلَلٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعَادَةَ جَمَاعَةً مَطْلُوبَةٌ كَذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِمَنْعِ عَدَمِ الصِّدْقِ الَّذِي ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِانْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ طَلَبُ الْفِعْلِ مَرَّةً أُخْرَى بِدَلِيلٍ آخَرَ فَإِذَا فَعَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضًى وَهُوَ الطَّلَبُ الَّذِي يَبْقَى بِانْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَقَوْلُهُ لِسُقُوطِ الْمُقْتَضَى بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ قُلْنَا السَّاقِطُ مُقْتَضَى الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ هُنَا مُقْتَضًى آخَرُ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَامٍّ طَالِبٍ لِفِعْلِ مَا وَقَعَ عَلَى خَلَلٍ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا قُلْنَا. اهـ. وَنُوقِشَ جَوَابُهُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضًى عِبَارَةً عَنْ الْفِعْلِ بَعْدَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْمُقْتَضِي الْآخَرُ الْجَدِيدُ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضًى مَا سَبَقَ طَلَبُ إيقَاعِهِ فِي الْوَقْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ فِي أَحَدِ جَوَابَيْهِ عَنْ الْأَوَّلِ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ أَيْ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضًى عِبَارَةً عَنْ الْفِعْلِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ الْوَقْتِ مَطْلُوبٌ مِنْ نَفْسِ النَّائِمِ وَالْحَائِضِ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ لَمَّا تَبَيَّنَ بِانْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ عَدَمُ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ الْمَفْعُولَةِ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَسْقُطْ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ فِي الْوَقْتِ مُقْتَضٍ حُكْمًا

فِي الْوَقْتِ بَعْدَهُ فِي جَمَاعَةٍ مَثَلًا وَلَمَّا أَطْلَقَ الْبَعْضَ فِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ لِلْعِلْمِ الْمُتَقَدِّمِ اقْتَصَرَ عَلَى الْكُلِّ فِي الْقَضَاءِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ مَا خَرَجَ بِالْقَيْدِ مِنْ أَنَّ فِعْلَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ ذِي الرَّكْعَةِ أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إذْ مُعْظَمُ الْبَاقِي كَالتَّكْرِيرِ لَهَا فَجُعِلَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَابِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: بَعْدَهُ) ظَرْفٌ لِإِعَادَةِ أَيْ بَعْدَ الْوَقْتِ فَهَذِهِ بَاطِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ وَقَوْلُهُ مَثَلًا أَوْ فُرَادَى وَالْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَوْلُهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فُرَادَى بَعْدَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: وَلَمَّا أَطْلَقَ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِدَفْعِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ لِلْقَضَاءِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ لَهُ لِمَا إذَا فَعَلَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِيَ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِقَيْدِهِ الْمُتَقَدِّمِ) وَهُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الْبَعْضِ رَكْعَةً وَقَوْلُهُ فِي الْأَدَاءِ أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ. (قَوْلُهُ: فَيُضَمُّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْكُلِّ أَيْ إلَى قَوْلِهِ أَوْ إلَى الْقَضَاءِ أَيْ إلَى حَدِّهِ، وَجْهُ ضَمِّ مَا خَرَجَ بِالْقَيْدِ إلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا أَدَاءً فَهُوَ قَضَاءٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ الْغُنَيْمِيُّ لَا حَاجَةَ إلَى الضَّمِّ الْمَذْكُورِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِعْلُ كُلِّ مَا خَرَجَ وَقْتُ أَدَائِهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ خَرَجَ وَقْتُهُ إذْ وَقْتُ الْأَدَاءِ يَخْرُجُ بِكَوْنِ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ الَّذِي حَدَّدَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ سَابِقًا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقْتُهُ إلَخْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْوَقْتِ وَوَقْتِ الْأَدَاءِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ فِعْلَ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ الصَّوَابُ إسْقَاطُ أَنَّ وَقَضَاءٌ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ فِعْلِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ لِأَنَّ الَّذِي يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَيَخْرُجُ بِالْقَيْدِ مِنْ حَدِّ الْأَدَاءِ وَيُضَافُ إلَى حَدِّ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ هُوَ هَذَا الْفِعْلُ لَا كَوْنُهُ قَضَاءً اهـ. قَالَ سم يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْ فَيُضَمُّ إلَى حُكْمِهِ حُكْمُ مَا خَرَجَ وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْخَارِجِ أَنَّهُ قَضَاءٌ فَيُضَمُّ إلَى حُكْمِ الْكُلِّ وَهُوَ أَنَّهُ قَضَاءٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَيْ مَا خَرَجَ بِالْقَيْدِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ فِعْلَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا) أَيْ بَيْنَ فِعْلِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ ذِي الرَّكْعَةِ) أَيْ الْفِعْلِ ذِي الرَّكْعَةِ فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: كَالتَّكْرِيرِ لَهَا) قَالَ النَّاصِرُ إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ تَكْرِيرًا حَقِيقَةً

(وَالْمَقْضِيُّ الْمَفْعُولُ) مِنْ كُلِّ الْعِبَادَةِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ عَلَى الثَّانِي وَإِنَّمَا عَرَّفَ الْمَصْدَرَ وَالْمَفْعُولَ الْمُسْتَغْنِيَ بِأَحَدِهِمَا قَائِلًا فِي الْمُؤَدَّى مَا فُعِلَ، الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ تَعْرِيفَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِعَادَةِ قَالَ إشَارَةً إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَيْ الْمُحْوِجِ لِتَصْحِيحِهِ إلَى تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِالْمَفْعُولِ وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ شَائِعًا وَعَدَلَ فِي الْمَقْضِيِّ عَمَّا فَعَلَ إلَى الْمَفْعُولِ قَالَ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ مِنْهُ أَيْ بِكَلِمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّكْرِيرَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ ثَانِيًا مُرَادًا بِهِ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي الصَّلَاةِ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ كَالْأُولَى. (قَوْلُهُ: وَالْمَقْضِيُّ الْمَفْعُولُ) أَلْ لِلْعَهْدِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ الْعِبَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْصُولَةً وَفِيهَا كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: الْمُسْتَغْنِيَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِتَعْرِيفِ أَحَدِهِمَا عَنْ تَعْرِيفِ الْآخَرِ لَا يُقَالُ هَذَا الِاسْتِغْنَاءُ يُوقِعُ فِي التَّكْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ التَّكْرَارُ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ انْتَفَتْ الْفَائِدَةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْفَائِدَةُ هُنَا مَوْجُودَةٌ وَهِيَ الْإِشَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: الَّذِي صَدَّرَ) صِفَةٌ لِمَقُولِ قَائِلًا أَعْنِي مَا فَعَلٌ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ: إشَارَةً إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْإِشَارَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ تَعْرِيفَيْ الْمَصْدَرِ وَالْمَفْعُولِ بَلْ يَكْفِي فِيهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُؤَدَّى قَائِلًا فِيهِ الْمُؤَدَّى مَا فُعِلَ إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِشَارَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَبْيَنِ إذْ قَدْ لَا يُفْهَمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ الْمَذْكُورِ إفَادَةُ الِاعْتِرَاضِ بَلْ مُجَرَّدُ إفَادَةِ عِبَارَةٍ أُخْرَى مُسَاوِيَةٍ لِعِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْكَمَالُ أَسْنَدَ الشَّارِحُ ذَلِكَ إلَى الْمُصَنِّفِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْأُصُولِ مِنْ إطْلَاقِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ الَّذِي صَارَ لِشُهْرَتِهِ وَتَكْرَارِهِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَعْلُ التَّعْرِيفِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا فِي غَيْرِ الْمُخْتَصَرِ كَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَحَيْثُ كَانَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فَلَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ إلَّا الْمُؤَدَّى وَالْمَقْضِيُّ، كَالْخَلْقِ إذَا أُطْلِقَ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْمَخْلُوقُ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ، لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَمْنَعَ صَيْرُورَةَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْمُؤَدَّى وَالْمَقْضِيِّ وَيَقُولَ إنَّهُمَا مِنْ الْمَجَازِ الشَّائِعِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ شَائِعًا أَوْ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَعَلَى كُلٍّ يَبْقَى اعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُ الْمَجَازِ وَلَوْ شَائِعًا وَالْمُشْتَرَكِ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ خُصُوصًا فِي مَقَامِ التَّحْدِيدِ اهـ. أَقُولُ هَذَا مَحْضُ تَحَامُلٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَدَعْوَى أَنَّهُ مَجَازٌ شَائِعٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَصْرِيحِ الشَّيْخِ الْبِرْمَاوِيِّ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَهُوَ ثِقَةٌ فَلَا يَسُوغُ لَنَا أَنْ يُدْفَعَ كَلَامُهُ بِمُجَرَّدِ الِادِّعَاءِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلٍ قَوِيٍّ بِالْمَجَازِ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجَازَ الشَّائِعَ لَا يَتَحَاشَى عَنْ وُقُوعِهِ فِي التَّعْرِيفَاتِ بَلْ مُطْلَقُ الْمَجَازِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ إذَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ خُصُوصًا فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّينَ وَأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَايَةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَجَازِ ذَهَابُ حُسْنِ التَّعْرِيفِ لَا صِحَّتِهِ. وَنَحْنُ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى هُنَا يَمُرُّ بِنَا تَعْرِيفَاتٌ يَرْتَكِبُ الْمُصَنِّفُ فِيهَا أُمُورًا لَا يُسَوِّغُهَا الْمُحَقِّقُونَ مِنْ حَذْفِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ وَحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي أَثْنَاءِ التَّعْرِيفِ كَمَا فِي تَعْرِيفَيْ الْقَضَاءِ عَلَى مَقُولَيْنِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَأَقْرَبُهَا هَذَا التَّعْرِيفُ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ حَيْثُ قَالَ وَالْمَقْضِيُّ الْمَفْعُولُ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ تَعْرِيفًا بِدُونِ مَا ذَكَرَ فِيهِ مِنْ الْمَعُونَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا الشَّارِحُ اتِّكَالًا عَلَى مَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ، وَجَعَلَ أَلْ فِي الْمَقْضِيِّ مُعَرَّفَةً مَعَ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا خُوطِبَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ لَمْ يَفْهَمْ شَيْئًا مِنْ حَقِيقَةِ الْمُعَرَّفِ سِوَى أَنَّهُ شَيْءٌ وَقَعَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَفَادٌ مِنْ نَفْسِ الصِّيغَةِ وَيُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى زِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَيَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ وَلَسْتُ بِالْمُوجِبِ حَقًّا لِمَنْ ... لَا يُوجِبُ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَخْصَرُ مِنْهُ أَيْ بِكَلِمَةٍ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَخْصَرَ مِنْ هَذَا حُرُوفًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَتَعَلَّقُ

إذْ لَامُ التَّعْرِيفِ كَالْجُزْءِ مِنْ مَدْخُولِهَا فَلَا تُعَدُّ فِيهِ كَلِمَةً وَزَادَ مَسْأَلَةَ الْبَعْضِ عَلَى الْأُصُولِيِّينَ فِي تَعْرِيفَيْ الْأَدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاخْتِصَارِ بِاعْتِبَارِ الْكَلِمَاتِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِالِاخْتِصَارِ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: إذْ لَامُ التَّعْرِيفِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ اللَّامَ فِي ذَلِكَ اسْمٌ مَوْصُولٌ عَلَى الصَّحِيحِ لَا حَرْفَ تَعْرِيفٍ اهـ. وَهُوَ قَوِيٌّ وَجَوَابُ سم بِأَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ تَحْتَمِلُ الْمَوْصُولِيَّةَ لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى تَعْيِينِ مُسَمَّاهَا فَالْمُرَادُ بِهَا الْمَوْصُولَةُ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ لَفْظَ الْمَفْعُولِ اسْمَ جِنْسٍ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْفِعْلُ ثُمَّ عَرَّفَ فَاللَّامُ الْعَهْدِ إشَارَةً لِمَا فُهِمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ هُوَ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ اهـ. لَا يَخْفَى فَسَادُهُ أَمَّا مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَوْصُولِيَّةِ فَاسْتِحْدَاثُ اصْطِلَاحٍ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ النُّحَاةِ كَيْفَ وَالْمُعَرَّفَةُ حَرْفٌ وَالْمَوْصُولَةُ اسْمٌ وَالْمُعَرَّفَةُ لِتَعْيِينِ مَدْخُولِهَا وَالْمَوْصُولَةُ لِتَعْيِينِ مُسَمَّاهَا بِقَرِينَةِ الصِّلَةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ وَلَمْ تَرَ أَحَدًا مِنْ النُّحَاةِ يَسْتَعْمِلُ الْمُعَرَّفَةَ فِي الْمَوْصُولَةِ. وَأَمَّا جَعْلُ لَفْظِ الْمَفْعُولِ اسْمَ جِنْسٍ فَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَفَادَ مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعَ لَهُ بِدُونِ هَذِهِ الضَّمِيمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ كَإِفَادَةِ أَسَدٍ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَنَحْنُ إذَا قِيلَ لَنَا الْمَقْضِيُّ الْمَفْعُولُ لَمْ نَفْهَمْ مِنْهُ إلَّا الْمَعْنَى الْوَصْفِيَّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ وَلَا نَفْهَمُ شَيْئًا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَّا إذَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَتَفْهَمُ حِينَئِذٍ الْمَعْنَى الْمُرَادَ، وَأَيْضًا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ مِنْ الْأَوْضَاعِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْمُشْتَقَّاتِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى جَعْلِ الْمُشْتَقِّ اسْمَ جِنْسٍ نَسْخٌ لِلْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ جَوَامِدُ وَالْمَفْعُولُ مُشْتَقٌّ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَفْعُولٍ حَتَّى يَلْتَئِمَ مَعَ مَا بَعْدَهُ وَيَرْتَبِطَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَذِكْرُ حَرْفِ الْجَرِّ بَعْدَهُ يُنَادِي عَلَى فَسَادِ دَعْوَى أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بِالْجَامِدِ، تَأَمَّلْ مُنْصِفًا. (قَوْلُهُ: كَالْجُزْءِ مِنْ مَدْخُولِهَا) أَيْ تُشْبِهُ الْجُزْءَ وَلَيْسَتْ جُزْءًا حَقِيقَةً فَهِيَ كَالْمِيمِ مَثَلًا فَقَوْلُ النَّاصِرِ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ مَدْخُولِهَا الَّتِي هِيَ خَارِجَةٌ عَنْهُ لَا يُتَّجَهُ إلَّا لَوْ قَالَ جُزْءٌ بِحَذْفِ الْكَافِ وَلَا حَاجَةَ لِمَا أَجَابَ بِهِ بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ مِنْ مَدْخُولِهَا مَعَهَا. (قَوْلُهُ: وَزَادَ مَسْأَلَةَ الْبَعْضِ) بَيَانٌ لِعُذْرِ الْمُصَنِّفِ فِي إثْبَاتِهِ بِمَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ الْبَعْضِ فِي تَعْرِيفَيْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَصِفُونَ الصَّلَاةَ ذَاتَ الْبَعْضِ فِي الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ تَقْيِيدِيٌّ. وَأَجَابَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ اللُّزُومُ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَسْأَلَةً وَحُكْمًا. وَلَوْ أَنَّ الشَّارِحَ قَالَ وَزَادَ لَفْظَ الْبَعْضِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنَّفِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَلْطَ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحٍ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ التَّحْقِيقِ. وَأَقُولُ

وَالْقَضَاءِ جَرْيًا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الْوَاصِفِينَ لِذَاتِ الرَّكْعَةِ فِي الْوَقْتِ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ وَصْفُهَا بِهِمَا فِي التَّحْقِيقِ الْمَلْحُوظِ لِلْأُصُولِيِّينَ بِتَبَعِيَّةِ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ وَالْعَكْسِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَابِلَ هَذَا الصَّنِيعَ فِي التَّعْرِيفِ بِمَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ أَيَّهُمَا يَسُوغُ دُونَ الْآخَرِ يَظْهَرُ لَك تَأْيِيدُ مَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا مِنْ ارْتِكَابِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْرِيفَاتِ مَا لَا يَرْتَكِبُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسَامَحَاتِ وَمِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ هُنَا مَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا وَادَّعَى أَنَّهُ حَسَنٌ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْمُعَرَّفِ وَالتَّعْرِيفِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْأَدَاءُ فِعْلُ إلَخْ وَمَجْمُوعُ الْمُعَرَّفِ وَالتَّعْرِيفِ مَسْأَلَةٌ وَالْمُرَكَّبُ التَّقْيِيدِيُّ هُوَ التَّعْرِيفُ فَقَطْ اهـ. وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّعْرِيفِ مُبَايِنٌ لِلْغَرَضِ مِنْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّعْرِيفِ بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمُعَرَّفِ وَتَصَوُّرُهَا بِذِكْرِ التَّعْرِيفِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْرُوفُ مَجْهُولًا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي يَطْلُبُ بِهَا شَرْحَهُ بِالتَّعْرِيفِ وَالْغَرَضُ مِنْ الْحُكْمِ إثْبَاتُ الْمَحْمُولِ لِلْمَوْضُوعِ بَعْدَ تَصَوُّرِ كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَقَضِيَّةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا فَلَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ مَحْمُولًا عَلَى الْمُعَرَّفِ وَمَقْصُودًا إثْبَاتُهُ لَهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ جَعْلِهِ مَسْأَلَةً كَانَ الْمَقْصُودُ لَيْسَ بَيَانَ حَقِيقَتِهِ بَلْ إثْبَاتَ هَذَا الْحُكْمِ لَهُ وَهَذَا تَنَافٍ، أَوْ لَيْسَ أَنَّ الْمَنَاطِقَةَ عَدُّوا الْمُعَرَّفَاتِ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ فَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ لَعُدَّتْ مِنْ التَّصْدِيقَاتِ أَوَ لَيْسَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ فَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا نَظَرِيَّةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَغَلَّطُوا مَنْ قَالَ إنَّ الْبَدِيهِيَّ قَدْ يُعَدُّ مِنْ الْمَسَائِلِ وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ نَظَرِيَّةً كَانَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ الدَّلِيلِ وَمِنْ الضَّرُورِيِّ أَنَّ الْمُعَرَّفَ مَعَ التَّعْرِيفِ لَيْسَ مِمَّا يُطْلَبُ بِالدَّلِيلِ وَأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمُعَرَّفِ حَمْلٌ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْوَاصِفِينَ لِذَاتِ الرَّكْعَةِ) أَيْ لِلصَّلَاةِ ذَاتِ الرَّكْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَصْفُهَا) أَيْ ذَاتِ الرَّكْعَةِ بِهِمَا أَيْ بِالْأَدَاءِ عَلَى قَوْلٍ وَالْقَضَاءِ عَلَى آخَرَ وَقَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ عَلَى التَّحْقِيقِ الْمَلْحُوظِ لِلْأُصُولِيِّينَ مِنْ نَفْيِ الْوَصْفِ بِالْأَدَاءِ وَبِالْقَضَاءِ فَإِنَّ اصْطِلَاحَهُمْ أَنَّ مَا بَعْضَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضَهُ الْآخَرَ بَعْدَهُ لَا يُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا بِقَضَاءٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَلْحُوظَ فِي التَّبَعِيَّةِ لِمَا قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ عَكْسِهِ كَمَا فَهِمَ الْكَمَالُ وَالنَّجَّارِيُّ حَتَّى يُنَافِيَ قَوْلَهُ زَادَ مَسْأَلَةَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بِتَبَعِيَّةِ إلَخْ) خَبَرُ كَانَ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَقَوْلُهُ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ أَيْ عَلَى قَوْلِ الْأَدَاءِ وَقَوْلُهُ وَلِلْعَكْسِ أَيْ عَلَى قَوْلِ الْقَضَاءِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَبَعِيَّةٍ أَيْ وَبِعَكْسِ

حَقَّقَ فَوَصَفَ مَا فِي الْوَقْتِ مِنْهَا بِالْأَدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُبَالِ بِتَبْعِيضِ الْعِبَادَةِ فِي الْوَصْفِ بِذَلِكَ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ غَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا وَالْقَضَاءِ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي بِالتَّأْخِيرِ وَكَذَا عَلَى الْأَدَاءِ نَظَرًا لِلتَّحْقِيقِ وَقِيلَ لَا نَظَرًا لِلظَّاهِرِ الْمُسْتَنِدِ لِلْحَدِيثِ. (وَالْإِعَادَةُ فِعْلُهُ) أَيْ الْمُعَادِ أَيْ فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا (فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ) لَهُ (قِيلَ لِخَلَلٍ) فِي فِعْلِهِ أَوْ لَا مِنْ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ كَالصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ التَّبَعِيَّةِ وَهُوَ تَبَعِيَّةُ مَا فِي الْوَقْتِ لِمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: حَقَّقَ) أَيْ تَحْقِيقًا آخَرَ مُغَايِرًا لِلتَّحْقِيقِ الْمَلْحُوظِ لِلْأُصُولِيِّينَ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ. (قَوْلُهُ: الَّذِي فَرَّ مِنْهُ غَيْرُهُ) نَعْتٌ لِلتَّبْعِيضِ، وَوَجْهُ الْفِرَارِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ وَصْفَ بَعْضِ الْعِبَادَةِ بِوَصْفٍ وَوَصْفُ بَعْضِهَا الْآخَرِ بِضِدِّهِ غَيْرُ مَعْهُودٍ وَإِنْ كَانَ وَصْفُهَا كُلِّهَا بِوَصْفَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعْهُودًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى هَذَا أَيْ وَعَلَى قَوْلِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: لِلْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» (قَوْلُهُ: وَالْإِعَادَةُ فِعْلُهُ إلَخْ) قِيَاسُ مَا مَرَّ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَرِّفَ الْمُعَادَ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِمَا أَنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ عِنْدَهُ أَوْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فَالصَّلَاةُ الْمُكَرَّرَةُ مُعَادَةٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُعَادِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لَمَّا يُفْهَمُ مِنْ الْإِعَادَةِ وَقَوْلُهُ أَيْ فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى أَخْذِ الْمُعَادِ فِي تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ الدَّوْرُ وَأَنَّ الْمُعَادَ هُوَ الْمَفْعُولُ ثَانِيًا فَلَا يَصْدُقُ التَّعْرِيفُ إلَّا إذَا فُعِلَ الشَّيْءُ ثَالِثًا وَلَا يَصْدُقُ بِمَا فُعِلَ ثَانِيًا مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعَادِ الذَّاتُ مُجَرَّدَةً عَنْ الْوَصْفِ فَلَا دَوْرَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِفِعْلِ الْمُعَادِ الْفِعْلُ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الشَّيْءُ مُعَادًا وَهُوَ فِعْلُهُ ثَانِيًا وَأُورِدَ أَيْضًا أَنَّ التَّعْرِيفَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَا يَشْمَلُ إلَّا الْإِعَادَةَ الْأُولَى دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى كَمَا عَلَيْهِ الْكَثِيرُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّانِي خِلَافُ الْأَوَّلِ فَيَشْمَلُ مَا زَادَ عَلَى الثَّانِي وَفِيهِ بُعْدٌ وَلَوْ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْمَفْعُولَ فِي قَوْلِهِ وَالْمَقْضِيُّ الْمَفْعُولُ لَسَلِمَ التَّعْرِيفُ مِنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ الْمُنْدَفِعِ بِهَا مَا أُورِدَ عَلَى التَّعْرِيفِ بِجَعْلِ الضَّمِيرِ عَائِدًا لِلْمُعَادِ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ أَيْ فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا وَمَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ سم بِأَنَّ الْمَفْعُولَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ فُعِلَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَيَسْتَحِيلُ مَعَ ذَلِكَ فِعْلُهُ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَيْهِ مُجَرَّدًا عَنْ قَيْدِهِ وَارْتِكَابُ الِاسْتِخْدَامِ أَهْوَنُ مِنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ مَعَ أَنَّهُ كَثِيرٌ شَائِعٌ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ تَكَلُّفٌ وَاحِدٌ سَهْلٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالرِّعَايَةِ مِنْ تَكَلُّفَاتٍ كَثِيرَةٍ بَعِيدَةٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى مَذْكُورٍ مُصَرَّحٍ بِهِ لَا مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُزُومًا كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لَهُ) قَالَ النَّاصِرُ الْأَوْضَحُ وَالْأَخْصَرُ فِي وَقْتِهِ، وَدَفَعَهُ سم بِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ

مَعَ النَّجَاسَةِ أَوْ بِدُونِ الْفَاتِحَةِ سَهْوًا (وَقِيلَ لِعُذْرٍ) مِنْ خَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوْ لَا أَوْ حُصُولِ فَضِيلَةٍ لَمْ تَكُنْ فِي فِعْلِهِ أَوْ لَا (فَالصَّلَاةُ الْمُكَرَّرَةُ) وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمَفْعُولَةُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ الِانْفِرَادِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ (مُعَادَةٌ) عَلَى الثَّانِي لِحُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ دُونَ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الْخَلَلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِقِيلَ نَظَرًا لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ الْأَوْفَقَ لَهُ الثَّانِيَ وَلَمْ يُرَجِّحْ الثَّانِيَ لِتَرَدُّدِهِ فِي شُمُولِهِ لِأَحَدِ قِسْمَيْ مَا أَطْلَقُوا عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى الَّذِي هُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الصَّحِيحِ اسْتَوَتْ الْجَمَاعَتَانِ أَمْ زَادَتْ الثَّانِيَةُ بِفَضِيلَةٍ مِنْ كَوْنِ الْإِمَامِ أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ أَوْ الْجَمْعِ أَكْثَرَ أَوْ الْمَكَانِ أَشْرَفَ فَقَسَّمَ اسْتِوَاءَهَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ الْمُحْتَمِلِ لِاشْتِمَالِ الثَّانِيَةِ فِيهِ عَلَى فَضِيلَةٍ هِيَ حِكْمَةُ الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا، قَدْ يُقَالُ يُعْتَبَرُ احْتِمَالُهُ فَيَتَنَاوَلُهُ التَّعْرِيفُ وَقَدْ يُقَالُ لَا فَلَا وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ الشَّامِلُ حِينَئِذٍ فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِ أَدَائِهَا ثَانِيًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ جَمِيعِ الْمُعَادِ فِي الْوَقْتِ فَلَا يَشْمَلُ مَا لَوْ أَوْقَعَ رَكْعَةً مِنْهُ فِي الْوَقْتِ وَالثَّانِيَةَ خَارِجَهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ النَّجَاسَةِ إلَخْ) فِيهِ نَشْرٌ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ وَلَوْ قَالَ بِدُونِ الطَّهَارَةِ إلَخْ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْفَقَ بِقَوْلِهِ فَوَاتِ شَرْطٍ. (قَوْلُهُ: سَهْوًا) قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعَمْدِ فَإِنَّ الْفِعْلَ مَعَهُ كَالْعَدَمِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَالْفِعْلُ بَعْدَهُ لَيْسَ ثَانِيًا فَلَا إعَادَةَ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: قِيلَ لِخَلَلٍ إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَهُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مِنْ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ ضِمْنَ التَّعْرِيفِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ لَا يُقَالُ التَّرْدِيدُ مُنَافٍ لِلتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّرْدِيدِ الْمُنَافِي لَهُ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى اخْتِلَافٍ فِي التَّعْرِيفِ وَأَنَّهُمَا تَعْرِيفَانِ قَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَائِلٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ الْإِعَادَةُ قِيلَ فِعْلُهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ وَقِيلَ فِعْلُهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِعُذْرٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ حُصُولِ فَضِيلَةٍ) بِهَذَا الْقَدْرِ يَتَمَيَّزُ الْعُذْرُ عَنْ الْخَلَلِ فَالْعُذْرُ أَعَمُّ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ وَضْعِهَا فِي عُرْفِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهَا وُضِعَتْ ابْتِدَاءً لِذَلِكَ الْمَعْنَى ثُمَّ أُلْحِقَ بِهِ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهَذَا التَّعْرِيفِ وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِاسْتِعْمَالِهِمْ الْإِعَادَةَ فِيمَا كَانَ لِخَلَلٍ أَوْ حُصُولِ فَضِيلَةٍ. (قَوْلُهُ: الْأَوْفَقَ لَهُ الثَّانِيَ) فِيهِ رَفْعُ أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ لِلظَّاهِرِ فِي الْإِثْبَاتِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الْإِعَادَةَ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ ثَانِيًا لِخَلَلٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ سم. (قَوْلُهُ: لِأَحَدِ قِسْمَيْ) الْمُرَادُ بِأَحَدِهِمَا اسْتِوَاءُ الْجَمَاعَتَيْنِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي زِيَادَةُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَضِيلَةٍ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ اسْتَوَتْ الْجَمَاعَتَانِ أَمْ زَادَتْ إلَخْ وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا إذَا زَادَتْ الْأُولَى وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ لِعُذْرٍ إلَّا أَنَّ صَرِيحَ كَلَامِ فُقَهَائِنَا بِسَنِّ الْإِعَادَةِ وَإِنْ زَادَتْ الْأُولَى وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الْعُذْرِ أَيْضًا حُصُولُ فَضِيلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا هِيَ زَائِدَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْأُولَى فَظَهَرَ أَنَّ التَّعْرِيفَ الثَّانِيَ يَشْمَلُ الْإِعَادَةَ الْوَاجِبَةَ وَالْمُسْتَحَبَّةَ قَطْعًا وَهِيَ إعَادَةُ مَا وَقَعَ أَوَّلًا فُرَادَى الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ وَالْمُسْتَحَبَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَالْقِسْمِ الْمُزَادِ فَتَمَّتْ الْأَقْسَامُ خَمْسَةً. (قَوْلُهُ: مِنْ كَوْنِ الْإِمَامِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَضِيلَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَ فَالْقَصْدُ مُجَرَّدُ التَّمْثِيلِ. (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ احْتِمَالُهُ) أَيْ احْتِمَالُ قِسْمِ اسْتِوَائِهِمَا اشْتِمَالَ الثَّانِيَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ فَيَكُونُ عُذْرًا فَيَتَنَاوَلُهُ التَّعْرِيفُ فَضَمِيرُ احْتِمَالِهِ لِقِسْمٍ وَإِضَافَةُ احْتِمَالٍ لِلضَّمِيرِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ كَمَا قَدَّرْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا فَلَا) أَيْ وَقَدْ يُقَالُ لَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ اشْتِمَالِهَا عَلَى فَضِيلَةٍ فَيَنْعَدِمُ الْعُذْرُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ التَّعْرِيفُ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ الشَّامِلُ إلَخْ) مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا وَأُورِدَ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ يَشْمَلُ مَا إذَا صُلِّيَتْ الثَّانِيَةُ فُرَادَى وَالْأُولَى فِي جَمَاعَةٍ مَعَ عَدَمِ جَوَازِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ قَيْدًا مَتْرُوكًا لِظُهُورِهِ وَهُوَ كَوْنُ الثَّانِيَةِ فِي صُورَةِ غَيْرِ الْعُذْرِ جَمَاعَةً. (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ حَيْثُ عَرَّفَ الْأَدَاءَ بِمَا يَصْدُقُ عَلَى الْإِعَادَةِ وَعَرَّفَ الْإِعَادَةَ بِمَا يَنْدَرِجُ فِي

أَنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَ مُصْطَلَحُ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ إنَّهَا قَسِيمٌ لَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ الْعِبَادَةُ إنْ وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ وَلَمْ تُسْبَقْ بِأَدَاءٍ مُخْتَلٍّ فَأَدَاءٌ وَإِلَّا فَإِعَادَةٌ. (وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ) أَيْ مِنْ الْمَأْخُوذِ مِنْ الشَّرْعِ (إنْ تَغَيَّرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَدَاءِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهَا أَدَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالْفِعْلِ ثَانِيًا لِلْخَلَلِ أَوْ لِلْعُذْرِ وَالْأَدَاءُ أَعَمُّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالْعَضُدُ مُوَافِقٌ لَهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ الْإِعَادَةُ قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ فِي مُصْطَلَحِ الْقَوْمِ إلَّا أَنَّ التَّفْتَازَانِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ قَالَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا أَقْسَامٌ مُتَبَايِنَةٌ وَأَنَّ مَا فُعِلَ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ يَعْنِي الْعَضُدَ صَرِيحًا وسم انْتَصَرَ لِلشَّارِحِ بِمَا فِيهِ مَزِيدُ تَكَلُّفٍ وَالنَّفْسُ إلَى كَلَامِ التَّفْتَازَانِيِّ تَمِيلُ. (قَوْلُهُ: مُصْطَلَحُ الْأَكْثَرِينَ) أَيْ مُصْطَلَحٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَحَذَفَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مَعَ أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْجَارَّ حُذِفَ أَوَّلًا فَارْتَفَعَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ فِي اسْمِ الْمَفْعُولِ بَعْدَ اتِّصَالِهِ إلَيْهِ تَوَسُّعًا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهَا قِسْمٌ لَهُ) بِأَنْ يُقَيِّدَ الْأَدَاءَ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْإِعَادَةَ بِالثَّانَوِيَّةِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا الْعِبَادَةُ الْوَاقِعَةُ فِي وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْإِعَادَةِ بِالْخَلَلِ أَوْ الْعُذْرِ فَهُوَ بَيَانٌ لِسَبَبِ الْإِعَادَةِ لَا فَصْلٌ مُمَيِّزٌ فَظَهَرَ أَنَّ الْإِعَادَةَ أَخَصُّ مِنْ الْأَدَاءِ عَلَى مُصْطَلَحِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ وَمُبَايِنَةٌ كَالْأَدَاءِ لِلْقَضَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا قَسِيمٌ لِلْأَدَاءِ تَكُونُ الثَّلَاثَةُ مُتَبَايِنَةً. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُسْبَقْ بِأَدَاءٍ مُخْتَلٍّ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِأَدَاءٍ أَصْلًا أَوْ سُبِقَ بِأَدَاءٍ صَحِيحٍ فَمَا سَبَقَ بِأَدَاءٍ صَحِيحٍ أَدَاءٌ لَا إعَادَةٌ، قَالَ النَّاصِرُ وَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْعَضُدِ وَالتَّفْتَازَانِي اهـ. أَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلْعَضُدِ فَلِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلتَّفْتَازَانِيِ فَلِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ مَا فُعِلَ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ بَلْ إعَادَةٌ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَإِعَادَةٌ) قَضِيَّتُهُ إنَّهَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْوَقْتِ وَكَانَتْ قَدْ سُبِقَتْ بِأَدَاءٍ مُخْتَلٍّ فَإِنَّهَا تُسَمَّى إعَادَةً لِدُخُولِ ذَلِكَ تَحْتَ إلَّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا إذْ هَذِهِ قَضَاءٌ وَالْإِعَادَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَا فُعِلَ فِي الْوَقْتِ كَمَا هِيَ لِلْمُصَنِّفِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ وَقَعَتْ لَمْ يُعْتَبَرْ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ اُعْتُبِرَ مُقَسَّمًا وَمَوْضُوعًا وَالْمُعْتَبَرُ لِلِاحْتِرَازِ هُوَ قَوْلُهُ وَلَمْ تُسْبَقْ بِأَدَاءٍ مُخْتَلٍّ وَلَوْ قَالَ الْعِبَادَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الْوَقْتِ إنْ لَمْ تُسْبَقْ إلَخْ كَانَ أَوْضَحَ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ) هَذَا الْقَيْدُ كَمَا لَا يَضُرُّ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ. نَاصِرٌ وسم هَذَا تَكَلُّفٌ لِبَيَانِ الْحَاجَةِ بِمَا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ ذُكِرَ لِلْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذِ مِنْ الشَّرْعِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْأَخْذُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمُ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ وَالْمَأْخُوذُ هُوَ الْحُكْمُ بِمَعْنَى الْخِطَابِ السَّابِقِ فَلَمْ يَلْزَمْ اتِّحَادُ الْمَأْخُوذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ كَذَا قِيلَ. وَأَقُولُ لَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْحُكْمِ بِمَعْنَى الْخِطَابِ مِنْ الْحُكْمِ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ إذْ الْحُكْمُ

مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ مِنْ صُعُوبَةٍ لَهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ (إلَى سُهُولَةٍ) كَأَنْ تَغَيَّرَ مِنْ الْحُرْمَةِ لِلْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ إلَى الْحِلِّ لَهُ (لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى الْخِطَابِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، لَا يُقَالُ هُوَ بِمَعْنَى دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ هُوَ الْخِطَابُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ الْمَأْخُوذِ الْحُكْمُ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ هِيَ النُّصُوصُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُلُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ لَا يَتَغَيَّرُ وَإِضَافَةُ التَّعْلِيقِ لِلضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلْحُكْمِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ إلَى كُلِّهِ لَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ لِاقْتِضَائِهَا عُرُوضَ التَّعَلُّقِ لَهُ وَخُرُوجَهُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَنَبَّهَ الشَّارِحُ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ هُوَ جُزْءُ الْحُكْمِ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ ثَانِيًا وَبِالْعَرَضِ بِتَغَيُّرِ جُزْئِهِ وَتَغَيُّرُ التَّعَلُّقِ انْعِدَامُهُ وَوُجُودُ تَعَلُّقِ خِطَابٍ آخَرَ بَدَلَهُ فَيَكُونُ هَذَا الْخِطَابُ حُكْمًا بَدَلَ الْحُكْمِ الْمُنْعَدِمِ بِانْعِدَامِ تَعَلُّقِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ مَجْمُوعُ الْخِطَابِ وَالتَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ. وَأَمَّا قَوْلُ الْكَمَالِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ إلَى أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ التَّعَلُّقُ لَا الْحُكْمُ وَتَغَيُّرُ الْحُكْمِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ أَيْ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ فَلَا يُوَافِقُ مَا سَبَقَ لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّعَلُّقَ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ الْحُكْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: مِنْ صُعُوبَةٍ) مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَغَيُّرٍ أَوْ ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ إنْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا نَاشِئًا مِنْ تَعَلُّقٍ ذِي صُعُوبَةٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ مِنْهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمُتَغَيِّرِ إلَيْهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَاتَ الْحُكْمِ لَا تَغَيُّرَ فِيهَا بَلْ فِي وَصْفِهَا مِنْ الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ قَوْلَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ وَقَوْلُهُ أَيْ فَالْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّ الصِّفَةَ لِلْحُكْمِ فَإِذَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ وَكَذَا إذَا تَغَيَّرَتْ الصِّفَةُ أَوْ أَنَّ مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَهِيَ وَمَجْرُورُهَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَغَيَّرَ وَالصُّعُوبَةُ وَالسُّهُولَةُ بِمَعْنَى الصَّعْبِ وَالسَّهْلِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذِي صُعُوبَةٍ وَذِي سُهُولَةٍ وَالْمَعْنَى وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إنْ تَغَيَّرَ حَالَ كَوْنِهِ كَائِنًا قَبْلَ التَّغَيُّرِ مِنْ الصَّعْبِ إلَى السَّهْلِ فَرُخْصَةٌ، فَقَوْلُهُ الْآتِي مِنْ الْحُرْمَةِ أَيْ كَائِنًا مِنْ الْحُرْمَةِ. (قَوْلُهُ: إلَى الْحِلِّ لَهُ) أَيْ لِلْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ هَاهُنَا نُكْتَةٌ يُتَنَبَّهُ لَهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِتَغَيُّرِ الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ تَغَيُّرَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تَثْبُتَ الصُّعُوبَةُ بِالْفِعْلِ ثُمَّ يَنْقَطِعَ تَعَلُّقُهَا إلَى السُّهُولَةِ بَلْ الْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ وُرُودَ السُّهُولَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ مُقْتَضَى قِيَاسِ الشَّرْعِ كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ وَلِهَذَا عَبَّرَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ كَالْبَيْضَاوِيِّ بِقَوْلِهِ الْحُكْمُ إنْ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِعُذْرٍ فَرُخْصَةٌ إلَخْ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّيَمُّمِ فَقِيلَ رُخْصَةٌ وَقِيلَ عَزِيمَةٌ وَقِيلَ إنْ كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ فَعَزِيمَةٌ وَلِنَحْوِ الْمَرَضِ فَرُخْصَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ) هَذَا الْقَيْدُ مُسْتَدْرَكٌ إذْ لَوْ زَالَ لَمْ يَكُنْ التَّغَيُّرُ لِعُذْرٍ بَلْ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ أَفَادَهُ النَّاصِرِ وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّهُ كَمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ يَنْتَفِي لِلْعُذْرِ فَيَصِحُّ أَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِمَا بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْإِسْنَادُ لِلْعَدَمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ الْمُعَيَّنَ يَكْفِي فِي التَّغَيُّرِ دُونَ انْتِفَاءِ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ إذْ قَدْ

الْمُتَخَلِّفِ عَنْهُ لِلْعُذْرِ (فَرُخْصَةٌ) أَيْ فَالْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ الْمَذْكُورُ يُسَمَّى رُخْصَةً وَهِيَ لُغَةً السُّهُولَةُ (كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ) لِلْمُضْطَرِّ (وَالْقَصْرِ) الَّذِي هُوَ تَرْكُ الْإِتْمَامِ لِلْمُسَافِرِ (وَالسَّلَمِ) الَّذِي هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ (وَفِطْرِ مُسَافِرٍ) فِي رَمَضَانَ (لَا يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً قَوِيَّةً (وَاجِبًا) أَيْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَقِيلَ هُوَ مُبَاحٌ (وَمَنْدُوبًا) أَيْ الْقَصْرُ، لَكِنْ فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْلُفُهُ سَبَبٌ آخَرُ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْعُذْرُ مُصَاحِبًا لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّ الْمُصَاحِبَ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ لَا يُقَالُ لَهُ رُخْصَةٌ وَكَفَى بِذَلِكَ فَائِدَةً لِهَذَا الْقَيْدِ. (قَوْلُهُ: الْمُتَخَلِّفِ) اسْمُ فَاعِلٍ وَضَمِيرُهُ الْمُسْتَتِرُ يَعُودُ عَلَى أَلْ الْمَوْصُولَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فَالصِّلَةُ جَارِيَةٌ عَلَى مَا هِيَ لَهُ، وَقَوْلُهُ عَنْهُ أَيْ عَنْ السَّبَبِ وَيَصِحُّ فَتْحُ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ صِفَةٌ لِلسَّبَبِ وَعَنْهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَقَصَدَ الشَّارِحُ بِهَذَا دَفْعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يَنْتَفِي الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ. (قَوْلُهُ: فَالْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ لَيْسَتْ اسْمًا لِلْحُكْمِ الْمُتَغَيَّرِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْدَثُ عَنْهُ بَلْ لِلْمُتَغَيَّرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَّصِفُ بِالسُّهُولَةِ وَإِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِالرُّخْصَةِ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا الْوَضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَضُدُ وَالْآمِدِيُّ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِمَا لِإِطْبَاقِ الْكُلِّ عَلَى تَقْسِيمِ مُتَعَلِّقِهِمَا إلَى وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ. (قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ) أَيْ الَّذِي كَانَ التَّغَيُّرُ إلَيْهِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: يُسَمَّى إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةُ لَا الْحُكْمُ وَالرُّخْصَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَبِالتَّحْرِيكِ وَيُقَالُ فِيهَا خُرْصَةٌ بِالسُّكُونِ وَالتَّحْرِيكِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ لُغَةً السُّهُولَةُ) أَيْ مُطْلَقًا وَنُقِلَ اصْطِلَاحًا إلَى سُهُولَةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ السُّهُولَةُ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِالتَّعْبِيرِ بِالسُّهُولَةِ الْمُعَرَّفَةِ فَاللَّامُ الْعَهْدِ. (قَوْلُهُ: وَالسَّلَمِ) أَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي السَّلَمِ الْإِبَاحَةُ وَلَمْ يُمْنَعْ أَصْلًا فَهُوَ عَزِيمَةٌ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ وَرَدَ فِيهِ بِالْفِعْلِ بِخُصُوصِهِ بَلْ يَكْفِي وَلَوْ مِنْ حَيْثُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ أَمْرٍ كُلِّيٍّ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْغَائِبِ الْمُحْتَوِي عَلَى غَرَرٍ الْمَنْعُ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ. وَفِي شَرْحِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ السَّلَمَ رُخْصَةٌ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَخَرَجَ عَنْ الرُّخْصَةِ وُجُوبُ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عِنْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى فَاقِدِ الرَّقَبَةِ كَمَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى وَاجِدِهَا وَكَذَا وُجُوبُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِلْجُرْحِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَمِثْلُ السَّلَمِ الْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْعَرَايَا فَإِنَّ فِيهَا عَقْدًا عَلَى مَعْدُومٍ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْعَرَايَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَكِنَّهَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ: فِي رَمَضَانَ) تَصْوِيرٌ وَتَقْيِيدٌ بِاعْتِبَارَيْنِ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الْهَاءِ) عَلَى أَخْذِهِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ وَقَوْلُهُ وَضَمِّهَا أَيْ مَعَ كَسْرِ الْهَاءِ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَاجِبًا) أَيْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَإِذَا مَاتَ مَاتَ عَاصِيًا بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ

فَصَاعِدًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْإِتْمَامُ أَوْلَى خُرُوجًا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِوُجُوبِهِ وَمَنْ قَالَ الْقَصْرُ مَكْرُوهٌ كَالْمَاوَرْدِيِّ أَرَادَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً غَيْرَ شَدِيدَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى (وَمُبَاحًا) أَيْ السَّلَمُ (وَخِلَافُ الْأَوْلَى) أَيْ فِطْرُ مُسَافِرٍ لَا يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ فَإِنْ جَهِدَهُ فَالْفِطْرُ أَوْلَى وَأَتَى بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ اللَّازِمَةِ لِبَيَانِ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ يَعْنِي الرُّخْصَةُ كَحِلِّ الْمَذْكُورَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَاعِدًا) أَيْ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِ قَصْرِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ يُدِيمُ السَّفَرَ فَالْإِتْمَامُ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ) اعْتِذَارٌ عَنْ تَرْكِ الْمُصَنِّفِ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ. (قَوْلُهُ: خُرُوجًا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِوُجُوبِهِ) أَيْ الْإِتْمَامِ فَإِنَّ سَفَرَ الْقَصْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالْإِتْمَامُ فِيمَا دُونَهَا وَالْقَصْرُ فِيمَا يَبْلُغُهَا وَاجِبَانِ عِنْدَهُ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إنَّ السَّيْرَ يُعْتَبَرُ مِنْ الصُّبْحِ لِلزَّوَالِ بِاعْتِبَارِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ كَأَيَّامِ الشِّتَاءِ وَبِهَذَا يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا فَإِنَّ هَذَا مِقْدَارُ سَفَرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الشَّارِحِ خُرُوجًا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِوُجُوبِهِ) أَيْ الْإِتْمَامِ فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ الْقَصْرُ مَكْرُوهٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تُوصَفُ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا لَا تُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَفَهَا بِهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى لَا مَا اقْتَضَاهُ النَّهْيُ الْمَخْصُوصُ وَأَوْرَدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا لَمْ تُوصَفْ بِالْحُرْمَةِ لِصُعُوبَتِهَا مُطْلَقًا وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْكَرَاهَةِ كَخِلَافِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا سَهْلَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُرْمَةِ لَكِنَّ وَصْفَ الرُّخْصَةِ بِهِمَا يُنَافِي ظَاهِرَ خَبَرِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» وَعَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ أَقْسَامُ الرُّخْصَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ حَاصِلَةٌ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ حَرَامٍ إلَى الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَمِنْ وَاجِبٍ إلَى مَا عَدَاهُ وَالْحَرَامِ وَمِنْ مَنْدُوبٍ إلَى مُبَاحٍ وَمِنْ مَكْرُوهٍ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى إلَى مُبَاحٍ إلَى مَنْدُوبٍ وَمِنْ خِلَافِ الْأَوْلَى إلَى مُبَاحٍ إلَى مَنْدُوبٍ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. (قَوْلُهُ: وَمُبَاحًا أَيْ السَّلَمُ) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَمَا قِيلَ إنَّهُ قَدْ يُنْدَبُ بِأَنَّهُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ كَكَوْنِهِ مَصْلَحَةً لَا لِخُصُوصِ كَوْنِهِ سَلَمًا (قَوْلُهُ: وَخِلَافُ الْأَوْلَى) أَيْ مُخَالِفُ الْأَوْلَى لِيَتِمَّ كَوْنُهُ حَالًا مِنْ فِطْرِ الْمُسَافِرِ وَيُوَافِقُ الْأَحْوَالَ قَبْلَهُ وَأَيْضًا بَقَاؤُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ كَوْنُ خِلَافِ الْأَوْلَى وَصْفًا لِمُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ فِطْرِ الْمُسَافِرِ وَخِلَافُ الْأَوْلَى اسْمٌ لِلْحُكْمِ نَفْسِهِ لَا لِمُتَعَلِّقِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ يُطْلَقُ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَهِدَهُ إلَخْ) بَلْ إذَا جَهِدَهُ جِدًّا وَجَبَ الْفِطْرُ. (قَوْلُهُ: وَأَتَى بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ) أَيْ عَلَى وَفْقِ ذَوِيهَا الْأُولَى لِلْأَوَّلِ وَهَكَذَا وَالْكَثِيرُ كَوْنُ الْأُولَى لِلْأَخِيرِ نَحْوُ لَقِيت هِنْدًا مُصَعِّدَةً مُنْحَدِرَةً وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْغَالِبُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالْأَحْوَالِ اللَّازِمَةِ فَلِمَ أَتَى بِهَا الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: اللَّازِمَةِ) أَيْ لِأَصْحَابِهَا فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ الْوُجُوبُ لَازِمٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: لِبَيَانِ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ) أَيْ لُزُومٌ لَا صَرَاحَةٌ؛ لِأَنَّ أَقْسَامَ الرُّخْصَةِ الْإِيجَابُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَالْمَذْكُورُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ أَقْسَامُ مُتَعَلِّقِهَا، نَعَمْ خِلَافُ الْأَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَى مُتَعَلِّقِهِ أَوْ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ أَقْسَامُ مُتَعَلِّقِ الرُّخْصَةِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي الرُّخْصَةُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلِّ الْإِذْنُ فِي الْفِعْلِ الصَّادِقِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لَا اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ السَّابِقُ بِالْإِبَاحَةِ فَقَطْ وَأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الرُّخْصَةُ إلَخْ وَقَوْلُهُ الرُّخْصَةُ كَحِلِّ الْمَذْكُورَاتِ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَهِيَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِيَعْنِيَ وَقَوْلُ بَعْضٍ إنَّ نَصْبَ يَعْنِي لِلْجُمَلِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهَا لَا تَنْصِبُ إلَّا الْمُفْرَدَ. (قَوْلُهُ: كَحِلِّ الْمَذْكُورَاتِ) يَعْنِي أَنَّ التَّمْثِيلَ لِلرُّخْصَةِ الَّتِي هِيَ لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا إنَّمَا يَصِحُّ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ حِلٌّ مُرَادٌ بِهِ الْإِذْنُ شَرْعًا لِيَصْدُقَ بِكُلٍّ مِنْ الْوُجُوبِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ

مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَإِبَاحَةٍ وَخِلَافُ الْأَوْلَى وَحُكْمُهَا الْأَصْلِيُّ الْحُرْمَةُ وَأَسْبَابُهَا الْخَبَثُ فِي الْمَيْتَةِ وَدُخُولُ وَقْتَيْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ تَامَّةً وَالصَّوْمِ وَالْغَرَرِ فِي السَّلَمِ وَهِيَ قَائِمَةٌ حَالَ الْحِلِّ وَأَعْذَارُهُ الِاضْطِرَارُ وَمَشَقَّةُ السَّفَرِ وَالْحَاجَةُ إلَى ثَمَنِ الْغَلَّاتِ قَبْلَ إدْرَاكِهَا وَسُهُولَةُ الْوُجُوبِ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِمُوَافَقَتِهِ لِغَرَضِ النَّفْسِ فِي بَقَائِهَا وَقِيلَ إنَّهُ عَزِيمَةٌ لِصُعُوبَتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وُجُوبٌ وَمِنْ الرُّخْصَةِ إبَاحَةُ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَحُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ الْكَرَاهَةُ الصَّعْبَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ وَسَبَبُهَا قَائِمٌ حَالَ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَدَّرَ مَعَ كُلِّ مِثَالٍ مَصْدَرَ حَالِهِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ لَكَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ يَكْثُرُ التَّقْدِيرُ. (قَوْلُهُ: مِنْ وُجُوبٍ) بَيَانٌ لِحِلٍّ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ وَكَذَا ضَمِيرُ أَسْبَابِهَا. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ تَامَّةً وَالصَّوْمِ) أَيْ وَكُلُّ مَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَالصَّوْمِ فَهُوَ سَبَبٌ لِحُرْمَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هُوَ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْأَسْبَابُ الْمَذْكُورَةُ. (قَوْلُهُ: وَأَعْذَارُهُ) أَيْ الْحِلِّ. (قَوْلُهُ: إلَى ثَمَنِ الْغَلَّاتِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ مُوفٍ بِأَنْوَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذْ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِغَلَّةٍ كَأَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ. (قَوْلُهُ: وَسُهُولَةُ الْوُجُوبِ) لَمَّا كَانَتْ السُّهُولَةُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ قَدْ تَخْفَى لِمَا فِي وُجُوبِهِ مِنْ الصُّعُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ وَتَكْلِيفٌ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ وَسُهُولَةُ الْوُجُوبِ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ. (قَوْلُهُ: فِي بَقَائِهَا) يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِفَرْضٍ إذْ هُوَ بِمَعْنَى الرَّغْبَةِ فَمُوَافَقَةُ الْوُجُوبِ لَهُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَلَبٌ لِبَقَائِهَا إذْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ سَبَبٌ لَهُ وَيُوَافِقُهُ فِي اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بَقَاؤُهَا. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الرُّخْصَةِ إبَاحَةُ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إفَادَةَ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ كَانَ تَغَيُّرًا مِنْ الْحُرْمَةِ، فَإِنَّ الْمُنْتَقَلَ عَنْهُ كَمَا يَكُونُ الْحُرْمَةَ يَكُونُ غَيْرَهَا كَالْكَرَاهَةِ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُنْتَقَلَ عَنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا الْحُرْمَةَ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ التَّرْكِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: الْكَرَاهَةُ الصَّعْبَةُ) ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي اللَّوْمَ عَلَى الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا فِي عَدَمِ الْإِثْمِ، وَالصَّعْبَةُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَا مُخَصَّصَةٌ. (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهَا) أَيْ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الِانْفِرَادُ) قَالَ النَّاصِرُ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ هُوَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ فَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ الْمَكْرُوهُ وَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَأَيْضًا فَطَلَبُ الِاجْتِمَاعِ فِي شَيْءٍ نُهِيَ عَنْ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الِانْفِرَادُ فِيهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ الَّذِي هُوَ أَيْ هَذَا النَّهْيُ الْكَرَاهَةُ لَا سَبَبُهَا. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَا هُنَا أَمْرَيْنِ قَدْ يَشْتَبِهُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ أَحَدُهُمَا نَفْسُ الِانْفِرَادِ وَالثَّانِي كَوْنُ ذَلِكَ الِانْفِرَادِ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَلِهَذَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ وَكَوْنُ

فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ كَمَا ذِكْرَ بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلًا كَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ تَغَيَّرَ إلَى صُعُوبَةٍ كَحُرْمَةِ الِاصْطِيَادِ بِالْإِحْرَامِ بَعْدَ إبَاحَتِهِ قَبْلَهُ أَوْ إلَى سُهُولَةٍ لَا لِعُذْرٍ كَحِلِّ تَرْكِ الْوُضُوءِ لِصَلَاةٍ ثَانِيَةٍ مَثَلًا لِمَنْ يُحْدِثُ بَعْدَ حُرْمَتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ لِعُذْرٍ لَا مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ كَإِبَاحَةِ تَرْكِ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ مَثَلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَشَرَةِ مِنْ الْكُفَّارِ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ حُرْمَتِهِ وَسَبَبُهَا قِلَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَبْقَ حَالَ الْإِبَاحَةِ لِكَثْرَتِهِمْ حِينَئِذٍ وَعُذْرُهَا مَشَقَّةُ الثَّبَاتِ الْمَذْكُورِ لَمَّا كَثُرُوا (فَعَزِيمَةٌ) أَيْ فَالْحُكْمُ غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ أَوْ الْمُتَغَيِّرُ إلَيْهِ الصَّعْبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي لَيْسَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ وَلَا مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلْحُكْمِ وَكَرَاهَةُ الْأَوَّلِ مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهِ إذْ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ قَوْلِنَا يُكْرَهُ الِانْفِرَادُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ انْفِرَادٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ فَاتَّضَحَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَسُقُوطُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ وَقَدْ شَنَّعَ سم عَلَى النَّاصِرِ وَشَنَّعَ بَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ سم عَلَيْهِ، تَرَكْنَا ذَلِكَ لِقِلَّةِ جَدْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَصُّبٌ مَحْضٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ) أَيْ فِي مَحَلٍّ يُطْلَبُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَهُوَ صَلَاةُ الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ التَّغَيُّرُ بِقُيُودِهِ السَّابِقَةِ بِأَنْ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ أَوْ انْتَفَى فِيهِ مِنْ قُيُودِهِ السَّابِقَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَمَا ذُكِرَ) أَيْ تَغْيِيرًا مِثْلَ مَا ذُكِرَ أَيْ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلًا أَوْ تَغَيَّرَ إلَّا كَمَا ذُكِرَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ إلَى سُهُولَةٍ أَوْ لَهَا لَا لِعُذْرٍ أَوْ لَهَا مَعَ عُذْرٍ لَا مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ. (قَوْلُهُ: كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ) فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّلَوَاتِ تَغَيَّرَ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْحَائِضِ وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ لِسُقُوطِهِ عَنْهُمْ فَقَدْ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ إلَى سُهُولَةٍ فَإِنْ أُرِيدَ التَّغَيُّرُ الْعَامُّ وَالْمَنْقُوضُ بِهِ خَاصٌّ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ أَوْ تَغَيَّرَ إلَى صُعُوبَةٍ كَحُرْمَةِ الِاصْطِيَادِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ تَغَيُّرًا عَامًّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى النَّائِمِ بِالْخِطَابِ الْأَصْلِيِّ لِقِيَامِ السَّبَبِ إذْ لَوْلَاهُ مَا وَجَبَ الْقَضَاءُ فَصَارَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ مِنْ آثَارِ الْوُجُوبِ الْأَصْلِيِّ وَتَوَابِعِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَقَعْ تَغَيُّرٌ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ، وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِيهِ الْحُكْمُ بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُرَجَّحِ مِنْ مَذْهَبِنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: كَحُرْمَةِ الِاصْطِيَادِ) نَبَّهَ بِتَمْثِيلِهِ بِالْحُرْمَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى وَالْإِبَاحَةِ عَلَى أَنَّ الْعَزِيمَةَ تَكُونُ وَصْفًا لِكُلٍّ مِنْهَا كَمَا تَكُونُ وَصْفًا لِلْوَاجِبِ وَلِلْمَنْدُوبِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهَا بِهِمَا وَلِمَنْ خَصَّهَا بِالْوَاجِبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَرَاهَةِ كَمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الشَّارِحُ وَلَا لِلنَّدْبِ، وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا تَكُونُ وَصْفًا لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ. (قَوْلُهُ: بِالْإِحْرَامِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَيَحْرُمُ حَتَّى عَلَى الْحَلَالِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ إبَاحَتِهِ) أَيْ الِاصْطِيَادِ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ: أَوْ إلَى سُهُولَةٍ) سَكَتَ عَنْ التَّعْبِيرِ إلَى مُمَاثِلِ السُّهُولَةِ أَوْ الصُّعُوبَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الرُّخْصَةِ كَانَ حَدُّهَا غَيْرَ جَامِعٍ أَوْ الْعَزِيمَةِ فَكَذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى تَقْرِيرِ الشَّارِحِ فِيهِمَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَوْ أَنَّهُ مِنْ الْعَزِيمَةِ وَلَا يُنَافِيه كَلَامُ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى حَمْلِ قَوْلِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلًا إلَخْ عَلَى التَّمْثِيلِ بِمَعْنَى كَأَنْ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ أَوْ ثَالِثَةٍ أَوْ رَابِعَةٍ وَهَكَذَا. (قَوْلُهُ: بَعْدَ حُرْمَتِهِ) أَيْ حُرْمَةِ تَرْكِ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى تَفْسِيرٌ لِحِلِّ التَّرْكِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ أَوْ الِاثْنَيْنِ لِلْعِشْرِينَ أَوْ الثَّلَاثَةِ لِلثَّلَاثِينَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ حُرْمَتِهِ) أَيْ حُرْمَةِ تَرْكِ الثَّبَاتِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْقَ) أَيْ السَّبَبُ وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذَا بِيحَ تَرْكُ الثَّبَاتِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ وَعُذْرُهَا أَيْ عُذْرُ الْإِبَاحَةِ. (قَوْلُهُ: لَمَّا كَثُرُوا) قَيْدٌ لِلْمَشَقَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْمَشَقَّةُ فِي الثَّبَاتِ لَا تُقَيَّدُ بِحَالِ الْكَثْرَةِ لِثُبُوتِهَا قَبْلَهُ فَالْجَوَابُ مَنْعُ ذَلِكَ إذْ لَوْلَا الْمُصَابَرَةُ الْمَذْكُورَةُ لَضَاعَ الدِّينُ وَلَا يَخْفَى سُهُولَةُ الْمُصَابَرَةِ لِحِفْظِ الدِّينِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْكَثْرَةِ لِلْمَنْدُوحَةِ عَنْ الْمُصَابَرَةِ حِينَئِذٍ قَالَهُ النَّجَّارِيُّ. (قَوْلُهُ: فَعَزِيمَةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ

أَوْ السَّهْلُ الْمَذْكُورُ يُسَمَّى عَزِيمَةً وَهِيَ لُغَةً الْقَصْدُ الْمُصَمِّمُ لِأَنَّهُ عُزِمَ أَمْرُهُ أَيْ قُطِعَ وَحُتِمَ صَعُبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَوْ سَهُلَ وَأُورِدَ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ وُجُوبُ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ فَإِنَّهُ عَزِيمَةٌ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ وَيُجَابُ بِمَنْعِ الصِّدْقِ فَإِنَّ الْحَيْضَ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ مَانِعٌ مِنْ الْفِعْلِ وَمِنْ مَانِعِيَّتِهِ نَشَأَ وُجُوبُ التَّرْكِ وَتَقْسِيمُ الْمُصَنِّفِ كَالْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ الْحُكْمَ إلَى الرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفْتَازَانِيُّ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ عَزِيمَةً إلَّا إذَا وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ تَرْخِيصٍ وَإِلَّا فَلَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: أَوْ السَّهْلُ الْمَذْكُورُ) أَيْ لَا لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ (قَوْلُهُ: الْمُصَمِّمُ) اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ مَجَازِيٌّ أَوْ اسْمُ الْمَفْعُولِ عَلَى الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَيْ الْمُصَمَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عُزِمَ أَمْرُهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَقَوْلُهُ أَيْ قُطِعَ وَحُتِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى قُصِدَ قَصْدًا مُصَمَّمًا وَقَوْلُهُ صَعْبٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْمُتَغَيِّرُ إلَيْهِ الصَّعْبُ وَقَوْلُهُ أَوْ السَّهْلُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ السَّهْلُ الْمَذْكُورُ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَى الْحُكْمِ غَيْرِ الْمُتَغَيِّرِ أَيْضًا أَيْ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ صَعْبًا عَلَى الْمُكَلَّفِ وَتَارَةً يَكُونُ سَهْلًا. (قَوْلُهُ: وَأُورِدَ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ) أَيْ اللَّذَيْنِ تَضَمَّنَهُمَا التَّقْسِيمُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ عَزِيمَةٌ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ لِمَا حَقَّقَهُ مِنْ أَنَّ الْحَيْضَ لَيْسَ بِعُذْرٍ بَلْ مَانِعٌ. (قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ) أَيْ دُونَ تَعْرِيفِ الْعَزِيمَةِ فَلَا يَكُونُ تَعْرِيفُهَا جَامِعًا وَلَا تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ مَانِعًا؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَ فِي تَعْرِيفِ الرُّخْصَةِ خَرَجَ عَنْ تَعْرِيفِ الْعَزِيمَةِ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَصَدَقَ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ ظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ وُجُوبِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَنَّ الْحُكْمَ تَغَيَّرَ مِنْ صُعُوبَةٍ وَهِيَ وُجُوبُ الْفِعْلِ إلَى سُهُولَةٍ وَهِيَ وُجُوبُ التَّرْكِ لِعُذْرٍ وَهُوَ الْحَيْضُ مَعَ قِيَامِ سَبَبِ وُجُوبِ الْفِعْلِ وَهُوَ إدْرَاكُ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا كَانَ وُجُوبُ التَّرْكِ رُخْصَةً لِمُوَافَقَتِهِ لِغَرَضِ النَّفْسِ. (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ وُجُوبَ التَّرْكِ عَلَيْهَا خَارِجٌ مِنْ تَعْرِيفِ الرُّخْصَةِ بِقَوْلِهِ لِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ فِي حَقِّهَا لِمَانِعٍ لَا لِعُذْرٍ وَدَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ الْعَزِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيُّرٌ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ لَا لِعُذْرٍ بَلْ لِمَانِعٍ (قَوْلُهُ: مَانِعٌ مِنْ الْفِعْلِ) أَيْ وَشَرْطُ الْعُذْرِ الْمَأْخُوذِ فِي التَّعْرِيفِ أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعًا

[تعريف الدليل]

أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ مِنْ تَقْسِيمِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا. (وَالدَّلِيلُ مَا) أَيْ شَيْءٌ (يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ) أَيْ الْوُصُولُ بِكُلْفَةٍ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ) أَيْ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالتَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ يَقْتَضِي أَنَّ فِي تَقْسِيمِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ قُرْنًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا بَلْ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ [تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ] (قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ) أَيْ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ. (قَوْلُهُ: مَا يُمْكِنُ) الْمُرَادُ بِهِ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ أَيْ أَنَّ التَّوَصُّلَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ إلَى الْعِلْمِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلَا عَدَمَ التَّوَصُّلِ بِهِ إلَيْهِ ضَرُورِيٌّ أَيْ يَجُوزُ التَّوَصُّلُ وَعَدَمُهُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ هَذَا التَّعْرِيفِ أَهْلُ السُّنَّةِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ فَيَضَانَ النَّتِيجَةِ بَعْدَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَلَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَيَصِحُّ إرَادَةُ الْإِمْكَانِ الْعَامِّ الْمُقَيَّدِ بِجَانِبِ الْوُجُودِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عَدَمَ التَّوَصُّلِ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ إلَى الْعِلْمِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَيْهِ ضَرُورِيًّا إمَّا بِطَرِيقِ الِاسْتِعْدَادِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحُكَمَاءِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ لَا يَكُونُ ضَرُورِيًّا بَلْ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَيَنْطَبِقُ التَّعْرِيفُ عَلَى الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَيَالِيِّ وَحَاشِيَةِ السَّيَالَكُوتِيِّ عَلَيْهِ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ إنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عَنْ الدَّلِيلِ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهُ عَادِيًّا وَإِنَّ الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ بِالْغَيْرِ اهـ. مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لُزُومَ النَّتِيجَةِ لِلدَّلِيلِ عَقْلِيٌّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ عَادِيٌّ، وَأَمَّا الْإِمْكَانُ هُنَا فَهُوَ جِهَةٌ لِلْقَضِيَّةِ وَالْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ مُغَايِرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مُحْتَاجًا فِي حُصُولِهِ لِلْغَيْرِ كَالْإِمْكَانِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْمُمْكِنِ وَإِرَادَتُهُ هُنَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَاجِبٌ بِالْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ جِهَةٌ لِلْقَضِيَّةِ فَقَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ بِالْآخَرِ فَإِنْ قُلْتَ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ مِنْ جِهَاتِ الْقَضِيَّةِ وَلَا قَضِيَّةَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَالدَّلِيلُ إلَخْ تَعْرِيفٌ وَلَيْسَ قَضِيَّةً قُلْتُ الْحَالُ كَمَا ذَكَرْتَ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَضِيَّةٌ تُوَجَّهُ بِالْإِمْكَانِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ بِأَنْ يُقَالَ الدَّلِيلُ مُوَصِّلٌ بِالْإِمْكَانِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْوُصُولُ بِكُلْفَةٍ) حَمَلَ صِيغَةَ التَّفَعُّلِ عَلَى التَّكَلُّفِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَتَعَانَى الْفَاعِلُ الْفِعْلَ وَيَتَطَلَّبَهُ كَمَا يُقَالُ تَشَجَّعَ زَيْدٌ أَيْ اسْتَحْصَلَ الشَّجَاعَةَ وَكَلَّفَ نَفْسَهُ إيَّاهَا لِتَحْصُلَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي كُلِّ دَلِيلٍ إذْ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ جِهَةِ الدَّلَالَةِ وَتَحْصِيلِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَالْهَيْئَةِ التَّأْلِيفِيَّةِ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَطْلُوبُ وَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ كُلْفَةً فِي بَعْضِ الْأَدِلَّةِ كَالْعَالَمِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّانِعِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الصِّيغَةِ عَلَى التَّدْرِيجِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ يَحْصُلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَتَجَرُّعِهِ أَيْ شَرِبَ جُرْعَةً بَعْدَ جُرْعَةٍ اهـ. مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْعَالَمَ مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي جِهَةِ دَلَالَتِهِ وَالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ كَيْفَ وَتَحْصِيلُ جِهَةِ الدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ الْحُدُوثُ أَوْ الْإِمْكَانُ مِنْ أَعْلَى الْمَطَالِبِ الَّتِي أَفْرَغَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِيهَا وُسْعَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّكَرُّرِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْمَطْلُوبِ عَقِبَ الدَّلِيلِ دَفْعِيٌّ، أَنَّى وَتَحْصِيلُ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّكَرُّرُ بَلْ التَّكَلُّفُ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِصَحِيحِ النَّظَرِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ فَبِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ أَوْ عَلَى مَعْنَى مِنْ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ كَالْعَالَمِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى

بِأَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِيهِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا إلَى ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ الْمُسَمَّاةِ وَجْهَ الدَّلَالَةِ وَالْخَبَرِيُّ مَا يُخْبَرُ بِهِ وَمَعْنَى الْوُصُولِ إلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ فَالنَّظَرُ هُنَا الْفِكْرُ لَا بِقَيْدِ الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا سَيَأْتِي حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ، وَالْفِكْرُ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ، وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ تَحْصِيلُ وَجْهِ الدَّلَالَةِ كَالْحُدُوثِ فَإِنَّهُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا حَاوَلَتْ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ فَتَّشَتْ فِي الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَالَمِ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ وَحَصَّلَتْ الْجِهَةَ الْمُوَصِّلَةَ لِلْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْحُدُوثُ ثُمَّ تُحَصِّلُ الْمُقَدِّمَتَانِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ فَانْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ النَّظَرُ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِصَحِيحٍ وَهَذَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ صُورَةِ الدَّلِيلِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا وَقَوْلُهُ الْمُسَمَّاةِ نَعْتٌ ثَانٍ لِلْجِهَةِ وَقَوْلُهُ وَجْهَ الدَّلَالَةِ أَيْ سَبَبَهَا (قَوْلُهُ: مَا يُخْبَرُ بِهِ) أَيْ مَعْنًى يُخْبَرُ بِهِ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ مَعْنَاهُ بِدُونِ النُّطْقِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْوُصُولِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ وُصُولٌ مَعْنَوِيٌّ لَا حِسِّيٌّ وَقَوْلُهُ بِمَا ذَكَرَ أَيْ بِصَحِيحِ النَّظَرِ. (قَوْلُهُ: عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ) قِيلَ أَيْ أَوْ اعْتِقَادُهُ وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ لَا يَكُونُ عَنْ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ إذْ هُوَ الْجَزْمُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ نَتَائِجِ النَّظَرِ. (قَوْلُهُ: فَالنَّظَرُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْوُصُولِ وَقَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ وَقَوْلُهُ حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِنَّمَا صَرَفْت النَّظَرَ عَنْ ظَاهِرِهِ حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ أَيْ تَكْرَارِ عِلْمِ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنِّهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي التَّوَصُّلِ الْمُفَسَّرِ بِذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَمَرَّةً فِي النَّظَرِ الَّذِي هُوَ الْفِكْرُ بِقَيْدِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ " الدَّلِيلُ

الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ كَالْعَالَمِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ وَالظَّنِّيَّ كَالنَّارِ لِوُجُودِ الدُّخَانِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِوُجُوبِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُمْكِنُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ بِصَحِيحِ الْفِكْرِ فِيهِ الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ ". قَالَ النَّاصِرُ التَّكْرَارُ مُنْدَفِعٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ ذِكْرُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا الدَّلِيلُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ بِالْفِكْرِ فِيهِ الْمُؤَدِّي مِنْ حَيْثُ هُوَ إلَى عِلْمٍ مُطْلَقًا أَوْ ظَنٍّ مَحْصُولُهُ أَنَّ النَّظَرَ الَّذِي هُوَ فِي نَفْسِهِ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ مُطْلَقًا أَوْ الظَّنِّ مُفَادُهُ فِي الدَّلِيلِ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ أَوْ الظَّنُّ وَهَذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فِيهِ حُكْمٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ جَعَلَ صِحَّةَ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ سَبَبًا لِلتَّوَصُّلِ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَيْ لِعِلْمِ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنِّهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَتَسَبَّبُ عَنْهُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ لَيْسَ إلَّا الْفِكْرَ الْمُؤَدِّيَ إلَى عِلْمِ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنِّهِ بِخِلَافِ الْفِكْرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْمَطْلُوبِ التَّصَوُّرِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ فَلَوْ حَمَلَ النَّظَرَ هَاهُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ الْفِكْرُ بِقَيْدِ الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ لَزِمَ التَّكْرَارُ قَطْعًا فَالشَّارِحُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعِبَارَةُ وَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ) أَيْ الْمُفِيدَ لِلْقَطْعِ وَالظَّنِّ لَا الْمَقْطُوعَ بِهِ وَالْمَظْنُونَ وَقَوْلُهُ كَالْعَالَمِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَالْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِ الْمَنَاطِقَةِ. وَقَالَ الْخَيَالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْعَقَائِدِ إنَّ الدَّلِيلَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ يَكُونُ مُفْرَدًا وَغَيْرَهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَمْثِلَةً ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: لِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ. وَالثَّانِي: لِحِسِّيٍّ. وَالثَّالِثُ: لِشَرْعِيٍّ. وَأَيْضًا الْأَوَّلُ دَلِيلٌ إنِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَعْلُومِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ وَالثَّانِي لَمِّيٌّ بِعَكْسِهِ وَالدَّلِيلُ الْأَوَّلُ قَطْعِيٌّ وَالِاثْنَانِ بَعْدَهُ ظَنِّيَّانِ، وَوَجْهُ كَوْنِ دَلَالَةِ النَّارِ عَلَى الدُّخَانِ ظَنِّيَّةً أَنَّهَا قَدْ تَخْلُو عَنْ الدُّخَانِ إذَا لَمْ تُخَالِطْ شَيْئًا مِنْ الْأَجْزَاءِ التُّرَابِيَّةِ وَقَوْلُهُ لِوُجُودِ الصَّانِعِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ دَلِيلًا وَمُوصِلًا

فَبِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ الْأَدِلَّةِ أَيْ بِحَرَكَةِ النَّفْسِ فِيمَا تَعْقِلُهُ مِنْهَا مِمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِهِ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ كَالْحُدُوثِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِحْرَاقِ فِي الثَّانِي وَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّالِثِ تَصِلُ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ بِأَنْ تُرَتَّبَ هَكَذَا الْعَالَمُ حَادِثٌ وَكُلُّ حَادِثٍ لَهُ صَانِعٌ فَالْعَالَمُ لَهُ صَانِعٌ، النَّارُ شَيْءٌ مُحْرِقٌ وَكُلُّ مُحْرِقٍ لَهُ دُخَانٌ فَالنَّارُ لَهَا دُخَانٌ، أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ وَكُلُّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ لِوُجُوبِهِ حَقِيقَةٌ فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا. وَقَالَ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ دُونَ يَتَوَصَّلُ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ دَلِيلًا وَإِنْ لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ النَّظَرُ الْمُتَوَصَّلُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوُجُودِ الصَّانِعِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: فَبِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَعْدُ، تَصِلُ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ، إنْ قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلْحَصْرِ. (قَوْلُهُ: كَالْحُدُوثِ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْمَطْلُوبِ هُوَ الْحَدُّ الْوَسَطُ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْثِلَةِ مُفْرَدٌ تَسْتَحِيلُ الْحَرَكَةُ الَّتِي هِيَ الِانْتِقَالُ فِيهِ بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَالْحُدُوثِ وَمَا بَعْدَهُ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارَاتُهَا وَهُوَ اعْتِبَارُ ثُبُوتِهَا لِلدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ الْحَدُّ الْأَصْغَرُ وَاعْتِبَارُ الِانْتِقَالِ إلَى الْمَدْلُولِ بِوَاسِطَتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَقَعُ الْحَرَكَةُ فِيهَا. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَبْنَى الْإِشْكَالِ حَمْلُ فِي مِنْ، قَوْلِهِ فِيمَا تَعْقِلُهُ فِيهَا عَلَى مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ، مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا، فَجَعَلَ تِلْكَ الْحَرَكَةَ سَبَبًا أَوْ آلَةً لِلِانْتِقَالِ مِنْهَا إلَى الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَحَلَّ الْحَرَكَةِ اهـ. وَهُوَ صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَمَّا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ بِلَا دَاعٍ وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحًا وَالتَّقْدِيرُ مَثَلًا فِيمَا تَعَلُّقُهُ فِيهَا مَعَ غَيْرِهِ، غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تُرَتَّبَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ ضَمِيرُهُ الْعَائِدُ إلَى الْأَدِلَّةِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَصِلُ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ النَّظَرِ بَلْ لَازِمُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ الْكَثِيرُ مِنْ الْمَنَاطِقَةِ أَنَّهُ عَيْنُهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ إمَّا بِالْفِعْلِ وَهُوَ الشَّكْلُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا بِالْقُوَّةِ كَبَقِيَّةِ الْأَشْكَالِ، وَالْقِيَاسُ الِاسْتِثْنَائِيِّ لِتَوَقُّفِ إنْتَاجِهَا لِرُجُوعِهَا لِلْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ) قَالَ النَّاصِرُ صَوَابُ الْعِبَارَةِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِوُجُوبِهَا حَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ هَذِهِ النَّتِيجَةُ لَوْ كَانَ صُورَةُ الْقِيَاسِ، الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَمْرٌ بِشَيْءٍ وَكُلُّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ لِوُجُوبِهِ حَقِيقَةٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ أَلْ فِي الْأَمْرِ لِلْعَهْدِ أَيْ فَالْأَمْرُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَقِيمُوا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَأَقِيمُوا لِلْوُجُوبِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ دَلِيلًا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَعْرُوضُ الدَّلَالَةِ وَهِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ عِنْدَ النَّظَرِ فِيهِ وَهَذَا حَاصِلٌ نَظَرَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ كَذَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ أَيْ الْكَائِنَ بِحَيْثُ يُفِيدُ إلَخْ وَقَوْلُهُ

وَقَيَّدَ النَّظَرَ بِالصَّحِيحِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ لِانْتِفَاءِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ عَنْهُ وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا إذَا نَظَرَ فِي الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ الْبَسَاطَةُ وَفِي النَّارِ مِنْ حَيْثُ التَّسْخِينُ فَإِنَّ الْبَسَاطَةَ وَالتَّسْخِينَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنْ يُنْقَلَ بِهِمَا إلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَالدُّخَانِ وَلَكِنْ يُؤَدِّي إلَى وُجُودِهِمَا هَذَانِ النَّظَرَانِ مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ بَسِيطٌ وَكُلُّ بَسِيطٍ لَهُ صَانِعٌ وَمِمَّنْ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مُسَخِّنٍ لَهُ دُخَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ أَيْ النَّظَرَ الْمُتَوَصَّلَ بِهِ بِأَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ يَنْظُرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ أَوْ مِنْهُ لَا مَعَ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ اهـ. نَاصِرٌ. وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الشَّارِحُ النَّفْيَ عَلَى النَّظَرِ دُونَ التَّوَصُّلِ مَعَ أَنَّهُ الْجَارِي عَلَى سَنَنِ مَا سَبَقَ لِئَلَّا تَصْدُقَ الْعِبَارَةُ بِصُورَةٍ بَاطِلَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ مَا إذَا نَظَرَ فِيهِ نَظَرًا صَحِيحًا لَكِنْ لَمْ يَتَوَصَّلْ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى نَظَرَ فِيهِ نَظَرًا صَحِيحًا فَقَدْ تَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ النَّظَرَ بِالصَّحِيحِ) قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَقَيَّدَ النَّظَرَ بِالصَّحِيحِ أَيْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَرَائِطِهِ صُورَةً وَمَادَّةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ، إذًا لَيْسَ هُوَ سَبَبًا لِلتَّوَصُّلِ وَلَا آلَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ يُفْضِي إلَيْهِ فَذَلِكَ اتِّفَاقِيٌّ وَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ وَسِيلَةً فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ وَأُرِيدَ الْعُمُومُ خَرَجَتْ الدَّلَائِلُ بِأَسْرِهَا إذْ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِكُلِّ نَظَرٍ فِيهَا وَلَوْ أُرِيدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ نَظَرٍ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَنْبِيهٌ عَلَى افْتِرَاقِ الْفَاسِدِ عَنْ الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ) أَيْ بِذَاتِهِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ إلَخْ أَوْ يُقَالُ فَرْقٌ بَيْنَ التَّوَصُّلِ وَبَيْنَ الْإِفْضَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّوَصُّلِ يَقْتَضِي وُجُودَ وَجْهِ الدَّلَالَةِ بِخِلَافِ الْإِفْضَاءِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ إلَخْ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمَطْلُوبِ يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ لَا مَحَالَةَ. (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ عَنْهُ) إشَارَةٌ إلَى تَعْرِيفِ النَّظَرِ الْفَاسِدِ بِأَنَّهُ مَا انْتَفَى وَجْهُ الدَّلَالَةِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: مِمَّنْ اعْتَقَدَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْبَسَاطَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ جِهَةِ ثُبُوتِهِ لِلْعَالَمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الصُّغْرَى فَإِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لَيْسَ بَسِيطًا لِعَدَمِ بَسَاطَةِ الْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ الْحَيَوَانِ وَالْمَعْدِنِ وَالنَّبَاتِ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ

أَمَّا الْمَطْلُوبُ غَيْرُ الْخَبَرِيِّ وَهُوَ التَّصَوُّرِيُّ فَيُتَوَصَّلُ إلَيْهِ أَيْ يُتَصَوَّرُ بِمَا يُسَمَّى حَدًّا بِأَنْ يُتَصَوَّرَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ حَدًّا لِلْإِنْسَانِ وَسَيَأْتِي حَدُّ الْحَدِّ الشَّامِلِ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ. (وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا هَلْ الْعِلْمُ) بِالْمَطْلُوبِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُمْ (عَقِيبَهُ) أَيْ عَقِيبَ صَحِيحِ النَّظَرِ عَادَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْأَشْعَرِيِّ فَلَا يَتَخَلَّفُ إلَّا خَرْقًا لِلْعَادَةِ كَتَخَلُّفِ الْإِحْرَاقِ عَنْ مُمَاسَّةِ النَّارِ أَوْ لُزُومًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ فَلَا يَنْفَكُّ أَصْلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْ الْهَيُولَى وَالصُّورَةِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ. وَأَمَّا الْعَنَاصِرُ وَالْأَفْلَاكُ وَالنُّفُوسُ فَبَسِيطَةٌ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ، وَجِهَةِ الِالْتِزَامِ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الْكُبْرَى فَإِنَّ الْوُجُوبَ بَسِيطٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَيَتَّصِفُ بِهِ الْقَدِيمُ فَلَا يَكُونُ حَادِثًا وَفِي التَّسْخِينِ مِنْ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا دُخَانَ لِلشَّمْسِ مَعَ أَنَّهَا مُسَخِّنَةٌ دُونَ الْأُولَى، سَلَّطَ الِاعْتِقَادَ عَلَى الْجِهَتَيْنِ وَالظَّنَّ عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَعَبَّرَ بِالِاعْتِقَادِ فِي جَانِبِ الْبَسَاطَةِ وَبِالظَّنِّ فِي جَانِبِ التَّسْخِينِ لِضَعْفِ الِاعْتِقَادِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا عَنْ دَلِيلٍ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمَطْلُوبُ غَيْرُ الْخَبَرِيّ إلَخْ) الْأَظْهَرُ فِي الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ تَصَوُّرِيٍّ فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ بَلْ يُسَمَّى حَدًّا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُتَصَوَّرَ) مُتَعَلِّقٌ بِيُتَوَصَّلُ وَلَمْ يَقُلْ وَتُرَتَّبُ كَمَا قَالَ فِي الْخَبَرِيِّ؛ لِأَنَّ التَّعَدُّدَ اللَّازِمَ لِلتَّرْتِيبِ غَيْرُ وَاجِبٍ لِجَوَازِ التَّعْرِيفِ بِالْمُفْرَدِ وَحْدَهُ كَالْفَصْلِ وَالْخَاصَّةِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِمَا يُسَمَّى حَدًّا وَقَوْلُهُ الشَّامِلِ نَعْتٌ لِلْحَدِّ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِذَلِكَ أَيْ لِحَدِّ الْإِنْسَانِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْحَدِّ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا إلَخْ) ذَكَرَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِذِكْرِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: هَلْ الْعِلْمُ) أَيْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ أَوْ الْمُرَادُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمَطْلُوبَ بِالْخَبَرِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ التَّصَوُّرَ وَالتَّصْدِيقَ. (قَوْلُهُ: الْحَاصِلِ عِنْدَهُمْ) تَقْدِيرُ الْحُصُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الظَّرْفِ بِالْعِلْمِ وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِمُجَرَّدِ الْإِيضَاحِ وَلِيَتَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ عَادَةً أَوْ لُزُومًا وَتَقْدِيرُ عِنْدَهُمْ تَعْرِيضٌ بِمَنْ نَفَى حُصُولَ الْعِلْمِ عَنْ النَّظَرِ مُطْلَقًا وَهُمْ السُّمَنِيَّةُ " أَوْ لَا يُفِيدُ إلَّا فِي الْهَنْدَسِيَّاتِ وَالْحِسَابِيَّاتِ وَهُمْ الْمُهَنْدِسُونَ أَوْ لَا يُفِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَهُمْ الْمَلَاحِدَةُ وَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَفْصِيلٌ بَعْدَ إجْمَالٍ. (قَوْلُهُ: عَادَةً) أَيْ أَنَّ الْعَادَةَ الْإِلَهِيَّةَ جَرَتْ بِخَلْقِ الْعِلْمِ عَقِبَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ مَعَ جَوَازِ الِانْفِكَاكِ عَقْلًا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَخْلُقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ. (قَوْلُهُ: لُزُومًا) أَيْ عَقْلِيًّا بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِلْعَادِيِّ وَهَذَا هُوَ الْمَرْضِيُّ عِنْدَهُمْ. (قَوْلُهُ: كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ) فَإِنَّهُ يَقُولُ حُصُولُ الْعِلْمِ عَقِيبَ النَّظَرِ وَاجِبٌ أَيْ لَازِمٌ عَقْلًا يَسْتَحِيلُ انْفِكَاكُهُ

كَوُجُودِ الْجَوْهَرِ لِوُجُودِ الْعَرَضِ (مُكْتَسَبٌ) لِلنَّاظِرِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ نَعَمْ لِأَنَّ حُصُولَهُ عَنْ نَظَرِهِ الْمُكْتَسَبِ لَهُ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ حُصُولَهُ اضْطِرَارِيٌّ لَا قُدْرَةَ عَلَى دَفْعِهِ وَلَا انْفِكَاكَ عَنْهُ وَلَا خِلَافَ إلَّا فِي التَّسْمِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: كَوُجُودِ الْجَوْهَرِ) أَيْ فَإِنَّ وُجُودَ الْعَرَضِ بِعَيْنِهِ هُوَ وُجُودُ الْجَوْهَرِ لَا أَنَّ لِلْجَوْهَرِ وُجُودًا مُغَايِرًا لِوُجُودِ الْعَرَضِ فَلُزُومُ الْمَطْلُوبِ لِلنَّظَرِ كَلُزُومِ الْعَرَضِ لِلْجَوْهَرِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ الْجُمْهُورُ نَعَمْ) وَلِذَلِكَ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِهِ قَالَ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَقَالُوا مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَاجِبَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) وَعَلَيْهِ تَكُونُ الْعُلُومُ كُلُّهَا ضَرُورِيَّةً وَإِنْ تَوَقَّفَ بَعْضُهَا عَلَى النَّظَرِ. (قَوْلُهُ: لَا قُدْرَةَ عَلَى دَفْعِهِ) أَيْ عِنْدَ حُصُولِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا انْفِكَاكَ عَنْهُ أَيْ بَعْدَ حُصُولِهِ فَلَا تَكْرَارَ وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِذَلِكَ لَا يُعَدُّ عَجْزًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْقُدْرَةِ لَا لِمَعْنًى فِي الْمَقْدُورِ هُنَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوجَدَ الْعِلْمُ بِالْمُقَدِّمَاتِ بِدُونِ النَّتِيجَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ حَيْثُ عَلَّلَ كُلَّ قَوْلٍ بِمَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ الْآخَرَ فَإِنَّ النَّظَرَ مُكْتَسَبٌ اتِّفَاقًا وَحُصُولُ النَّتِيجَةِ بَعْدَهُ لَازِمٌ لَا يَتَخَلَّفُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي التَّسْمِيَةِ) أَيْ لَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّوَجُّهَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَالْأَوَّلُ يُوَافِقُ الثَّانِيَ فِي أَنَّ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ عَقِبَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ اضْطِرَارِيٌّ وَالثَّانِي يُوَافِقُ الْأَوَّلَ فِي أَنَّ حُصُولَهُ عَنْ نَظَرٍ وَكَسْبٍ وَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ رَاجِعٌ إلَى اكْتِسَابِ سَبَبِهِ وَأَنَّهُ نَفْسَهُ اضْطِرَارِيٌّ غَيْرُ مَقْدُورٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ يَرْجِعُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلتَّكْلِيفِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ النَّظَرُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْدُورُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَوَاقِفِ تَبَعًا

وَهِيَ بِالْمُكْتَسَبِ أَنْسَبُ وَالظَّنُّ كَالْعِلْمِ فِي قَوْلِ الِاكْتِسَابِ وَعَدَمِهِ دُونَ قَوْلَيْ اللُّزُومِ وَالْعَادَةِ لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْآمِدِيِّ قَالَ السَّيِّدُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ فَتَكُونُ مُكَلَّفًا بِهَا وَجَعْلُ إيجَابِهَا رَاجِعًا إلَى إيجَابِ النَّظَرِ فِيمَا يُوَصِّلُ إلَيْهَا عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرَةِ الْأُولَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ الْوَاجِبُ الْحُصُولِ، حُكْمُهُ حُكْمُ الضَّرُورِيِّ إلَّا فِي الْمَقْدُورِيَّةِ وَمَا يَتْبَعُهَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا يُنَاقِضُ الضَّرُورِيَّ إذْ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ فِيهِ تَصَوُّرُ طَرَفَيْهِ فَإِذَا أَوْجَبَ تَصَوُّرُهُمَا حُكْمًا إيجَابِيًّا لَمْ يُمْكِنْهُ بَعْدَ تَصَوُّرِهِمَا أَنْ يَعْتَقِدَ السَّلْبَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ النَّظَرِيِّ فَإِنَّ مُوجَبَهُ النَّظَرُ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ أَمْكَنَهُ إذْ يَعْتَقِدَ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ النَّظَرِيَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ النَّظَرِيُّ مَعَ وُجُوبِ حُصُولِهِ عَنْ النَّظَرِ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ اهـ. ثُمَّ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ إلَخْ أَنَّهُ بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ عَنْ النَّظَرِ يَغْفُلُ عَنْ النَّظَرِ فَتَرْجِعُ الْمَقْدُورِيَّةُ حِينَئِذٍ عَلَى اسْتِمْرَارِ حُصُولِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمَقْدُورِيَّةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ، بَلْ مَعْنَى كَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا أَفَادَهُ الْمَوْلَى عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْمَوَاقِفِ أَنَّ الْعِلْمَ الْأَوْلَى بَعْدَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ وَالنِّسْبَةِ لَازِمُ الْحُصُولِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ تَرْكِهِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَقْدُورٍ بِخِلَافِ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِهِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ وَالنِّسْبَةِ بِتَرْكِ النَّظَرِ فِي تَحْصِيلِهِ فَهُوَ مَقْدُورٌ. وَأَمَّا قَبْلَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ فَكِلَاهُمَا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِهِ لِامْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمَجْهُولِ قَالَ فَتَدَبَّرْ فَإِنَّهُ قَدْ زَلَّ فِيهِ أَقْدَامُ الْفُضَلَاءِ اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ سم وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ قَوْلَهُ إذَا غَفَلَ عَنْهُ إلَخْ يُعَارِضُ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَهُّمِ الَّذِي نَفَيَاهُ فَمَا قَالُوهُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وَالْمُنَاقَشَةِ فِي ذَلِكَ الْجَوَابِ بِنَاءٌ لِلْفَاسِدِ عَلَى الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ التَّسْمِيَةُ بِالْمُكْتَسَبِ أَنْسَبُ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِغَيْرِ الْمُكْتَسَبِ لِوُجُودِ سَبَبِهَا وَهُوَ الِاكْتِسَابُ وَلِلنَّاصِرِ وسم هُنَا كَلَامٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرٍ فِي الْكَلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَمَا عَلَيْهِ تَعْوِيلٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الْحَوَاشِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ كَوْنُهُ دَلِيلًا عَلَى

بَيْنَ الظَّنِّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ عَنْهُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّهُ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ قَدْ يَزُولُ لِعَارِضٍ كَمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِحُكْمٍ وَآخَرُ بِنَقِيضِهِ أَوْ لِظُهُورِ خِلَافِ الْمَظْنُونِ كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ لِكَوْنِ مَرْكَبِهِ وَخَدَمِهِ بِبَابِهَا ثُمَّ شُوهِدَ خَارِجَهَا. وَأَمَّا غَيْرُ أَئِمَّتِنَا فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا النَّظَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ ثُبُوتِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ لَا عَلَى انْتِفَاءِ حُصُولِهِ عَقِبَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ صَحِيحَ الصُّورَةِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَطْلُوبُ ظَنًّا كَانَ أَوْ عِلْمًا فَيَكُونُ مُرْتَبِطًا بِالْمُقَدَّمَتَيْنِ قَطْعًا وَيَجْرِي فِيهِ قَوْلَا اللُّزُومِ وَالْعَادَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ أَوْ لَيْسَ أَنَّ النَّظَرَ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَالسَّبَبُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ. وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَمَا تَكَلَّفَ بِهِ سم فِي رَدِّهِ بِقَوْلِهِ مَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ حَاصِلَ فَرْقِ الشَّارِحِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ أَصْلًا إلَّا خَرْقًا لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الظَّنِّ فَإِنَّهُ يَتَخَلَّفُ كَثِيرًا وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّظَرَ الْمُؤَدِّيَ لِلْعِلْمِ قَطَعَ التَّأْدِيَةَ إلَيْهِ وَالْقَطْعِيُّ لَا يُعَارِضُهُ شَيْءٌ مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ فَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَبَدًا بِخِلَافِ النَّظَرِيِّ الْمُؤَدِّي إلَى الظَّنِّ فَإِنَّهُ ظَنِّيُّ التَّأْدِيَةِ وَالظَّنُّ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ فَتَنْتَفِي التَّأْدِيَةُ وَانْتِفَاؤُهَا لَا يُنَافِي سَبَبِيَّةَ النَّظَرِ فَالْمُعَارَضَةُ إذَا كَانَتْ مَنْشَأً لِسُقُوطِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ كَانَتْ مَنْشَأً لِعَدَمِ حُصُولِهِ، آخِرُ مَا أَطَالَ بِهِ مِمَّا يَرْجِعُ أَكْثَرُهُ إلَى مَا نَقَلْنَاهُ وَرَحِمَهُ اللَّهُ فَلَقَدْ أَتَى فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَا لَا يَرْتَضِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ فِي عِلْمِ الْمَعْقُولِ، أَمَّا قَوْلُهُ حَاصِلُ فَرْقِ الشَّارِحِ إلَى قَوْلِهِ وَالْفَرْقُ فَهُوَ مَحَلُّ الْإِشْكَالِ وَقَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَخْ إنْ أَرَادَ الْمُعَارَضَةَ بَعْدَ حُصُولِ الظَّنِّ فَقَدْ رَجَعْنَا إلَى مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى عَدَمِ ثَبَاتِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ قِيَامَ الْمُعَارِضِ حِينَ النَّظَرِ فِي مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ وَتَرْتِيبِهَا. فَالْعِلْمُ وَالظَّنُّ فِيهِ سِيَّانِ لَكِنَّهُ مَتَى سَلِمَتْ الْمُقَدِّمَتَانِ وَتَرَتَّبَتْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ مُطْلَقًا عِلْمًا كَانَ أَوْ ظَنًّا عَلَى أَنَّ الْمُعَارِضَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ قِيَامُهُ إذْ عِنْدَ النَّظَرِ فِي مَبَادِئِ الْمَطْلُوبِ لَا تَلْتَفِتُ النَّفْسُ إلَى غَيْرِهَا لِاسْتِحَالَةِ تَوَجُّهِ النَّفْسِ إلَى شَيْئَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَالْمُعَارِضُ لَا يَقُومُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ النَّتِيجَةِ وَبَعْدَ حُصُولِهَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّأْدِيَةَ انْتَفَتْ وَقَوْلُهُ إنَّ الْمُعَارَضَةَ إذَا كَانَتْ مَنْشَأً لِسُقُوطِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ كَانَتْ مَنْشَأً لِعَدَمِ حُصُولِهِ دَعْوَى بَدِيهِيَّةِ الْبُطْلَانِ إذْ كَيْفَ تَقُومُ الْمُعَارَضَةُ حَالَةَ تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ؟ نَعَمْ قَدْ تَحْصُلُ الْمُعَارَضَةُ فِي بَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ لَكِنَّ ذَلِكَ حَالَةَ النَّظَرِ إلَيْهَا وَقَبْلَ تَرْتِيبِهَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَالْحَقُّ أَنَّ حُصُولَ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ مُنْفَكَّةٌ عَنْ النَّتِيجَةِ بِأَمْرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَإِنَّ النَّتِيجَةَ لَازِمَةٌ لِلْمُقَدِّمَاتِ لُزُومًا غَيْرَ مُنْفَكٍّ فِي الْعِلْمِ وَفِي الظَّنِّ، نَعَمْ تَعَارُضُ الظَّنِّيَّاتِ إنَّمَا يُوجِبُ عَدَمَ قَطْعِيَّةِ الْمَظْنُونِ لَا عَدَمَ اللُّزُومِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ النَّتِيجَةُ لَازِمَةٌ فَإِذَا زَالَتْ الْمُقَدِّمَاتُ لِمُعَارِضٍ زَالَتْ النَّتِيجَةُ وَهَذَا لَا يُنَافِي التَّلَازُمَ وَالِارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ كَمَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَبَعْضُ الْحَوَاشِي نَقَلَ كَلَامَ سم مُسْتَحْسِنًا لَهُ قَائِلًا وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُ نَاقَشَهُ بِمَا لَا يُسْمَعُ وَمَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ فِيمَا قُلْنَاهُ وَمَا قَالَهُ سم وَالْمُنْتَصِرُ لَهُ وَالْمُتَعَقِّبُ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ عِيَانًا. (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ أَيْ لَا ارْتِبَاطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (قَوْلُهُ: وَآخَرُ بِنَقِيضِهِ) أَيْ فَتَخَلَّفَ مَدْلُولُ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ عَنْهُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي لُزُومَ الْمَدْلُولِ لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُ أَئِمَّتِنَا) مُقَابِلُ قَوْلِ

يُوَلِّدُ الْعِلْمَ كَتَوْلِيدِ حَرَكَةِ الْيَدِ لِحَرَكَةِ الْمِفْتَاحِ عِنْدَهُمْ وَعَلَى وِزَانِهِ يُقَالُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ النَّظَرِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَقَوْلُهُ عَقِيبَهُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَالْكَثِيرُ تَرْكُ الْيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ. (وَالْحَدُّ) عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ أَئِمَّتُنَا، وَغَيْرُ مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا خَبَرٌ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ أَيْ فَالْمُعْتَزِلَةُ مِنْهُمْ وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ لِلْحُكَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَطْلُوبِ لِلنَّظَرِ فَالنَّظَرُ عِلَّةٌ فِي حُصُولِهِ وَفَيَضَانِهِ عَنْ الْمَبْدَأِ الْفَيَّاضِ الَّذِي هُوَ الْعَقْلُ الْعَاشِرُ عِنْدَهُمْ. (قَوْلُهُ: يُوَلِّدُ الْعِلْمَ إلَخْ) التَّوْلِيدُ أَنْ يُوجِبَ الْفِعْلُ لِفَاعِلِهِ فِعْلًا آخَرَ كَحَرَكَةِ الْيَدِ وَحَرَكَةِ الْمِفْتَاحِ فَكِلْتَاهُمَا صَادِرَتَانِ عَنْهُ الْأُولَى بِالْمُبَاشَرَةِ وَالثَّانِيَةُ بِالتَّوَلُّدِ وَكَذَا يُقَالُ هُنَا فَالْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ عِنْدَهُمْ أَوْجَدَتْ النَّظَرَ فَتَوَلَّدَ عَنْهُ الْعِلْمُ. (قَوْلُهُ: الظَّنُّ الْحَاصِلُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ النَّظَرِ عِنْدَهُمْ) الْمُنَاسِبُ لِعَدِيلِهِ أَنْ يَقُولَ النَّظَرُ يُوَلِّدُ الظَّنَّ فَعَدَلَ عَنْهُ لِمَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ الظَّنِّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اللُّزُومِ بَلْ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ إذَا حَصَلَ كَانَ مُتَوَلِّدًا عَنْ النَّظَرِ. وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَجِبْ) أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ الظَّنِّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا وَفِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَوَلُّدَ كَمَا عُلِمَ مِنْ مَعْنَى التَّوْلِيدِ هَذَا مُحَصِّلُ مَا فِي النَّاصِرِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيجَابِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ التَّوْلِيدِ مُطْلَقُ التَّسَبُّبِ وَالتَّأْثِيرِ وَهَذَا خِلَافُ الْوُجُوبِ الْمَنْفِيِّ فَإِنَّهُ التَّلَازُمُ. اهـ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يَقُولُونَ بِالتَّلَازُمِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ بَلْ هُوَ لَازِمٌ لِقَاعِدَةِ الْقَوْلِ بِالتَّوَلُّدِ فِي الْفِعْلِ الصَّادِرِ بِطَرِيقَةِ ضَرُورَةِ عَدَمِ انْفِكَاكِ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ فَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا إنَّ التَّوَلُّدَ عَادِيٌّ يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ ذُهُولٌ عَنْ قَاعِدَةِ التَّوَلُّدِ وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْبُرْهَانِ إنَّ النَّظَرَ يَسْتَعْقِبُ الْعِلْمَ عِنْدَهُمْ اسْتِعْقَابًا، لَا دَفْعَ لَهُ وَإِنَّ النَّظَرَ يُوَلِّدُهَا تَوْلِيدَ الْأَسْبَابِ مُسَبَّبَاتِهَا وَالْمَقْدُورُ الَّذِي هُوَ مُرْتَبِطُ التَّكْلِيفِ وَالثَّوَابِ عَدَمُ النَّظَرِ عِنْدِي اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِحُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ لِمَا أَسْلَفَهُ مِنْ عَدَمِ الِارْتِبَاطِ فِي الظَّنِّيَّاتِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَقَوْلُ بَعْضٍ وَقَدْ عَلِمْت صِحَّتَهُ تَقْلِيدٌ لسم. وَقَدْ نَقَلَ كَلَامَهُ السَّابِقَ مُسْتَحْسِنًا لَهُ وَنَحْنُ أَبْطَلْنَاهُ وَالْحَقُّ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ وَبِالْجُمْلَةِ الْمَطْلُوبُ لَازِمٌ لِلنَّظَرِ عَلَى قَوْلِ مُحَقِّقِي الْأَشَاعِرَةِ وَكَلَامُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْفَارِقُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ كَالنَّظَرِ لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ الْإِلَهِيَّةُ بِخَلْقِهِمَا مَعًا أَوْ بِعَدَمِهِمَا مَعًا وَلَا تَتَعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَعَلَى الثَّانِي بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ وَعَلَى الثَّالِثِ بِالتَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: جَرَتْ

مَا يُمَيِّزُ الشَّيْءَ عَمَّا عَدَاهُ كَالْعُرْفِ وَعِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَلَا يُمَيِّزُ كَذَلِكَ إلَّا مَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا وَالْأَوَّلُ مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِ الْحَدِّ وَالثَّانِي مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ الْحَدُّ (الْجَامِعُ) أَيْ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ (الْمَانِعُ) أَيْ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهَا فِيهِ وَيُقَالُ أَيْضًا الْحَدُّ (الْمُطَّرِدُ) أَيْ الَّذِي كُلَّمَا وُجِدَ وُجِدَ الْمَحْدُودُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَيَكُونُ مَانِعًا (الْمُنْعَكِسُ) أَيْ الَّذِي كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْدُودُ وُجِدَ هُوَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَيَكُونُ جَامِعًا فَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ وَالْأُولَى أَوْضَحُ فَتَصْدُقَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ حَدًّا لِلْإِنْسَانِ بِخِلَافِ حَدِّهِ بِالْحَيَوَانِ الْكَاتِبِ بِالْفِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَلْسِنَةِ) أَيْ أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ قَلِيلَةٌ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ اللُّغَةِ فَقَوْلُهُ وَالْكَثِيرُ أَيْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: وَالْحَدُّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ) احْتِرَازٌ عَنْهُ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى مَا كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ فَهُوَ أَخَصُّ وَذَكَرَ الْحَدَّ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ مُقَابَلَتِهِ لِلدَّلِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَا يُوَصِّلُ إلَى التَّصْدِيقِ يُسَمَّى دَلِيلًا وَمَا يُوَصِّلُ إلَى التَّصَوُّرِ يُسَمَّى حَدًّا. (قَوْلُهُ: مَا يُمَيِّزُ إلَخْ) صَادِقٌ عَلَى الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِعْلَامِ فَلَا يَطْرُدُ وَلَا يُمَيِّزُ الْمَاهِيَّةَ عَنْ أَفْرَادِهَا وَهِيَ غَيْرُ الْمَاهِيَّةِ فَإِنَّ الْجُزْئِيَّ غَيْرُ الْكُلِّيِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُمَيِّزُ كُلِّيٌّ مُحَوِّلٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْحَدِّ مَا يُقَالُ عَلَى الشَّيْءِ لِإِفَادَةِ تَصَوُّرِهِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَقَعُ فِيهَا اكْتِسَابٌ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْكُلِّيَّاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّعْرِيفَ طَرِيقٌ لِاكْتِسَابِ التَّصَوُّرَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالْمَفَاهِيمِ الْكُلِّيَّةِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ الطَّرْدِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَدَا الْمَاهِيَّةَ وَمَا عَدَا أَفْرَادَهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْمَاهِيَّةُ فِي ضِمْنِ أَفْرَادِهَا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَاهِيَّةِ عَنْ الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّ الْأَفْرَادَ لَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهَا وسم أَطَالَ الْكَلَامَ هُنَا بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي حَمْلِ الْجُزْئِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمَقَامُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُهُ مَا يُمَيِّزُ الشَّيْءَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِ الْحَدِّ) أَيْ فَهُوَ حَدٌّ حَقِيقِيٌّ اسْمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بِالذَّاتِيَّاتِ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ قَوْلُهُ مَا لَا يَخْرُجُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ) لِكَوْنِهِ بِالْعَرَضِيَّاتِ فَيَكُونُ رَسْمًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: الْجَامِعُ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ النَّاصِرُ لُزُومَ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِّ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْدُودِ الشَّيْءُ لَا يُوصَفُ كَوْنُهُ مَحْدُودًا وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَشْمَلُ قَوْلَنَا وَكُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ مَثَلًا بَعْدَ قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْكُلِّيَّةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ الْجَامِعُ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحْدُودٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ الْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ وَجَمْعُ الْكُلِّيَّةِ لِلْأَفْرَادِ لَا مِنْ هَذِهِ الْحِينِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ

فَإِنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ وَغَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَبِالْحَيَوَانِ الْمَاشِي فَإِنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَغَيْرُ مُطَّرِدٍ وَتَفْسِيرُ الْمُنْعَكِسِ الْمُرَادِ بِهِ عَكْسُ الْمُرَادِ بِالْمُطَّرِدِ بِمَا ذَكَرَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَضُدِ الْمُوَافِقُ فِي إطْلَاقِ الْعَكْسِ عَلَيْهِ لِلْعُرْفِ حَيْثُ يُقَالُ كُلُّ إنْسَانٍ نَاطِقٌ وَبِالْعَكْسِ وَكُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا عَكْسَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ هَذَا يَكُرُّ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ الْجَوَابِ عَنْ الدَّوْرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ كَانَ تَامًّا فِي نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ) لِعَدَمِ شُمُولِهِ الْأُمِّيَّ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ مُنْعَكِسٍ عَطْفٌ لَازِمٌ وَقَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَظْهَرُ وَالْمُرَادِ، بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْمُنْعَكِسِ وَعَكْسُ بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَقَوْلُهُ بِمَا ذَكَرَ مُتَعَلِّقٌ بِتَفْسِيرٍ وَهُوَ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْدُودُ وُجِدَ الْحَدُّ وَالْمَأْخُوذُ وَالْمُوَافِقُ نَعْتَانِ لِتَفْسِيرٍ فَهُمَا بِالرَّفْعِ أَوْ بِالْجَرِّ نَعْتَانِ لِمَا فِي قَوْلِهِ بِمَا ذَكَرَ. (قَوْلُهُ: لِلْعُرْفِ) أَيْ وَلِلْإِصْلَاحِ فِي عَكْسِ الْقَضِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمُطَّرِدِ كُلَّمَا وُجِدَ الْحَدُّ وُجِدَ الْمَحْدُودُ وَعَكَسَ الْقَضِيَّةَ بِتَبْدِيلِ طَرَفَيْهَا وَهُوَ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْدُودُ وُجِدَ الْحَدُّ. (قَوْلُهُ: أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ) أَيْ بِالْمُنْعَكِسِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنْعَكِسِ عَكْسُ الْمُرَادِ بِالْمُطَّرِدِ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُنْعَكِسَ. (قَوْلُهُ: اللَّازِمُ) أَيْ تَفْسِيرُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ وَإِنَّمَا كَانَ لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ

أَيْ مَعْنَى. الْجَامِعُ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ انْتَفَى الْمَحْدُودُ اللَّازِمُ لِذَلِكَ التَّفْسِيرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِانْعِكَاسَ التَّلَازُمُ فِي الِانْتِفَاءِ كَالِاطِّرَادِ التَّلَازُمُ فِي الثُّبُوتِ. (وَالْكَلَامُ) النَّفْسِيُّ (فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يُسَمَّى خِطَابًا) حَقِيقَةً لِعَدَمِ مَنْ يُخَاطِبُ بِهِ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يَفْهَمُ وَإِسْمَاعِهِ إيَّاهُ بِاللَّفْظِ كَالْقُرْآنِ أَوْ بِلَا لَفْظٍ كَمَا وَقَعَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقِيضِ الْمُوَافِقِ وَعَكْسُ نَقِيضِ الْقَضِيَّةِ لَازِمٌ لَهَا. (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَفْسِيرِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ النَّاصِرُ وَالْحَقُّ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ الِاطِّرَادَ وَالِانْعِكَاسَ وَصْفَانِ لِلْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ تَفْسِيرًا لِلْمُطَّرِدِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْحَدِّ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ عَكْسُ الْحَدِّ لَا عَكْسُ الْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ صِفَةً لَهُ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ عَكْسُ الشَّيْءِ بِعَكْسِ صِفَتِهِ. وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ الِاطِّرَادَ وَالِانْعِكَاسَ صِفَتَيْنِ لِلْحَدِّ لَا لِلْقَضِيَّةِ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ وَخُلَاصَةُ جَوَابِ سم أَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِلصِّفَةِ صِفَةً لِلْمَوْصُوفِ وَلَهُمْ هَاهُنَا تَشْنِيعَاتٌ عَدَمُ ذِكْرِهَا أَوْلَى مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَحْثِ وَالْجَوَابِ لَيْسَ مِمَّا يَقْتَضِي هَذَا كُلَّهُ فَإِنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِعِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ غَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ تَسَمُّحٌ وَمِثْلُهُ مُغْتَفَرٌ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ إلَخْ) مَنْ تَأَمَّلَ وَجَدَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يَرْجِعَانِ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا أَنَّهُ لَا يَتَنَوَّعُ وَمِنْ كَوْنِهِ لَا يَتَنَوَّعُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى خِطَابًا. (قَوْلُهُ: فِي الْأَزَلِ) حَالٌ مِنْ الْكَلَامِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا فِي الْأَزَلِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ مَوْجُودٌ أَزَلًا وَأَبَدًا أَيْ هَلْ يُطْلَقُ لَفْظُ الْخِطَابِ حَقِيقَةً فِيمَا لَا يَزَالُ عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ مَعَ اعْتِبَارِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ فِي الْأَزَلِ أَيْ قَبْلَ وُجُودِ مَنْ يُخَاطَبُ وَلَا يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِيُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ حَادِثَةٌ وَقَوْلُ سم يُتَصَوَّرُ وُقُوعَ التَّسْمِيَةِ أَزَلًا عَلَى الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْأَلْفَاظِ، وَهْمٌ فَإِنَّ الْمَقُولَ بِقِدَمِهِ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ لَا هَذِهِ التَّسْمِيَةُ وَهُوَ لَفْظُ خِطَابٍ؛ لِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ كَبَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ خَالَفَ عَادَتَهُ وَحَكَى الْقَوْلَ الضَّعِيفَ وَطَوَى الصَّحِيحَ وَلَعَلَّ سِرَّهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوِيٌّ أَيْضًا إذْ قَدْ رَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) مُتَعَلِّقٌ بِيُسَمَّى وَهُوَ تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَأَنَّهُ فِي الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةٌ لَا فِي مُطْلَقِ الْإِطْلَاقِ الشَّامِلِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ الْمَجَازِيَّةَ اعْتِبَارُ مَا تُؤَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) الْإِشَارَةُ لِلْأَزَلِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ إذْ ذَاكَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ إذْ إنَّمَا تُضَافُ لِلْجُمَلِ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُودِ التَّحَقُّقُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَوْجُودٌ فَلَا خِطَابَ لِعَدَمِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِسْمَاعِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى وُجُودِ. (قَوْلُهُ: كَالْقُرْآنِ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَقِيَّةَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَلَوْ غَيْرَ قُدْسِيَّةٍ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى. (قَوْلُهُ: أَوْ بِلَا لَفْظٍ) كَوْنُ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ مِمَّا يُسْمَعُ هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ كَمَا عُقِلَ رُؤْيَةَ مَا لَيْسَ بِلَوْنٍ وَلَا جِسْمٍ فَلْيُعْقِلْ سَمَاعُ مَا لَيْسَ بِصَوْتٍ، وَاسْتَحَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ سَمَاعَ مَا لَيْسَ بِصَوْتٍ فَعِنْدَهُ سَمِعَ سَيِّدُنَا مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَوْتًا دَالًّا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ

خَرْقًا لِلْعَادَةِ وَقِيلَ سَمِعَهُ بِلَفْظٍ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى تَوَلَّى خَلْقَهُ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فَقَالَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُ غَيْرِ الصَّوْتِ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَتَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ مَعْلُومًا بِوَاسِطَةِ سَمَاعِ الصَّوْتِ كَانَ مَسْمُوعًا فَالِاخْتِلَافُ لَفْظِيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: خَرْقًا لِلْعَادَةِ) أَيْ وَقَعَ فِي حَالِ كَوْنِهِ خَرْقًا أَيْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَمِعَهُ) وَعَلَيْهِ فَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ بِمَعْنَى عِنْدَ. (قَوْلُهُ: مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ) قَالَ سم لَعَلَّ وُقُوعَ السَّمَاعِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِمَحْذُورٍ فِي السَّمَاعِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي تَعَالِيَهُ عَنْ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا يُنَافِيه لَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الْمَسْمُوعَةُ قَائِمَةً بِذَاتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ فِي مَحَلٍّ اهـ. وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِجَمِيعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ سَمِعَهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَيْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْإِسْمَاعِ الَّذِي هُوَ الْعَادَةُ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُسْمَعُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَبَّرَ بِهَذَا هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ إمَّا لِلتَّفَنُّنِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ السَّمَاعُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَبَّرَ بِالْخَرْقِ وَالثَّانِي لَمَّا كَانَ السَّمَاعُ فِيهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّفْظِ، عَبَّرَ بِالْمُخَالَفَةِ الَّتِي هِيَ أَدْوَنُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ بِالْغَلَبَةِ لِسَبْقِهِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، أَوْ لِأَنَّهُ سَمِعَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَوْ اللَّفْظِيَّ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَلَا يُرَادُ أَنَّ غَيْرَهُ خُوطِبَ بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ فَإِنْ قِيلَ إذَا أُرِيدَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنْتَظِمُ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَزَلِيُّ وَأُرِيدَ بِسَمَاعِهِ فَهْمُهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ فَمَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سَاقَ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَزَادَ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جِهَةٍ بِصَوْتٍ غَيْرِ مُكْتَسَبٍ لِلْعِبَادِ عَلَى مَا هُوَ شَأْنُ سَمَاعِنَا. (قَوْلُهُ: يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُسَمَّاهُ الْعَائِدِ عَلَى الْخِطَابِ. (قَوْلُهُ: بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِ كَيْفَ يَتَأَتَّى خِطَابُ غَيْرِ الْمَوْجُودِ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّهُ يَكْفِي تَقْدِيرُ وُجُودِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّنْزِيلَ الْمَذْكُورَ يُنَافِي كَوْنَ التَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَجَازٌ لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ أَوْ إطْلَاقُ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ نَزَّلَ الْمُخَاطَبُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَخُوطِبَ فَوَقَعَ الْخِطَابُ بَعْدَ التَّنْزِيلِ الْمَذْكُورِ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْمَجَازُ فِي التَّنْزِيلِ لَا فِيهِ وَكَوْنُ الْخِطَابِ حَقِيقَةً لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُخَاطَبِ بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ. هَذَا مُحَصِّلُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَأَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ فَبَعْدَ جَعْلِ الْمُشَبَّهِ هُوَ الْمُشَبَّهَ بِهِ يَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ وَأَيْضًا التَّسْمِيَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَتَجُوزُ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَقِيقِيَّةً؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ خِطَابًا بِتَأْوِيلِ أَنَّ مَنْ يُخَاطِبُ كَمَنْ خُوطِبَ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ الْخِطَابَ بِالْكَلَامِ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ يُفْهَمُ سُمِّيَ خِطَابًا بِالْفِعْلِ وَإِنْ فَسَّرَ بِمَا أَفْهَمَ بِالْفِعْلِ فَلَا كَمَا أَفَادَهُ الْعَضُدُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْكَمَالُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّهُ بَحْثٌ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْخِطَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَشَعَّبَتْ فِيهَا آرَاءُ الْفُضَلَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ اُشْتُهِرَ مِنْ مَذْهَبِ شَيْخِنَا

الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ (وَ) الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ (قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ) إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ وَغَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَصِيرُهُ إلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْعِلْمِ وُجُودُهُ وَاسْتِجْمَاعُهُ شَرَائِطُ التَّكْلِيفِ فَهُوَ مَعْدُومٌ مَأْمُورٌ بِالْأَمْرِ الْأَزَلِيِّ. وَقَدْ تَمَادَى الْمُشَنِّعُونَ عَلَيْهِ وَانْتَهَى الْأَمْرُ إلَى انْكِفَافِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَسْلَكَيْنِ لِلْأَصْحَابِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْمَعْدُومِ مَأْمُورًا أَوْرَدَهَا ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا رُسِمَتْ لِسُؤَالِ الْمُعْتَزِلَةِ إذْ قَالُوا لَوْ كَانَ الْكَلَامُ أَزَلِيًّا لَكَانَ أَمْرًا وَلَوْ كَانَ أَمْرًا لَتَعَلَّقَ بِالْمُخَاطِبِ فِي حَالِ عَدَمِهِ، فَإِذَا أَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ ارْتِبَاطٍ بِمُخَاطِبٍ فَقَدْ رُفِعَ السُّؤَالُ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ عَلَى شَرْطِ الْوُجُودِ وَهَذَا مُنْتَهَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ. وَأَنَا أَقُولُ: إنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْمَعْقُولِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ إنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُجُودِ تَلْبِيسٌ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُودَ شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْمَأْمُورِ مَأْمُورًا أَوْ إذَا لَاحَ ذَلِكَ بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَمْرٍ بِلَا مَأْمُورٍ وَهَذَا مُعْضِلٌ أَرِبٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَفَرْضُ مُتَعَلِّقٍ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ مُحَالٌ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ فَيُنَافِي غَيْبَةَ الْمَأْمُورِ فَهُوَ تَمْوِيهٌ وَمَا أَرَى ذَلِكَ أَمْرًا خَارِقًا وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ فَرْضِ الْأَمْرِ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ وَإِذَا حَضَرَ الْمُخَاطِبُ قَامَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ إلْحَاقُ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَالْكَلَامُ الْأَزَلِيُّ لَيْسَ تَقْدِيرًا فَهَذَا مَا نَسْتَخِيرُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ وَإِنْ أَسْعَفَ الزَّمَانُ أَمْلَيْنَا مَجْمُوعًا مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ شِفَاءُ الْغَلِيلِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ وُجُودَ الْمُخَاطِبِ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْكَلَامِ الْحِسِّيِّ، وَأَمَّا النَّفْسِيُّ فَيَكْفِيه وُجُودُ الْعَقْلِيِّ اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِدَعْوَى التَّنْزِيلِ وَلَكِنَّ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ دَعْوَى تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ الْحَقُّ أَنَّ نَفْسَ الطَّلَبِ مِنْ الْمَعْدُومِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ الْإِتْيَانَ بِهِ حَالَ الْوُجُودِ مَحَلُّ إشْكَالٍ إذْ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَهُوَ غَيْرُ فَاهِمٍ الْخِطَابَ فَلَا بُدَّ لِلطَّلَبِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْإِتْيَانَ حَالَ الْوُجُودِ مِنْ فَهْمِ الْخِطَابِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ) هَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ الْقَطَّانِ أَحَدِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ. وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ الْقَلَانِسِيَّ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ يَقُولُ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَإِنَّمَا نُثْبِتُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُخَاطِبِينَ كَمَا يَتَّصِفُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا فِيمَا لَا يَزَالُ وَإِيضَاحُ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ هُوَ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ وَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَخَاصِّيَّتِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْنُ الْكَلَامِ أَمْرًا مِنْ حَقِيقَتِهِ النَّفْسِيَّةِ وَصِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَالْحَقَائِقُ يَسْتَحِيلُ تَجَدُّدُهَا وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ كَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا حُكْمٌ حَقِيقَةً رَاجِعٌ إلَى ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى بِكَوْنِهِ خَالِقًا وُقُوعُ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ. وَنَقُولُ لِأَبِي الْعَبَّاسِ أَيْضًا قَدْ أَثْبَتَّ كَلَامًا خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ قَطْعًا فَلَئِنْ جَازَ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْأَزَلِيَّةَ لَيْسَتْ كَلَامًا أَزَلًا ثُمَّ يَسْتَجِدُّ كَوْنُهَا كَلَامًا فِيمَا لَا يَزَالُ فَقَدْ لَاحَ سُقُوطُ مَذْهَبِهِ اهـ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَرُدُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ إلَخْ) زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهَا فَيَتِمُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ إلَخْ الْأَقْسَامِ) وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ هُوَ فِي الْأَصْلِ

لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهَا فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَكُونُ الْأَنْوَاعُ حَادِثَةً مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَالْأَصَحُّ تَنَوُّعُهُ فِي الْأَزَلِ إلَيْهَا بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ حُدُوثِ الْأَنْوَاعِ مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا يَلْزَمُهُ مُحَالٌ مِنْ وُجُودِ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ أَنْوَاعِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَبَرٌ وَتَرْجِعُ الْبَوَاقِي إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ إخْبَارٌ بِاسْتِحْقَاقِ فَاعِلِهِ الثَّوَابَ وَتَارِكِهِ الْعِقَابَ وَالنَّهْيُ بِالْعَكْسِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَازِمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا حَقِيقَتَهُمَا. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ إلَخْ) أَيْ وَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ انْعِدَامَ التَّعَلُّقِ وَإِذَا انْعَدَمَ فَلَا أَمْرَ وَلَا نَهْيَ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ الْحَادِثُ فَانْدَفَعَ بَحْثُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْعِدَامِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ انْعِدَامُ التَّعَلُّقِ لِوُجُودِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ الصُّلُوحِيُّ الْقَدِيمُ وَإِنْ أَرَادَ لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ التَّنَوُّعِ لِثُبُوتِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَا يَرَى التَّنَوُّعَ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ الْحَادِثِ وَلَا يَرَى التَّعَلُّقَ الْمَعْنَوِيَّ بِالْمَعْدُومِ فِي الْأَزَلِ اهـ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِوُجُودِهِ بَعْدَ الْبِعْثَةِ مُتَّصِفًا بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ. (قَوْلُهُ: مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ) وَهُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ تَنَوُّعُهُ إلَخْ) هَذَا الْأَصَحُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ وَالضَّعِيفُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ قِيلَ لَا يُسَمَّى خِطَابًا ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُودُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْأَزَلِ وَوُجُودُهَا فِيهِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ فِي ضِمْنِهَا فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَمَا هُنَا بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَرَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحُكْمِ مُجَرَّدُ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَدْ يُسْأَلُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا لَا حُكْمَ لِلْعُقَلَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْأَزَلَ قَبْلَ وُرُودِ الرُّسُلِ بِالضَّرُورَةِ. وَقَدْ نَفَيْنَا الْأَحْكَامَ قَبْلَ وُرُودِهِمْ ثَمَّ وَأَثْبَتْنَاهَا هَاهُنَا فِي الْأَزَلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ أَنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ لَا بِمَا قَبْلَهَا فَالْمَنْعُ هُنَاكَ تَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ لَا ذَوَاتِهَا وَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ هَاهُنَا فِي الْأَزَلِ ذَوَاتُهَا فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْكَامِلَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ دَفْعَ تَمَسُّكِ الْمُخَالِفِ بِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّهُ يَكْفِي تَقْدِيرُ وُجُودِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ إنَّ كَلَامَ الْجُمْهُورِ مُتَرَدِّدٌ فِي مَعْنَى خِطَابِ الْمَعْدُومِ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ فِي الْأَزَلِ بِأَنْ يَمْتَثِلَ وَيَأْتِيَ بِالْفِعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُجُودِ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ فِي الْأَزَلِ لَكِنْ لَمَّا اسْتَمَرَّ الْأَمْرُ الْأَزَلِيُّ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ صَارَ بَعْدَ الْوُجُودِ مَأْمُورًا اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ وُجُودِ الْجِنْسِ بِدُونِ أَنْوَاعِهِ) ضَرُورَةَ أَنَّ الْجِنْسَ قَدِيمٌ وَالْأَنْوَاعَ حَادِثَةٌ، وَالْحَادِثُ مُفَارِقٌ لِلْقَدِيمِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرَادَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْجِنْسَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ أَنْوَاعِهِ حَقِيقِيًّا كَانَ أَوْ اعْتِبَارِيًّا وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِدَفْعِ هَذِهِ بِقَوْلِهِ أَيْ عَوَارِضُ إلَخْ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْوَاعِ الصِّفَاتُ وَحِينَئِذٍ فَلَا جِنْسَ فِي الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَرِدَ الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ بَلْ الْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَقْبَلُ

أَيْ عَوَارِضُ لَهُ يَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْهَا تَحْدُثُ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ كَمَا أَنَّ تَنَوُّعَهُ إلَيْهَا عَلَى الثَّانِي بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ صِفَةً وَاحِدَةً كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ فَمِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ فِي الْأَزَلِ أَوْ فِيمَا لَا يَزَالُ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ لِفِعْلِهِ يُسَمَّى أَمْرًا أَوْ لِتَرْكِهِ يُسَمَّى نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعَدُّدَ فِي نَفْسِهَا وَلَا مَحَلَّ لِاعْتِرَاضِ سم بِأَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا الْجَوَابِ لَا يُخَلِّصُ مِنْ الْإِشْكَالِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ الْكَلَامَ جِنْسٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيمَ وُجُودِ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا مَعَ أَنَّ وُجُودَهُ كَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَوَارِضُ لَهُ) يَعْنِي أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَالتَّعْلِيقُ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ فَيَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْهُ ثُمَّ يَتَكَثَّرُ إذَا حَدَثَ التَّعْلِيقُ تَكْثِيرًا اعْتِبَارِيًّا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ التَّعَلُّقَاتِ فَهِيَ أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لِلْكَلَامِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ. وَقَالَ النَّاصِرُ إنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لِلتَّعَلُّقِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ الْكَلَامِ فَهُوَ عَارِضٌ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ خُلُوِّهِ عَنْهُ فِي الْأَزَلِ وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ لِهَذَا التَّعَلُّقِ فَتَكُونُ هِيَ أَيْضًا اعْتِبَارِيَّةً عَارِضَةً لِلْكَلَامِ كَجِنْسِهَا الَّذِي هُوَ التَّعَلُّقُ وَقَالَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لِلْكَلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ عَوَارِضُ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّوْعَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجِنْسِ لَا عَارِضَ لَهُ. اهـ. وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ النَّوْعَ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْجِنْسِ هُوَ النَّوْعُ الْحَقِيقِيُّ لَا الِاعْتِبَارِيُّ أَيْ الْعَارِضُ اهـ. وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّ النَّوْعَ مُطْلَقًا يُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهِ الْجِنْسُ وَالْفَصْلُ حَقِيقِيًّا كَانَ أَوْ اعْتِبَارِيًّا وَقَدْ اعْتَرَفَ هُوَ بِذَلِكَ وَكَلَامُ النَّاصِرِ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَهُ اصْطِلَاحُ الْقَوْمِ وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَبَعْدَ أَنْ سَمِعْت أَنْ لَا جِنْسَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا نَوْعَ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ وَقَعَ التَّسَمُّحُ بِذِكْرِهِمَا تَعْلِيمًا وَتَقْرِيبًا عَلِمْت اضْمِحْلَالَ جَمِيعِ مَا أَوْرَدَ هُنَا وَهَلْ يُعْقَلُ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ كَوْنُهَا جِنْسًا أَوْ نَوْعًا سَوَاءٌ جَرَيْنَا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ أَوْ أَرْبَابِ اللُّغَةِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُمَا كُلِّيٌّ وَلَا شَيْءَ مِنْ الصِّفَةِ مَفْهُومُهُ كُلِّيٌّ وَأَيْضًا النَّوْعُ مَفْهُومُهُ مُرَكَّبٌ وَيَسْتَحِيلُ التَّرْكِيبُ فِي الصِّفَةِ. (قَوْلُهُ: تَحْدُثُ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ) أَيْ تَتَجَدَّدُ أَيْ يَتَجَدَّدُ اعْتِبَارُهَا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الْمُعْتَبَرِ وَهَذَا التَّعْبِيرُ شَائِعٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ الْأُولَى تَتَجَدَّدُ بَلْ تَحْدُثُ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا تُوصَفُ بِالْحُدُوثِ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَلَكِنْ لَمَّا شُغِفَ الشَّيْخُ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّارِحِ لَمْ يَتْرُكْ شَارِدَةً وَلَا وَارِدَةً وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحَقِّقِينَ الْعِنَايَةُ بِهَا (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ تَنَوُّعَهُ إلَخْ) فَهِيَ أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّهَا عَلَى الْأَصَحِّ أُمُورٌ لَازِمَةٌ غَيْرُ مُفَارِقَةٍ بِخِلَافِهَا عَلَى الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) تَأْكِيدٌ لِمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ كَمَا. (قَوْلُهُ: فِي الْأَزَلِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ أَوْ فِيمَا لَا يَزَالُ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: بِشَيْءٍ)

وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَعَلِّقَتَيْنِ بِالْمَدْلُولِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى النَّظَرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لِاسْتِتْبَاعِهِ مَا يَطُولُ. (وَالنَّظَرُ الْفِكْرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَالْفِعْلُ الْمُضَافُ لِضَمِيرِهِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَلَا إشْكَالَ فِي إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى ضَمِيرِ الْفِعْلِ بِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَسْأَلَةَ تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ خِطَابًا وَمَسْأَلَةَ تَنَوُّعِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا سَمِعْت وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِالْمَدْلُولِ فَذِكْرُهُمَا بَعْدَ الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَصْلٌ إلَّا أَنَّ النَّظَرَ مُتَعَلِّقٌ بِالدَّلِيلِ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ مَبَاحِثِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُمَا عَنْ مَبَاحِثِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ تَأْخِيرُ الْمَدْلُولِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَنْ الدَّلِيلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. (قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقَتَيْنِ بِالْمَدْلُولِ) إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِهِمَا هُنَا وَكَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ تَقْدِيمَهَا عَلَى الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ وَهُوَ الْحُكْمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ تَقْدِيمَهُمَا بِمُقْتَضَى تَوْجِيهِ الْمَذْكُورِ عَلَى الدَّلِيلِ هُوَ الْأَصْلُ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُوَجِّهَ تَأْخِيرَهُمَا عَنْ الدَّلِيلِ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْخَبَرِيُّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَوْ غَيْرَهُ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ إنَّمَا تَعَلَّقَتَا بِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمَدْلُولِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَلَهُ اعْتِبَارَاتٌ عَدِيدَةٌ وَأَبْحَاثٌ كَثِيرَةٌ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ إنَّمَا تَعَلَّقَتَا بِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ مَبَاحِثِهِ وَهُوَ الْخِطَابُ وَالتَّنَوُّعُ لَا بِاعْتِبَارِ كُلِّهَا وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِتْبَاعِهِ مَا يَطُولُ) أَيْ لِاسْتِتْبَاعِ النَّظَرِ مَا يَطُولُ مِنْ تَقْسِيمِ الْإِدْرَاكِ إلَى تَصَوُّرٍ وَتَصْدِيقٍ ثُمَّ التَّصْدِيقِ إلَى عِلْمٍ وَظَنٍّ وَاعْتِقَادٍ وَوَهْمٍ وَشَكٍّ وَالْكَلَامُ فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالسَّهْوِ (قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ الْفِكْرُ) قِيلَ إنَّهُ مُرَادِفٌ لَهُ وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْفِكْرَ مَجْمُوعُ الْحَرَكَتَيْنِ أَيْ عِنْدَ

أَيْ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ بِخِلَافِ حَرَكَتِهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَقَدِّمِينَ أَوْ التَّرْتِيبُ اللَّازِمُ لَهُمَا أَيْ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالنَّظَرُ مُلَاحَظَةُ الْمَعْقُولَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي ضِمْنِ الْحَرَكَتَيْنِ أَوْ التَّرْتِيبِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ نَاقِلِهِ الْمُحَصِّلُ أَنَّهُمَا كَالْمُتَرَادَفِينَ. (قَوْلُهُ: أَيْ حَرَكَةُ النَّفْسِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ أَوْ أَرَادَ جِنْسَ الْحَرَكَةِ الصَّادِقَةِ بِالْمُتَعَدِّدِ وَإِلَّا فَالنَّفْسُ فِي النَّظَرِ لَهَا ثَلَاثُ حَرَكَاتٍ حَرَكَةٌ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَى الْمَبَادِئِ وَحَرَكَةٌ فِي تَرْتِيبِ الْمَبَادِئِ وَحَرَكَةٌ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَبَادِئِ إلَى الْمَطَالِبِ هَكَذَا قِيلَ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرِيٌّ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَيْسَ ثَمَّ إلَّا حَرَكَتَانِ مَبْدَأُ الْأُولَى مِنْهُمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمَشْعُورُ بِهِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ النَّاقِصِ وَمُنْتَهَاهَا آخِرُ مَا يَحْصُلُ مِنْ تِلْكَ الْمَبَادِئِ وَمَبْدَأُ الثَّانِيَةِ أَوَّلُ مَا يُوضَعُ مِنْ التَّرْتِيبِ وَمُنْتَهَاهَا الْمَشْعُورُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَالْحَرَكَةُ الْأُولَى لِتَحْصِيلِ مَادَّةِ الْفِكْرِ وَالثَّانِيَةُ لِتَحْصِيلِ صُورَتِهِ أَعْنِي التَّرْتِيبَ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْحَرَكَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِعَةِ فِي مَقُولَةِ الْكَيْفِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَدِّلَ عِنْدَ الْحَرَكَتَيْنِ كَيْفِيَّاتُ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ صُوَرُ الْمَعْلُومَاتِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجَوُّزِ كَإِطْلَاقِ الْكَيْفِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هُنَاكَ تَبَدُّلُ الْكَيْفِيَّاتِ حَقِيقَةً ثُمَّ الْمُرَادُ حَرَكَةُ النَّفْسِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ فَيَخْرُجُ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِقَصْدِ النَّفْسِ وَاخْتِيَارِهَا بَلْ لِيُنْسَخَ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ. ثُمَّ إنَّ الْفِكْرَ الَّذِي يُقَابِلُهُ التَّخَيُّلُ هُوَ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ أَيَّ حَرَكَةٍ كَانَتْ قَالَ الْمُبِيدِيُّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ وَقَدْ يُطْلَقُ الْفِكْرُ عَلَى حَرَكَةِ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ أَيَّ حَرَكَةٍ كَانَتْ وَيُقَابِلُهُ التَّخَيُّلُ وَهُوَ حَرَكَتُهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْخَبِيصِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيَّ عَرَّفَ النَّظَرَ بِقَوْلِهِ الْفِكْرُ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ فَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ إنَّ الْفِكْرَ لَمْ يُذْكَرْ جِنْسًا لِلنَّظَرِ بَلْ لِبَيَانِ مُرَادَفَتِهِ لَهُ وَإِنَّ مَا بَعْدَهُمَا تَعْرِيفٌ لَهُمَا أَوْ لِلنَّظَرِ وَيُعْرَفُ مِنْهُ تَعْرِيفُ الْفِكْرِ وَاسْتُبْعِدَ كَلَامُ الْآمِدِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ فِي التَّعْرِيفَاتِ مَعَ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى حَمْلِ كَلَامِ الْقَاضِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ انْتِقَاضَهُ بِالْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ وَسَائِرِ آلَاتِ الْإِدْرَاكِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ بَاءِ السَّبَبِيَّةِ السَّبَبِيَّةُ الْقَرِيبَةُ فَإِنْ أَخَذَ الْفِكْرَ جِنْسًا فِي التَّعْرِيفِ فَلَا نَقْضَ لِعَدَمِ صِدْقِهِ حِينَئِذٍ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْفِكْرَ حَرَكَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِحَرَكَةٍ، الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَحَا هَذَا الْمَنْحَى حَيْثُ قَالَ فَخَرَجَ الْفِكْرُ غَيْرُ الْمُؤَدِّي إلَخْ فَفِيهِ إيمَاءٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْآمِدِيِّ فِي حَمْلِهِ عِبَارَةَ الْقَاضِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَتَخَلُّصَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمُورَدِ، هَذَا مُحَصِّلُ مَا أَطَالَ بِهِ سم. وَأَمَّا جَعْلُهُ الدَّلِيلَ نَفْسَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَوَارِدِ النَّقْضِ فَلَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِ النَّظَرِ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الشَّارِحَ وَإِنْ تَخَلَّصَ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى الْآمِدِيِّ لِجَعْلِهِ الْفِكْرَ جِنْسًا يَرِدُ عَلَيْهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَتَبَ وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْفِكْرُ مُرَادِفًا لِلنَّظَرِ أَوْ كَالْمُرَادِفِ لَهُ عَلَى مَا سَبَقَ كَيْفَ يُجْعَلُ جِنْسًا صَادِقًا عَلَى النَّظَرِ وَغَيْرِهِ الْمُقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ فَإِنَّ شَأْنَ الْجِنْسِ الْوَاقِعِ فِي التَّعْرِيفِ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْمُعَرَّفِ كَتَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ بِالْحَيَوَانِ وَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ الْفَصْلِ، وَالْمُرَادِفُ لَا يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ مُرَادِفِهِ، نَعَمْ قَدْ يَقَعُ فِي الرُّسُومِ النَّاقِصَةِ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ مُسَاوِيًا لِلْمُعَرَّفِ كَتَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ بِالضَّاحِكِ بِالْقُوَّةِ مَثَلًا وَلَيْسَ الضَّاحِكُ مُرَادِفًا لِلْإِنْسَانِ بَلْ لَازِمٌ لَهُ وَلَمْ يُعْهَدْ فِي كَلَامِ الْقَوْمِ جَعْلُ الْمُرَادِفِ جِنْسًا فَلَعَلَّ الْآمِدِيَّ ارْتَكَبَ مَا ذَكَرَهُ فِرَارًا مِنْ هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّظَرُ الدَّقِيقُ بِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ

فَتُسَمَّى تَخْيِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَازِمٌ لِعِبَارَةِ الْقَاضِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَيُسَمَّى تَخْيِيلًا) فِي الْآيَاتِ نَقْلًا عَنْ النَّاصِرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ بِالْمَعْقُولَاتِ مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ ابْتِدَاءً بِلَا وَاسِطَةٍ خَرَجَ عَنْهَا الْوَهْمِيَّاتُ وَالْخَيَالِيَّاتُ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّ النَّظَرِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِذَاتِهِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ فَيَشْمَلُ الْوَهْمِيَّاتِ وَالْخَيَالِيَّاتِ فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ حَرَكَتِهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ فَيُسَمَّى تَخْيِيلًا لَا فِكْرًا مُشْكِلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ذَاهِبٌ مَعَ الْأَقْدَمِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَصْلًا وَإِنَّمَا تُدْرِكُهَا الْحَوَاسُّ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْضًا لَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْحَوَاسِّ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى حَرَكَتُهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ فِكْرًا أَيْضًا اهـ. أَقُولُ: نَخْتَارُ الْأَوَّلَ وَلَا إشْكَالَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَرَكَةِ النَّفْسِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مُطَالَعَتُهَا إيَّاهَا وَمُشَاهَدَتُهَا مِنْ قُوَاهَا الْبَاطِنَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ فِي الْمَعْقُولَاتِ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَقَعُ فِيهَا إيصَالٌ وَلَا تَرْتِيبٌ فَإِنَّ تَحْصِيلَ الْمَطَالِبِ إنَّمَا هُوَ بِالْكُلِّيَّاتِ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ إنَّ الْجُزْئِيَّاتِ إنَّمَا تُدْرَكُ بِالْإِحْسَاسَاتِ إمَّا بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ وَلَيْسَ الْإِحْسَاسُ مِمَّا يُؤَدِّي بِالنَّظَرِ إلَى إحْسَاسٍ آخَرَ بِأَنْ يُحَسَّ بِمَحْسُوسَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَتُرَتَّبُ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى الْإِحْسَاسِ بِمَحْسُوسٍ آخَرَ بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ الْمَحْسُوسِ الْآخَرِ مِنْ إحْسَاسٍ ابْتِدَاءً وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ يُرَاجِعُ وُجْدَانَهُ وَكَذَلِكَ لَيْسَ تَرْتِيبُ الْمَحْسُوسَاتِ مُؤَدِّيًا إلَى إدْرَاكٍ كُلِّيٍّ وَذَلِكَ أَظْهَرُ فَالْجُزْئِيَّاتُ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ نَظَرٌ وَفِكْرٌ أَصْلًا وَلَا هِيَ مِمَّا يَحْصُلُ بِنَظَرٍ وَفِكْرٍ فَلَيْسَتْ كَاسِبَةً وَلَا مُكْتَسَبَةً اهـ. وَعَلَّلَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِيهِ بِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَقْلِيَّةَ لِكَوْنِهَا مُنْتَزَعَةً مِنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ حُذِفَ مِنْهُ الْمُشَخَّصَاتُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ بَعْضٍ مِنْهَا مِرْآةً لِمُشَاهَدَةِ بَعْضٍ آخَرَ لِتَصَادُقٍ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ فَإِنَّهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ الْجُزْئِيَّةُ لِوَاحِدٍ مِنْهَا مِرْآةً لِمُشَاهَدَةِ مَحْسُوسٍ آخَرَ بَلْ تَحْتَاجُ إلَى إحْسَاسٍ آخَرَ نَعَمْ إحْسَاسُ الْمَحْسُوسِ مُوجِبٌ لِلتَّخَيُّلِ وَالتَّوَهُّمِ أَيْ بِحُصُولِ صُورَةٍ فِي خَيَالٍ وَحُصُولِ صُورَةٍ جُزْئِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِذَلِكَ وَالْمَحْسُوسُ فِي الْوَهْمِ وَلَيْسَ هَذَا تَحْصِيلًا بِالنَّظَرِ بَلْ إيجَابُ إحْسَاسٍ لِإِحْسَاسٍ آخَرَ اهـ. وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ الْمَوْلَى عَلِيٌّ الْهِنْدِيُّ إنَّ الْمَحْسُوسَاتِ هَلْ تَقَعُ مُقَدِّمَاتٍ بُرْهَانِيَّةً أَوْ لَا قَالُوا لَا تَقَعُ؛ لِأَنَّهَا عُلُومٌ جُزْئِيَّةٌ زَائِلَةٌ بِزَوَالِ الْحِسِّ فَلَا تُفِيدُ تَصْدِيقًا جَازِمًا ثَابِتًا نَعَمْ لِلْعَقْلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَحْسُوسَاتِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْحِسِّ وَيْحَكُمْ عَلَيْهِ حُكْمًا كَحُكْمِ الْحِسِّ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ الْمَحْسُوسَةِ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذَا الْحُكْمُ يَقَعُ مُقَدِّمَةً فِي الْبُرْهَانِ وَلِلْحِسِّ دَخْلٌ مَا اهـ. فَظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: مَعْنَى التَّخْيِيلِ وَالتَّوَهُّمِ الثَّانِي أَنَّ الْإِحْسَاسَاتِ لَا تُعَدُّ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِيهَا فِكْرًا، وَأَمَّا جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ إلَخْ فَلَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْقَوْمِ كَيْفَ وَالنَّفْسُ حَاكِمَةٌ لَا بُدَّ أَنْ تُدْرِكَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْمُدْرِكَةَ لَهَا مُنْتَزَعَةٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ تُلَاحِظَ تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ أَوَّلًا حَتَّى لَا تَنْتَزِعَ مِنْهَا الْكُلِّيَّاتِ أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَّاهُ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا لَا تُدْرِكُ الْجُزْئِيَّاتِ أَصْلًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَعَاجِمِ هَلْ تُدْرِكُ النَّفْسُ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمَعْقُولَاتِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُرْسَمُ فِيهَا وَهُوَ قَوْلٌ وَاهٍ أَوْ الْكُلِّيَّاتُ تُرْسَمُ فِيهَا وَالْمَحْسُوسَاتُ فِي قُوَاهَا وَهُوَ الْقَوِيُّ عِنْدَهُمْ لَا أَنَّهَا

(الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ) بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُ النَّاصِرِ مُقَابَلَةُ الْفِكْرِ بِالتَّخَيُّلِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي فَنِّ الْحِكْمَةِ وَالْكَلَامِ إنَّ مِنْ الْقُوَى الْبَاطِنَةِ إلَخْ فَكَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ لَا مَدْخَلَ لَهُ هَاهُنَا أَصْلًا وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذِكْرِهِ صِنَاعَةَ الِاسْتِغْرَابِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ بِهَذِهِ الْفُنُونِ إحَاطَةٌ مِنْ الطُّلَّابِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْكَلَنْبَوِيِّ عَلَى حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ لِلْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْقُولِ فِي تَعْرِيفِ النَّظَرِ هُوَ الْمَعْقُولُ الصِّرْفُ الْمُقَابِلُ لِلْمَحْسُوسِ أَيْ مَا حَصَلَ صُورَتُهُ فِي إحْدَى الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ. وَالْمُخَيَّلُ أَيْ مَا حَصَلَ صُورَتُهُ فِي الْخَيَالِ الَّتِي هِيَ خِزَانَةُ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَوْهُومُ أَيْ الَّذِي أَدْرَكَتْهُ الْقُوَّةُ الْوَاهِمَةُ وَأَلْقَتْهُ فِي خِزَانَتِهَا الَّتِي هِيَ الْحَافِظَةُ، وَتَوَجَّهَ النَّفْسَ إلَى الْمَحْسُوسِ وَالْمُخَيَّلِ إحْضَارُ صُورَتِهِمَا إلَى الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَتَوَجُّهِهَا إلَى الْمَوْهُومِ إحْضَارُ صُورَتِهِ مِنْ الْحَافِظَةِ إلَى الْوَاهِمَةِ فَصُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ إنْ أُحْضِرَتْ إلَى الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ مِنْ قِبَلِ الْحَوَاسِّ كَانَ ذَلِكَ الْإِحْضَارُ تَوَجُّهًا إلَى الْمَحْسُوسِ وَإِنْ أُحْضِرَتْ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْخَيَالِ كَانَ ذَلِكَ الْإِحْضَارُ تَوَجُّهًا إلَى الْمُخَيَّلِ وَكِلَا الْإِحْضَارَيْنِ يُسَمَّى تَخْيِيلًا وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الشَّرِيفِ الْجُرْجَانِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْمُخْتَصَرِ الْعَضُدِيِّ إنَّ حَرَكَةَ النَّفْسِ فِي صُوَرِ الْمَحْسُوسَاتِ يُسَمَّى تَخْيِيلًا اهـ. وَهَذَا تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ يَتَّضِحُ لَك بِهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ اضْطَرَبَتْ أَفْهَامُهُمْ هُنَا وَسُبْحَانَ الْمُلْهِمِ الْمُنْعِمِ وَلِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ حِكْمَةِ الْعَيْنِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ يَنْفَعُك فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْجُزْئِيَّ الْمَادِّيَّ كَالْجِسْمِ وَالْجُسْمَانِيُّ أَوَّلُ إدْرَاكٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ هُوَ الْإِحْسَاسُ مُكْتَنِفًا بِالْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ وَالْغَوَاشِي الْغَرِيبَةِ مَعَ حُضُورِ الْمَادَّةِ ثُمَّ التَّخَيُّلُ مَعَ غَيْبَتِهِ، فَفِيهِ تَجْرِيدٌ مَا ثُمَّ النَّفْسُ بِالْقُوَّةِ الْوَهْمِيَّةِ تَنْتَزِعُ مِنْهُ مَعْنًى جُزْئِيًّا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْرَكَ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَبِالْقُوَّةِ الْمُتَصَرِّفَةِ تَنْتَزِعُ مِنْهُ أَمْرًا كُلِّيًّا يَصِيرُ مَعْقُولًا فَالْمَحْسُوسُ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْقُولًا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ أَوَّلُهَا الْإِحْسَاسُ بِهِ ثُمَّ التَّخَيُّلُ ثُمَّ الْعَقْلُ. وَأَمَّا التَّوَهُّمُ فَإِنَّمَا هُوَ مُعَدٌّ لِلْإِحْسَاسِ وَحْدَهُ أَوْ بَعْدَ التَّخَيُّلِ أَيْضًا لَكِنَّ مُدْرِكَهُ شَيْءٌ آخَرُ فَالتَّرْتِيبُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الثُّلَاثِيِّ فَهَذِهِ هِيَ مَرَاتِبُ الْإِدْرَاكَاتِ. وَأَمَّا الْجُزْئِيُّ الْمُجَرَّدُ فَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ بَلْ بِالنَّفْسِ فَلَا مَانِعَ فِيهِ مِنْ التَّعْلِيقِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُجَرَّدَاتِ كُلِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جُزْئِيَّةً مَعْقُولَةٌ. وَأَمَّا الْمَادِّيَّاتُ فَإِنْ كَانَتْ كُلِّيَّةً فَكَذَلِكَ لَكِنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّجْرِيدِ عَنْ الْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّعَلُّقِ كَالْوَضْعِ وَالْمِقْدَارِ الْمَخْصُوصِ وَإِنْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ صُوَرًا فَبِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَانِيَ فَبِالْوَهْمِ التَّابِعِ لِلْحِسِّ الظَّاهِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ) قَالَ فِي الْآيَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ قَدْ يُؤَدِّي إلَيْهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ النَّاشِئَ عَنْ النَّظَرِ لَا يَخْلُو عَنْ كَوْنِهِ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا إذْ الِاصْطِلَاحُ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ نَاشِئًا عَنْ دَلِيلٍ مِنْ الْأَمْرِ الْمَجْزُومِ بِهِ يُسَمَّى اعْتِقَادًا كَاعْتِقَادَاتِ الْمُقَلِّدِينَ فِي الْعَقَائِدِ ثُمَّ إنَّ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ فَجَازَ دُخُولُهَا فِي التَّعْرِيفِ. (قَوْلُهُ: بِمَطْلُوبٍ) لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَيْ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِيهِمَا وَلَا مَعْمُولًا لَهُمَا لِلُزُومِ تَوَارُدِ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّا نَخْتَارُ الْأَوَّلَ وَنَقُولُ إنَّهُ حَذَفَ نَظِيرَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ نُقَدِّرُ ذَلِكَ فِيهَا أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ تَقْيِيدُ الْمَطْلُوبِ بِالْخَبَرِ جَارٍ فِيهِمَا أَيْ فِي الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَقَوْلُهُ فِي الْعِلْمِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ تَقْيِيدُ الْمَطْلُوبِ بِالتَّصَوُّرِيِّ جَارٍ فِي الْعِلْمِ دُونَ الظَّنِّ إذْ الظَّنُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَطْلُوبِ التَّصَوُّرِيِّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَصَوُّرِيٍّ فِي الْعِلْمِ) فَالتَّصَوُّرَاتُ لَا تَكُونُ إلَّا عِلْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُطَابِقَةً

فَخَرَجَ الْفِكْرُ غَيْرُ الْمُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ كَأَكْثَرِ حَدِيثِ النَّفْسِ فَلَا يُسَمَّى نَظَرًا وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ النَّظَرَ الصَّحِيحَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ وَالْفَاسِدَ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوَاقِعِ وَلَا يَقَعُ فِيهَا الْخَطَأُ كَالتَّصْدِيقَاتِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ يَقَعُ فِيهَا الْخَطَأُ كَمَا إذَا رَأَيْنَا حَجَرًا مِنْ بَعِيدٍ فَحَصَلَ مِنْهُ صُورَةُ إنْسَانٍ فَهَذَا التَّصَوُّرُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ فَيَكُونُ خَطَأً فَجَوَابُهُ أَنَّ الْخَطَأَ هُنَا وَقَعَ فِي تَصْدِيقٍ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ الْإِنْسَانِ وَتَصَوُّرُ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ لَا خَطَأَ فِيهِ فَالصُّورَةُ التَّصْدِيقِيَّةُ قَدْ لَا تَكُونُ مُطَابِقَةً لِلْوَاقِعِ كَمَا قَرَّرَنَا. وَقَدْ تَكُونُ كَمَا إذَا حَصَلَ مِنْ صُورَةِ الْحَجَرِيَّةِ فِي الذِّهْنِ وَحَكَمْنَا بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لِذَلِكَ الْمَرْئِيِّ كَانَ كُلٌّ مِنْ الصُّوَرِ التَّصَوُّرِيَّةِ والتصديقية مُطَابِقًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةَ أَنَّ كِلَا الْمَعْلُومَيْنِ وَاقِعٌ فِيهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّورَةَ التَّصْدِيقِيَّةَ تَتَّصِفُ بِالْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالصُّورَةُ التَّصَوُّرِيَّةُ دَائِمًا تَتَّصِفُ بِمُطَابَقَتِهَا، لَهُ قَالَ الْخَيَالِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْوَجْهِ وَالْعِلْمِ بِالشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ. اهـ. وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَخُصُّنَا هُنَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الْفِكْرُ غَيْرُ الْمُؤَدِّي) تَعْرِيضٌ بِالْآمِدِيِّ حَيْثُ فَهِمَ أَنَّ الْفِكْرَ مُرَادِفٌ لِلنَّظَرِ عَلَى مَا سَبَقَ شَرْحُهُ. (قَوْلُهُ: الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ) مُقَابَلَةُ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادِيَّ اهـ. سم. وَفِيهِ مَا قَدْ سَمِعْت (قَوْلُهُ وَالْفَاسِدَ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّأْدِيَةَ هِيَ الْإِيصَالُ لُغَةً وَعُرْفًا وَالتَّوَصُّلُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِصَحِيحِ النَّظَرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا إلَى الْمَطْلُوبِ فَالتَّأْدِيَةُ مِثْلُهُ فَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤَدِّي يُخْرِجُ الْفَاسِدَ قَطْعًا إفَادَةُ النَّاصِرِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ كَالْعَضُدِ وَالسَّعْدِ وَالسَّيِّدِ وَغَيْرِهِمْ صَرَّحُوا بِشُمُولِ التَّعْرِيفِ لِلنَّظَرِ الْفَاسِدِ وَأَنَّ التَّأْدِيَةَ تَكُونُ بِهِ كَمَا تَكُونُ بِالصَّحِيحِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ لِلتَّأَدِّي وَلَمْ يَقُلْ بِحَيْثُ يُؤَدِّي لِيَشْتَمِلَ الْفِكْرَ الْفَاسِدَ مَادَّةً أَوْ صُورَةً فَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ قَوْلِ النَّاصِرِ وَقَالُوا أَيْضًا إنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِأَفْرَادِ النَّظَرِ مُطْلَقًا مِنْ ظَنِّيَّاتٍ وَجَهْلِيَّاتٍ لِوُجُوبِ شُمُولِ التَّعْرِيفِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ) أَيْ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ وَظَاهِرُهُ فِي التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ

وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ التَّأْدِيَةَ إلَّا فِيمَا يُؤَدَّى بِنَفْسِهِ. (وَالْإِدْرَاكُ) أَيْ وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ مِنْ نِسْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَيِّدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى التَّصْدِيقَاتِ إذْ التَّصَوُّرَاتُ لَا يَقَعُ فِيهَا ظَنٌّ وَلَا فَسَادٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدْ يُقَالُ كَيْفَ يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ أَيْ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْفَاسِدَ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ وَيُجَابُ بِأَنْ قِيلَ فِيهِ ذَلِكَ خَالٍ عَنْ الِاعْتِقَادِ أَوْ الظَّنِّ بِخِلَافِ مَا هُنَا ثُمَّ إنَّ تَأْدِيَةَ النَّظَرِ الْفَاسِدِ بِوَاسِطَةِ الظَّنِّ إلَى ظَنٍّ ظَاهِرٍ. وَأَمَّا تَأْدِيَتُهُ إلَى الْعِلْمِ بِوَاسِطَةِ الِاعْتِقَادِ فَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ بِالتَّشْكِيلِ وَالْحَاصِلُ بِالنَّظَرِ الْفَاسِدِ يَزُولُ بِتَبَيُّنِ فَسَادِ النَّظَرِ، وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالتَّجَوُّزِ بِإِطْلَاقِ الْعِلْمِ عَلَى الِاعْتِقَادِ الدَّاخِلِ تَحْتَ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ كَانَ مُوهِمًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَ وَاقِعٌ عَلَى الْعِلْمِ وَالظَّنِّ إذْ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الِاعْتِقَادَ الْوَاقِعَ فِي النَّظَرِ قَدْ يَكُونُ طَرِيقًا فِي الْوُقُوفِ عَلَى مُوجِبِ الْعِلْمِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ عَادَةٍ فَيَحْصُلُ لِلْعِلْمِ بِوَاسِطَةِ الِاعْتِقَادِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا فِي الْوُقُوفِ عَلَى الْمُوجِبِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ سَبَبٌ لِلْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. وَجَوَابُ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَ خُصُوصَ الظَّنِّ الشَّامِلِ لِلِاعْتِقَادِ بِقَرِينَةِ وُضُوحِ أَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ حُصُولَ الْعِلْمِ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ فَلَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُؤَدِّيَ إلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ هُوَ الْعِلْمُ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ. فِي غَايَةِ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ مَا ذَكَرَ بِلَا دَلِيلٍ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوُضُوحِ مُسَلَّمٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا يُفِيدُهُ سَوْقُ الْكَلَامِ بَلْ هُوَ مَنْشَأُ الِاعْتِرَاضِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْبَعْضِ وَهُوَ الظَّنُّ فَإِنَّهُ صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَنْ الْمُتَبَادِرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا يُؤَدِّي مُطْلَقًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ وَأَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ أَكْثَرُ مَعَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الْمُؤَدِّي بِذَاتِهِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِ الْمَنَاطِقَةِ (قَوْلُهُ: وَالْإِدْرَاكُ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ شَائِعٍ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْوُصُولُ يُقَالُ أَدْرَكَتْ الثَّمَرَةُ إذَا وَصَلَتْ وَبَلَغَتْ حَدَّ الْكَمَالِ وَلِذَلِكَ اعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِهِ التَّمَامَ وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ تَفْسِيرَ الْإِدْرَاكِ بِحُصُولِ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ أَيْ صُورَةِ الشَّيْءِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ الْعَقْلِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ مِنْ أَنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِلتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ وَلِلتَّصْدِيقِ. وَقَدْ يُقَيِّدُ بِعَدَمِ الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِالتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ كَمَا وَقَعَ هُنَا (قَوْلُهُ: بِتَمَامِهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ إدْرَاكَ الْبَسَائِطِ؛ لِأَنَّ التَّمَامَ لَا يُعْقَلُ إلَّا فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ الْكُنْهُ وَإِدْرَاكُ الْحَقِيقَةِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: مِنْ نِسْبَةٍ) أَيْ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهَا مُغَايِرَةٌ لِلْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهَا) وَهِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومُ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الشَّمْسِيَّةِ وَهِيَ الْعِلْمُ

(بِلَا حُكْمٍ) مَعَهُ مِنْ إيقَاعِ النِّسْبَةِ أَوْ انْتِزَاعِهَا (تَصَوُّرٌ) وَيُسَمَّى عِلْمًا أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَمَّا وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى لَا بِتَمَامِهِ فَيُسَمَّى شُعُورًا (وَبِحُكْمٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا تَصَوُّرٌ فَقَطْ وَإِمَّا تَصَوُّرٌ مَعَهُ حُكْمٌ فَاعْتَرَضَتْ بِأُمُورٍ مِنْهَا مَا قَالَهُ النَّاصِرُ هُنَا إنَّ قَوْلَهُ بِلَا حُكْمٍ مَعَهُ يُخْرِجُ بِهِ إدْرَاكَ النِّسْبَةِ أَوْ طَرَفَيْهَا أَوْ أَحَدَهُمَا مَعَ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ تَصَوُّرٌ فَهُوَ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَيُدْخِلُ الْحُكْمَ نَفْسَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إدْرَاكٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَصَوُّرٍ فَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ اهـ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَاشِيَةِ السَّيِّدِ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَكِيمِ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْقَيْدِ الْمُقَارَنَةُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالتَّصَوُّرُ الَّذِي يُقَارِنُهُ الْحُكْمُ أَعْنِي إيقَاعَ النِّسْبَةِ أَوْ انْتِزَاعَهَا بِلَا وَاسِطَةٍ إدْرَاكُ النِّسْبَةِ الْخَبَرِيَّةِ أَوْ مَجْمُوعِ الْإِدْرَاكَاتِ الثَّلَاثَةِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْإِدْرَاكَ الْحَاصِلَ حِينَ الْحُكْمِ إدْرَاكٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضِيَّةِ، وَالْمُقَارَنَةَ بِمَا عَدَاهَا بِالْعَرَضِ فَلَا انْتِقَاضَ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دُخُولِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ بِمَنْعِ مَبْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إدْرَاكٌ وَلَيْسَ تَصَوُّرًا بِأَنَّهُ تَصَوُّرٌ سَاذَجٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الْمَطَالِعِ وَالسَّيِّدُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَصَاحِبُ الشَّمْسِيَّةِ فِي التَّصْدِيقِ وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَهُمَا فِي ذَلِكَ وَعَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ تَصَوُّرٌ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُتَرَدَّدٌ فِيهِ هَلْ هُوَ فِعْلٌ أَوْ إدْرَاكٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِي الشَّمْسِيَّةِ وَالتَّهْذِيبِ فَالتَّصْدِيقُ إمَّا التَّصَوُّرَاتُ الثَّلَاثَةُ مَعَ الْحُكْمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ أَوْ مَجْمُوعُ التَّصَوُّرَاتِ الْأَرْبَعَةِ وَأَوْرَدَ عَلَى مَذْهَبِهِ أُمُورًا لَا تَخُصُّنَا هُنَا. (قَوْلُهُ: مَعَهُ) أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْمُقَابِلِ؛ لِأَنَّ بَاءَ قَوْلِهِ وَبِحُكْمٍ بِمَعْنَى مَعَ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ إنَّ الْمُصَنَّفِينَ اعْتَادُوا الْمُسَامَحَةَ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ صَلَاحِيَةِ عِبَارَتِهِمْ لِحَمْلِهَا عَلَى الْمُرَادِ اعْتِذَارًا عَنْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: مِنْ إيقَاعِ النِّسْبَةِ) بَيَانٌ لِلْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ. (قَوْلُهُ: تَصَوُّرٌ) أَيْ تَصَوُّرٌ سَاذَجٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ لِلتَّصْدِيقِ. (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَوْ تَصَوُّرِيٍّ فِي الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: فَيُسَمَّى شُعُورًا) هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لِبَعْضِهِمْ وَلَا تُوَافِقُ اصْطِلَاحَ الْمَنَاطِقَةِ فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ عِنْدَهُمْ يَشْمَلُ مَا بِالْكُنْهِ وَمَا بِالْوَجْهِ فَلَوْ حُمِلَ الْوُصُولُ إلَى تَمَامِ الْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ خَرَجَ الثَّانِي فَلَوْ. أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ قَيْدَ التَّمَامِ لِبَيَانِ كَمَالِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْكَمَالُ لِلْإِيضَاحِ لَا لِلِاحْتِرَازِ لَوَافَقَ اصْطِلَاحَ الْجُمْهُورِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا أَنَّ أَوَّلَ مَرَاتِبِ وُصُولِ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى شُعُورٌ فَإِذَا حَصَلَ وُقُوفُ النَّفْسِ عَلَى تَمَامِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَتَصَوُّرٌ فَإِذَا بَقِيَ بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ اسْتِرْجَاعَهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ أَمْكَنَ يُقَالُ لَهُ حِفْظٌ وَلِذَلِكَ الطَّلَبِ تَذَكُّرٌ وَلِذَلِكَ الْوِجْدَانِ ذِكْرٌ اهـ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الشُّعُورَ لَيْسَ تَصَوُّرًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَامِ الْمَعْنَى أَعَمُّ مِمَّا بِالْكُنْهِ وَبِغَيْرِهِ وَبِهَذَا اضْمَحَلَّتْ الشُّبَهُ

يَعْنِي وَالْإِدْرَاكُ لِلنِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا مَعَ الْحُكْمِ الْمَسْبُوقِ بِالْإِدْرَاكِ لِذَلِكَ (تَصْدِيقٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي هُنَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي وَالْإِدْرَاكُ لِلنِّسْبَةِ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ، وَالْإِدْرَاكُ بِحُكْمٍ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ إدْرَاكَ النِّسْبَةِ أَوْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا مَعَ الْحُكْمِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَصْدِيقٍ فَلَا يَطَّرِدُ فَعَدَلَ لِدَفْعِ ذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ إنْ سُلِّمَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا التَّصَوُّرَاتِ الثَّلَاثَةَ الْمَصْحُوبَةَ بِالْحُكْمِ لَا هَذِهِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْحُكْمُ كَمَا هُوَ مُرَادُهُ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ التَّصْدِيقِ عَلَى رَأْيِ أَحَدٍ اهـ. وَأَقُولُ: إنَّ فِي التَّصْدِيقِ مَذَاهِبَ مِنْهَا مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبَيْ الْحُكَمَاءِ وَالْإِمَامِ وَمِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَمَنْ تَبِعَهُ كَصَاحِبِ الْمَطَالِعِ وَصَاحِبِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ التَّصْدِيقَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِدْرَاكِ الْمُجَامِعِ لِلْحُكْمِ أَوْ الْمَعْرُوضِ لِلْحُكْمِ وَتَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ وَبِعِنَايَةِ الشَّارِحِ يَكُونُ جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: الْمَسْبُوقِ بِالْإِدْرَاكِ لِذَلِكَ) أَيْ لِلنِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا، فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَقَدُّمُ إدْرَاكِ ذَلِكَ عَلَى إدْرَاكِ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوْ لَا وُقُوعِهَا، وَأَمَّا تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَحْكُومِ بِهِ فَأَمْرٌ اسْتِحْسَانِيٌّ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ تُلَاحَظَ

كَإِدْرَاكِ الْإِنْسَانِ وَالْكَاتِبِ وَكَوْنِ الْكَاتِبِ ثَابِتًا لِلْإِنْسَانِ وَإِيقَاعِ أَنَّ الْكَاتِبَ ثَابِتٌ لِلْإِنْسَانِ أَوْ انْتِزَاعِ ذَلِكَ أَيْ نَفْيِهِ فِي التَّصْدِيقِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَاتِبٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَاتِبٍ الصَّادِقَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقِيلَ الْحُكْمُ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّاتُ أَوَّلًا ثُمَّ مَفْهُومُ الصِّفَاتِ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنِ الْكَاتِبِ إلَخْ) النِّسْبَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ ثُبُوتُ الْكِتَابَةِ لِلْإِنْسَانِ فَتَسَامَحَ الشَّارِحُ فِي التَّعْبِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِيقَاعِ) عَطْفٌ عَلَى إدْرَاكٍ وَقَوْلُهُ أَوْ انْتِزَاعِ عَطْفٌ عَلَى إيقَاعٍ وَقَوْلُهُ فِي التَّصْدِيقِ أَيْ كَائِنَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْإِدْرَاكِ إلَّا الْمَخْصُوصَ بِالتَّصْدِيقِ وَأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ أَشْرَفِ احْتِمَالِي الْخَبَرِ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ وَهُوَ الصِّدْقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ خَبَرٍ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمِلٌ الصِّدْقَ وَالْكَذِبِ فَغَلَبَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ وَسُمِّيَ مَا تَضَمَّنَّهُ الْخَبَرُ تَصْدِيقًا لَا تَكْذِيبًا فَقَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْحُكْمُ إدْرَاكُ) مُقَابِلٌ لِتَفْسِيرِهِ بِالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فِعْلٌ وَعَلَى هَذَا انْفِعَالٌ أَوْ كَيْفٌ قَالَ النَّاصِرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ

قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَالْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ وَنَحْوُهُمَا كَالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ عِبَارَاتٌ، ثُمَّ كَثِيرًا مَا يُطْلَقُ التَّصْدِيقُ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّادِرَةِ عَنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ صَالِحٌ لِمَا ذَكَرَ " وَلِأَنَّهُ الْإِدْرَاكُ " وَلِذَلِكَ تَرَى كَثِيرًا مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى إدْرَاكٍ عَرَّفَهُ بِمَا سَبَقَ وَأَشَارَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عِبَارَاتٌ اهـ. وَأَقُولُ: تَفْسِيرُهُ هُنَا بِالْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ نَقْلِ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُمْ وَغَيْرُهُمْ عَبَّرَ عَنْ الْحُكْمِ بِالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ كَالْإِمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَالشَّارِحُ بِصَدَدِ نَقْلِ الْمَذَاهِبِ مُرَاعِيًا تَعْبِيرَ أَرْبَابِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَفْسِيرُهُ الْحُكْمَ بِمَا قَالَهُ هُوَ مَا عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْمَنَاطِقَةِ فَهُوَ فِعْلُ النَّفْسِ. وَأَمَّا مُتَقَدِّمُوهُمْ فَفَسَّرُوهُ بِمَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الْحُكْمُ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ فَلَيْسَ فِعْلًا بَلْ انْفِعَالٌ اهـ. وَجَوَابُ سم بِأَنَّ مُقَابَلَةَ الشَّارِحِ كَوْنُهُ إدْرَاكًا بِكَوْنِهِ الْإِيقَاعَ وَالِانْتِزَاعَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ كَوْنُهُمَا فِعْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْأَلْيَقُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْحُكْمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي التَّصْدِيقِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحُكْمَ فِعْلٌ لَا إدْرَاكٌ اهـ. مُخَالِفٌ لِمَا اعْتَرَفَ بِهِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ الْمَطَالِعِ فِي التَّصْدِيقِ وَمَذْهَبُهُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْقُطْبُ الرَّازِيّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفْسِ هَاهُنَا يَعْنِي فِي مُسَمَّى التَّصْدِيقِ تَأْثِيرٌ وَفِعْلٌ بَلْ إذْعَانٌ وَقَبُولٌ لِلنِّسْبَةِ وَهُوَ إدْرَاكُ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ قَالَ وَالْحُكْمُ وَإِيقَاعُ النِّسْبَةِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهَا عِبَارَاتٌ وَأَلْفَاظٌ أَيْ تُوهِمُ أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ تَصَوُّرِ النِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا فِعْلٌ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ. وَعَلَى هَذَا الْمُحَقِّقُونَ كَالتَّفْتازانِيِّ وَالسَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ) عَلَّلَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَنَّا إذَا رَجَعْنَا إلَى وِجْدَانِنَا عَلِمْنَا أَنَّا بَعْدَ إدْرَاكِ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ أَوْ الِاتِّصَالِيَّةِ أَوْ الِانْفِصَالِيَّةِ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا سِوَى إدْرَاكِ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَيْ مُطَابِقَةٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ أَيْ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ. قَالَ النَّاصِرُ كَوْنُ الْحُكْمِ هُوَ الْإِدْرَاكَ يَسْتَلْزِمُ اسْتِحَالَةَ حُكْمِ النَّفْسِ بِغَيْرِ مُدْرِكِهَا فَلَا يَكُونُ فِي الْكَذِبِ عَمْدًا حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ قَالَ سم هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْعَجَائِبِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْكَذِبِ عَمْدًا حُكْمٌ بِالْمُخْبَرِ بِهِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ كَوْنِهِ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُكْمٌ بِنَقِيضِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَثَلًا وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَلَامٌ كَاذِبٌ وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْخَبَرِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ حُكْمٌ مُطْلَقًا فَتَفْرِيعُ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحَالَةِ حُكْمِ النَّفْسِ بِغَيْرِ مُدْرِكِهَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْكَذِبِ عَمْدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مِنْ لَازِمِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ وُجُودُ حُكْمٍ مُخَالِفٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ فَلَا يَكُونُ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى تَحَقُّقِ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّاكِّ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ مَعَهُ مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُطَوَّلِ. (قَوْلُهُ: عِبَارَاتٌ) أَيْ مُعَبَّرٌ بِهَا عَنْ الْإِدْرَاكِ الْمَخْصُوصِ غَيْرُ مُرَادٍ بِهَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُهَا مِنْ كَوْنِهَا أَفْعَالًا قَالَ السَّيِّدُ تَوَهَّمُوا أَنَّ الْحُكْمَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ النَّفْسِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْحُكْمِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَالْإِسْنَادِ وَالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ وَالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ وَغَيْرِهَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ إدْرَاكٌ. اهـ. قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ هَذَا الْبَيَانُ لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ إذْ لَوْ كَانَ مَنْشَأُ وَهْمِهِمْ كَوْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِحَسَبِ مَعَانِيهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ مُتَعَدِّيَةً فَالْعِلْمُ وَالتَّصَوُّرُ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَهَّمُوا كَوْنَهَا فِعْلًا وَمِثْلُ ذَلِكَ يَبْعُدُ عَنْ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْفُضَلَاءِ وَلَوْ كَانَ مَنْشَأُ الْوَهْمِ كَوْنَهَا بِحَسَبِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ دَالَّةً عَلَى مَا هُوَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ فَلِذَلِكَ أَبْعَدُ إذْ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ مَعَ الْإِعْرَاضِ

كَمَا قِيلَ إنَّ مُسَمَّاهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْمَعَانِي الِاصْطِلَاحِيَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَ وَهْمِهِمْ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي التَّصْدِيقِ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى أَثَرِ التَّصَوُّرِ وَهُوَ اطْمِئْنَانُ النَّفْسِ وَاعْتِرَافُهَا فَحَسِبُوا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الزَّائِدَ هُوَ فِعْلٌ صَادِرٌ عَنْ النَّفْسِ حَتَّى يَكُونَ التَّصَوُّرُ السَّاذَجُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنِّسْبَةِ خَالِيًا عَنْ هَذَا الْفِعْلِ فَهَذَا الْفِعْلُ أَمْرٌ زَائِدٌ مُنْضَمٌّ إلَيْهِ اهـ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ التَّحْقِيقُ عِنْدِي أَنَّ الْقَوْلَ بِفِعْلِيَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ مَبْنَاهُ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ مُكَلَّفٌ بِهِ وَمَعْنَاهُ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُكَلَّفُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا فَالتَّصْدِيقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا فَقَالُوا إنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي التَّصْدِيقِ أَعْنِي إيقَاعَ النِّسْبَةِ أَوْ انْتِزَاعَهَا وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ بِاخْتِيَارِك الصِّدْقَ إلَى الْخَبَرِ أَوْ الْمُخْبِرِ وَتَسَلُّمُهُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ وَالتَّكْلِيفُ بِاعْتِبَارِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْآمِدِيُّ إنَّ التَّكْلِيفَ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفٌ بِالنَّظَرِ الْمُوصِلِ إلَيْهِ وَهُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ. (قَوْلُهُ: مُسَمَّاهُ ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمُ وَأَنَّ الْإِدْرَاكَاتِ الثَّلَاثَةَ شُرُوطٌ لَا شُطُورٌ وَعَلَيْهِ فَالتَّصْدِيقُ بَسِيطٌ لَا مُرَكَّبٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّ تَقْسِيمَ الْعِلْمِ لِلتَّصَوُّرِ وَلِلتَّصْدِيقِ لِامْتِيَازِ كُلٍّ بِطَرِيقٍ مُوصِلٍ إلَيْهِ، فَالْمُوصِلُ إلَى التَّصْدِيقِ الْحُجَّةُ وَلِلتَّصَوُّرِ الْقَوْلُ. الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ)

فِي مَعْنَى الْحُكْمِ وَمِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ. (وَجَازِمُهُ) أَيْ جَازِمُ التَّصْدِيقِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ إذْ هُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى جَازِمٍ وَغَيْرِهِ أَيْ الْحُكْمِ الْجَازِمِ (الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ) بِأَنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَلِّقٌ بِيُطْلَقُ. (قَوْلُهُ: فِي مَعْنَى الْحُكْمِ) أَيْ هَلْ هُوَ فِعْلٌ أَوْ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ) أَيْ إطْلَاقِ التَّصْدِيقِ عَلَى الْحُكْمِ إمَّا مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ وَعِبَارَةُ النَّاصِرُ تُوهِمُ أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامًا حَيْثُ ذَكَرَ التَّصْدِيقَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ) أَيْ الْحُكْمُ لَا الْمُرَكَّبُ مِنْهُ وَمِنْ التَّصَوُّرَاتِ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا غَيْرُ الْجَزْمِ. (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَقْبَلُ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعِلْمَ كَثِيرًا مَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يُعَارِضُهُ مِنْ الشُّبَهِ وَالْأَوْهَامِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ أَصْلًا فَلَا يُسَلَّمُ وَإِنْ أَرَادَ لَا يَقْبَلُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِقُوَّتِهِ

لِمُوجِبٍ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ عَادَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِقَادَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ قَبُولِ التَّغَيُّرِ هُنَا مَعْنًى خَاصٌّ هُوَ كَوْنُهُ لِمُوجِبٍ وَمَتَى كَانَ لِمُوجِبٍ لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِخِلَافِ الِاعْتِقَادِ فَإِنَّهُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلِهَذَا قَبِلَ التَّغَيُّرَ وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ لِمُوجِبٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِمُوجِبٍ) أَيْ سَبَبٍ يَقْتَضِيه بِأَنْ يَخْلُقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهُ لِلْعَبْدِ لَا بِمَعْنَى التَّأْثِيرِ أَوْ التَّوَلُّدِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِسٍّ) وَيُسَمَّى الْحُكْمُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بِالْمُشَاهَدَاتِ إنْ كَانَ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَيُسَمَّى بِالْمَحْسُوسَاتِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ الْمُشَاهَدَاتُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْمُبْصَرَاتِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الْإِحْسَاسَ بِالْبَصَرِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ لَيْسَ كُلُّ تَصْدِيقٍ يَحْصُلُ بِالْحَوَاسِّ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا وَقَبُولِهِ وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُنَا لِلسَّرَابِ إنَّهُ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ وَكَذَا سَائِرُ أَغْلَاطِ الْوَهْمِ وَالْحِسِّ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ. وَالثَّانِي: مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ وَمِنْهَا الْوَهْمِيَّاتُ. الثَّالِثُ: مَا تُدْرِكُهُ نُفُوسُنَا وَالْأَخِيرَانِ يُسَمَّيَانِ وِجْدَانِيَّاتٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَقْلٍ) أَيْ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ بِوَاسِطَةِ النَّظَرِ يُسَمَّى الْحُكْمُ نَظَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ سُمِّيَتْ الْقَضَايَا الْمَحْكُومُ فِيهَا أَوَّلِيَّاتٍ كَالْوَاحِدِ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بِوَاسِطَةٍ لَا تَغِيبُ عَنْ الذِّهْنِ وَهِيَ الْقَضَايَا الَّتِي قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَةُ زَوْجٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَادَةٍ) وَهِيَ مَا يُوجَدُ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا عِنْدَ وُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ كَالْإِسْهَالِ مِنْ شُرْبِ السَّقَمُونْيَا وَهِيَ لَا تَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ انْضِمَامِ الْحِسِّ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ السَّمْعَ فَهِيَ الْمُتَوَاتِرَاتُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ تَوَاطُؤَ الْمُخْبِرِينَ عَلَى الْكَذِبِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْعَادَةِ الْمُجْرَيَاتُ وَالْحَدْسِيَّاتُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْعَادَةُ لَا تَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ الْحِسِّ إلَيْهَا حَصَرَ قَوْمٌ الْحُكْمَ فِي الْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا وَسَكَتُوا عَنْ الْعَادَةِ لِانْدِرَاجِهَا فِي قِسْمِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا. وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي مَتْنِ الْعَقَائِدِ أَسْبَابُ الْعِلْمِ ثَلَاثَةٌ الْحَوَاسُّ السَّلِيمَةُ وَالْخَبَرُ الصَّادِقُ وَالْعَقْلُ. وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْقُطْبِ طُرُقُ حُصُولِ الْعِلْمِ مُنْحَصِرَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي الْبَدَاهَةِ وَالْإِحْسَاسِ وَالتَّوَاتُرِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْحَدْسِ وَالنَّظَرِ اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت الْمَآلَ فِيهَا وَاحِدًا وَنَقَلَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا عَنْ شَرْحِ السُّلَّمِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ الْمَلَوِيِّ أَنَّ الْحَدْسِيَّاتِ تَحْتَاجُ لِتُكَرِّر الْمُشَاهَدَةِ كالتجربيات اهـ. وَهُوَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الطُّوسِيُّ فِي شَرْحِ الْإِشَارَاتِ أَوْ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَدْرَجَهَا الْجَمَاعَةُ هُنَا تَحْتَ الْعَادَةِ وَلَكِنْ قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ لَا يَجِبُ فِي الْحَدْسِ الْمُشَاهَدَةُ مَرَّةً فَضْلًا عَنْ تَكَرُّرِهَا فَإِنَّ الْمَطَالِبَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي لَا يَكُونُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَوْضُوعِهَا مَحْسُوسًا وَلَا تُنَالُ بِالْحِسِّ حُكْمُهُ قَدْ تَكُونُ حَدْسِيَّةً، وَلَا يُمْكِنُ الْمُشَاهَدَةُ هُنَاكَ وَعَلَيْهِ فَلَا تَنْدَرِجُ ثُمَّ إنَّ الْقَضِيَّةَ مُنْفَصِلَةٌ مَانِعَةٌ خُلُوَّ تَجَوُّزِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُتَوَاتِرَاتِ مِنْ الِانْتِهَاءِ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةُ تُحِيلُ الْكَذِبَ فِيهِ وَالْعَقْلُ حَاكِمٌ فِي الْجَمِيعِ وَكَالْحُكْمِ بِأَنَّ الْجَبَلَ حَجَرٌ فَإِنَّهُ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَالنَّاصِرُ جَعَلَهَا مُنْفَصِلَةً

فَيَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى تَكَلُّفٍ ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ) قَالَ النَّاصِرُ فِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ؛ لِأَنَّ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ الْكَلَامِ وَهِيَ ثُبُوتُ الْمَحْمُولِ لِلْمَوْضُوعِ أَوْ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُ لَا الْحُكْمُ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ إذَا كَانَ فِعْلًا لَا إدْرَاكًا إذْ لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ شَيْءٌ يُخَالِفُهُ تَارَةً وَيُوَافِقُهُ أُخْرَى بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْوَاقِعِ لِمَوْصُوفِهِ دَائِمًا صَحِيحًا كَانَ أَمْ لَا اهـ. وَهُوَ نَظَرٌ قَوِيٌّ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مُطَابِقًا مُتَعَلِّقَهُ، وَهُوَ النِّسْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَمِثْلُهُ مِنْ الْمُسَامَحَاتِ كَثِيرٌ لَا يَتَحَاشَى عَنْهُ وَمَا تَكَلَّفَهُ سم فِي الْجَوَابِ بِتَصْحِيحِ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَقَعُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ وَبَيْنَ النِّسْبَةِ الْوَاقِعَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ قَالَ مِيرْ زَاهِدْ فِي حَوَاشِي الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ الْمُرَادُ مُطَابَقَةُ النِّسْبَةِ الَّتِي هِيَ حِكَايَةٌ عَنْ الْوَاقِعِ وَمَرْجِعُ هَذِهِ الْمُطَابَقَةِ هُوَ الْوُقُوعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ أَوَّلًا بِالذَّاتِ لِلنِّسْبَةِ وَثَانِيًا وَبِالْعَرَضِ لِلْخَبَرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا اهـ. وَقَالَ الْخَلْخَالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ إنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَمَّا فِي الْوَاقِعِ فَلَا يَكُونُ حِكَايَةً عَنْ نَفْسِهَا إذْ مُحَاكَاةُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَارَ احْتِمَالُ الْمُطَابَقَةِ واللامطابقة مِنْ خَوَاصِّ التَّصْدِيقَاتِ فَإِنَّ الصُّورَةَ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَنْ أَمْرٍ وَاقِعٍ لَا تَجْرِي فِيهَا التَّخْطِئَةُ وَالتَّغْلِيطُ اهـ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ الْمُرَادُ الْمُدْرِكُ فَمَآلُ قَوْلِنَا إنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ وَقَوْلِنَا إنَّهَا مُطَابِقَةٌ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ الْحَالَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا

(عِلْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِذْعَانُ وَالتَّسْلِيمُ اهـ. وَكُتُبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَعَاجِمِ الَّذِينَ هُمْ الْعُمْدَةُ فِي هَذِهِ الْفُنُونِ طَافِحَةٌ بِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بَيْنَ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ وَأَنَّ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ بَلْ اعْتِبَارُ الْمُطَابَقَةِ واللامطابقة بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ وَبَيْنَ النِّسْبَةِ الْوَاقِعَةِ بِمَا يُنْكِرُهُ الْوِجْدَانُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ لَا تُتَعَقَّلُ فِيهِ الْحِكَايَةُ عَمَّا فِي الْخَارِجِ وَلَا يُعْقَلُ كَوْنُهُ ثُبُوتِيًّا أَوْ سَلْبِيًّا؛ لِأَنَّهُمَا وَصْفَانِ لِلنِّسْبَةِ تَأَمَّلْ وَلَا تَكُنْ أَسِيرَ التَّقْلِيدِ وَلَا مِمَّنْ يَحْمِلُهُ التَّعَصُّبُ عَلَى مَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ. (قَوْلُهُ: عِلْمٌ) قَالَ النَّاصِرُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ لَا إدْرَاكٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ فِيمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ الْعِلْمُ الْإِلْهَامِيُّ كَعِلْمِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ يَتَنَاوَلُهُ تَعْرِيفُ الْمَتْنِ بِدُونِ زِيَادَةِ الشَّارِحِ أَيْ قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ لِمُوجِبٍ إلَخْ فَتَرْكُهَا أَصْوَبُ ثُمَّ كُلُّ عِلْمٍ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ أَيْ الزَّوَالِ بِمَا يُضَادُّهُ كَالنَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْرِيفِ قَوْلَنَا بِالتَّشْكِيكِ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى عِلْمٍ أَصْلًا اهـ. أَقُولُ: حَاصِلُ كَلَامِهِ اعْتِرَاضَاتٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: مِنْهَا أَنَّهُ جَرَى هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ إدْرَاكٌ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ قَدَّرْنَا مُضَافًا أَيْ، مُلَابِسَ عِلْمٍ، فَالْعِلْمُ حِينَئِذٍ هُوَ النِّسْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ لَا الْإِيقَاعُ. وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا فِي الْعِلْمِ ذِي السَّبَبِ وَهُوَ الْحَاصِلُ لِلْبَشَرِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعِلْمِ الْحُصُولِيِّ، وَأَمَّا عِلْمُ الْمَلَائِكَةِ فَمِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ الْحُضُورِيِّ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَحَقِيقَةُ عِلْمِهِمْ مُغَايِرَةٌ لِحَقِيقَةِ عِلْمِ الْبَشَرِ. وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ عِلْمَهُمْ بَلَغَ الدَّرَجَةَ الْقُصْوَى فِي كَمَالِ الْعِلْمِ الْبَشَرِيِّ فَلَا تُحِيطُ بِحَقِيقَتِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ شَارِحُ حِكْمَةِ الْعَيْنِ إنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ الِانْتِهَاءُ فِي طُرُقِ النُّقْصَانِ إلَى بَلِيدٍ غَبِيٍّ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ أَنْ يَفْهَمَ شَيْئًا مِنْ الْعُلُومِ أَصْلًا فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ الِانْتِهَاءُ فِي طُرُقِ الْكَمَالِ إلَى وُجُودِ نَفْسٍ بَالِغَةٍ إلَى الدَّرَجَةِ الْقُصْوَى فِي الْقُوَّةِ وَسُرْعَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِإِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ يُحِيطُ عِلْمًا بِحَقَائِق الْأَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ وَشَوْقٍ، وَهَذِهِ الْقُوَّةُ لَوْ وُجِدَتْ كَانَ صَاحِبُهَا نَبِيًّا أَوْ حَكِيمًا اهـ. وَجَوَابُ الثَّالِثِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَزُولُ بِالنَّوْمِ وَنَحْوِهِ كَالْإِغْمَاءِ بَلْ الزَّائِلُ الشُّعُورِ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ لِلنَّفْسِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ لَهَا نَظَرِيًّا كَانَ أَوْ ضَرُورِيًّا وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ هُوَ أَنَّ النَّوْمَ ضِدٌّ لِإِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِبَقَاءِ الْإِدْرَاكَاتِ الْحَاصِلَةِ حَالَةَ الْيَقَظَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا بِهِ أَطَالَ سم مِنْ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي لَا تُجْدِي نَفْعًا مِنْهَا تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُطْلِقُ الْعِلْمَ عَلَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ وَأَنَّ الشَّارِحَ تَبِعَهُ فَلَا وَجْهَ لِلطَّعْنِ فِيهِمَا يَنْقُلُهُ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَوْ فُرِضَ وُجُودُ قَائِلٍ بِهِ كَانَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ كَيْفَ وَالْعِلْمُ إدْرَاكٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِيقَاعِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ بِإِدْرَاكٍ فَلَا شَيْءَ مِنْ الْعِلْمِ بِإِيقَاعٍ أَوْ انْتِزَاعٍ وَيَنْعَكِسُ إلَى لَا شَيْءٍ مِنْ الْإِيقَاعِ أَوْ الِانْتِزَاعِ

كَالتَّصْدِيقِ) أَيْ الْحُكْمُ بِأَنَّ زَيْدًا مُتَحَرِّكٌ مِمَّنْ شَاهَدَهُ مُتَحَرِّكًا أَوْ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ أَوْ أَنَّ الْجَبَلَ حَجَرٌ (وَ) التَّصْدِيقُ أَيْ الْحُكْمُ الْجَازِمُ (الْقَابِلُ) لِلتَّغَيُّرِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا إذْ يَتَغَيَّرُ الْأَوَّلُ بِالتَّشْكِيكِ وَالثَّانِي بِهِ أَوْ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (اعْتِقَادٌ) وَهُوَ اعْتِقَادٌ (صَحِيحٌ إنْ طَابَقَ) الْوَاقِعَ كَاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ أَنَّ الضُّحَى مَنْدُوبٌ (فَاسِدٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ) أَيْ الْوَاقِعَ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ (وَ) التَّصْدِيقُ أَيْ الْحُكْمُ (غَيْرُ الْجَازِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعِلْمٍ وَلَا مَطْعَنَ فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ مِيرْ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ إنَّ الشَّارِحَ ثِقَةٌ وَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِلطَّعْنِ فِي نَقْلِهِ إلَخْ قَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْفَعُ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَرِضِ وَأَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ غَيْرُ جَادَّةٍ فِي الْمُنَاظَرَةِ بَلْ هِيَ مُبَاهَتَةٌ سَادَّةٌ لِسَبِيلِ تَحْقِيقِ الْحَقِّ، وَأَمَّا الْتِزَامُهُ دُخُولَ عِلْمِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ بِالتَّكَلُّفِ الَّذِي سَلَكَهُ فِي بَيَانِ الدُّخُولِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ لِتَنَاوُلِ التَّعْرِيفِ لَهُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْبَيَانِ. وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ الثَّالِثِ فَفِيهِ مَقْنَعٌ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ مَا ذَكَرْنَاهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: كَالتَّصْدِيقِ إلَخْ) فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ عَادَةٍ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ شَاهَدَهُ مُتَحَرِّكًا) أَيْ فَالْمُشَاهَدَةُ وَالْإِبْصَارُ لِزَيْدٍ لَا لِلْحَرَكَةِ وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ أَنَّ الْجُبَّائِيَّ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ يُدْرَكَانِ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَاللَّمْسِ. (قَوْلُهُ: إذْ يَتَغَيَّرُ الْأَوَّلُ) هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَطَابَقَ الْوَاقِعَ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَلَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) هُوَ الْمُرَادُ بِالْوَاقِعِ وَالْخَارِجِ وَهُوَ الشَّيْءُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إدْرَاكِ مُدْرِكٍ وَاعْتِبَارِ مُعْتَبِرٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اعْتِقَادٌ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَحِيحٌ لَيْسَ صِفَةً لِاعْتِقَادٍ بَلْ مُسْتَأْنَفٌ إشَارَةً لِتَقْسِيمٍ آخَرَ لِلِاعْتِقَادِ (قَوْلُهُ: كَاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ) قَالَ النَّاصِرُ فِي جَعْلِهِمْ التَّقْلِيدَ يُفِيدُ الْمُقَلِّدَ الِاعْتِقَادَ وَالدَّلِيلَ يُفِيدُ الْمُجْتَهِدَ الظَّنَّ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الِاعْتِقَادِ إشْكَالٌ لَا يَخْفَى وَجْهُهُ. اهـ. قَالَ سم لَا إشْكَالَ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ خَالٍ عَنْ الْمُزَاحَمَاتِ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَتَعَارَضُ وَتَتَزَاحَمُ عِنْدَهُ فَغَايَةُ مَا يَتِمُّ لَهُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِخِلَافِ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ لَا شُغْلَ لَهُ بِالْمُزَاحِمِ فَلَا يَزَالُ يَأْنَسُ بِمُعْتَقَدِهِ فَيَقْوَى ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْإِحْيَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اسْتَفَادَ الْحُكْمَ مِنْ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ كَانَ اعْتِقَادُهُ لَهُ لِمُوجِبٍ فَيَكُونُ ظَنُّهُ لَهُ قَوِيًّا بَالِغًا مَبْلَغَ الْيَقِينِ فَهُوَ قَطْعِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يُفِيدُ إلَّا ظَنًّا وَلَكِنَّ الظَّنَّ الَّذِي حَصَلَ لِلْمُجْتَهِدِ لَا يَزُولُ إلَّا بِقَاطِعٍ قَوِيٍّ وَلَا كَذَلِكَ اعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ كَانَ عُرْضَتُهُ الزَّوَالَ وَالتَّشْكِيكَ فَرُسُوخُهُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ طَرَيَان الْمُعَارِضِ أَوْ التَّشْكِيكِ حَتَّى لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ زَالَ اعْتِقَادُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَقْدُ الْمُقَلِّدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ عَقْلِيٌّ فَهُوَ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ جِنْسِ الْجَهْلِ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ فِي كِتَابِ الْأَبْوَابِ إنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ مُمَاثِلٌ لِلْجَهْلِ وَعَنَى بِالْعَقْدِ اعْتِقَادَ الْمُقَلِّدِ اهـ. فَظَهَرَ أَنْ لَا أَثَرَ لِلْإِشْكَالِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ النَّاصِرَ قَالَ سَيَأْتِي عِنْدَ تَعْرِيفِ الْجَهْلِ أَنَّ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْأَمَارَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الظَّنِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالتَّصْدِيقُ غَيْرُ الْجَازِمِ إلَخْ) مَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَعْلِ التَّصْدِيقِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ مُقَسَّمًا لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ وَالْوَهْمِ قَالَ الْكَمَالُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ لَا حُكْمَ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. وَالشَّيْخُ ابْنِ الْحَاجِبِ جَعَلَ الْمُقَسَّمَ مَا عَنَّهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ فَقَالَ الْعَضُدُ فِي شَرْحِهِ جَعَلَهُ مُقَسَّمًا دُونَ الِاعْتِقَادِ أَوْ الْحُكْمِ لِيَتَنَاوَلَ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِمَّا لَا اعْتِقَادَ وَلَا حُكْمَ لِلذِّهْنِ فِيهِ اهـ. فَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ وَقِيلَ لَيْسَ الْوَهْمُ إلَخْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ تَوَهَّمَ الْبَعْضُ أَنَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِنْ قَبِيلِ التَّصْدِيقِ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ تَصَوُّرَاتِ النِّسْبَةِ وَاقِعَةً أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ وَبَيْنَ الْإِذْعَانِ بِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مَعَهُ احْتِمَالُ نَقِيضَ إلَخْ) وَذَلِكَ النَّقِيضُ هُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ مُرَكَّبًا مِنْ اعْتِقَادَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ

إنْ كَانَ مَعَهُ احْتِمَالُ نَقِيضِ الْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوْ لَا وُقُوعِهَا (ظَنٌّ وَوَهْمٌ وَشَكٌّ) (لِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرَ الْجَازِمِ (إمَّا رَاجِحٌ) لِرُجْحَانِ الْمَحْكُومِ بِهِ عَلَى نَقِيضِهِ فَالظَّنُّ (أَوْ مَرْجُوحٌ) لِمَرْجُوحِيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِنَقِيضِهِ فَالْوَهْمُ (أَوْ مُسَاوٍ) لِمُسَاوَاةِ الْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ كُلِّ النَّقِيضَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ لِلْآخَرِ فَالشَّكُّ فَهُوَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ بَسِيطٌ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ مَعَ تَجْوِيزِ الْآخَرِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ خَطَرَ بِالْبَالِ لَكَانَ مَرْجُوحًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مَعَهُ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ وَقَوْلُ سم إنَّ الظَّنَّ لِلطَّرَفِ الرَّاجِحِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ مَرْجُوحًا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّاجِحِ مَا قَابَلَهُ مَرْجُوحٌ بَلْ مَا قَامَ عَلَيْهِ مُوجِبٌ غَيْرُ جَازِمٍ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ حُضُورُ النَّقِيضِ بِالْفِعْلِ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْقُطْبِ الظَّنُّ إدْرَاكٌ بَسِيطٌ وَمُتَوَهَّمُ أَمْرٍ مُغَايِرٍ لَهُ حَاصِلٍ بَعْدَ مُلَاحَظَةِ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَمَا قَالُوا إنَّ الظَّنَّ إدْرَاكٌ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالْقُوَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُخْتَصَرِ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الشَّارِحَ اطَّلَعَ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّعَلُّلِ بِمَا لَا يَشْفِي غَلِيلًا وَلَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَمْثَالُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ارْتِكَابُهُ فَضْلًا عَنْ تَكْرَارِهِ الْمُورِثِ لِلسَّائِمَةِ الْمُشْعِرِ بِضَعْفِ حُجَّةِ الْمُتَمَسِّكِ بِهِ فَإِنَّ الرِّجَالَ تُعْرَفُ بِالْحَقِّ لَا أَنَّ الْحَقَّ يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ وَالْمُرَادُ بِنَقِيضِ الْمَحْكُومِ بِهِ الطَّرَفُ الْمُقَابِلُ لِلنِّسْبَةِ مِنْ الْوُقُوعِ أَوْ اللَّا وُقُوعِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ وُقُوعِ النِّسْبَةِ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ تَسَمَّحَ فِي التَّعْبِيرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْكُومًا بِهِ بَلْ هُوَ مَحَلٌّ لِلْحُكْمِ فَجَعَلَهُ مَحْكُومًا بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ وَهُوَ الْمَحْمُولُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ النَّقِيضَ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَلِذَلِكَ كَانَ التَّعْبِيرُ الشَّائِعُ بَيْنَهُمْ نَقِيضَ الْحُكْمِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: لِرُجْحَانِ الْمَحْكُومِ بِهِ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ وَنَقِيضَهُ لَا رُجْحَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ طَرَفِي الْمُمْكِنِ لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَإِنْ أُرِيدَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُهُ وَإِنْ أُرِيدَ الرُّجْحَانُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَرُجْحَانُ الدَّلِيلِ إنَّمَا يُفِيدُ رُجْحَانَ الْحُكْمِ لَا الْمَحْكُومِ بِهِ فَلَوْ قَالَ إمَّا رَاجِحٌ لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ لَكَانَ صَوَابًا اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَأَنَّ الْمَعْنَى رُجْحَانُ الْمَحْكُومِ بِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْوُقُوعُ وَاللَّاوُقُوعُ كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ رُجْحَانُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الْوُقُوعَ وَاللَّاوُقُوعَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالْقَابِلُ لِذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ وَالْوُقُوعُ وَاللَّاوُقُوعُ أَثَرُهُ فَيُتَخَيَّلُ فِيهِ قَبُولُ ذَلِكَ فَالدَّلِيلُ وَاسِطَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا فِي الثُّبُوتِ وَلِتَلَازُمِهِمَا أَثْبَتَ لِأَحَدِهِمَا مَا أَثْبَتَ لِلْآخَرِ وَمَا شَنَّعَ بِهِ سم عَلَى النَّاصِرِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ إنَّ رُجْحَانَ الْحُكْمِ تَابِعٌ لِرُجْحَانِ الْمَحْكُومِ بِهِ مُكَابَرَةٌ وَأَنَا أُوَضِّحُ لَك ذَلِكَ بِمِثَالٍ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْعِلْمُ ثَابِتًا لِزَيْدٍ فِي الْوَاقِعِ وَقُلْنَا زَيْدٌ عَالِمٌ فَهَذَا الثُّبُوتُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي الْإِثْبَاتِ وَهُوَ حُكْمُنَا بِذَلِكَ الثُّبُوتِ فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ رَاجِحًا وَتَارَةً يَكُونُ مَرْجُوحًا وَتَارَةً لَا وَلَا، كَمَا فِي الشَّكِّ فَقَدْ تَفَاوَتَتْ الْإِدْرَاكَاتُ مَعَ وَحْدَةِ الْمُدْرَكِ، مِنْ ذَلِكَ مَا قَالُوا إنَّ مَسَائِلَ الْعُلُومِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ نَظَرِيَّةً مَعَ أَنَّ مَحْمُولَاتِهَا أَعْرَاضٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمَوْضُوعَاتِ وَالْعَرَضُ الذَّاتِيُّ لَا يَحْتَاجُ لِوَاسِطَةٍ فِي الْعُرُوضِ وَإِلَّا كَانَ عَرَضًا غَرِيبًا وَأَجَابُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ وَاسِطَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا الثُّبُوتِ وَبِالْجُمْلَةِ الثُّبُوتُ وَالنَّفْيُ لَا يُعْقَلُ فِيهِمَا تَفَاوُتٌ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي الْحُكْمِ بِهِمَا وَالْعَجَبُ مِمَّنْ نَقَلَ كَلَامَ سم قَائِلًا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ جَعَلَ هَذَا الْكَلَامَ تَعَسُّفًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. اهـ. وَأَنَا أَقُولُ: الْحَقُّ مَعَ الْجَاعِلِ لَا مَعَ الْمُتَعَجِّبِ (قَوْلُهُ: لِنَقِيضِهِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِنَقِيضِهِ وَإِنَّمَا أَتَى بِاللَّامِ دُونَ عَلَى؛ لِأَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الرُّجْحَانِ دُونَ الْمَرْجُوحِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ) أَيْ الْوُقُوعِ وَاللَّاوُقُوعِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْكُومِ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِيَّةِ لِاسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ) اعْتِرَاضٌ

حُكْمَانِ، كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الشَّكُّ اعْتِقَادُ أَنْ يَتَقَاوَمَ سَبَبُهُمَا وَقِيلَ لَيْسَ الْوَهْمُ وَالشَّكُّ مِنْ التَّصْدِيقِ إذْ الْوَهْمُ مُلَاحَظَةُ الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ وَالشَّكُّ التَّرَدُّدُ فِي الْوُقُوعِ وَاللَّاوُقُوعِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ التَّحْقِيقُ فَمَا أُرِيدَ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِالْمَرْجُوحِ أَوْ الْمُسَاوِي عِنْدَهُ مَمْنُوعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ. (قَوْلُهُ: اعْتِقَادِ أَنَّ) الْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا مُطْلَقُ الْإِدْرَاكِ وَقَوْلُهُ يَتَقَاوَمُ أَيْ يَتَعَادَلُ قَالَهُ النَّجَّارِيُّ وَلَا يُلَائِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّصْدِيقَ مُقَسَّمًا وَعَدَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِنْ أَقْسَامِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَيْسَ الْوَهْمُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ. (قَوْلُهُ: إذْ الْوَهْمُ مُلَاحَظَةُ الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالرَّاجِحِ لِكَوْنِهِ نَقِيضَهُ وَالنَّقِيضُ أَسْرَعُ خُطُورًا بِالْبَالِ مِنْ النَّظِيرِ فَلَا تَصْدِيقَ فِيهِ وَإِنَّمَا التَّصْدِيقُ فِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ مُجَرَّدُ تَصَوُّرٍ. (قَوْلُهُ: وَالشَّكُّ التَّرَدُّدُ فِي الْوُقُوعِ وَاللَّاوُقُوعِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِأَحَدِهِمَا قَالَ الْكَلَنْبَوِيُّ فِي حَوَاشِي الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ الشَّكُّ هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ طَرَفِي النَّقِيضِ وَهُوَ الْوُقُوعُ وَاللَّاوُقُوعُ فَوُجُودُ طَرَفَيْ النَّقِيضِ فِي الذِّهْنِ فِي صُورَةِ الشَّكِّ مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ الْوِجْدَانُ الْعَامُّ لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ. (قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ) كَأَنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمَوْلَى سَعْدَ الدِّينِ فَقَدْ قَالَ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ إنَّ جَعْلَ الشَّكِّ وَالْوَهْمِ مِنْ أَقْسَامِ التَّصْدِيقِ مُخَالِفٌ لِلتَّحْقِيقِ. (قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) قَالَ النَّاصِرُ الْمَنْعُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ إذْ الْحُكْمُ هُوَ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ وَهَذَا الْإِدْرَاكُ مُنْتَفٍ فِي الشَّكِّ وَالْوَهْمِ قَطْعًا وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ اهـ. وَمِثْلُهُ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقَسَّمُ الِاعْتِقَادَ الْمُرَادِفَ لِلتَّصْدِيقِ أَوْ الْحُكْمِ وَيُعَدُّ الشَّكُّ وَالْوَهْمُ مِنْ أَقْسَامِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا اعْتِقَادَ وَلَا حُكْمَ فِيهِمَا أَمَّا فِي الشَّكِّ فَلِأَنَّ طَرَفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حُكْمٌ بِهِمَا فَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ، وَأَمَّا فِي الْوَهْمِ فَلِأَنَّ الْمَرْجُوحَ أَوْلَى مِنْ الْمُسَاوِي وَأَيْضًا فِي الرَّاجِحِ حُكْمٌ فَيَلْزَمُ اعْتِقَادُ النَّقِيضَيْنِ مَعًا وَبِالْجُمْلَةِ لَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ مِنْ رُجْحَانٍ وَلَا رُجْحَانَ فِي الْوَهْمِ وَالشَّكِّ اهـ. وَمَا أَطَالَ بِهِ سم هُنَا مِنْ الْكَلَامِ مُصَادِمٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي صَدْرِ الْمَبْحَثِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ وَأَنَّ

[تعريف العلم]

عَلَى هَذَا (وَالْعِلْمُ) أَيْ الْقِسْمُ الْمُسَمَّى بِالْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ (ضَرُورِيٌّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّاجِحَ هُوَ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الشَّارِحُ فَهِيَ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ كَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ. [تَعْرِيف الْعِلْم] (قَوْلُهُ: أَيْ الْقِسْمُ الْمُسَمَّى إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَهْدِيَّةَ وَالْمَعْهُودَ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ وَجَازِمُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ عِلْمٌ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ لِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ لَا لِمُطْلَقِ الْعِلْمِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ الْإِطْلَاقُ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى التَّخْصِيصِ قَوْلَهُ بَعْدُ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ إلَخْ، وَأَيْضًا لِلتَّخْصِيصِ نُكْتَةٌ وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ التَّصْدِيقِيَّ نَوْعٌ مِنْ الِاعْتِقَادِ فَلَيْسَ بِغَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِلْمُ التَّصَوُّرِيُّ، فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ) وَذَلِكَ التَّصَوُّرُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الذَّاتِيَّاتِ وَقَيْدُ الْحَيْثِيَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْحُصُولُ، فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ، وَمِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِالرَّسْمِ الْمُمَيَّزِ عَنْ غَيْرِهِ بِدُونِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُ سَهْلٌ. وَقَدْ ظَنَّ الْآمِدِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مُطْلَقِ التَّعْرِيفِ فَاسْتَبْعَدَ كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ الْآتِي، فَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ لَا الرَّسْمِيُّ، وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ مَحَلَّ الْخِلَافِ مُسْتَفَادٌ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ) أَيْ سِيَاقِ الْمَتْنِ وَقَوْلِ النَّاصِرِ وَالْمُرَادُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي الِاسْتِدْلَالِ الْآتِي وَمِنْهَا تَصَوُّرٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: فِي جَوَابِهِ بَلْ يَكْفِي إلَخْ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِدْلَال بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ لَهُ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحَيْ الْمَقَاصِدِ وَالْمَوَاقِفِ أَنَّ الْإِمَامَ اسْتَدَلَّ عَلَى ضَرُورِيَّتِهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إلَّا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكْتَسَبًا فَأَمَّا بِغَيْرِهِ مَعْلُومًا ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ اكْتِسَابِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مَجْهُولًا، وَالْغَيْرُ إنَّمَا يُعْلَمُ بِالْعِلْمِ، فَلَوْ عُلِمَ الْعِلْمُ بِالْغَيْرِ لَزِمَ الدَّوْرُ فَتَعَيَّنَ طَرِيقُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ عَلَى تَقْدِيرِ اكْتِسَابِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ غَيْرِهِ، وَتَصَوُّرُ الْغَيْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِهِ لِيَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ عَلَى حُصُولِهِ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ حُصُولِ الْمُقَيَّدِ بِدُونِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَوْ لَمْ نَقُلْ بِوُجُودِ الْكُلِّيِّ فِي ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى حُصُولِهِ أَيْضًا اهـ. فَهَذَا الْوَجْهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى بَدَاهَةِ مُطْلَقِ الْعِلْمِ لَا الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ، نَعَمْ الْوَجْهُ الثَّانِي خَاصٌّ بِالْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ وَلِذَلِكَ قَصَرَ الشَّارِحُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَلَّذِي دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: ضَرُورِيٌّ) فِي النَّاصِرِ يَجُوزُ إطْلَاقُ الضَّرُورِيِّ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى مُتَعَلِّقِهِ، كَقَوْلِنَا الْعِلْمُ بِالْوُجُودِ ضَرُورِيٌّ وَقَوْلِنَا الْوُجُودُ ضَرُورِيٌّ، وَإِطْلَاقُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى الْعِلْمِ مِنْ إطْلَاقِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَقَالَ: وَالْعِلْمُ بِالْعِلْمِ ضَرُورِيٌّ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ جَرَى الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ اهـ. وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ تَصَوُّرَ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ ضَرُورِيٌّ فَرَجَعَ الْحَالُ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلْمِ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ عِلْمٌ بِالْعِلْمِ اهـ. ، ثُمَّ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي إطْلَاقِ الضَّرُورِيِّ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ، فَإِنَّ الضَّرُورِيَّ وَالنَّظَرَ وَصْفَانِ لِلْعِلْمِ لَا لِلْمَعْلُومِ

أَيْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاكْتِسَابٍ؛ لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ أَوْ مُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ ضَرُورِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، لَكِنَّ الْعِبَارَةَ تُوهِمُ أَنَّهُ مَعْنًى اصْطِلَاحِيٌّ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ) قَالَ النَّاصِرُ يَعْنِي بَعْدَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ بِالْأَوْلَوِيَّاتِ وَالْبَدِيهِيَّاتِ وَهُوَ أَخَصُّ الضَّرُورِيَّاتِ الْمُعَرِّفَةِ بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، فَقَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاكْتِسَابٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ هُوَ أَعَمُّ بَعْدَ أَخَصَّ. وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ قَوْلِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ بَيَانُ الْمُرَادِ هُنَا بِالضَّرُورَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَنَّهُ الضَّرُورِيُّ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ) قُرِّرَ فِي شَرْحَيْ الْمَقَاصِدِ وَالْمَوَاقِفِ هَذَا الدَّلِيلُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ بِوُجُودِهِ بَدِيهِيٌّ، وَهَذَا عِلْمٌ خَاصٌّ مَسْبُوقٌ بِمُطْلَقِ الْعِلْمِ لِتَرَكُّبِهِ مِنْهُ وَمِنْ الْخُصُوصِيَّةِ، وَالسَّابِقُ عَلَى الْبَدِيهِيِّ بَدِيهِيٌّ فَمُطْلَقُ الْعِلْمِ بَدِيهِيٌّ

بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَمِنْهَا تَصَوُّرُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَمُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ. وَالشَّارِحُ قَرَّرَ الدَّلِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْتِدْلَالًا عَلَى بَدَاهَةِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ لِقَصْرِ الْمُصَنِّفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) أَيْ وَهِيَ إدْرَاكُ النِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا مَعَ الْحُكْمِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَإِذَا رُكِّبَتْ الْقَضِيَّةُ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ قُلْت: عِلْمِي بِأَنِّي مَوْجُودٌ أَوْ مُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ مَعْلُومٌ لِي بِالضَّرُورَةِ، فَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ إلَخْ عِلْمٌ تَصْدِيقِيٌّ خَاصٌّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْلُومٍ خَاصٍّ هُوَ وُجُودُهُ أَوْ الْتِذَاذُهُ أَوْ تَأَلُّمُهُ، قَالَهُ زَكَرِيَّا وَمِثْلُهُ فِي الْكَمَالِ وَالنَّجَّارِيِّ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ شَرْحَيْ الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ لَكِنَّهُ لَا يُلَائِمُ تَقْرِيرَ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي يُلَائِمُهُ أَنْ تَقُولَ: قَوْلُنَا مَثَلًا: أَنَا عَالِمٌ بِأَنِّي مَوْجُودٌ أَوْ مُتَأَلِّمٌ أَوْ مُلْتَذٌّ قَضِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ وَنِسْبَةٍ، وَمَجْمُوعُ التَّصَوُّرَاتِ الثَّلَاثَةِ وَالْحُكْمِ وَالْأَرْبَعَةِ ضَرُورِيَّةٌ وَمِنْ جُمْلَتِنَا تَصَوُّرُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ إلَخْ فَيَكُونُ ضَرُورِيًّا، وَهُوَ أَعْنِي الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ إلَخْ عِلْمٌ تَصْدِيقِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِقَضِيَّةٍ هِيَ أَنَا مَوْجُودٌ خَاصٌّ لِتَعَلُّقِهِ بِمَعْلُومٍ خَاصٍّ وَهُوَ كَوْنُهُ مَوْجُودًا جُزْئِيٌّ لِمُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ لِتَضَمُّنِ الْجُزْئِيِّ لِكُلِّيَّةٍ، فَمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ ضَرُورَةِ تَصَوُّرِهِ يَثْبُتُ لِكُلِّيَّةٍ فَثَبَتَ الْمَطْلُوبُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ إلَخْ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي وَقَعَ مَحْمُولًا فِي أَنَا عَالِمٌ، وَقَوْلُهُ: بِأَنَّهُ عَالِمٌ مَصْدُوقُهُ التَّصْدِيقُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إنِّي مَوْجُودٌ، فَالْعِلْمُ الْأَوَّلُ تَصَوُّرٌ وَالثَّانِي تَصْدِيقٌ. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَيَكُونُ الضَّرُورِيُّ تَصَوُّرَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَلُّقِ التَّصَوُّرِ بِالتَّصْدِيقِ، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّصَوُّرَاتِ لَا حَجْرَ فِيهَا فَتَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ سَلَكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقَةَ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ التَّصْدِيقَ مُرَكَّبٌ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَقْرِيرِ دَلِيلِهِ وَالتَّصْدِيقُ عِنْدَهُ هُوَ الْإِدْرَاكَاتُ الْأَرْبَعَةُ أَوْ الثَّلَاثَةُ وَالْحُكْمُ، وَلَا يَكُونُ بَدِيهِيًّا إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ أَجْزَائِهِ بَدِيهِيًّا وَلِذَلِكَ اسْتَدَلَّ بِبَدَاهَةِ التَّصْدِيقَاتِ عَلَى بَدَاهَةِ التَّصَوُّرَاتِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْحُكَمَاءِ فَمَنَاطُ الْبَدَاهَةِ وَالْكَسْبِ هُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ فَقَطْ، وَتَقْرِيرُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ تَامٌّ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: إنَّ هَذَا التَّصْدِيقَ بَدِيهِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَكَسْبٍ أَصْلًا لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي طَرَفَيْهِ سَوَاءٌ جُعِلَ تَصَوُّرُ الطَّرَفَيْنِ شَطْرًا أَوْ شَرْطًا وَذَلِكَ

بِالْحَقِيقَةِ، وَهُوَ عِلْمٌ تَصْدِيقِيٌّ خَاصٌّ فَيَكُونُ تَصَوُّرُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ بِالْحَقِيقَةِ ضَرُورِيًّا، وَهُوَ الْمُدَّعِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ بِالْحَقِيقَةِ بَلْ يَكْفِي تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ، فَيَكُونُ الضَّرُورِيُّ تَصَوُّرَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ بِالْوَجْهِ لَا بِالْحَقِيقَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. (ثُمَّ قَالَ) فِي الْمَحْصُولِ أَيْضًا (هُوَ) أَيْ الْعِلْمُ (وَحُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِمُوجِبٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فَحَدُّهُ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَكِنْ بَعْدَ حَدِّهِ فَ، ثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ لَا الْمَعْنَوِيِّ. (وَقِيلَ هُوَ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُحَدُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحُصُولِهِ لَهُ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ هَذَا هُوَ تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى وَجْهٍ خَالٍ مِنْ شَوَائِبِ الْأَوْهَامِ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْبَدِيهِيَّ لِكُلِّ أَحَدٍ لَيْسَ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ بَلْ حُصُولَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ الْعِلْمِ بِهِ فَضْلًا عَنْ بَدَاهَتِهِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ نَفْسًا وَلَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْعِلْمِ إلَّا وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى وَحُصُولُهُ فِيهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ فَحُصُولُهُ فِي النَّفْسِ عِلْمٌ بِهِ وَتَصَوُّرٌ لَهُ، فَإِذَا كَانَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ بَدِيهِيًّا كَانَ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ بِهِ بَدِيهِيًّا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ بَدِيهِيًّا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ حُصُولَ الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ فِي النَّفْسِ قَدْ يَكُونُ بِأَعْيَانِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الِاتِّصَافُ بِتِلْكَ الْمَعَانِي لَا التَّصَوُّرُ لَهَا. وَقَدْ يَكُونُ بِصُوَرِهَا وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْوُجُودِ الطَّلِيِّ وَذَلِكَ تَصَوُّرٌ لَهَا لَا اتِّصَافٌ، يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يَتَّصِفُ بِالْكُفْرِ لِحُصُولِ الْإِنْكَارِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَوَّرْهُ وَيَتَصَوَّرْ الْإِيمَانَ بِحُصُولِ مَفْهُومِهِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَافٍ بِهِ، فَحُصُولُ عَيْنِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ اتِّصَافًا بِالْعِلْمِ بِهِ بَلْ رُبَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ) حِكَايَةً لِكَلَامِ الْإِمَامِ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ فِيهَا، وَقَدْ نَصَّ الرَّضِيُّ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي لَفْظِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ وَإِلَّا فَهَذِهِ لَيْسَتْ عِبَارَةَ الْمَحْصُولِ بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ تَقْسِيمٍ ذَكَرَهُ، وَخَرَجَ بِحُكْمِ الذِّهْنِ الشَّكُّ وَالْوَهْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهِمَا إذْ هُمَا تَصَوُّرَانِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَبِالْجَازِمِ الظَّنُّ وَبِالْمُطَابِقِ الِاعْتِقَادُ التَّقْلِيدِيُّ الْغَيْرُ الْمُطَابِقُ وَبِقَوْلِهِ لِمُوجِبِ التَّقْلِيدِ الْمُطَابِقِ. (قَوْلُهُ: فَحَدُّهُ مَعَ قَوْلِهِ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهِ إلَى بَيَانِ مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ، ثُمَّ قَالَ إلَخْ وَهُوَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْإِمَامِ بِتَنَافِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى حَدِّهِ أَنْ لَا يَكُونَ ضَرُورِيًّا، وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ وَصَنِيعُ الْإِمَامِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ حَدِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَاَلَّذِي وَقَعَ مِنْ الْإِمَامِ التَّحْدِيدُ أَوَّلًا، ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ خِلَافُ مَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ

إذْ لَا فَائِدَةَ فِي حَدِّ الضَّرُورِيِّ لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَصَنِيعُ الْإِمَامِ لَا يُخَالِفُ هَذَا، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدَّهُ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ مَعَ سَلَامَةِ حَدِّهِ عَمَّا وَرَدَ عَلَى حُدُودِهِمْ الْكَثِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ اخْتِيَارًا، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُحَصَّلِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْعِلْمِ عِنْدِي أَنَّ تَصَوُّرَهُ بَدِيهِيٌّ أَيْ ضَرُورِيٌّ، نَعَمْ قَدْ يُحَدُّ الضَّرُورِيُّ لِإِفَادَةِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ. (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) هُوَ نَظَرِيٌّ (عُسْرٌ) أَيْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنَظَرٍ دَقِيقٍ لِخَفَائِهِ (فَالرَّأْيُ) بِسَبَبِ عُسْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ (الْإِمْسَاكُ عَنْ تَعْرِيفِهِ) الْمَسْبُوقِ بِذَلِكَ التَّصَوُّرِ الْعُسْرُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ عَنْ مَشَقَّةِ الْخَوْضِ فِي الْعُسْرِ، قَالَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ تَابِعًا لَهُ وَيُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ الْمُلْتَبِسِ بِهِ مِنْ أَقْسَامِ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ مُطَابِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْعَكْسِ فَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا فَائِدَةَ) الْمَنْفِيُّ الْفَائِدَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلتَّحْدِيدِ، وَهِيَ تَصَوُّرُ الْحَقِيقَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَقَوْلُهُ: الْآتِي نَعَمْ قَدْ يُحَدُّ الضَّرُورِيُّ إلَخْ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَصَنِيعُ الْإِمَامِ) أَيْ فِي الْمَحْصُولِ لَا يُخَالِفُ هَذَا أَيْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُحَدُّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ صَنِيعُ الْإِمَامِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ صَنِيعُ الْإِمَامِ " مُلَابِسًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُحَدُّ حَيْثُ قَابَلَ صَنِيعَ الْإِمَامِ بِهَذَا الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: اخْتِيَارًا) أَيْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْعِلْمِ) أَنَّ فِيمَا يُحَدُّ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي حَدِّهِ وَعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ: لِإِفَادَةِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ الثَّانِي وَفَاعِلُهُ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفَانِ أَيْ لِإِفَادَةِ الْحَدِّ الشَّخْصُ الَّذِي يَعْرِفُ الشَّيْءَ بِحَقِيقَتِهِ وَلَا يُحْسِنُ التَّعْبِيرَ عَنْهُ تَفْصِيلًا الْعِبَارَةُ عَنْهُ، فَإِنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ الضَّرُورِيِّ وَيَعْجِزُ عَنْ التَّعْبِيرِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ؛ فَحَدُّهُ لَا يُنَافِي بَدَاهَتَهُ فَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا لَا فَائِدَةَ فِي حَدِّ الضَّرُورِيِّ. (قَوْلُهُ: عُسْرٌ) أَيْ جِدًّا فَلَا يَرُدَّانِ جَمِيعَ الْحُدُودِ عُسْرَةً؛ لِأَنَّهَا كَشْفٌ عَنْ ذَاتِيَّاتِ الشَّيْءِ وَامْتِيَازُ الذَّاتِيِّ عَنْ الْعَرْضِيِّ عُسْرٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا. (قَوْلُهُ: الْمَسْبُوقُ بِذَلِكَ) أَيْ الْمَسْبُوقُ مِنْ الشَّخْصِ الْمُعَرِّفِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ التَّصَوُّرُ سَابِقًا عَلَى التَّعْرِيفِ مَعَ أَنَّ التَّعْرِيفَ يُؤَدِّي إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَالرَّأْيُ) قِيلَ: إنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَلَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ قَالَ كَمَا أَفْصَحَ إلَخْ يَقْضِي بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. (قَوْلُهُ: تَابِعًا لَهُ) أَيْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تِلْمِيذُهُ، وَمَقُولُ الْقَوْلِ وَيُمَيِّزُ إلَخْ أَيْ يُمَيِّزُ تَمْيِيزًا رَسْمِيًّا، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَقْسَامِ

ثَابِتٌ فَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَتَهُ عِنْدَهُمَا. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَنِيعِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ (ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِقَادِ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لَا لِمَحْضِ الْبَيَانِ إذْ الْعِلْمُ مِنْ أَقْسَامِهِ لِكَوْنِهِ أَخَذَ جِنْسًا فِي تَعْرِيفِهِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: رُبَّمَا يَعْسُرُ تَحْدِيدُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ بِعِبَارَةٍ مُحَرَّرَةٍ جَامِعَةٍ لِلْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ بَلْ أَكْثَرِ الْمُدْرَكَاتِ الْحِسِّيَّةِ فَكَيْفَ فِي الْإِدْرَاكَاتِ، وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ مَعْنَاهُ بِتَقْسِيمٍ أَوْ مِثَالٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: ثَابِتٌ) أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِأَنْ كَانَ لِمُوجِبٍ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ) فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُعَرِّفْهُ بِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ إلَخْ بَلْ أَنَّهُ حُكْمُ الذِّهْنِ إلَخْ، وَقَدْ يُقَالُ بِاتِّحَادِ مَآلِ الْعِبَارَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ) ، ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ أَيْ ثُمَّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا تَقَدَّمَ أُخْبِرُك بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ إلَخْ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْعِلْمِ الْحَادِثِ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ: لَا يَتَفَاوَتُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ وَهُوَ وَمُقَابِلُهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ بِالتَّفَاوُتِ جَارٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِاتِّحَادِ الْعِلْمِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ وَالْقَوْلُ بِتَعَدُّدِهِ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى كِلَيْهِمَا لَهُ جُزْئِيَّاتٌ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ فَلَهُ جُزْئِيَّاتٌ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ فَلَهُ جُزْئِيَّاتٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَجُزْئِيَّاتٌ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَهَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِ الْعِلْمِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ لَا عَلَى مُقَابِلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِلْعِلْمِ مُتَعَلِّقَاتٌ تَفَاوَتُ قِلَّةً وَكَثْرَةً بَلْ كُلُّ مَعْلُومٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ عِلْمٌ يَخُصُّهُ، نَعَمْ يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ عَلَى هَذَا بِقِلَّةِ الْغَفْلَةِ وَكَثْرَتِهَا وَأُلْفِ النَّفْسِ وَعَدَمِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْعِلْمِ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ دُونَ قَوْلِهِ لَا يَتَفَاوَتُ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ لَا يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ هِيَ الْجُزْئِيَّاتُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ فَقَطْ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ، وَبِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ هِيَ الْجُزْئِيَّاتُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ فَقَطْ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك

لَا يَتَفَاوَتُ) الْعِلْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ لَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الْحُكَمَاءِ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ حُصُولُ الصُّورَةِ أَيْ الصُّورَةِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِهَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ غَايَةَ الْبَيَانِ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ قَطْعًا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ عَيْنُ الْمَعْلُومِ وَالتَّفَاوُتُ اعْتِبَارِيٌّ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْقُوَّةِ الْغَافِلَةِ عِلْمٌ، وَبِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَعْلُومٌ كَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الِاتِّحَادِ بِالذَّاتِ وَالتَّغَايُرِ بِالِاعْتِبَارِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْعَقْلِ لَوْ عَرَى عَنْ اعْتِبَارِ حُصُولِهِ فِي الْعَقْلِ وَكَوْنِهِ مَوْجُودًا ظِلِّيًّا لَاتَّحَدَ مَعَ الْمَوْجُودِ الْعَيْنِيِّ الْمَعْلُومِ فَالِاعْتِبَارُ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَةِ الْعِلْمِ، وَإِلَّا فَاخْتِلَافُهُمَا بِالْحَقِيقَةِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ شَارِحِ الْإِشَارَاتِ حَيْثُ قَالَ السَّمَاءُ الْمَعْقُولُ لَيْسَ السَّمَاءَ الْمَوْجُودَ اهـ. وَلَنِعْمَ مَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلْمِ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ نَفْسُ التَّعَلُّقِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِهَذَا غَيْرُ التَّعَلُّقِ بِذَاكَ فَلَا يَتَعَلَّقُ عِلْمٌ وَاحِدٌ بِمَعْلُومَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ صِفَةٌ ذَاتُ تَعَلُّقٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ صِفَةً وَاحِدَةً لِتَعَدُّدِ تَعَلُّقَاتِهِ، وَكَثْرَةُ التَّعَلُّقَاتِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَقِيقَةِ الصِّفَةِ لَا تَجْعَلُ الصِّفَةَ مُتَكَثِّرَةً فِي ذَاتِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا يَتَفَاوَتُ) بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَاطِئِ لَا تَتَفَاوَتُ أَفْرَادُهُ فِي حَقِيقَتِهِ، فَالْحُكْمُ بِأَنَّ زَيْدًا أَعْلَمُ مِنْ عَمْرٍو مَثَلًا لَيْسَ التَّفَاضُلُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمُتَعَلِّقَاتُ، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةَ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانَهُ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُهُمَا فَفِي نِسْبَةِ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لِلْمُحَقِّقِينَ نَظَرٌ اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ فِي الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقَاتِ وَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِهِ، وَأَمَّا التَّصْدِيقُ فَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ، قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: إنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ؛ لِأَنَّهُ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ الَّذِي بَلَغَ حَدَّ الْجَزْمِ وَالْإِذْعَانِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ كَانُوا آمَنُوا فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ فَرْضٌ بَعْدَ فَرْضٍ فَكَانُوا يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ فَرْضٍ خَاصَّةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّصْدِيقِ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بَلْ تَتَفَاوَتُ قُوَّةً وَضَعْفًا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَصْدِيقَ آحَادِ الْأُمَّةِ لَيْسَ كَتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِهَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. اهـ. فَإِيرَادُ النَّاصِرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْأَخِيرِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَقِّقِينَ هُنَا الْمُحَقِّقُونَ فِي الْأُصُولِ وَذَاكَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفًا جِدًّا. وَأَجَابَ الْكَمَالُ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَفَاوَتُ قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ الْمَخْصُوصُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالْمُصَنِّفُ تَابِعٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَصَوِّرِ لِأَصْحَابِنَا اهـ. وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَيَالِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَلْيُحَرَّرْ النَّقْلُ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ الْمَنْطِقِيُّ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِقُيُودٍ وَخُصُوصِيَّاتٍ كَالتَّحْصِيلِ وَالِاخْتِيَارِ وَتَرْكِ الْجُحُودِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةَ تَسْلِيمٌ وَالتَّسْلِيمَ تَصْدِيقٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ وَمَعْنَاهُ نِسْبَةُ الصِّدْقِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ اخْتِيَارًا، وَبِهَذَا الْقَيْدِ يَمْتَازُ عَنْ التَّصْدِيقِ الْمَنْطِقِيِّ الْمُقَابِلِ لِلتَّصَوُّرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَخْلُو عَنْ الِاخْتِيَارِ كَمَا إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ فَوَقَعَ فِي الْقَلْبِ صَدَّقَهُ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَيْهِ اخْتِيَارًا، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: إنَّهُ صَدَّقَهُ فَلَا يَكُونُ إيمَانًا شَرْعًا، كَيْفَ وَالتَّصْدِيقُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَكُونُ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا زَائِدًا عَلَى الْعِلْمِ لِكَوْنِهِ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً أَوْ انْفِعَالًا وَهُوَ

فِي جُزْئِيَّاتِهِ فَلَيْسَ بَعْضُهَا، وَإِنْ كَانَ ضَرُورِيًّا أَقْوَى فِي الْجَزْمِ مِنْ بَعْضِ الْأُمُورِ، وَإِنْ كَانَ نَظَرِيًّا (وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ) فِيهَا (بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ) فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْعِلْمِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَالْعِلْمِ بِشَيْئَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُصُولُ الْمَعْنَى فِي الْقَلْبِ، وَالْفِعْلُ الْقَلْبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ إيقَاعُ النِّسْبَةِ اخْتِيَارًا الَّذِي هُوَ كَلَامُ النَّفْسِ وَيُسَمَّى عَقْدَ الْقَلْبِ اهـ. وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْإِيمَانُ مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا، وَالْعِلْمُ كَيْفٌ أَوْ انْفِعَالٌ فَهُوَ أَمْرٌ وَرَاءَ الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ لَا سُؤَالَ وَلَا جَوَابَ لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُزَيَّفٌ بِمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ. وَبَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِ الْعِلْمِ أَنْ تَكُونَ عُلُومُ آحَادِ الْأُمَمِ مُمَاثِلَةً لِعُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْ لَا يَتَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعِرْفَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - فِي الْعِرْفَانِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ فَوْقَ مَقَامِ الْأُمَمِ، وَلَا شَكَّ أَيْضًا فِي تَفَاوُتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْعِرْفَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اطَّلَعُوا مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، فَالتَّفَاوُتُ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقِ، وَأَيْضًا فَحُضُورُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُدَانِيهِ حُضُورُ غَيْرِهِمْ فَالتَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ عُرُوضِ الْغَفْلَةِ لِغَيْرِهِمْ دُونَهُمْ، وَكَذَلِكَ رُجْحَانُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعِرْفَانِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْمَعَارِفِ وَقِلَّةِ الْغَفَلَاتِ عَنْهَا بَعْدَ حُصُولِهَا. وَقَدْ أَشَارَ أَكْمَلُ الْعَارِفِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» إلَى أَنَّ التَّفَاوُتَ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ إذْ لَوْ قُصِدَتْ الْإِشَارَةُ إلَى التَّفَاوُتِ فِي الْعِلْمِ الْوَاحِدِ لَكَانَتْ الْعِبَارَةُ عَنْ ذَلِكَ، لَوْ تَعْلَمُونَ كَمَا أَعْلَمُ وَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّفَاوُتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِرَاضِ الْغَفَلَاتِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَوْ تَدُومُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ فِي الطُّرُقِ» فَنَبَّهَ أَنَّ الْغَفْلَةَ تَخْتَلِسُهُمْ فِي غَيْبَتِهِمْ عَنْهُ وَتَتَحَاشَاهُمْ بِحَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: فِي جُزْئِيَّاتِهِ) الْمُرَادُ بِهَا أَفْرَادُ الْعِلْمِ الْقَائِمَةُ بِذَوَاتِ الْعَالَمِينَ. (قَوْلُهُ: فِي الْجَزْمِ) أَيْ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ أُلْفِ النَّفْسِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ مُسَاوٍ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَلَكِنْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ يُعَارَضُ بِخِلَافِ الضَّرُورِيِّ فَالْحَقُّ أَنَّ الْجَزْمَ الضَّرُورِيَّ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يُعَارَضُ. (قَوْلُهُ: بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ) وَالتَّفَاوُتُ

[تعريف الجهل]

بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْعِلْمِ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ كَمَا هُوَ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ قِيَاسًا عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْعَرِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْعِلْمِ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ فَالْعِلْمُ بِهَذَا الشَّيْءِ غَيْرُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ خَالٍ عَلَى الْجَامِعِ وَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ: يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ إذْ الْعِلْمُ مَثَلًا بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْجَزْمِ مِنْ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْجَزْمُ بَلْ مِنْ حَيْثُ غَيْرُهُ كَإِلْفِ النَّفْسِ بِأَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. (وَالْجَهْلُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ بِأَنْ لَمْ يُدْرَكْ أَصْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَسَبِ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ تَفَاوُتًا فِي الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ فِيهَا دُونَ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَأَمَّا عَلَى التَّعَدُّدِ فَلَا يُعْقَلُ التَّفَاوُتُ فِي الْمُتَعَلِّقَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَعَلِّقٍ لَهُ عِلْمٌ. (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ، فَإِنَّهُ وَاحِدٌ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومَاتِ خِلَافًا لِقَوْلِ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ بِتَعَدُّدِهِ. (قَوْلُهُ: خَالٍ عَنْ الْجَامِعِ) لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ وَعِلْمَ الْمَخْلُوقَاتِ حَادِثٌ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَالِاشْتِرَاكُ فِي التَّسْمِيَةِ لَا يُسَوِّغُ الْقِيَاسَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَقْدُورَيْنِ عَلَى أَصْلِنَا، مَعَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْقَدِيمَةَ يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِمَقْدُورَيْنِ فَصَاعِدًا وَالرِّفْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي ذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ، وَأَيْضًا تَعَدُّدُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ بَلْ عَدَمُ تَنَاهِيهَا؛ لِأَنَّ مَعْلُومَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) أَيْ مِنْ النَّظَرِيَّاتِ الَّتِي بَعْضُهَا أَخْفَى مِنْ بَعْضٍ. (قَوْلُهُ: كَأَلْفِ النَّفْسِ بِأَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ) أَيْ لِوُضُوحِهِ وَعَدَمِ خَفَائِهِ. [تَعْرِيف الْجَهْل] (قَوْلُهُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ) صَدَقَ بِاعْتِقَادِ الْمَقْصُودِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ وَيَظُنُّهُ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: صِدْقُهُ عَلَى الظَّنِّ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ لِلْأَحْكَامِ مِنْ الْأَمَارَاتِ جَهْلٌ. قُلْت: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ ظَنٌّ يُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْأَمَارَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الظَّنِّ الَّذِي يَصْدُقُ بِهِ الْحَدُّ، قَالَهُ النَّاصِرُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَنْفِيِّ الْعِلْمُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَجَازٌ فَوُقُوعُهُ فِي التَّعْرِيفِ مُحْتَاجٌ لِقَرِينَةٍ وَلَا قَرِينَةَ هُنَا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْأُصُولِيِّينَ لَا يَتَحَاشَوْنَ عَنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفَاتِ، وَقَدْ يَدَّعِي وُجُودَ الْقَرِينَةِ وَهِيَ ظُهُورُ أَنَّ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ الْمُطَابِقَ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَالظَّنَّ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا جَهْلًا، ثُمَّ لَا يَخْفَى شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِلتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ فَيَكُونُ انْتِفَاؤُهُ جَهْلًا بَسِيطًا وَلَيْسَ فِي التَّصَوُّرَاتِ جَهْلٌ مُرَكَّبٌ، فَإِنَّهُ إذَا تَصَوَّرَ الْإِنْسَانُ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ صَاهِلٌ مَثَلًا لَيْسَ فِيهِ خَطَأٌ فِي نَفْسِ التَّصَوُّرِ بَلْ فِي الْحُكْمِ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ. (قَوْلُهُ: بِالْمَقْصُودِ) اللَّامُ فِيهِ وَفِي الْمَعْلُومِ لِلْجِنْسِ أَيْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْدٍ

وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْبَسِيطُ أَوْ أُدْرِكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ؛ لِأَنَّهُ جَهْلُ الْمُدْرِكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِهِ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ. (وَقِيلَ) الْجَهْلُ (تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ) أَيْ إدْرَاكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَكْثَرَ وَإِلَّا لَكَانَ مَفْهُومُ التَّعْرِيفَيْنِ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ بِكُلِّ مَقْصُودٍ وَتَصَوُّرُ كُلِّ مَعْلُومٍ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلَانِ إلَّا النَّزْرَ مِنْ أَفْرَادِ الْجَهْلِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَصْلًا) تَفْسِيرٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ بِهِ تَنَاوُلُهُ لِتَسَمِّي الْجَهْلِ أَعْنِي الْبَسِيطَ وَالْمُرَكَّبَ وَقَصْرُ التَّعْرِيفِ الثَّانِي عَلَى الْمُرَكَّبِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ إلَخْ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْقِسْمَانِ. وَقَدْ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ أَوْ أَدْرَكَ، وَهَذَا الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ وَقَعَ مَحْمُولًا عَلَى الْجَهْلِ فَيَكُونُ الْجَهْلُ شَامِلًا لِلْقِسْمَيْنِ وَصَادِقًا عَلَيْهِمَا صِدْقَ الْكُلِّيِّ عَلَى أَفْرَادِهِ وَلَا يَضُرُّ شُمُولُ هَذَا الْمَفْهُومِ لِلْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ أَدْرَكَ إلَخْ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ تَقْسِيمُ الْجَهْلِ إلَى بَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ لَا نَقْلَ خِلَافٍ فِي تَعْرِيفِهِمَا وَمَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ الْإِدْرَاكَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمِيٌّ اهـ. فَإِنَّ مَبْنَى الْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاءَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِدْرَاكِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ يَصْدُقُ الِانْتِفَاءُ عَلَيْهِ تَحَقُّقُهُ فِيهِ تَحَقُّقَ الْكُلِّيِّ فِي أَفْرَادِهِ، نَعَمْ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: الْإِدْرَاكُ انْتِفَاءٌ إلَخْ اتَّجَهَ مَا ذَكَرَهُ وَلَا حَمْلَ هَاهُنَا وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ جَوَازِ حَمْلِ الْعَدَمِيِّ عَلَى الْوُجُودِيِّ كَمَا فِي قَوْلِك: الْبَيَاضُ لَا سَوَادَ نَاقِلًا لَهُ عَنْ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ دَافِعًا بِهِ إشْكَالَ التَّفْتَازَانِيِّ تَفْسِيرَ الْفَصَاحَةِ بِالْخُلُوصِ بِأَنَّهَا وُجُودِيَّةٌ وَالْخُلُوصُ عَدَمِيٌّ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْعَدَمِيِّ عَلَى الْوُجُودِيِّ وَلِمَا لَا تَكَلَّفَهُ سم فِي جَوَابِهِ بِمَا لَا يَخْلُو مَعَ طُولِهِ مِنْ سَقَامَةٍ وَمَا سَلَكَهُ مِنْ نَقْلِ كَلَامِ مَنْ تَعَسَّفَ. (قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْبَسِيطُ) التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِلْمِ تَقَابُلُ الْعِلْمِ وَالْمَلَكَةِ وَالتَّقَابُلُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ تَقَابُلُ التَّضَادِّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُجُودِيٌّ. وَقَالَ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّ الْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ مُمَاثِلٌ لِلْعِلْمِ فَامْتِنَاعُ الِاجْتِمَاعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا هُوَ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا لِلْمُضَادَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُمَيَّزَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَعَلِّقِ وَهِيَ الْمُطَابِقَةُ وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ وَالنِّسْبَةُ لَا تَدْخُلُ فِي حَقِيقَةِ الْمُنْتَسِبِينَ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ طَرَفَيْهِمَا فَتَكُونُ خَارِجَةً عَنْهُمَا وَالِامْتِيَازُ بِالْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ بِالذَّاتِ وَحَيْثُ لَا اخْتِلَافَ إلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ لَزِمَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي تَمَامِ الْمَاهِيَةِ فَيَكُونَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَدْرَكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ) يَشْمَلُ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ فَيَكُونُ جَهْلًا مُرَكَّبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَحْذُوفَ فِي تَسَلُّمِ ذَلِكَ وَلَا يُنَافِيهِ تَرَتُّبُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ فِي حَقِّهِ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْأَمَارَاتِ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْهَا وَالْكَلَامُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ نَعَمْ قَوْلُ الْمَوَاقِفِ وَالْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ أَنَّهُ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْغَيْرُ الْمُطَابِقُ يُخْرِجُ الظَّنَّ أَفَادَهُ سم. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الشَّنَاعَةِ الْقَوِيَّةِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ كَالْقَاضِي وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْهُذَيْلِ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ يَكُونُ ظَنُّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْمُصِيبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ. وَلَكِنَّ هَذَا مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ جَارٍ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَمِثْلُهُ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ جَعْلُ الْحُكْمِ الظَّنِّيِّ الِاجْتِهَادِيِّ مِنْ أَفْرَادِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ بَلْ ذَاكَ تَجْوِيزٌ عَقْلِيٌّ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ اللَّازِمِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَعَدَمِ الْعِلْمِ

مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ (عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ) فِي الْوَاقِعِ فَالْجَهْلُ الْبَسِيطُ عَلَى الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُطَابِقَةِ، وَالْمَوْجُودُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ) فِي التَّعْبِيرِ بِهَيْئَتِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ الْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ لَا يَكُونُ فِي التَّصَوُّرَاتِ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي التَّصْدِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْهَيْئَةَ هِيَ الْحَالَةُ الثَّابِتَةُ لِلشَّيْءِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ فَيَخْرُجُ تَصَوُّرُهُ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ صَاهِلٌ، فَإِنَّهُ لَا جَهْلَ فِي التَّصَوُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ الْإِنْسَانَ وَإِنَّمَا الْجَهْلُ فِي تَصْدِيقٍ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ لِلْإِنْسَانِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ: إنَّ تَصَوُّرَ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ فِي الْوَاقِعِ كَإِدْرَاكِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ صَاهِلٌ جَهْلٌ قَطْعًا، فَلَوْ قَالَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ اهـ. وَلَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ سم فِي دَفْعِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَجَهْلُ الْمُدْرِكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ) أَيْ بِالْهَيْئَةِ الثَّابِتَةِ لِلشَّيْءِ فِي الْوَاقِعِ وَقَوْلُهُ: مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُصَاحِبًا وَلَازِمًا لَهُ الْجَهْلُ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ لَهُ فَتَسْمِيَتُهُ جَهْلًا مُرَكَّبًا؛ لِأَنَّهُ تَصْحَبُهُ وَيَلْزَمُهُ جَهْلٌ آخَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مُسَمَّى الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مَجْمُوعُ هَذَيْنِ الْجَهْلَيْنِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، فَإِنَّ مُسَمَّاهُ الَّذِي هُوَ الِاعْتِقَادُ بَسِيطٌ، إذْ لَا يُعْقَلُ التَّرْكِيبُ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ. وَفِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ سُمِّيَ مُرَكَّبًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَهَذَا جَهْلٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَهَذَا جَهْلٌ آخَرُ قَدْ تَرَكَّبَا مَعًا. (قَوْلُهُ: مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ) أَفَادَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ انْدِفَاعَ إشْكَالِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْمَعْلُومِ عُلِمَ بِهِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى عِلْمُ الْمَعْلُومِ وَالْمَعْلُومُ لَا يُعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ وَشُمُولُ التَّعْرِيفِ لِمَا فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا وُرُودَ لِهَذَا الْأَشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مَعْلُومٌ وَالْمَجْهُولَ إنَّمَا هُوَ صِفَتُهُ مَثَلًا إذَا تَصَوَّرَ الْعَالَمَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ فَالْعَالَمُ مَعْلُومٌ وَالْجَهْلُ فِي إثْبَاتِ صِفَةِ الْقِدَمِ لَهُ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ وَمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ مَرْجِعُهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَادَّعَى النَّاصِرُ أَنَّ بَيْنهمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا وَجْهِيًّا يَجْتَمِعَانِ فِيمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ وَأَنْ يُقْصَدَ كَالْمَعْلُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

لَيْسَ جَهْلًا عَلَى هَذَا وَالْقَوْلَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ قَصِيدَةِ ابْنِ مَكِّيٍّ فِي الْعَقَائِدِ وَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ عَنْ التَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ غَيْرِهِ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْعِلْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا وَيَنْفَرِدُ الْأَزَلُ فِيمَا شَأْنُهُ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ كَذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ وَشَأْنُهُ أَنْ لَا يُعْلَمَ لِتَعَذُّرِ أَسْبَابِ عِلْمِهِ تَعَالَى وَيَنْفَرِدُ الثَّانِي فِيمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ اهـ. وَرُدَّ بِأَنْ قَصَدَ عِلْمَ مَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ، وَأَنَّ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ فَلَا انْفِرَادَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَادَّةٍ عَنْ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ جَهْلًا عَلَى هَذَا) أَيْ بَلْ هُوَ وَاسِطَةٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ قَصِيدَةِ ابْنِ مَكِّيٍّ) الْمُسَمَّاةِ بِالصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَهْدَاهَا لِلسُّلْطَانِ يُوسُفَ صَلَاحِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا وَأَمَرَ بِتَعْلِيمِهَا حَتَّى لِلصِّبْيَانِ فِي الْمَكَاتِبِ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَصِيدَةِ: وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَحُدَّ الْجَهْلَا ... مِنْ بَعْدِ حَدِّ الْعِلْمِ كَانَ سَهْلَا وَهُوَ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ ... فَاحْفَظْ فَهَذَا أَوْجَزُ الْحُدُودِ وَقِيلَ فِي تَحْدِيدِهِ مَا أَذْكُرُ ... مِنْ بَعْدِ هَذَا وَالْحُدُودُ تَكْثُرُ تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ هَذَا جُزْؤُهُ ... وَجُزْؤُهُ الْآخَرُ يَأْتِي وَصْفُهُ مُسْتَوْعِبًا عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ ... فَافْهَمْ فَهَذَا الْقَيْدُ مِنْ تَتِمَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَغْنَى إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الِانْتِفَاءَ لَا يَصِحُّ إلَّا حَيْثُ يَكُونُ الثُّبُوتُ بِخِلَافِ الْعَدَمِ، فَإِنَّهُ أَعَمُّ. (قَوْلُهُ: عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْعِلْمُ) قَالَ النَّاصِرُ: الْمَقَامُ لِمَنْ دُونَ مَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: صِفَةٌ بِعَدَمِ الْعِلْمِ قُرْبُهُ إلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ اهـ. قَالَ سم، وَأَيْضًا فَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْعَاقِلِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَعَلَّ وَجْهَ إيثَارِ مَا نُقِلَ اجْتِمَاعُ مِنْ مَعَ حَرْفِ الْجَرِّ الْمُمَاثِلِ لَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِحَ نَاقِلٌ لِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَنْ غَيْرِهِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ غَرَضَ النَّاصِرِ إبْدَاءُ مُنَاسَبَةٍ لِلتَّعْبِيرِ بِمَا دُونَ مِنْ لَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى

لِإِخْرَاجِ الْجَمَادِ وَالْبَهِيمَةِ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ إنَّمَا يُقَالُ فِيمَا مَنْ شَأْنُهُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ عَدَمِ الْعِلْمِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ مَا لَا يُقْصَدُ كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ فَلَا يُسَمَّى انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِهِ جَهْلًا، وَاسْتِعْمَالُهُ التَّصَوُّرَ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ خِلَافُ مَا سَبَقَ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَيُقْسَمُ حِينَئِذٍ إلَى تَصَوُّرٍ سَاذَجٍ أَيْ لَا حُكْمَ مَعَهُ وَإِلَى تَصَوُّرٍ مَعَهُ حُكْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ سم وَلَا يَخْفَى إلَخْ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ الِاعْتِرَاضُ فَأَشَارَ بِهَا إلَى أَنَّ الشَّارِحَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلُ عِبَارَةِ الْغَيْرِ فَاعْتِرَاضُ النَّاصِرِ يَتَوَجَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ خِلَافُ مَا هُوَ الْغَرَضُ، فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَحْذِفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى مَا زَادَهُ عَلَى النَّاصِرِ مِنْ التَّوْجِيهِ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ رَادًّا عَلَى الْمُتَعَقِّبِ. وَمِنْ الْمَصَائِبِ أَنَّ بَعْضَ مَنْ طَمَسَتْ غِشَاوَةُ التَّعَصُّبِ بَصِيرَتَهُ فَهِمَ أَنَّهُ تَعْقِيبٌ لِمَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَقَالَ: إنَّ كَلَامَ سم كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ فَانْظُرُوا مَنْ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ وَاعْجَبُوا مِنْ اجْتِرَاءِ هَذَا الرَّجُلِ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامِ اهـ. خُرُوجٌ عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَمَحْضُ تَشْنِيعٍ فِي الْمَقَالِ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَكِبَهُ فُحُولُ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْإِنْصَافِ إلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الِاعْتِسَافِ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ: إنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَهِمَ أَنَّ كَلَامَ سم تَعَقَّبَ لِلنَّاصِرِ وَهْمٌ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ فَحْوَى الْخِطَابِ تُفِيدُ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ سم الِانْتِصَارَ لِلشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِإِخْرَاجِ الْجَمَادِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّقْيِيدِ وَكَمَا يَخْرُجُ الْجَمَادُ وَالْبَهِيمَةُ يَخْرُجُ النَّائِمُ وَالْغَافِلُ وَنَحْوُهُمَا، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ الْعِلْمُ. (قَوْلُهُ: كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْأَسْفَلِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ وَمِثْلُهُ مَا فَوْقَ السَّمَوَاتِ وَمَا فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَاسْتِعْمَالٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ: خِلَافُهُ إلَخْ حَالٌ، وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ إنَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَوُّرِ التَّصَوُّرُ الْمُطْلَقُ الْمُرَادِفُ لِلْعِلْمِ الصَّادِقُ بِالتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ، وَالتَّصْدِيقُ لَا التَّصَوُّرُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ الْمُقَابِلِ لِلتَّصْدِيقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيَنْقَسِمُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ إلَى تَصَوُّرٍ سَاذَجٍ إلَخْ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْجَهْلُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِقُصُورِهِ عَلَى التَّصْدِيقِ وَقَوْلُهُ: خِلَافُ مَا سَبَقَ أَيْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي التَّصَوُّرِ السَّاذَجِ خَاصَّةً، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ لِلتَّصَوُّرِ اسْتِعْمَالَيْنِ وَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي مُطْلَقِ التَّصَوُّرِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي التَّصَوُّرِ السَّاذَجِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ هُنَا هُوَ بِمَعْنَى مَا فِي طَالِعَةِ الشَّمْسِيَّةِ وَلِلسَّرَّاجِ وَالْحَوَاشِي هُنَاكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ يَخُصَّنَا هُنَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ عَلَى أَنَّهُ سَبْقُ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِمَا هُنَا، وَتَكَلَّمْنَا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ مُقْنِعٌ وَالنَّاصِرُ لِشَغَفِهِ بِالِاعْتِرَاضِ لَخَّصَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ وَذَكَرَهُ هُنَا وَتَكَلَّمَ مَعَهُ سم وَمَنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ أَيْضًا وَالْكُلُّ مُسْتَمَدٌّ مِنْ مَوَادِّ ذَلِكَ الْكِتَابِ. فَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَبْحَثَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهِ، وَمَسْأَلَةُ تَقْسِيمِ الْعِلْمِ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ حَتَّى إنَّ الْقُطْبَ الرَّازِيَّ أَفْرَدَهَا

وَهُوَ التَّصْدِيقُ. (وَالسَّهْوُ الذُّهُولُ) أَيْ الْغَفْلَةُ (عَنْ الْمَعْلُومِ) الْحَاصِلِ فَيَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ فَهُوَ زَوَالُ الْمَعْلُومِ فَيَسْتَأْنِفُ تَحْصِيلَهُ. (مَسْأَلَةُ الْحَسَنِ) فِعْلُ الْمُكَلَّفِ (الْمَأْذُونُ) فِيهِ (وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَمُبَاحًا) الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ وَالْمَنْصُوبَاتُ أَحْوَالٌ لَازِمَةٌ لِلْمَأْذُونِ أَتَى بِهَا لِبَيَانِ أَقْسَامِ الْحَسَنِ. (قِيلَ وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ) أَيْضًا كَالصَّبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَأْلِيفٍ مُسْتَقِلٍّ وَحَشَّاهُ الْعَلَّامَةُ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ بِحَاشِيَةٍ أَتَى فِيهَا بِنَفَائِسَ تَحْقِيقَاتٍ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا، وَنَحْنُ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّصْدِيقُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمَجْمُوعِ التَّصَوُّرِ وَالْحُكْمُ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ مِنْ التَّأْوِيلِ لَا لِلتَّصَوُّرِ الْمُقَيَّدِ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرَ مِنْ الْعِبَارَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالسَّهْوُ الذُّهُولُ) مَضْمُونُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الذُّهُولَ وَالْغَفْلَةَ مُتَرَادِفَانِ وَأَنَّهُمَا أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ السَّهْوِ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ مُبَايِنَةٌ لِلنِّسْيَانِ، وَقَدْ قَالَ النَّاصِرُ هَذَا قَوْلٌ لَا أَعْلَمُ لَهُ سَنَدًا، ثُمَّ سَاقَ مَا يُخَالِفُهُ عَنْ الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ اهـ. وَقَوْلُ سم فِي جَوَابِهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَبْتَدِعَا ذَلِكَ بَلْ هُمَا نَاقِلَانِ لَهُ وَأَنَّهُمَا ثِقَتَانِ حُجَّتَانِ وَأَنَّهُمَا لَمْ يَنْقُلَا ذَلِكَ عَنْ الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ وَلَا الْتَزَمَا مُوَافَقَتَهُمَا حَتَّى يَضُرَّهُمَا مُخَالَفَتُهُمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا بَلْ الْوَاجِبُ فِي صِنَاعَةِ التَّوْجِيهِ الْإِتْيَانُ بِنَقْلٍ عَنْ إمَامٍ ثِقَةٍ بِمَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَنَبَّهْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ بَلْ هُوَ مُخِلٌّ بِرُتْبَةِ قَائِلِهِ مِنْ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: الْحَاصِلُ) أَيْ فِي الْحَافِظَةِ وَالذُّهُولِ مِنْ الْمُدْرِكَةِ فَلَا تَنَافِيَ. (قَوْلُهُ: فَيَتَنَبَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْحَاصِلِ. (قَوْلُهُ: زَوَالُ الْمَعْلُومِ) أَيْ مِنْ الْحَافِظَةِ وَالْمُدْرِكَةِ مَعًا، وَهَذَا إنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ الْقُوَى الْبَاطِنَةِ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا الْحُكَمَاءُ وَنَفَاهَا الْمُتَكَلِّمُونَ. (قَوْلُهُ: فِعْلُ الْمُكَلَّفِ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ وَلْتَحْسُنْ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ قِيلَ وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ الْمَلْزُومُ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ إلَّا الْبَالِغَ الْعَاقِلَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَالسَّاهِي إلَخْ. وَفِي تَفْسِيرِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ هُنَا بِالْمَأْذُونِ وَالْمَنْهِيِّ وَلَوْ بِالْعُمُومِ، وَفِيمَا سَبَقَ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ إلَخْ الْأَخَصُّ مِمَّا تَقَدَّمَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ لَهُمَا إطْلَاقَيْنِ. (قَوْلُهُ: الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ) وَهِيَ فِي تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتٍ إنْ لُوحِظَ اجْتِمَاعُهَا تَحْتَهُ أَجْوَدُ. (قَوْلُهُ: أَحْوَالٌ لَازِمَةٌ) أَيْ لِأَنْوَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: أُتِيَ بِهَا لِبَيَانِ أَقْسَامِ الْحُسْنِ أَمَّا عَلَى وَجْهِ التَّوْزِيعِ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالٌ لَازِمَةٌ لِقِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا مَثَّلَ بِهِ النُّحَاةُ مِنْ قَوْلِهِمْ حَبَّذَا الْمَالُ فِضَّةً وَذَهَبًا أَوْ عَلَى وَجْهِ لُزُومِ مَجْمُوعِهَا لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْحَسَنُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مُتَنَوِّعًا إلَى مَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ لِمَفْهُومِ الْمَأْذُونِ حَتَّى يَرُدَّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْحَالَ اللَّازِمَةَ هِيَ غَيْرُ الْمُنْفَكَّةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ يَنْفَكُّ عَنْ الْمَأْذُونِ بِأَنْ يَتَّصِفَ الْمَأْذُونُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأُخْرَى فَاللَّازِمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ لَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَا مَجْمُوعِهَا. (قَوْلُهُ: قِيلَ) قَائِلُهُ الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ مَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا فَقَبِيحٌ وَإِلَّا فَحَسَنٌ كَالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ وَفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَهُوَ لِتَنَاوُلِهِ فِعْلَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَتَبَ عَلَى الْمِنْهَاجِ اعْتَرَضَهُ بِأَنْ جَعَلَ فِعْلَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ جِنْسًا غَيْرَ حَسَنٍ، فَإِنَّ تَقْسِيمَ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةِ الْمُتَعَلِّقِ يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا حَسَنَ إلَّا بِالشَّرْعِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَوُرُودُ الشَّرْعِ بِحُسْنِ أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ مَمْنُوعٌ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَيُقْرَأُ " وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ " بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَعَلَى مَوْصُوفِهِ الْمَحْذُوفِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ

وَالسَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْبَهِيمَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ (وَالْقَبِيحُ) فِعْلُ الْمُكَلَّفِ (الْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (وَلَوْ) كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ (بِالْعُمُومِ) أَيْ بِعُمُومِ النَّهْيِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ أَوَامِرِ النَّدْبِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَدَخَلَ) فِي الْقَبِيحِ (خِلَافُ الْأَوْلَى) كَمَا دَخَلَ فِيهِ الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ. (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَيْسَ الْمَكْرُوهُ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى (قَبِيحًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُذَمُّ عَلَيْهِ (وَلَا حَسَنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ يَسُوغُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ وَاسِطَةً أَيْضًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ بِمَعْنَى تَرْتِيبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ شَرْعِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ، إذْ لَا يَصِحُّ إدْرَاجُهُ فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ فِيهِ وَالْحَسَنُ أَحَدُ قِسْمَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الْحُكْمُ فَيَحْتَاجُ لِلْجَوَابِ بِأَنَّهُ انْدَرَجَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ أَحَدَ قِسْمَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ النَّظَرَ فِيهِ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ إنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ يَشْمَلُ عِبَادَاتِهِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالْحَسَنِ عَلَى الْقَوْلِ كَمَا لَا تُوصَفُ بِالْقُبْحِ فَيَكُونُ وَاسِطَةً عَلَيْهِ وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا فِعْلَهُ الْمَنْهِيَّ عَنْ نَوْعِهِ نَحْوَ زِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَمِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ ذَهَابُ أَحَدٍ إلَى حُسْنِ ذَلِكَ فَيُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ أَيْ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْ نَوْعِهِ فَيَخْرُجُ وَفِيهِ بُعْدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِاسْتِثْنَائِهِ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي التَّعْرِيفَاتِ غَيْرُ مَعْهُودٍ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ) يَتَنَاوَلُ التَّعْرِيفُ أَفْعَالَ اللَّهِ كَذَا قَالُوا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ مِنْهَاجٍ الْبَيْضَاوِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّهْيِ عَنْهُ شَرْعًا إمَّا لِعَدَمِ صُلُوحِهِ لِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَذَلِكَ إمَّا لِتَعَالِيهِ كَفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنُّقْصَانِ كَفِعْلِ السَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالطِّفْلِ وَالْبَهِيمَةِ وَإِمَّا لِتَعَلُّقِ مُنَافِيَاتِ النَّهْيِ بِهِ مَعَ صُلُوحِهِ لِذَلِكَ كَالْمَذْكُورَاتِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ الْمَكْرُوهُ قَبِيحًا) فَعَلَى هَذَا لَيْسَ كُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ قَبِيحٌ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْحَرَامِ وَقَوْلُهُ: أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ إلَخْ الْمَحَلُّ لِلْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْرُوهِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَتَفْسِيرُهُ بِمَا يَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوَّلِ الظَّاهِرِ فَلَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِأَيٍّ. وَقَدْ يُوَجَّهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي الشَّامِلِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوَّلِ) لَا يُقَالُ لَا قُصُورَ عَلَى إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْأَخَصِّ لِاسْتِفَادَةِ نَفْيِ خِلَافِ الْأَوْلَى بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الْأَوْلَوِيِّ مِنْ نَفْيِ قُبْحِ الْمَكْرُوهِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَكْفِي اسْتِفَادَةُ نَفْيِ قُبْحِهِ بِالْأَوْلَى فِي جَعْلِهِ وَاسِطَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ حُسْنِهِ أَيْضًا وَهُوَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ نَفْيِ حُسْنِ الْمَكْرُوهِ لَا بِالْأَوْلَى وَلَا بِالْمُسَاوِي؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ أَعْلَى وَأَغْلَظُ وَالْمَفْهُومُ لَا يَكُونُ أَدْوَنَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُذَمُّ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنَّمَا يُلَامُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُبَاحِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْحَسَنُ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ وَاسِطَةً أَيْضًا) صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا فِي تَلْخِيصِ التَّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ فَيَكُونُ لَهُ فِي الْمُبَاحِ قَوْلَانِ، وَإِنْ أَوْهَمَ خِلَافَهُ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ عَلَى جَعْلِ الْمَكْرُوهِ وَاسِطَةً وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ جَعَلَهُ وَاسِطَةً أَيْضًا لَأَفَادَ ذَلِكَ وَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ: وَعَجِيبٌ نَقْلُ الشَّارِحِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَعَ تَصْرِيحِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ الْبِرْمَاوِيِّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ بَحْثًا لَهُ نَعَمْ وَقَعَ لِلْإِمَامِ فِي التَّلْخِيصِ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى الْحَسَنِ إلَخْ) ، وَأَمَّا الْقُبْحُ فَبَاقٍ عَلَى تَعْرِيفِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمُبَاحِ وَاسِطَةَ تَغْيِيرِ تَعْرِيفِ الْمُبَاحِ. (قَوْلُهُ: تَرَتُّبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ) قَالَ النَّاصِرُ التَّرَتُّبُ لُزُومُ شَيْءٍ عَنْ آخَرَ وَفِعْلُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ لَيْسَ لَازِمًا لِلْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ فَالْمُرَادُ هُنَا تَرَتُّبُ طَلَبِهِمَا أَوْ جَوَازُهُمَا، فَتَرَتُّبُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا فَقَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ صَنِيعِ الشَّارِحِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالثَّنَاءِ عَلَى الشَّيْءِ تَابِعٌ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ

[مسألة جائز الترك ليس بواجب]

مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ) سَوَاءٌ كَانَ جَائِزَ الْفِعْلِ أَيْضًا أَمْ مُمْتَنِعَهُ (لَيْسَ بِوَاجِبٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ شَرْعِيٌّ أَنَّ الشَّيْءَ الْحَسَنَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ لِكَوْنِ الشَّيْءِ مَأْمُورًا بِهِ بِدَلِيلِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ. وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ تَنْظِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالْحَسَنِ عِنْدَ هَذَا الْبَعْضِ بِالْمُرَادِ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالتَّقْدِيرُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَالْحَسَنِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ بِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّهُمْ نَظَرُوا فِيهِ إلَى مَا ذُكِرَ وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ حَوَالَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُسْتَشْكَلَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِذَلِكَ حَتَّى تَصِحَّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ كَمَا ظَنَّهُ الشَّيْخُ فَاسْتَشْكَلَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الْحَوَالَةِ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَعُ الْحَوَالَةُ بِاعْتِبَارِهِ، وَلِمَ لَا يَكْفِي فِي الْحَوَالَةِ إرَادَتُهُ وَيَكُونُ تَنْبِيهًا عَلَى إرَادَتِهِ اهـ. وَأَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ [مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ] (قَوْلُهُ: جَائِزُ التَّرْكِ) أَيْ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَطَرَأَ الْعُذْرُ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّ لِحِينِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَيْضِ. وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبٌ فَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَزَادَ بَعْضٌ قَيْدًا مُطْلَقًا لِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي حَالَةٍ دُونَ الْأُخْرَى وَلَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ تَرْكُهُ فِيهِمَا لَيْسَ الْوَاجِبُ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ إلَّا حَدُّ الْمُبْهَمُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ التَّرْكِ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ وَهُمَا لَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ جَائِزَ إلَخْ) الْأَوَّلُ كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَالثَّانِي كَصَوْمِ الْحَائِضِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْإِمْكَانِ الْعَامِّ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْمَنَاطِقَةُ وَهُوَ سَلْبُ الضَّرُورَةِ عَنْ الطَّرَفِ الْمُخَالِفِ وَبَعْضُ النَّاظِرِينَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ النَّاصِرِ فَهُوَ كَالْإِمْكَانِ الْعَامِّ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَخْرِيجُ مَا هُنَا عَلَيْهِ وَمَا دَرَى أَنَّ الْجَوَازَ وَالِامْتِنَاعَ هُنَا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَكَذَلِكَ الْوُجُوبُ وَاَلَّذِي اعْتَبَرُوهُ هُنَاكَ هُوَ الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ كَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ فَكَيْفَ مَعَ تَخَالُفِ الِاصْطِلَاحَيْنِ يَنْطَبِقُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ، وَأَيْضًا الْجَوَازُ هُنَا وَقَعَ مَوْضُوعَ الْقَضِيَّةِ وَالْجَوَازُ بِمَعْنَى الْإِمْكَانِ جِهَةً لِلْقَضِيَّةِ مُعْتَبَرٌ حُصُولُهُ بَعْدَ

(وَإِلَّا لَكَانَ مُمْتَنِعَ التَّرْكِ) وَقَدْ فُرِضَ جَائِزُهُ. (وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْعِقَادِهَا وَلِذَلِكَ ارْتَبَكَ فِي تَقْرِيرِ الْإِمْكَانِ وَخَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَكَانَ إلَخْ) دَلِيلٌ اسْتِثْنَائِيٌّ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزَ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِأَنْ كَانَ وَاجِبًا كَانَ مُمْتَنِعَ التَّرْكِ، لَكِنَّ التَّالِيَ بَاطِلٌ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي فَقَدْ أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ فَرَضَ إلَخْ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ الِامْتِنَاعِ أَنْ لَا يَكُونَ جَائِزَ التَّرْكِ، وَالْغَرَضُ أَنَّهُ جَائِزُ التَّرْكِ فَيَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ وَهُوَ مُحَالٌ وَمَلْزُومُ الْمُحَالِ، وَهُوَ امْتِنَاعُ التَّرْكِ مُحَالٌ فَمَلْزُومُهُ وَهُوَ الْوُجُوبُ مُحَالٌ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ أَعْنِي عَدَمَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُدَّعِي. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ التَّنَاقُضِ، فَإِنَّ الْمُنَافِيَ لِلْوُجُوبِ هُوَ جَوَازُ التَّرْكِ مُطْلَقًا لَا جَوَازُهُ وَقْتَ الْعُذْرِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ فَاللَّازِمُ كَوْنُهُ جَائِزَ التَّرْكِ وَقْتَ الْعُذْرِ وَغَيْرَ جَائِزِ التَّرْكِ فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ، وَلَيْسَ هَذَا تَنَاقُضًا لِاخْتِلَافِ زَمَنَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي: وَجَوَازُ التَّرْكِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَجَعَلَهُ النَّاظِرُونَ هُنَا مِنْ قَبِيلِ قِيَاسِ الْحَلِفِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا بَلْ هُوَ كَبَقِيَّةِ الْأَقْيِسَةِ الِاسْتِثْنَائِيَّة الَّتِي يُسْتَدَلُّ فِيهَا بِبُطْلَانِ التَّالِي فَيَبْطُلُ نَقِيضُهُ فَيَثْبُتُ الْمُدَّعِي كَمَا قَرَّرْنَاهُ إذْ لَيْسَ كُلُّ قِيَاسٍ أُبْطِلَ فِيهِ الْمُقَدَّمُ لِيَثْبُتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمُدَّعِي قِيَاسَ الْخُلْفِ، قَالَ السَّعْدُ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ: وَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ مُنْحَصِرًا فِي الِاقْتِرَانِيِّ وَالِاسْتِثْنَائِيّ وَجَبَ رَدُّ هَذَا الْقِيَاسِ يَعْنِي قِيَاسَ الْخُلْفِ وَتَحْلِيلُهُ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ عَظِيمٌ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ الشَّيْخِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ قِيَاسَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اقْتِرَانِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ مُتَّصِلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الْمَطْلُوبِ الْمَوْضُوعِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ وَنَقِيضُ الْمَطْلُوبِ وَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ بَيِّنَةٌ بِذَاتِهَا وَالْأُخْرَى مِنْ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ الْمَوْضُوعِ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مُحَالٍ، وَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ رُبَّمَا تَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَيَنْتِجُ مُتَّصِلَةٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ وَمِنْ الْأَمْرِ الْمُحَالِ. وَثَانِيهِمَا: اسْتِثْنَائِيٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُتَّصِلَةٍ لُزُومِيَّةٍ هِيَ نَتِيجَةُ ذَلِكَ الِاقْتِرَانِيِّ وَاسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ التَّالِي لِيَنْتِجَ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ فَيَلْزَمُ تَحَقُّقُ الْمَطْلُوبِ، وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَطْلُوبُ يَتَحَقَّقُ نَقِيضُهُ لِتَحَقُّقِ الْمُحَالِ، لَكِنْ الْمُحَالُ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فَنَقِيضُ الْمَطْلُوبِ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فَالْمَطْلُوبُ مُتَحَقِّقٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ فُرِضَ إلَخْ) ضَمِيرُهُ الْمُسْتَتِرُ يَعُودُ لِلشَّيْءِ الْمُتَّصِفِ بِجَوَازِ التَّرْكِ مُجَرَّدًا عَنْ صِفَتِهِ وَإِلَّا صَارَ الْمَعْنَى، وَقَدْ فُرِضَ جَائِزُ التَّرْكِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) أَيْ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَلَفٍ لِلْمُصَنِّفِ فِي نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمَحْصُولَ مُنْتَقَدٌ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْمَحْصُولِ نَقَلَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا عَنْ أَكْثَرِهِمْ وَيُعَارِضُهُ فِي الْحَائِضِ نَقْلُ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ إلَّا وَجْهًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ مُقَابِلِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ، فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَتُؤْمَرُ بِتَأْخِيرِهِ اهـ. وَقَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ قَالَ الْفُقَهَاءُ: مُرَادُهُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ نَعَمْ نَقَلَ ابْنُ بَرْهَانٍ الْوُجُوبَ عَلَى الْحَائِضِ عَنْ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ نَقْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافُهُ وَبِمَا سَبَقَ مِنْ نَقْلِ النَّوَوِيِّ خِلَافُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَهُ الْكَمَالُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزَّرْكَشِيَّ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ

يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهَؤُلَاءِ شَهِدُوهُ وَجَوَازُ التَّرْكِ لَهُمْ لِعُذْرِهِمْ أَيْ الْحَيْضُ الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ أَيْضًا، وَالْمَرَضُ وَالسَّفَرُ اللَّذَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ فَكَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ شُهُودَ الشَّهْرِ مُوجِبٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا شُهُودُ الشَّهْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُصُولِ أَنَّ مَذْهَبَنَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَأْخِيرُهُ إلَى زَوَالِ الْعُذْرِ، وَيَكْفِي هَذَا مَعَ نَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ سَلَفًا لِلْمُصَنِّفِ وَنَقْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ إنَّمَا يُعَارِضُ نَقْلَ ابْنِ بَرْهَانٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِأَصْحَابِنَا. (قَوْلُهُ: يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُونَ مُخَاطَبِينَ بِهِ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ بِمَعْنَى أَنَّ ذِمَّتَهُمْ مَشْغُولَةٌ بِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ لَا لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ. (قَوْلُهُ: وَهَؤُلَاءِ شَهِدُوهُ) فِيهِ إشَارَةٌ لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ تَقْرِيرُهُ هَكَذَا الْحَائِضُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ شَهِدُوا الشَّهْرَ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا الْكُبْرَى فَدَلِيلُهَا الْآيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ مُؤْذِنٌ بِعِلِّيَّةِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الصَّوْمِ شُهُودُ الشَّهْرِ أَيْ حُضُورُهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ مُعَارَضًا بِالدَّلِيلِ السَّابِقِ احْتَاجَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَنْعِ التَّنَاقُضِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَجَوَازُ التَّرْكِ لَهُمْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ) الْمَنْعُ فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ اللَّذَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ إلَخْ لَا يُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ لِظُهُورِ انْتِفَائِهِ وَلَا الْمَانِعُ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَانِعُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْوُجُوبُ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحَرَّمَ أَيْ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، لَكِنْ يَرِدُ حِينَئِذٍ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ مَا أَدَّى إلَى التَّلَفِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ اهـ. نَاصِرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحَرَّمَ تَحْرِيمًا بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ كَانَ فَاسِدًا غَيْرَ مُجْزِئٍ، وَهَذَا لَيْسَ إلَّا فِي الْحَيْضِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ فَإِنَّهُمَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُجْزِئُ مَعَ التَّحْرِيمِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَمْ مُمْتَنِعَةٌ وَقَوْلُهُ: وَالْمَرَضُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ جَائِزَ الْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ لِشُهُودِهِمْ الشَّهْرَ وَلِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ لِلْأَكْثَرِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ الْأَصْلُ وَاجِبًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِبَدَلِهِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ وَاجِبًا فَيَكُونُ الصَّوْمُ وَاجِبًا فِي حَقِّهِمْ حَالَةَ الْعُذْرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَمَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ فِي مَحَلِّ الْعُذْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ الْمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ وَقَعَ بِالْآيَةِ مَعَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ سَنَدًا لِكُبْرَى الْقِيَاسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى السَّنَدِ غَيْرُ مُوَجَّهٍ مِنْ طَرَفِ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَالْوَجْهُ مَا قُلْنَا: إنَّهُ مَنْعٌ لِكُبْرَى الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: مُوجِبٌ) أَيْ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَالْعُذْرُ قَائِمٌ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ) جَوَابٌ مِنْ طَرَفِهِمْ أَيْضًا عَنْ الدَّلِيلِ الثَّانِي حَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي أَصْلَ الْوُجُوبِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى تَحَقُّقِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ، وَقَدْ حَصَلَ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَا يُلَاقِي مَا أُجِيبَ عَنْهُ وَهُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُوبَ

لَا عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الظُّهْرِ مَثَلًا عَلَى مَنْ نَامَ جَمِيعَ وَقْتِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ لِغَفْلَتِهِ (وَقِيلَ) يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى (الْمُسَافِرِ دُونَهُمَا) أَيْ دُونَ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ لِقُدْرَةِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهِ وَعَجْزِ الْحَائِضِ عَنْهُ شَرْعًا وَالْمَرِيضِ حِسًّا فِي الْجُمْلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَضَاءِ بِقَدْرِ الْفَائِتِ وَاجِبٌ كَبَدَلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَدَلًا بَلْ فِعْلًا مُقْتَضِيًا، وَأَمَّا كَوْنُ الْقَضَاءِ يَتَرَتَّبُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ أَوْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فَشَيْءٌ آخَرُ لَا تَعَلُّقَ بِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ اهـ. قَالَ سم وَهُوَ إشْكَالٌ حَسَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ إلَخْ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي كَوْنَهُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ الْمُشْعِرُ ذَلِكَ بِبَدَلِيَّتِهِ فَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَوْنَ الْقَضَاءِ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ الْمُشْعِرُ بِالْبَدَلِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ نَفْسِ الْوُجُوبِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ سَبْقُ إدْرَاكِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَيْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدُ إدْرَاكِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مُصِحًّا لِكَوْنِ الْقَضَاءِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ وَلِلْبَدَلِيَّةِ إذْ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهَا أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ لَوْلَا الْعُذْرُ وَلَا بُدَّ لِنَفْيِ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبَ فِي الْجُمْلَةِ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا إلَخْ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبَ فِي حَقِّ الْقَاضِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّوَقُّفَ إنَّمَا هُوَ السَّبَبُ لِجَوَازِ التَّوَقُّفِ عَلَى الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالُوا اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجُوبٌ مُطْلَقًا قَالَهُ النَّاصِرُ. قَالَ سم وَجَوَابُهُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّوَقُّفَ إنَّمَا هُوَ عَلَى السَّبَبِ إلَخْ، قُلْنَا: الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ إضَافِيٌّ أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالْفِعْلِ عَلَى الْقَاضِي بَلْ يَكْفِي فِيهِ اسْتِدْرَاكُ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ الْوُجُوبَ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ السَّبَبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ قَدْ يَنْتَفِي الْوُجُوبُ فِي الْجُمْلَةِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِإِدْرَاكِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ عَمَّ الْعُذْرُ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّهُ لَا وُجُوبَ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ السَّبَبَ وَمِنْ هُنَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْحَصْرِ حَقِيقِيًّا وَأَنْ لَا يَتَوَقَّفَ إلَّا عَلَى إدْرَاكِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ دَارَ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا بِخِلَافِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الظُّهْرِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَلَى الْقَاضِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ أَمَّا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْوُجُوبُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْسِرَ بِالدَّيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَفِي حَالِ الْعُسْرِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلَهُ وَقِيلَ يَجِبُ الصَّوْمُ إلَخْ) نَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. (قَوْلُهُ: حِسًّا أَوْ شَرْعًا مُطْلَقًا) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ لَا فِي التَّفْصِيلِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، وَقَدْ يُمْكِنُهُ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ، فَإِذَا قِيلَ: إنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ حِسًّا عَلَى الْإِجْمَالِ، صَحَّ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى عَجْزِهِ فِي إحْدَى حَالَتَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ نِسْبَةُ الْعَجْزِ إلَيْهِ تَفْصِيلًا

(وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِ دُونَهُمَا (أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ) الْحَاضِرِ أَوْ آخَرَ بَعْدَهُ فَأَيُّهُمَا أَتَى بِهِ فَقَدْ أَتَى بِالْوَاجِبِ كَمَا فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ حَالَةَ الْعُذْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَالْقَضَاءُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا. (وَفِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ) أَيْ مُسَمًّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً (خِلَافٌ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَمَ رَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِيجَابِ كَصِيغَةِ أَفْعَلَ فَلَا يُسَمَّى وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ أَيْ طَلَبُ الْفِعْلِ فَيُسَمَّى وَرَجَّحَهُ الْآمِدِيُّ أَمَّا كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ أَيْ صِيغَةُ أَفْعَلَ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهَا مَجَازٌ فِي النَّدْبِ أَمْ حَقِيقَةٌ فِيهِ كَالْإِيجَابِ خِلَافٌ يَأْتِي (وَالْأَصَحُّ لَيْسَ) الْمَنْدُوبُ (مُكَلَّفًا بِهِ وَكَذَا الْمُبَاحُ) أَيْ الْأَصَحُّ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهِ. (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا، وَهُوَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (كَانَ التَّكْلِيفُ إلْزَامَ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ) مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (لَا طَلَبُهُ) أَيْ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ أَوْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ عَجْزِهِ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى قَالَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقٌ لِمَا قَبْلَهُ فِي الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَمُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الشَّهْرُ الْحَاضِرُ لَا يَجِبُ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِطَرِيقِ الْبَدَلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْمَرِيضِ لِأَنَّ عُذْرَهُ كَالْمُسَافِرِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِي مَرِيضٍ يُفْضِي بِهِ الصَّوْمُ لِهَلَاكِ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَلَوْ تَحَمَّلَ وَصَامَ صَحَّ صَوْمُهُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا. (قَوْلُهُ: أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ) فَيُخَاطَبُ حَالَ سَفَرِهِ بِالْأَحَدِ الدَّائِرِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ يُخَاطَبُ بِرَمَضَانَ وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ لِلْعُذْرِ. (قَوْلُهُ: دُونَ الْمَعْنَى) أَيْ فَلَا ثَمَرَةَ لَهُ وَفِيهِ أَنَّ لَهُ ثَمَرَةً فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ظُهُورَ فَائِدَتِهِ فِي وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي النِّيَّةِ وَنُوقِشَ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُسَمًّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ كَوْنُهُ يُسَمَّى مَأْمُورًا بِهِ تَسْمِيَةً حَقِيقِيَّةً لَا كَوْنُهُ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ أَيْ صِيغَةَ أَفْعَلَ إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أم ر) كُتِبَتْ مُفَكَّكَةَ الْحُرُوفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ هَذِهِ الْمَادَّةُ حَيْثُمَا وُجِدَتْ فِي فِعْلٍ أَوْ مَصْدَرٍ أَوْ مُشْتَقٍّ. (قَوْلُهُ: كَصِيغَةِ أَفْعَلَ) لَيْسَ التَّنْظِيرُ بِهَا فِي أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِيجَابِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهَا مَجَازٌ فِي النَّدْبِ إلَخْ بَلْ التَّنْظِيرُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ أَمَرَ حَقِيقَةٌ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ لَيْسَ الْمَنْدُوبُ مُكَلَّفًا بِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَلْزُومًا بِهِ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَحِينَئِذٍ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى بَلْ الْخُلْفُ لَفْظِيٌّ مَبْنَاهُ الْخُلْفُ فِي تَفْسِيرِ التَّكْلِيفِ وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَكْتَنِفْ بِالْعِلْمِ بِالْخِلَافِ فِيهِ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّكْلِيفِ كَمَا تَرَكَ التَّعَرُّضَ لِلْمَكْرُوهِ وَخِلَافُ الْأَوْلَى اكْتِفَاءً بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي خُصُوصِ الْمَنْدُوبِ وَلَمْ يَقَعْ فِي خُصُوصِ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَعْرِيفَ التَّكْلِيفِ بِمَا ذُكِرَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى انْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِالْمَنْدُوبِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ مَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْعَضُدِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ بَيْنَهُمَا تَلَازُمًا مُصَحِّحًا لِتَرَتُّبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ الْعَكْسَ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الشَّارِحُ وَالْمُبَاحُ وَأَنَّ قَوْلَهُ أَيْ الْأَصَحُّ لِمُجَارَاةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَخُصَّ الْمَنْدُوبُ دُونَ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْعُدُولِ عَنْ أَحَدِ التَّعْرِيفَيْنِ إلَى الْآخَرِ. وَقَالَ سم بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ

(خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي فَعِنْدَهُ الْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَبِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى مُكَلَّفٌ بِهَا كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ، وَزَادَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَاحَ فَقَالَ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ) وَقِيلَ: إنَّهُ جِنْسٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِمَا وَاخْتَصَّ الْوَاجِبَ بِفَصْلِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ قُلْنَا وَاخْتَصَّ الْمُبَاحَ أَيْضًا بِفَصْلِ الْإِذْنِ فِي التَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبَاحُ مُكَلَّفًا بِهِ مَا صَحَّ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا إلْزَامَ فِيهِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِالْمُبَاحِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ مَلْزُومًا بِهِ فَيَدْخُلُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ، فَأَمَّا التَّكْلِيفُ فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهُ الْأَمْرُ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَالنَّهْيُ عَمَّا فِي الِامْتِنَاعِ عَنْهُ كُلْفَةٌ، فَإِنْ جَمَعْتهمَا قُلْت: الدُّعَاءُ إلَى مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَعَدُّ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَالْأَوْجَهُ عِنْدَنَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ يُشْعِرُ بِتَطْوِيقِ الْمُخَاطَبِ الْكُلْفَةَ مِنْ غَيْرِ خِيرَةٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ يَفْتَرِقَانِ بِتَخْيِيرِ الْمُخَاطَبِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ آيِلٌ إلَى الْمُنَاقَشَةِ فِي عِبَارَةِ نَعَمْ الشَّرْعُ يَجْمَعُ الْوَاجِبَ وَالنَّدْبَ وَالْحَظْرَ وَالْكَرَاهَةَ، فَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَا يَحْتَوِي عَلَيْهَا مَعْنَى التَّكْلِيفِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهَا مِنْ التَّكْلِيفِ وَهِيَ هَفْوَةٌ ظَاهِرَةٌ، ثُمَّ فَسَّرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْإِبَاحَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ رَدُّ الْكَلَامِ إلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ التَّكْلِيفِ وَهُوَ مُوَافِقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلْ تَعُدُّونَ الْإِبَاحَةَ مِنْ الشَّرْعِ قُلْنَا: نَعَمْ هِيَ مَعْدُودَةٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا اهـ. بِلَفْظِهِ. (قَوْلُهُ: كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ) ذِكْرُهُمَا إنْ كَانَ مُتَّفِقًا عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى لِيَرْجِعَ إلَى الْأَرْبَعَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ زَادَ أَوْ بِقَوْلِهِ فَقَالَ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا، أَيْ: وَإِنْ لَمْ نَقُلْ: إنَّ زِيَادَتَهُ لِتَتْمِيمِ الْأَقْسَامِ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُبَاحَ) لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ بَلْ هُوَ نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَهُمَا مَفْهُومَانِ مُتَبَايِنَانِ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ، وَأَحَدُ الْمُتَبَايِنَيْنِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْآخَرِ، فَلَوْ كَانَ جِنْسًا لَهُ لَوَجَبَ صِدْقُهُ عَلَيْهِ كَصِدْقِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِمَا) أَفَادَ هَذَا التَّعْلِيلُ أَنَّ الْمُبَاحَ وَالْوَاجِبَ انْدَرَجَا تَحْتَ أَمْرٍ كُلِّيٍّ وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ قِسْمٌ لِلْوَاجِبِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي يُفِيدُهُ هُوَ أَنَّ الْمُبَاحَ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاجِبِ صِدْقَ الْجِنْسِ عَلَى نَوْعِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَطَّ التَّعْلِيلِ قَوْلُهُ: وَاخْتَصَّ الْوَاجِبُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بِفَصْلِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ) أَيْ فَيَكُونُ مُنْدَرِجًا تَحْتَهُ مُمْتَازًا عَنْهُ بِهَذَا الْفَصْلِ، وَقَوْلُهُ: بِفَصْلِ الْمَنْعِ، الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا وَاخْتَصَّ الْمُبَاحَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أُخِذَ الْمُبَاحُ عَلَى عُمُومِهِ فَحَيْثُ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصْلٌ مُبَايِنٌ لِلْآخَرِ كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ تَبَايُنًا كُلِّيًّا لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَهُمَا نَوْعَانِ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُبَاحِ الْوَاجِبَ سَوَاءً فِي

فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إذْ الْمُبَاحُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ الْمَأْذُونِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ اتِّفَاقًا وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي أَيْ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ غَيْرُ جِنْسٍ لَهُ اتِّفَاقًا. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُبَاحَ (غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ) فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ وَقَالَ الْكَعْبِيُّ: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ أَيْ وَاجِبٌ إذْ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَيَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ مَا فَيَتَحَقَّقُ بِالسُّكُوتِ تَرْكُ الْقَذْفِ وَبِالسُّكُوتِ تَرْكُ الْقَتْلِ وَمَا يَتَحَقَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا سَيَأْتِي فَالْمُبَاحُ وَاجِبٌ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِصَاصِ كُلٍّ بِقَيْدٍ أَوْ حَالٍ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّرْكِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسَاوِيًا لِلْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى) تَفْرِيعٌ عَلَى مَجْمُوعِ تَعْلِيلِ الْمُخَالِفِ وَرَدِّهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُبَاحَ بِمَعْنَى الْمَأْذُونِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ، وَأَمَّا بِمَعْنَى الْمُخَيَّرِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ فَهُوَ مُقَابِلٌ لَهُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَمَفْهُومُ الْوَاجِبِ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَنْعُ التَّرْكِ وَيَجِبُ تَحَقُّقُ مَفْهُومِ الْجِنْسِ فِي نَوْعِهِ، فَلَوْ كَانَ جِنْسًا لَهُ لَلَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْمُبَاحِ اسْتِعْمَالَانِ فَلَمْ يَتَوَارَدْ الْقَوْلَانِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْخِلَافَ وَارِدٌ عَلَى الْمُبَاحِ بِمَعْنَى الْمُخَيَّرِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ غَيْرُهُ مُعَارَضٌ بِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ، وَفُسِّرَتْ الْإِبَاحَةُ بِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ فَيَنْدَرِجُ فِيهَا الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ وَلَا يَخْرُجُ سِوَى الْحَرَامِ، وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنَّمَا فَسَّرَهَا بِمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ الْمُتَأَخِّرُونَ نَعَمْ اعْتِرَاضُهُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ يُفْضِي إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصَحَّ غَيْرُ صَحِيحٍ مُتَوَجِّهٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّصْحِيحَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَوَّلِ مُوَافِقًا لِلْمَشْهُورِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) الضَّمِيرُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْجُمَلِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْيِيدَ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَاللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ كَالَّتِي قَبْلَهَا تَنْبِيهًا بِالْفَاءِ وَأَيْ عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ لَفْظِيًّا مَعَ إفَادَةِ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا لَفْظِيًّا. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا الْإِيهَامَ مُنْدَفِعٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اتِّحَادِ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَيَانٌ مِنْهُ لِمُرَادِهِمْ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَيْثِيَّةَ لِلْإِطْلَاقِ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَاجِبٌ) فُسِّرَ الْمَأْمُورُ بِهِ بِالْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الَّذِي يُنْتِجُهُ دَلِيلُ الْكَعْبِيِّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ دَلِيلَ الْكَعْبِيِّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ هَكَذَا فِعْلُ الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ فَأَوْرَدَ عَلَى الصُّغْرَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَامِ بَلْ هُوَ شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ كَذَلِكَ مُنِعَتْ الْكُبْرَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الشَّيْءِ وُجُوبُ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَحْصُلُ الْوَاجِبُ بِهِ إذْ يُمْكِنُ حُصُولُهُ بِغَيْرِهِ وَهُنَا كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُبَاحِ، فَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْمَنْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي تَرْكِ الْحَرَامِ هُوَ ذَلِكَ الْمُبَاحُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ذَلِكَ التَّرْكُ، فَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِكُلٍّ مِنْهَا الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ لَا مِنْ حَيْثُ

كَالْمَكْرُوهِ (وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْكَعْبِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلِهِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَمْ يُخَالِفْ غَيْرَهُ وَمِنْ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ تَحَقُّقِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِهِ، وَغَيْرُهُ لَا يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْإِبَاحَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ) إذْ هِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخُصُوصُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُخَيَّرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُقَالُ يَكْفِي التَّعْيِينُ النَّوْعِيُّ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا. قُلْنَا: لَا بُدَّ فِي التَّعْيِينِ النَّوْعِيِّ مِنْ تَعْيِينِ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ كَالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ مَثَلًا إذْ لَا يَكْفِي مُجَرَّدٌ اعْتِبَارِيٌّ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا رَأَى تَوَجُّهَ الْمَنْعِ عَلَى الصُّغْرَى عَدَلَ إلَى الْأُسْلُوبِ الَّذِي ذَكَرَهُ، ثُمَّ أَنَّهُ طَوَى الصُّغْرَى وَذَكَرَ ثَلَاثَ مُقَدِّمَاتٍ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْأُولَى أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ. الثَّانِيَةُ: تَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ. الثَّالِثَةُ: مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الشَّيْءُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَهُوَ الْكُبْرَى فَنَظْمُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ هَكَذَا الْمُبَاحُ شَيْءٌ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ يُنْتِجُ الْمُبَاحُ وَاجِبٌ. (قَوْلُهُ: كَالْمَكْرُوهِ) ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مُحَرَّمٌ وَمِثْلُهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ بِالْأَوْلَى قَالُوا: وَيَتَحَقَّقُ بِالْحَرَامِ أَيْضًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْجِهَتَانِ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَفِي كَوْنِ الْحَرَامِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ ذَا جِهَتَيْنِ تَوَقُّفٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَافُتِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حِينَئِذٍ طَلَبَ فِعْلٍ وَمَنْعٍ وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ دَرَجَاتِ الْحَرَامِ مُتَفَاوِتَةٌ كَالسُّكْرِ مَثَلًا وَالْقَتْلِ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ وَسِيلَةً لِدَفْعِ الثَّانِي وَكَقُبْلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِتَرْكِ الزِّنَا بِهَا مَثَلًا فَيُدْفَعُ أَشَدُّ الضَّرَرَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ هُوَ الْكَفُّ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ وَالْكَفُّ عَنْ شَيْءٍ يَقْتَضِي أَنْ يُقْصَدَ وَأَنْ يَخْطُرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالْبَالِ فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْكَفَّ عَنْ شَيْءٍ وَفَعَلَ مُبَاحًا مَثَلًا وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْحَرَامُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَفٌّ فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِتَرْكِ الْحَرَامِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ آثِمٍ فَاجْتِمَاعُ تَرْكِ الْحَرَامِ وَفِعْلِ الْمُبَاحِ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَالْوَاجِبُ الْكَفُّ لَا مَا يُقَارِنُهُ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلَ فِي مُصَادَمَةِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُسْمَعَانِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ وَالْوَاجِبَ قِسْمَانِ مُتَبَايِنَانِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ جَائِزُ التَّرْكِ دُونَ الثَّانِي، وَمِنْهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا هُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ يَكُونُ وَاجِبًا وَإِنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا إذَا حُمِدَ فَاعِلُهُ وَذُمَّ تَارِكُهُ فَالْفِعْلُ الَّذِي زَعَمْت أَنَّهُ فِعْلُ الْمُبَاحِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ إنْ قُصِدَ بِهِ التَّعَبُّدُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ، وَهَذَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْخُلْفِ بَيْنَ الْكَعْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ كَوْنَ الْخُلْفِ الَّذِي قَبْلَهُ لَفْظِيًّا مِمَّا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ كَوْنَ الْمُصَنِّفِ أَشَارَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ إلَى أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْكَعْبِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْخُلْفِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْخُلْفِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ: قَدْ صَرَّحَ) أَيْ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) مِنْ هُنَا أَخَذَ سم جَوَابُهُ عَنْ بَحْثِ الْكَمَالِ السَّابِقِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ بِمَعْنَى الْأَوْلَى وَإِلَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: إذْ هِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ) أَشَارَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ مُقَابِلِ الْأَصَحِّ بِقَوْلِهِ: إذْ هِيَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ إلَى ابْتِنَاءِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْإِبَاحَةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَمْ

الْمُتَوَقِّفِ وُجُودُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا إذْ هِيَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَهُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَهُ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْوُجُوبَ) لِشَيْءٍ (إذَا نُسِخَ) كَأَنْ قَالَ الشَّارِعُ نَسَخْتُ وُجُوبَهُ (بَقِيَ الْجَوَازُ) لَهُ الَّذِي كَانَ فِي ضِمْنِ وُجُوبِهِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ بِمَا يُقَوِّمُهُ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّرْكِ الَّذِي خَلَفَ الْمَنْعُ مِنْهُ إذْ لَا قِوَامَ لِلْجِنْسِ بِدُونِ فَصْلٍ وَلَا إرَادَةَ ذَلِكَ قَالَ (أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ) يَعْنِي فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْإِبَاحَةِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا (وَقِيلَ) الْجَوَازُ الْبَاقِي بِمُقَوِّمِهِ (الْإِبَاحَةَ) إذْ بِارْتِفَاعِ الْوُجُوبِ يَنْتَفِي الطَّلَبُ فَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ (وَقِيلَ) هُوَ (الِاسْتِحْبَابُ) إذْ الْمُتَحَقِّقُ بِارْتِفَاعِ الْوُجُوبِ انْتِفَاءُ الطَّلَبِ الْجَازِمِ فَيَثْبُتُ الطَّلَبُ غَيْرُ الْجَازِمِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا يَبْقَى الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ نَسْخَ الْوُجُوبِ يَجْعَلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى، فَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ، عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِيَعُودَ إلَيْهَا أَيْضًا كَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: إذْ هِيَ انْتِفَاءٌ إلَخْ) فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْحَرَجِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالسُّكُوتِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ وَلَوْ فَسَّرَ هَذَا الْبَعْضُ الْإِبَاحَةَ بِالتَّخْيِيرِ مَا صَحَّ لَهُ نَفْيُ أَنَّهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلِذَلِكَ قِيلَ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ هُنَا أَيْضًا وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ عَلَى التَّعْرِيفِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَجِ مَا يَشْمَلُ اللَّوْمَ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِعْلٌ وَانْتِفَاءَ الْحَرَجِ انْفِعَالٌ فَلَا يَصِحُّ التَّفْسِيرُ وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ نَقْلِ الِاصْطِلَاحِ مَا هُوَ فِعْلٌ إلَى مَا هُوَ انْفِعَالٌ. (قَوْلُهُ: إذْ نُسِخَ) أَيْ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ مَا نُسِخَ إلَيْهِ، فَإِنْ بَيَّنَ اُتُّبِعَ. (قَوْلُهُ: بِمَا) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى فَصْلٍ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا قِوَامَ) ، أَيْ: تَحَقُّقَ ضَرُورَةِ انْتِفَاءِ الْمَعْلُولِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ عِلَّةٌ لِوُجُودِ حِصَّةِ النَّوْعِ مِنْ الْجِنْسِ فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ الْفَصْلِ. وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ كَوْنُ الْفَصْلِ عِلَّةً لِحِصَّةِ النَّوْعِ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ إنَّمَا يَتَخَصَّصُ بِمُقَارَنَةِ الْفَصْلِ، فَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْفَصْلُ لَا يَصِيرُ حِصَّةً. (قَوْلُهُ: لِلْجِنْسِ) وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: عَدَمُ الْحَرَجِ) أَيْ عَدَمُ الْإِثْمِ فَلَا يَرِدُ بَحْثُ النَّاصِرِ بِأَنَّ عَدَمَ الْحَرَجِ يُخْرِجُ الْمَكْرُوهَ فَلَا يَصِحُّ شُمُولُ الْجَوَازِ لَهُ وَحَاصِلُ رَدِّهِ أَنَّ الْجَوَازَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ عَدَمُ الْإِثْمِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْجَوَازُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ فَالْخِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ وَلَيْسَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ بَقِيَ الْجَوَازُ وَيَأْتِي مُقَابِلُهُ فِي قَوْلِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ (قَوْلُهُ: يَنْتَفِي الطَّلَبُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفْيَ يَنْصَبُّ عَلَى الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْغَالِبِ مِنْ انْصِبَابِهِ عَلَى الْقَيْدِ. (قَوْلُهُ: فَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ انْصِبَابُ النَّفْيِ عَلَى الْقَيْدِ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ وُجُوبٌ. (قَوْلُهُ:

[مسألة الأمر بواحد من أشياء يوجب واحدا منها لا بعينه]

وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَيْ لِكَوْنِ الْفِعْلِ مَضَرَّةً أَوْ مَنْفَعَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ الْخَامِسِ. (مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ) مُبْهَمٍ (مِنْ أَشْيَاءَ) مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ فِي أَيَّتِهَا الْأَمْرَ بِذَلِكَ تَقْدِيرًا (يُوجِبُ وَاحِدًا) مِنْهَا (لَا بِعَيْنِهِ) ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا كَانَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرِيمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْرِيمُ الشَّرْعِيُّ وَالْإِبَاحَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَا التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ الثَّابِتَتَانِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِكْمَةُ الْحُكْمِ لَا عِلَّةٌ مُثَبِّتَةٌ لَهُ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ. [مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ] (قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ) فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مَعْنَاهُ هُنَا إيجَابُهُ فَيَتَحَدَّ الْمَحْمُولُ وَالْمَوْضُوعُ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْحَمْلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى اللَّفْظِيِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ يُوجِبُ دُونَ إيجَابٍ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي النَّاصِرِ وَقَالَ سم: يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ فِيهِمَا عَلَى اللَّفْظِيِّ أَوْ النَّفْسِيِّ لَكِنَّ الْأَوَّلَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِيَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ أَيْ الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ ظَاهِرًا يُوجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فِي الْوَاقِعِ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ لَا يُعَيِّنُ الْحَمْلَ عَلَى اللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً أَوْ مَعْنَاهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْتَلْزِمُ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلظَّاهِرِ إلَّا الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ وَلَا لِلْوَاقِعِ إلَّا الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا قَالَهُ النَّاصِرُ. (قَوْلُهُ: مُبْهَمٌ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ فَيُجَامِعُ الْأَقْوَالَ الْآتِيَةَ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ بِنَوْعِهَا كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِشَخْصِهَا كَقَوْلِ الشَّارِعِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ تَصَدَّقْ بِهَذَا الدِّينَارِ كَذَا قَالُوا. وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ صُورَةٌ فَرْضِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْأَوَامِرُ الْوَاقِعَةُ مِنْ الشَّارِعِ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالنَّوْعِ، وَتَشَخُّصُهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ فِيهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَعَيُّنُهَا لِعَدَمِ وُقُوعِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِأَمْرٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مُبْهَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا شُرِعَ التَّخْيِيرُ بِنَصٍّ، فَإِنْ شُرِعَ بِغَيْرِهِ كَتَخْيِيرِ الْمُسْتَنْجِي بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَالتَّخْيِيرُ فِي الْحَجِّ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ الْجُوَيْنِيَّ جَعَلَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ مِنْهَا اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْوَجْهُ عَدَمُ تَقْيِيدِهَا بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ فِي أَصْلِهَا، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ فَمَسْأَلَةُ الْحَجِّ خَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ اهـ. قَالَ سم وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ الْوَجْهُ مِنْ عَدَمِ التَّقْيِيدِ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ الصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ فِيهِ فَيَكُونُ ضَابِطُ الْمَسْأَلَةِ سُقُوطَ الْوَاجِبِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَمْرَيْنِ أَوْ أُمُورٍ سَوَاءٌ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ ذَلِكَ بِنَصٍّ أَوْ لَا إذْ لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) وَمَسْأَلَةُ تَخْيِيرِ الْمُسْتَنْجِي بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الْحَجِّ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: تَقْدِيرًا) أَيْ مَعْنًى، فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا فَالْمَعْنَى عَلَى الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: يُوجِبُ) مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ وَالْمُوجِبُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ لَا الْأَمْرُ وَمِثْلُ هَذَا الْإِيجَابِ النَّدْبُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْكَرَاهَةِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ)

بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQشَامِلٌ لِلْمُتَوَاطِئِ وَالْمُشَكِّكِ كَذَا قَالُوا أَوْ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ دَائِمًا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ، وَأَمَّا تَمْثِيلُ الْمُتَوَاطِئِ بِقَوْلِهِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَهُوَ أَمْرٌ فَرْضِيٌّ كَمَا قَدَّمْنَا وَإِلَّا فَمَوَارِدُ النُّصُوصِ كُلِّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ أَشْيَاءَ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا ضَرُورَةً بَلْ كُلٌّ مِنْهَا وَاحِدٌ مِنْهُ اهـ. وَهُوَ إشْكَالٌ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَالشَّارِحُ صَرَفَهَا عَنْ الظَّاهِرِ مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ هَذَا الْإِشْكَالُ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ بِمَا هُوَ وَاحِدٌ إنَّمَا يُوجَدُ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ فَلَا يُطْلَبُ وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْوَاحِدُ الْوُجُودِيُّ الْجُزْئِيُّ بِاعْتِبَارِ مُطَابَقَتِهِ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ جُزْئِيَّتِهِ، وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ يُنَافِي كَوْنَ الْوَاجِبِ هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ طَلَبُهُ فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ وَالْمُسْتَحِيلُ طَلَبُهُ دُونَهَا. وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَفْهُومَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا ضَرُورَةَ تَحَقُّقِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَهُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ صَادِقٌ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا فِي ضِمْنِهَا فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَالتَّخْيِيرُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ جَوَازُ التَّرْكِ وَعَدَمُهُ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَوْجَبْت عَلَيْك أَحَدَهُمَا وَأَجَزْت لَك تَرْكَ أَحَدِهَا، وَهَذَا لَيْسَ الْإِيجَابُ وَالتَّخْيِيرُ بِالْقِيَاسِ إلَى هَذَا الْكُلِّيِّ فِي نَفْسِهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ أَيُّهَا فَعَلْت جَازَ لَك تَرْكُ الْبَاقِي فَلَيْسَ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ مَوْصُوفًا بِجَوَازِ التَّرْكِ عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ بِالْوُجُوبِ عَلَى التَّعْيِينِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَصْلُحُ عَلَى الْبَدَلِ بِهَذَا تَارَةً وَبِذَلِكَ أُخْرَى، وَلَيْسَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ بِهَذَا الْمَعْنَى مُمْتَنِعًا إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ قَدْ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ عَلَى التَّعْيِينِ كَالصَّلَاةِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَفْهُومَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُعَيَّنٌ وَالْإِبْهَامُ إنَّمَا هُوَ مِنْ خُصُوصِيَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ فَلَا يَرِدُ

لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ (وَقِيلَ) يُوجِبُ (الْكُلَّ) فَيُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ (وَيَسْقُطُ) الْكُلُّ الْوَاجِبُ (بِوَاحِدٍ) مِنْهَا حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ عَلَى وَجْهِ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا: إنْ سَلِمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ (وَقِيلَ الْوَاجِبُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِشْكَالُ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولٌ لَا يُكَلَّفُ بِهِ وَبِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ، فَإِنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ فَهُوَ مُعَيَّنٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِهِ فِي ضِمْنٍ مِنْهَا، وَفِي صِيغَةِ الْحَصْرِ إشَارَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْوَاحِدُ الْوُجُودِيُّ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: فَيُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا قَبْلَهُ مَعْنَوِيٌّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّهُ لَفْظِيٌّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ نَقَلَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا، وَإِنْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ فَلَيْسَ آيِلًا فِي التَّحْقِيقِ إلَى خِلَافٍ مَعْنَوِيٍّ وَقُصَارَاهُ نِسْبَةُ الْخَصْمِ إلَى الْحَيْفِ فِي الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ أَبَا هَاشِمٍ اعْتَرَفَ بِأَنَّ تَارِكَ الْخِلَالِ لَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ وَمَنْ أَتَى بِهَا جَمِيعًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ وَيَقَعُ الِامْتِثَالُ بِوَاحِدَةٍ فَلَا يَبْقَى مَعَ هَذَا لِوَصْفِ الْخِلَالِ بِالْوُجُوبِ تَحْصِيلٌ وَتَأْوِيلُ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْهَاشِمِيَّةِ أَنَّ مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ الَّتِي وَقَعَ التَّخْيِيرُ فِيهَا إلَّا وَهِيَ لَوْ فُرِضَتْ وَاقِعَةً لَكَانَتْ وَاجِبَةً اهـ. كَمَا تَرَى رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَكَانَ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ مَعْنَوِيًّا نَظَرَ لِظَاهِرِ مَقَالَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَى الْكُلِّ، وَقَدْ نَقَلَ الْآمِدِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا عَلَى الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا) لَمْ يُقْبَلْ هُنَا إنْ عُوقِبَ كَمَا قَالَهُ فِيمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَقْرِيرِ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِتَخَلُّفِ الْعِقَابِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا) دَلِيلٌ لِدُخُولِ الْكُلِّ وَالسُّقُوطِ بِوَاحِدٍ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ قُلْنَا: إنْ سَلِمَ إلَخْ، فَإِنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ فَهُوَ مَنْعٌ لَهُ وَمَنْعُهُ يُشِيرُ إلَى مُخَالَفَتِهِ لِغَرَضِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي التَّحْقِيقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ. (قَوْلُهُ: إنْ سَلِمَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْعِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ تَنْزِيلًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ وُجُوبُ الْكُلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا بَدَلِيًّا. (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ

فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا (مُعَيَّنٌ) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ الْمَأْمُورَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَالَبَهُ وَيَسْتَحِيلُ طَلَبُ الْمَجْهُولِ. (فَإِنْ فَعَلَ) الْمُكَلَّفُ الْمُعَيَّنَ فَذَاكَ، وَإِنْ فَعَلَ (غَيْرُهُ) مِنْهَا (سَقَطَ) الْوَاجِبُ بِفِعْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ عِلْمِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ بَلْ يَكْفِي فِي عِلْمِهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا عِنْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى قَوْلِنَا: التَّمَيُّزُ أَحَدُ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ (مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ) لِلْفِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ. (قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بِخِلَافِهِ فِي الْقَوْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ إلَخْ) إشَارَةً لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ هَكَذَا الْوَاجِبُ شَيْءٌ يَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمَهُ الْآمِرُ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ إشَارَةً لِلصُّغْرَى بِقَوْلِهِ إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ وَلِبَيَانِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ طَالِبُهُ وَالْكُبْرَى مَطْوِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ: قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ إلَخْ مَنْعٌ لِلْكُبْرَى، وَقَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي بَيَانٌ لِسَنَدِ الْمَنْعِ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ التَّصَوُّرِيُّ أَيْ تَصَوُّرُ ذَاتِ الشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ذَاتَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا مَعْلُومَةٌ لَهُ تَعَالَى مُتَمَيِّزَةٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ لَهُ بَلْ الْمُرَادُ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ أَيْ الْعِلْمُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِأَنَّ الْعِلْمَ الْآمِرَ الْوَاجِبَ حَسْبَمَا أَوْجَبَهُ، وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدَ الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهُ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا أَوْجَبَهُ، وَتَعَلُّقُ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ مُكَلَّفٍ مِنْ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يُوجِبُ وُجُوبَ ذَلِكَ الْمَفْعُولُ عَيْنًا عَلَى فَاعِلِهِ بَلْ هُوَ عِلْمٌ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا وَيَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ. (قَوْلُهُ: فَذَاكَ) أَيْ فَذَاكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَوْ ظَاهِرُ. (قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ وَلَا اطِّلَاعَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ) بَلْ الْعِلْمُ بِهِ يَتْبَعُ الْأَمْرَ بِهِ. (قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَنْ غَيْرِهِ الْمُبْهَمِ أَوْ عَنْ غَيْرِ أَحَدِ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمِ وَقَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِنَا أَيْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا مُتَعَلِّقٌ بِتَمْيِيزٍ وَالضَّمِيرُ لِلْمُعَيَّنَاتِ أَيْ أَنَّ أَحَدَ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمِ مُتَمَيِّزٌ مِنْ حَيْثُ تَعْيِينُ تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ الَّتِي دَارَ بَيْنَهَا وَانْحَصَرَ فِيهَا أَيْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ مُبْهَمٌ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ تَشَخُّصِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَشَخَّصُ بِتَلَبُّسِ الْفَاعِلِ بِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ سَائِرِ الْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَيْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ عِنْدَ اللَّهِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا

مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِأَنْ يَفْعَلَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِأَيٍّ مِنْهَا يَفْعَلُ قُلْنَا الْخُرُوجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ لِكَوْنِهِ أَحَدَهَا لَا لِخُصُوصِهِ لِلْقَطْعِ بِاسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَهِيَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى نَفْيِ إيجَابِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَنَفَيْهِمْ تَحْرِيمَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ لِمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ، وَتُعْرَفُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِأَيٍّ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَفْعَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَاجِبًا عِنْدَنَا. (فَإِنْ فَعَلَ) الْمُكَلَّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَضُدِ لَكِنَّ الشَّارِحَ فَسَّرَ الضَّمِيرَ بِذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ نَظِيرِهِ قَبْلَهُ فَظَاهِرُ صَنِيعِهِ وَالْمُصَنِّفُ كَكَثِيرٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَفَارِيعِهِ وَدَعْوَى دَلَالَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ أَنَّ الْأَقْوَالَ غَيْرُ الْأَوَّلِ مُتَّفِقَةٌ إلَخْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ عِنْدَ اللَّهِ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ فَيَكُونُ مِنْ تَفَارِيعِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ نَازَعَ فِيهَا سم. (قَوْلُهُ: مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا) بَيَانٌ لِمَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ) تَفْسِيرٌ لِاخْتِيَارِ بَعْضِهَا لِلْفِعْلِ فَبِفِعْلِهِ يَظْهَرُ وُجُوبُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اُخْتُلِفَ إلَخْ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ، أَيْ وَإِنْ لَزِمَ اخْتِلَافُ الْوَاجِبِ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِلِاتِّفَاقِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَحَدَهَا) أَيْ لَا لِكَوْنِهِ صَارَ وَاجِبًا بِاخْتِيَارِهِ، وَهَذَا إبْطَالٌ لِدَعْوَى الْخَصْمِ وَقَوْلُهُ: لِلْقَطْعِ إلَخْ تَحْقِيقٌ لِمُدَّعَانَا. (قَوْلُهُ: لَا لِخُصُوصِهِ) أَيْ كَوْنِهِ مُخْتَارَ الْمُكَلَّفِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ) قَالَ الْكَمَالُ: الْقَوْلُ الْأَخِيرُ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ يُسَمَّى قَوْلُ التَّرَاجِمِ لِمَا فِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ قَوْلٌ يَنْسُبُهُ أَصْحَابُنَا إلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَيَنْسُبُهُ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَصْحَابِنَا وَاتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى فَسَادِهِ قَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى مِنْهَاجِ الْأُصُولِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ قَدْ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ فَكَيْفَ يُنْكَرُ، وَقَدْ وَهَمَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَجَعَلَ قَوْلَ التَّرَاجِمِ هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: لِمَا قَالُوا) عِلَّةٌ لِنَفْيِ إيجَابٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَتَحْرِيمٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ إلَخْ نَشْرٌ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ اللَّفِّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى نَفْيِ إيجَابٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: لِمَا فِي فِعْلِهِ إلَخْ خَبَرَانِ وَهُوَ نَشْرٌ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ مِنْ قَوْلِهِ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَدْ تَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي فِعْلِ الْجَمِيعِ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا يُمْتَنَعُ تَحْرِيمُ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ إذْ بِتَرْكِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَنْدَفِعُ الْمَفْسَدَةُ فَإِدْرَاكُ الْمَفْسَدَةِ فِي الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعْيِينِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَوْهُ. (قَوْلُهُ: بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ بَلْ فِي أَفْرَادِهِ، يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ إلَخْ فَيَكُونُ وَصْفُهُ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ مِنْ وَصْفِ الشَّيْءِ بِوَصْفِ مُتَعَلِّقِهِ فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَاجِبًا عِنْدَنَا) أَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِنَا) أَيْ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْفُقَهَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ إلَخْ)

عَلَى قَوْلِنَا (الْكُلُّ) وَفِيهَا أَعْلَى ثَوَابًا وَعِقَابًا وَأَدْنَى كَذَلِكَ (فَقِيلَ الْوَاجِبُ) أَيْ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ كَثَوَابِ سَبْعِينَ مَنْدُوبًا أَخْذًا مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (أَعْلَاهَا) ثَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ فِي الْحَجِّ وَمِثْلُهُ مَا إذَا اسْتَعَدَّ جَمَاعَةٌ لِلْإِمَامَةِ الْعُظْمَى بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ نَصْبُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَسُوغُ لَهُمْ الزِّيَادَةُ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِنَا) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ الْكُلَّ بِأَنْ يَقُولَ فَعَلَى قَوْلِنَا إنْ فَعَلَ الْكُلَّ أَوْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَقِيلَ الْوَاجِبُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَبْنِيَّ عَلَى قَوْلِنَا هُوَ كَوْنُ الْوَاجِبِ مَاذَا لَا فِعْلُ الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: أَعْلَى ثَوَابًا) أَيْ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ فِيهَا أَعْلَى ثَوَابًا وَهُوَ الْعِتْقُ وَأَعْلَى عِقَابًا وَهُوَ تَرْكُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ عَاقَبَ بِتَرْكِ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَعْلَاهَا لَعَاقَبَ عَلَى تَرْكِ الْعِتْقِ إذْ الْعِقَابُ عَلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ الْعِقَابِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْخِصَالِ وَأَدْنَاهَا الْإِطْعَامُ ثَوَابًا مِنْ حَيْثُ فِعْلِهِ وَعِقَابًا مِنْ حَيْثُ تَرْكِهِ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ ثَوَابًا وَعِقَابًا. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُثَابُ عَلَيْهِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَيْسَ أَعْلَاهَا وَإِنَّمَا هُوَ أَحَدُهَا وَالْعُلُوُّ عَارِضٌ لَهُ كَكَوْنِهِ أَكْثَرَ نَفْعًا أَوْ مُتَعَدِّيًا. (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ حَدِيثٍ) وَهُوَ حَدِيثُ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا «فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِي غَيْرِهِ» قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَابَلَ النَّفَلَ فِيهِ بِالْفَرْضِ فِي غَيْرِهِ وَقَابَلَ الْفَرْضَ فِيهِ بِسَبْعِينَ فَرْضًا فِي غَيْرِهِ، فَأَشْعَرَ هَذَا بِأَنَّ الْفَرْضَ يَزِيدُ عَلَى النَّفْلِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَأَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَنَفْلِهِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ الْوَاقِعَيْنِ فِي غَيْرِهِ فَلَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ إلَخْ، كَمَا عَبَّرَ بِهِ النَّوَوِيُّ حِينَ ذَكَرَ أَنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ كَثَوَابِ سَبْعِينَ مَنْدُوبًا وَإِلَّا فَقَوْلُهُ: أَخْذًا بَعْدَ جَزْمِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي هُوَ إلَخْ مُوهِمٌ صِحَّةَ الْحَدِيثِ أَوْ حُسْنَهُ، وَقَوْلُ سم لَا يَضُرُّ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَزْمِ الشَّارِحِ بِهَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْغِيبِ فِي الْفَضَائِلِ وَالْحَثِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِالْوَاجِبَاتِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَسُوغُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِالضَّعِيفِ غَيْرُ دَافِعٍ لِلِاعْتِرَاضِ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِي فَضِيلَةِ عَمَلٍ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ الْمَقَامَ إثْبَاتُ حُكْمٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ أَخْذًا الْمُقْتَضِي ذَلِكَ صِحَّةَ الْحَدِيثِ أَوْ ضَعْفَهُ، وَقَدْ كَانَ يَكْفِي الشَّارِحَ أَنْ يَقُولَ الَّذِي هُوَ أَيْ ثَوَابُ الْوَاجِبِ أَفْضَلُ مِنْ ثَوَابِ الْمَنْدُوبِ لِلْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَا يُثِيبُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ) أَيْ ثَوَابَ الْأَكْمَلِ وَإِلَّا، فَمَا قَالَهُ جَارٍ فِيمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَيْرِ الْأَعْلَى إذْ ثَوَابُ كُلٍّ مِنْهَا لَا يَنْقُصُ عَنْ ثَوَابِ السَّبْعِينَ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَعْلَى أَكْمَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُرَتَّبًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ هُوَ الْأَعْلَى فَيَكُونُ هُوَ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَمَا قَبْلَهُ ثَوَابُ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ هـ. وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْوَاجِبُ بِالْأَوَّلِ وَقَوْلُ سم: إنَّ الْأَعْلَى لَمَّا كَانَ أَرْجَحَ وَأَكْمَلَ كَانَ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِهِ أَتَمَّ فَيُنْظَرُ إلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ حَيْثُ وُجِدَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي غَايَةِ التَّهَافُتِ؛ لِأَنَّا إذَا نَظَرْنَا لِلظَّاهِرِ جَزَمْنَا يَقِينًا بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَقَطَ بِفِعْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ تَرَتُّبُ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْلَى مَثَلًا أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَمِمَّا لَا نَعْلَمُهُ وَلَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْقُصُهُ) مِنْ بَابِ نَصَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] وَيَلْزَمُ كَمَا فِي نَقَصَ الْمَالُ يَنْقُصُ، وَفِي الْمُتَعَدِّي لُغَةٌ أُخْرَى أَدْوَنُ

لَا يُنْقِصُهُ عَنْ ذَلِكَ. (وَإِنْ تَرَكَهَا) بِأَنْ لَمْ يَأْتِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا (فَقِيلَ: يُعَاقَبُ عَلَى أَدْنَاهَا) عِقَابًا إنْ عُوقِبَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ، فَإِنْ تَسَاوَتْ فَثَوَابُ الْوَاحِدِ وَالْعِقَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ الْوَاجِبُ ثَوَابًا أَوَّلُهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ الَّذِي يَقَعُ نَظَرُ التَّأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمَأْخُوذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْخُصُوصُ وَإِلَّا لَكَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأُولَى وَهُوَ التَّشْدِيدُ فِي الْقَافِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ. (قَوْلُهُ: عَنْ ذَلِكَ) أَيْ ثَوَابِ الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يُعَاقَبُ عَلَى أَدْنَاهَا) ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى ثَوَابِهِ عَلَى الْأَعْلَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يُعَاقَبُ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْأَدْنَى كَانَ آتِيًا بِالْوَاجِبِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ لَهُ مُقَابِلًا فِي ضِمْنِ التَّحْقِيقِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: إنْ عُوقِبَ) إنَّمَا قَالَ: ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الثَّوَابِ فَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ) أَيْ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ لَا يَزِيدُهُ عُقُوبَةً. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَسَاوَتْ) هَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ وَفِيهَا أَعْلَى ثَوَابًا. (قَوْلُهُ: عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا خَبَرُ) ثَوَابٍ أَيْ عَلَى وَاحِدٍ فِعْلًا فِي الثَّوَابِ أَوْ تَرْكًا فِي الْعِقَابِ. (قَوْلُهُ: فُعِلَتْ مَعًا إلَخْ) أَيْ أَوْ تُرِكَتْ وَلَا يُقَالُ تُرِكَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ التَّرْكَ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالشَّيْءِ وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ التَّرْتِيبُ، وَهَذَا تَعْمِيمٌ فِي الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُقَابِلُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ التَّفَاوُتِ وَالتَّسَاوِي وَعَدَمِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَوْجَهُ. وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّهُ الظَّاهِرُ الَّذِي يُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِهِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ النَّظَرِ فِيمَا إذَا فُعِلَتْ الْخِصَالُ كُلُّهَا مَعًا كَأَنْ قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ: وَكَّلْت فُلَانًا فِي الْإِعْتَاقِ وَفُلَانًا فِي الْإِطْعَامِ وَفُلَانًا فِي الْكِسْوَةِ فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ وَضَعَ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَأَمَرَ الْفُقَرَاءَ الْعِشْرِينَ بِالْأَخْذِ فَأَخَذُوا مَعًا وَاقْتَرَنَ بِذَلِكَ قَوْلُ وَكِيلِ الْعِتْقِ: أَنْتَ حُرٌّ وَتَصَوَّرَ الْمَعِيَّةَ أَيْضًا بِمُبَاشَرَتِهِ الْجَمِيعَ وَبِمُبَاشَرَةِ بَعْضٍ وَالتَّوْكِيلُ فِي بَعْضٍ. (قَوْلُهُ: وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ) لَكِنْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُبْهَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَدْبِ غَيْرِ الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ: الثَّوَابُ الْوَاجِبُ) مُتَعَلِّقٌ بِذُكِرَ وَاَلَّذِي ذُكِرَ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ أَعْلَاهَا فِي الْمُتَفَاوِتَةِ وَأَحَدُهَا فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلُهَا مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ: وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ يَرْجِعُ لِلْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَتَفَاصِيلِهِمَا وَالْإِثَابَةُ ثَوَابُ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ أَعْلَى أَوْ أَوَّلُ فِي الثَّوَابِ أَوْ أَدْنَى فِي الْعِقَابِ وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَقَعُ صِفَةً لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ: نَظَرُ التَّأَدِّي إلَخْ أَيْ لَا لِكَوْنِهِ هُوَ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ لَا هُوَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَهَذَا تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ مَحَلِّ الثَّوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ أَحَدَهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ. (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذُ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُوجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ تَرْكُهُ هُوَ أَحَدُ خِصَالِ الْمُخَيَّرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَمَنْ أَتَى بِالْإِطْعَامِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مَثَلًا وَصَارَ بِفِعْلِهِ مُتَعَيِّنًا لِثَوَابِ الْوَاجِبِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ كَوْنِهِ إطْعَامًا بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَحَدَ خِصَالِ الْمُخَيَّرِ، حَتَّى إنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِيمَا إذَا أَتَى بِخِصَالِ الْمُخَيَّرِ كُلِّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ هُوَ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ ثَانِيهَا وَثَالِثِهَا: إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا الَّذِي تُؤَدَّى الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ مِنْهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَكَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا) أَيْ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ أَحَدَهَا لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَفِيهِ

حَتَّى أَنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِي الْمُرَتَّبِ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَتَمَادَى بِهِ الْوَاجِبُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ. (وَيَجُوزُ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ) مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ فِي أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِي مَنْعِهِمْ ذَلِكَ كَمَنْعِهِمْ إيجَابَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِيهِمَا (وَهِيَ كَالْمُخَيَّرِ) أَيْ وَالْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهَا فَيُقَالُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ نَحْوَ لَا تَتَنَاوَلْ السَّمَكَ أَوْ اللَّبَنَ أَوْ الْبَيْضَ، يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَقِيلَ يَحْرُمُ جَمِيعُهَا فَيُعَاقَبُ بِفِعْلِهَا عِقَابَ فِعْلِ مُحَرَّمَاتٍ وَيُثَابُ بِتَرْكِهَا امْتِثَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ بَلْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحُصُولُ ثَوَابِهِ الْخَاصِّ بِهِ بَعْدَ إيقَاعِهِ وَتَعَيُّنُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَ الْإِيجَابِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّحْقِيقِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمُرَتَّبِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَتَى بِخِصَالِ الْمُخَيَّرِ مُرَتَّبَةً. (قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ) أَيْ خُصُوصُ كَوْنِهِ أَوَّلَهَا وَفِيهِ أَنَّهُ وَإِنْ قِيلَ: الْوَاجِبُ أَوَّلُهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْأَوَّلِيَّةُ بَلْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْوَاجِبِ فِيهِ وَهُوَ الْوَاحِدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا) أَيْ الَّذِي تَأَدَّى الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زَائِدٌ عَلَى أَحَدِهَا إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا الزَّائِدُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَحْرِيمٌ إلَخْ) عَبَّرَ بِهَذَا دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَالنَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ بِالْأَمْرِ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَعَنْ قَوْلِهِ وَهِيَ كَالْمُخَيَّرِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ، وَيُقَاسُ عَلَى التَّحْرِيمِ الْكَرَاهَةُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْعِقَابُ خَاصٌّ بِالْحَرَامِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ بَحْثًا وَجَوَابًا. (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ) أَيْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ) لَا يُقَالُ الْكَفُّ عَنْ أَحَدِ الْمُعَيَّنَاتِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا يَقْتَضِي الْكَفَّ عَنْهَا كُلِّهَا فَيَنْتَفِي الْحَرَامُ الْمُخَيَّرُ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَرَافِيُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا اسْتَحْضَرْت تَقْيِيدَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا بِكَوْنِهِ فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ فِي ضِمْنِ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُنَافِي الْكَفَّ عَنْهُ فِي ضِمْنِ آخَرَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ أَيْ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ فِعْلِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ وَاحِدٌ فَتَحْرِيمُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ بَلْ مِنْ بَابِ سَلْبِ الْعُمُومِ فَيَتَحَقَّقُ فِي وَاحِدٍ فَلَيْسَ النَّهْيُ كَالنَّفْيِ. (قَوْلُهُ: فِي مَنْعِهِمْ ذَلِكَ) أَيْ تَحْرِيمُ وَاحِدٍ لَا يُعَيِّنُهُ. (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِيهِمَا) وَهُوَ أَنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ لِمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ. (قَوْلُهُ: فَيُقَالُ) تَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ فِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ إلَخْ) فِيهِ تَوَرُّكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ حَقَّ مُقَابَلَةِ الْأَمْرِ النَّهْيُ لَا التَّحْرِيمُ. (قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) أَيْ مُفَسِّرًا ذَلِكَ الْوَاحِدَ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنِ أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: امْتِثَالًا) قَيَّدَ التَّرْكَ بِالِامْتِثَالِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ حَاصِلًا بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ أَنَّ التَّحْرِيمَ لِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ. (قَوْلُهُ:

ثَوَابَ تَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ تَرْكُهَا الْوَاجِبُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ تَرْكُهُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا امْتِثَالًا أَوْ فُعِلَتْ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ بَعْضُهَا أَخَفُّ عِقَابًا وَثَوَابًا فَقِيلَ: ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى تَرْكٍ وَفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَفِعْلِ أَخَفِّهَا سَوَاءٌ أَفُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقِيلَ: الْعِقَابُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ، وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَلِتَحْقِيقِ أَنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا، حَتَّى أَنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا (وَقِيلَ) زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُخَيَّرِ مِنْ طَرَفِ الْمُعْتَزِلَةِ (لَمْ تَرِدْ بِهِ) أَيْ بِتَحْرِيمِ مَا ذُكِرَ (اللُّغَةُ) حَيْثُ لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَتْ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا قُلْنَا الْإِجْمَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَارُدُ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَدَعْوَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْحَالِ لِاقْتِضَائِهِ إلَى الْإِضْمَارِ وَالْحَالُ لَا يَكُونُ ضَمِيرًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ فُعِلَتْ وَحُذِفَ مِثْلُهَا مِنْ قَوْلِهِ تُرِكَتْ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ مِنْ الْأَوَائِلِ لِدَلَالَةِ الثَّوَانِي. (قَوْلُهُ: عِقَابًا وَثَوَابًا) نَشْرٌ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ اللَّفِّ مِنْ قَوْلِهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَفِعْلِ أَخَفِّهَا. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا) رَاجِعٌ لِقِسْمَيْ الْمُتَسَاوِيَةِ وَالْمُتَفَاوِتَةِ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ تُرِكَتْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا) هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ. (قَوْلُهُ: لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ) أَيْ دُونَ مَا قَبْلَهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَخِيرِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا) أَيْ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ آخِرَهَا وَأَشَدَّهَا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ زِيَادَةٌ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي التَّلْخِيصِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أَنْكَرَ مُعْظَمُ الْمُعْتَزِلَةِ النَّهْيَ عَنْ شَيْئَيْنِ عَلَى التَّخْيِيرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبُحَ أَحَدُهُمَا قَبُحَ الْآخَرُ اهـ. زَكَرِيَّا. ثُمَّ إنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِوُرُودِ اللُّغَةِ بِطَرِيقَةٍ أَيْ بِصِيغَةٍ لَا وُرُودِهَا بِهِ نَفْسِهِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: لَا بَحْثَ لِلُّغَةِ عَنْ تَحْرِيمٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْحَيْثِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ وُرُودِهَا بِطَرِيقَةٍ عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُرُودِهَا بِالتَّحْرِيمِ إذْ الْأَقْرَبُ هُنَا مِنْ مَعَانِي الْحَيْثِيَّةِ التَّعْلِيلُ لَا أَنَّهُ مَعْنَى وُرُودِهَا بِالتَّحْرِيمِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُخَيَّرِ) أَيْ الْأَقْوَالُ الَّتِي فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. (قَوْلُهُ: مِنْ النَّهْيِ) أَيْ اللَّفْظِيِّ بَيَانٌ لِطَرِيقَةٍ. (قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى) جَوَابٌ مِنْ طَرَفِ هَذَا الْقَائِلِ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ اللُّغَةُ بِطَرِيقِ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] صِيغَةُ نَهْيٍ عَنْ طَاعَةِ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ طَرِيقًا لِذَلِكَ لَوْ كَانَ نَهْيًا عَنْ طَاعَةِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا. وَقَدْ رَدَّ الشَّارِحُ هَذَا الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ يُفْهَمُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ فَهِيَ طَرِيقَةٌ لِذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا بِإِجْمَاعٍ، فَقَدْ ثَبَتَ وُرُودُ اللُّغَةِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ

[فرض الكفاية مهم يقصد حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله]

لِمُسْتَنِدِهِ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ. (مَسْأَلَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ) الْمُنْقَسِمِ إلَيْهِ وَإِلَى فَرْضِ الْعَيْنِ مُطْلَقُ الْفَرْضِ الْمُتَقَدِّمُ حَدُّهُ (مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَانِعٌ. (قَوْلُهُ: لِمُسْتَنِدِهِ) عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَعْلُولِهَا. [فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ] (قَوْلُهُ: الْمُنْقَسِمِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقُ الْفَرْضِ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ وَلَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: الْمُتَقَدِّمُ حَدُّهُ) مَرْفُوعٌ نَعْتًا لِمُطْلَقٍ أَوْ مَجْرُورٌ نَعْتًا لِفَرْضٍ إشَارَةً إلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ اقْتَضَى الْخِطَابُ الْفِعْلَ اقْتِضَاءً جَازِمًا فَإِيجَابٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ مُتَرَادِفَانِ فَيَكُونُ حَدُّ الْوَاجِبِ حَدًّا لِلْفَرْضِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ حَدُّهُ هُوَ الْوَاجِبُ. (قَوْلُهُ: مُهِمٌّ) الْمُهِمُّ مَا حَرَّكَ الْهِمَّةَ وَلَا يَكُونُ إلَّا مُعْتَنًى بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَمْرٌ مُعْتَنًى بِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْأَخْصَرَ أَنْ (يَقُولَ مُهِمٌّ) لَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ بِالذَّاتِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُهِمًّا أَنْ يُقْصَدَ حَوْلَهُ وَبِالْعَكْسِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ أَصْلُهُ لِلْغَزَالِيِّ لَكِنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُهِمٍّ دِينِيٍّ فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ كُلٍّ؛ لِأَنَّهَا لِشُمُولِ الْأَفْرَادِ، وَالتَّعْرِيفُ لِلْمَاهِيَةِ وَلَفْظَةُ دِينِيٍّ لِيَدْخُلَ الدُّنْيَوِيُّ كَالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْغَزَالِيُّ يَرَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ فِي بَوَاعِثِ الطِّبَاعِ عَلَيْهَا مَنْدُوحَةً عَنْ الْإِيجَابِ كَمَا قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ تَبَعًا لِإِمَامِهِ فَلِذَلِكَ أَخْرَجَهَا بِقَوْلِهِ دِينِيٍّ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدُّهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْوَجِيزِ الْحِرَفَ وَالصِّنَاعَاتِ الْمُهِمَّةَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ: يَقْصِدُ حُصُولَهُ) أَيْ يَقْصِدُ الشَّارِعُ حُصُولَهُ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَالْمُرَادُ بِالْقَصْدِ الطَّلَبُ إطْلَاقًا لِلسَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْقَصْدِ الْإِرَادَةُ وَلَوْ أَرَادَ الشَّارِعُ الْوَاجِبَ لَمَا تَخَلَّفَ عَنْ الْوُجُودِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ تَحْصِيلُهُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ وَفِيهِ أَنَّ الْحُصُولَ ثَمَرَةُ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ ثَمَرَتِهِ فَالْحُصُولُ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ بِخِلَافِ التَّحْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُكَلَّفَ بِهِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ الْحَدَّ يَتَنَاوَلُ مُطْلَقَ الْفَرْضِ فَلَا يَطَّرِدُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَاعِلِ فِي الْكِفَايَةِ وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِتَرْكِهِ وَفِي مُطْلَقِ الْفَرْضِ وَقَعَ تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِهِ وَلِذَا صَدَقَ عَلَى قِسْمَيْهِ اهـ. وَمُحَصِّلُهُ رُجُوعُ الْأَوَّلِ لِلْمَاهِيَةِ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَالثَّانِي لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَصُّ وَالثَّانِيَ أَعَمُّ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَلِذَا صَدَقَ إلَخْ. وَأَجَابَ سم أَيْضًا بِتَسْلِيمِ شُمُولِهِ لَهُ وَأَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ أَوْ بِمَنْعِ الشُّمُولِ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى مُطْلَقِ الْفَرْضِ هَذَا السَّلْبُ الْكُلِّيُّ أَعْنِي مَضْمُونَ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ لِثُبُوتِ الْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى فَاعِلِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُوَ الْفَرْضُ الْعَيْنِيُّ، وَجَوَابُ النَّاصِرِ أَدَقُّ، فَإِنَّهُ كَشَفَ عَنْ مَاهِيَّتِهَا الْمُرَادِ مِنْهُمَا وَهُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ التَّعْرِيفِ وسم أَخْرَجَ التَّعْرِيفَ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ التَّصَوُّرَاتِ إلَى التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي التَّصْدِيقَاتِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ سُقُوطُ قَوْلِهِ. وَقَدْ يَتَعَسَّفُ فِي حَمْلِ جَوَابِ الشَّيْخِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُلَاقِيهِ فَكَيْفَ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ لِتَبَايُنِ الْمَلْحَظَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نَظَرِ الذَّاتِ) قَرَّرَ النَّاصِرُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ التَّعْرِيفِ نَتِيجَةً لَهُ وَلَازِمٌ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إسْنَادَ الْقَصْدِ إلَى الْحُصُولِ يُشْعِرُ عُرْفًا بِقَصْرِهِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ مَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَنَّ الْحُصُولَ مِنْ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ مُبْهَمًا أَوْ مُعَيَّنًا اهـ. وَأَقُولُ: إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَصْرِ يَكُونُ الْمَعْنَى هَكَذَا مُهِمٌّ لَا يُقْصَدُ إلَّا حُصُولُهُ أَيْ لَا غَيْرُهُ فَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَخْ تَصْرِيحٌ بِلَازِمِ الْحُكْمِ السَّلْبِيِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْقَصْرِ إلَّا أَنَّ دَعْوَى الْقَصْرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ يُقْصَدُ حُصُولُهُ وَقَعَ نَعْتًا لِقَوْلِهِ مُهِمٌّ فَجُمْلَةُ يَقْصِدُ حُصُولَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهَا إسْنَادٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَعَلَى تَقْدِيرِ الْحَصْرِ يَلْزَمُ الْإِسْنَادُ بِالْأَخْبَارِ فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ ادِّعَائِيٌّ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ التَّعْرِيفِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَخَرَجَ فَرْضُ الْعَيْنِ، فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ لِصَرَاحَتِهِ فِي أَنَّ الْمَخْرَجَ لَهُ قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَخْ وَإِلَّا لَقَالَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ حُصُولَهُ أَيْ لَمْ يَخْتَصَّ الْقَصْدُ بِحُصُولِهِ. (قَوْلُهُ: بِالذَّاتِ) مُتَعَلِّقٌ بِنَظَرٍ وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْمُرَادُ بِالنَّظَرِ الذَّاتِيِّ مَا هُوَ بِالْأَصَالَةِ وَالْأَوَّلِيَّةِ وَالْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ مُلْتَبِسٌ

أَيْ يُقْصَدُ حُصُولَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ إلَّا بِالتَّبَعِ لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ فَاعِلٍ فَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ دِينِيٌّ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَدُنْيَوِيٌّ كَالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ وَخَرَجَ فَرْضُ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَيْ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ أَوْ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ قَصْدَ الْحُصُولِ بِالْجَزْمِ احْتِرَازًا عَنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَمْيِيزُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمَا ذُكِرَ. (وَزَعَمَهُ) أَيْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُوهُ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ (أَفْضَلَ مِنْ) فَرْضِ (الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُصَانُ لِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ الْكَافِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ الْإِثْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى تَرْكِهِمْ لَهُ وَفَرْضُ الْعَيْنِ إنَّمَا يُصَانُ بِالْقِيَامِ بِهِ عَنْ الْإِثْمِ الْقَائِمِ بِهِ فَقَطْ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْأَذْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ لِشِدَّةِ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ بِقَصْدِ حُصُولِهِ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَصَالَةِ وَالْأَوَّلِيَّةِ إلَى الْفَاعِلِ بَلْ بِالتَّبَعِ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى الْفَاعِلِ وَلَعَلَّ فَائِدَةَ قَوْلِ الشَّارِحِ أَنْ يَقْصِدَ حُصُولَهُ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ كَوْنِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَوْضَحَ مِنْهَا الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ مَنْ قَالَ: يُقْصَدُ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: ضَرُورَةَ أَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ إلَّا بِالتَّبَعِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ لِلْفَاعِلِ. (قَوْلُهُ: كَالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ) الْعَطْفُ تَفْسِيرِيٌّ، فَإِنَّ مَعْنَاهُمَا لُغَةً الْعَمَلُ وَاصْطِلَاحًا الْمَلَكَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ التَّمَرُّنِ عَلَى الْعَمَلِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ) عَطْفٌ عَلَى تَنَاوَلَ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَصَدَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ (قَوْلُهُ: أَيْ وَاحِدٌ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ الذَّاتُ. (قَوْلُهُ: كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أُدْخِلَتْ الْكَافُ آلَةً فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِخُصُوصِهِمْ وَلَا يَصِحُّ مَا قِيلَ: إنَّهَا أَدْخَلَتْ خُزَيْمَةَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَمَا يُقَالُ: إنَّهَا قَدْ تَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ إذَا تَعَيَّنَتْ يُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا عَارِضٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: احْتِرَازًا) عِلَّةً لِلْمَنْفِيِّ أَعْنِي قَوْلَهُ بِقَيْدٍ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَرَضَ عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ حِينَئِذٍ يَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْمُعَرَّفَ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُجَوِّزِينَ لِلتَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ وَاشْتِرَاطُ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ طَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُقَالُ مَا الْمَانِعُ مِنْ زِيَادَةٍ جَزْمًا وَيَكُونُ الْفَرْضُ تَمْيِيزَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَمْنَعُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ فِيمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَسُنَّةُ الْكِفَايَةِ كَفَرْضِهَا وَمِنْ جُمْلَةِ مَا شُبِّهَ بِهِ التَّعْرِيفُ وَهُوَ لَا يَصِحُّ فِي جَانِبِ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ: أَيْ فَرْضَ الْكِفَايَةِ) أَرْجَعَ الشَّارِحُ الضَّمِيرَ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لِأَنَّهُ يُصَانُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ إلَخْ إشَارَةً لِمَا قَالَهُ الشَّمْسُ الْبِرْمَاوِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ وَهَمَ فِي نَقْلِهِ عَنْ الْأُسْتَاذِ وَالْإِمَامِ وَابْنِهِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ وَأَنَّ صَوَابَ النَّقْلِ عَنْهُمْ أَنَّ الْقِيَامَ بِهِ أَفْضَلُ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِهِمْ لَا أَنَّهُ نَفْسُهُ أَفْضَلُ. قَالَ الْكَمَالُ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَمْ يَهُمَّ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الطَّلَبِ الْجَازِمِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ كَالْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْقِيَامُ بِهِ فِعْلٌ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَوَصَفَهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ لِكَوْنِهِ آتِيًا بِمَا هُوَ أَفْضَلُ فَوَصْفُ الْفَرْضِ بِالْأَفْضَلِيَّةِ بِالْأَصَالَةِ وَالْقَصْدِ وَوَصْفُ الْإِتْيَانِ بِهِ بِهَا بِالتَّبَعِيَّةِ بَلْ مَا صَنَعَهُ أَجْوَدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودُ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: الْكَافِي) صِفَةٌ لِقِيَامٍ وَقَوْلُهُ: عَنْ عُهْدَتِهِ أَيْ عُهْدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَوْلُهُ: جَمِيعٌ نَائِبُ فَاعِلِ يُصَانُ، وَقَوْلُهُ: عَنْ الْإِثْمِ مُتَعَلِّقٌ بِيُصَانُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ)

فِي الْأَغْلَبِ وَلِمُعَارَضَةِ هَذَا دَلِيلَ الْأَوَّلِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ بِقَوْلِهِ زَعَمَهُ، وَإِنْ أَشَارَ كَمَا قَالَ إلَى تَقْوِيَةٍ يَعْزُوهُ إلَى قَائِلِيهِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ، الْمُفِيدُ أَنَّ لِلْإِمَامِ سَلَفًا عَظِيمًا فِيهِ فَإِنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ فَقَطْ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَى عَزْوِهِ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ الْأَكْثَرُ (وَهُوَ) أَيْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ (عَلَى الْبَعْضِ وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ لِلِاكْتِفَاءِ بِحُصُولِهِ مِنْ الْبَعْضِ (لَا) عَلَى (الْكُلِّ خِلَافًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (وَالْجُمْهُورِ) فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ عَلَى الْكُلِّ لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ صَرِيحًا وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّ قَطْعَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ تَرْكُ فَرْضِ الْعَيْنِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ وَلَا يُنَافِيهِ تَقْدِيمُ إنْقَاذِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْغَرَقِ عَلَى الصِّيَامِ فِي حَقِّ صَائِمٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إنْقَاذِهِ إلَّا بِالْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ لَيْسَ لِلْأَفْضَلِيَّةِ بَلْ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ لِذَلِكَ كَتَقْدِيمِ خُسُوفٍ خِيفَ فِيهِ الِانْجِلَاءُ عَلَى مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَضِقْ وَقْتُهَا. (قَوْلُهُ: فِي الْأَغْلَبِ) احْتِرَازًا عَمَّا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَلِمُعَارَضَةِ هَذَا) يَعْنِي شِدَّةَ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ أَفْضَلِيَّةِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ: دَلِيلُ الْأَوَّلِ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ الَّذِي هُوَ الْفَاعِلُ وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ هُوَ أَنَّهُ يُصَانُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّلِيلَيْنِ مُعَارِضٌ لِلْآخَرِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَتَسَاوَى الْقَوْلَانِ وَمَا قِيلَ: إنَّ هَذَا الدَّلِيلَ أَقْوَى فَلَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَشَارَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَالنِّكَاتُ لَا تَتَزَاحَمُ، فَإِنَّ التَّقْوِيَةَ مِنْ حَيْثُ الْعَزْوُ لَا تُنَافِي النَّظَرَ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى إشَارَةٍ الْأُولَى وَقَوْلُهُ: كَمَا قَالَ أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَبَاءٌ بِعَزْوِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِتَقْوِيَةٍ وَقَوْلُهُ: الْمُفِيدُ نَعْتٌ لِعَزْوِهِ. (قَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ) تَبِعَ فِيهِ الْمَرَاغِيَّ وَاَلَّذِي فِي مَحْصُولِ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ كَمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. زَكَرِيَّا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ فِي غَيْرِ الْمَحْصُولِ مَا يُخَالِفُ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِلِاكْتِفَاءِ بِحُصُولِهِ مِنْ الْبَعْضِ) أَيْ وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَكْتَفِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ إذْ يُسْتَبْعَدُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ مِنْ طَرَفِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَمَا عُلِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ لَا ابْتِلَاءَ كُلِّ مُكَلَّفٍ كَمَا فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَسُقُوطِ مَا عَلَى زَيْدٍ مِنْ الدَّيْنِ بِأَدَاءِ عُمَرَ وَعَنْهُ. (قَوْلُهُ: لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ) وَلِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ وَعَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ) أَيْ الْفَرْضُ الْمُرَادُ سُقُوطُهُ لَازِمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ. (قَوْلُهُ: بِفِعْلِ الْبَعْضِ) أَيْ بِتَمَامِ فِعْلِهِ فَلَا يَكْفِي الشُّرُوعُ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِهِ بِجُنُونٍ وَنَحْوِهِ قَالَ سم، فَإِنْ قِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ وَالْجُمْهُورِ بِمَاذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ قُلْت بِسُقُوطِهِ عَنْ الْجَمِيعِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرَّقَ الْكَمَالُ بِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يُقْصَدُ فِيهِ عَيْنُ الْفَاعِلِ ابْتِلَاءً لَهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ

وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْمَهُمْ بِالتَّرْكِ لِتَفْوِيتِهِمْ مَا قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ لَا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيَدُلُّ لِمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَذَكَرَ وَالِدُهُ مَعَ الْجُمْهُورِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِمْ قَالَ تَقْوِيَةً لَهُمْ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ (وَالْمُخْتَارُ) عَلَى الْأَوَّلِ (الْبَعْضُ مُبْهَمٌ) إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقْصَدُ فِيهِ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَاعِلِ إلَّا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ فَاعِلٍ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) أَيْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ إثْمَهُمْ بِالتَّرْكِ أَيْ إثْمَ الْكُلِّ بِتَرْكِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِتَفْوِيتِهِمْ أَيْ تَفْوِيتِ الْكُلِّ مَا قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ الْحُصُولُ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ وَكَوْنُهُ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ مَقْصُودٌ بِالتَّبَعِ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي التَّعْرِيفِ قَالَ الْكَمَالُ يُقَالُ عَلَيْهِ مِنْ طَرَفِ الْجُمْهُورِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقِيقُ بِالِاسْتِبْعَادِ أَعْنِي إثْمَ طَائِفَةٍ بِتَرْكِ أُخْرَى فِعْلًا كُلِّفَتْ بِهِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَوْ ارْتَبَطَ التَّكْلِيفُ فِي الظَّاهِرِ بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى بِعَيْنِهَا وَحْدَهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي احْتِمَالِ الْأَمْرِ لَهُمَا وَتَعَلُّقُهُ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ مَزِيَّةٍ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي التَّأْثِيمِ الْمَذْكُورِ تَأْثِيمُ طَائِفَةٍ بِتَرْكِ أُخْرَى فِعْلًا كُلِّفَتْ بِهِ إذْ كَوْنُ الْأُخْرَى كُلِّفَتْ بِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ بَلْ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُكَلَّفَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ، بَلْ إذَا قُلْنَا بِالْمُخْتَارِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْبَعْضَ مُبْهَمٌ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ طَائِفَةٌ لَا بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ الْمُكَلَّفُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الطَّوَائِفِ الصَّادِقِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى الْبَدَلِ فَجَمِيعُ الطَّوَائِفِ مُسْتَوُونَ فِي تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ بِهِمْ بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِهِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَوِي فِيهِمْ فَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذَا فِي إثْمِ الْجَمْعِ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا بَيْنَ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْخِطَابَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ تَعَلَّقَ ابْتِدَاءً بِكُلِّ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَعَلَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِكُلٍّ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالْمُشْتَرَكِ. (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لِمَا اخْتَرْنَاهُ) أَيْ لِدَلَالَةِ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لِيَفْعَلَ بَعْضُكُمْ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْبَعْضِ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ لِصِدْقِ الْبَعْضِ بِهِ، وَالْآيَةُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِجَمَاعَةٍ إذْ الْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّعِي بَلْ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْجُمْلَةِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ مَاصَدَقَاتِ الْبَعْضِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَيَدُلُّ لِمَا اخْتَرْنَاهُ، مُعَبِّرًا بِاللَّامِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ مُجَاوَزَةِ الْمَقْصُورِ وَهُوَ الْآيَةُ عَنْ الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ عَلَى الْمُشْعِرَةِ بِالِاسْتِعْلَاءِ وَالْإِحَاطَةِ حُسْنًا أَوْ حُكْمًا إشَارَةً إلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ اسْتِئْنَاسِيٌّ لَا يَصْلُحُ لِإِلْزَامِ الْغَيْرِ لِإِمْكَانِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ طَرَفِ الْجُمْهُورِ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ خُوطِبَ الْجَمِيعُ بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِ الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَأَيْضًا الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ وَنَحْوِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] الْآيَةُ يُؤَوَّلُ بِالسُّقُوطِ بِفِعْلِ الطَّاعَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] وَنَحْوِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَأْوِيلَ أَدِلَّةِ الْمُصَنِّفِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَضُعِّفَ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ تَأْوِيلَ أَدِلَّةِ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخِطَابِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ، ثُمَّ إنَّ كَوْنَ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْفِعْلُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَاعِلَ مَنْظُورٌ إلَيْهِ بِالذَّاتِ لَا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَعَمَهُ النَّاصِرُ. (قَوْلُهُ: أَهْلٌ لِذَلِكَ) أَيْ لَأَنْ يَتَقَوَّى بِهِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. (قَوْلُهُ: الْبَعْضُ مُبْهَمٌ) مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى رَابِطٍ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْمَعْنَى وَالْقَوْلُ بِأَنَّ بَعْضَ مُبْهَمٍ هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَبْعَاضِ كَمَا هُوَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ، فَاسْتِدْلَالُ الْقَرَافِيِّ بِآيَةِ {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: 104] عَلَى الْوُجُوبِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِعْلُ إحْدَى الطَّوَائِفِ وَمَفْهُومُ أَحَدِهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْبَعْضِ بَلْ يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ: فَمَنْ قَامَ بِهِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ فَالْأَوْلَى أَنْ

سَقَطَ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِ (وَقِيلَ) الْبَعْضُ (مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى) يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الشَّخْصِ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ (وَقِيلَ) الْبَعْضُ (مَنْ قَامَ بِهِ) لِسُقُوطِهِ بِفِعْلِهِ، ثُمَّ مَدَارُهُ عَلَى الظَّنِّ فَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا، وَعَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ سَقَطَ عَنْهُ وَمَنْ لَا فَلَا. (وَيَتَعَيَّنُ) فَرْضُ الْكِفَايَةِ (بِالشُّرُوعِ) فِيهِ أَيْ يَصِيرُ بِذَلِكَ فَرْضَ عَيْنٍ يَعْنِي مِثْلَهُ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ (عَلَى الْأَصَحِّ) بِجَامِعِ الْفَرْضِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا هُوَ خَاصٌّ بِهِ فَيَقُولُ فَمَنْ قَامَ بِهِ تَحَقَّقَ بِهِ الْبَعْضُ الْمُبْهَمُ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ. (قَوْلُهُ: سَقَطَ الْفَرْضُ) أَيْ الْحَرَجُ بِتَرْكِهِ كَمَا عَبَّرَ جَمَاعَةٌ فَلَا يُنَافِي وُقُوعَ صَلَاةِ فِرْقَةٍ عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَ صَلَاةٍ أُخْرَى فَرْضًا وَلِهَذَا يَنْوِي الْفَرْضَ وَيُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ) فِيهِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ مُبْهَمًا عِنْدَنَا كَمَا أَنَّهُ عَلَى الثَّانِي مُبْهَمٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فَلَا تَظْهَرُ الْمُقَابَلَةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُلَاحَظَ فِي الْأَوَّلِ جِهَةُ الْإِبْهَامِ وَفِي الثَّانِي جِهَةُ التَّعْيِينِ وَبِهَذَا يَرْجِعُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا. (قَوْلُهُ: وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ فَلَا يُجْزِئُ رَدُّ صَبِيٍّ مِنْ الْجَمَاعَةِ السَّلَامَ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِتَمَامِهِ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ كَصَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَحَمْلِهِ الْمَيِّتَ وَدَفْنِهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ قَالَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْبَعْضُ مَنْ قَامَ بِهِ) قَالَ زَكَرِيَّا هَذَا مِنْ تَفَارِيعِ الْقَوْلِ قَبْلَهُ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ كَكَثِيرٍ خِلَافَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَدَارُهُ عَلَى الظَّنِّ) أَيْ مَبْنَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقِ بِالْمُكَلَّفِ أَوْ السُّقُوطِ عَنْهُ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِالتَّفْرِيعِ بِقَوْلِهِ فَعَلَى قَوْلِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى فَائِدَةِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ) أَيْ وَلَا يَفْعَلُهُ أَيْضًا اهـ. زَكَرِيَّا وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُصَمِّمَ غَيْرُهُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ بَلْ مَتَى مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا زَالَ الْخِطَابُ مُتَوَجِّهًا لَهُ فِي ضِمْنِ الْبَعْضِ الْمُبْهَمِ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ) اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَلَا إثْمَ فِي تَرْكِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْثِيمُ أَهْلِ الدُّنْيَا فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا انْتَفَى الْإِثْمُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ قُلْنَا: فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ فَرْضًا. وَأَقُولُ: الْوَجْهُ حَيْثُ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ حَتَّى قُدْرَةُ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ الْتِزَامُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَا فَلَا) أَيْ وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ وَأَوْلَى عَلِمَ أَوْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا أَصْلًا إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ مَسْأَلَةُ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي وَالْفَرْقُ أَنَّهُ خُوطِبَ بِهِ ابْتِدَاءً عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا إنْ ظَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ بِخِلَافِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يَصِيرُ بِذَلِكَ فَرْضَ عَيْنٍ) هُوَ بَيَانٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَلِذَا عَبَّرَ فِيهِ بِأَيٍّ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا مُرَادًا لِمَا يَلْزَمْ عَلَيْهِ مِنْ قَلْبِ الْحَقَائِقِ أَرْدَفَهُ بِبَيَانِ الْمَقْصُودِ فَقَالَ: يَعْنِي مِثْلَهُ وَلِذَا عَبَّرَ فِيهِ بِالْعِنَايَةِ وَقَيَّدَ الْمُمَاثَلَةَ بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ إشَارَةً إلَى افْتِرَاقِهِمَا بِوُجُوبِ الشُّرُوعِ فِي الْعَيْنِيِّ وَعَدَمِهِ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ الْفَرْضِيَّةِ) قَدْ يُعْتَرَضُ كَوْنُهَا جَامِعًا بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَزِمَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي وُجُوبِ الشُّرُوعِ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ قَالَهُ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشُّرُوعِ الْوَاجِبِ هُوَ شُرُوعُ مَنْ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ لَكِنَّهُ فَرْضُ الْعَيْنِ هُوَ الْجَمِيعُ وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ هُوَ الْبَعْضُ، فَإِنَّ شُرُوعَ طَائِفَةٍ فِيهِ وَقِيَامَهُمْ بِهِ أَمْرٌ لَازِمٌ بِحَيْثُ لَوْ انْتَفَى أَثِمُوا فَقَدْ اشْتَرَكَ الْفَرْضَانِ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِيمَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ أَمْرٌ وَاجِبٌ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ مَنْ يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ فِيهِمَا فَظَهَرَ بِذَلِكَ ثُبُوتُ اللَّازِمِ وَعَدَمُ انْتِفَائِهِ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا جَامِعٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْفَارِقِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَصْدَ

وَقِيلَ: لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَصْدَ بِهِ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ حُصُولُهُ مِمَّنْ شَرَعَ فِيهِ فَيَجِبُ إتْمَامُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَجِبُ الِاسْتِمْرَارُ فِي صَفِّ الْقِتَالِ جَزْمًا لِمَا فِي الِانْصِرَافِ عَنْهُ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْجُنْدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِمْرَارُ فِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ لِمَنْ آنَسَ الرُّشْدَ فِيهِ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مَطْلُوبَةٍ بِرَأْسِهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَمَا ذَكَرَهُ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ بِالنَّظَرِ إلَى الْأُصُولِيِّ أَقْعَدُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبَارِزِيُّ فِي التَّمْيِيزِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا الْجِهَادَ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى الْفُرُوعِ أَضْبَطَ. (وَسُنَّةُ الْكِفَايَةِ) الْمُنْقَسِمُ إلَيْهَا وَإِلَى سُنَّةِ الْعَيْنِ مُطْلَقُ السُّنَّةِ الْمُتَقَدِّمِ حَدُّهُ (كَفَرْضِهَا) فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا مِنْ حَيْثُ التَّمْيِيزُ عَنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ مُهِمٌّ بِقَصْدِ حُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالتَّسْمِيَةِ لِلْأَكْلِ مِنْ جِهَةِ جَمَاعَةٍ فِي الثَّلَاثِ مَثَلًا ثَانِيهَا أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ لِسُقُوطِ الطَّلَبِ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهَا عَنْ الْكُلِّ الْمَطْلُوبِينَ بِهَا ثَالِثُهَا أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْ الْكُلِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ مِنْ بَعْضٍ مُبْهَمٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ: مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ الطَّلَبُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يَجِبُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ يَتَعَيَّنُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا يَأْتِي أَنَّ التَّصْحِيحَ مُخْتَلِفٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَيَّنُ حُصُولُهُ) وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْهُ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ تَمَامُ إلَخْ) فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ التَّصْحِيحِ، وَإِنْ كَانَتْ مَحَلَّ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ الِاسْتِمْرَارُ فِي صَفِّ الْقِتَالِ جَزْمًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَعْيِينِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ أَمَّا هُوَ فَمُتَّفَقٌ عَلَى تَعَيُّنِهِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، ثُمَّ هَذَا الِاسْتِمْرَارُ إتْمَامٌ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ الَّذِي هُوَ الْجِهَادُ فَيَحْتَاجُ لِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي صَفِّ الْقِتَالِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْكَوْنُ فِيهِ إذْ هُوَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ أَوْ الْمُرَادُ بِالصَّفِّ الِاصْطِفَافُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّفِّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِنِيَّةِ الْفِرَارِ مَعَ أَنَّ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ تَرْكُ الْقِتَالِ فِرَارًا وَإِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِرَاحَةٍ أَوْ تَحَيُّزٍ إلَى فِئَةٍ مَثَلًا مَعَ نِيَّةِ الْعَوْدِ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الِانْصِرَافِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ بِحَسَبِ الْمَظِنَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ وَمِثْلُ الْجِهَادِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ كِفَايَةٌ يَتَعَيَّنَانِ بِالشُّرُوعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمَا هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ إتْمَامِ نَفْلِهِمَا. (قَوْلُهُ: لِمَنْ آنَسَ) وَإِلَّا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الشُّرُوعُ حَتَّى يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالتَّعَيُّنِ أَوْ عَدَمِهِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الِاسْتِمْرَارِ فِي تَعَلُّمِ الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ يُنَافِيهِ قُلْنَا: الْمُرَادُ بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ تَحْصِيلُ عِلْمِ مَا تَضَمَّنَهُ مَسَائِلُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ إذْ هِيَ الْمُثَبِّتَةُ بِالدَّلِيلِ فِي الْعِلْمِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّرُوعُ فِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ عِلْمِ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ وَإِعْرَاضُهُ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْحُكْمِ إعْرَاضٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: أَقْعَدُ) أَيْ أَحْسَنُ وَضْعًا لِإِفَادَتِهِ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً مُنَاسِبَةً قَوَاعِدِ الْأُصُولِ وَهِيَ كُلُّ فَرْضٍ كِفَائِيٍّ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَضُرُّ اسْتِثْنَاءُ الْجِهَادِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ جَزْمًا؛ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ شَأْنُهَا أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا وَالْقَاعِدَةُ تُنَاسِبُ الْأُصُولَ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ هِيَ الْقَوَاعِدُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْبَارِزِيُّ بِالنَّظَرِ إلَى الْفُرُوعِ أَضْبَطَ أَيْ مِنْ جِهَةِ إفَادَتِهِ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى وَجْهِ الْحَصْرِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ التَّمْيِيزُ عَنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ) ذَكَرَ الْحَيْثِيَّةَ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ عَرَّفَهَا بِمَا عَرَّفَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ فَيَلْزَمُ اخْتِلَالُ أَحَدِ التَّعْرِيفَيْنِ. (قَوْلُهُ: جَمَاعَةٌ) أَرَادَ بِهَا مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) تَأْكِيدٌ لِلْكَافِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِلْأَفْرَادِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْآخَرُ لِلْأَفْرَادِ الْخَارِجِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ كَمَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الشَّاشِيُّ، فَإِنَّ مِنْهَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ الْآذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَمَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ مِمَّا نُدِبَ إلَيْهِ وَتَضْحِيَةُ الْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ لِتَأَدِّي شِعَارَ التَّضْحِيَةِ بِهَا (قَوْلُهُ: لِسُقُوطِ الطَّلَبِ) وَذَلِكَ كَافٍ فِي تَفْضِيلِ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ لَا يَصِحُّ أَنَّ

[مسألة الأكثر من الفقهاء على أن جميع وقت الظهر جوازا وقت الأداء]

وَقِيلَ مِنْ بَعْضٍ قَامَ بِهَا رَابِعُهَا أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا أَيْ تَصِيرُ بِهِ سُنَّةَ عَيْنٍ يَعْنِي مِثْلَهَا فِي تَأَكُّدِ طَلَبِ الْإِتْمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ. (مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى (أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ الظُّهْرِ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (وَقْتَ الْأَدَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّةَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ كَمَا قِيلَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِعَدَمِ تَأَتِّي سُقُوطِ الْإِثْمِ إذْ لَا إثْمَ فِي تَرْكِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ تَفْضِيلُ سُنَّةِ الْعَيْنِ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي دَلِيلِ تَفْضِيلِ فَرْضِ الْعَيْنِ قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ: يَلْزَمُ عَلَى سُقُوطِ الطَّلَبِ أَنَّ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةَ إذَا فَعَلَتْ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ لَا تَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى فِعْلِهَا كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ هُنَاكَ بَقَاءُ الطَّلَبِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ وَالْغَرَضُ هُنَا سُقُوطُ الطَّلَبِ فَلَا ثَوَابَ وَعَلَى ذَلِكَ مَنْعٌ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قِيلَ: إنَّ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ لِسُقُوطِ اللَّوْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى تَرْكِهَا بِفِعْلِ الْقَائِمِ بِهَا لَكَانَ مُلَائِمًا لِمَا سَلَفَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ اهـ. وَعَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَبَ سَقَطَ عَنْ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِ الْأُولَى فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ بَعْضِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ فِي الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: فِي تَأَكُّدِ الطَّلَبِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ سُنِّيَّتَهَا لَا تَقْوَى عَنْ قَبْلُ، كَمَا فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ إذَا تَعَيَّنَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي مِثْلَهَا فِي تَخْصِيصِ الطَّلَبِ بِمَنْ شَرَعَ. [مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ] (قَوْلُهُ: الْأَكْثَرِ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَقْتٌ لِأَدَائِهِ وَسَبَبِ وُجُوبِهِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ لِسَبْقِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالْمُكَلَّفِ مُخَيَّرًا فِي أَجْزَاءِ الْوَقْتِ كَالتَّخْيِيرِ فِي الْمَفْعُولِ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَارِحُ الْمِنْهَاجِ إنَّ حَقِيقَةَ الْمُوَسَّعِ تَرْجِعُ لِلْمُخَيَّرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِ كَأَنَّهُ قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ: أَفْعَلُ أَمَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا. وَتَعْبِيرُهُ بِالْجَوَازِ يُفْهِمُ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَخْرُجُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْجَوَازِ وَهُوَ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّ مُرَادَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ أَدَاءً اتِّفَاقًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَدَاءُ فِعْلُ بَعْضِ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ مَعَ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ خَرَجَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ بَلْ هُوَ زِيَادَةٌ جَرَى فِيهَا عَلَى طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ وَكَرَّرَ مَنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ لِيُفِيدَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا مِنْ مَجْمُوعِهِمَا فَيَصْدُقُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْآخَرِ وَالْمُرَادُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ مُتَكَلِّمُونَ إذْ لَا ارْتِبَاطَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ أُصُولِيُّونَ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْمُتَكَلِّمِينَ لِاشْتِهَارِهِمْ بِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ جَمِيعَ إلَخْ) قَدَّرَ الشَّارِحُ عَلَى لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ بِهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا عَنْ الْأَكْثَرِ وَحَذْفُ الْجَارِّ مُطَّرِدٌ قَبْلَ أَنْ، وَإِنْ وَالْمَعْنَى الْأَكْثَرُ مُتَّفِقُونَ أَوْ جَارُونَ عَلَى أَنَّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: جَوَازًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ وَالْأَصْلُ وَقْتُ جَوَازِ الظُّهْرِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ، ثُمَّ أَتَى بِهِ تَمْيِيزًا لِإِجْمَالِ النِّسْبَةِ الْحَاصِلِ بِحَذْفِهِ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) عَطْفٌ عَلَى الظُّهْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ قَالَ النَّاصِرُ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى جَوَازًا؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَاتِ الْمُضَافِ إنَّمَا تُذْكَرُ بَعْدَهُ تَعَلُّقَاتُ الْمُضَافِ إلَيْهِ

فَفِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَقَعَ فَقَدْ أُوقِعَ فِي وَقْتِ أَدَائِهِ الَّذِي يَسَعُهُ وَغَيْرُهُ وَلِذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَقَوْلُهُ جَوَازًا رَاجِعٌ إلَى الْوَقْتِ لِبَيَانِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَقْتِ الْجَوَازِ لَا فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ أَدَاءً بِشَرْطِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَخِّرِ) أَيْ مُرِيدِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ (الْعَزْمُ) فِيهِ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ فِي الْوَقْتِ (خِلَافًا لِقَوْمٍ) كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَفِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّأْكِيدُ بِجَمِيعٍ مِنْ اسْتِغْرَاقِ أَجْزَاءِ الْمُؤَكَّدِ وَهُوَ مَجْمُوعُ وَقْتِ الظُّهْرِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: الَّذِي يَسَعُهُ وَغَيْرُهُ الْوَاقِعُ نَعْتًا لِلْوَقْتِ الْمَذْكُورِ لَا أَيَّ جُزْءٍ مِنْهُ أُوقِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُهُ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِوَقْتِ الظُّهْرِ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَجْمُوعُ وَقْتِهِ الْعَائِدُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِجَمِيعِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ لَا الْمَجْمُوعَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَفِي أَيِّ جُزْءٍ إلَخْ، فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِجَمِيعِ الْوَاقِعَةِ تَأْكِيدًا لِوَقْتِ الظُّهْرِ ذِي الْأَجْزَاءِ وَقْتَ أَدَائِهِ خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَجْزَاءِ، فَيَصْدُقُ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَإِنَّ مَجْمُوعَ الْوَقْتِ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ فَقَدْ أَتَى الشَّارِحُ بِمَا يُطَابِقُ مُقْتَضَى التَّأْكِيدِ بِجَمِيعٍ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ الَّذِي يَسَعُهُ وَغَيْرِهِ إيمَاءً إلَى أَنَّ جَمِيعَ مُرَادًا بِهِ الْمَجْمُوعُ، وَأَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ هُوَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنَّ أَجْزَاءَهُ هِيَ أَجْزَاءٌ لَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّأْكِيدُ بِجَمِيعَ أَنَّ الْمُؤَكَّدَ بِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَا أَجْزَاءٍ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا بِقَصْدِ شُمُولِ الْحُكْمِ لَهَا فَالْمُطَابِقُ لَهُ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ جَوَازًا وَقْتٌ لِأَدَائِهِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّ مَجْمُوعَهَا وَقْتُ أَدَاءً أَيْضًا لِصِدْقِ حَدِّ الْوَقْتِ بِمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ يُعْرَفُ إلَخْ) ضَمِيرُ يُعْرَفُ يَعُودُ لِلْمُؤَدَّى أَيْ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْأَدَاءِ وَقَوْلُهُ: الْمُوَسَّعُ وَقْتُهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ هُوَ مَا يَسَعُهَا، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ الَّذِي جَعَلَهُ وَقْتَ ضَرُورَةٍ هُوَ مَا لَا يَسَعُهَا سَوَاءٌ وَسِعَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ أَوْ لَمْ يَسَعْ رَكْعَةً. وَقَدْ يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ وَقْتَ الضَّرُورَةِ عَلَى مِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ فِي حَقِّ مَنْ زَالَ عُذْرُهُ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ كَحَيْضٍ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَصِبًا فِي الْمَنْهَجِ وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ وَبَقِيَ قَدْرُ تَحَرُّمٍ وَخَلَا مِنْهَا قَدْرُ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا وَخَلَا قَدْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ أَدَاءً) أَيْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ هُوَ كَوْنُ الْمَفْعُولِ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً لَا أَقَلَّ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُرِيدِ إلَخْ) وَإِلَّا فَبَعْدَ التَّأْخِيرِ بِالْفِعْلِ لَا يُعْقَلُ الْعَزْمُ لِمُضِيِّ مَا يَقَعُ فِيهِ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَنَبَّهَ بِمُرِيدٍ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمُؤَخَّرِ مَجَازٌ. (قَوْلُهُ: الْعَزْمُ فِيهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ: بَعْدُ أَيْ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِمْ إلَخْ) قَالُوا: لَوْ جَازَ التَّرْكُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ وَهُوَ الْبَدَلُ عَنْ الْوَاجِبِ لَجَازَ تَرْكُ الْوَاجِبِ بِلَا بَدَلٍ وَالْمُلَازَمَةُ ظَاهِرَةٌ وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ كَوْنَ الْوَاجِبِ غَيْرَ وَاجِبٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَزْمَ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَوْ صَحَّ بَدَلًا عَنْهُ لَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ بَدَلِيَّةَ الْعَزْمِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ التَّضْيِيقِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِالْعَزْمِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ سُقُوطُهُ أَصْلًا مُنِعَ اللُّزُومُ كَيْفَ وَالْفِعْلُ يَتَعَيَّنُ عِنْدَ التَّضْيِيقِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ تَحَقُّقَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِتْيَانِ بِهِ فِيهِ سَلِمَ اللُّزُومُ وَمَنَعَ بُطْلَانَ اللَّازِمِ كَيْفَ وَالْإِتْيَانُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَزْمِ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ فَالرَّاجِحُ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، إمَّا الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ قِيلَ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَاَلَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ فُضَلَائِهِمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عِنْدَهُمْ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ وَيَكْفِي أَنَّهُ لَوْ سُئِلَ أَجَابَ بِالْفِعْلِ، ثُمَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجِبُ الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ كَمَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ شَارِحِي الْمُخْتَصَرِ فَشَنَّعَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ هَفَوَاتِهِ وَمِنْ

بِوُجُوبِ الْعَزْمِ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ عَنْ الْمَنْدُوبِ فِي جَوَازِ التَّرْكِ وَأُجِيبَ بِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَاجِبِ عَنْ الْوَقْتِ يُؤْثِمُ. (وَقِيلَ) وَقْتُ أَدَائِهِ (الْأَوَّلُ) مِنْ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (فَإِنْ أَخَّرَ) عَنْهُ (فَقَضَاءٌ) ، وَإِنْ فَعَلَ فِي الْوَقْتِ حَتَّى يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَلِنَقْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ (وَقِيلَ) وَقْتُ أَدَائِهِ (الْآخَرُ) مِنْ الْوَقْتِ لِانْتِفَاءِ وُجُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَظَائِمِ فِي الدِّينِ وَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ هُوَ مَا فَهِمَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي طَرِيقَةِ الْقَاضِي أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ الْعَزْمَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَلَا يُوجِبُ تَحْدِيدَهُ، ثُمَّ يَحْكُمُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَزْمَ يَنْسَحِبُ حُكْمُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَهَذَا كَانْبِسَاطِ النِّيَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عُزُوبِ النِّيَّةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِهَذَا الرَّجُلِ الْعَظِيمِ غَيْرَ هَذَا غَيْرَ أَنَّا لَا نَرَى ذَلِكَ رَأْيًا اهـ. (قَوْلُهُ: فِي جَوَازِ التَّرْكِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةً لِلْمَنْدُوبِ أَيْ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي جَوَازِ التَّرْكِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرْكِ الْجَائِزِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاجِبِ التَّرْكُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْفَرْضَ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْدُوبِ التَّرْكُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَحْصُلْ تَمْيِيزٌ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ التَّرْكِ إلَّا بِالْعَزْمِ فَتَرْكُ الْمَنْدُوبِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْعَزْمِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَقْتِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُنْدَبِ فَالْجَوَازُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ مُعَيَّنٌ دُونَ الْمَنْدُوبِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الِاشْتِرَاكَ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ تَعَلُّقِ الطَّلَبِ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ: إنَّ الْمُرَادَ فِي الْجَوَابِ التَّأْخِيرُ عَنْ جُمْلَةِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ كَلَامُهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي التَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَمُرَادُهُمْ مِنْ التَّعْلِيلِ التَّمْيِيزُ الْحَاصِلُ بِتَمْيِيزِ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ أَنْ يُمَيِّزَ الْمُكَلَّفُ تَأْخِيرَهُ الْجَائِزَ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ لَيْسَ مِنْ تَمْيِيزِ الْمُكَلَّفِ، ثُمَّ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ مَحَلُّهُ فِي الْعَزْمِ الْخَاصِّ عَلَى فِعْلِ الْفَرْضِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ، أَمَّا الْعَزْمُ الْعَامُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي جَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَهُوَ أَنْ يَعْزِمَ الْمُكَلَّفُ عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاجِبٍ إجْمَالًا عِنْدَ مُلَاحَظَتِهِ مُجْمَلًا مَعَ غَيْرِهِ وَتَفْصِيلًا عِنْدَ تَذَكُّرِهِ بِخُصُوصِهِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: وَقْتُ أَدَائِهِ الْأَوَّلُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ مَحْكُومٌ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى قَلْبًا وَقَوْلُهُ: الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ أَيْ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَسَعُ فِعْلَ الْعِبَادَةِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالْفِعْلُ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ قَضَاءً عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَ فِي الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْجَوَازِ عِنْدَ غَيْرِ هَذَا الْقَائِلِ أَمَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَوَقْتُ الْأَدَاءِ الْأَوَّلُ فَقَطْ لِمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَقْوَالُ إلَخْ. 1 - (قَوْلُهُ: حَتَّى يَأْثَمَ إلَخْ) حَتَّى تَفْرِيعِيَّةٌ فِي فَيَأْثَمُ مَرْفُوعٌ. (قَوْلُهُ: عَنْ بَعْضِهِمْ) أَيْ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَعَالِمِ حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُعْرَفُ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَّهَمُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَلَ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ نَقْلَ الشَّافِعِيِّ أَثْبَتُ وَأَوْلَى وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ (قَوْلُهُ: وَلِنَقْلِهِ) أَيْ نَقْلِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ) أَيْ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ. (قَوْلُهُ: الْآخَرُ) أَيْ الْمِقْدَارُ الْآخَرُ الَّذِي يَسَعُ الصَّلَاةَ بِتَمَامِهَا فَقَطْ. (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ وُجُوبِ

الْفِعْلِ قَبْلَهُ (فَإِنْ قُدِّمَ) عَلَيْهِ بِأَنْ فُعِلَ قَبْلَهُ فِي الْوَقْتِ (فَتَعْجِيلٌ) أَيْ فَتَقْدِيمُهُ تَعْجِيلٌ لِلْوَاجِبِ مُسْقِطٌ لَهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا (وَ) قَالَتْ (الْحَنَفِيَّةُ) وَقْتَ أَدَائِهِ (مَا) أَيْ الْجُزْءَ الَّذِي (اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ) أَيْ لَاقَاهُ الْفِعْلُ بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ الْأَدَاءُ بِجُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بِأَنْ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ (فَالْآخَرُ) أَيْ فَوَقْتُ أَدَائِهِ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الْوَقْتِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْفِعْلِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ فِيمَا قَبْلَهُ. (وَ) قَالَ (الْكَرْخِيُّ: إنْ قُدِّمَ) الْفِعْلُ عَلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِأَنْ وَقَعَ قَبْلَهُ فِي الْوَقْتِ (وَقَعَ) مَا قُدِّمَ (وَاجِبًا بِشَرْطِ بَقَائِهِ) أَيْ بَقَاءِ الْمُقَدِّمِ لَهُ (مُكَلَّفًا) إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ كَذَلِكَ كَأَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَقَعَ مَا قَدَّمَهُ نَفْلًا فَشَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ أَنْ يَبْقَى مِنْ إدْرَاكِهِ الْوَقْتُ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ إلَى آخِرِهِ الْمُتَبَيِّنِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ) أَيْ الْوُجُوبُ التَّخْيِيرِيُّ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ وَبِتَضْيِيقٍ فِي آخِرِ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَجُمْهُورُهُمْ قَائِلٌ بِمَا قُلْنَا مِنْ إثْبَاتِ الْوُجُوبِ الْمُوَسَّعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ اهـ. زَكَرِيَّا قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى الْمِنْهَاجِ: إنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مُتَعَيِّنٌ لِسَبَبِيَّةِ الْوُجُوبِ إذَا اتَّصَلَ الْأَدَاءُ بِهِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَإِلَّا تَنْتَفِلُ السَّبَبِيَّةُ مِنْهُ إلَى الثَّانِي، ثُمَّ إلَى الثَّالِثِ وَهَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْأَدَاءُ إلَى الْآخَرِ تَقَرَّرَتْ السَّبَبِيَّةُ فِيهِ لِعَدَمِ مَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَهُ، فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَالسَّبَبُ كُلُّ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ وَذَكَرُوا أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ بِآخِرِهِ فَصِحَّةُ الصَّلَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ قَدْ تَوَجَّهَ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْخِيرِ. وَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَصِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَوْسَطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إذْ الْخِطَابُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ فِي الْوَقْتِ لَا فِي أَوَّلِهِ. (قَوْلُهُ: مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ) يَصْدُقُ بِكُلِّ الْوَقْتِ إذَا اسْتَغْرَقَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَبِأَوَّلِهِ وَبِآخِرِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَاقَاهُ) تَفْسِيرٌ لِلِاتِّصَالِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَلَمَّا كَانَتْ الْمُلَاقَاةُ صَادِقَةً بِالْمُلَاقَاةِ عَلَى وَجْهِ الْحُلُولِ وَعَلَى مُجَرَّدِ اللُّصُوقِ وَالْمُرَادُ الْأُولَى فَسَّرَهَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ إلَخْ وَانْدَفَعَ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَعَ وَاجِبًا بِشَرْطِ بَقَائِهِ مُكَلَّفًا) قَالَ النَّاصِرُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ وَاجِبًا حَالٌ، فَإِنْ كَانَتْ مُقَارِنَةً لِعَامِلِهَا لَزِمَ أَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْبَقَاءُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَالشَّرْطُ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ أَوْ يُقَارِنُ، وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً لَزِمَ أَنَّ صِفَةَ الْفِعْلِ أَيْ وُجُوبَهُ يُوجَدُ بَعْدَ انْعِدَامِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَقَاءَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمَعْدُومِ بِالْوُجُوبِ لَا لِلْوُجُوبِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْعَضُدِ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ فَيُعْلَمُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ كَانَ وَاجِبًا وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْمُتَبَيِّنُ بِهِ الْوُجُوبُ فَقَوْلُهُ: فَشَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ أَيْ الْحُكْمُ بِهِ اهـ. قَالَ سم وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ مَعْنَى وَقَعَ تَبَيَّنَ أَيْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وُقُوعُهُ وَاجِبًا، وَلَا يَخْفَى مُغَايِرَةُ هَذَا الْجَوَابِ لِجَوَابِ الشَّيْخِ وَأَنَّهُ أَوْفَقُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ الْمُتَبَيِّنِ بِهِ الْوُجُوبُ وَأَنَّ مَبْنَى جَوَابِ الشَّيْخِ عَلَى اخْتِيَارِ أَنَّ الْحَالَ مُنْتَظِرَةٌ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَحْكُومًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِوُجُوبِهِ بِشَرْطِ بَقَائِهِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ وَقْتُ الْحُكْمِ لِيَتَقَارَنَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ. وَأَمَّا جَعْلُ وَاجِبًا بِهَذَا الْمَعْنَى حَالًّا مُقَارَنَةً فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَقَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الْحُكْمُ فِي الْحَالِ وَجَعْلُ الشَّرْطِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَبْقَى لَا يَخْلُصُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْحَالِ لِلْحُكْمِ هَذَا. وَقَدْ أَوْرَدَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ الْفِعْلَ حَالَ الْوُقُوعِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِآخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُنْتَفَى وَصْفُنَا لَهُ وَحُكْمُنَا عَلَيْهِ لَا فِي الْوَاقِعِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَعَدَمُ الْوَصْفِ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَنَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: الْمُتَبَيَّنُ بِهِ) بِالْفَتْحِ أَيْ الْمُحَقَّقُ وَبِالْكَسْرِ أَيْ الْمُتَحَقِّقُ قَالَ النَّاصِرُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ أَيْ الْبَقَاءُ فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَلَيْسَ مَجْرُورًا صِفَةً لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّبَيُّنَ بِالْبَقَاءِ لَا بِالْآخَرِ وَصَحَّحَ سم جَعْلَهُ صِفَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ مُقَيَّدٌ

الْوُجُوبُ، وَإِنْ أَخَّرَ الْفِعْلَ عَنْهُ وَيُؤْمَرُ بِهِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ صِفَةُ التَّكْلِيفِ فَحَيْثُ وَجَبَ فَوَقْتُ أَدَائِهِ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِيمَا شَرَطَهُ فَذَكَرُهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْأَوَّلِ الْمَعْلُومِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ مُنْكِرَةٌ لِلْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ لِاتِّفَاقِهَا عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا يَفْضُلُ عَنْ الْوَاجِبِ (وَمَنْ أَخَّرَ) الْوَاجِبَ الْمَذْكُورَ بِأَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَثَلًا (مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ) عَقِبَ مَا يَسَعُهُ مِنْهُ مَثَلًا (عَصَى) لِظَنِّهِ فَوَاتَ الْوَاجِبِ بِالتَّأْخِيرِ (فَمَنْ عَاشَ وَفَعَلَهُ) فِي الْوَقْتِ (فَالْجُمْهُورُ) قَالُوا: فِعْلُهُ (أَدَاءً) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا. (وَ) قَالَ (الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ) الْبَاقِلَّانِيُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (وَالْحُسَيْنُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ فِعْلُهُ (قَضَاءً) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي تُضَيِّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَرِينَةِ السِّيَاقِ بِحُصُولِ الْبَقَاءِ إلَيْهِ أَيْ الْمُتَبَيِّنُ بِالْآخِرِ الَّذِي حَصَلَ الْبَقَاءُ إلَيْهِ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَوْضَحُ مَعَ سَلَامَتِهِ عَنْ التَّكَلُّفِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَّرَ الْفِعْلَ عَنْهُ) مُبَالَغَةً عَلَى التَّبَيُّنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْآخَرَ الْحَاصِلَ الْبَقَاءُ إلَيْهِ يَتَبَيَّنُ بِهِ وُجُوبُ الْفِعْلِ قُدِّمَ عَلَيْهِ أَوَاخِرُ. (قَوْلِهِ وَيُؤْمَرُ بِهِ قَبْلَهُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ قِيلَ: الْآخَرُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ قَبْلَهُ وَعَلَى كَلَامِ الْكَرْخِيِّ هَذَا إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ آخِرَ الْوَقْتِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَكْسَ كَلَامِ الْقَوْمِ الْآتِي؛ لِأَنَّ ظَنَّ الْمَوْتِ عَارِضُ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: فَحَيْثُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَشَرْطُ الْوُجُوبِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَوَقْتُ أَدَائِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ. (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْكَافِ. (قَوْلُهُ: فَذَكَرَهُ) أَيْ الشَّرْطَ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ عِنْدَهُ مَا مَرَّ وَوُصِفَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَ مَا شَرَطَهُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَوَقْتُ أَدَائِهِ إلَى قَوْلِهِ فِيمَا شَرَطَهُ. (قَوْلُهُ: الْمَعْلُومُ مِمَّا قَدَّمَهُ) فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ أَيْ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرْخِيِّ مِنْهُمْ فَقَوْلُهُ: قَوْلُهُمْ: وَلَمَّا انْفَرَدَ عَنْهُمْ بِالشَّرْطِ تَعَرَّضَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ مُنْكَرَةٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ يُوقَعُ فِيهِ الْفِعْلُ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا لَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرْخِيِّ لِوُجُودِ السَّعَةِ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي يُوقَعُ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ نَعَمْ بَعْدَ الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ صَارَ الْوَقْتُ مُضَيَّقًا وَالْكَلَامُ فِيمَا قَبْلَ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالتَّوْسِيعِ عَدَمُ الْحَرَجِ كَانَ حَاصِلًا عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: مَثَلًا الْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَيْ أَوْ ثَانِيهِ وَمَثَلًا الثَّانِيَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَوْتِ أَيْ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ حَيْضٍ لِعَادَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عَقِبَ مَا يَسَعُهُ مِنْهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ عَقِبَ مَا لَا يَسَعُهُ مِنْهُ لَمْ يَأْثَمْ وَلَيْسَ بَعِيدًا لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِيهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِالتَّأْخِيرِ) أَيْ بِالشُّرُوعِ فِي التَّأْخِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِفَوَاتٍ أَوْ ظَنَّ وَجَعَلَهُ الْكَمَالُ مُتَعَلِّقًا بِعَصَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِهِ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ مَعَ ذَلِكَ الظَّنِّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ ثَانِيهِ، وَهَكَذَا فَمَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِهِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْعِبَادَةَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ عَقِبَ ذَلِكَ الْجُزْءِ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ التَّأْخِيرِ وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِهِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مَعَ ظَنِّهِ الْمَوْتَ عَقِبَهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ وَهَكَذَا (قَوْلُهُ: فَالْجُمْهُورُ قَالُوا) إشَارَةً إلَى أَنَّ خَبَرَ الْجُمْهُورِ مَحْذُوفٌ وَأَنَّ أَدَاءً خَبَرٌ

عَلَيْهِ بِظَنِّهِ، وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ (وَمَنْ أَخَّرَ) الْوَاجِبَ الْمَذْكُورَ بِأَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَثَلًا (مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ) مِنْ الْمَوْتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَمَاتَ فِيهِ قَبْلَ الْفِعْلِ (فَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (لَا يَعْصِي) ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ جَائِزٌ لَهُ وَالْفَوَاتَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ وَقِيلَ: يَعْصِي وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ (بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْوَاجِبِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَحْذُوفٍ وَلَيْسَ خَبَرًا عَنْ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ) أَيْ فَتَبَيُّنُ خَطَأِ الظَّنِّ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّضْيِيقِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِهِ وَيُجَابُ مِنْ طَرَفِ الرَّاجِحِ بِمَنْعِ التَّضْيِيقِ بِالظَّنِّ، فَقَدْ قَالَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ جَمِيعِ الْوَقْتِ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ كَمَا كَانَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ مُوجِبًا لِلْعِصْيَانِ بِالتَّأْخِيرِ مُخَالَفَةَ هَذَا الْأَصْلِ وَتَضْيِيقُ الْوَقْتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ مَوْتَهُ فِيهِ كَانَ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِيهِ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ قَضَاءً اهـ. وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ فَرَضَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ حَيْثُ أَحْرَمَ مَعَ إمَامِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي تَضِيقُ بِظَنِّهِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً هَلْ يَأْتِي بِهَا جُمُعَةً أَوْ يُصَلِّي ظُهْرًا؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى جُمُعَةً وَفِي نِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لَهَا، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَفِي الْقَصْرِ إذَا كَانَ ظَنُّهُ فِي السَّفَرِ وَقُلْنَا فَائِتَةُ السَّفَرِ لَا تُقْضَى فِي السَّفَرِ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ. (تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَضَى مِنْ وَقْتِ الظَّنِّ إلَى حِينِ الْفِعْلِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفَرْضَ حَتَّى يَتَّجِهَ الْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَشَرَعَ فِيهَا فَلْيَكُنْ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ رَكْعَةً فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ إلَخْ) مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ مُتَدَافِعٌ فِي الشَّكِّ فِي ذَلِكَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَظَنِّ السَّلَامَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُؤَثِّمُ بِالشَّكِّ فِي الْفُرُوعِ. اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَوْتِ) أَيْ مَثَلًا وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمَوْتِ مِنْ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ كَالْمَجْنُونِ وَغَلَبَةُ النَّوْمِ مُلْحَقٌ بِالْمَوْتِ. اهـ. سم. (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) أَيْ آخِرِ الْوَقْتِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامَةِ قَالَ سم: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى ظَنِّ السَّلَامَةِ إلَى آخِرِهِ ظَنُّ السَّلَامَةِ إلَى مَا يَسَعُ مِثْلَيْهِ مَثَلًا وَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْقَدْرِ الْمَظْنُونِ مَا يَسَعُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ لِمَ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِي كَلَامِهِمْ بِمَا إذَا ظَنَّ السَّلَامَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَذَكَرَهُ اقْتِدَاءً بِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ) أَيْ وَقَبْلَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْهُ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالْمَوْتِ زَادَهُ الشَّارِحُ وَأَفْصَحَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَجْلِ مُقَابِلِ الصَّحِيحِ اهـ نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْصِي) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِلَّا فَلَا يَعْصِي قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ فَتَرْجِيحُ عَدَمِ عِصْيَانِهِ إذَا لَمْ يَعْزِمْ ظَاهِرٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَزْمِ، أَمَّا عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ وُجُوبِهِ فَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عِصْيَانِهِ، وَأَفَادَ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْعِصْيَانِ إذَا رَفَعَ السَّبَبُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ كَنَوْمٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا نَامَ فِي الْوَقْتِ إلَى أَنْ خَرَجَ، فَإِنْ ظَنَّ تَيَقُّظَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ لَمْ يَعْصَ وَإِلَّا عَصَى اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ)

(وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ) فَإِنَّ مَنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوْتِ أَيْ مُضِيِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ فِيهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ يَعْصِي عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ وَقِيلَ: لَا يَعْصِي لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَهُ وَعِصْيَانِهِ فِي الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابٌ عَمَّا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لِلصَّحِيحِ تَقْرِيرُ الِاسْتِدْلَالِ التَّأْخِيرُ جَائِزٌ لَهُ فَلَا يَعْصِي بِهِ إذْ لَا تَأْثِيمَ بِالْجَائِزِ، وَتَحْرِيرُ الْجَوَابِ قَوْلُكُمْ التَّأْخِيرُ جَائِزٌ لَهُ قُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ هَاهُنَا فَلِذَلِكَ عَصَى بِهِ وَالْأَوَّلُ يَقُولُ: ادِّعَاءُ أَنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ فَائِدَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُكَلَّفُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي هُوَ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ أَمْرٌ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، فَلَوْ كُلِّفَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لَكَانَ تَكْلِيفَ مُحَالٍ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا بِهَا وَأَجَابَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِعِلْمِ سَلَامَتِهَا، وَنَاقَشَهُ سم بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالسَّلَامَةِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدُ وَالْجَوَازُ مَحْكُومٌ بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَيْضًا لَا يُقَالُ الشَّيْخُ لَا يُسَلِّمُ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِهِ فِي الْحَالِ مَا صَحَّ إيرَادُ الشَّيْخِ السُّؤَالَ. (قَوْلُهُ: وَقْتُهُ الْعُمْرُ) أَيْ زَمَنُ التَّكْلِيفِ بِهِ الْعُمْرُ وَمَعْنَى كَوْنِ الْعُمْرِ كُلِّهِ وَقْتًا لِلْحَجِّ كَوْنُ الشَّيْخِ مُخَاطَبًا بِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ عَاشَ الشَّخْصُ خَمْسِينَ عَامًا مَثَلًا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَمْكَنَهُ الْفِعْلُ فِي خَمْسَةٍ مِنْهَا مَثَلًا وَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا وَهَلْ عِصْيَانُهُ بِآخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَهِيَ الْخَامِسَةُ فِي مِثَالِنَا لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا أَوْ بِأَوَّلِهَا لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ وَالْعِصْيَانُ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى سُنَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ أَقْوَالٌ أَرْجَحُهَا الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: بَعْدُ إنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ) الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ هُنَا الْقُدْرَةُ بِأَنْ تَتَحَقَّقَ الِاسْتِطَاعَةُ الْمُبَيَّنَةُ فِي الْفِقْهِ بِخِلَافِ الْإِمْكَانِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ تَسَعَهُ الْمُدَّةُ. (قَوْلُهُ: مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوْتِ) وَبِالْأَوْلَى مَعَ الشَّكِّ فِي السَّلَامَةِ أَوْ ظَنِّ عَدَمِهَا. (قَوْلُهُ: إلَى مُضِيِّ وَقْتٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامَةِ أَوْ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَقُلْ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوَّلًا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ ظَنَّ السَّلَامَةِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ يَمْنَعُ عِصْيَانَ مَنْ مَاتَ فِيهِ قَبْلَ فِعْلِهَا حَيْثُ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُهَا بِخِلَافِ ظَنِّ السَّلَامَةِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْحَجِّ وَهُوَ آخِرُ الْعُمْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ عِصْيَانَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ حَيْثُ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تَسَعُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي عِصْيَانِ تَرْكِ الْحَجِّ الْمَوْتُ بِغَيْرِ فِعْلٍ بَعْدَ أَوَّلِ مُدَّةٍ تَسَعُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) وَإِلَّا نَقَلَ بِالْعِصْيَانِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْصِ بِتَأْخِيرِهِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُؤَقَّتِ بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ وَالْمُؤَقَّتِ بِالْعُمْرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ بِتَأْخِيرِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ، فَإِنَّ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ غَايَةً مَعْلُومَةً يَتَحَقَّقُ مَعَهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُهُ فَقَطْ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ مَا قُدِّرَ لَهُ وَقْتٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى وَقْتِ أَدَائِهِ، وَأَنَّ مَا وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ وَالْمَنْدُوبِ الَّذِي لَمْ يُؤَقَّتْ وَالْفَائِتُ بِعُذْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ لَا يُسَمَّى بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَمَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ فَقَدْ تَجَوَّزَ لِشَبَهِهِ بِالْمُوَسَّعِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ قِسْمًا بِرَأْسِهِ وَسَمَّوْهُ الْمُشْكِلَ، فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الْوَاجِبَ الْمُقَيَّدَ بِوَقْتٍ إلَى الْمُوَسَّعِ وَهُوَ مَا يَفْضُلُ عَنْهُ وَقْتُهُ وَيُسَمُّونَ وَقْتَهُ ظَرْفًا وَالْمُضَيَّقُ وَهُوَ مَا يُسَاوِيهِ وَقْتُهُ وَيُسَمُّونَ وَقْتَهُ مِعْيَارًا، أَوْ الْمُشْكِلَ وَهُوَ مَا لَا يُعْلَمُ زِيَادَتُهُ وَلَا مُسَاوَاتُهُ كَالْحَجِّ. (قَوْلُهُ:

مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا، وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِهَا لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ، وَقِيلَ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِصْيَانُهُ فِي الْحَجِّ) أَيْ لَا يَتَبَيَّنُ عِصْيَانُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَقَدْ اقْتَصَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ فَأَمَّا الْأَمْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْعُمْرِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ فِيهِ أَنَّ مِنْ آخِرِهِ لَا يَقْطَعُ الْقَوْلَ فِيهِ بِنَفْيِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَلَا يُطْلَقُ ذَلِكَ إلَّا مَشْرُوطًا فَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْحَجِّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مِنْ أَوَّلِ سَنَةِ الِاسْتِطَاعَةِ وَعَلَيْهِ لَوْ أَخَّرَ الْحَظْرَ فِي التَّعَرُّضِ لِلْمَأْثَمِ وَالْخَوْفُ فِي نَفْسِهِ أَلَمٌ نَاجِزٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ انْبَسَطَتْ الْمَعْصِيَةُ عَلَى جَمِيعِ سِنِي الْإِمْكَانِ اهـ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ بَيْنَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ، فَإِنْ حَكَمَ بِعِصْيَانِهِ مِنْ الْأَخِيرَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِحَالٍ، وَإِنْ عَصَيْنَاهُ مِنْ الْأُولَى فَفِي نَقْضِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ. (قَوْلُهُ: مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ لَمْ يَسَعْهُ مِنْ آخِرِهَا اهـ. زَكَرِيَّا وَآخِرُ وَصْفٍ لِعَامٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مِنْ عَامِ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِسَنَةٍ لَقَالَ أُخْرَى وَسِنِي الْإِمْكَانِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ لَا بِتَشْدِيدِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ سِنِينَ حُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ. (غَرِيبَةٌ) اطَّلَعْت عَلَى مُؤَلَّفَيْنِ عَظِيمَيْنِ كَبِيرَيْ الْحَجْمِ جِدًّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِدَّةُ مُجَلَّدَاتٍ ضَخْمَةٍ بِالْخُطُوطِ الْقَدِيمَةِ ظَفِرْت بِهِمَا حِينَ اطِّلَاعِي عَلَى الْخِزَانَةِ الْمُؤَيِّدِيَّةِ، وَهُمَا لِلْعَلَّامَةِ الْمُجْتَهِدِ حَافِظِ الْأَنْدَلُسِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى بِالْأَحْكَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي بِالْمُحَلَّى فِي الْفُرُوعِ وَوَجَدْت فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالَفَاتٍ كَثِيرَةً لِمَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. وَقَدْ أَطَالَ الْقَوْلَ عِنْدَ مَوْضِعِ الْمُخَالَفَةِ لِغَيْرِهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ وَلَا بِشَأْنِ الْأَرْبَعَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَغَالِبُ مَا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ الْأَخْذُ بِظَوَاهِر الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعَ الْبَيَانِ الْفَصِيحِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ مِثْلُهُ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، فَإِنَّهُمْ السَّابِقُونَ فِي مَيْدَانِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِهِمْ، فَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَا لَخَّصْته مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُرْتَبِطَ بِوَقْتٍ لَا فُسْحَةَ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ تَعْجِيلُ أَدَائِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ جَاءَ نَصٌّ بِالتَّعْوِيضِ عَنْهُ وَأَدَائِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ وُقِفَ عِنْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَمَلًا آخَرَ مَأْمُورًا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدَّى شَيْءٌ مِنْهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ مُرْتَبِطٍ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَلَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَمَنْ شَبَّهَ ذَلِكَ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَ صِيَامَ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ وَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوَقْتَ مِيزَانٌ لِلْعَمَلِ وَأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ

[مسألة الفعل المقدور للمكلف الذي لا يوجد الواجب المطلق إلا به]

(مَسْأَلَةٌ) : الْفِعْلُ (الْمَقْدُورُ) لِلْمُكَلَّفِ (الَّذِي لَا يَتِمُّ) أَيْ لَا يُوجَدُ (الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ) بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْمَلُوا عَمَلًا فِي وَقْتِ كَذَا وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا إلَى حِينِ كَذَا، إلَّا أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ الْمَحْدُودَ هُوَ الَّذِي أُمِرْنَا فِيهِ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فَنَقُولُ حِينَئِذٍ لِلْمُخَالِفِ: إنَّ مَعْنَى خُرُوجِ الْوَقْتِ انْقِضَاءُ زَمَنِ الْعَمَلِ فَإِذَا ذَهَبَ زَمَانُ الْعَمَلِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْعَمَلِ إذْ لَا يُسْتَشْكَلُ فِي الْعُقُولِ كَوْنُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى زَمَانًا لَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ زَمَنًا غَيْرَهُ. فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: كُلُّ وَقْتٍ فَهُوَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَقْتٌ فَقَدْ أَبْطَلَ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِّهِمَا الْوَقْتَ وَتَعَدَّى حُدُودَهُمَا فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَدَاءِ عَمَلٍ مَا فِي وَقْتٍ مَا فَعَمِلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنَّمَا عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ، وَمَنْ أَمَرَهُ بِعَمَلِهِ فَقَدْ شَرَعَ شَرِيعَةً لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهَا إذْ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَدِّي حُدُودِهِ. وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِالْأَزْمَانِ وَبَيْنَ تَعَلُّقِهِ بِالْأَعْيَانِ أَوْ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، فَإِنْ قَالُوا فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَأْمُرُونَ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَاةٍ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَتَعَمَّدَ تَرْكَ صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ سَفَرٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهِمَا قُلْنَا لَهُمْ: نَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ إذْ يَقُولُ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وَبِمَا يَقُولُ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ مَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ جُبِرَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ تَطَوُّعِهِ. وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ فَنَأْمُرُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ التَّطَوُّعِ لِيَثْقُلَ مِيزَانُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسُدَّ مَا ثَلَمَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ نَأْمُرَهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَنْوِي بِهَا ظُهْرًا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَوْ عَصْرًا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ أَوْ نَأْمُرُهُ بِصِيَامِ يَوْمٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ سَأَلُونَا بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي نَاسِي الصَّلَاةِ وَالنَّائِمِ عَنْهَا وَالْمُفْطِرِ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ أَدَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ كَمَا أَمَرَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُ وَلَا نَدْرِي أَقُبِلَ مِنْهُ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ فِي وَقْتِهِ وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى عَامِدِ الْإِفْطَارِ لَقُلْنَا بِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ إنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الضَّعْفِ اهـ. وَفِي الْمَنْخُولِ لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ نَحْوُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَتَلَقَّى مِنْهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي إلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَاللَّفْظُ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا صَلَاةً فِي وَقْتٍ، وَقَدْ فَاتَ فَلَا تَدَارُكَ لَهُ، فَإِنْشَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ صَلَاةً أُخْرَى كَإِنْشَاءِ الْعِبَادَةِ فِي مَكَان آخَرَ إذَا تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا بِالْمَكَانِ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِهَا فِيهِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ مُبْتَدَأٍ فِي الشَّرِيعَةِ أَوْ بِقِيَاسٍ مُقْتَضِبٍ مِنْ أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْفُقَهَاءِ حَيْثُ قَالُوا: يَجِبُ الْقَضَاءُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَدَاءِ اهـ. [مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ] (قَوْلُهُ: الْفِعْلِ الْمَقْدُورِ) أَيْ الْمُكْتَسِبِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ مَثَلًا أَوْ الْإِحْرَاقِ لِمُمَاسَّةِ النَّارِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُوجَدُ) أَيْ لَا تُوجَدُ صُورَتُهُ فِي الْخَارِجِ، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يُتِمُّ أَيْ يُكْمِلُ. (قَوْلُهُ: الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ) أَيْ الْمُطْلَقُ وُجُوبُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَقْدُورِ، وَإِنْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] الْآيَةَ، فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ مُقَيَّدٌ بِالدُّلُوكِ لَا بِالْوُضُوءِ وَالتَّوَجُّهِ لِلْقِبْلَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَحْصِيلِ النِّصَابِ وَاجِبٌ مُقَيَّدٌ فَلَا يَجِبُ وَإِلَى نَفْسِهِ وَأَفْرَادِهِ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ قَالَ السَّيِّدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ هُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ وُجُودِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَيْدَا الْحَيْثِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مُطْلَقًا بِالْقِيَاسِ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَمُقَيَّدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أُخْرَى، فَإِنَّ الصَّلَاةَ بَلْ التَّكَالِيفُ بِأَسْرِهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَهِيَ بِالْقِيَاسِ إلَيْهَا مُقَيَّدَةٌ. وَأَمَّا بِالْقِيَاسِ إلَى الطَّهَارَةِ فَوَاجِبَةٌ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ أَمْرَانِ إضَافِيَّانِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ فِي حُدُودِ الْأَشْيَاءِ الْإِضَافِيَّةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِهِ) أَيْ لَا يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِهِ إضَافِيٌّ أَيْ بِالْإِضَافَةِ إلَى عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَا مُطْلَقًا اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: وَاجِبٌ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هَلْ يَكُونُ أَمْرًا بِشَرْطِهِ

سَبَبًا كَانَ أَوْ شَرْطًا (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَجَازَ تَرْكُ الْوَاجِبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِيجَابًا لَهُ أَوْ وُجُوبُهُ مُتَلَقًّى مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَإِلَّا فَوُجُوبُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِلْوَاجِبِ مَعْلُومٌ قَطْعًا، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِشَرْطِيَّتِهِ سِوَى حُكْمِ الشَّارِعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ الْعَقْلِيَّ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَازِمٌ عَقْلًا فَقَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَاجِبٌ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ وَاجِبٌ إجْمَاعًا، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ وَجَبَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُتَلَقًّى مِنْ نَفْسِ صِيغَةِ الْأَمْرِ بِالْأَصْلِ فَتَكُونُ دَلَالَتُهَا عَلَيْهِ تَضْمِينُهُ أَوْ مِنْ دَلَالَةِ الصِّيغَةِ فَالْتِزَامِيَّةٌ ذَهَبَ إلَى هَذَا، وَنَصَرَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَإِلَى الْأَوَّلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَمَا سَيَعْلَمُ مَنْ نَقَلَ عِبَارَتَهُ فِيمَا بَعْدُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ وُجُوبَهُ مُتَلَقًّى مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمُتَابِعُوهُ حَيْثُ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: إنَّا لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْأَسْبَابَ وَاجِبَةٌ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ وَسَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ. (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَخْ) فِيهِ طَيُّ مُلَازَمَةٍ أَوْلَى وَطَيُّ بَيَانِ الْمُلَازَمَتَيْنِ وَبُطْلَانُ اللَّازِمِ لِظُهُورِهَا وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَجِبْ لَجَازَ تَرْكُهُ وَلَوْ جَازَ تَرْكُهُ لَجَازَ تَرْكُ الْوَاجِبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ غَيْرَ وَاجِبٍ مَلْزُومٍ لِجَوَازِ تَرْكِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمُتَوَقِّفِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِهِ، وَأَمَّا بُطْلَانُ اللَّازِمِ فَلِأَنَّ جَوَازَ تَرْكِ الْوَاجِبِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَقَدْ فَرَضَ وَاجِبًا اهـ. كَمَالٌ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ عَلَى الدَّلِيلِ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي وَقَعَ مُقَدَّمًا إنْ كَانَ هُوَ الْمُقَيَّدُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فَالتَّالِي غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لِدَلِيلٍ

وَقِيلَ: لَا يَجِبُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَاجِبِ سَاكِتٌ عَنْهُ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ يَجِبُ (إنْ كَانَ سَبَبًا كَالنَّارِ لِلْإِحْرَاقِ) أَيْ كَإِمْسَاسِ النَّارِ لِمَحَلٍّ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْرَاقِهِ عَادَةً بِخِلَافِ الشَّرْطِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ بِوُجُوبِ مَشْرُوطِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّبَبَ لِاسْتِنَادِ الْمُسَبَّبِ إلَيْهِ أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ. (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) يَجِبُ (إنْ كَانَا شَرْطًا شَرْعِيًّا) كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ (لَا عَقْلِيًّا) كَتَرْكِ ضِدِّ الْوَاجِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ غَيْرَ دَلِيلِ الْوَاجِبِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْجَوَازُ الْمُسْتَلْزِمُ لِجَوَازِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُطْلَقُ أَيْ الْوُجُوبُ بِوَجْهٍ مَا فَاللَّازِمُ حِينَئِذٍ مِنْ الدَّلِيلِ وُجُوبُ الْفِعْلِ الْمَقْدُورِ بِوَجْهٍ مَا وَهُوَ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْوُجُوبُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ، وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَارَ الشِّقَّ الْأَوَّلَ وَبِوَجْهِ لُزُومِ التَّالِي بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ تَرْكِ الْوَاجِبِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْإِيجَابِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِيجَابُ إيجَابًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ إيجَابِ الشَّيْءِ لَيْسَ إيجَابًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَدَمُ كَوْنِ ذَلِكَ الْإِيجَابِ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إيجَابًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا يَتِمُّ بِدُونِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إيجَابُهُ إيجَابًا لَهُ لَمْ يَثْبُتْ إيجَابُهُ. وَأَمَّا إيجَابُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَلَا يُقَيَّدُ فِي كَوْنِ هَذَا الْإِيجَابِ الْمُسْتَقِلِّ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إيجَابًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ. اهـ. وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي: إنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَاجِبِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ شَرْطِهِ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا عَلِمْت فِي وُجُوبِهِ مِنْ الْأَمْرِ الْمَخْصُوصِ لَا فِي وُجُوبِهِ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يَجِبُ) أَيْ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِدَلِيلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَبَبًا كَانَ أَوْ شَرْطًا قَالَ النَّاصِرُ: هَذَا الْقَوْلُ، وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِح يَنْفِيهِ صَرِيحُ كَلَامِ التَّفْتَازَانِيِّ قَالَ لَا خِلَافَ فِي إيجَابِ السَّبَبِ كَالْأَمْرِ بِالْقَتْلِ أَمْرٌ بِضَرْبِ السَّيْفِ مَثَلًا وَالْأَمْرُ بِالْإِشْبَاعِ أَمْرٌ بِالْإِطْعَامِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهِ اهـ. وَأَجَابَ سم بَعْدَ تَشْنِيعِهِ عَلَى شَيْخِهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِمَا بِمَا حَصَّلَهُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ قَالَ مَسْأَلَةُ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ إذَا كَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ غَيْرُ لَازِمٍ عَقْلًا كَتَرْكِ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا عَادَةَ كَجُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ وَحَاصِلُهُ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ شَرْطًا مِنْ مُمْكِنَاتِ الْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيلَ وَالسَّبَبُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي السَّبَبِ وَرَجَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ وَالسَّبَبُ وَالشَّارِحُ نَفْسُهُ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي فَلَا يَجِبْ أَيْ السَّبَبُ إلَخْ. اهـ. وَأَقُولُ: هَذَا لَا يَدْفَعُ كَلَامَ التَّفْتَازَانِيِّ، فَإِنَّ مُرَادَهُ الْخِلَافُ الْقَوِيُّ، وَلَمَّا كَانَ الْخِلَافُ فِي السَّبَبِ وَاهِيًا نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَاجِبِ سَاكِتٌ عَنْهُ) ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَعُونَةٍ أُخْرَى. (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا إلَخْ) يَعْلَمُ كَوْنَ هَذَا ثَالِثًا مِنْ قَوْلِهِ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَكْثَرِ وَهُمْ الْأَقَلُّ يَقُولُونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَهَذَانِ قَوْلَانِ ثَالِثُهُمَا مَا ذَكَرَهُ وَتَحْتَهُ قَوْلَانِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: يَجِبُ أَخْذُهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاجِبٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ كَإِمْسَاسٍ) قَدَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ ذَاتَ النَّارِ وَإِنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ التَّكْلِيفُ (قَوْلُهُ: كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ) أَيْ فِيمَا إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: بِوُجُوبِ مَشْرُوطِهِ) أَيْ وَإِنَّمَا وُجُوبُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: أَشَدُّ ارْتِبَاطًا) ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْمُسَبِّبِ وَلَا كَذَلِكَ الشَّرْطُ مَعَ الْمَشْرُوطِ، فَصَارَ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ فِي الْمُسَبِّبِ كَأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهَا فِي السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي الْبُرْهَانِ هَكَذَا مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ اقْتِضَاءَ مَا يُفْتَقَرُ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَيْهِ فِي وُقُوعِهِ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ افْتِقَارُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَى الطَّهَارَةِ فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ يَتَضَمَّنُ أَمْرًا بِالطَّهَارَةِ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِطِ وَظُهُورِ ذَلِكَ مُغْنٍ عَنْ تَكَلُّفِ دَلِيلٍ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمُخَاطَبِ إيقَاعٌ وَالْإِمْكَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي قَاعِدَةِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الْمَشْرُوطِ دُونَ الشَّرْطِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى سُكَّانِ الْبَوَادِي أَنْ يَسْعَوْا فِي ابْتِنَاءِ مَدِينَةٍ لِيُقِيمُوا الْجُمُعَةَ فِيهَا قُلْنَا هَذَا الْآنَ مِنْ فَنِّ الْخَرْقِ، فَإِنَّ الْمُتَبَدِّينَ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بِالْجُمُعَةِ وَلَوْ أُمِرُوا بِهَا مَعَ كَوْنِ الْجُمُعَةِ مَشْرُوطَةً بِالْبُنْيَانِ لَوَجَبَ أَنْ يَسْعَوْا فِي تَحْصِيلِهِ. (قَوْلُهُ: كَتَرْكِ ضِدِّ الْوَاجِبِ) ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ عَقْلِيٌّ لِذَلِكَ الْوَاجِبِ وَذَلِكَ كَتَرْكِ الْعُقُودِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ ضِدٌّ لِلْقِيَامِ لَهَا لِلْقَادِرِ

(أَوْ عَادِيًّا) كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِغَسْلِ الْوَجْهِ فَلَا يَجِبُ بِوُجُوبِ مَشْرُوطِهِ إذْ لَا وُجُودَ لِمَشْرُوطِهِ عَقْلًا أَوْ عَادَةً بِدُونِهِ فَلَا يَقْصِدُهُ الشَّارِعُ بِالطَّلَبِ بِخِلَافِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّهُ لَوْلَا اعْتِبَارُ الشَّرْعِ لَهُ لَوُجِدَ مَشْرُوطُهُ بِدُونِهِ وَسَكَتَ الْإِمَامُ عَنْ السَّبَبِ، وَهُوَ لِاسْتِنَادِ الْمُسَبَّبِ إلَيْهِ فِي الْوُجُودِ كَاَلَّذِي نَفَاهُ فَلَا يَقْصِدُهُ الشَّارِعُ بِالطَّلَبِ فَلَا يَجِبُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ مُخْتَارًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ) ، فَإِنَّ الْغَسْلَ إلَى حَدِّ الْوَجْهِ بِأَوَّلِ شَعْرَةٍ مِنْ الرَّأْسِ مُتَعَذِّرٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ بِوُجُوبِ إلَخْ) أَيْ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِوَجْهٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْصِدُهُ الشَّرْعُ بِالطَّلَبِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ أَصْلًا مَعَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي وُجُوبِهِ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ أَوْ بِوَجْهٍ مَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ يُقَالُ الْمَعْنَى فَلَا يَقْصِدُهُ الشَّرْعُ بِالطَّلَبِ لِمَشْرُوطِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَصَدَهُ بِطَلَبٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَوْلَا اعْتِبَارُ الشَّرْعِ) أَيْ طَلَبِهِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ اعْتِبَارَهُ إنْ كَانَ بِاشْتِرَاطِهِ لَمْ يُفِدْ الدَّلِيلَ وُجُوبُهُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ بِإِيجَابِهِ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ مَنَعَ اللُّزُومَ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ اشْتِرَاطِهِ كَافٍ فِي انْتِفَاءِ وُجُودِ مَشْرُوطِهِ بِدُونِهِ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ لِذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي نَفْسِهِ لَا فِي هَذَا الطَّلَبِ الْجَدِيدِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِي ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي حَدِّ نَفْسِهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ وُجُودُ صُورَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بِدُونِهِ كَانَ اللَّائِقُ قَصْدَ الشَّارِعِ لَهُ بِطَلَبِ الْوَاجِبِ لِلْحَاجَةِ إلَى قَصْدِهِ بِهِ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِيهِ بِخِلَافِ الْعَقْلِيِّ وَالْعَادِيِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ وُجُودُ صُورَةِ الْوَاجِبِ بِدُونِهِمَا كَانَ فِي طَلَبِهِ غَنِيَّةٌ عَنْ قَصْدِهِمَا بِالطَّلَبِ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ وُجُودِهِ عَلَيْهِمَا مُقْتَضٍ لَهُمَا وَمُغْنٍ عَنْ قَصْدِهِمَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَخُلَاصَتُهُ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَتَتْمِيمُ الدَّلِيلِ بِأَنْ يُقَالَ فَاللَّائِقُ قَصْدُ الشَّارِعِ لَهُ بِطَلَبِ الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ: لَوُجِدَ) إذْ لَا تُوقَفُ عَلَيْهِ لَا عَادَةً وَلَا عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ السَّبَبُ (قَوْلُهُ: كَاَلَّذِي نَفَاهُ) أَيْ كَالشَّرْطِ الَّذِي نَفَى وُجُوبَهُ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ الشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ وَالشَّرْطُ الْعَادِيُّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ) أَيْ بِوُجُوبِ الْمُسَبِّبِ أَيْ لَا يَقْصِدُ بِالْأَمْرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْمُسَبَّبِ وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِمُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى رَدِّ مَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ، فَإِنَّهُ قَرَّرَ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ شَرَطَا الشَّرْطَ الشَّرْعِيَّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الِاحْتِرَازَ بِهِ عَنْ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْطِ الْعَادِيِّ لَا عَنْ السَّبَبِ، وَإِنْ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى اخْتِيَارِ وُجُوبِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ دُونَ السَّبَبِ أَيْضًا يَعْنِي كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَضُدُ إيقَاعٌ لَهُ فِي خَرْقِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي نَقَلَهُ هُوَ فِيمَا بَعْدُ وَفِيمَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ قَالَ: فَإِنَّ السَّبَبَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ رَدَّهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ أَفْصَحَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ تَرْجِيحُ عَدَمِ وُجُوبِ السَّبَبِ فَانْدَفَعَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى دَفْعِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ السَّبَبَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ بِلَا شَكٍّ فَدَفَعَهُ الشَّارِحُ بِالْمَنْعِ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ السَّبَبَ يَنْقَسِمُ كَالشَّرْطِ إلَى شَرْعِيٍّ وَعَقْلِيٍّ وَعَادِيٍّ أَيْ وَوَجْهُ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ السَّبَبِ الْعَقْلِيِّ وَالْعَادِيِّ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ نَعَمْ وَجْهُ كَوْنِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى ظَاهِرُهُ مِنْ جِهَةِ

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي دَفْعِهِ السَّبَبَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ مَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَنَّ السَّبَبَ يَنْقَسِمُ كَالشَّرْطِ إلَى شَرْعِيٍّ كَصِيغَةِ الْإِعْتَاقِ لَهُ وَعَقْلِيٍّ كَالنَّظَرِ لِلْعِلْمِ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَغَيْرِهِ وَعَادِيٍّ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ لِلْقَتْلِ، نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَصْدُ بِطَلَبِ الْمُسَبِّبَاتِ الْأَسْبَابُ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ وَاحْتَرَزُوا بِالْمُطْلَقِ عَنْ الْمُقَيَّدِ وُجُوبُهُ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ وُجُوبُهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَبِالْمَقْدُورِ عَنْ غَيْرِهِ، قَالَ الْآمِدِيُّ: كَحُضُورِ الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِآحَادِ الْمُكَلَّفِينَ أَيْ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْجُمُعَةِ كَمَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَى وُجُودِ الْعَدَدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ الشَّرْعِيَّيْنِ مِنْ طَرَفِ الْعَدَمِ فَقَطْ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. (قَوْلُهُ: أَوْلَى بِالْوُجُوبِ) عِلَّةُ الْأَوْلَوِيَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ أَشَدُّ ارْتِبَاطًا. (قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) وَذَلِكَ لِأَنَّ قُوَّةَ الِارْتِبَاطِ عِنْدَهُ مُقْتَضِيَةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَا لِلْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ) يُمْكِنُ إرْجَاعُ الْمَنْعِ لِلنَّقْضِ التَّفْصِيلِيِّ أَوْ الْإِجْمَالِيِّ فَالْمُؤَيِّدُ كَذَا وَشَاهِدٌ. (قَوْلُهُ: أَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ بَلْ يُفَصَّلُ فِيهِ كَالشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: كَصِيغَةِ الْإِعْتَاقِ لَهُ) أَيْ لِحُصُولِ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: كَحَزِّ الرَّقَبَةِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ الشَّارِعُ اُقْتُلْ هَذَا قِصَاصًا مَثَلًا كَانَ مَعْنَاهُ حُزَّ رَقَبَتَهُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ إذْ قَدْ يَحُزُّ الرَّقَبَةَ وَلَا يَمُوتُ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَنْعِ أَفَادَ بِهِ أَنَّ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجْهًا بِاعْتِبَارِ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا فَلَا يَقْصِدُهُ الشَّارِعُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ) هُوَ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعَضُدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِبَارَتُهُ بِنَقْلِ النَّاصِرِ. (قَوْلُهُ: الْقَصْدُ بِطَلَبِ الْمُسَبِّبَاتِ إلَخْ) وَأَوْرَدَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْأَسْبَابِ عَنْ كَوْنِهَا وَسِيلَةً فَلَا تَكُونُ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ بَلْ هِيَ الْوَاجِبُ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْمُسَبِّبَاتِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ الْبَعْضُ أَنَّ الْأَسْبَابَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُمْكِنُ مُبَاشَرَتُهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ حُصُولُ مُسَبَّبَاتِهَا. (قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزُوا) لَمْ يَقُلْ: وَاحْتَزِزْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: عَنْ الْمُفِيدَةِ وُجُوبُهُ) فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ أَنَّ الْمُطْلَقَ وَاجِبٌ فِي حَدِّ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى الْمَقْدُورِ الْمَذْكُورِ بَلْ يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ، وَالْمُقَيَّدُ يَتَوَقَّفُ نَفْسُ وُجُوبِهِ عَلَى الْمَقْدُورِ فَالْجُمُعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُضُورِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَدَدِ وَاجِبٌ مُطْلَقٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُودِ الْعَدَدِ وَاجِبٌ مُقَيَّدٌ فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُ الْعَدَدِ لِتَجِبَ الْجُمُعَةُ وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَالزَّكَاةِ إلَخْ فَضَمِيرُ يَتَوَقَّفُ عَائِدٌ عَلَى وُجُوبِهِ لَا عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ. (قَوْلُهُ: كَالزَّكَاةِ) أَيْ وَكَالْحَجِّ وُجُوبُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا. (قَوْلُهُ: كَحُضُورِ الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تُقَامُ بِهِ مِنْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى حُضُورِ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْجُمُعَةِ) فَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَى وُجُودِ الْعَدَدِ) وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ بِصِفَاتِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ بِالْمِصْرِ أَوْ الْقُرْبَةَ تُقَامُ بِهَا، وَهَذَا وُجُوبٌ مُقَيَّدٌ فَنَظَرَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ مُقَيَّدٌ وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا نَظِيرٌ لِلْمُحْتَرَزِ عَنْهُ لَا أَنَّهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْوَاجِبِ كَالسَّيْرِ

(فَلَوْ تَعَذَّرَ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ غَيْرِهِ) مِنْ الْجَائِزِ كَمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ (وَجَبَ) تَرْكُ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِتَوَقُّفِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (أَوْ اخْتَلَطَتْ) أَيْ اشْتَبَهَتْ (مَنْكُوحَةٌ) لِرَجُلٍ (بِأَجْنَبِيَّةٍ) مِنْهُ (حُرِّمَتَا) أَيْ حُرِّمَ قُرْبَانُهُمَا عَلَيْهِ (أَوْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً) مِنْ زَوْجَته مَثَلًا (ثُمَّ نَسِيَهَا) حُرِّمَ عَلَيْهِ قُرْبَانُهُمَا أَيْضًا أَمَّا الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْمُطَلَّقَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَنْكُوحَةُ وَغَيْرُ الْمُطَلَّقَةِ فَلِاشْتِبَاهِهِمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُطَلَّقَةِ. وَقَدْ يَظْهَرُ الْحَالُ فَيَرْجِعَانِ إلَى مَا كَانَتَا عَلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ فِي ذَلِكَ تَرْكُ الْمُحْرِمِ وَحْدَهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مَا ذَكَرَ قَبْلَهُ، وَتَرَكَ جَوَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَكَّةَ بَعْدَ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْحَجِّ بِالسَّائِرِ لَا فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُوبُ ذَلِكَ كَمِلْكِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَعَذَّرَ إلَخْ) أَتَى بِالْفَاءِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ الثَّلَاثَةَ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَقْدُورُ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَخْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَعْلَمُ فِي كُلٍّ مِنْهَا وُجُودَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ شَيْءٍ آخَرَ يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا تَعَيُّنُ التَّرْكِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْوَاجِبِ لَا نَفْسِ وُجُودِ الْوَاجِبِ، فَلَوْ فَسَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يَتِمُّ بِمَا يَتَنَاوَلُ الْعِلْمَ بِوُجُودِ الْوَاجِبِ فَقَالَ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ بِأَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْوَاجِبِ أَوْ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ لِظُهُورِ وَجْهِ التَّفْرِيعِ اهـ. قَالَ سم وَسَلَكَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ هَذَا الْمَسْلَكَ فَقَالَ: الْمُقَدِّمَةُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ نَفْسُ وُجُودِ الْوَاجِبِ. وَالثَّانِي: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُمْكِنُ الْكَفُّ عَنْ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِالْكَفِّ عَمَّا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ كَمَا إذَا خَلَطَتْ نَجَاسَةٌ إلَخْ. وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ إعْرَاضَ الشَّارِحِ عَنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا يُصَدَّقُ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مَا دَامَ الِاشْتِبَاهُ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ تَوَقَّفَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ مُبَرِّئٍ شَرْعًا فَتَأَمَّلْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ) تَبِعَ الشَّارِحُ كَالزَّرْكَشِيِّ فِي التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ الْمَحْصُولِ، وَقَدْ نَاقَشَ ابْنُ هَارُونَ فِي التَّمْثِيلِ بِهِ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: بَلْ هُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَلْيَقُ بِأُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمَاءَ جَوْهَرٌ طَاهِرٌ وَالطَّاهِرُ إذَا أُلْقِيَتْ النَّجَاسَةُ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ بِذَلِكَ نَجِسًا فِي عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الْأَعْيَانِ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْعِبَادِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ مِنْهَا لِامْتِزَاجِ أَجْزَائِهَا امْتِزَاجًا تَقَاصَرَتْ مَعَهُ الْقُوَى عَنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ اجْتِنَابُهُ لِذَلِكَ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمَاءَ هَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ نَجِسًا أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ الْكُلُّ لِتَعَذُّرِ الْإِقْدَامِ عَلَى تَنَاوُلِ الْمُبَاحِ لِاخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ بِهِ قَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا وَالثَّانِي هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَمِمَّا يَظْهَرُ بِهِ كَوْنُ الثَّانِي غَيْرَ لَائِقٍ بِمَذْهَبِنَا أَنَّ عِلَّتَهُ مَوْجُودَةٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ بَوْلٌ فِي مَاءٍ هُوَ قُلَّتَانِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ وَهُوَ وُجُوبُ الِاجْتِنَابِ إذْ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِعْمَالُ الْمُخْتَلَطِ كُلِّهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى التَّعْيِينِ إذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ مَوْجُودٌ بِدُونِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ، كَذَا فِي الْكَمَالِ وَالْمِثَالُ الْمُطَابِقُ لِمَذْهَبِنَا امْتِزَاجُ طَعَامِ إنْسَانٍ أَوْ مَائِهِ بِطَعَامِ الْغَيْرِ أَوْ مَائِهِ فِي كَوْنِ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ نَجِسًا بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ قَلْبًا لِلْأَعْيَانِ نَظَرٌ يُدْرِكُهُ مَنْ مَارَسَ عِلْمَ الْكَلَامِ وَالْحِكْمَةِ وَلَيْسَ مَا هُنَا مَحَلُّهُ. (قَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ) أَيْ لِتَوَقُّفِ وُجُودِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ لَا وُجُوبِ تَرْكِهِ، إذْ وُجُودُ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى شَيْءٍ. (قَوْلُهُ:) أَيْ اشْتَبَهَتْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَيْسَ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَدَاخُلُ الْأَشْيَاءِ فِي بَعْضِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبِيبَةُ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) رَاجِعٌ لِطَلَّقَ فَغَيْرُ الطَّلَاقِ كَالْعِتْقِ كَذَلِكَ أَوْ لِلزَّوْجَيْنِ فَغَيْرُهُمَا مِمَّا زَادَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَظْهَرُ الْمُحَالُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ كَأَنَّ الْمُنَاسِبَ حَذْفُ أَوْ اخْتَلَطَتْ إلَخْ لِيَتَنَاوَلَ مَا قَبْلَهُ أَوْ إبْدَالٌ أَوْ بَكَانِ لِيَكُونَ مَدْخُولُهَا أَمْثِلَةً لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ إنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا؛ لِأَنَّ التَّعَذُّرَ فِيهِ حَالٌّ، وَقَدْ يَزُولُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ وَبَحَثَ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَزُولُ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ، وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَزُلْ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَعَذَّرْ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ صُورَتَيْ الْمَنْكُوحَةِ وَنِسْيَانِ الْمُطَلَّقَةِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ وَحْدَهُ وَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ

[مسألة مطلق الأمر بما بعض جزئياته مكروه كراهة تحريم أو تنزيه]

مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ جَوَابِ مَا قَبْلَهَا وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا لَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ مَا زِدْتُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ مُعَيَّنَةً كَمَا لَا يَخْفَى فَيَفُوتُ الِاخْتِصَارُ الْمَقْصُودُ لَهُ (مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالُ بِزَوَالِ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّسْيَانِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مَا ذَكَرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، فَلَوْ تَعَذَّرَ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إذْ الْمُتَعَذِّرُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَتَرَكَ جَوَابَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ مُصَدَّرَةٌ بِأَوْ وَهِيَ لَا جَوَابَ لَهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ لَوْ مُقَدَّرَةٌ حُذِفَتْ لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ قَوْلِهِ، فَلَوْ تَعَذَّرَ إلَخْ وَالتَّقْدِيرُ أَوْ لَوْ طَلَّقَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ مَا زِدْته) يَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ حُرِّمَتَا وَفِيهِ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ] (قَوْلُهُ: بِمَا بَعْضُ) أَيْ بِكُلِّيٍّ، فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ الْمَاهِيَّةُ الصَّادِقَةُ بِأَيِّ فَرْدٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْأَمْرِ أَنَّهُ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ وَقَوْلُهُ: مِنْهَا أَيْ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ وَكُلٌّ مِنْهَا لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا بِالشَّخْصِ لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ

بِأَنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ (لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ) مِنْهَا (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ) أَيْ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهَا فِي الْمَكْرُوهِ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا لِمَا عَلِمْت أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ الْمَاهِيَّةُ لَا الْأَفْرَادِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لِمَكَانِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَكْرُوهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ صَحِيحٌ فَيَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ فَلَا يَصِحُّ الْعُمُومُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ لِلْفِعْلِ بَلْ لِكَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَالْمَكْرُوهُ ذَلِكَ الْكَوْنُ لَا الْفِعْلُ وَالْجُزْئِيُّ الْفِعْلُ لَا الْكَوْنُ، وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَالْكَوْنِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ مِنْهَا فَالْوَجْهُ اسْتِثْنَاءُ مَا ذَكَرَ أَوْ تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مَعْنَى الْكَوْنِ الْإِيقَاعُ وَهُوَ فِعْلٌ فَصَحَّ جَوَابُ النَّاصِرِ نَعَمْ تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْمُقَابِلَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ لَهُ جِهَتَانِ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ جِهَةٌ أَوْ جِهَتَانِ بَيْنَهُمَا لُزُومٌ لِمَا كَانَتْ الْجِهَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الْجِهَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا كَانَتْ هِيَ أَيْضًا مَأْمُورًا بِهَا إذْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَكْرُوهِ مَا يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُطْلَقًا لَا يَخُصُّ الْمَكْرُوهَ فَفِيهِ إحْدَاثُ اصْطِلَاحٍ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرَهُمَا، وَكَذَلِكَ رَأَيْت فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا لَهُمْ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَلَمْ يَحْكِهِ إلَّا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَنَاوَلُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ شَرْعًا مَعَ بَقَاءِ وَصْفِ الْكَرَاهَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَدَاءِ عَصْرِ يَوْمِهِ بَعْدَ تُغَيِّرْ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ طَوَافُ الْمُحْدِثِ يَتَنَاوَلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَهُوَ مَكْرُوهٌ. وَالثَّانِي: قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ تَنَاوُلَ مُطْلَقِ الْأَمْرِ لِلْمَكْرُوهِ بِمَعْنَى أَنَّ وُرُودَهُ يَرْفَعُ الْكَرَاهَةَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْكَرَاهَةُ رَاجِعَةً لِمَعْنًى خَارِجٍ فَالْكَرَاهَةُ لَيْسَتْ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَلَكِنْ لِلتَّشْبِيهِ بِعُبَّادِ الشَّمْسِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الصَّلَاةُ وَلَيْسَتْ فِي الطَّوَافِ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمُ الْبَيْتِ بَلْ

لَنَا تَنَاوَلَهُ لَكَانَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَطْلُوبَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ (فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ) أَيْ الَّتِي كُرِهَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ مِنْ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ كَعِنْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ وَاسْتِوَائِهَا حَتَّى تَزُولَ وَاصْفِرَارِهَا حَتَّى تَغْرُبَ إنْ كَانَ كَرَاهَتُهَا فِيهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي النَّهْيِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ (وَإِنْ كَانَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوَصْفٍ فِي الطَّائِفِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الطَّوَافِ فِي شَيْءٍ، اهـ. مُلَخَّصًا. قَالَ الْكَمَالُ: وَعَلَى هَذَا فَالصِّحَّةُ وَالْإِجْرَاءُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عِنْدَهُمْ لِرُجُوعِ النَّهْيِ فِيهِمَا إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالصِّحَّةُ فِي الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِتَأْخِيرِهَا إلَى الِاصْفِرَارِ لَا بِفِعْلِهَا وَالطَّوَافُ لَا يَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ الطَّوَافُ مِثْلُ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] فَلَا يُجْزِئُ. (قَوْلُهُ: لَنَا) أَيْ يَدُلُّ لَنَا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ قِيَاسٌ اسْتِثْنَائِيٌّ حُذِفَتْ اسْتِثْنَائِيَّتُهُ وَذَكَرَ دَلِيلَهَا بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ، وَوَجْهُ التَّنَاقُضِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِهِ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ وَمِنْ حَيْثُ النَّهْيُ مَطْلُوبُ التَّرْكِ فَيَئُولُ إلَى أَنَّهُ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ وَلَيْسَ مَطْلُوبَهُ وَمَطْلُوبُ التَّرْكِ وَلَيْسَ مَطْلُوبَهُ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ) تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ لِلْمَكْرُوهِ، وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الصِّحَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَمْرِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُوَافَقَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعِ وَالْأَمْرِ قَدْرَ زَائِدٍ إذْ لَوْ تَوَقَّفَتْ الصِّحَّةُ عَلَى الْأَمْرِ لَمْ تُوصَفْ الْمُبَاحَاتُ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ مَطْلُوبٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهَا مَأْمُورًا بِهَا لَا فِي مُطْلَقِ الصِّحَّةِ، وَنَاقَشَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ عَلَى الْأَمْرِ وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْعِبَادَةِ فَاشْتَبَهَ عَلَى سم الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَنَفْسُ الصِّحَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ سَلَّمَ وُجُودَ عِبَادَةٍ مُسْتَجْمِعَةٍ لِلشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرِ وَلَوْ الْعَامَّ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: أَيْ الَّتِي كُرِهَتْ) إشَارَة إلَى إسْنَادِ الْمَكْرُوهِيَّةِ إلَى الْأَوْقَاتِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلشَّيْءِ إلَى ظَرْفِهِ لِمُلَابَسَتِهِ لَهُ بِوُقُوعِهِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقَةِ) أَيْ غَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. (قَوْلُهُ: كَعِنْدِ) أَيْ كَالصَّلَاةِ عِنْدَ، فَمَجْرُورُ الْكَافِ مَحْذُوفٌ فَلَا يُقَالُ: إنَّ عِنْدَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ إلَّا لِلْجَرِّ بِمِنْ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ كَرَاهَتُهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا تَصِحُّ أَيْ لَا تَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْكَرَاهَةِ فِيهَا لِلتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْأَصْلِ) وَهُوَ الْحُرْمَةُ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ) فِيهِ أَنَّ ضَمِيرَ الْمُؤَنَّثِ الْمَجَازِيِّ مُذَكَّرٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا فِي ضَرُورَةٍ قَالَهُ النَّاصِرُ، وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ أَوْ خِطَابٌ مَخْصُوصٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ:

وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ فَلَا تَصِحُّ أَيْضًا (عَلَى الصَّحِيحِ) إذْ لَوْ صَحَّتْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْكَرَاهَتَيْنِ أَيْ وَافَقَتْ الشَّرْعَ بِأَنْ تَنَاوَلَهَا الْأَمْرُ بِالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ أَحَادِيثِ التَّرْغِيبِ فِيهَا لَزِمَ التَّنَاقُضُ فَتَكُونُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ مَعَ جَوَازِهَا فَاسِدَةً أَيْ غَيْرَ مُعْتَدٍ بِهَا لَا يَتَنَاوَلُهَا الْأَمْرُ فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إنَّهَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيَةِ صَحِيحَةٌ يَتَنَاوَلَا الْأَمْرَ فَيُثَابُ عَلَيْهَا وَالنَّهْيُ عَنْهَا رَاجِعٌ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا كَمُوَافَقَةِ عُبَّادِ الشَّمْسِ فِي سُجُودِهِمْ عِنْدَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ النَّهْيَ لِخَارِجٍ لَا يُفِيدُ الْفَسَادَ وَبِرُجُوعِ النَّهْيِ إلَى خَارِجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا صَحَّحَ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَقَدْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْهُ وَمِنْ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ تَنَاوُلَهَا الْأَمْرَ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الشَّرْعِ فِي الْعِبَادِ بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِهَا فَيَرُدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ تَنَاوُلَ الْأَمْرِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِلَّا لِمَا تَأْتِي الصِّحَّةُ فِي الْمُبَاحِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّحَّةِ الْمَخْصُوصَةِ أَيْ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ لَهَا. (قَوْلُهُ: لَزِمَ التَّنَاقُضُ) وَهِيَ كَوْنُهَا مَطْلُوبَةَ الْفِعْلِ وَمَطْلُوبَةَ التَّرْكِ وَفِي قَوْلِهِ إذْ لَوْ صَحَّتْ إلَخْ دَلِيلٌ اسْتِثْنَائِيٌّ تَقْرِيرُهُ لَوْ صَحَّتْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْكَرَاهَتَيْنِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَبَطَلَ الْمُقَدَّمُ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ السَّابِقُ مِنْ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَزِمَ التَّنَاقُضُ. (قَوْلُهُ: مَعَ جَوَازِهَا فَاسِدَةً) إشَارَةً إلَى رَدِّ اسْتِشْكَالِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ لَا يَصِحُّ، وَوَجْهُ الرَّدِّ مَا قَرَّرَهُ لُزُومُ التَّنَاقُضِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا تَصِحُّ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهِ تَلَاعُبًا جَوَابُهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَعْنًى آخَرَ قَالَهُ زَكَرِيَّا، وَنَقَلَ سم عَنْ حَوَاشِيهِ لِشَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلْعِرَاقِيِّ أَنَّ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا تُنَافِي حُرْمَةَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي إبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْعَقِدُ إذَا كَانَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّلَاعُبَ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ الْإِقْدَامُ لَمْ يَحْرُمْ الِاسْتِمْرَارُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ فَحَيْثُ جَازَ الِابْتِدَاءُ جَازَ الدَّوَامُ بِالْأَوْلَى هَذَا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ جَزْمًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَقْلٍ لَا سَبَبَ لَهُ فَالْقَصْدُ بِهِ وَإِنَّمَا الْأَجْرُ وَتَحْرِيمُهَا أَوْ كَرَاهَتُهَا يَمْنَعُ حُصُولَهُ وَمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرَ مُعْتَدٍ بِهَا) أَيْ وَالْفَسَادُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَافِي الْجَوَازَ يَعْنِي عَدَمَ الْمَنْعِ شَرْعًا. (قَوْلُهُ: فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ مَانِعٌ مِنْ الثَّوَابِ. (قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ) أَيْ حَيْثُ عَلَّلَ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي) أَيْ فِي مَبْحَثِ النَّهْيِ سَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ بِالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ لِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَكَالْبَيْعِ فِي وَقْتِ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ لِتَفْوِيتِهَا الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ أَيْضًا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا تَتِمَّةٌ لِقَوْلِهِ وَالنَّهْيُ عَنْهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَنَّ النَّهْيَ لِخَارِجٍ) أَيْ خَارِجٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَذَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ فِي مَبْحَثِ النَّهْيِ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا لِخَارِجٍ غَيْرِ لَازِمِ النَّهْيُ لِتَمَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَالْمَنْهِيِّ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ أَوْ لِجُزْئِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ أَوْ لِخَارِجٍ غَيْرِ لَازِمٍ عَنْ الْبَيْعِ الرِّبَوِيِّ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ التَّفَاضُلُ وَمُرَادُهُمْ بِالْخَارِجِ اللَّازِمِ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشَّيْءِ وَلَا يُوجَدُ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ اللَّازِمُ الْمُسَاوِي وَبِالْخَارِجِ غَيْرِ اللَّازِمِ مَا يُوجَدُ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْ الشَّيْءِ وَهُوَ اللَّازِمُ الْأَعَمُّ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِأَنَّ لَازِمَ الشَّيْءِ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّيْءِ وُجُودُهُ. وَقَدْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ مَوْجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ أَعَمَّ مِنْ الْمَلْزُومِ، وَكُلٌّ مِنْ الْإِتْلَافِ وَالتَّفْوِيتِ وَالتَّعَرُّضِ بِالصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا لَازِمٌ لِلْوُضُوءِ وَالْبَيْعِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنْ تَحَقَّقَتْ بِغَيْرِهَا أَيْضًا وَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اشْتِبَاهِ اللَّازِمِ بِالْمَلْزُومِ. اهـ. فَإِنَّهُ جَرَى عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ فِي تَقْسِيمِ اللَّازِمِ إلَى الْمُسَاوِي وَالْأَعَمِّ، وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ فَيَخُصُّونَهُ بِالْمُسَاوِي وَيَجْعَلُونَ الْأَعَمَّ مِنْ قَبِيلِ

انْفَصَلَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ فِيهَا بِالصِّحَّةِ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ أَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمَكْرُوهَةِ فَصَحِيحَةٌ وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِخَارِجٍ جَزْمًا كَالتَّعَرُّضِ بِهَا فِي الْحَمَّامِ لِوَسْوَسَةِ الشَّيَاطِينِ وَفِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ لِنِفَارِهَا وَفِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِمُرُورِ النَّاسِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يَشْغَلُ الْقَلْبَ عَنْ الصَّلَاةِ وَيُشَوِّشُ الْخُشُوعَ فَالنَّهْيُ فِي الْأَمْكِنَةِ لَيْسَ لِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْأَزْمِنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَارِجِ هَذَا مَا حَرَّرَهُ سم وَنَقَلَ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ عِبَارَاتِ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ: انْفَصَلَ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ تَخَلَّصُوا مِنْ اسْتِشْكَالِ كَوْنِهَا صَحِيحَةً مَعَ كَوْنِ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَمِثْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِالصِّحَّةِ مَعَ كَوْنِ الْكَرَاهَةِ تَحْرِيمِيَّةً وَوَجْهُ ذَلِكَ رُجُوعُ النَّهْيِ إلَى خَارِجٍ لَا إلَى ذَاتِ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: أَيْضًا أَيْ كَمَا انْفَصَلَ الْقَائِلُ مِنَّا بِالصِّحَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ) أَيْ فِي مَكَان أَوْ سُتْرَةٍ مَثَلًا، وَهَذَا تَنْظِيرٌ فِي كَوْنِهَا صَحِيحَةً اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْأَمْكِنَةِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ قَالَ زَكَرِيَّا، فَإِنْ قُلْت: لِمَ صَرَّحُوا بِالصِّحَّةِ هُنَا وَأَثْبَتُوا فِيهَا فِي الصَّلَاةِ فِي مَغْصُوبٍ خِلَافًا كَمَا سَيَأْتِي قُلْت: لِأَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِلتَّنْزِيهِ وَثَمَّ لِلتَّحْرِيمِ. وَقَدْ رَأَيْت فِي رِحْلَةِ الْفَخْرِ الرَّازِيّ إلَى بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مَا صُورَتُهُ قَالَ: اجْتَزْت طُوسَ فَأَنْزَلُونِي فِي صَوْمَعَةِ الْغَزَالِيِّ وَاجْتَمَعُوا عِنْدِي فَقُلْت لَهُمْ: إنَّكُمْ أَفْنَيْتُمْ أَعْمَارَكُمْ فِي قِرَاءَةِ كِتَابِ الْمُسْتَصْفَى وَكُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلًا مِنْ الدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْمُسْتَصْفَى إلَخْ وَيُقْرِرْهُ عِنْدِي بِعَيْنِ تَقْرِيرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ كَلَامًا آخَرَ أَجْنَبِيًّا عَنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَعْطَيْته مِائَةَ دِينَارٍ فَجَاءَ فِي الْغَدِ رَجُلٌ مِنْ أَذْكِيَائِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَمِيرُ شَرَفِ شَاهْ، وَتَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لِظَنِّهِ أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِيهِ قَوِيٌّ. فَقُلْت لَهُمْ: إنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ جِهَةُ كَوْنِهَا صَلَاةً مُغَايِرٌ لِجِهَةِ كَوْنِهَا غَصْبًا وَلَمَّا تَغَايَرَتْ الْجِهَتَانِ لَمْ يَبْعُدَانِ يَتَفَرَّعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَاهِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَالْحَرَكَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْحُصُولِ فِي الْحَيِّزِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي حَيِّزٍ آخَرَ، وَالسُّكُونُ عِبَارَةٌ عَنْ الْحُصُولِ فِي الْحَيِّزِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ زَمَانٍ وَاحِدٍ فَالْحُصُولُ فِي الْحُصُولِ جُزْءُ مَاهِيَّةِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَهُمَا جُزْءَانِ مِنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، إذَا عُرِفَ هَذَا. فَنَقُولُ: إنْ اعْتَبَرْنَا الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ كَانَ جُزْءُ مَاهِيَّتِهَا الْحُصُولَ فِي الْحَيِّزِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحُصُولَ مُحَرَّمٌ فَكَانَتْ أَجْزَاءُ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ مُحَرَّمَةً فَالْغَصْبُ وَالْمُحَرَّمُ هُنَا جُزْءٌ مِنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ يُوجِبُ الْأَمْرَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَشَغْلَ ذَلِكَ الْحَيِّزِ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَوَارُدُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ مَا تَخَيَّلَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَمَّا قَرَرْت هَذَا الْكَلَامَ انْقَطَعَ الْأَمِيرُ شَرَفُ شَاهْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِخَارِجٍ) أَيْ خَارِجٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ: كَالتَّعَرُّضِ إلَخْ تَمْثِيلٌ لِلْخَارِجِ الْغَيْرِ اللَّازِمِ، فَإِنَّ التَّعَرُّضَ لِلْوَسْوَسَةِ أَوْ نِفَارِ الْإِبِلِ أَوْ مُرُورِ النَّاسِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا فَلَا يَكُونُ النَّهْيُ لِخَارِجٍ لَازِمٍ حَتَّى يَقْتَضِيَ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ بِاللَّازِمِ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِنَفْسِهَا) يَعْنِي لَيْسَ لِنَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَا لِلَازِمِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْأَزْمِنَةِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي نَفْسِهَا لِلصَّلَاةِ وَهُوَ أَقْرَبُ مَعْنًى مِنْ جَعْلِهِ لِلْمَكَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكَمَالِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّاصِرُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَزْمِنَةِ) أَيْ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لِنَفْسِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ مُوَافَقَةَ عُبَّادِ الشَّمْسِ فِي الزَّمَانِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَمَا أَنَّ الْوَسْوَسَةَ وَالنَّفَاذَ فِي الْأَمْكِنَةِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَمْ يَتَّضِحْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا

عَلَى الْأَصَحِّ فَأَفْرَقَتَا وَاحْتَرَزَ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ عَنْ الْمُقَيَّدِ بِغَيْرِ الْمَكْرُوهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ قَطْعًا. (أَمَّا الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ لَهُ جِهَتَانِ) لَا لُزُومَ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ فِي الْمَكَانِ أَعَمُّ؛ لِأَنَّ الشُّغْلَ وَالْوَسْوَسَةَ وَنَحْوَهَا قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ الصَّلَاةِ. وَقَدْ تُوجَدُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْمُلَازَمَةِ فِي الْأَزْمِنَةِ، فَإِنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ لِعُبَّادِ الشَّمْسِ لَازِمَةٌ لِلصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، فَإِنْ قُلْت كَذَلِكَ إذَا الْتَفَتَ لِلصَّلَاةِ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَانَتْ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ لَازِمَةً لَهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُلَازَمَةَ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ الْوَصْفِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْأَمْكِنَةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَزُولَ عَنْهَا الْوَصْفُ فِي الْحَالِ بِأَنْ يَنْتَقِلَ الْكَلَامُ لِلسَّجْدِيَّةِ أَوْ الْمِلْكِيَّةِ وَبِأَنَّ الْفِعْلَ فِي حَالِ إيقَاعِهِ يُمْكِنُ نَقْلُهُ لِمَكَانٍ آخَرَ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابَلَةُ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَزْمِنَةِ لِخَارِجٍ كَمُوَافَقَةِ عُبَّادِ الشَّمْسِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَأَيْضًا الْمُوَافَقَةُ الْمَذْكُورَةُ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ النَّهْيِ وَلَيْسَتْ عِلَّةً لِعَدَمِ اطِّرَادِهَا وَإِلَّا لَحُرِّمَتْ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ وَمَعَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ نَهَى عَنْ كَذَا لِنَفْسِهِ وَلَازِمُهُ إلَخْ نَهَى عَنْهُ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ. (قَوْلُهُ: بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ) وَهُوَ مَا أَخَذَ لَا بِقَيْدٍ لَكِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مَا اُعْتُبِرَ مَعَهُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ وَحِينَئِذٍ يُقَابِلُ الْمُقَيَّدُ فَصَحَّ الِاحْتِرَازُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ) مُقَابِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ لَيْسَ لَهُ جِهَتَانِ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ جِهَتَانِ إلَخْ فَمَحَطُّ الْمُقَابِلَةَ قَوْلُهُ: لَا لُزُومَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ أَيْ الَّذِي لَهُ جِهَةٌ أَوْ لَهُ جِهَتَانِ بَيْنَهُمَا لُزُومٌ فِي الْأَوَّلِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، فَإِنَّ لَهَا جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ كَوْنُهَا صَلَاةً وَالثَّانِي كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ هُوَ الْجُزْئِيُّ الْحَقِيقِيُّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّهُمْ قَابَلُوهُ بِالْوَاحِدِ بِالْجِنْسِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْعَضُدُ وَغَيْرُهُ وَمُقَابِلُ الْوَاحِدِ بِالْجِنْسِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ، بَلْ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ بِالنَّوْعِ يَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْأَصْفَهَانِيَّ عَبَّرَ بَدَلَ الْوَاحِدِ بِالْجِنْسِ بِالْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ تَمْثِيلِهِمْ الصَّلَاةَ فِي الْمَغْصُوبِ بِقُيُودٍ تُصَيِّرُهَا وَاحِدًا بِالشَّخْصِ كَصَلَاةِ زَيْدٍ الْفُلَانِيَّةِ فِي يَوْمِ كَذَا فِي سَاعَةِ كَذَا فِي دَارِ عَمْرٍو بِغَيْرِ رِضَاهُ أَوْ يُقَدَّرُ الْمُضَافُ أَيْ كَجُزْءِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَيْ الْجُزْءِ الْحَقِيقِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَرَكَ التَّقْيِيدَ لِظُهُورِ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْخَارِجِ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا بِالشَّخْصِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ سم أَيْ حَاجَةٌ إلَى فَرْضِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَهَلَّا فَرْضٌ فِي الْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ بِالنَّوْعِ كَمُطْلَقِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ مَثَلًا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى أَفْرَادِهِ الشَّخْصِيَّةِ لَا إلَى جِهَاتِهِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ بِالنَّظَرِ لِفَرْدٍ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِالنَّظَرِ لِآخَرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: لَا لُزُومَ بَيْنَهُمَا) وَإِلَّا كَانَا كَالْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ وَذَلِكَ كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْهُ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ صِيَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ لَازِمٌ لِلصَّوْمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ يَسْتَلْزِمُ الْمُطْلَقَ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَوْمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُقَيَّدٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ فَالْجِهَتَانِ فِيهَا مُنْفَكَّتَانِ وَلَمَّا كَانَ الزَّمَنُ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّةِ الصَّوْمِ دُونَ الْمَكَانِ فِي الصَّلَاةِ قِيلَ بِاسْتِلْزَامِ الْمُقَيَّدِ لِلْمُطْلَقِ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ دُونَ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُقَيَّدَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمُطْلَقِ فِيهَا أَيْضًا إذْ هِيَ صَلَاةٌ وَصَلَاةٌ فِي مَغْصُوبٍ لِانْفِكَاكِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ مَثَلًا أَوْ الْمَسْجِدِ عَنْ الْغَصْبِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ الزَّمَانِ لِدُخُولِهِ فِي مَفْهُومِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرَ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ تَحَقُّقِ النَّهْيِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لَيْسَ لِأَمْرٍ لَازِمٍ بَلْ لِخَارِجٍ كَالضَّعْفِ عَنْ الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا كَانَ لِنَفْسِ الْعِبَادَةِ

(كَالصَّلَاةِ فِي) الْمَكَانِ (الْمَغْصُوبِ) فَإِنَّهَا صَلَاةٌ وَغَصْبٌ أَيْ شَغْلٌ أَيْ مِلْكُ الْغَيْرِ عُدْوَانًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُوجَدُ بِدُونِ الْآخَرِ (فَالْجُمْهُورُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا (تَصِحُّ) تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ وَاحِدٌ بِالشَّخْصِ إلَخْ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا نَظَرًا لِجِهَةِ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا (وَلَا يُثَابُ) فَاعِلُهَا عُقُوبَةً لَهُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْغَصْبِ (وَقِيلَ يُثَابُ) مِنْ جِهَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ عُوقِبَ مِنْ جِهَةِ الْغَصْبِ فَقَدْ يُعَاقَبُ بِغَيْرِ حِرْمَانِ الثَّوَابِ أَوْ بِحِرْمَانِ بَعْضِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَالْأَوَّلُ تَقْرِيبُ رَادِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَازِمَهَا. (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ زَيْدٍ هَذِهِ الْمُتَحَقِّقَةُ خَارِجًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَاحِدٌ بِالنَّوْعِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَغْصُوبِ) أَيْ فِي ثَوْبٍ أَوْ مَكَان، وَقَدْ مَثَّلَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ بِالدَّارِ وَالثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِنَاءِ وَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ وَالرَّاحِلَةِ الْمَغْصُوبَةِ فِي الْحَجِّ فَلَا وَجْهَ لِمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمَكَانِ، فَإِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ الْعُمُومَ لِحَذْفِهِ الْمَوْصُوفَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ التَّمْثِيلِ فَيَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَوْ أَنَّ تَقْدِيرَ الْمَكَانِ لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا صَلَاةٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ ذَا جِهَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَيْ شَغَلَ مِلْكَ الْغَيْرِ إلَخْ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: الْغَصْبُ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ مَكَانَهَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى بِسَاطِ زَيْدٍ مَثَلًا يُعَدُّ غَصْبًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَعِنْدَهُمْ لَا يُعَدُّ غَصْبًا إلَّا إذَا نَقَلَهُ وَمَا دَامَ جَالِسًا عَلَيْهِ لَا يُقَالُ لَهُ: غَاصِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الْيَدَ الْمُحِقَّةَ، وَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ عِنْدَهُمْ حَرَامًا وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ضَمِنَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْغَصْبَ شَامِلٌ لِشَغْلِ اسْتِحْقَاقِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا أَيْضًا كَمَا إذَا أَزْعَجَهُ مِنْ مَكَان يَسْتَحِقُّ الْجُلُوسَ فِيهِ وَصَلَّى مَكَانَهُ وَإِنَّمَا بِالشَّغْلِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهَا يُوجَدُ) أَيْ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ اللُّزُومِ. (قَوْلُهُ: فَالْجُمْهُورُ إلَخْ) هَذَا الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ وَفِيهِ خُلُوُّ الْجُمْلَةِ عَنْ رَابِطٍ، ثُمَّ الْمُنَاسِبُ لِلْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ فَالْجُمْهُورُ قَالُوا: يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ فَتَصِحُّ تِلْكَ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ بِاللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ فَرْعُ التَّنَاوُلِ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَفْلًا) نَبَّهَ بِهِ عَلَى رَدِّ قَوْلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ عِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَقْصُودَيْنِ: أَدَاءُ مَا وَجَبَ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الثَّوَابِ كَالزَّكَاةِ إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمَالِكِ قَهْرًا، فَإِنَّهُ لَا يُثَابُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْعِقَابُ أَمَّا النَّفَلُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الثَّوَابُ فَقَطْ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ وَجَوَابُهُ أَوَّلًا مَنْعُ كَوْنِ الْمَقْصُودِ فِي النَّفْلِ الثَّوَابَ فَقَطْ بَلْ فِيهِ أَدَاءُ مَا نُدِبَ أَيْضًا وَثَانِيًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا يُثَابُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْجُزْءَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ بَلْ أَطْلَقَهُ تَقْرِيبًا لِلرَّدْعِ عَنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ فَلَا يُنَافِي حُصُولَ ثَوَابٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْغَصْبِ) كُلٌّ مِنْ الْمَجْرُورَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِعُقُوبَةٍ إذْ لَا مَعْنَى لِنَفْيِ الثَّوَابِ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْغَصْبِ اهـ. نَاصِرٌ. وَيُرْشِدُ إلَى مَا اخْتَارَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ، وَإِنْ عُوقِبَ مِنْ جِهَةِ الْغَصْبِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عُوقِبَ) يَحْتَمِلُ الْمُبَالَغَةَ وَقَوْلُهُ: فَقَدْ يُعَاقَبُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يُثَابُ مَعَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ: فَقَدْ يُعَاقَبُ، جَوَابُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ) قَدْ يُعَارِضُهُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْفُرُوعِ مِنْ سُقُوطِ الثَّوَابِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ كَالصَّلَاةِ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَتُوقُ إلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا أَسْقَطَتْ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ الثَّوَابَ فَكَيْفَ بِالتَّحْرِيمِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ السُّقُوطُ فِي هَذِهِ الْمَكْرُوهَاتِ عَلَى الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَيَلْتَزِمُ حُصُولُ الثَّوَابِ عَلَى مَا هُنَا أَوْرَدَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا مِنْ التَّحْقِيقِ الْمَذْكُورِ إذْ لَا مَعْنَى لِسُقُوطِ الثَّوَابِ مَعَ التَّنْزِيهِ وَثُبُوتِهِ مَعَ التَّحْرِيمِ مَعَ رُجُوعِ النَّهْيِ لِخَارِجٍ فِيهِمَا، اهـ مِنْ سم. (قَوْلُهُ: تَقْرِيبُ) أَيْ لِلْفَهْمِ لِقِلَّةِ الِاحْتِمَالَاتِ؛ لِأَنَّ كَثْرَتَهَا فِيهِ إبْعَادٌ لِلْفَهْمِ. (قَوْلُهُ: رَادِعٍ) أَيْ زَاجِرٍ حَيْثُ ذَكَرَ

عَنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى. (وَ) قَالَ (الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (لَا تَصِحُّ) لِلصَّلَاةِ مُطْلَقَةً نَظَرًا لِجِهَةِ الْغَصْبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ) لِلصَّلَاةِ (عِنْدَهَا) ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَأْمُرُوا بِقَضَائِهَا مَعَ عِلْمِهِمْ بِهَا (وَ) قَالَ الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لَا صِحَّةَ) لَهَا (وَلَا سُقُوطَ) لِلطَّلَبِ عِنْدَهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاحْتِمَالَ الْمُخِيفَ وَهُوَ حِرْمَانُ كُلِّ الثَّوَابِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ احْتِمَالُ أَنْ لَا يُعَاقَبَ أَصْلًا وَأَنْ يُعَاقَبَ بِغَيْرِ حِرْمَانِ الثَّوَابِ أَوْ بِحِرْمَانِ بَعْضِهِ فَقَطْ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى جَرَيَانِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَالثَّانِي قَرَّرَ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَالْأَوَّلُ اقْتَصَرَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى بَعْضِهَا تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى) أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الثَّوَابِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِثْبَاتَهُ عَلَى الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ) فِي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَا نَصُّهُ فَأَمَّا الْقَاضِي فَقَدْ سَلَكَ مَسْلَكًا آخَرَ فَسَلَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَيْسَتْ تَقَعُ مَأْمُورًا بِهَا وَلَكِنْ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالصَّلَاةِ عِنْدَهَا كَمَا يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِأَعْذَارٍ تَطْرَأُ كَالْجُنُونِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدِي حَائِدٌ عَنْ التَّحْصِيلِ غَيْرَ لَائِقٍ بِمَنْصِبِ هَذَا الرَّجُلِ الْخَطِيرِ، فَإِنَّ الْأَعْذَارَ الَّتِي يَنْقَطِعُ الْخِطَابُ عِنْدَهَا مَحْصُورَةٌ وَالْمَصِيرُ إلَى سُقُوطِ الْأَمْرِ عَنْ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الِامْتِثَالِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا بِسَبَبِ مَعْصِيَةِ لَابِسِهَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ غَايَةُ الْقَاضِي فِي مَسْلَكِهِ هَذَا ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ الْأَمْرِ عَمَّنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ، ثُمَّ أَخَذَ يُطَوِّلُ دَعْوَاهُ وَيَعْرِضُهَا قَائِلًا لَمْ يَأْمُرْ أَئِمَّةُ السَّلَفِ الْغُصَّابَ بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي أَقَامُوهَا فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ لَا يَسْلَمْ فَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ فِي التَّقْوَى يَأْمُرُونَ بِالْقَضَاءِ بِدُونِ مَا فَرَضَهُ الْقَاضِي وَتَقْدِيرُ الْإِجْمَاعِ مَعَ ظُهُورِ خِلَافِ السَّلَفِ عُسْرٌ، ثُمَّ إنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ فَكَمَا نَقَلَ عَنْهُمْ سُقُوطَ الْأَمْرِ نَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّ الْمَوْقِعَ صَلَاةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، فَلَئِنْ كَانَ يَعْتَصِمُ عَلَى الْخَصْمِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ فِي غَيْرِ مَا يَنْقُلُهُ، وَلَعَلَّ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُجْزِئَةَ لَيْسَتْ مَعْصِيَةً أَسْعَدُ حَالًا فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِمَّنْ يَدَّعِي وِفَاقَ الْمَاضِينَ عَلَى إسْقَاطِ الْأَمْرِ بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ، وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ. . . إلَخْ رَدٌّ لِدَلِيلِ الْقَاضِي حَسْبَمَا قَرَّرَهُ الْإِمَامُ فَذِكْرُهُ فِي خِلَالِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إخْلَالٌ. (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهَا) أَيْ لَا بِهَا كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ الْيَدِ عِنْدَ قَطْعِهَا كَذَا نَظَرَ الْحَوَاشِي وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي نَقْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي التَّنْظِيرَ بِالْعُذْرِ الطَّارِئِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ) فِي الْمَنْخُولِ لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ هَذَا الْقَوْلُ لِأَبِي هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ أَيْضًا قَالَ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمُكْثَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالصَّلَاةُ مُكْثٌ فِي الدَّارِ بِحَرَكَةٍ أَوْ سُكُونٍ وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ النَّهْيِ طَاعَةً إذْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى وَصْفِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِالْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعَ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ وَتَحْرِيمِ الْمُودِعِ بِصَلَاةٍ. وَقَدْ طُولِبَ بِالرَّدِّ وَأَجْنَاسٍ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فَارْتَبَكَ وَقَالَ: أَقْضِي بِفَسَادِ كُلِّ عَقْدٍ يُمْكِنُ التَّحْرِيمُ فِيهِ إنْ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ. (قَوْلُهُ: مُتَعَمِّقُونَ) أَيْ مُحْتَاطُونَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّعَمُّقَ الْمَذْمُومَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِمَقَامِهِمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّ الْأَكْوَانَ الَّتِي بَنَى الْخَصْمُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا مَعْصِيَةٌ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهَا غَصْبًا وَنَدَّعِي وَرَاءَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ أَجْرَى الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِإِيضَاحِهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَيْسَ تَحَيُّزُ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ مَقْصُودِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ يُلَوِّحُ بِضَرْبِ مِثَالٍ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِعَبْدِهِ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا تَقْعُدْ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَا تَدْخُلْ دَارِي هَذَا الْيَوْمَ، فَإِذَا عَصَاهُ وَجَاوَزَ حُكْمَ نَهْيِهِ وَتَعَدَّاهُ وَدَخَلَ دَارِهِ وَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا كَمَا أَمَرَهُ وَخَاطَ الثَّوْبَ الَّذِي رَسَمَ لَهُ خِيَاطَتَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُعَدُّ مُمْتَثِلًا فِي الْخِيَاطَةِ وَهُوَ وَإِنْ عَصَاهُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّهُ فِي أَمْرِهِ بِالْخِيَاطَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ لُزُومَ بُقْعَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَلِذَلِكَ يَحْسُنُ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: إنْ عَصَيْتُك بِدُخُولِ الدَّارِ لَمْ أَعْصِك فِيمَا أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ إدَامَةِ الْقِيَامِ طُولَ النَّهَارِ اهـ. 1 - (تَذْيِيلٌ) رَأَيْت فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ حَزْمٍ مَا نَصُّهُ

فِي التَّقْوَى يَأْمُرُونَ بِقَضَائِهَا (وَالْخَارِجُ مِنْ) الْمَكَانِ (الْمَغْصُوبِ تَائِبًا) أَيْ نَادِمًا عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ عَازِمًا عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ (آتٍ بِوَاجِبٍ) لِتَحَقُّقِ التَّوْبَةِ الْوَاجِبَةِ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. (وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ آتٍ (بِحَرَامٍ) ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْخُرُوجِ شُغْلٌ بِغَيْرِ إذْنٍ كَالْمُكْثِ وَالتَّوْبَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إذْ لَا إقْلَاعَ إلَّا حِينَئِذٍ. (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّ أَمْرٍ عُلِّقَ بِوَصْفِ مَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَمَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَّا بِمَا عُلِّقَ بِهِ، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ الْمَأْمُورُ كَمَا أُمُرِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَهُوَ عَاصٍ بِمَا فَعَلَ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ فَمِنْ ذَلِكَ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ مَغْصُوبٍ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ أَصَلَّى فِي مَكَان نُهِيَ عَنْ الْإِقَامَةِ فِيهِ، كَمَكَانٍ نَجِسٍ أَوْ مَغْصُوبٍ أَوْ فِي عَطَنِ إبِلٍ أَوْ إلَى قَبْرٍ أَوْ مَنْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ حَيَوَانَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ بِآنِيَةِ فِضَّةٍ أَوْ بِإِنَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ، فَكُلُّ هَذَا لَا يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضٌ فَمَنْ صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يُصَلِّ وَمَنْ تَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَمَنْ ذَبَحَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَذْبَحْ وَهِيَ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَكْلُهَا لَا لِرَبِّهَا وَلَا لِغَيْرِهِ وَعَلَى ذَابِحِهَا ضَمَانُ مِثْلِهَا حَيَّةً؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا أُمِرَ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ السِّكِّينِ وَعَنْ ذَبْحِ حَيَوَانِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ وَعَنْ إقَامَةٍ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ وَأَمَرَ بِالْإِقَامَةِ لِلصَّلَاةِ وَبِتَزْكِيَةِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ عَلِمْنَا أَنَّ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ إقَامَتَهُ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ لَيْسَتْ الْإِقَامَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آمِرًا بِهَا نَاهِيًا عَنْهَا إنْسَانًا وَاحِدًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا مِمَّا قَدْ تَنَزَّهَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ عَنْهُ فِي إخْبَارِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَلَيْسَ اجْتِنَابُ الشَّيْءِ وَالْإِتْيَانُ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي وُسْعِ أَحَدٍ فَصَحَّ مَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: نَائِبًا) أَيْ مَعَ السُّرْعَةِ وَسُلُوكِ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا ضَرَرًا فَإِذَا تَعَارَضَ طَرِيقٌ بَعِيدَةٌ أَقَلَّ ضَرَرًا وَطَرِيقٌ قَرِيبَةٌ أَكْثَرَ ضَرَرًا فَالظَّاهِرُ تَعْيِينُ سُلُوكِ الْأُولَى وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِ التَّوْبَةِ عَلَى جُزْأَيْنِ مِنْ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْلَاعَ وَهُوَ ثَالِثُهَا قَدْ تَحَقَّقَ بِقَوْلِهِ الْخَارِجِ وَلَوْ أُرِيدَ بِالتَّوْبَةِ حَقِيقَتُهَا الْمُتَنَاوِلُ لِلْإِقْلَاعِ لَزِمَ كَوْنُ الشَّيْءِ قَيْدًا فِي جُزْأَيْهِ لِأَنَّ تَائِبًا حَالٌ وَهُوَ مُتَضَمَّنٌ لِلْإِقْلَاعِ وَصَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرُ الْخَارِجِ وَعَامِلُهَا خَارِجٌ وَالْحَالُ قَيْدٌ لِلْعَامِلِ قَالَهُ النَّاصِرُ. وَقَدْ يُقَالُ: الْإِقْلَاعُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ الْكَفُّ امْتِثَالًا وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ اعْتِبَارَ قَيْدِ الِامْتِثَالِ فِي الْإِقْلَاعِ مَمْنُوعٌ وَيَحْتَاجُ فِيهِ لِنَقْلٍ عَنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَلَوْ فَرَضَ اعْتِبَارَهُ فَتَحَقَّقَ النَّدَمُ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِهِ لِإِفَادَتِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ النَّدَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يَقْتَضِي مُصَاحَبَةَ الْإِقْلَاعِ لِلِامْتِثَالِ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِقْلَاعِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ حَالَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِانْتِهَاءِ الْخُرُوجِ فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ. (قَوْلُهُ: آتٍ بِوَاجِبٍ) فَتَكُونُ الْمَعْصِيَةُ قَدْ انْقَضَتْ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي الْخُرُوجِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ حَرَامًا لِلْقُدُومِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ التَّوْبَةِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ ثُبُوتِهَا وَحُصُولِ حَقِيقَتِهَا بِمَا أَتَى بِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَالْعِبَارَةُ الْمُفِيدَةُ لِذَلِكَ مَعَ الْوُضُوحِ أَنْ يُقَالَ: إذْ لَا تَتَحَقَّقُ التَّوْبَةُ الْوَاجِبَةُ إلَّا بِمَا أَتَى بِهِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ إجْمَاعًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَطْلُوبًا بِفِعْلِهِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَزِمَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِتَرْكِهِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَهُوَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَالْمُعْتَزِلَةِ لَا يَقُولُونَ بِهِ فَلَزِمَ أَبَا هَاشِمٍ مُخَالَفَةُ أَصْلِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، وَإِنْ حَافَظَ هُنَا عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ إلَخْ قَبِيحٌ كَالْمُكْثِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي الْبُرْهَانِ هَكَذَا الَّذِي هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مَعْرُوضٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمَظَالِمِ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ غَصَبَ مَالًا وَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَابَ وَاسْتَرْجَعَ وَأَنَابَ وَأَتَى بِتَوْبَتِهِ عَلَى شُرُوطِهَا فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ أَنَّ سُقُوطَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُتَنَجَّزُ إمَّا مَقْطُوعًا بِهِ عَلَى رَأْيٍ أَوْ مَظْنُونًا عَلَى رَأْيٍ. وَأَمَّا

مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ (هُوَ مُرْتَبِكٌ) أَيْ مُشْتَبِكٌ (فِي الْمَعْصِيَةِ مَعَ انْقِطَاعِ تَكْلِيفِ النَّهْيِ) عَنْهُ مِنْ طَلَبِ الْكَفِّ عَنْ الشُّغْلِ بِخُرُوجِهِ تَائِبًا الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يَخْلُصُ بِهِ مِنْهَا لِبَقَاءِ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ بِدُخُولِهِ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ حِكْمَةُ النَّهْيِ فَاعْتُبِرَ فِي الْخُرُوجِ جِهَةُ مَعْصِيَةٍ وَجِهَةُ طَاعَةٍ، وَإِنْ لَزِمَتْ الْأُولَى الثَّانِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَتَعَلَّقُ بِمُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّينَ فَالتَّوْبَةُ لَا تُبْرِؤُهُ مِنْهَا وَلَسْت أَعْنِي بِهِ الْغُرْمَ وَإِنَّمَا أَعْنِي بِهِ إلْحَاقَهُ الطَّلَبَةَ فِي الْقِيَامَةِ فَأَمَّا الْمَغَارِمُ فَقَدْ تَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ امْتِثَالٍ إلَى الْمَأْثَمِ كَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى الطِّفْلِ بِسَبَبِ مَا جَنَى أَوْ أَتْلَفَ وَالسَّبَبُ فِي بَقَاءِ الْمَظْلَمَةِ مَعَ حَقِيقَةِ النَّدَمِ وَتَصْمِيمِ الْعَزْمِ عَلَى اسْتِفْرَاغِ كُنْهِ الْجَهْدِ فِي مُحَاوِلَةِ الْخُرُوجِ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَنَّ الَّذِي تَوَرَّطَ فِيمَا يَنْدَمُ عَلَيْهِ لَا يُنْجِيهِ النَّدَمُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَمَّا خَاضَ فِيهِ فَإِذَا وَضَحَ ذَلِكَ انْعَطَفْنَا عَلَى غَرَضِ الْمَسْأَلَةِ قَائِلِينَ مَنْ تَخَطَّى أَرْضًا مَغْصُوبَةً نَظَرَ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ مُتَعَدِّيًا فَهُوَ مَأْمُورًا بِالْخُرُوجِ وَلَيْسَ خَارِجًا مِنْ الْعُدْوَانِ وَالْمَظْلَمَةِ؛ لِأَنَّهُ كَائِنٌ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَعْصِيَةُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي حَرَكَاتِهِ فِي صَوْبِ الْخُرُوجِ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَهَذَا يَلْتَفِتُ عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنَّهَا تَقَعُ امْتِثَالًا مِنْ وَجْهٍ وَغَصْبًا وَاعْتِدَاءً مِنْ وَجْهٍ فَكَذَلِكَ الذَّاهِبُ إلَى صَوْبِ الْخُرُوجِ مُمْتَثِلٌ مِنْ وَجْهٍ عَاصٍ بِبَقَائِهِ مِنْ وَجْهٍ. فَإِنْ قِيلَ: إدَامَةُ حُكْمِ الْعِصْيَانِ عَلَيْهِ تُتَلَقَّى مِنْ أَرْتِكَابه نَهْيًا وَالْإِمْكَانُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَنْهِيَّاتِ اعْتِبَارُهُ فِي الْمَأْمُورَاتِ فَكَيْفَ الْوَجْهُ فِي إدَامِهِ مَعْصِيَتَهُ فِيمَا لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ الْخَلَاصُ مِنْهُ قُلْنَا: تُسَبِّبُهُ إلَى مَا تَوَرَّطَ فِيهِ آخِرًا سَبَبُ مَعْصِيَتِهِ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا مَنْهِيًّا عَنْ الْكَوْنِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مَعَ بَذْلِهِ الْمَجْهُودَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ مُرْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعَ انْقِطَاعِ تَكْلِيفِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَهَذَا تَمَامُ الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مَعَ انْقِطَاعِ تَكْلِيفِ النَّهْيِ) فَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامُ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ لَوْ تَعَلَّقَ عِنْدَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مَعًا بِالْخُرُوجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَعَلُّقُ النَّهْيِ مُنْتَفٍ عِنْدَهُ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِ النَّهْيِ. (قَوْلُهُ: عَنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالنَّهْيِ وَالضَّمِيرُ لِلْخُرُوجِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُ الْجَارِّ بِانْقِطَاعِ وَرُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلشَّخْصِ. (قَوْلُهُ: مِنْ طَلَبِ الْكَفِّ) بَيَانٌ لِتَكْلِيفِ النَّهْيِ وَالْأَوْلَى إبْدَالُ طَلَبٍ بِإِلْزَامٍ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ لَا طَلَبُهُ. (قَوْلُهُ: بِخُرُوجِهِ) صِلَةُ انْقِطَاعٍ وَالْمُرَادُ بِخُرُوجِهِ أَخَذَهُ فِي السَّيْرِ لِلْخُرُوجِ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ إذْ حَقِيقَةُ الْخُرُوجِ الِانْفِصَالُ عَنْ الْمَكَانِ. (قَوْلُهُ: الْمَأْمُورِ بِهِ) صِفَةٌ لِخُرُوجِهِ وَقَوْلُهُ: فَلَا يَخْلُصُ بِهِ أَيْ بِالْخُرُوجِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ: مِنْهَا أَيْ الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُشْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ وَتَفْرِيعُ عَدَمِ الْخُلُوصِ عَلَى الِاشْتِبَاكِ فِي الْمَعْصِيَةِ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ قَالَ سم وَكَأَنَّ النَّاصِرَ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعَ انْقِطَاعِ تَكْلِيفِ النَّهْيِ فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُوَ الْخُلُوصُ لَا عَدَمُهُ. (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ) ، فَإِنْ قِيلَ: لَا مَعْصِيَةَ إلَّا بِفِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ انْقِطَاعَ تَكْلِيفِ النَّهْيِ لَمْ يَبْقَ لِلْمَعْصِيَةِ جِهَةٌ قُلْنَا: إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الْمَعْصِيَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ يَخُصُّ ذَلِكَ بِابْتِدَاءِ الْمَعْصِيَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَجَوَابَهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ أَوْرَدَ النَّاصِرُ السُّؤَالَ بِعَيْنِهِ سَاكِتًا عَنْ جَوَابِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الضَّرَرِ) بَيَانٌ لِمَا أَيْ مِنْ ضَرَرٍ الْمَالِكِ يَشْغَلُهُ مِلْكُهُ عُدْوَانًا. (قَوْلُهُ: فَاعْتَبَرَ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جِهَةَ مَعْصِيَةٍ وَهِيَ أَضْرَارُ الْغَيْرِ بِشَغْلِ مِلْكِهِ عُدْوَانًا وَجِهَةَ طَاعَةٍ بِأَخْذِهِ فِي الْخُرُوجِ تَائِبًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَزِمَتْ الْأُولَى الثَّانِيَةَ) جَعَلَ اللَّازِمَ هُوَ الْأُولَى إذْ الْخُرُوجُ تَائِبًا يَلْزَمُهُ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا الثَّانِيَةُ إذْ الشَّغْلُ الْمَذْكُورُ لَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ تَائِبًا، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَزِمَتْ الْأُولَى الثَّانِيَةَ تَنْبِيهٌ عَلَى فَسَادِ هَذَا الِاعْتِبَارِ بِأَنَّ لُزُومَ الْمَعْصِيَةِ لِلطَّاعَةِ يَصِيرُ الْفِعْلُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَى الِامْتِثَالِ بِهِ كَذَا فِي النَّاصِرِ، قَالَ سم وَالتَّنْبِيهُ الْمَذْكُورُ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ اللُّزُومَ لَا يُرَدُّ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يُوجِبُ كَوْنَ ذَلِكَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ لَوْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ هُنَا مَعْصِيَةً حَقِيقَةً وَهِيَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ قِيَامِ النَّهْيِ عَنْهُ وَعَدَمِ انْقِطَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ

وَالْجُمْهُورُ أَلْغَوْا جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ مِنْ الضَّرَرِ لِدَفْعِهِ ضَرَرَ الْمُكْثِ الْأَشَدِّ، كَمَا أُلْغِيَ ضَرَرُ زَوَالِ الْعَقْلِ فِي إسَاغَةِ اللُّقْمَةِ الْمَغْصُوصِ بِهَا بِخَمْرٍ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا لِدَفْعِهِ ضَرَرَ تَلِفَ النَّفْسِ الْأَشَدِّ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (دَقِيقٌ) كَمَا تَبَيَّنَ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ بَعِيدٌ حَيْثُ اسْتَصْحَبَ الْمَعْصِيَةَ مَعَ انْتِفَاءِ تَعَلُّقِ النَّهْيِ وَيَدْفَعُ اسْتِبْعَادُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ مَأْمُورًا بِفِعْلِ مَا مُنِعَ مِنْهُ وَإِلْزَامِ تَرْكِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ مَعْصِيَةٌ حُكْمِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَصْحَبَ حُكْمَ السَّابِقَةِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِإِضْرَارِهِ الْآنَ بِالْمِلْكِ إضْرَارًا نَاشِئًا عَنْ تَعَدِّيهِ السَّابِقِ مَعَ انْقِطَاعِ النَّهْيِ الْآنَ عَنْهُ وَعَنْ عَدَمِ إلْزَامِهِ بِالتَّرْكِ فَالْفِعْلُ مَقْدُورٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ وَلَا مُخَاطَبٌ بِتَرْكِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اسْتَصْحَبَهُ عِصْيَانُهُ السَّابِقُ تَغْلِيظًا وَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عَجْزَهُ عَنْ الْفِعْلِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، فَالشَّارِحُ إنَّمَا قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَكَمَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِدَفْعِهِ الِاسْتِبْعَادَ الْآتِي، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لَيْسَ قَصْدَهُ إلَّا تَوْجِيهُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَإِزَالَةُ الشُّبْهَةِ عَنْهُ وَبِمَا ذَكَرَ يَنْدَفِعُ أَيْضًا مَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جِهَتَا طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ مُتَلَازِمَتَانِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْجِهَتَيْنِ إذَا انْفَكَّتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ حَقِيقِيَّةً وَهِيَ هُنَا اسْتِصْحَابِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ اهـ. مُلَخَّصًا. وَأَقُولُ: هَذَا السُّؤَالُ وَجَوَابُهُ مِنْ نَاحِيَةِ مَا تَقَدَّمَ وَلِلشَّيْخِ الْكَمَالِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ فِي غُنْيَةً عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنَّهُ قَرَّرَ السُّؤَالَ وَجَوَابَهُ، فَلَوْ أَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى تَمَامِ كَلَامِهِ مَا أَطَالُوا بِهَذَا كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ الِاخْتِصَارُ، وَقَوْلُ سم إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ إلَخْ ذُهُولٌ عَمَّا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ جِهَتَا طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ مُتَلَازِمَانِ وَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ لِلُزُومِ الْفَسَادِ بِالتَّنَاقُضِ وَمَا هُنَا مَأْمُورٌ بِهِ فَأَيْنَ الْفَارِقُ؟ فَيُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ النَّهْيُ تَحْقِيقًا وَمَا هُنَا النَّهْيُ فِيهِ اسْتِصْحَابِيٌّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ أَلْغَوْا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى تَأْثِيمِ مَنْ دَخَلَ أَرْضًا غَاصِبًا، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا قَصَدَ الْخُرُوجَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِخُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ بِخُرُوجِهِ لِلْغَصْبِ اهـ. (قَوْلُهُ: دَقِيقٌ) حَيْثُ اعْتَبَرَ بَقَاءَ الْمَعْصِيَةِ لِبَقَاءِ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ وَالطَّاعَةُ لِلْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا تَبَيَّنَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَاعْتَبَرَ فِي الْخُرُوجِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ دِقَّةُ الِاسْتِحْسَانِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ دِقَّةَ الْخَفَاءِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ اسْتَصْحَبَ الْمَعْصِيَةَ إلَخْ) أَيْ وَاسْتِصْحَابُ حُكْمِ النَّهْيِ مَعَ انْقِطَاعِ تَعَلُّقِهِ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ دَفَعَهُ الشَّارِحُ بِإِيرَادِ نَظِيرٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ مَعْصِيَةِ الرِّدَّةِ مِنْ التَّغْلِيظِ بِإِيجَابِ قَضَاءِ مَا فَاتَ الْمُرْتَدُّ زَمَنَ جُنُونِهِ مَعَ انْقِطَاعِ تَعَلُّقِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مِنْ النَّهْيِ وَغَيْرِهِ بِالْجُنُونِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَالْحَيْثِيَّةُ لِلتَّعْلِيلِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ النَّاصِرُ بِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْشَأَ الِاسْتِبْعَادِ عِنْدَ مُجَرَّدِ انْتِفَاءِ تَعَلُّقِ النَّهْيِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عِنْدَهُ انْتِفَاءُ تَعَلُّقِ النَّهْيِ وَثُبُوتُ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ، وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ الْخُرُوجُ لِلْأَمْرِ قَطَعَ بِنَفْيِ الْمَعْصِيَةِ بِشَرْطِهِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ بِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْخُرُوجِ وَلَا نَهْيَ بَعِيدٌ. اهـ. قَالَ الْعَضُدُ فِي تَقْرِيرِهِ قَالَ الْإِمَامُ بِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهِ مَعَ إيجَابِهِ الْخُرُوجَ وَهُوَ بَعِيدٌ اهـ. وَإِذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْمُسْتَبْعَدُ إنَّمَا هُوَ اسْتِصْحَابُ الْمَعْصِيَةِ حَالَ عَدَمِ سَبَبِهَا وَوُجُودِ ضِدِّهَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ غَيْرُ دَافِعٍ لِذَلِكَ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ ضِدُّهَا التَّوْبَةُ مِنْهَا لَا الْجُنُونُ الَّذِي شَأْنُهُ فِي الشَّرْعِ أَيْ: يَجْرِي فِيهِ حُكْمُ مَا قَبْلَهُ مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ. وَالِاسْتِصْحَابُ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّمَا هُوَ حَالُ الْجُنُونِ لَا التَّوْبَةِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَا يَصْلُحُ بِمُجَرَّدِهِ أَنْ يَكُونَ دَافِعًا لِقَوْلِ بَعْضٍ آخَرَ اهـ. وَرَدَّهُ سم بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَاحْتِجَاجُهُ بِعِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ احْتِجَاجٌ مَمْنُوعٌ بَلْ ظَاهِرُهَا مَعَ

قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ مَنْ جُنَّ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ وَأَسْلَمَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَوَاتِ زَمَنِ الْجُنُونِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ مَعْصِيَةِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْ الْجُنُونِ رُخْصَةٌ وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ أَمَّا الْخَارِجُ غَيْرُ تَائِبٍ فَعَاصٍ قَطْعًا كَالْمَاكِثِ (وَالسَّاقِطُ) بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (عَلَى جَرِيحٍ) بَيْنَ جَرْحَى (يَقْتُلُهُ إنْ اسْتَمَرَّ) عَلَيْهِ (وَ) يُقْتَلُ (كُفْؤُهُ) فِي صِفَاتِ الْقِصَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَوِّلْ فِيهَا عَلَى ثُبُوتِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِوَجْهٍ بَلْ اقْتَصَرَ فِيهَا كَمَا تَرَى عَلَى انْتِفَاءِ النَّهْيِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِي بَيَانِ الِاسْتِبْعَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا نَهْيَ فَأَيْنَ اعْتِبَارُهُ ثُبُوتَ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ، ثُمَّ سَرَدَ عِبَارَةَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَأْيِيدًا لِمَا قَالَهُ قَائِلًا: فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الصَّرَائِحِ ظُهُورًا أَلَا يَقْبَلُ الْمُدَافَعَةَ أَنَّ مَنْشَأَ الِاسْتِبْعَادِ لَيْسَ إلَّا مُجَرَّدُ انْتِفَاءِ تَعَلُّقِ النَّهْيِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ وَأَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّارِحُ دَافِعٌ لِلِاسْتِبْعَادِ بِلَا ارْتِيَابٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَا يَصْلُحُ بِمُجَرَّدِهِ أَنْ يَكُونَ دَافِعًا لِقَوْلِ بَعْضٍ آخَرَ فَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَمَّا أَوَّلًا فَلَيْسَ الْمُدَّعَى أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ دَافِعٌ قَوْلَ بَعْضٍ آخَرَ بَلْ دَفَعَ اسْتِبْعَادِ قَوْلٍ آخَرَ عَلَى وَفْقِهِ وَفَرْقٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاسْتِبْعَادِ شَيْءٍ عُهِدَ نَظِيرُهُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فَأَنَّهُمْ قَدْ يَدْفَعُونَ اسْتِبْعَادَ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ قِيلَ بِنَظِيرِهِ، وَأَمَّا ثَالِثًا، فَإِنَّ فُقَهَاءَ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ حُذَّاقُ الْإِسْلَامِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ دَافِعًا لِاسْتِبْعَادِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. وَالْإِنْصَافُ أَنَّ هَذَا تَحَمُّلٌ مِنْهُ، فَإِنَّ دَعْوَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُخْتَصَرِ لَمْ يُعَوَّلْ فِيهَا عَلَى ثُبُوتِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ مَمْنُوعٌ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ لِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَلَا نَهْيَ قَاطِعًا النَّظَرَ عَمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ:، وَإِذَا تَعَيَّنَ الْخُرُوجُ لِلْأَمْرِ إلَخْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ مَا أَفْصَحَ بِهِ الْعَضُدُ بِقَوْلِهِ مَعَ إيجَابِهِ الْخُرُوجَ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَمْرِ وَالْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْخُرُوجِ حَاصِلٌ مَعَ انْقِطَاعِ تَكْلِيفِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ سَابِقًا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ وَلَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْعُدْوَانِ إلَخْ وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ عِبَارَاتُ الْجَمَاعَةِ لَا يَدُلُّ لِمُدَّعَاهُ، كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلْمُتَأَمِّلِ فِي كَلَامِهِمْ فَتَشْنِيعُهُ عَلَى شَيْخِهِ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا نَعَمْ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ الْعَلَاوَةِ مُسَلَّمٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ) بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِنَا مُعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ اسْتِبْعَادَهُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ جُنَّ) التَّنْظِيرُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِصْحَابُ، وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ لَا تَسَبُّبَ لَهُ بِخِلَافِ الدَّاخِلِ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ. (قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ) أَيْ تَخْفِيفٌ فَهِيَ هُنَا بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَلَيْسَتْ بِمَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ كَمَا مَرَّ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَالْإِسْقَاطُ فِي الْمَجْنُونِ لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ. (قَوْلُهُ: وَالسَّاقِطُ إلَخْ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ أَبِي هَاشِمٍ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا، وَيَظْهَرُ الْغَرَضُ مِنْهُ بِمَسْأَلَةٍ أَلْقَاهَا أَبُو هَاشِمٍ حَارَتْ فِيهَا عُقُولُ الْفُقَهَاءِ وَأَنَا ذَاكِرُهَا وَمُوَضِّحٌ مَا فِيهَا، وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَوَسَّطَ جَمْعًا مِنْ الْجَرْحَى وَجَثَمَ عَلَى صُدُورِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لَهَلَكَ مَنْ تَحْتَهُ وَلَوْ انْتَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَجِدْ مَوْقِعَ قَدَمٍ إلَّا بَدَنٍ آخَرَ وَفِي انْتِقَالِهِ هَلَاكُ الْمُنْقَلِ إلَيْهِ فَكَيْفَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمَا الْوَجْهُ فِيهِ؟ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَتَحَصَّلْ فِيهَا مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ عَلَى ثَبْتٍ وَالْوَجْهُ الْمَقْطُوعُ بِهِ سُقُوطُ التَّكْلِيفِ عَنْ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِ حُكْمِ سَخَطِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَغَضَبِهِ عَلَيْهِ، أَمَّا وَجْهُ سُقُوطِ التَّكْلِيفِ فَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ تَكْلِيفُهُ مَا لَا يُطِيقُهُ وَوَجْهُ اسْتِمْرَارِ حُكْمِ الْعِصْيَانِ عَلَيْهِ تَسَبُّبُهُ إلَى مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُ مِنْهُ وَلَوْ فُرِضَ إلْقَاءُ رَجُلٍ رَجُلًا عَلَى صَدْرِ وَاحِدٍ كَمَا سَبَقَ الْفَرْضُ وَالتَّصْوِيرُ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ الْوَاقِعُ إلَى اخْتِيَارٍ فَلَا تَكْلِيفَ وَلَا عِصْيَانَ اهـ. (قَوْلُهُ: بِاخْتِيَارِهِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا وَهُوَ مَا فِي الْبُرْهَانِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمَنْخُولِ الْآتِي، فَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّ كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَصْوِيرِهِ بِالسَّاقِطِ اخْتِيَارًا ذُهُولٌ عَنْ آخِرِ عِبَارَتِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى جَرِيحٍ) مَحْضُ تَمْثِيلٍ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ كُفْؤُهُ) أَيْ كُفُؤُ الْجَرِيحِ لَا كُفُؤٌ لِوَاقِعِ إذْ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فِي صِفَاتِ الْقِصَاصِ) أَيْ لَا غَيْرِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ وَمَا فَرَّعَهُ سم هُنَا مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ

(إنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ) عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَوْضِعٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إلَّا بَدَنَ كُفْءٍ (قِيلَ: يَسْتَمِرُّ) عَلَيْهِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى كُفْئِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ) بَيْنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ وَالِانْتِقَالِ إلَى كُفْئِهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الضَّرَرِ. (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا حُكْمَ فِيهِ) مِنْ إذْنٍ أَوْ مَنْعٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي الِاسْتِمْرَارِ وَالِانْتِقَالِ، وَأَحَدُهُمَا يُؤَدِّي إلَى الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَنْعُ مِنْهُمَا لَا قُدْرَةَ عَلَى امْتِثَالِهِ قَالَ مَعَ اسْتِمْرَارِ عِصْيَانِهِ بِبَقَاءِ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِسُقُوطِهِ إنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ وَإِلَّا فَلَا عِصْيَانَ. (وَتَوَقَّفَ الْغَزَالِيُّ) فَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى يُحْتَمَلُ كُلٌّ مِنْ الْمَقَالَاتِ الثَّلَاثِ وَاخْتَارَ الثَّالِثَةَ فِي الْمَنْخُولِ وَلَا يُنَافِي فِي قَوْلِهِ كَإِمَامِهِ لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عَنْ حُكْمٍ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِالْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِي الْمُكَافَآتِ فِي الْقِصَاصِ وَلَا تَفْتَرِقُ الْأَشْخَاصُ فِيهِ. وَأَمَّا التَّرْدِيدُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ وَلَا يَقَعُ، فَإِنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ خُتِمَتَا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ الصُّوَرُ ذِكْرُهَا فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ أَوْفَقُ مِنْهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى الْفُقَهَاءِ فِي اشْتِغَالِهِمْ بِالْبَحْثِ عَنْ الْفُرُوعِ النَّادِرَةِ الَّتِي لَا تَكَادُ تَقَعُ وَمَا هُنَا مِنْهَا. (قَوْلُهُ: قِيلَ يَسْتَمِرُّ) أَيْ وُجُوبًا وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ سَوَاءٌ كَانَ السُّقُوطُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ اسْتِئْنَافُ فِعْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَكْمِيلُ الْفِعْلِ أَهْوَنُ مِنْ اسْتِئْنَافِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنْعُ مِنْهُمَا لَا قُدْرَةَ عَلَى امْتِثَالِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ الْعَادِيِّ بِنَاءً عَلَى إمْكَانِ الِامْتِنَاعِ مِنْهُمَا عَقْلًا اهـ. سم. (قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ) أَيْ يَجُوزُ وَلِذَلِكَ رَفَعَ " كُلَّ " عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الثَّالِثَةَ فِي الْمَنْخُولِ) كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ أَوَّلًا، ثُمَّ اخْتَارَ وَيَرُدُّ عَلَى التَّعْبِيرِ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ أَنَّ تَأْلِيفَ الْمَنْخُولِ قَبْلَ تَأْلِيفِ الْمُسْتَصْفَى لَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْمُسْتَصْفَى مِنْ آخَرِ مَا أَلَّفَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِالْأَمْرَيْنِ فِي خُطْبَةِ الْمُسْتَصْفَى. وَقَدْ كُنْت ذَكَرْت ذَلِكَ لِلْأَخِ الشَّيْخِ بُرْهَانِ الدِّينِ حِينَ قِرَاءَتِهِ هَذَا الْمَوْضِعَ عَلَيَّ، فَلَمَّا بَحَثَ الشَّارِحُ عَلَى مُؤَلِّفِهِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَزَالَ كَلِمَةَ " ثُمَّ " وَأَثْبَتَ الْوَاوَ بَدَلَهَا، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَاهُ اخْتِيَارَ الْغَزَالِيِّ الثَّالِثَةَ مَمْنُوعَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَنْخُولِ الْمُخْتَارِ أَنْ لَا حُكْمَ مَقُولٌ عَلَى لِسَانِ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الْمَنْخُولَ فِي الْحَقِيقَةِ تَلْخِيصُ الْبُرْهَانِ لِلْإِمَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَسْمِيَةٌ بِالْمَنْخُولِ مِنْ تَعْلِيقِ الْأُصُولِ وَتَصْرِيحِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي آخِرِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى مَا فِي تَعْلِيقِ الْإِمَامِ يَعْنِي الْبُرْهَانَ. وَقَدْ أَعَادَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْمَقَالَةَ الثَّالِثَةَ آخِرَ كِتَابِ الْفَتْوَى فِي الْمَنْخُولِ وَنَسَبَهَا إلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ اعْتَرَضَهَا فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ خُلُوُّ وَاقِعَةٍ عَنْ حُكْمٍ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ مَا نَصَّهُ. ، فَإِنْ قِيلَ: مَا قَوْلُكُمْ فِي السَّاقِطِ مِنْ سَطْحٍ عَلَى مَصْرُوعٍ إنْ تَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ قَتَلَهُ، وَإِنْ مَكَثَ عَلَيْهِ قَتَلَهُ، فَمَاذَا يَفْعَلُ، وَقَدْ قَضَيْتُمْ بِأَنْ لَا حُكْمَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ؟ قُلْنَا: حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا حُكْمَ فِيهِ فَهَذَا أَيْضًا حُكْمٌ وَهُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ هَذَا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِيهِ، وَقَدْ كَرَّرْته عَلَيْهِ مِرَارًا وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: نَفْيُ الْحُكْمِ حُكْمٌ لَجَازَ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَبَعْدَ وُرُودِهِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ جَعْلُ نَفْيِ الْحُكْمِ حُكْمًا تَنَاقُضٌ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إنْ كَانَ لَا يَعْنِي بِهِ تَخْيِيرَ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ، وَإِنْ عَنَاهُ فَهُوَ إبَاحَةٌ مَحْضَةٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، هَذَا لَفْظُهُ فِي الْمَنْخُولِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ نِسْبَةَ اخْتِيَارِ الْمَقَالَةِ الثَّالِثَةِ إلَيْهِ مُنْتَقَدَةٌ وَإِنَّ التَّحْقِيقَ مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ نَقْلِ التَّوَقُّفِ عَنْهُ وَنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ إمَامِهِ اهـ. كَمَالٌ. قَالَ سم قَوْلُهُ: لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: نَفْيُ الْحُكْمِ حُكْمٌ إلَخْ لَا مَانِعَ مِنْ الْتِزَامِ جَوَازِ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمَيْنِ الْمُثْبَتِ وَالْمَنْفِيِّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ وَهُوَ الْأَمْرُ الثَّابِتُ بِالثَّانِي أَحَدُ فَرْدَيْهِ وَهُوَ إذْنُ الشَّارِعِ أَوْ مَنْعُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ هُوَ الثَّانِي فَقَطْ حَتَّى يَمْتَنِعَ قَوْلُهُ: قَبْلَ الْبَعْثَةِ لِمُنَافَاتِهِ قَوْلَهُمْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَبِاخْتِلَافِ الْمُثْبَتِ وَالْمَنْفِيِّ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ فِي قَوْلِهِ حُكْمُ اللَّهِ أَنْ لَا حُكْمَ إلَخْ إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ إثْبَاتِ الْعَامِّ وَنَفْيِ الْخَاصِّ اهـ. مُلَخَّصًا. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ مَا دَفَعَ بِهِ الشَّارِحُ التَّنَافِي بَيْنَ (قَوْلِهِ لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عَنْ حُكْمٍ لِلَّهِ تَعَالَى) وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا حُكْمَ فِيهِ فَفِي دَفْعِ الشَّارِحِ بِهِ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضِ الْغَزَالِيِّ بِهِ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُ سم أَنَّ إصْرَارَهُ يَعْنِي الْغَزَالِيَّ هُنَا الْإِمَامَ عَلَيْهَا اخْتِيَارٌ لَهَا، وَإِنْ اعْتَرَضَهَا فِي مَحَلٍّ

[مسألة يجوز التكليف بالمحال مطلقا]

فِيهِ مَا يَصْدُقُ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ وَبِانْتِفَائِهِ لِقَوْلِ إمَامِهِ لَمَّا سَأَلَهُ هُوَ أَوَّلًا عَنْ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ هُنَا أَنْ لَا حُكْمَ عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ فِي بَابِ الصَّيْدِ مِنْ النِّهَايَةِ الْمَقَالَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّالِثَةِ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كُفْأَهُ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ كَالْكَافِرِ فَيَجِبُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً. (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُحَالًا لِذَاتِهِ أَيْ مُمْتَنِعًا عَادَةً وَعَقْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ، فَمِمَّا لَا يُجْدِي نَفْعًا بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عَنْ حُكْمٍ) سَلْبٌ كُلِّيٌّ وَهُوَ سَلْبُ سَلْبٍ فَيَرْجِعُ لِلْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ أَيْ لِلَّهِ كُلُّ وَاقِعَةٍ فِي حُكْمٍ. (قَوْلُهُ: مَا يُصَدَّقُ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ) مِنْ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ وَقَوْلُهُ: وَبِانْتِفَائِهِ يَعْنِي بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ: إمَامِهِ إلَخْ عِلَّةٌ لِكَوْنِ مُرَادِهِمَا مَا مَرَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمُ اللَّهِ لَا حُكْمَ أَيْ فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا وَقَوْلُهُ: لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عَنْ حُكْمٍ أَيْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ عِلْمِنَا بِالْأَحْكَامِ وَبَيْنَ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَتَّى نَنْفِيَ حُكْمَهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ عِنْدَ عَجْزِنَا عَنْ إدْرَاكِ الْحُكْمِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: حُكْمُ اللَّهِ هُنَا أَنْ لَا حُكْمَ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ لَا حُكْمَ عَارِضٌ لِلْحُكْمِ إذْ هُوَ انْتِفَاؤُهُ وَعَيْنُ الْحُكْمِ إذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِهُوَ هُوَ فِي قَوْلِهِ: الْحُكْمُ أَنْ لَا حُكْمَ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْحُكْمَ عَارِضٌ لِنَفْسِهِ وَمَعْرُوضٌ لَهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنَّ الشَّيْءَ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِزَاءِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: خَاصٌّ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُتَعَارَفُ وَالْآخَرُ عَامٌّ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ بِالْمَعْنَى. الثَّانِي: عَارِضًا لَهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. نَاصِرٌ. وَعَنِيَ بِقَوْلِهِ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا هُوَ مَا كَتَبَهُ عَلَى قَوْلِهِ مَا يُصَدَّقُ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ وَبِانْتِفَائِهِ هُوَ مَا يُدْرَكُ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْوَاقِعِ، وَهَذَا صَادِقٌ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ وَأَقْسَامِهِ وَبِثُبُوتِهَا وَانْتِفَائِهَا فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْمَحْكُومِ بِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْغَزَالِيَّ، وَهَذَا اسْتِظْهَارٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِالْحُكْمِ إلَخْ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ لَا اسْتِظْهَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فَهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا مِنْ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِ الْكُفُؤِ) قَدْ يُقَالُ بَلْ غَيْرُ الْكُفُؤِ الْمُحْتَرَمِ كَالْكُفُؤِ لِيُوَافِقَ مَا قَالُوا فِيمَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ وَخِيفَ مِنْهُ الْمَوْتُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَلْقَ غَيْرُ الْكُفُؤِ لِلْكُفُؤِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ السَّاقِطَ بَعْدَ سُقُوطِهِ مِفْطَارِ إلَى ارْتِكَابِ إحْدَى مَفْسَدَتَيْنِ فَأُمِرَ بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا بِخِلَافِ طَالِبِ الْإِلْقَاءِ، ثُمَّ لَيْسَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ بَلْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ إلَى تَرْكِهِ فَيَسْلَمُ مَنْ فِي السَّفِينَةِ أَوْ يَمُوتُ بِالْغَرَقِ شَهِيدًا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: أَخَفُّ مَفْسَدَةً) أَوْ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرُ الْكُفُؤِ حَرْبِيًّا أَوْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ السَّاقِطُ قَتْلَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ. [مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا] (قَوْلُهُ: يَجُوزُ التَّكْلِيفُ) أَيْ يَجُوزُ عَقْلًا تَعَلُّقُ الطَّلَبِ النَّفْسِيِّ بِإِيجَادِهِ كَغَيْرِهِ وَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ التَّكْلِيفُ الْمُحَالُ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ لِمُحَالِيَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالثَّانِي لِمُحَالِيَةِ التَّكْلِيفِ كَتَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ وَقَضِيَّةُ التَّغْبِيرِ بِالتَّكْلِيفِ اخْتِصَاصُ الْخِلَافِ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَبْعُدُ جَرَيَانُهُ فِي النَّدْبِ، وَهَلْ يَتَصَوَّرُ فِي الْحَرَامِ وَالْكَرَاهَةِ بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ تَرْكَ مَا يَسْتَحِيلُ تَرْكُهُ طَلَبًا جَازِمًا أَوْ غَيْرَ جَازِمٍ كَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْمُكْثِ تَحْتَ السَّمَاءِ فِيهِ تَوَقُّفٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْوُجُوبِ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ قِيلَ الْمُحَالُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُكَلَّفُ بِهِ فَالْمُحَالُ لَا يُكَلَّفُ بِهِ أَمَّا الْكُبْرَى فَلِأَنَّ عِلْمَ الْمُكَلَّفِ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ. وَأَمَّا الصُّغْرَى فَلِأَنَّ كُلَّ مُتَصَوَّرٍ مُتَمَيِّزٌ وَكُلُّ مُتَمَيِّزٍ ثَابِتٌ فَكُلُّ مُتَصَوِّرٍ ثَابِتٌ وَيَنْعَكِسُ بِعَكْسِ النَّقِيضِ إلَى قَوْلِنَا مَا لَا يَكُونُ ثَابِتًا لَا يَكُونُ مُتَصَوَّرًا وَالْمُعَارَضَةُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ امْتَنَعَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِحَالَةِ لَكِنْ نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهَا فَهُوَ مُتَصَوَّرٌ أَلَّا تُفِيدَ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْخَصْمِ لَيْسَ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ صُدُورَ الْمُحَالِ فِي الْخَارِجِ مُحَالٌ فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَنْعُ الْكُبْرَى بِإِنَّهَا مَحَلُّ النِّزَاعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُمْتَنِعًا عَادَةً وَعَقْلًا) أَقْسَامُ الْمُحَالِ أَرْبَعَةٌ: الْمُحَالُ لِذَاتِهِ وَهُوَ مَا امْتَنَعَ لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالْمُحَالُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا امْتَنَعَ لَا لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ فِي ذَاتِهِ وَنَفْسِ مَفْهُومِهِ وَتَحْتَهُ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ مَا امْتَنَعَ لِكَوْنِهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ لَا عَقْلًا وَلَا عَادَةً كَخَلْقِ الْأَجْسَامِ أَمَّا الِاسْتِحَالَةُ عَادَةً

كَالْجَمْعِ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَمْ لِغَيْرِهِ أَيْ مُمْتَنِعًا عَادَةً لَا عَقْلًا كَالْمَشْيِ مِنْ الزَّمَنِ وَالطَّيَرَانِ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ عَقْلًا لَا عَادَةً كَالْإِيمَانِ لِمَنْ عَلِمَ اللَّهَ، أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ (وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ) الْإسْفَرايِينِيّ (وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مَا) أَيْ الْمُحَالَ الَّذِي (لَيْسَ مُمْتَنِعًا لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ) أَيْ مَنَعُوا الْمُمْتَنِعَ لِغَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لِظُهُورِ امْتِنَاعِهِ لِلْمُكَلَّفَيْنِ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ مِنْهُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ اخْتِبَارُهُمْ هَلْ يَأْخُذُونَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ أَوَّلًا فَالْعِقَابُ أَمَّا الْمُمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ اتِّفَاقًا (وَ) مَنَعَ (مُعْتَزِلَةُ بَغْدَادَ وَالْآمِدِيُّ) الْمُحَالَ لِذَاتِهِ دُونَ الْمُحَالِ لِغَيْرِهِ. (وَ) مَنَعَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَوْنَهُ) أَيْ الْمُحَالِ يَعْنِي لِغَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ لِمَا سَبَقَ (مَطْلُوبًا) أَيْ مَنَعَ طَلَبَهُ مِنْ قِبَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا عَقْلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ خَلْقُهَا لَكَانَ الشَّرِيكُ جَائِزًا عَقْلًا كَذَا قَالُوا وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ أَوْ عَادَةٍ فَقَطْ كَالطَّيَرَانِ لِلسَّمَا أَوْ عَقْلًا لَا عَادَةً وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الشَّارِحِ مِنْ عِدَّةٍ مِنْ أَقْسَامِ الْمُحَالِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ وَالشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَلَعَلَّهُ أَدْرَجَ الْأَوَّلَ تَحْتَ الْمُمْتَنِعِ الذَّاتِيِّ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لِمُخَالِفَتِهِ الِاصْطِلَاحَ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِمَا امْتَنَعَ لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَقْلًا لَا عَادَةً) كَالْإِيمَانِ مِمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُحِيلُ إيمَانَهُ لِاسْتِلْزَامِهِ انْقِلَابَ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ جَهْلًا وَلَوْ سُئِلَ عَنْهُ أَهْلُ الْعَادَةِ لَمْ يُحِيلُوا إيمَانَهُ، كَذَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَجَمَاعَةٍ، وَاَلَّذِي قَالَ الْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُحَالِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ عَادَةً مُمْكِنٌ عَقْلًا وَلَا يَنْعَكِسُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ الْعَرَضِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ فَالِاسْتِحَالَةُ عَارِضَةٌ بِاعْتِبَارِ مُلَاحَظَةِ لُزُومِ انْقِلَابِ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ جَهْلًا، وَهَذَا مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ عَقْلِيٍّ لَا مَدْخَلَ لِلْعَادَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ فِيهَا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ دُونَ شَيْءٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَنَعُوا الْمُمْتَنِعَ لِغَيْرِ تَعَلُّقٍ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِظَاهِرِ الْمَتْنِ وَإِلَّا فَالْمَمْنُوعُ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ التَّكْلِيفُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ مِنْهُمْ) أَيْ لَا حِكْمَةَ فِيهِ وَأَفْعَالُهُ تَعَالَى لَا تَخْلُو عَنْ الْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِتَعْلِيلِ أَفْعَالِهِ تَعَالَى بِالْأَغْرَاضِ فَالْمُرَادُ بِالْفَائِدَةِ الْغَرَضُ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) هَذَا الْجَوَابُ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ أَيْ بَعْدَ تَسْلِيمِ لُزُومِ الْفَائِدَةِ وَإِلَّا فَقَدْ يُمْنَعُ لُزُومُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ عَلَى أَنَّنَا لَوْ سَلَّمْنَا فَلَا ظُهُورَهَا لَنَا. (قَوْلُهُ: هَلْ يَأْخُذُونَ) أَوْرَدَ أَنَّهُ كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ ظُهُورِ امْتِنَاعِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ تَجْوِيزًا لِخَرْقِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ خَرْقَ الْعَوَائِدِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُحَالِ الْعَقْلِيِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَاتِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ الرِّضَا وَتَوْطِينُ النَّفْسِ. (قَوْلُهُ: دُونَ الْمُحَالِ لِغَيْرِهِ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشَّرْحِ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحَالُ) لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إلَى الْمُحَالِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ جَرَى الشَّارِحُ أَوَّلًا عَلَى هَذَا الْمُتَبَادَرِ مُعَبِّرًا بِأَيْ لِتَبَادُرِهِ فَقَالَ أَيْ الْمُحَالُ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ الْمُحَالُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ تَعَلُّقٍ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمُرَادِ مُعَبِّرًا بِيَعْنِي لِخَفَائِهِ وَعَلَّلَ هَذِهِ الْعِنَايَةَ بِقَوْلِهِ لِمَا سَبَقَ أَيْ مِنْ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمُمْتَنِعِ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: مِنْ قِبَلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْعِ وَضَمِيرُ نَفْسِهِ يَعُودُ لِلْمُحَالِ أَيْ مَنْعُهُ مِنْ قِبَلِ

نَفْسِهِ أَيْ لِاسْتِحَالَتِهِ فَهِيَ عِنْدَهُ مَانِعَةٌ مِنْ طَلَبِهِ بِخِلَافِهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَاخْتَلَفَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَأْخَذًا لَا حُكْمًا (لَا وُرُودَ صِيغَةِ الطَّلَبِ) لَهُ لِغَيْرِ طَلَبِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْإِمَامُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] وَالْإِمَامُ رَدَّ بِمَا قَالَهُ فِيمَا نُسِبَ إلَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بِشِقَّيْهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَذَكَرَ الْإِمَامَ مَعَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَاتَتْهُ الْإِشَارَةُ إلَى اخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ الْمَقْصُودِ لَهُ (وَالْحَقُّ وُقُوعُ الْمُمْتَنِعِ بِالْغَيْرِ لَا بِالذَّاتِ) . أَمَّا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَ الثَّقَلَيْنِ بِالْإِيمَانِ وَقَالَ {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] فَامْتَنَعَ إيمَانُ أَكْثَرِهِمْ لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَذَلِكَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ أَيْ الْحُكْمُ بِالِامْتِنَاعِ كَائِنٌ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِطَلَبِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ الطَّلَبُ الْكَائِنُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي) أَيْ الْمَنْقُولِ عَنْ أَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ الْمَانِعَةَ مِنْ الطَّلَبِ بَلْ الْمَانِعُ مِنْ طَلَبِهِ عَدَمُ الْفَائِدَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] الْأَوْلَى التَّثْمِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِهَانَةِ لَا لِلتَّكْوِينِ وَالْآيَةُ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا الْأَمْرُ فِيهَا لِلتَّكْوِينِ، فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ كَانُوا هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا نَفَوْا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ عَنْ اللَّهِ جَعَلُوا هَذَا مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ رَدَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: نَقَلَ الرُّوَاةُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، ثُمَّ نَقَلُوا اخْتِلَافًا عَنْهُ فِي وُقُوعِ مَا جَوَّزَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا سُوءُ مَعْرِفَةٍ بِمَذْهَبِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى خِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَهَذَا يَتَقَرَّرُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْأَمْرَ بِالْفِعْلِ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَاقِعٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَبْدُ مُطَالَبٌ بِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ رَبِّهِ وَلَا يُنَجِّي مِنْ ذَلِكَ تَمْوِيهُ الْمُمَوِّهِ بِذِكْرِ الْكَسْبِ، فَإِنَّا سَنَذْكُرُ سِرَّ مَا نَعْتَقِدُهُ فِي خَلْقِ الْأَعْمَالِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ فِي تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ قُلْنَا: إنْ أُرِيدَ بِالتَّكْلِيفِ طَلَبُ الْفِعْلِ فَهُوَ فِيمَا لَا يُطَاقُ مُحَالٌ مِنْ الْعَالِمِ بِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وُرُودُ الصِّيغَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبًا كَقَوْلِهِ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ كَوْنُهُمْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَكَانُوا كَمَا أَرَدْنَاهُمْ اهـ. فَهَذَا الْكَلَامُ صَرِيحٌ كَمَا تَرَى فِي أَنَّ التَّرْدِيدَ هُوَ مُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ تَأْوِيلًا لِكَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ رَدَّدَ بِمَا قَالَهُ إلَخْ يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الْحَوَاشِي لِذَلِكَ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: فَحَكَاهُ) أَيْ حَكَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَقَوْلُهُ: بِشِقَّيْهِ الشِّقُّ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: كَوْنُهُ مَطْلُوبًا وَالثَّانِي وُرُودُ صِيغَةِ النَّهْيِ. (قَوْلُهُ: الْمَأْخَذِ) بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَالْمَقْصُودُ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِلْإِشَارَةِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْأَوَّلِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فِي مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ: فِي جَوَازِهِ عَقْلًا، وَقَدْ انْتَهَى. وَالثَّانِي: فِي وُقُوعِهِ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَحْكِيَّةٌ فِي الشَّرْحِ وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ مِنْهَا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ لَا بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ وَالْمُمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ قِسْمَانِ كَمَا مَرَّ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُتَّبَعُ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ وُقُوعَ

بِالثَّانِي فَلِلِاسْتِقْرَاءِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وُقُوعُهُ بِالثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِقَوْلِهِ مَثَلًا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] كَأَبِي جَهْلٍ وَلَهَبٍ وَغَيْرِهِمَا مُكَلَّفٌ فِي جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَيْ لَا يُصَدِّقُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِتَصْدِيقِهِ فِي خَبَرِهِ عَنْ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ وَفِي هَذَا التَّصْدِيقِ تَنَاقُضٌ حَيْثُ اشْتَمَلَ عَلَى إثْبَاتِ التَّصْدِيقِ فِي شَيْءٍ وَنَفْيِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكْلِيفِ بِهِ مَحَلُّ وِفَاقٍ فَمَوْضِعُ النِّزَاعِ هُوَ الْقِسْمُ الْآخَرُ أَعْنِي الْمُمْتَنِعَ عَادَةً لَا عَقْلًا، وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَوْضِعِ النِّزَاعِ قَالَهُ الْكَمَالُ. وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ قَدْ يَدُلُّ لَهُ مَا أَفْهَمَ دَلِيلُ وُقُوعِهِ بِالْمُمْتَنِعِ بِالذَّاتِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى وُقُوعِ الْمُمْتَنِعِ بِالذَّاتِ فَعَلَى وُقُوعِ الْمُمْتَنِعِ بِالْغَيْرِ بِالْأَوْلَى انْتَهَى وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ مُحَصِّلَ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ تَامِّ التَّقْرِيبِ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ خُرُوجٌ عَنْ سُنَنِ التَّوْجِيهِ، وَنَاقَشَهُ سم أَيْضًا بِمُنَاقَشَةٍ ضَعِيفَةٍ هِيَ أَيْضًا خَارِجَةٌ عَنْ قَانُونِ التَّوْجِيهِ وَمَا أَجَابَ بِهِ زَاعِمًا حُسْنَهُ بِأَنَّ الشَّارِحَ أَثْبَتَ بَعْضَ مُدَّعِي الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ وِفَاقٍ تَرَكَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ وَلَهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَخْدُوشٌ بِأَنَّ مَحَلَّ الْوِفَاقِ غَنِيٌّ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ، وَدَعْوَى أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَمَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ نَافِعٍ فِي جَوَابِ مَنْعِ التَّقْرِيبِ إخْبَارٌ بِغَيْرِ مَعْلُومٍ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ بِفَنِّ الْمُنَاظَرَةِ، وَتَعَرُّضُنَا لِبَيَانِهِ يَقْتَضِي بِنَا إلَى التَّطْوِيلِ هَذَا وَالْحَقُّ مَا أَفَادَهُ النَّاصِرُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْقِسْمِ الذَّاتِيِّ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَبِالْقِسْمِ الرَّابِعِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ اتِّفَاقًا وَبِالْقِسْمَيْنِ الْأَوْسَطَيْنِ جَائِزٌ غَيْرَ وَاقِعٍ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُصَنِّفِ عَلَى جَوَازِ الْجَمِيعِ وَوُقُوعِ غَيْرِ الذَّاتِيِّ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْقِسْمَيْنِ الْأَوْسَطَيْنِ مَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ لَا عَقْلًا وَلَا عَادَةً وَمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عَادَةً فَقَطْ الْكُورَانِيُّ وَجَعَلَهُمَا قِسْمًا وَاحِدًا فَقَالَ مُعْتَرِضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ: إنَّ قَوْلَهُ وَالْحَقُّ لَيْسَ بِحَقِّ؛ لِأَنَّ قِسْمًا مِنْ الْمُمْتَنِعِ بِالْغَيْرِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ مُتَعَلِّقَ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ أَصْلًا كَخَلْقِ الْأَجْسَامِ أَوْ عَادَةً كَالطَّيَرَانِ إلَى السَّمَاءِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُقُوعِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُمْكِنًا فِي ذَاتِهِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ النَّاصِرِ فَقَوْلُ سم أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مِنْ مِثْلِ الْكُورَانِيِّ مَعَ ضَعْفِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ مِمَّا لَا الْتِفَاتِ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ، وَالْمُنَاسِبُ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى الْكُورَانِيِّ أَنْ يَذْكُرَ نَقْلًا عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِ يُوَافِقُ الْمُصَنِّفَ وَإِلَّا فَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي تَكَرَّرَ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَثِيرًا لَا يُجْدِي نَفْعًا وَهَبْ أَنَّ الْكُورَانِيَّ ضَعِيفُ الِاطِّلَاعِ وَالْمُصَنِّفَ وَسِعَهُ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَطَّلِعَ الضَّعِيفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْقَوِيُّ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَحْجِيرٌ فِي مَوَاهِبِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَكَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي نَقْلٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ يُؤَيِّدُ اعْتِرَاضَ الْكُورَانِيِّ وَتَحْقِيقَ النَّاصِرِ (قَوْلُهُ: بِالثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلتَّكْلِيفِ، وَفِيهِ إعْمَالُ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ وَمَا الْحَرْبُ إلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُو ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ وَيُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ أَيْ مُلْتَبِسًا بِالثَّانِي أَوْ مُتَعَلِّقًا بِالثَّانِي. (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِقْرَاءِ) إنَّمَا اسْتَدَلَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي نَفْيِ وُقُوعِ الْجَائِزِ إذْ لَوْ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ عَقْلِيٌّ لَكَانَ مُمْتَنِعًا لَا جَائِزًا اهـ. نَاصِرٌ. قَالَ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالنَّاقِصُ لَا يُفِيدُ وَأَجَابَ الْجَارْبُرْدِيُّ بِأَنَّهُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَرَدَّهُ الْخُجَنْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةً، قَالَ: وَادَّعَى بَعْضٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَحِينَئِذٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْتِقْرَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الِاسْتِقْرَاءُ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَيْ الْمُقَابِلُ هُوَ وَالثَّالِثُ لِلْقَوْلِ وَالْحَقُّ وَقَوْلُهُ: أَيْضًا أَيْ كَمَا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُصَدِّقُ النَّبِيَّ فِي شَيْءٍ) حَمَلَهُ عَلَى السَّلْبِ الْكُلِّيِّ لِيَتَأَتَّى لَهُ دَعْوَى التَّنَاقُضِ. (قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا التَّصْدِيقِ) أَيْ تَصْدِيقِهِ فِي خَبَرِهِ عَنْ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ اشْتَمَلَ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ. (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ) وَهُوَ إخْبَارُهُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لَمْ يَقْصِدْ إبْلَاغَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُكَلَّفَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إبْلَاغَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَإِعْلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ لِيَيْأَسَ مِنْ إيمَانِهِ كَمَا قِيلَ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] فَتَكْلِيفُهُ بِالْإِيمَانِ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ وَالثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ عَدَمُ وُقُوعِهِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا فِي الْمُمْتَنِعِ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَالْمُمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِينَ ظَاهِرًا. (مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى (أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَنَفْيِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ) وَهُوَ مُتَعَلِّقُ إيمَانِهِ، وَهَذَا سَالِبُهُ كُلِّيَّةً وَهِيَ تَنَاقُضُ الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ الْعَضُدُ عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ بِأَنَّ تَصْدِيقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ وَمَا يَكُونُ وُجُودُهُ مُسْتَلْزِمًا لِعَدَمِهِ فَهُوَ مُحَالٌ وَبَيَّنَ التَّفْتَازَانِيُّ وَجْهَ الِاسْتِلْزَامِ بِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ بِالتَّصْدِيقِ فَقَدْ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ صَدَّقَهُ وَجَزَمَ بِذَلِكَ، وَهَذَا حُكْمٌ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا وَهُوَ مَعْنَى تَكْذِبِيهِ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْصِدْ إبْلَاغَهُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا كُلِّفَ بِالْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرَادَةِ تَبْلِيغِ الْمُخَاطَبِ وَبُلُوغِهِ مَا خُوطِبَ بِهِ اهـ. كَمَالٌ. وَيَلْزَمُ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ اخْتِلَافُ الْإِيمَانِ بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِينَ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى مِنْهَا إنَّمَا نَمْنَعُ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ وَنَحْوَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ أُمِرَ بِالْإِيمَانِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ سَبَقَ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِتَصْدِيقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَقَوْلُكُمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِأَنْ يُصَدِّقَ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ إنْ أَرَدْتُمْ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِالتَّصْدِيقِ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ عَلَى التَّعْيِينِ وَالْمُشَافَهَةِ لَهُ بِأَنْ يُخَاطَبَ أَنْ آمِنْ بِأَنَّك لَا تُؤْمِنُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِذَلِكَ التَّعْيِينِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْإِجْمَالِيِّ بِالِانْدِرَاجِ فِي التَّصْدِيقِ الْكُلِّيِّ بِحَقِيقَةِ جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُؤْمِنَ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كُلِّفَ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ كَمَا إذَا صَدَّقَ زَيْدٌ عَمْرًا فِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا لَا يُصَدِّقُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ زَيْدٌ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ كَانَ زَيْدٌ مُصَدِّقًا لَهُ فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ أَيْضًا تَصْدِيقًا انْدِرَاجِيًّا لَا تَفْصِيلِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مُصَدِّقًا لَهُ حَتَّى يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: دَفْعًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَقْصِدْ وَقَوْلُهُ: لِلتَّنَاقُضِ أَيْ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ لِنُوحٍ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَصْدُ إعْلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ الْقَوْمِ أَظْهَرُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ جُعِلَ مُشَبَّهًا بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ أَيْ لَا مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ هَذَا الْقَبِيلِ. (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ) صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِقِسْمَيْ الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي

[مسألة حصول الشرط الشرعي ليس شرطا في صحة التكليف بمشروطه]

حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ) بِمَشْرُوطِهِ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِالْمَشْرُوطِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَمْتِثَالُهُ لَوْ وَقَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُمْتَنِعِ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَبِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِلْعَادَةِ كَالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ الْوُقُوعِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَبِهِ تَعْلَمُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّاصِرِ وَالْكُورَانِيِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا) تَمْيِيزًا وَظَرْفَ زَمَانٍ أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِينَ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: التَّكْلِيفُ لِلْعَبْدِ بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ اللَّهُ وُقُوعَهُ كَانَ وَاجِبًا، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ وُقُوعِهِ كَانَ مُحَالًا وَكِلَاهُمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الِاسْتِحَالَةَ وَالْوُجُوبَ الْعَرْضِيَّانِ لَا يُنَافِي الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ. [مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ] (قَوْلُهُ: حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُ السَّبَبَ كَمَا يَتَنَاوَلُهُ الْمَقْدُورُ فِي قَوْلِهِ سَابِقًا الْمَقْدُورُ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَالْمُرَادُ شَرْطُ صِحَّةِ الْمَشْرُوطِ لَا شَرْطُ وُجُوبِهِ أَوْ وُجُوبِ أَدَائِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْأَوَّلِ كَحَوَلَانِ الْحَوْلِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرَيْنِ وَالثَّانِي كَوُجُودِ الْمُسْتَحَقِّينَ بِالْبَلَدِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالثَّانِي وَخَرَجَ بِالشَّرْعِيِّ اللُّغَوِيُّ كَإِنْ دَخَلْت الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ وَالْعَادِيُّ كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِغَسْلِ الْوَجْهِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْأَوَّلِينَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ اتِّفَاقًا وَحُصُولُ الثَّالِثِ لَيْسَ شَرْطًا اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ) أَيْ فِي جَوَازِهِ عَقْلًا وَمُرَادُهُ بِالتَّكْلِيفِ مَا يَشْمَلُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ثُمَّ أَنَّ مَا هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ فِي اعْتِمَادِ قَوْلِهِمْ وَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا دُونَ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ) أَيْ عَقْلًا التَّكْلِيفُ بِالْمَشْرُوطِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ كَتَكْلِيفِ الْكَافِرِ حَالَ كُفْرِهِ بِالصَّلَاةِ وَالْمُحْدِثِ حَالَ حَدَثِهِ بِهَا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) نَفْيٌ لِقَوْلِهِ هُوَ شَرْطٌ فِيهَا أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ شَرْطًا فِيهَا إلَخْ لَا لِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى هَكَذَا وَلَا تَنْتَفِي صِحَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ صَحِيحًا إلَخْ؛ لِأَنَّ لُزُومَ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ لِلشَّرْطِ ضَرُورِيٌّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اسْتِدْلَالٍ، وَتَقْرِيرُ الدَّلِيلِ هَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ لَمْ يُمْكِنْ امْتِثَالُ التَّكْلِيفِ لَوْ وَقَعَ حَالَ عَدَمِ

وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِ أَمْتِثَالِهِ بِأَنْ يُؤْتِيَ بِالْمَشْرُوطِ بَعْدَ الشَّرْطِ وَقَدْ وَقَعَ وَعَلَى الصِّحَّةِ وَالْوُقُوعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الشَّرْطِ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ يَعْنِي مِنْ الْأَكْثَرِ هُنَا (وَهِيَ) أَيْ الْمَسْأَلَةُ (مَفْرُوضَةٌ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (فِي تَكْلِيفِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ) أَيْ هَلْ يَصِحُّ تَكْلِيفُهُ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ وَاللَّازِمُ مُمْتَنِعٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَالْمُلَازَمَةُ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) حَاصِلُ الْجَوَابِ مِنْهُ الْمُلَازَمَةُ بِإِثْبَاتِ إمْكَانِ الِامْتِثَالِ قَوْلُكُمْ فَلَا يُمْكِنُ امْتِثَالُهُ إنْ أُرِيدَ حَالًا فَمُسَلَّمٌ لَا يَضُرُّنَا إذَا كَانَ الِامْتِثَالُ يَتَحَقَّقُ وَلَوْ مَعَ التَّرَاخِي، وَإِنْ أُرِيدَ مَعَ التَّرَاخِي فَمَمْنُوعٌ لِإِمْكَانِ أَنْ يُؤْتَى بِالْمَشْرُوطِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّرْطِ وَيَصِحُّ الْجَوَابُ أَيْضًا بِمَنْعِ بُطْلَانِ اللَّازِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِهِ فَحِينَئِذٍ تَسْلَمُ الْمُلَازَمَةُ وَيَمْنَعُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ وَالشَّارِحُ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ لِأَقْوَمِيَّتِهِ إذْ مَنْعُ بُطْلَانِ اللَّازِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِأَنْ لَا يَرَاهُ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُؤْتَى بِالْمَشْرُوطِ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ بَعْدَ إيقَاعِ الشَّرْطِ فَحَالُ عَدَمِ الشَّرْطِ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ وَحَالُ وُجُودِ الشَّرْطِ ظَرْفُ إيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ) أَيْ وَالْوُقُوعُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَهَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ تَتْمِيمٌ لِلدَّلِيلِ كَالتَّأْكِيدِ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَقَامَيْنِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَتْنِ الْأَوَّلِ صِحَّةُ التَّكْلِيفِ بِمَا ذَكَر عَقْلًا الثَّانِي وُقُوعُهُ اهـ. وَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا فِي خُصُوصِ تَكْلِيفِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ وَقَوْلَ الشَّارِحِ فِي مُطْلَقِ التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الصِّحَّةِ وَالْوُقُوعِ) أَيْ وَيَبْنِي إلَخْ يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُطْلَقَ يَجِبُ شَرْطُهُ بِوُجُوبِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَا ذُكِرَ وَوُقُوعُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَإِنَّ أَكْثَرَ الْقَائِلِينَ بِالثَّانِي قَائِلٌ بِالْأَوَّلِ فَالْأَكْثَرُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ بَعْضٌ مِنْ الْأَكْثَرِينَ فِي عِبَارَتِهِ هُنَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَوَجْهُ هَذَا الْبِنَاءِ أَنَّهُ إذَا كَانَ وُجُوبُ الشَّرْطِ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ كَانَ مُقَارِنًا لَهُ فِي الزَّمَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ عَنْ وُجُوبِهِ فَيَلْزَمُ تَأَخُّرُهُ عَنْ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْمُقَارِنِ لِشَيْءٍ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَيْضًا، وَإِذَا تَأَخَّرَ وُجُودُ الشَّرْطِ عَنْ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ كَانَ وُجُوبُ الْمَشْرُوطِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِالْمَشْرُوطِ قَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي مِنْ الْأَكْثَرِ هُنَا) لَعَلَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى عِلْمِهِ مِنْ خَارِجٍ وَإِلَّا فَهُوَ فِي حَدِّ نَفْسِهِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرُ هُنَاكَ هُوَ الْأَكْثَرُ هُنَا فَيَكُونُ مُقَابِلُ الْأَكْثَرِ هُنَاكَ هُوَ مُقَابِلُهُمْ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فِيهَا أَمْرٌ كُلِّيٌّ كَمَا عُلِمَ مِنْ صَدْرِهَا لَكِنَّهُمْ فَرَضُوا الْكَلَامَ فِي جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ لِيَقَعَ النَّظَرُ فِيهِ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ مَعَ ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِي جُزْئِيٍّ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ، وَمِنْهَا تَكْلِيفُ الْمُحْدِثِ بِالصَّلَاةِ فَفِيهِ النِّزَاعُ كَمَا نَقَلَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَهُوَ بِالْأُصُولِ أُقْعَدُ، وَإِنْ نَازَعَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا: إنَّ الْمُحْدِثَ مُكَلَّفٌ بِالصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ بِمَعْنَى وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِهَا وَبِالطَّهَارَةِ قَبْلَهَا وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا الْخِلَافَ السَّابِقَ فِي ذَلِكَ وَمَا قَالُوهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْعَضُدِ وَغَيْرِهِ

مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهَا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ الْإِيمَانِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى صِحَّتِهِ وَيُمْكِنُ امْتِثَالُهُ بِأَنْ يُؤْتِيَ بِهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ (وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ) أَيْضًا فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ أَمْتِثَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِالْإِيمَانِ تَرْغِيبًا فِيهِ قَالَ تَعَالَى {يَتَسَاءَلُونَ} [المدثر: 40] {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} [المدثر: 41] {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7] {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] الْآيَةَ وَتَفْسِيرُ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهَا شِعَارُهُ وَالزَّكَاةُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ لِأَفْرَادِهِ بِالشِّرْكِ فَقَطْ كَمَا قِيلَ خِلَافُ الظَّاهِرِ (خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهَا (مُطْلَقًا) إذْ الْمَأْمُورَاتُ مِنْهَا لَا يُمْكِنُ مَعَ الْكُفْرِ فِعْلُهَا وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِقَضَائِهَا، وَالْمَنْهِيَّاتُ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا حَذَرًا مِنْ تَبْعِيضِ التَّكْلِيفِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَافَقُونَا (وَ) خِلَافًا (لِقَوْمٍ فِي الْأَوَامِرِ فَقَطْ) فَقَالُوا: لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ النَّوَاهِي لِإِمْكَانِ امْتِثَالِهَا مَعَ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهَا مَتْرُوكٌ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْإِيمَانِ (وَ) خِلَافًا (لِآخَرِينَ فِيمَنْ عَدَا الْمُرْتَدَّ) أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَوَافَقُوا عَلَى تَكْلِيفِهِ بِاسْتِمْرَارِ تَكْلِيفِ الْإِسْلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ وَنَحْوَهَا كَالتَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ وَبِالتَّكْبِيرِ قَبْلَ النِّيَّةِ فِيهِمَا. وَفِي الْبُرْهَانِ قَدْ نَقَلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ الْمُحْدِثُ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ حَدَثُهُ دَهْرَهُ لَقَى اللَّهَ تَعَالَى غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِصَلَاةٍ فِي عُمْرِهِ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فَإِنْ أَرَادَ الرَّجُلُ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ الْحَقُّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ لِتَرْكِهِ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا فَقَدْ خَرَقَ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ وَيَعْنِي بِمَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ: قَبْلَ هَذَا النَّقْلِ أَنَّ الْمُحْدِثَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُطْلَبَ بِإِنْشَاءِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ: مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهَا فِي الْجُمْلَةِ) لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْعِبَادَاتِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْإِيمَانِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ فَرْعٍ فُرِّعَ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَرْجِعُ فِي التَّحْقِيقِ إلَى تَقْيِيدِ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِبَعْضِ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْعِبَادَاتُ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لَا غَيْرَهَا مِنْ الْفُرُوعِ كَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ وَالْمُبَاحَاتِ وَالتُّرُوكِ أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمَّا كَانَ شَرْطًا فِي الشَّرْطِ وَهُوَ النِّيَّةُ كَانَ شَرْطًا فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ) أَيْ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفِعْلِ بِهَا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِهَا مِنْ الْإِيمَانِ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ مُطَالَبٌ بِالْإِتْيَانِ بِهَا حَالَةَ كُفْرِهِ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِ بِشَرْطِ صِحَّتِهَا وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ: إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى مُسْلِمٌ فَلَا مُنَافَاةَ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ الصِّحَّةُ أَيْ الْجَوَازُ. (قَوْلُهُ: فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ امْتِثَالِهِ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَائِدَةِ الْخِلَافِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَكْلِيفِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي حَالَةَ الْكُفْرِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْوُقُوعِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْآيَاتِ الْآمِرَةَ بِالْعِبَادَةِ تَتَنَاوَلُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] فَيَجِبُ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ بِالْفُرُوعِ لِلْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ إذْ لَا مَانِعَ يُفْرَضُ هُنَاكَ إلَّا الْكُفْرُ، وَالْكُفْرُ غَيْرُ مَانِعٍ لِإِمْكَانِ إزَالَتِهِ كَالْحَدَثِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَانِعًا مُمْكِنَ الزَّوَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ إرَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ النَّاسِ لَا الْجِنْسِ وَلَوْ سَلَّمَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاعْبُدُوا آمِنُوا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُفَّارِ عَلَى مَا قِيلَ: إنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَمْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالطَّاعَةِ وَالْكَافِرِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْمُنَافِقِينَ بِالْإِخْلَاصِ أَوْ نَقُولُ عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِ الْعُمُومِ فِي كَلِمَةِ النَّاسِ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ إجْمَاعًا فَخَصَّ الْكَافِرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْعِبَادَةِ مَعَ الْكُفْرِ وَلَا إيجَابُ الْإِيمَانِ لِإِيجَابِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لَكِنَّ الْإِيمَانَ أَصْلُ الْعِبَادَةِ فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمُقْتَضَى. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ تَفْسِيرُ لَفْظِ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ: خِلَافُ الظَّاهِرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ حَمْلُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا الشَّرْعِيَّتَيْنِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ جَمِيعُهُ لِيَكُونَ الْوَعِيدُ عَلَى الْقَتْلِ وَالزِّنَا مَذْكُورًا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: إذْ الْمَأْمُورَاتُ مِنْهَا) أَيْ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّكْلِيفِ بِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُهَا مَعَ الْكُفْرِ يُمْكِنُ بَعْدَ

(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (وَالْخِلَافُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ) مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِتْيَانِ بِالشَّرْطِ وَبِأَنَّ نَفْيَ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَهَا فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ الْعَذَابُ عَلَيْهَا فَفَائِدَةُ التَّكْلِيفِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الِامْتِثَالِ، وَلِعِلْمِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَابِقًا مِنْ قَوْلِهِ وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِ امْتِثَالِهِ وَقَوْلُهُ: فَيُعَاقَبُ إلَخْ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِمَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الشِّقِّ الثَّانِي فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِمْ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ لَا يُتَنَجَّزُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ الشَّرْطِ وَلَكِنْ إذَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ مَا يَسَعُ الشَّرْطَ وَالْمَشْرُوطَ وَالْأَوَائِلَ وَالْأَوَاخِرَ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُعَاقَبَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى حُكْمِ التَّكْلِيفِ مُعَاقَبَةَ مَنْ خَالَفَ أَمْرًا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ نَاجِزًا وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ قَاطِعُ الْعَقْلِ بِالْفَسَادِ وَمَنْ جَوَّزَ تَنْجِيزَ الْخِطَابِ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُقُوعِ الشَّرْطِ فَقَدْ سَوَّغَ وُقُوعَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مَأْمُورُونَ بِالْتِزَامِ الشَّرَائِعِ جُمْلَةً وَالْقِيَامِ بِمَعَالِمِهِ تَفْصِيلًا وَمَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ وُجُوبِ الْمُتَوَصَّلِ إلَيْهِ فَقَدْ جَحَدَ أَمْرًا مَعْلُومًا، فَإِنْ قِيلَ: أَتَقْطَعُونَ بِأَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى تَرْكِ فُرُوعِ الشَّرْعِ قُلْنَا: أَجَلْ، وَالْمُوَصِّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قَطْعًا وُجُوبُ التَّوَصُّلِ وَثَبَتَ أَنَّ تَارِكَ الْوَاجِبِ مُتَوَعَّدٌ بِالْعِقَابِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَرَّرَ فِي أَصْلِ الدِّينِ وَمُسْتَفِيضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْفُو عَنْ الْكُفَّارِ اهـ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خَاطَبَ اللَّهُ الْعَاصِيَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ شَقِيٌّ لَا يُطِيعُهُ؟ قُلْنَا: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْخِطَابَ لَهُ لَيْسَ طَلَبًا حَقِيقَةً بَلْ عَلَامَةٌ عَلَى شَقَاوَتِهِ وَتَعْذِيبِهِ. (قَوْلُهُ: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) اعْتَرَضَهُ الْكُورَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ أَنَّ مَا لَهُ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ هَلْ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا لَا خِطَابَ تَكْلِيفٍ فِيهِ لَا صَرِيحًا وَلَا ضِمْنًا خَارِجٌ عَنْ الْبَحْثِ وَمَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَنَحْوُ الْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَاتِ وَتَرَتُّبُ آثَارِ الْعُقُودِ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ التَّكْلِيفِ مَا كَانَ صَرِيحًا فَلَا يَشْمَلُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ الْوَضْعِ فَنَبَّهَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْخِلَافِ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ الصَّرِيحِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالتَّكْلِيفِ بَلْ مِثْلُهُ بَعْضُ أَقْسَامِ الْوَضْعِ فَتَحْتَ مَا قَالَهُ طَائِلٌ أَيْ طَائِلٌ اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ وَالِدِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ تَبِعَهُ عَلَيْهِ الْبِرْمَاوِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ شَيْخُهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي الْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَةِ قَالَ: بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ. (قَوْلُهُ: فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ) هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْخِطَابُ بِالْجِهَادِ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ بِي فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الَّتِي لَا أَسْتَحْضِرُهَا الْآنَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا عَدَا الْجِهَادِ، وَأَمَّا الْجِهَادُ فَلَا لِامْتِنَاعِ قِتَالِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ اهـ. قَالَ سم وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّوْجِيهُ لَا يَجْرِي فِي تَكْلِيفِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِقِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَلَا فِي تَكْلِيفِ بَعْضِ الْحَرْبِيِّينَ بِقِتَالِ بَعْضٍ اهـ. وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجَّحٍ، وَإِنْ كَانَ مُبْهَمًا كَانَ مِنْ قَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفِي كَوْنِ الْجِهَادِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْكُفَّارِ تَوَقُّفٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ) يَخْرُجُ النَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ أَوَّلًا بِالتَّكْلِيفِ وَقَالَ: إنَّ الْفَائِدَةَ هِيَ الْعِقَابُ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ شَامِلَةٌ لِلْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْمِنْهَاجِ وَالظَّاهِرُ الْإِبَاحَةُ فِيمَا هُوَ مُبَاحٌ قَالَ وَالِدِي: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ إقْدَامَهُمْ عَلَى الْمُبَاحِ وَهُمْ غَيْرُ مُسْتَنِدِينَ إلَى الشَّرْعِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعُهُ حَرَامٌ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُمْ آثِمُونَ عَلَى جُمْلَةِ أَفْعَالِهِمْ، وَهَذَا الْبَحْثُ عَامٌّ فِي الْكِتَابِيِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ قَالَ: وَالِدِي وَهُوَ مِمَّا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَفِيهِ

(وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ الْوَضْعِ) كَكَوْنِ الطَّلَاقِ سَبَبًا لِحُرْمَةِ الزَّوْجَةِ فَالْخَصْمُ يُخَالِفُ فِي سَبَبِيَّتِهِ (لَا) مَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ نَحْوَ (الْإِتْلَافِ) لِلْمَالِ (وَالْجِنَايَاتِ) عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَسْبَابٌ لِلضَّمَانِ (وَتَرَتُّبُ آثَارِ الْعُقُودِ) الصَّحِيحَةِ كَمِلْكِ الْمَبِيعِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِوَضِ فِي الذِّمَّةِ فَالْكَافِرُ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ اتِّفَاقًا، نَعَمْ الْحَرْبِيُّ لَا يَضْمَنُ مُتْلِفَهُ وَمُجْنِيَهُ وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمُسْلِمَ وَمَالَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَرَدَّ بِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ ضَمَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدِي تَوَقُّفٌ وَلَا يُنَافِي الْقَوْلُ بِهِ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْمَقْصُودُ عِقَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ اهـ. قَالَ سم وَمَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُلَاحَظَ مَعَهُ مَا يَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَنَّ أَصْلَ الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ وَالْمَضَارَّ التَّحْرِيمُ وَمَا قَرَّرُوهُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ» وَمَا بَيَّنُوهُ مِنْ أَقْسَامِ تِلْكَ الْمُشْتَبِهَاتِ إذْ الْكُفَّارُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفُرُوعِ حُكْمُهُمْ فِيمَا ذَكَرَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ الْوَضْعِ) بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَلَّقُهُ سَبَبًا لِخِطَابِ التَّكْلِيفِ أَوْ شَرْطًا لَهُ أَوْ مَانِعًا وَرُجُوعُهُ إلَيْهِ بِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِالِاعْتِبَارِ إذْ الْخِطَابُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ لِتَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ هُوَ الْخِطَابُ بِتَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ اهـ. نَاصِرٌ. قَالَ سم هَذَا يَقْتَضِي حَمْلَ الْوَضْعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْخِطَابُ الْمَخْصُوصُ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ كَكَوْنِ الطَّلَاقِ سَبَبًا لِحُرْمَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ كَالْخِطَابِ يَكُونُ الطَّلَاقُ سَبَبًا لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ حَمْلُ الْوَضْعِ هُنَا عَلَى مُتَعَلِّقِهِ مَجَازًا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ عَلَى مُتَعَلَّقِهِ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْوَضْعِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَكَوْنِ الطَّلَاقِ إلَخْ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِهِ. فَإِنْ قُلْت: رُجُوعُهُ إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَطَّرِدُ إذْ الْخِطَابُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَا يَرْجِعُ إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ إذْ مَرْجِعُهُ الْخِطَابُ بِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوُضُوءِ وَلَيْسَ هَذَا خِطَابُ تَكْلِيفٍ. قُلْت: لَا يَضُرُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُدَّعَى أَنَّ كُلَّ وَضْعٍ يَرْجِعُ إلَى التَّكْلِيفِ بَلْ أَنَّ مَا يَرْجِعُ مِنْهُ إلَيْهِ لَهُ حُكْمُهُ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى تَفْسِيرِ الرُّجُوعِ بِمَا ذَكَرَهُ بَلْ يَكْفِي تَفْسِيرُهُ بِتَعَلُّقِهِ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ لَا مَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ سَبَبًا لِغَيْرِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ كَالْخِطَابِ بِكَوْنِ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: لَا مَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ) وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّ لَهَا جِهَتَيْنِ كَوْنُهَا أَسْبَابًا لِلضَّمَانِ أَيْ شَغْلُ النِّيَّةِ بِهِ وَالتَّمْثِيلُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أَسْبَابًا لِوُجُوبِ أَدَاءِ بَدَلِ الْمُتْلَفِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ) تَعْلِيلِيَّةٌ وَدَفَعَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ مَا يُقَالُ: إنَّ الْإِتْلَافَاتِ وَالْجِنَايَاتِ أَسْبَابٌ لِوُجُوبِ أَدَاءِ بَدَلِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ فَقَدْ رَجَعْت أَيْضًا إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَلَمْ يَصِحَّ. (قَوْلُهُ: وَتَرَتُّبُ آثَارِ الْعُقُودِ) مِثَالٌ لِلْوَضْعِ الْغَيْرِ الرَّاجِعِ وَفِي كَوْنِهِ مِنْ الْوَاضِعِ أَوْ مُتَعَلِّقِهِ نَظَرٌ إذْ التَّرْتِيبُ مُسَبَّبٌ عَنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ الَّتِي هِيَ مُتَعَلِّقُ الْوَضْعِ قَالَهُ النَّاصِرُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُفَادَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّرَتُّبَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْوَضْعِ الَّذِي مُتَعَلِّقُهُ سَبَبٌ لِغَيْرِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَضْعِ وَلَا مِنْ مُتَعَلَّقِهِ وَلَا هُوَ سَبَبٌ أَصْلًا لِشَيْءٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُتَعَلَّقَ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الْعَقْدِ صَحِيحًا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ التَّرَتُّبَ الْمَذْكُورَ مُسَبَّبٌ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلًا وَالْمُرَادُ كَوْنُ الْعُقُودِ صَحِيحَةً تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارُهَا وَمَعْنَاهُ كَوْنُهَا سَبَبًا لِآثَارِهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّرَتُّبِ يُفِيدُ السَّبَبِيَّةَ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى عُمُومِ الْكَافِرِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمُسْلِمُ إلَخْ) نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ أَتْلَفَ لَهُ مَالًا، ثُمَّ أَسْلَمَ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا قُلْنَا بِخِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ وَحَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ عَنْهُ فِيمَا إذَا صَارَ ذِمِّيًّا قَالَهُ الْكَمَالُ. وَفِي الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ حِكَايَةٌ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا جَنَى عَلَى مُسْلِمٍ، ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى رَقَبَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ إلَخْ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ

[مسألة لا تكليف إلا بفعل]

(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) : وَبِهِ ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرْبِيَّ يَضْمَنُ مُتْلِفَهُ وَمُجْنِيَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ وَنَقَلُوا وَجْهَيْنِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَخَلَ الْكَافِرُ الْحَرَمَ وَقَتَلَ صَيْدًا هَلْ يَضْمَنُهُ؟ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يُفْهِمُ قُوَّةُ كَلَامِ الْفُرُوعِ عَدَمَ ضَمَانِ الْحَرْبِيِّ وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. [مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ] (قَوْلُهُ: لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) أَيْ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ لَا الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا هُوَ بِالْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّكَالِيفِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْصِيلِهِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَأَوْرَدَ سم أَنَّ مَا هُنَا مُنَافٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ تَجْوِيزِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ نَفْيُ الْجَوَازِ أَيْ لَا يَجُوزُ التَّكْلِيفُ إلَّا بِالْفِعْلِ نَافَى جَوَازَ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، وَإِنْ أُرِيدَ لَا يَصِحُّ نَافَى قَوْلَهُمْ وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ جَارِيَةً عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي مِنْ النُّقُولِ وَنِسْبَتِهِ لِأَهْلِ الصَّحِيحِ مَعَ لُزُومِ التَّلْفِيقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَالْأَوْلَى أَنَّنَا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَالْمُمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ فِعْلًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لَا وُرُودَ لَهُ أَصْلًا نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ اتَّجَهَ مَا أَوْرَدَهُ وَمَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ الِاعْتِقَادَاتِ مُكَلَّفٌ بِهَا بِاعْتِبَارِ أَنْفُسِهَا لَا بِاعْتِبَارِ أَسْبَابِهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْكَيْفِ مُتَّجَهٌ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ نَفْسَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ سم بِأَنَّ مِنْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ لَا يُوَافِقُ عَلَى التَّصْحِيحِ الْمَذْكُورِ بَلْ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ نَقْلًا عَنْ التَّفْتَازَانِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ بِطَلَبِ الْمُسَبَّبَاتِ الْأَسْبَابُ اهـ. لَا يُلَاقِي اعْتِرَاضَ النَّاصِرِ، فَإِنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ لِلنَّفْسِ الِاعْتِقَادُ إلَّا بِالنَّظَرِ الْمُوَصِّلِ إلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: إنَّ التَّكْلِيفَ بِالنَّظَرِ الْمُوجِبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ عَنْهُ فَالْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ تَعَلَّقَ فِي الظَّاهِرِ بِالْمُسَبَّبِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ بِالتَّأْوِيلِ إلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُسَبِّبِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَالْأَحْسَنُ الْمَصِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ السَّيَالَكُوتِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَيَالِيِّ عَنْ الْمَوْلَى سَعْدِ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي رِسَالَةٍ مُؤَلَّفَةٍ فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَأْمُورِ اخْتِيَارِيًّا وَمَقْدُورًا أَنْ يَكُونَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ عَلَى مَا سَبَقَ إلَى بَعْضِ الْأَوْهَامِ بَلْ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ بِتَحْصِيلِهِ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْأَوْضَاعِ وَالْهَيْئَاتِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَوْ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ كَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ أَوْ الِانْفِعَالَاتِ كَالتَّسَخُّنِ وَالتَّبَرُّدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا نَظَرْت لِكَثِيرِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَجَدْته بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِلْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَالْأَلْفَاظُ وَالْحُرُوفُ مِنْ أَجْزَائِهَا وَلَا يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِهَا وَأَجْزَائِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يَكُونُ الْوَاجِبُ الْمَقْدُورُ الْمُثَابُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ إلَّا نَفْسُ تِلْكَ الْهَيْئَةِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت فَرَأْسُ الطَّاعَاتِ وَأَسَاسُ الْعِبَادَاتِ الْإِيمَانُ الْمُفَسَّرُ بِالتَّصْدِيقِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ دُونَ الْفِعْلِ وَمَعْنَى كَوْنِ الْإِيمَانِ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ، وَأَوْرَدَ أَيْضًا عَدَمَ شُمُولِ أَمْرِ النَّدْبِ وَنَهْيِ الْكَرَاهَةِ وَالتَّخْيِيرِ، فَإِنَّ لَفْظَ التَّكْلِيفِ لَا يَشْمَلُهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ فِيهَا عَلَى الْمُقَايَسَةِ وَالْعِلْمِ مِنْ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرِ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نَحْوِ اُتْرُكْ وَدَعْ وَذَرْ وَأَجَابَ سم بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ الظُّهُورُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ وَاقِعٌ حَتَّى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ الظُّهُورُ فِي غَيْرِ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ بِقَرِينَةِ الْمَتْنِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي شَرْحِ حَدِّ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ كَفٍّ مَا نَصُّهُ وَسُمِّيَ مَدْلُولُ كَفٍّ أَمْرًا؛ لِأَنَّهُمَا مُوَافِقَةٌ لِلدَّالِ

لِأَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلْفِعْلِ وَأَمَّا فِي النَّهْيِ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ) أَيْ الِانْتِهَاءُ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) أَيْ وَالِدِهِ وَذَلِكَ فِعْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْمِهِ، فَإِنَّ فِيهِ إشْعَارًا بِمُوَافَقَتِهِ فِي الْمَعْنَى لِلنَّهْيِ فَيُوَجَّهُ هَذَا الْقِسْمُ هُنَا بِمَا يُوَجَّهُ بِهِ النَّهْيُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي النَّهْيِ) أَيْ، وَأَمَّا الْفِعْلُ فِي النَّهْيِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: الْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ، التَّرْكُ لُغَةً عَدَمُ فِعْلِ الْمُقَدَّرِ) سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ قَصْدٌ مِنْ التَّارِكِ أَمْ لَا كَمَا فِي حَالِ الْغَفْلَةِ وَالنَّوْمِ وَسَوَاءٌ تَعَرَّضَ لِضِدِّهِ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ، وَأَمَّا عَدَمُ مَا لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ فَلَا يُسَمَّى تَرْكًا، وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ: تَرَكَ فُلَانٌ خَلْقَ الْأَجْسَامِ نَقَلَهُ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ وَذَكَرَ لَهُ مَعَانٍ أُخَرَ. (قَوْلُهُ: أَيْ الِانْتِهَاءُ) لَا يُقَالُ: الِانْتِهَاءُ الِانْكِفَافُ وَهُوَ أَثَرُ الْكَفِّ لَا نَفْسُ الْكَفِّ فَلَا يَحْسُنُ تَفْسِيرُهُ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: الِانْتِهَاءُ أَثَرُ النَّهْيِ لَا أَثَرُ الْكَفِّ يُقَالُ: نَهَاهُ فَانْتَهَى وَمَنْ نُهِيَ عَنْ شَيْءٍ فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ فَقَدْ انْتَهَى بِذَلِكَ النَّهْيِ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَفَّ هُوَ الِانْتِهَاءُ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) حَيْثُ قَالَ: الْمَطْلُوبُ بِالنَّهْيِ الِانْتِهَاءُ وَيَلْزَمُ مِنْ الِانْتِهَاءِ فِعْلُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا يَنْعَكِسُ فَيُقَالُ الْمَطْلُوبُ فِعْلُ الضِّدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الِانْتِهَاءُ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ مُتَقَدِّمٌ فِي الرُّتْبَةِ فِي التَّعَقُّلِ عَلَى فِعْلِ الضِّدِّ، وَإِنْ قَارَنَهُ فِي الزَّمَنِ فَهُوَ مَعَهُ كَالسَّبَبِ مَعَ الْمُسَبَّبِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الِانْتِهَاءَ يَحْصُلُ بِدُونِ فِعْلِ الضِّدِّ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ وَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى فِعْلِ الضِّدِّ لَكِنْ ذَلِكَ فَرْضٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ هُوَ الِانْتِهَاءُ. وَأَمَّا فِعْلُ الضِّدِّ فَلَا يُقْصَدُ إلَّا بِالِالْتِزَامِ بَلْ لَا يُقْصَدُ أَصْلًا وَلَا يَسْتَحْضِرُهُ الْمُتَكَلِّمُ وَمَتَى قَصَدَ فِعْلَ الضِّدِّ بِالذَّاتِ وَطَلَبَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَانَ أَمْرًا لَا نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ فَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ الْتِزَامًا صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ: الْمَطْلُوبُ بِالنَّهْيِ فِعْلُ الضِّدِّ مُطَابَقَةً لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ. مِنْ سم. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ فِعْلٌ) فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاعْتِبَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحَقُّقَ لَهَا فِي الْخَارِجِ فَيَكُونُ عَدَمِيًّا فَكَيْفَ كُلِّفَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ، هَذَا مُحَصِّلُ مَا فِي سم وَجَوَابُ بَعْضٍ بِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ، وَإِنْ كَانَ اعْتِبَارِيًّا فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ مِنْ الْعَدَمِ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّكْلِيفِ بِهِ مِنْهُ سَفْسَطَةٌ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارِيَّاتِ لَا يُعْقَلُ فِيهَا تَفَاوُتٌ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ نَعَمْ هِيَ قِسْمَانِ اعْتِبَارِيَّاتٌ اخْتِرَاعِيَّةٌ وَاعْتِبَارِيَّاتٌ انْتِزَاعِيَّةٌ وَإِلَّا تَتَفَاوَتُ فِي نَوْعِهَا

يَحْصُلُ بِفِعْلِ الضِّدِّ لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَقِيلَ) هُوَ (فِعْلُ الضِّدِّ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ. (وَقَالَ قَوْمٌ) مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ هُوَ غَيْرُ فِعْلٍ، وَهُوَ (الِانْتِفَاءُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَذَلِكَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَنْعِ أَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ بَلْ هُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ وَالْأَفْعَالُ النَّفْسِيَّةُ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ كَيْفَ وَجَمِيعُ الِاعْتِقَادَاتِ مُكَلَّفٌ بِهَا وَهِيَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. (قَوْلُهُ: يَحْصُلُ بِفِعْلِ الضِّدِّ) قَدْ يَخْفَى الْمُرَادُ بِحُصُولِهِ بِفِعْلِ الضِّدِّ، فَإِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا إذَا تَرَكَ الشُّرْبَ وَسَائِرَ الْأَفْعَالِ كَالْأَكْلِ وَشُرْبِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ضِدٌّ لِشُرْبِ الْخَمْرِ فَعَلَهُ حَتَّى حَصَلَ لَهُ الِانْتِهَاءُ عَنْ شُرْبِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ هُنَا إلَّا انْتِفَاءُ الشُّرْبِ وَلَمْ يُوجَدْ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ مُضَادٌّ يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الِانْتِهَاءِ بِفِعْلِ الضِّدِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالضِّدِّ مَا يَشْمَلُ النَّقِيضَ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ انْتَهَى كَذَا فِي سم وَفِيهِ أَنَّ النَّقِيضُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لَا يُكَلَّفُ بِهِ بَلْ الْجَوَابُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ حَرَكَةٌ وَتَرْكُهُ عَدَمُ تِلْكَ الْحَرَكَةِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَاطَ شَيْئًا أَصْلًا فَقَدْ سَكَنَ وَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الضِّدَّ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِيهِ أَيْ السُّكُونِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ انْتِفَاءُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ عَدَمُهُ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ بِأَنْ لَا يَشَاءَ فِعْلَ الَّذِي يُوجَدُ بِمَشِيئَتِهِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ ذَلِكَ، دَلِيلُ الْأَصْحَابِ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ أَبِي هَاشِمٍ وَمُوَافِقِيهِ تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ لَوْ كَانَ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ انْتِفَاءَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَكَانَ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ مِنْ الْمُكَلَّفِ مُتَصَوِّرًا وُقُوعَهُ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَدَمٌ وَالْعَدَمُ غَيْرُ مَقْدُورٍ وَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَدَمَ غَيْرُ مَقْدُورٍ كَيْفَ وَنِسْبَةُ الْقُدْرَةِ إلَى الطَّرَفَيْنِ سَوَاءٌ وَنَحْنُ نُفَسِّرُ الْقَادِرَ بِأَنَّهُ إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَا نَقُولُ: وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَفْسِيرَ الْقَادِرِ بِمَا ذَكَرَ وَكَوْنُهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا يُوجِبُ كَوْنَ اسْتِمْرَارِ

بِأَنْ لَا يَشَاءَ فِعْلَهُ الَّذِي يُوجَدُ بِمَشِيئَتِهِ، فَإِذَا قِيلَ: لَا تَتَحَرَّكُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ الِانْتِهَاءُ عَنْ التَّحَرُّكِ الْحَاصِلِ بِفِعْلِ ضِدِّهِ مِنْ السُّكُونِ وَعَلَى الثَّانِي فِعْلُ ضِدِّهِ وَعَلَى الثَّالِثِ انْتِفَاؤُهُ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ عَدَمُهُ مِنْ السُّكُونِ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ عَلَى الْجَمِيعِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِي الْإِتْيَانِ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ فِي النَّهْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَثَرًا لِقُدْرَتِهِ لِيَكُونَ مُمْتَثِلًا لِلنَّهْيِ إنَّمَا مَقْدُورُهُ التَّرْكُ الَّذِي مَعَهُ يَسْتَمِرُّ الْعَدَمُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ نِسْبَةُ عَدَمِ الْفِعْلِ لَا عَدَمُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ، وَإِنْ عَبَّرَ بِهَذَا تَسَاهُلًا عَنْهُ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: الَّذِي يُوجَدُ بِمَشِيئَتِهِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ لَا فِي تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ تَابِعٌ لِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ فَالْبَاءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لِلسَّبَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْفَاعِلِ أَوْ مَشِيئَتِهِ. (قَوْلُهُ: الْحَاصِلُ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِلِانْتِهَاءِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَسْتَمِرَّ عَدَمُهُ) غَيْرُ لَازِمٍ إذْ لَا يَظْهَرُ هَذَا إلَّا إذَا خُوطِبَ وَهُوَ سَاكِنٌ إذْ مَنْ خُوطِبَ وَهُوَ مُتَحَرِّكٌ مَطْلُوبٌ بِتَجَدُّدِ الْعَدَمِ كَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مُعْتَادَ الشَّارِحِ تَبَعًا لِشَيْخَيْ مَذْهَبِهِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ اسْتِعْمَالُ بِأَنْ بِمَعْنَى كَافِ التَّمْثِيلِ، وَهَذَا مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ سم نَحْوَهُ وَهُوَ جَوَابٌ هَيِّنٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ السُّكُونِ) لَيْسَتْ مِنْ بَيَانِهِ وَإِلَّا لَاتَّحَدَ هَذَا الْقَوْلُ بِالثَّانِي وَلَا تَعْلِيلِيَّةٌ وَإِلَّا لَاتَّحَدَ بِالْأَوَّلِ بَلْ هِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ نَاشِئٌ مِنْ السُّكُونِ لَا نَفْسِهِ وَلَا حَاصِلَ بِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فِيهِ يَخْرُجُ) أَيْ بِالسُّكُونِ لَا يُقَالُ: إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْكَفِّ الَّذِي يَحْصُلُ بِالسُّكُونِ بَعْدَ الدَّاعِيَةِ لَا بِالسُّكُونِ نَفْسِهِ، لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ فَالْكَفُّ خَفِيٌّ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ وَالصَّالِحُ لِإِنَاطَةِ الْخُرُوجِ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ هُوَ السُّكُونُ لِظُهُورِهِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: هَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ مَحْكِيٌّ فِي الْمُسْوَدَّةِ الْأُصُولِيَّةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ مَشْرُوطًا بِقَصْدِ التَّرْكِ امْتِثَالًا وَاَلَّذِي حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ شَيْخُ الْبِرْمَاوِيِّ عَنْ الْمُسْوَدَّةِ مَا نَصُّهُ وَقِيلَ: إنْ قَصَدَ الْكَفَّ مَعَ التَّمَكُّنِ أُثِيبَ وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ اهـ. نَقَلَهُ الْكَمَالُ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ اعْتِرَافَ الْكُورَانِيِّ بِقَوْلِهِ: لَا وَجْهَ لَا يُرَادِ الْمُصَنِّفِ هَذَا؛ لِأَنَّ

مَعَ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (قَصَدَ التَّرْكَ) لَهُ امْتِثَالًا فَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ وَالْأَصَحُّ (لَا) وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَشْهُورِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَالْأَمْرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ) لَهُ (بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ إلْزَامًا وَقَبْلَهُ إعْلَامًا وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْجُمْهُورِ قَالُوا (يَسْتَمِرُّ) تَعَلُّقُهُ الْإِلْزَامِيُّ بِهِ (حَالَ الْمُبَاشَرَةِ) لَهُ (وَ) قَالَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَنْقَطِعُ) التَّعَلُّقُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامَ فِي الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي النَّهْيِ وَاشْتِرَاطَ الْقَصْدِ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ مُتَّجِهٌ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ فَقَوْلُ سم إنَّ قَصْدَ التَّرْكِ امْتِثَالًا عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي النَّهْيِ وَإِنَّ اعْتِرَاضَ الْكُورَانِيِّ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ مُرَادِ فَهْمِ هَذَا الْقَائِلِ تَحَامُلٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ الِانْتِهَاءِ) اعْتَرَضَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّ فِيهِ إيهَامَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِانْتِهَاءِ وَالْقَصْدِ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فَلْيَكُنْ قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ بِمَعْنَى لَا بُدَّ لِيَصِيرَ الْمَعْنَى وَقِيلَ: لَا بُدَّ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ مَعَ الِانْتِهَاءِ إلَخْ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ " مَعَ " تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ فَلَا تَقْتَضِي كَوْنَ الْقَصْدِ مَشْرُوطًا مُصَاحَبَتُهُ لِلِانْتِهَاءِ أَنَّ الِانْتِهَاءَ شَرْطٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ التَّرْكِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ النِّيَّةَ الْقَصْدُ، وَالْأَعْمَالُ جَمْعُ عَمَلٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمُقَابِلِ لِلتَّرْكِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْأَعْمَالِ أَوْ لِاعْتِبَارِهَا فَكَانَتْ التُّرُوكُ عَلَى الْأَصْلِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لَهَا اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ) تَعْبِيرُ غَيْرِهِ بِالتَّكْلِيفِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْأَمْرِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعَلُّقَيْنِ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ التَّعَلُّقِ الْإِعْلَامِيِّ اعْتِقَادُ وُجُوبِ إيجَادِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ: افْعَلْ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ، فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَاجِبٌ إذَا دَخَلَ وَقْتُهُ وَمِنْ الِالْتِزَامِيِّ الِامْتِثَالُ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِكُلٍّ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْإِيجَادِ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَالتَّعَلُّقِ الْإِعْلَامِيِّ تَغَايُرُ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَالتَّعَلُّقِ الْإِعْلَامِيِّ وَإِنَّ الْمَعْنَوِيَّ أَزَلِيٌّ وَالْإِعْلَامِيَّ حَادِثٌ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ التَّعَلُّقَاتُ ثَلَاثَةً: تَنْجِيزِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ وَإِعْلَامِيٌّ، وَأَمَّا الِالْتِزَامِيُّ: فَهُوَ التَّنْجِيزِيُّ. وَقَدْ يُقَالُ: وُجُوبُ الْإِعْلَامِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي دُخُولُهُ فِي الْأَمْرِ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ اُعْتُبِرَ فِيهِ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ الْأَمْرُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُودُ النَّوْعِ بِدُونِ جِنْسِهِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْكَلَامُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ الَّذِي يَئُولُ إلَى كَوْنِهِ أَمْرًا بِالْفِعْلِ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ فَلَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ سم مِنْ التَّكَلُّفَاتِ. (قَوْلُهُ: إلْزَامًا) قَاصِرٌ عَلَى أَمْرِ الْإِيجَابِ وَيُعْلَمُ أَمْرَ النَّدْبِ الْمُؤَقَّتِ بِالْمُقَايَسَةِ وَهُوَ وَإِعْلَامًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ بِتَقْدِيرِ ذَا أَوْ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ أَيْ تَعَلُّقُ إعْلَامٍ وَإِلْزَامٍ. (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِالْفِعْلِ وَالْجَارِّ مُتَعَلِّقٌ بِتَعَلُّقٍ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ وَصْفُ الْمَصْدَرِ قَبْلَ عَمَلِهِ لَكِنَّهُ مُغْتَفَرٌ فِي الظُّرُوفِ وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِالْإِلْزَامِيِّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَخْ) مُقَابِلُ الْأَكْثَرِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَلْزَمُ) تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ هَكَذَا لَوْ اسْتَمَرَّ التَّعَلُّقُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَبَطَلَ الْمُقَدَّمُ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَائِدَةَ

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَالصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ لِانْتِفَائِهِ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ. (وَقَالَ قَوْمٌ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ (لَا يَتَوَجَّهُ) الْأَمْرُ بِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ إلْزَامًا (إلَّا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ) لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (، وَهُوَ التَّحْقِيقُ) إذْ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا حِينَئِذٍ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْعِصْيَانِ بِتَرْكِهِ فَجَوَابُهُ قَوْلُهُ (فَالْمَلَامُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنَّ تَرْكَ الْفِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ مَحْذُورٌ وَاحِدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَحْذُورٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَطْلُوبَ ذُو أَجْزَاءٍ، وَالْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ وَبِأَجْزَائِهِ ثَانِيًا وَبِالْعَرَضِ وَالتَّعَلُّقُ بِهِ لَا يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْفِعْلُ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ حُصُولِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْفِعْلُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لَمْ يَحْصُلْ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ فَالْمُلَازَمَةُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مَمْنُوعَةٌ هَذَا إذَا نَظَرْنَا لِمَجْمُوعِ الْأَجْزَاءِ، فَإِنْ نَظَرْنَا لِكُلِّ جُزْءٍ جُزْءٍ فَنَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ حِسًّا لَمْ يَحْصُلْ شَرْعًا؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ الشَّرْعِيَّ الْمُعْتَبَرَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ الْأَجْزَاءِ كُلِّهَا. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِالتَّرْدِيدِ بَيْنَ مَنْعِ الْمُلَازَمَةِ عَلَى تَقْدِيرٍ وَبُطْلَانِ اللَّازِمِ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّكُمْ إنْ أَرَدْتُمْ تَحْصِيلَ حَاصِلٍ بِحُصُولٍ سَابِقٍ عَلَى الطَّلَبِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ تَحْصِيلَهُ بِحُصُولٍ مُقَارِنٍ لِلطَّلَبِ فَهُوَ غَيْرُ مُحَالٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّحْصِيلَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْحَاصِلُ مَازَالَ مَطْلُوبًا وَالْفَائِدَةُ وَصْفُ ذَلِكَ التَّحْصِيلِ بِالْوُجُوبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ أَيْضًا تَعَرَّضَ لِإِثْبَاتِ الْفَائِدَةِ الَّتِي نَفَوْهَا وَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَيَّنِ كَافٍ فِي الرَّدِّ فَسُلُوكُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَحْتَاجُ لِطَلَبٍ مُرَجَّحٍ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الْفَاعِلِ مُرَجَّحَةٌ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ فَسَقَطَ مَا أَطَالَ بِهِ سم. (قَوْلُهُ: وَقَالَ قَوْمٌ إلَخْ) مُقَابِلُ الْجُمْهُورِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَعَلَّقَ) تَصْوِيرٌ لِلتَّوْجِيهِ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) إنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ لِمَا يَأْتِي أَوْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا قُدْرَةَ) ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْفِعْلِ فَقَبْلُهُ لَا قُدْرَةَ؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ عِنْدَهُمْ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَلَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ قَبْلَهَا وَقَالَ الْجُمْهُورُ الَّذِي يَعْتَرِضُهُ التَّكْلِيفُ هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ بِمَعْنَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ لَا الْقُدْرَةِ بِمَعْنَى الْعَرَضِ الْمُقَارِنِ. (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ) اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْإِلْزَامِ إلَيْهِ، وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ الشَّيْخِ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَابِعِيهِ يَلْزَمُ أَنَّ الْقَاعِدَ بَعْدَ دُخُولِ الْقُوتِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا اتِّفَاقًا وَلِأَنَّ مَفْهُومَ الْأَمْرِ وَهُوَ الطَّلَبُ يَسْتَدْعِي تَحْصِيلَ الْمَطْلُوبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالتَّكْلِيفُ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ سَابِقٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لُزُومُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَةٌ كَلَامِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَرَضَ هَلْ يَبْقَى زَمَانَيْنِ أَمْ لَا فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ جَوَازُ اسْتِمْرَارِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي نَفَاهُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ سَفْسَطَةٌ احْتَاجَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عِلَّةَ احْتِيَاجِ الْعَالِمِ إلَى الصَّانِعِ الْحُدُوثُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحُدُوثِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ يَلْزَمُ اسْتِغْنَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الصَّانِعِ فَاضْطَرَّ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ لِتَسْتَمِرَّ الْحَاجَةُ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ الْإِمْكَانُ كَمَا عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ وَطَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَكَلِّمِينَ لَمْ يَضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ الْإِمْكَانِ وَصْفٌ قَائِمٌ بِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا نَبَّهَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي حَوَاشِينَا الْكُبْرَى عَلَى الْمَقُولَاتِ. (قَوْلُهُ: فَالْمَلَامُ) أَيْ فَالْعِصْيَانُ إنَّمَا هُوَ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا بِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَإِنْ حَصَلَ النَّهْيُ بِالْأَمْرِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إلَخْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْفِعْلِ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِهِ، فَمَا لَمْ

[مسألة يصح التكليف ويوجد معلوما للمأمور آثره]

أَيْ اللَّوْمِ حَالَ التَّرْكِ (عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْكَفِّ) عَنْ الْفِعْلِ (الْمَنْهِيِّ) ذَلِكَ الْكَفِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) : أَيْ عَقِبَ الْأَمْرِ الْمَسْمُوعِ الدَّالِّ عَلَى التَّكْلِيفِ (مَعَ عِلْمِ الْأَمْرِ وَكَذَا الْمَأْمُورُ) أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ انْتِفَاءُ شَرْطِ وُقُوعِهِ) أَيْ شَرْطِ وُقُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ (عِنْدَ وَقْتِهِ كَأَمْرِ رَجُلٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ عَلِمَ مَوْتَهُ قَبْلَهُ) لِلْآخَرِ فَقَطْ أَوَّلُهُ وَلِلْمَأْمُورِ بِهِ بِتَوْقِيفٍ مِنْ الْآمِرِ فَإِنَّهُ عَلِمَ فِي ذَلِكَ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِ الصَّوْمِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْحَيَاةِ وَالتَّمْيِيزِ عِنْدَ وَقْتِهِ (خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُعْتَزِلَةِ) فِي قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَعَلَّقْ الْأَمْرُ لَمْ يَتَعَلَّقْ النَّهْيُ فَلَا يَلْزَمُ قَبْلَ فِعْلِهِ اهـ. وَهُوَ اعْتِرَاضٌ قَوِيٌّ وَحَاوَلَ سم الْجَوَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَدْفَعُهُ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ وُجُودِ النَّهْيِ بِدُونِ الْأَمْرِ وَلَوْ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَعَمُّ مَنَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي النَّهْيِ الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ. (قَوْلُهُ: أَيْ اللَّوْمُ حَالَ التَّرْكِ) دَفْعٌ لِمَا تُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ تَحَقُّقِ اللَّوْمِ أَوَّلًا وَالْمُبَاشَرَةِ ثَانِيًا وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ اللَّوْمُ إنَّمَا هُوَ مَعَ التَّرْكِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ قَالَهُ سم، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ اللَّوْمُ أَوَّلًا وَالْمُبَاشَرَةُ ثَانِيًا فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ بَعْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْكَفُّ) هُوَ بَيَانٌ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْمَنْهِيِّ الَّذِي هُوَ نَائِبُ فَاعِلِهِ لِمُعَامَلَتِهِ مُعَامَلَةَ الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ تَوَسُّعًا وَالْأَصْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَحُذِفَ الْجَارُ وَاتَّصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ عَنْهُ صِلَةُ الْكَفِّ وَالضَّمِيرُ لِلْفِعْلِ. [مَسْأَلَةٌ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ] (قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ يَصِحُّ إلَخْ) : تَضَمَّنَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى يَصِحُّ التَّكْلِيفُ مَعَ عِلْمِ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ الثَّانِيَةُ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ وُجُودِ الْأَمْرِ وَسَمَاعِهِ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ وَالثَّانِيَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْأُولَى فَقَوْلُهُ: مَعَ عِلْمِ الْأَمْرِ إلَخْ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ لَا فِي قَوْلِهِ وَيُوجَدُ، فَإِنَّ مُتَعَلِّقَهُ قَوْلُهُ: مَعْلُومًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخَفَاءِ. (قَوْلُهُ: عَقِبَ الْأَمْرِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَذَا قِيلَ وَهُوَ بَعِيدٌ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْأَمْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ عَلِمَ) عِلَّةً لِصِحَّةِ التَّمْثِيلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْحَيَاةِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الْجِنْسُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وَقْتِهِ) ، فَإِنَّهُ مَيِّتٌ لَا حَيَاةَ عِنْدَهُ وَلَا تَمْيِيزَ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْلَكَيْنِ لِلْقَاضِي: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ قَاطِبَةً قَبْلَ أَنْ تُظْهِرَ الْمُعْتَزِلَةُ هَذَا الرَّأْيَ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ وَالْتَزَمَ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْبَسِيطَةِ مَنْ يَعْلَمُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا فَقَدْ بَاهَتَ الشَّرِيعَةَ وَرَاغَمَ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ. الثَّانِي: يَلْتَفِتُ عَلَى أَصْلِهِ فِي النُّسَخِ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ قَطْعًا، ثُمَّ يُرْفَعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالنُّسَخِ فَقَالَ بَاقِيًا عَلَى ذَلِكَ إذَا تَوَجَّهَ الْأَمْرُ إلَى الْمُخَاطَبِ، ثُمَّ فُرِضَ مَوْتُهُ أَوَّلَ زَمَانِ إمْكَانِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ حُكْمُ الْخِطَابِ أَوَّلًا قَطْعًا، فَإِنْ انْقَطَعَ الْإِمْكَانُ انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِهِ مَا ثَبَتَ قَطْعًا وَبَالَغَ الْإِمَامُ فِي رَدِّهِمَا، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ لَاحَ عَنْ الْمُبَاحَثَةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ مَا عُزِيَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ)

مَعَ مَا ذَكَرَ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةٍ مِنْ الطَّاعَةِ أَوْ الْعِصْيَانِ بِالْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَأُجِيبَ بِوُجُودِهَا بِالْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ. وَفِي قَوْلِهِمْ لَا يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ بِشَيْءٍ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ عَقِبَ سَمَاعِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ لِمَوْتٍ قَبْلَ وَقْتِهِ أَوْ عَجْزٍ عَنْهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ وَبِتَقْدِيرِ وُجُوبِهِ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَى التَّكْلِيفِ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ غَدًا إذَا مَاتَ أَوْ عَزَلَ قَبْلَ الْغَدِ يَنْقَطِعُ التَّوْكِيلُ، وَمَسْأَلَةُ عِلْمِ الْمَأْمُورِ حَكَى الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ فِيهَا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةً إلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْأُولَى وَقَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ إلَخْ إشَارَةً إلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: مَعَ مَا ذَكَرَ) أَيْ مَعَ عِلْمِ الْآمِرِ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّرْطِ فِي الشَّاهِدِ قَطْعًا لِجَهْلِهِ بِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْحُصُولَ فَلَا شَرْطَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ عَلِمَ الْعَدَمَ فَلَا أَمْرَ وَرَدَّهُ الْأَشَاعِرَةُ بِأَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ حَالَ الْمَأْمُورِ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَظَرَ لِلْأَمْرِ فَفَائِدَتُهُ الْعَزْمُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَبْعَدَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ الْمُتَقَدِّمِ. (قَوْلُهُ: بِالْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) عَلَى الْتِزَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلتَّكْلِيفِ مِنْ فَائِدَةٍ يَعْلَمُهَا وَإِلَّا قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْفَائِدَةُ سَلَّمْنَا فَجَازَ أَنْ لَا نَعْلَمَهَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا كُلُّ فِعْلٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْمُكَلَّفُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ كَتَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، فَلَوْ كَانَ عِلْمُ الْآمِرِ بِانْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ مَانِعًا مِنْ التَّكْلِيفِ لَمْ يَكُنْ تَارِكُ الصَّلَاةِ مَثَلًا عَمْدًا عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهَا؛ لِأَنَّ الْآمِرَ عَالِمٌ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِمْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ مَعَ انْتِفَاءِ الشُّرُوطِ وَلَا ثِقَةَ عِنْدَهُ بِهَا. (قَوْلُهُ: وُجُودِهِ) أَيْ الْمَوْتِ أَوْ الْعَجْزِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ إلَخْ) وَفَرَّقَ بَيْنَ انْقِطَاعِ الْمَوْجُودِ وَعَدَمِهِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا قَالُوا: إنَّهُ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي احْتِمَالَ عَدَمِ الِاسْتِمْرَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَا عِلْمَ إذْ لَا عِلْمَ مَعَ الِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ وَحَمْلَ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ بَعِيدٌ كَذَا قَالَ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ لِلْأَصْلِ فَقَطْ بَلْ مَعَ تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَذَلِكَ لَا يَنْفِي الْعِلْمَ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ الِاحْتِمَالُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ وُجِدَ الِاحْتِمَالُ انْقَطَعَ التَّكْلِيفُ لَا تَبَيُّنَ عَدَمِهِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ تَبَيَّنَ بِهِ الْعَدَمَ لَا الِانْقِطَاعَ إذْ كَمَا يَحْتَمِلُ هَذَا يَحْتَمِلُ

[خاتمة الحكم قد يتعلق بأمرين]

الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْجَهْلِ بِالْعَزْمِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ بِوُجُودِهَا بِالْعَزْمِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الشَّرْطِ قَالَ كَمَا يَعْزِمُ الْمَجْبُوبُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الزِّنَا عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ بِتَقْدِيرِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُ. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ صِحَّتَهُ الْأَظْهَرَ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ إلَى مَسْأَلَةِ مَنْ عَلِمَتْ بِالْعَادَةِ أَوْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَحِيضُ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ رَمَضَانَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا افْتِتَاحُهُ بِالصَّوْمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: أَمَّا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ الْيَوْمِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ، وَوَجْهُ الِاسْتِنَادِ أَنَّهَا كُلِّفَتْ بِالصَّوْمِ مَعَ عِلْمِهَا انْتِفَاءَ شَرْطِهِ مِنْ النَّقَاءِ عَنْ الْحَيْضِ جَمِيعَ النَّهَارِ، وَهَذَا مُنْدَفِعٌ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ صَوْمُ بَعْضِ الْيَوْمِ الْخَالِي عَنْ الْحَيْضِ وَالنَّقَاءِ عَنْهُ جَمِيعُ الْيَوْمِ شَرْطٌ لِصَوْمِ جَمِيعِهِ لَا بَعْضِهِ أَيْضًا، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ مُنْدَفِعٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْعَزْمُ عَلَى مَا لَا يُوجَدُ شَرْطُهُ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلَا عَلَى عَدَمِ الْعُودِ إلَى مَا لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِهَا فَالصَّوَابُ مَا حَكَوْهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ (أَمَّا) التَّكْلِيفُ بِشَيْءٍ (مَعَ جَهْلِ الْآمِرِ) انْتِفَاءَ شُرُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْآمِرُ غَيْرَ الشَّارِعِ كَأَمْرِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ بِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ غَدًا (فَاتِّفَاقٌ) أَيْ فَمُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَوُجُودِهِ. (خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ) فَأَكْثَرَ (عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ) كَأَكْلِ الْمُذَكَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرَ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْخَصْمُ وَذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَالُ لَا إثْبَاتُ الْمُدَّعَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَسْأَلَةُ عِلْمِ الْمَأْمُورِ إلَخْ) هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ. (قَوْلُهُ: الْمَجْبُوبُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ زَنَى. (قَوْلُهُ: بِتَقْدِيرِ الْقُدْرَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْفِيِّ أَيْ الْعَوْدِ بِتَقْدِيرِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ) إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَيْسُورَ) أَيْ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ) فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إنْ تَبَيَّنَتْ صَوْمَ جَمِيعِ الْيَوْمِ لَا بَعْضِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُكَلَّفُ بِهِ جَمِيعُ الْيَوْمِ لَا بَعْضُهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: مَا قَبْلَهُ) وَهُوَ وُجُودُ الْفَائِدَةِ بِالْعَزْمِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَابِعًا لِلْوُجُودِ الْمَقْدُورِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ فَكَذَا الْعَزْمُ وَفِيهِ أَنَّ الْعَزْمَ لَمْ نَرْبِطْهُ بِالْمَقْدُورِ بَلْ بِالتَّقْدِيرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ. (قَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ مَا حَكَوْهُ) وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّكْلِيفُ) أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اللَّهِ وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ السَّيِّدِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ يَأْمُرُ بِطَاعَتِهِ فَيَرْجِعُ لِكَوْنِ الْآمِرِ هُوَ الشَّارِعُ [خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ] (قَوْلُهُ: عَلَى التَّرْتِيبِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ وَيَكُونُ لِبَعْضِهَا نِسْبَةٌ إلَى الْبَعْضِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَتَسْتَعْمِلُهُ النُّحَاةُ فِي ثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِأَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَتَالِيَةٍ كَقَوْلِهِمْ الْفَاءُ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ يَعْنُونَ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ وَهُوَ الْمَجِيءُ مَثَلًا ثَابِتٌ لِلْمَعْطُوفَاتِ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَتَالِيَةٍ وَمَا هُنَا قَرِيبٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ بَلْ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ وَثُبُوتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ مُتَتَالِيَةٍ فِي الِاعْتِبَارِ بِشَرْطِ عَدَمِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ التَّرْتِيبِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْوُضُوءَ مَثَلًا رُتْبَتُهُ التَّقَدُّمُ عَلَى

وَالْمَيْتَةِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لَكِنَّ جَوَازَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ غَيْرِهَا الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْمُذَكَّى فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى غَيْرِهَا. (أَوْ يُبَاحُ) الْجَمْعُ كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْوُضُوءِ وَقَدْ يُبَاحُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَأَنْ تَيَمَّمَ لِخَوْفِ بُطْءِ الْبُرْءِ مِنْ الْوُضُوءِ مَنْ عَمَّتْ ضَرُورَتُهُ مَحَلَّ الْوُضُوءِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مُتَحَمِّلًا لِمَشَقَّةِ بُطْءِ الْبُرْءِ، وَإِنْ بَطَلَ بِوُضُوئِهِ تَيَمُّمُهُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ (أَوْ يُسَنُّ) الْجَمْعُ كَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ، لَكِنَّ وُجُوبَ الْإِطْعَامِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصِّيَامِ وَوُجُوبَ الصِّيَامِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِعْتَاقِ وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ فَيَنْوِي بِكُلٍّ الْكَفَّارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّيَمُّمِ وُجُودًا وَاعْتِبَارًا، وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمُذَكَّى عَلَى الْمَيْتَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْمَيْتَةِ) أَيْ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ أَكْلُهُ أَيْ الْمُذَكَّى وَالْمَيْتَةِ، قَالَ النَّاصِرُ وَلَوْ قَالَ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ لَكَانَ أَوْفَى بِمُطَابِقَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ اهـ. وَأَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ: الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ إلَخْ وَوَجْهُ الْمُوَافَقَةِ إفَادَتُهُ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِشَيْئَيْنِ صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا عَبَّرَ بِهِ وَلَكِنَّ مِثْلَ هَذَا وَاقِعٌ كَثِيرًا حَتَّى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَكْلُهُ) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ هُنَا مَعْنَاهُ الْأَعَمُّ الشَّامِلُ لِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ نَظِيرُ الْإِمْكَانِ الْعَامِّ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ جَوَازَ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ: فَيُحَرَّمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) إشَارَةً إلَى أَنَّ جِهَةَ التَّحْرِيمِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَعُودَ عَلَيْهِمَا مَعًا بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا فَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَا دَخْلَ لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمُذَكَّى فَانْدَفَعَ بَحْثُ الزَّرْكَشِيّ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ إنَّمَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ دَائِرَةٍ بَيْنَ الْفَرْدَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُذَكَّى وَالْمَيْتَةُ كَذَا قَالُوا وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَعْوَى كِفَايَةِ جِهَةِ التَّحْرِيمِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مُحْتَاجَةٌ لِدَلِيلٍ. (قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ) مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقُ الْإِذْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَالتَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْوُضُوءِ وَاجِبٌ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ قَدْ يُبَاحُ بِمَعْنَى يُؤَذَّنُ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ الْمُرَادُ الْعَجْزُ الشَّرْعِيُّ لَا الْحِسِّيُّ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِثَالُ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْقُدْرَةَ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْحِسِّيِّ، فَإِنَّهُ يُنَافِيهَا مَعَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ وَجَمِيعَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ الْمَقْدُورَةِ وَلِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فِي الْعَجْزِ الشَّرْعِيِّ صَحَّ الْحُكْمُ بِإِبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي مَحَلِّ الْعَجْزِ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَأَيْضًا لَا يَتَأَتَّى الْجَمْعُ فِي الْعَجْزِ الْحِسِّيِّ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ فِيهِ مُبْطِلَةٌ لِلتَّيَمُّمِ فَضْلًا عَنْ اسْتِعْمَالِهِ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ تَيَمَّمَ لِخَوْفِ بُطْءِ الْبُرْءِ) فِيهِ أَنَّهُ مَعَ قِيَامِ مُبِيحِ التَّيَمُّمِ يَكُونُ الْوُضُوءُ غَيْرَ مُبَاحٍ وَعِنْدَ انْتِفَائِهِ يَكُونُ وَاجِبًا وَالتَّيَمُّمُ غَيْرَ مُبَاحٍ كَمَا هُوَ مُفَادُ التَّرْتِيبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ يُقَالُ: أَرَادَ بِإِبَاحَةِ الْجَمْعِ صِحَّةَ الشَّيْءِ وَالِاعْتِدَادَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقُدُومُ عَلَيْهِ مُحَرَّمًا فَالْمُرَادُ الْإِبَاحَةُ الْوَضْعِيَّةُ كَمَا يُشِيرُ لَهُ قَوْلُهُ: وَإِنْ بَطَلَ إلَخْ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الصِّحَّةُ قَبْلَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لَا الصِّحَّةُ الْمُسْتَمِرَّةُ؛ لِأَنَّهُ بِتَمَامِ الْوُضُوءِ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ يَرْتَفِعُ حَدَثُ كُلِّ عُضْوٍ بِغَسْلِهِ بُطْلَانُهُ فِي الْأَثْنَاءِ إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا الْكَلَامُ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ، وَإِنْ صَحَّ مَعَ الْحُرْمَةِ كَانَ أَوْفَقُ. (قَوْلُهُ: مَنْ عَمَّتْ ضَرُورَتُهُ) فَاعِلُ تَيَمَّمَ وَاعْتَبَرَ فِيهِ عُمُومَ الضَّرُورَةِ لِكِفَايَةِ التَّيَمُّمِ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَالضَّرُورَةُ إذَا لَمْ تَعُمَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ فَيَخْرُجُ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ عَلَى التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى أَوَائِلِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ بِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بَطَلَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا فَلَمْ يَجْتَمِعْ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا لَا يُوصَفُ بِالْإِبَاحَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا اهـ. وَوَجْهُ انْتِفَاعِهِ أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنْ يَفْعَلَ الْوُضُوءَ مَعَ قِيَامِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ السَّابِقِ وَبُطْلَانُ التَّيَمُّمِ لِلْمَأْخَذِ الْفِقْهِيِّ وَهُوَ انْتِفَاءُ فَائِدَتِهِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ، قَالَ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ الِاحْتِيَاطُ بِتَكْثِيرِ أَسْبَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ كَمَا أَعْتَقَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ نَذْرِهَا فِي كَلَامِ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رِقَابًا كَثِيرَةً وَكَانَتْ تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا

[الكتاب الأول في الكتاب ومباحث الأقوال]

وَإِنْ سَقَطَتْ بِالْأُولَى كَمَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ الْفَرْضَ، وَإِنْ سَقَطَ بِالْفِعْلِ أَوَّلًا. (وَ) قَدْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ (عَلَى الْبَدَلِ كَذَلِكَ) أَيْ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ كَتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ مِنْ كُفْأَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ مِنْهُ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ أَيْ: إنْ لَمْ تَزَوَّجْ مِنْ الْآخَرِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يُبَاحُ الْجَمْعُ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ بِثَوْبَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ السِّتْرُ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ أَيْ إنْ لَمْ تَسْتَتِرْ بِالْآخَرِ وَيُبَاحُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ أَوْ يُسَنَّ الْجَمْعُ كَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا وَاجِبٌ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ أَيْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ غَيْرَهُ مِنْهَا كَمَا قَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ نَظَرًا مِنْهُمْ لِلظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ التَّحْقِيقُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَيُسَنُّ الْجَمْعَ بَيْنَهَا كَمَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ. (الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) : فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِمَارَهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَقَطَتْ بِالْأُولَى) أَيْ ظَاهِرًا لِئَلَّا يُرَدَّ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ بِالْخَصْلَةِ الْأُولَى لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ إلَخْ) تَنْظِيرٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ لَمْ تُزَوَّجْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَدَلِيَّةِ هَاهُنَا قِيَامُ الْفَرْعِ أَوْ الْعِوَضِ مَقَامَ الْأَصْلِ أَوْ الْمُعَوَّضِ عَنْهُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ قِيَامُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِمَّا قَصَدَ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ كَمَا فِي تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ مِنْ كُفْأَيْنِ أَوْ قِيَامِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِيمَا قَصَدَ مِنْهَا مَقَامَ كُلٍّ مِنْهَا كَمَا فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا وَاجِبٌ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنِ أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. (قَوْلُهُ: إلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ) حَيْثُ قَالُوا: الْوَاجِبُ الْإِطْعَامُ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ الْكِسْوَةُ وَلَمْ يَقُولُوا: الْوَاجِبُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [الْكِتَابُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ] (قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّهُ فِي مَبَاحِثِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ لَفْظُ مَبَاحِثَ وَيُضِيفُهَا لِلْكِتَابِ وَالْأَقْوَالُ كَذَا قَالَ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ حَذَفَ مَبَاحِثَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ وَلِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ فِي مَبَاحِثِ الْقُرْآنِ لَا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ تَعْرِيفَ الْكِتَابِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ فِي تَفْرِيعِهِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ التَّعْرِيفِ وَمَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ يَرْجِعُ لِمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ أَوْ رَاجِعٌ لِتَوْضِيحِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْبَسْمَلَةِ مِنْهُ دُونَ مَا نُقِلَ آحَادًا مِمَّا يُمَيِّزُهُ بِذَلِكَ أَوْ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي التَّرْجَمَةِ اهـ. وَالْإِنْصَافُ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَجِيهٌ وَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَحْضُ تَعَسُّفٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَقْدِيرَ لَفْظِ مَبَاحِثَ قَبْلَ الْكِتَابِ مَحْضُ تَكْرَارٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالتَّرْجَمَةِ بَلْ حَاصِلٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِ كَمَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ وَقَضِيَّةُ تَقْدِيرِهِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُؤَلِّفِينَ تَخْصِيصَ التَّرَاجِمِ بِالْمَبَاحِثِ وَتَصْدِيرَ التَّعْرِيفِ قَبْلَهَا لِإِيضَاحِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ غَيْرَ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ تَعْرِيفٍ وَمُجَرَّدُ ذِكْرِهِ بَعْدَ التَّرْجَمَةِ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ مِنْ أَنَّ التَّرْجَمَةَ لِلْمَقَاصِدِ، وَالتَّعَارِيفُ لَيْسَتْ مِنْهُ بَلْ لَا تُعَدُّ مِنْ الْعُلُومِ رَأْسًا بَلْ مِنْ الْمَادِّيِّ كَمَا حَقَقْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ جَوَابٌ مَبْذُولٌ يَرْتَكِبُهُ كَثِيرًا مَنْ لَا بِضَاعَةَ لَهُ فِي الْمَعْقُولِ. (قَوْلُهُ: وَمَبَاحِثُ الْأَقْوَالِ) أَيْ الْقَضَايَا الَّتِي يَقَعُ الْبَحْثُ فِيهَا عَنْ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ الْمَبَاحِثَ جَمْعُ مَبْحَثٍ بِمَعْنَى مَكَانِ الْبَحْثِ وَمَكَانُهُ الْقَضِيَّةُ إذْ هُوَ إثْبَاتُ النِّسْبَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالنِّسْبَةُ حَالَّةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ وَهِيَ مُتَعَلَّقُ الْإِثْبَاتِ فَالْمُكَاتَبَةُ مُتَخَيَّلَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ دَالٌّ عَلَى تِلْكَ النِّسَبِ عَلَى اعْتِبَارِ أَجْزَائِهِ الَّتِي هِيَ الْقَضَايَا الَّتِي هِيَ مَوْضُوعَاتُهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ إلَخْ وَمَحْمُولَاتُهَا أَعْرَاضٌ ذَاتِيَّةٌ لَاحِقَةٌ لَهَا كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ أَتَمَّ الْبَيَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَذَكَرْنَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ هَذَا

الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ وَنَحْوِهَا (الْكِتَابُ) الْمُرَادُ بِهِ (الْقُرْآنُ) غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ (وَالْمَعْنِيُّ بِهِ) أَيْ الْقُرْآنُ (هُنَا) أَيْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْرِيرُ الْكَلَامِ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ الْمَنْطِقِيَّةُ لَا مَا قَرَّرَهُ سم وَتَبِعَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ إثْبَاتُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ سَلْبُهُ عَنْهُ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ السَّالِبَةَ تَقَعُ مَسْأَلَةً فِي الْعِلْمِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِامْتِنَاعِهِ، وَقَدْ جَعَلَ الْمَبْحَثَ تَارَةً اسْمَ مَكَان وَتَارَةً مَصْدَرًا وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُكْشَفْ الْغِطَاءُ. (قَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا) صِفَةٌ لِلْأَقْوَالِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْكِتَابِ فَالصِّفَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فَقَدْ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِبْرَازِ عِنْدَ أَمِنِ اللَّبْسِ، وَقَوْلُ سم يُمْكِنُ أَنَّهُ صِفَةُ الْكِتَابِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ مَرْدُودٌ بِلُزُومِ تَقْدِيمِ عَطْفِ النَّسَقِ عَلَى النَّعْتِ مَعَ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَنْهُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّعْتَ وَالْمَنْعُوتَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَبَيْنَهُمَا شِدَّةُ ارْتِبَاطٍ تَأْبَى الْفَصْلَ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ جَوَازِ الْفَصْلِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِقِيَامِ الْمُعَارِضِ هُنَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اشْتِمَالَ الْكِتَابِ عَلَى تِلْكَ الْمَبَاحِثِ مِنْ قَبِيلِ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ أَيْ كُلُّ جُزْءٍ جُزْءٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْنَاهُ فِي لَفْظِ مَبَاحِثَ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا عَيْنُهُ لِلتَّغَايُرِ الِاعْتِبَارِيِّ فِي مِثْلِهِ قَالَ النَّاصِرُ: ثُمَّ اشْتِمَالُ الْكِتَابِ عَلَى الْأَقْوَالِ كَافٍ فِي ذِكْرِ مَبَاحِثِهَا فِيهِ، وَإِنْ شَارَكَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ الِاشْتِمَالِ اهـ. يُرِيدُ أَنَّ وَجْهَ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهَا كِفَايَةٌ فِيهَا وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُفْهِمُ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَإِنْ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي السُّنَّةِ أَيْضًا فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَعْلُومٍ. (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ) لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ قَاصِرًا فِي الْعُرْفِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ فَسَّرَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ: غَلَبَ) أَيْ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ مُقَارِنًا لِأَلْ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ أَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَإِنْ لَزِمَ اجْتِمَاعُ مُعَرَّفَيْنِ، فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ هُنَا بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ. وَقَدْ اخْتَارَ الرَّضِيُّ جَوَازَ اجْتِمَاعِهِمَا إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَا فِي الْآخَرِ وَزِيَادَةٌ كَمَا هُنَا بِدَلِيلِ يَا هَذَا وَيَا عَبْدَ اللَّهِ وَيَا اللَّهُ وَمَا قِيلَ أَنَّهَا تُنَكَّرُ، ثُمَّ تُعَرَّفُ بِحَرْفِ النِّدَاءِ لَا تُتِمُّ فِي يَا اللَّهُ وَيَا عَبْدَ اللَّهِ، وَمَا قِيلَ أَنَّ الْعَلَمَ كَبَقِيَّةِ الْمَعَارِفِ لَا يُضَافُ إلَّا إنْ نُكِّرَ مَمْنُوعٌ بَلْ يَجُوزُ عِنْدِي إضَافَتُهُ مَعَ بَقَاءِ تَعْرِيفِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ تَعْرِيفَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا. (قَوْلُهُ: فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ) احْتَرَزَ عَنْ عُرْفِ النُّحَاةِ وَنَحْوِهِمْ وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِغَلَبَ وَمِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُمْتَازًا بِهَذِهِ الْغَلَبَةِ لِشُهْرَتِهِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ إذْ رُبَّمَا يُسْتَعْمَلُ الْكِتَابُ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَالْقُرْآنُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَ وَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْقُرْآنِ إلَى الْمَقْرُوءِ أَظْهَرُ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ الْكِتَابِ إلَى الْمَقْرُوءِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنِيُّ بِهِ) أَيْ الْمَقْصُودُ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ إلَخْ فَهُوَ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْهُ كَلَامُهُ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْجِنْسِ أَيْضًا فَلَهُ اسْتِعْمَالَانِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْبَعْضِ فِي أَوَّلِهَا وَعَلَيْهِ فِي ثَانِيهَا. (قَوْلُهُ: فِي أُصُولِ الْفِقْهِ) احْتَرَزَ عَنْ الْمَعْنَى بِهِ فِي أُصُولِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ بَحْثَ الْأُصُولِيِّ عَنْ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ الْمُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِ أُصُولِ الدِّينِ، فَإِنَّ الْبَحْثَ فِيهِ عَنْ الْعَقَائِدِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْكَلَامُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ. (قَوْلُهُ: اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْكَلَامُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ إذْ الْكَلَامُ يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسِيِّ، وَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْقُيُودِ بَيْنَ الْمُرَادِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ فِي ذَاتِهِ لَفْظًا جَوَازُ إسْنَادِ اللَّفْظِ إلَيْهِ تَعَالَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ بَلْ يُقَالُ: قَالَ اللَّهُ مَثَلًا، وَإِنْ كَانَ

عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ) يَعْنِي مَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلُ لَفْظًا إلَّا أَنَّهُ وَرَدَ الْإِذْنُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا اقْتَضَى هَذَا أَوْلَوِيَّةَ مَا عَبَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِيهَامِ وَوَصَفَ اللَّفْظَ بِالْإِنْزَالِ مَعَ أَنَّهُ عَرَضٌ وَالْأَعْرَاضُ لَا تَنْتَقِلُ بِاعْتِبَارِ حَامِلِهِ وَمُبَلِّغِهِ فَهُوَ إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ أَوْ لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّ نُزُولَ مُبَلِّغِهِ سَبَبٌ فِي وَصْفِهِ بِالنُّزُولِ وَلِشُيُوعِهِ وَقَعَ فِي التَّعْرِيفِ. لَا يُقَالُ الْمَجَازُ يَصِحُّ نَفْيُهُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وَصْفِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ لِأَنَّا نَقُولُ: غَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى وَصْفِهِ بِذَلِكَ وَكَوْنُهُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ شَيْءٌ آخَرُ إنْ قُلْت: الْمُمْتَنِعُ انْتِقَالُ الْعَرَضِ بِذَاتِهِ أَمَّا بِالتَّبَعِ فَلَا قُلْنَا: يَلْزَمُ عَلَيْهِ بَقَاءُ الْعَرَضِ زَمَانَيْنِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا الْبَقَاءَ نَقُولُ: الْأَلْفَاظُ أَعْرَاضٌ سَيَّالَةٌ لَا بَقَاءَ لَهَا اتِّفَاقًا. وَقَدْ يُقَالُ اللُّغَةُ تَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالُ حَقِيقِيٌّ وَمَسْأَلَةُ الْعَرَضِ إلَخْ مِنْ تَدْقِيقَاتِ الْفَلَاسِفَةِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَمَا أَجَابَ بِهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُنَزَّلُ صُورَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ الْمُتَعَقِّلَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَلْفَاظِ الْحِسِّيَّةِ وَتِلْكَ الصُّورَةُ تَبْقَى وَتَتَعَقَّلُ فِي ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ الْمُقَيَّدَةِ بِخُصُوصِ الْمُحَالِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْخَارِجِيَّةِ لَا لِلصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا اسْتَعْمَلَهُ فِيهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَيْلِ لِلْقَوْلِ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي إثْبَاتِهِ فِي النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الَّذِي لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبَّك إلَّا هُوَ. (قَوْلُهُ: عَلَى مُحَمَّدٍ) قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِلِاحْتِرَازِ، فَإِنَّ الْمُنَزَّلَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - لَيْسَ لِلْإِعْجَازِ فَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: لِلْإِعْجَازِ. (قَوْلُهُ: لِلْإِعْجَازِ) أَيْ لِأَجْلِ الْإِعْجَازِ فَحِكْمَةُ التَّنْزِيلِ الْإِعْجَازُ وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا كَبَيَانِ الْأَحْكَامِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ شَيْخِهِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ اخْتِيَارَ أَنَّ الْإِعْجَازَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّدَبُّرُ وَالتَّذَكُّرُ وَالْإِعْجَازُ تَابِعٌ لَازِمٌ لِأَبْعَاضٍ خَاصَّةٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَا بِقَيْدِ سُورَةٍ وَلَا كُلِّ بَعْضٍ نَحْوَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] قَالَ: وَهُوَ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ اهـ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْإِعْجَازُ غَيْرَ مَقْصُودٍ مَعَ قَوْله تَعَالَى {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ} [الإسراء: 88] الْآيَةَ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي مَا يُصَدَّقُ إلَخْ) أَتَى بِالْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ بِالْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ وَيُطْلَقُ بِالْمَعْنَى الْجِنْسِيِّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ وَبَيْنَ كُلِّ بَعْضٍ مِنْهُ لَهُ بِهِ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ قُلْ وَافْعَلْ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْمِلْهُ الشَّارِحُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِغَرَضِ الْأُصُولِيِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ بِالْأَبْعَاضِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ تَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَإِنَّمَا حَدُّوا الْقُرْآنَ مَعَ تَشَخُّصِهِ إلَخْ فَفِي الْعِنَايَةِ كَمَا فِي النَّاصِرِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُعْنَى بِالْقُرْآنِ الْمَعْنَى الْخَارِجِيُّ التَّشَخُّصِيُّ لَا مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ

مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى آخَرِ سُورَةِ النَّاسِ الْمُحْتَجُّ بِإِبْعَاضِهِ خِلَافَ الْمَعْنَى بِالْقُرْآنِ فِي أُصُولِ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْحَصِرٌ فِي شَخْصٍ كَالشَّمْسِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُبَيِّنَ لِمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ مُسَمَّى الْقُرْآنِ وَجَهِلَ أَنَّهُ مُسَمَّاهُ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ الْمَعْرُوفَ بِصِفَةِ كَذَا هُوَ مَفْهُومُ الْقُرْآنِ اهـ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ لَفْظِيًّا وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ وُقُوعَهُ بِالْمُفْرَدِ كَالْغَضَنْفَرِ الْأَسَدِ. وَفِي سم كَلَامٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ تَفْسِيرَ الْكِتَابِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرَ الْقُرْآنِ بِمَا بَعْدَهُ يُسَمَّى حَدًّا اسْمِيًّا وَحْدًا لَفْظِيًّا. وَقَالَ فِي قَوْلِ النَّاصِرِ الْمَعْنِيُّ بِالْقُرْآنِ الْمَعْنَى الْخَارِجِيُّ الشَّخْصِيُّ الْمُرَادُ بِالْخَارِجِ نَفْسُ الْأَمْرِ لَا مَا يُرَادِفُ الْأَعْيَانَ وَإِلَّا نَافَى كَوْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّخْصِيِّ اعْتِبَارِيًّا؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالشَّخْصُ الَّذِي هُوَ اعْتِبَارِيٌّ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ الِاعْتِبَارِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا اعْتِبَارِيًّا وَقَالَ هُنَا: إنَّ التَّعْرِيفَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمَعْنَى الِاعْتِبَارِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا لَفْظِيًّا أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ إلَخْ فَمُكَابَرَةٌ فِي الْمَحْسُوسِ كَيْفَ وَاللَّفْظُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ فَهُوَ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ وَمَا اسْتَنَدَ مِنْ تَرَكُّبِهِ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالشَّخْصُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَشْخَاصَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْخَارِجِ كُلَّهَا أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ؛ لِأَنَّ لَهَا مَاهِيَّاتٍ كُلِّيَّةً هِيَ عِبَارَةٌ عَنْهَا وَعَنْ التَّشَخُّصِ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِ التَّشَخُّصِ اعْتِبَارِيًّا كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ: إنَّ التَّعْرِيفَ هُنَا لَفْظِيٌّ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ تَعْرِيفَ الْمَعْنَى الِاعْتِبَارِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا لَفْظِيًّا مُنَاقِضٌ لِمَا أَسْلَفَهُ قَبْلَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْكِتَابُ الْقُرْآنُ أَنَّ تَعْرِيفَهُ لَفْظِيٌّ اسْمِيٌّ مَعَ أَنَّ جَمْعَهُ بَيْنَهُمَا مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ النُّظَّارِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: التَّعْرِيفُ إمَّا لَفْظِيُّ يُقْصَدُ بِهِ تَعْيِينُ مَعْنَى اللَّفْظِ لِسَامِعِهِ مِنْ بَيْنِ الْمَعَانِي الْمَعْلُومَةِ لَهُ فَمَآلُهُ إلَى التَّصْدِيقِ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِكَذَا لُغَةً أَوْ اصْطِلَاحًا وَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ مُرَادِفٍ أَوْ أَعَمَّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمُفْرَدَةُ ذَكَرَ الْمُرَكَّبَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَعْيِينُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ تَفْصِيلُهُ، وَإِمَّا حَقِيقِيٌّ يُقْصَدُ بِهِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مَا يُقْصَدُ بِهِ تَفْصِيلُ مَفْهُومِ اللَّفْظِ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَدْلُولُهُ. وَقَدْ تَصَوَّرَهُ بِوَجْهِ مَا أَوْرَدَ تَصَوُّرَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ تَفْصِيلًا فَيُسَمَّى تَعْرِيفًا اسْمِيًّا وَتَعْرِيفًا بِحَسَبِ الِاسْمِ وَيَنْقَسِمُ إلَى الْحُدُودِ وَالرُّسُومِ وَقَالُوا: إنَّ تَعَارِيفَ الْأُمُورِ الْمَعْدُومَةِ وَالِاعْتِبَارِيَّة تَارَةً تَكُونُ لَفْظِيَّةً وَتَارَةً تَكُونُ اسْمِيَّةً وَلَيْسَ لَهَا تَعْرِيفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ إذْ لَا حَقَائِقَ لَهَا بَلْ مَفْهُومَاتٌ. وَأَمَّا الْمَوْجُودَاتُ، فَإِنَّ لَهَا مَفْهُومَاتٍ وَحَقَائِقَ فَيَجُوزُ. أَنْ يَكُونَ لَهَا أَقْسَامُ التَّعْرِيفِ كُلِّهَا هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْمَنَاطِقَةِ وَالنُّظَّارِ وَالشَّيْخُ خَالَفَهُ بِلَا سَنَدٍ فَلَا يُتَّبَعُ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِلْمُسَمَّى بِالْقُرْآنِ شَرْعًا إلَّا هَذَا الشَّخْصُ مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَالْأَشْخَاصُ كُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ مَفَاهِيمَ كُلِّيَّةٍ حَتَّى قَالُوا: إنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ كُلِّيٌّ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَالتَّعَقُّلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْجُودُ خَارِجًا لَيْسَ إلَّا الْفَرْدُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ. وَقَدْ قَالُوا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ: إنَّهُ كُلِّيٌّ أَنْحَصَرَ فِي فَرْدٍ كَالشَّمْسِ، فَإِنَّ مَدَارَ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ عَلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصَوُّرَاتُ لَا حَجْرَ فِيهَا كُلُّ ذَلِكَ مُبَيَّنٌ أَتَمَّ بَيَانٍ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ وَالْمَنْطِقِيَّةِ وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: إنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّخْصِيِّ اعْتِبَارِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالتَّشَخُّصِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يُنَاقِضُهُ مِنْ الْحَصْرِ الَّذِي ادَّعَاهُ فَتَدَبَّرْ وَلَا تَكُنْ أَسِيرَ التَّقْلِيدِ وَانْظُرْ لِمَا قَالَ لَا لِمَنْ قَالَ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ إلَخْ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَوَّلُهُ سُورَةُ إلَخْ فَمِنْ لِلْبَيَانِ لَا لِلِابْتِدَاءِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ ثَابِتٌ لِمَجْمُوعِ الْقُرْآنِ لِأَوَّلِ سُورَةِ الْحَمْدِ. (قَوْلُهُ: الْمُحْتَجُّ بِأَبْعَاضِهِ) كَالتَّعْلِيلِ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْقُرْآنِ هُنَا اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ إلَخْ لَا الْمَدْلُولُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مِمَّا يَحْتَجُّ بِأَبْعَاضِهِ وَالِاحْتِجَاجُ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ إذْ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مُسَمَّى الْقُرْآنِ هُوَ الْكُلُّ كَمَا قَالَهُ سم خِلَافًا لِلنَّاصِرِ. (قَوْلُهُ: خِلَافُ الْمَعْنَى) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ هُنَا وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَدْلُولِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ بِالدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أُضِيفَ لَهُ كَلَامٌ لَفْظِيٌّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا

عَنْ مَدْلُولِ ذَلِكَ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا حَدُّوا الْقُرْآنَ مَعَ تَشَخُّصِهِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَوْصَافِهِ لِيَتَمَيَّزَ مَعَ ضَبْطِ كَثْرَتِهِ عَمَّا لَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِالدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى غَيْرَ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فِي حَقِّنَا وَوَجْهُ إضَافَتُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ صِفَتُهُ وَبِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْشَأَهُ بِرُقُومِهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَنَعَ السَّلَفُ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَدَبًا وَتَحَرُّزًا عَنْ ذَهَابِ الْوَهْمِ إلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا حَدُّوا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: الْأَشْخَاصُ لَا تُحَدُّ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِّ هُنَا التَّعْرِيفُ وَالْأُصُولِيُّونَ كَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِيهِ وَالْمَحَافِظُ عَلَى التَّفْرِقَةِ الْمَنَاطِقَةُ. (قَوْلُهُ: مَعَ تَشَخُّصِهِ) أَيْ وَذَلِكَ مُغْنٍ عَنْ حَدِّهِ إذْ لَا يَقَعُ فِيهِ اشْتِرَاكٌ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يَقْرَأَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَيُقَالُ هُوَ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ بِهَذَا التَّرْتِيبِ وَالْحَدُّ إنَّمَا هُوَ لِلْمَاهِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ وَكَوْنُ الْقُرْآنِ وَاحِدًا بِالشَّخْصِ وَإِنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ عَلَمٌ شَخْصِيٌّ هُوَ مَا حَقَّقَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا الْمُؤَلَّفِ الْمَخْصُوصِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَلَفِّظِينَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا هُوَ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلِسَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَوْ كَانَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْقَائِمِ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ لَكَانَ هَذَا مُمَاثِلًا لَهُ لَا عَيْنَهُ ضَرُورَةً أَنَّ الْأَعْرَاضَ تَتَشَخَّصُ بِمُحَالِهَا فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُحَالِ اهـ. أَيْ فَهَذَا التَّعَدُّدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لُغَةً؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ تَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْكَلَامِ الْمُلْتَزَمِ فِيهِ نِظَامٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ هَذَا التَّعَدُّدَ كَانَ عِلْمَ جِنْسٍ فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلِ الْكُورَانِيِّ إنَّ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَ لَفْظَانِ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَبَيْنَ اللَّفْظِ الْمَتْلُوِّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ الْحَادِثِ وَعَلَى الْأَوَّلِ كُلٌّ مِنْهُمَا عِلْمُ شَخْصٍ لِذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَعَلَى الثَّانِي عِلْمُ جِنْسٍ لِاخْتِلَافِ الْمُحَالِ وَهِيَ أَلْسِنَةُ الْعِبَادِ إذْ اخْتِلَافُ الْمُحَالِ يُنَافِي التَّشَخُّصَ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِحَدُّوا. (قَوْلُهُ: لِيَتَمَيَّزَ) أَيْ لَا لِتَصَوُّرِ مَاهِيَّتِه. (قَوْلُهُ: مَعَ ضَبْطِ كَثْرَتِهِ) أَيْ مَعَ مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِنْ ضَبْطِ كَثْرَةِ أَجْزَائِهِ بِبَيَانِ اشْتِرَاكِهَا فِي الِاتِّصَافِ بِمَا ذَكَرَ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِفَائِدَةٍ ثَانِيَةٍ لِحَدِّهِ. (قَوْلُهُ: عَمَّا لَا يُسَمَّى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِيَتَمَيَّزَ أَيْ لِيَحْصُلَ امْتِيَازُ مَدْلُولِ عَمَّا لَيْسَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَرَفَ الْإِنْزَالَ

مِنْ الْكَلَامِ فَخَرَجَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى قُرْآنًا بِالْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ الْأَحَادِيثُ غَيْرُ الرَّبَّانِيَّةِ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ مَثَلًا وَبِالْإِعْجَازِ أَيْ إظْهَارُ صِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَعْوَاهُ الرِّسَالَةَ. مَجَازًا عَنْ إظْهَارِ عَجْزِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ الْأَحَادِيثَ الرَّبَّانِيَّةَ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» إلَخْ وَغَيْرِهِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِعْجَازِ، وَإِنْ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ بِسُورَةٍ مِنْهُ أَيْ أَيِّ سُورَةٍ كَانَتْ مِنْ جَمِيعِ سُوَرِهِ حِكَايَةً لِأَقَلَّ مَا وَقَعَ بِهِ الْإِعْجَازُ الصَّادِقُ بِالْكَوْثَرِ أَقْصَرِ سُورَةٍ وَمِثْلُهَا فِيهِ قَدْرُهَا مِنْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِعْجَازَ وَالسُّورَةَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِتَمْيِيزِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لِلْإِعْجَازِ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَفْرَادُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ ذَاتِيًّا أَوْ عَرَضِيًّا وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ السُّورَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَيَدُورُ فَهَذَا التَّمْيِيزُ كَمَا قَالَ النَّاصِرُ تَمْيِيزٌ فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْحَقِيقَةِ اهـ. وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا وسم حَاوَلَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فَذَلِكَ أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالتَّمْيِيزِ فِي التَّسْمِيَةِ غَايَةُ التَّعَسُّفِ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِنْ الْمُتَعَسِّفِ، فَإِنَّا لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَالْعِبَارَاتُ كَثِيرًا مَا يُتَسَامَحُ فِيهَا عِنْدَ ظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا بَلْ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْإِتْيَانُ بِنُقُولٍ كَثِيرَةٍ وَكَلَامٍ طَوِيلٍ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ فِيهَا تَسَامُحٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْكَلَامِ) مِنْ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ لِمَا بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ أَوْ ابْتِدَائِيَّةٌ فِي مَحَلِّ الْحَالِ أَيْ لِيَتَمَيَّزَ عَمَّا لَيْسَ بِاسْمِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ كَائِنًا وَنَاشِئًا مِنْ الْكَلَامِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ إخْرَاجُ مَا ذَكَرَ عَنْ التَّسْمِيَةِ لَا عَنْ الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: بِالْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَيْدٌ وَاحِدٌ خَرَجَ بِهِ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَاَلَّذِي أَفَادَهُ أَرْبَابُ الْحَوَاشِي أَنَّ قَوْلَهُ الْمُنَزَّلُ خَرَجَ بِهِ الْأَحَادِيثُ غَيْرُ الرَّبَّانِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَفْظًا مُنَزَّلًا إذْ الْمُنَزَّلُ مَعْنَاهَا وَالْمُعَبِّرُ عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ جَوَّزُوا رِوَايَتَهَا بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ؛ وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ بِاجْتِهَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَرَجَ بِهِ الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ غَيْرُ الْقُرْآنِ. (قَوْلُهُ: الْأَحَادِيثُ غَيْرُ الرَّبَّانِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَيْسَتْ مَحْكِيَّةً عَنْ اللَّهِ وَهِيَ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) زَادَهَا لِإِدْخَالِ بَقِيَّةِ الْكُتُبِ وَالصُّحُفِ. (قَوْلُهُ: مَجَازًا عَنْ إظْهَارِ عَجْزِ الْمُرْسَلِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْإِعْجَازِ لُغَةً وَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ وَإِنَّمَا صُرِفَ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّ التَّنْزِيلَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَمُفَادُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ حَقِيقَةٍ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ مَجَازٍ عَنْ حَقِيقَةٍ لِأَنَّ الْإِعْجَازَ فِي الْأَصْلِ إثْبَاتُ الْعَجْزِ، ثُمَّ نُقِلَ لِإِظْهَارِهِ ثُمَّ لِإِظْهَارِ صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: الْأَحَادِيثُ الرَّبَّانِيَّةُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَنْزَلَ لَفْظَهَا وَقِيلَ النَّازِلُ الْمَعْنَى وَالْمُعَبِّرُ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ فَهِيَ خَارِجَةٌ بِقَوْلِهِ الْمُنَزَّلُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) كَالْمَوَاعِظِ وَالْأَحْكَامِ وَالتَّدَبُّرِ لِلْآيَاتِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمَوَاعِظُ وَالْأَحْكَامُ وَالتَّدَبُّرُ فَقَدْ شَارَكَهُ فِيهَا الْأَحَادِيثُ وَغَيْرُهَا. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ:) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ حِكَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ جَمِيعِ سُوَرِهِ) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الْعِلْمِيُّ فَلَا يَرِدُ صِدْقُ التَّعْرِيفِ عَلَى بَعْضٍ. (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِالْكَوْثَرِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ الْكَوْثَرُ، وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْإِعْجَازَ وَقَعَ بِكُلِّ الْقُرْآنِ وَبِعَشْرِ سُوَرٍ وَبِسُورَةٍ مِنْهُ فَالسُّورَةُ أَقَلُّ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ الْقُرْآنِ وَالْعَشْرُ وَذَلِكَ الْأَقَلُّ صَادِقٌ بِسُورَةِ الْكَوْثَرِ وَلَمْ يَقَعْ الْإِعْجَازُ بِخُصُوصِهَا بَلْ بِمَا يُصَدَّقُ بِالسُّورَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْهَا وَالصَّادِقَةُ بِهَا. (قَوْلُهُ: أَقْصَرِ سُورَةٍ) مَجْرُورُ بَدَلٍ مِنْ الْكَوْثَرِ أَنْ قَرَأَ سُورَةً بِهَاءِ التَّأْنِيثِ وَنَعْتٍ أَيْضًا أَنْ قَرَأَ بِهَا الضَّمِيرَ. (قَوْلُهُ: قَدْرُهَا) أَيْ فِي عَدَدِ الْآيَاتِ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ الصَّادِقِ بِآيَتَيْنِ وَبِآيَةٍ وَبِدُونِهَا لِيُوَافِقَ قَوْلَهُمْ الْإِعْجَازُ إنَّمَا يَقَعُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا دُونَهَا) فِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور: 34] وَهُوَ صَادِقٌ بِالْآيَةِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ كَمَا يُصَدَّقُ بِذَلِكَ يُصَدَّقُ بِالْكُلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ عَلَى أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ اهـ. وَنَقَلَ زَكَرِيَّا عَنْ الْبِرْمَاوِيِّ أَنَّ الْإِعْجَازَ يَقَعُ بِالْآيَتَيْنِ وَبِالْآيَةِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا بِهِ التَّعْجِيزُ لَا فِي كَثَمَّ نَظَرٌ

وَفَائِدَتُهُ كَمَا قَالَ دَفْعُ إيهَامِ الْعِبَارَةِ بِدُونِهِ أَنَّ الْإِعْجَازَ بِكُلِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَبِالْمُتَعَبَّدِ بِتِلَاوَتِهِ أَيْ أَبَدًا مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ كَمَا قَالَ مِنْهُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِلْحَاجَةِ فِي التَّمْيِيزِ إلَى إخْرَاجِ ذَلِكَ زَادَ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَيْرِهِ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ لَا تَدْخُلُ الْحُدُودَ. (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ (الْبَسْمَلَةُ أَوَّلُ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَتُهُ) أَيْ فَائِدَةُ حِكَايَةِ أَقَلِّ مَا وَقَعَ بِهِ الْإِعْجَازُ أَيْ مِنْ فَوَائِدِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمِنْهَا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْكُلِّ دُونَ أَبْعَاضِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ دَفْعُ إيهَامٍ إلَخْ أَيْ لِلِاحْتِرَازِ وَلَا لِلْبَيَانِ، فَإِنَّ الْقُيُودَ فِي التَّعْرِيفِ تَكُونُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ أَبَدًا) إنَّمَا زَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ تَعَبَّدَ بِهِ فِيمَا مَضَى، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ التَّأْبِيدَ إلَّا بِوَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُسَمَّى قُرْآنًا فِي حَيَاتِهِ لِجَوَازِ نَسْخِهِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ قُيُودٌ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ، فَإِنَّ التَّعَارِيفَ تُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُ مَنْ أُلْقِيَتْ إلَيْهِ أَوْ أَنَّ الْأَبَدِيَّةَ شَرْطٌ لِاسْتِمْرَارِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا لِثُبُوتِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الثُّبُوتِ حَاصِلٌ بِنُزُولِهِ. (قَوْلُهُ: مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ تَعَبَّدَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَلِحَاجَةٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ زَادَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ) لِأَنَّ التَّعَبُّدَ هُوَ الطَّلَبُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِالْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَدْخُلُ الْحُدُودَ) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِإِفَادَةِ التَّصَوُّرِ وَالْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ، فَلَوْ تَوَقَّفَ تَصَوُّرُهُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ الدُّورُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْحَدَّ كَمَا يُرَادُ بِهِ تَحْصِيلُ التَّصَوُّرِ قَدْ يُرَادُ بِهِ تَمْيِيزُ تَصَوُّرٍ حَاصِلٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ مِنْ بَيْنِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْمُرَادُ بِتَحْدِيدِ الْقُرْآنِ تَمْيِيزُ مُسَمَّاهُ عَمَّا عَدَاهُ بِحَسَبِ الْوُجُودِ وَالشَّيْءُ قَدْ يُمَيَّزُ بِذِكْرِ حُكْمِهِ لِمَنْ تَصَوَّرَهُ بِأَمْرٍ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا هَذَا، فَإِنَّ تَحْدِيدَ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ إلَخْ حَدَّ لَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ عَمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ الْإِنْزَالَ وَالْإِعْجَازَ مَعَ بَقِيَّةِ الْقُيُودِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْقُرْآنِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْبَسْمَلَةُ) عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ فَهِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَعَلَيْهِ قُرَّاءُ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَفُقَهَاؤُهُمَا وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَخَالَفَهُمْ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَفُقَهَاؤُهَا وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إنَّهَا آيَةُ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ. وَلَمْ يَنُصَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ بِشَيْءِ وَإِنَّمَا قَالَ: يَقْرَؤُهَا الْمُصَلِّي وَيُسِرُّهَا. وَقَالَ يَعْلَى سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْهَا فَقَالَ: مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ قُرْآنٌ، فَقُلْت فَلِمَ سَرَّهُ؟ فَلَمْ يُجِبْنِي. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: تَوَرَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهَا، فَإِنَّ خَطَرَهَا عَظِيمٌ. وَقَالَ الْفَنَاِريُّ الْكَبِيرُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: لَعَلَّ عَدَمَ إجَابَتِهِ لِظُهُورِ وَجْهِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْحَنَفِيَّةِ الْإِخْفَاءُ فِي الْأَذْكَارِ، وَقَدْ قَالَ جَمْعٌ غَفِيرٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي إخْفَائِهَا اهـ. قِيلَ وَالْأَصَحُّ الْمَقْبُولُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا آيَةٌ فَذَّةٌ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ وَالتَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِهَا فَلِذَلِكَ أُخِّرَتْ عَنْ الِاسْتِعَاذَةِ وَكُتِبَتْ بِقَلَمِ الْوَحْيِ وَحَبَّرَهُ وَخَطَّهُ فِي الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِعَاذَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَوْ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَنَا لَكِنْ بِتَغْلِيبٍ، فَإِنَّ الْبَسْمَلَةَ أَوَّلُ الْفَاتِحَةِ قُرْآنٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ هِيَ فِي أَوَائِلِ بَقِيَّةِ السُّوَرِ قُرْآنٌ قَطْعًا أَوْ حُكْمًا لَا قَطْعًا وَجْهَانِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الثَّانِي. وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَعْنَى الْحُكْمِ هُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمَ الْقُرْآنِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِئًا لِلسُّورَةِ بِكَمَالِهَا إلَّا إذَا ابْتَدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنًا بِقَاطِعٍ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحِجْرُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا خَارِجَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْهُ بِقَاطِعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهَا أَوَائِلُ السُّوَرِ قُرْآنٌ قَطْعًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ لَا مَا نَقَلَ آحَادًا وَلِاقْتِصَارِ الشَّارِحِ فِي الِاسْتِدْلَالِ هُنَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْقَطْعَ وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ إلَخْ وَبِكَوْنِهَا قُرْآنًا حُكْمًا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: إنَّ الْقُرْآنَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّوَاتُرِ فَمَنْ زَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ يُكَفِّرُ وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهُ يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّهُ لَا تَكْفِيرَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّ قُرْآنِيَّتَهَا حُكْمِيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ

لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ كَذَلِكَ بِخَطِّ السُّوَرِ فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ مَعَ مُبَالَغَتِهِمْ فِي أَنْ لَا يُكْتَبَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى النَّقْطُ وَالشَّكْلُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَتْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْفَاتِحَةِ لِابْتِدَاءِ الْكِتَابِ عَلَى عَادَةِ اللَّهِ فِي كُتُبِهِ وَمِنْهُ سُنَّ لَنَا ابْتِدَاءُ الْكُتُبِ بِهَا وَفِي غَيْرِهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهِيَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ النَّمْلِ إجْمَاعًا وَلَيْسَتْ مِنْهُ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا قَطْعِيَّةٌ إذْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ، وَالظَّنُّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّوَاتُرِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْآحَادُ إلَّا أَنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ نَفْيِ الْقُرْآنِيَّةِ عَمَّا نُقِلَ آحَادًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَوْصِيَةَ الصَّحَابَةِ وَمُبَالَغَتَهُمْ فِي تَجْدِيدِ الْمُصْحَفِ عَمَّا لَيْسَ بِقُرْآنِ عَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَابِتَةٌ بِالتَّوَاتُرِ مُنَادِيَةً أَنَّ نَقْلَ التَّسْمِيَةِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى قُرْآنِيَّتِهَا. وَقَدْ عَارَضَ هَذِهِ عَادَةٌ مِثْلُهَا وَهِيَ أَنَّهَا فِي الشَّرِيعَةِ شِعَارُ الْفَصْلِ وَعِنْوَانُ التَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِهَا فَلِمُعَارَضَةِ الْعَادَتَيْنِ فِي كِلَا الطَّرَفَيْنِ لَمْ يُكَفِّرْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْأُخْرَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّ الشُّبْهَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ دَلِيلِ كُلِّ طَائِفَةٍ قَوِيَّةٌ فِي حَقِّ الْأُخْرَى. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْهُ لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَالْحَقُّ مَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ نَقْلَ الْبَسْمَلَةِ بِالتَّوَاتُرِ لَكِنْ لَا عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهَا قُرْآنٌ أَوْ غَيْرُ قُرْآنٍ كَيْفَ وَالْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ عَلَى افْتِتَاحِ السُّورَةِ بِالْبَسْمَلَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ إلَخْ لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قُرْآنِيَّتهَا لِاحْتِمَالِ الْفَصْلِ الْآتِي، وَأَمَّا تَعَيُّنُ قِرَاءَتِهَا فِي الْفَاتِحَةِ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ التَّالِي بِتَعَمُّدِ تَرْكِهَا عِنْدَنَا فِيهَا فَلِمَعْنَى يَخُصُّ الصَّلَاةَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ إلَخْ) دَلِيلٌ اقْتِرَانِيٌّ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ذَكَرَ الشَّارِحُ صُغْرَاهُ وَطَوَى الْكُبْرَى وَذَكَرَ دَلِيلَهَا تَقْرِيرُهُ هَكَذَا الْبَسْمَلَةُ مَكْتُوبَةٌ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ بِخَطِّ السُّوَرِ فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ قُرْآنٌ فَالْبَسْمَلَةُ قُرْآنٌ أَمَّا الصُّغْرَى فَبَدِيهِيَّةٌ، وَأَمَّا الْكُبْرَى فَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهَا بِقَوْلِهِ: إنَّ الصَّحَابَةَ بَالَغُوا إلَخْ. (قَوْلُهُ: بِخَطِّ السُّوَرِ) دَفَعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ: إنَّ أَسْمَاءَ السُّوَرِ كَذَلِكَ مَكْتُوبَةٌ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا بِغَيْرِ خَطِّ الْمُصْحَفِ بَلْ مُتَمَيِّزَةٌ بِخَطٍّ آخَرَ وَمِدَادٍ آخَرِ. (قَوْلُهُ: فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ) نُسِبَ إلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا نُسِبَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي جَمْعِهِ. (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكْتُبَ فِيهَا لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ بِخَطِّ السُّوَرِ فَحُذِفَ الْقَيْدُ مِنْ هَذَا لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ فَلَا يَرِدُ أَسْمَاءَ السُّوَرِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى النُّقَطُ وَالشَّكْلُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا لَيْسَ مِنْهُ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا الْمَجْرُورَةُ فِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ وَهُوَ غَايَةٌ فِي الْمُبَالَغَةِ أَيْ انْتَهَتْ مُبَالَغَتُهُمْ إلَى عَدَمِ كِتَابَةِ ذَلِكَ وَعَدَمِ كِتَابَةِ آمِينَ وَالِاسْتِعَاذَةِ أَيْضًا مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ سُنَنِ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ إنَّ تَرَاجِمَ السُّوَرِ وَكَذَا النَّقْطُ وَالشَّكْلُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ لَنَا أَيْضًا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ سَبْعُ آيَاتٍ أَوْلَاهُنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي) هُوَ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ فَاسْتِدْلَالُهُ لِتَقْوِيَةِ مَذْهَبِهِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْفَاتِحَةِ إلَخْ) مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ كِتَابَتِهَا فِي الْفَاتِحَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرَ لَمَا سَاغَ كِتَابَتَهَا بِخَطِّ السُّوَرِ لِمُبَالَغَةِ الصَّحَابَةِ فِي تَجْرِيدِ الْقُرْآنِ عَمَّا عَدَاهُ وَلَكُتِبَتْ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ وَمَا ذَكَرَ فِي الْخَبَرِ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ نَفَى كَوْنَهَا قُرْآنًا بَلْ قَدْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَثْبَتَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي نُزُولِهَا قُرْآنًا فَمُحْتَمَلٌ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِالْقَاطِعِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كِتَابَتِهَا بِخَطِّ السُّوَرِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَجْرِيدِ الْقُرْآنِ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ زَكَرِيَّا وَيُقَوِّيهِ مَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ

لِنُزُولِهَا بِالْقِتَالِ الَّذِي لَا تُنَاسِبُهُ الْبَسْمَلَةُ الْمُنَاسِبَةُ لِلرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ (لَا مَا نُقِلَ آحَادًا) قُرْآنًا كَإِيمَانِهِمَا فِي قِرَاءَةِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا إيمَانَهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ (عَلَى الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لِإِعْجَازِهِ النَّاسَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَفْسِهِ تَوَاتُرًا وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاتِرًا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لِعَدَالَةِ نَاقِلِهِ وَيَكْفِي التَّوَاتُرُ فِيهِ. (وَ) الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَنْ تَرَكَهَا أَيْ الْبَسْمَلَةَ فَقَدْ تَرَكَ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْعَادَةِ وَذَكَرَ بِتَأْوِيلِهَا بِالِاعْتِيَادِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِلْفَصْلِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا يُعْرَفُ إلَخْ) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِهَا لِلْفَصْلِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِهَا مِمَّا بَعْدَهَا وَلِعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ مِنْهُ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ) الْمُنَاسِبُ وَلَمْ تُوجَدْ لِإِيهَامِ عِبَارَتِهِ أَنَّهَا وُجِدَتْ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ لَكِنْ لَيْسَتْ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ قَالَ سم وَلَمْ يَقُلْ إجْمَاعًا لَعَلَّهُ لِتَرَدُّدِهِ فِيهِ وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ نِسْبَةَ الشَّارِحِ لِلتَّرَدُّدِ فِي مِثْلِهِ مِمَّا يَقْدَحُ فِي سَعَةِ اطِّلَاعِهِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْسُبُهُ لِسَعَةِ الِاطِّلَاعِ فِي مَوَاضِعَ يُخَالِفُ فِيهَا الْجَمَّ الْغَفِيرَ مَعَ نِسْبَةِ التَّرَدُّدِ إلَيْهِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى غَيْرِهِ فَضْلًا عَنْهُ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْإِجْمَاعِ لِظُهُورِهِ وَلَا غِنَاءَ ذَكَرَهُ قَبْلَهُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَالرِّفْقِ) عَطْفُ مُرَادِفٍ وَالرَّحْمَةُ وَالرِّفْقُ مُنَافِيَانِ لِلْقِتَالِ الَّذِي تَضَمَّنَتْ الْأَمْرَ بِهِ. (قَوْلُهُ: لَا مَا نُقِلَ آحَادًا) أَيْ غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا نُقِلَتْ آحَادًا لِيَصِحَّ الْعَطْفُ بِلَا، فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَ أَحَدُ مُتَعَاطِفَيْهَا عَلَى الْآخَرِ قَالَهُ سم وَفِيهِ مَا قَدْ عَلِمْت. (قَوْلُهُ: تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي) أَيْ تَكْثُرُ وَضَمِنَهُ مَعْنَى تَجْمَعُ فَعَدَّاهُ بِعَلَى. (قَوْلُهُ: تَوَاتُرًا) فَلَوْ كَانَ مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا لِتَوَاتُرِ نَقْلُهُ. (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي التَّوَاتُرُ فِيهِ) أَيْ الْعَصْرِ الْأَوَّلُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ الْأَوَّلِ غَيْرَ قُرْآنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لِانْقِطَاعِ تَوَاتُرِهِ وَالْكَلَامُ فِي الْقُرْآنِ الْمُسْتَمِرَّةُ قُرْآنِيَّتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَزْمَانِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ فِي الْمَنْقُولِ قُرْآنًا وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ إلَخْ) هَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهَا آحَادٌ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ وَالْمُرَادُ نَفْيُ التَّوَاتُرِ عَنْ قِرَاءَةِ الشَّيْخِ الْمَخْصُوصِ بِتَمَامِهَا كَنَافِعٍ مَثَلًا بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ آحَادٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيُ التَّوَاتُرِ مِنْ أَصْلِهِ وَالْإِلْزَامُ نَفْيُ التَّوَاتُرِ عَنْ الْقُرْآنِ كُلِّهِ وَالْإِجْمَاعُ خِلَافُهُ وَهُنَا بَحْثَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَسَانِيدَ إلَى الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَأَسَانِيدِهِمْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْقِرَاءَةِ آحَادٌ لَا تَبْلُغُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ التَّوَاتُرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ انْحِصَارَ الْأَسَانِيدِ الْمَذْكُورَةِ فِي طَائِفَةِ لَا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقُرْآنِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا نُسِبَتْ الْقِرَاءَةُ إلَى الْأَئِمَّةِ وَمَنْ ذُكِرَ فِي أَسَانِيدِهِمْ وَالْأَسَانِيدُ إلَيْهِمْ لِتَصَدِّيهِمْ لِضَبْطِ الْحُرُوفِ وَحِفْظِ شُيُوخِهِمْ فِيهَا وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي طَبَقَتِهِ مَا يَبْلُغُهَا عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ تَلَقَّاهُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ دَائِمًا مَعَ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لِقِرَاءَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِالْقَبُولِ الثَّانِي أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَاطِعَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ لَمَا تَعَارَضَتْ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ

الْمَعْرُوفَةُ لِلْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ أَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَعَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ (مُتَوَاتِرَةٌ) مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْنَا أَيْ نَقَلَهَا عَنْهُ جَمْعٌ يَمْتَنِعُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ لِمِثْلِهِمْ وَهَلُمَّ (قِيلَ) يَعْنِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (فِيمَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ) أَيْ فَمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ بِأَنْ كَانَ هَيْئَةً لِلَّفْظِ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهَا فَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ وَذَلِكَ (كَالْمَدِّ) الَّذِي زِيدَ فِيهِ مُتَّصِلًا وَمُنْفَصِلًا عَلَى أَصْلِهِ حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ أَلِفَيْنِ فِي نَحْوِ جَاءَ وَمَا أَنْزَلَ وَوَاوَيْنِ فِي نَحْوِ: السُّوءُ، وَقَالُوا: أَنُؤْمِنُ، وَيَاءَيْنِ فِي نَحْو: جِيءَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِنِصْفٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِنِصْفٍ أَوْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ طُرُقٌ لِلْقُرَّاءِ (وَالْإِمَالَةُ) الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْأَصْلِ مَعَ الْفَتْحِ مَحْضَةٌ أَوْ بَيْنَ بَيْنَ بِأَنْ يُنَحِّيَ بِالْفَتْحَةِ فِيمَا يُمَالُ كَالْغَارِ نَحْوَ الْكَسْرَةِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبِ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْفَتْحَةِ. (وَتَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ) الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ مِنْ التَّحْقِيقِ نَقْلًا نَحْوَ {قَدْ أَفْلَحَ} [المؤمنون: 1] وَإِبْدَالًا نَحْوَ يُؤْمِنُونَ وَتَسْهِيلًا نَحْوَ أَيِنَّكُمْ وَإِسْقَاطًا نَحْو {جَاءَ أَجَلُهُمْ} [النحل: 61] (قَالَ أَبُو شَامَةَ وَالْأَلْفَاظُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ) أَيْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَدَاءِ الْكَلِمَةِ يَعْنِي غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ كَأَلْفَاظِهِمْ فِيمَا فِيهِ حَرْفٌ مُشَدَّدٌ نَحْوَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] بِزِيَادَةٍ عَلَى أَقَلِّ التَّشْدِيدِ مِنْ مُبَالَغَةٍ أَوْ تَوَسُّطٍ وَغَيْرُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَبِي شَامَةَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا قَالَاهُ وَالْمُصَنِّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَوَابُهُ أَنَّا نَمْنَعُ التَّعَارُضَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ بِإِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ لَا يُنْكِرُ الْأُخْرَى وَلَا يَتَأَتَّى التَّعَارُضُ إلَّا لَوْ نَفَى قِرَاءَةَ غَيْرِهِ وَشُهْرَتُهُ بِرِوَايَتِهِ وَاعْتِنَاؤُهُ بِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَنْفِي غَيْرَهَا كَأَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ. (قَوْلُهُ: الْمَعْرُوفَةُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ. (قَوْلُهُ: يَمْتَنِعُ عَادَةً) أَيْ يُحِيلُ الْعَقْلُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ تَوَافُقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ كَانَ التَّوَافُقُ قَصْدًا أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ) لِأَنَّ الْهَيْئَةَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا مِنْ قِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ الْكُورَانِيِّ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ نَقْلَةَ الْمُدُودِ هُمْ نَقَلَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ الْمَدُّ وَنَحْوُهُ غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ لَزِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ أَصْلُ الْمَدِّ وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ مَا يَتَحَقَّقُ اللَّفْظُ بِدُونِهِ وَهُوَ مَا زِيدَ فِي الْمَدِّ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الَّذِي زِيدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِنِصْفِ إلَخْ) فَيَكُونُ ثَلَاثُ حَرَكَاتٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ اثْنَيْنِ) فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ حَرَكَاتٍ. (قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْأَصْلِ) ، وَأَمَّا أَصْلُ الْإِمَالَةِ فَمُتَوَاتِرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفَتْحِ) بَيَانٌ لِلْأَصْلِ وَقَوْلُهُ: نَفْلًا إلَخْ حَالٌ مِنْ التَّخْفِيفِ. (قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو شَامَةَ وَالْأَلْفَاظِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمَدِّ. (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ وَسَيَظْهَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَجْهُ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: كَأَلْفَاظِهِمْ) أَيْ تَلَفُّظِهِمْ وَنُطْقِهِمْ فَصَحَّتْ الظَّرْفِيَّةُ. (قَوْلُهُ: بِزِيَادَةِ) حَالٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْيَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَقَلِّ التَّشْدِيدِ) الَّذِي هُوَ مُتَوَاتِرٌ. (قَوْلُهُ: هِيَ مُبَالَغَةٌ أَوْ تَوَسُّطٌ) بَيَانٌ لِلزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى وَجْهِ ضَعْفِهِ وَأَنَّهُ قَوْلٌ لَا سَلَفَ لَهُمَا فِيهِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي أَوَّلِ النَّشْرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ عَلَى تَوَاتُرِ ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِهِ الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَافَقَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا ضَعَّفَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ حَيْثُ عُمُومُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ تَوَاتُرِ كُلٍّ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْأَدَاءِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إمَّا جَزْمًا أَوْ تَرَدُّدًا. (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) هُوَ الْمَدُّ وَالثَّانِي الْإِمَالَةُ وَالثَّالِثُ التَّخْفِيفُ وَالرَّابِعُ الْأَلْفَاظُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ. (قَوْلُهُ: وَمَقْصُودُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: تِلْكَ الزِّيَادَةُ، وَقَدْ يُقَالُ يُغْنِي عَنْ هَذَا الْعِنَايَةُ السَّابِقَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ

وَافَقَ عَلَى عَدَمِ تَوَاتُرِ الْأَوَّلِ وَتَرَدَّدَ فِي تَوَاتُرِ الثَّانِي وَجَزَمَ بِتَوَاتُرِ الثَّالِثِ بِأَنْوَاعِهِ السَّابِقَةِ، وَقَالَ فِي الرَّابِعِ: إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَمَقْصُودُهُ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي شَامَةَ الْمُتَنَاوِلُ بِظَاهِرِهِ لِمَا قَبْلَهُ مَعَ زِيَادَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الَّتِي مَثَّلَهَا بِمَا تَقَدَّمَ. عَلَى أَنَّ أَبَا شَامَةَ لَمْ يُرِدْ جَمِيعَ الْأَلْفَاظِ إذْ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ مَا شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُقْرِئِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ نَقُولُ بِهِ فِيمَا اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ دُونَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ نُفِيَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ لَا سِيَّمَا كُتُبِ الْمَغَارِبَةِ وَالْمَشَارِقَةِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نَلْتَزِمُ التَّوَاتُرَ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ أَيْ بَلْ مِنْهُمَا الْمُتَوَاتِرُ، وَهُوَ مَا اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمْ وَغَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَهُوَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ وَمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ، وَإِنْ حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ) أَيْ مَا نُقِلَ قُرْآنًا آحَادًا لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجِهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَكَانَ قَارِئُهُ عَامِدًا عَالِمًا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ) أَيْ السَّبْعَةِ وَقِرَاءَاتُ يَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَخَلَفٍ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا (وِفَاقًا لِلْبَغَوِيِّ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ رَسْمَ السَّبْعِ مِنْ صِحَّةِ السَّنَدِ وَاسْتِقَامَةِ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوْطِئَة لِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: الْمُتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ) وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ يَعْنِي غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى نَقْلِ الْمُصَنِّفِ عَنْ أَبِي شَامَةَ مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ فِيهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا فَهُوَ اعْتِرَاضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ حَيْثُ نُقِلَ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْ الْقُرَّاءِ وَاَلَّتِي اخْتَلَفَتْ وَهُوَ قَائِلٌ بِالثَّانِي فَقَطْ، وَحَيْثُ خَصَّ كَلَامَهُ بِمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ بِظَاهِرِهِ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فِي كِتَابِهِ الْمُرْشِدِ) هُوَ الْمُرْشِدُ اخْتَصَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا اتَّفَقَتْ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ كَلَامُ الْقُرَّاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُهُ. (قَوْلُهُ: دُونَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ) كَأَنْ نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ قَارِئٍ وَنَفَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الطُّرُقِ) هُمْ رُوَاةُ الرُّوَاةِ كَرُوَاةِ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ أَبِي شَامَةَ وَآخِرُهُ قَوْلُهُ: بَيْنَ الْقُرَّاءِ. (قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) بِأَنْ نُفِيَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الطُّرُقُ. (قَوْلُهُ: يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ إلَخْ) أَيْ وَالْمُصَنِّفُ خَصَّهُ بِمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ فَقَدْ خَصَّصَ فِي مَوْضِعِ التَّعْمِيمِ وَعَمَّمَ فِي مَوْضِعِ التَّخْصِيصِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ) أَيْ يَمْتَنِعُ قِرَاءَتُهُ مَعَ اعْتِقَادِ قُرْآنِيَّتِهِ بَلْ مُجَرَّدُ اعْتِقَادِ قُرْآنِيَّتِهِ كَذَلِكَ أَمَّا مُجَرَّدُ قِرَاءَتِهِ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ إلَّا إنْ خَلَطَهُ بِالْقُرْآنِ وَقَرَآهُمَا مَعًا عَلَى مَسَاقٍ يَدُلُّ عَلَى قُرْآنِيَّةِ الْجَمِيعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا نُقِلَ قُرْآنًا آحَادًا) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنَاطَ الْجَوَازِ التَّوَاتُرُ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَنْقُولِ آحَادًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحَ السَّنَدِ ذَا وَجْهٍ مُسْتَقِيمٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ إلَخْ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ اللَّائِقُ بِالشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ فِي مَا سَيَأْتِي فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ بَدَلُ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ إلَخْ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِتَوَاتُرِ الثَّلَاثِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَقَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ اهـ. فَقَدْ خَلَطَ الشَّارِحُ طَرِيقَةَ الْأُصُولِيِّينَ بِطَرِيقَةِ الْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ أَفَادَهُ الْكَمَالُ وَسَيَأْتِي الِاعْتِذَارُ عَنْ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْمَعْنَى) أَيْ إنْ زَادَ حَرْفًا أَوْ نَقَصَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَيَّدَ سم الزِّيَادَةَ بِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى قَالَ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الزِّيَادَةِ لَا تُبْطِلُ، وَإِنْ لَمْ تَرِدْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَلَامُهُمْ فَكَيْفَ إذَا وَرَدَتْ. (قَوْلُهُ: عَالِمًا) أَيْ بِالْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ رَسْمَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ التَّعْرِيفُ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِضَابِطٍ لِلْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَةِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فَكُلُّ قِرَاءَةٍ اجْتَمَعَتْ فِيهَا هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ فَهِيَ مُعْتَمَدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَمْ لَا وَكُلُّ قِرَاءَةٍ اخْتَلَّ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْهَا فَهِيَ شَاذَّةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ

وَمُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَلَا يَضُرُّ فِي الْعَزْوِ إلَى الْبَغَوِيّ عَدَمُ ذِكْرِهِ خَلَفًا، فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ الْقِرَاءَاتِ التِّسْعَةِ إذْ لَهُ فِي كُلِّ حَرْفٍ مُوَافِقٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ هَيْئَةٌ لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَجُعِلَتْ قِرَاءَةٌ تَخُصُّهُ (وَقِيلَ) الشَّاذُّ (مَا رَوَاهُ السَّبْعَةُ) فَتَكُونُ الثَّلَاثُ مِنْهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا عَلَى هَذَا، وَإِنْ حَكَى الْبَغَوِيّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِخَلَفٍ كَمَا تَقَدَّمَ (أَمَّا إجْرَاؤُهُ مَجْرَى) الْأَخْبَارِ (الْآحَادِ) فِي الِاحْتِجَاجِ (فَهُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَيْثُ مَا يَخْتَلُّ رُكْنٌ أَثْبِتَ ... شُذُوذَهُ لَوْ أَنَّهُ فِي السَّبْعَةِ وَعَلَى هَذَا دَرَجَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الْبَغَوِيّ، فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الْقِرَاءَةَ إلَى مُتَوَاتِرَةٍ وَهِيَ مَا تَوَاتَرَ نَقْلُهَا وَصَحِيحَةٍ وَهِيَ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ وَشَاذَّةٌ وَهِيَ مَا سِوَاهُمَا، وَجَوَّزُوا الْقِرَاءَةَ بِالْأَوَّلِينَ. وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَلَا يَكْتَفُونَ بِذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِطُونَ التَّوَاتُرَ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْقِرَاءَةُ بِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ هَذَا. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ ضَبْطَ الْقُرَّاءِ بِاسْتِقَامَةِ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَائِلًا: إنْ أَرَادُوا الْوَجْهَ الَّذِي هُوَ الْجَادَّةُ لَزِمَ شُذُوذُ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] ، وَإِنْ أَرَادُوا وَجْهًا وَلَوْ بِتَكَلُّفِ شُذُوذِ خُرُوجٍ عَنْ الْأُصُولِ فَمُمْكِنٌ فِي كُلِّ قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ اهـ. قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ لَكِنْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ أَمَّا مَا تَوَاتَرَ فَتَجُوزُ بِهِ الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ يَقْطَعُ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّوَقُّفُ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ. وَفِي الْكَشَّافِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ بِرَفْعِ الْقَتْلِ وَنَصْبِ الْأَوْلَادِ وَجَرِّ الشُّرَكَاءِ عَلَى إضَافَةِ الْقَتْلِ إلَى الشُّرَكَاءِ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ الظَّرْفِ فَشَاذٌّ قَالَ: وَاَلَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ شُرَكَائِهِمْ مَكْتُوبًا بِالْيَاءِ وَلَوْ قَرَأَ بِجَرِّ الْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ شُرَكَاؤُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ لَوَجَدَ فِي ذَلِكَ مَنْدُوحَةً عَنْ هَذَا الِارْتِكَابِ اهـ. وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ سَقَطَاتِهِ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ لَا بِطَرِيقِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ، وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا كَلَامًا رَأَيْنَا تَرْكَهُ خَيْرًا مِنْ ذِكْرِهِ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَمُوَافَقَةُ خَطِّ) وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الطُّرُقِ. (قَوْلُهُ: الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ) هُوَ مُصْحَفُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الْمَصَاحِفِ وَقُدْوَتُهَا. (قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْمَوْجُودَ أَوَّلَ تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ ذِكْرُ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ دُونَ خَلَفٍ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الْجَوَابِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ. (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ حَرْفٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِيهَا الْقِرَاءَةُ. (قَوْلُهُ: فَجُعِلَتْ قِرَاءَةً تَخُصُّهُ) فَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ وَالْبَغَوِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ فَلَمْ تُجْعَلْ قِرَاءَةً مُسْتَقِلَّةً. (قَوْلُهُ: مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ) أَيْ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَنْ السَّبْعَةِ إمَامًا وَافَقَ فِيهِ غَيْرَ وَاحِدٍ قَطْعًا مِنْ السَّبْعَةِ فَمُتَوَاتِرٌ. (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ الثَّلَاثُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّاذِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ اعْتِمَادُهُ لَكِنَّ أَئِمَّةَ الْقُرَّاءِ عَلَى إنْكَارِهِ أَشَدُّ إنْكَارٍ حَتَّى لَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَظَّرَ الْقِرَاءَةَ بِالثَّلَاثِ الزَّائِدَةِ عَلَى السَّبْعِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَكَى الْبَغَوِيّ الِاتِّفَاقَ) أَيْ، فَإِنَّهُ بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّ الشَّاذَّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ. (قَوْلُهُ: مُجْرَى) بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرُّبَاعِيِّ، ثُمَّ لَمَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ آحَادًا وَإِنَّمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهَا مَعَ أَنَّهُ آحَادٌ بَيْنَ الشَّارِحِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْأَخْبَارُ إلَخْ وَقَرِينَةُ هَذَا الْمَحْذُوفِ إشْعَارُ لَفْظِ الْآحَادِ بِهَا، فَإِنَّ مَوْصُوفَهَا الْمَنْقُولَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ خَبَرًا. (قَوْلُهُ: فَهُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ وَلَوْ قُلْنَا: الشَّاذُّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ فَغَايَرَ الصَّحِيحُ السَّابِقَ وَالْأَحْسَنُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ أَمَّا إجْرَاؤُهُ لِلشَّاذِّ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الْكُورَانِيُّ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَذْهَبَ الرَّاوِي وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ قَطْعَ السَّارِقِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ لَا يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ ثُبُوتِ رَفْعِهِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ اهـ. وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَرْفُوعٌ قَطْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ تَحْرِيرُ كَوْنِهِ مَذْهَبَ الرَّاوِي، بَلْ لَوْ سُلِّمَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ عَدَمُ تَصْرِيحِ الرَّاوِي بِرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إذْ

خُصُوصِ قُرْآنِيَّتِهِ انْتِفَاءُ عُمُومِ خَبَرِيَّتِهِ، وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُقِلَ قُرْآنًا وَلَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ احْتِجَاجُ كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَائِنَا عَلَى قَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ بِقِرَاءَةِ أَيْمَانِهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبُوا التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ بِقِرَاءَةِ مُتَتَابِعَاتٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إسْنَادَهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَزَلَتْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٌ. (وَلَا يَجُوزُ وُرُودُ مَا لَا مَعْنَى لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُرْآنِيَّةُ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الرَّفْعِ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَدَلَّ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا قِرَاءَةً شَاذَّةً، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الِاحْتِجَاجَ بِهَا فِيمَا حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبْ التَّتَابُعَ إلَخْ فَقَدْ دَفَعَهُ الشَّارِحُ وَبَقِيَ هُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ السُّنَّةِ أَنَّ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ الْمَنْقُولُ آحَادًا إذَا كَانَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّاذَّ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ آحَادًا وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا فَمَعَ الْقَطْعِ بِكَذِبِهِ كَيْفَ يَصِحُّ إجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَكَيْفَ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ صِحَّةُ السَّنَدِ وَاسْتِقَامَةُ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمُوَافَقَةُ خَطِّ الْمُصْحَفِ الْإِمَام، وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إمَّا بِأَنَّ اللَّازِمَ مِمَّا ذَكَرَ الْقَطْعُ بِكَذِبِهِ مِنْ حَيْثُ الْقُرْآنِيَّةُ لَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا كَانَتْ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا فَإِذَا سَقَطَتْ سَقَطَتْ مُطْلَقًا إذْ لَيْسَ لَهَا جِهَتَانِ حَتَّى تَسْقُطَ إحْدَاهُمَا وَتَبْقَى الْأُخْرَى وَإِمَّا بِأَنْ تَتَوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا إنَّمَا يَقْتَضِي نَقْلَهُ تَوَاتُرًا فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَالَةُ نَاقِلِيهِ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاتِرًا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَطْعُ بِكَذِبِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ بِكَذِبِهِ مَا لَمْ يَحْتَمِلْ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاتِرًا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ احْتِمَالًا لَهُ مُنْشَأٌ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ قُرْآنِيَّتِهِ قَطْعًا لَا فِي ثُبُوتِهَا فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ أَفَادَهُ سم. (قَوْلُهُ: انْتِفَاءُ عُمُومِ خَبَرِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْخَاصِّ انْتِفَاءُ الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ ادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ فِيهِ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ: لِأَنَّ نَاقِلَهَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَّا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَمْ يَثْبُتْ خَبَرًا اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا نُقِلَ قُرْآنًا) أَيْ لَا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ حَتَّى لَا يَلْزَمَ مِنْ نَفْيِ الْقُرْآنِيَّةِ نَفْيُ الْخَبَرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَثْبُتْ) أَيْ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ فَلَا تَثْبُتُ خَبَرِيَّتُهُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخَبَرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ) إنَّمَا أَتَى بِالْكَانِيَّةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ النَّسْخَ لِلتِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: فَسَقَطَتْ) أَيْ نُسِخَتْ تِلَاوَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ دُونَ نَسْخٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ وُرُودُ مَا لَا مَعْنَى لَهُ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوُرُودَ وَعَدَمَهُ لَيْسَ فِي قُدْرَتِنَا وَقَدْ تَرْجَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ لَا يُخَاطِبُ اللَّهُ بِمُهْمَلٍ وَهِيَ أَوْلَى وَإِنْ اسْتَلْزَمَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِجِهَةِ عُمُومِهِ فَإِنَّ وُرُودَ مَا لَا مَعْنَى لَهُ فِي الْقُرْآنِ شَامِلٌ لَأَنْ يَكُونَ خِطَابًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُهْمَلِ اللَّفْظُ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنًى أَصْلًا أَوْ مَا لَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَيْفَ وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ فِي أَعْلَا طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا فَصَاحَةُ الْكَلَامِ وَوُقُوعُ مَا يُخِلُّ بِالْفَصَاحَةِ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنْهَا فَكَيْفَ بِالْمُهْمَلِ، وَأَيْضًا لَوْ تَلَفَّظَ وَاحِدٌ مِنَّا فِي خِطَابِهِ بِمُهْمَلٍ نُسِبَ إلَى هَذَيَانٍ وَعَبَثٍ فَكَيْفَ بِالْحَضْرَةِ الْعَلِيَّةِ، وَأَيْضًا لَوْ فُرِضَ وُقُوعُهُ فِي الْقُرْآنِ لَلَزِمَ إفْحَامُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يُخَاطِبُ بِهِ مَصَاقِعَ الْبُلَغَاءِ وَأَعَاظِمَ الْفُصَحَاءِ الَّذِينَ هُمْ نَقَدَةُ الْكَلَامِ وَحَاكَّةُ بُرَدَهُ وَقَدْ تَطَأْطَأَتْ رُءُوسُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مَغْمَزًا مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ لَفْظٌ مُهْمَلٌ لَسَارَعُوا إلَى الْمُبَادَرَةِ بِالطَّعْنِ فِيهِ وَأَيْضًا التَّمْثِيلُ الْمُورَدُ بِفَوَاتِحِ السُّوَرِ يَأْبَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَلِكَ وَلِلَّهِ دَرُّ الْكُورَانِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ قَالَا: إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا مَعْنَى لَهُ. وَقَالَ

فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ خِلَافًا لِلْحَشَوِيَّةِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ قَالُوا لَوَجَدُوهُ فِيهِ كَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ أَوَائِلَ السُّوَرِ وَفِي السُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْكِتَابِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُرُوفَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآمِدِيُّ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً لَا يُتَصَوَّرُ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا وَلَا إلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ وَاقِعٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ لَا يُقَالُ: إنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُقُوعُ لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِقْدَامُ عَلَى تَجْوِيزِ مِثْلِهِ تَجَاسُرٌ غَيْرُ لَائِقٍ فَإِنَّهُ نَقْصٌ وَالنَّقْصُ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ مُحَالٌ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ أَنْجَزَ آخِرًا إلَى الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ قَالُوا لِوُجُودِهِ إلَخْ. وَقَدْ يُقَالُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَأَنَّ الْمَعْنَى بِالْمُهْمَلِ مَا لَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ بِحَسَبِ مُرَادِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَ فَهْمُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ أَنَّ اللَّفْظَ الْخَالِيَ عَنْ الْبَيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنًى هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مُهْمَلٌ اهـ. وَقَدْ اسْتَدَلَّتْ الْحَشَوِيَّةُ أَيْضًا بِآيَةٍ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] بِالْوَقْفِ فَقَالُوا: لِكَوْنِ الْمُتَشَابِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ لَنَا فَقَدْ خَاطَبَنَا اللَّهُ بِمَا لَا نَفْهَمُهُ وَهُوَ الْمُهْمَلُ نَقَلَهُ الْخُجَنْدِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَوَاتِحَ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَإِنْ فُهِمَ لَهَا مَعْنًى صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِأَنَّهُ مُرَادُ قَائِلِهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ سَلَكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ هَذَا حَيْثُ قَالُوا فِي الْفَوَاتِحِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَلَمَّا رَأَى الْحَشَوِيَّةِ أَنَّ مِثْلَهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ، وَمِنْهُ مُرَادُ قَائِلِهِ نَفَوْا الْمَعْنَى عَنْهُ أَصْلًا، وَقَالُوا: إنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ بَلْ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا هَذَا مَا فِي وُسْعِي مِنْ تَوْجِيهِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي اضْطَرَبَتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ كَتَبَ هَاهُنَا كَلَامًا شَافِيًا وَالشَّيْخُ ابْنُ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ أَنْ سَحَبَ ذَيْلَ الْقَوْلِ وَأَكْثَرَ النُّقُولَ وَارْتَكَبَ التَّأْوِيلَاتِ انْفَصَلَ عَلَى أَنْ لَا طَائِلَ مِنْ تَطْوِيلِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْجَمَةَ الْمَسْأَلَةِ بِلَا يُخَاطِبُ اللَّهَ بِمُهْمَلٍ وَبِهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ بِشَيْءٍ وَلَا يَعْنِي بِهِ شَيْئًا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ يُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ دُونَ السُّنَّةِ وَالشَّارِحُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَحْصُولِ وَحُكْمُ الرَّسُولِ فِي الِامْتِنَاعِ كَحُكْمِهِ تَعَالَى، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ نَقْصًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ نَقْصًا فِي حَقِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ جَائِزَانِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي السُّنَّةِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ أُمُورٍ جُوِّزَتْ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرِ قَادِحَةٍ فِي الْعِصْمَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَّجَهُ ذِكْرُ السُّنَّةِ وَجَعَلَهَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ) أَيْ كَأَسْمَائِهَا فَإِنَّ الْمَوْجُودَ هُوَ الْأَسْمَاءُ قَالَ فِي الْكَشَّافِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُتَهَجَّى بِهَا أَسْمَاءٌ مُسَمَّيَاتُهَا الْحُرُوفُ الْمَبْسُوطَةُ الَّتِي مِنْهَا رَكَّبْت الْكَلِمَ فَقَوْلُك ضَادٌ اسْمٌ مُسَمًّى بِهِ ضَهْ مِنْ ضَرَبَ إذَا تَهَجَّيْته. وَقَدْ رُوعِيَتْ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُسَمَّيَاتِ لَمَّا كَانَتْ أَلْفَاظًا كَأَسَامِيهَا وَهِيَ حُرُوفُ وُجْدَانٍ، وَالْأَسَامِي عَدَدُ حُرُوفِهَا مُرْتَقٍ إلَى الثَّلَاثَة اتَّجَهَ لَهُمْ طَرِيقٌ إلَى أَنْ يَدُلُّوا فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمُسَمَّى فَلَمْ يَعْقِلُوهَا وَجَعَلُوا الْمُسَمَّى صَدْرَ كُلِّ اسْمٍ مِنْهَا سِوَى الْأَلْفِ فَإِنَّهُمْ اسْتَعَارُوا الْهَمْزَةَ مَكَانَ مُسَمَّاهَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا سَاكِنًا وَهِيَ أَسْمَاءٌ مُعْرَبَةٌ وَإِنَّمَا سُكِّنَتْ سُكُونَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ حَيْثُ لَا يَمَسُّهَا إعْرَابٌ لِفَقْدِ مُقْتَضِيهِ وَمُوجِبِهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ سُكُونَهَا وَقْفٌ وَلَيْسَ بِبِنَاءٍ أَنَّهَا لَوْ بُنِيَتْ لَحُذِيَ بِهَا حَذْوَ كَيْفَ وَأَيْنَ وَهَؤُلَاءِ وَلَمْ نَقُلْ صَادْ قَافْ نُونْ مَجْمُوعًا فِيهَا بَيْنَ سَاكِنَيْنِ اهـ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ فِي التَّمْثِيلِ بِهَا لِمَا لَا مَعْنَى لَهُ شَيْئًا إذْ الْمُرَادُ مِنْهَا الْحُرُوفُ الَّتِي هِيَ مَعَانِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّفْظِ الْمُنْتَظِمِ مِنْهَا مَعْنًى اهـ. وَأَقُولُ: هَذَا الْإِيرَادُ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْمَعَانِي الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا إذْ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ بَلْ الْمُرَادُ الْمَعَانِي الْمُرَادَةُ مِنْهَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي بَيَانِهَا الْمُفَسِّرُونَ فَقَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ مِنْهَا إلَخْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ مِنْهَا وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَبَيْنَ مَا يُرَادُ مِنْهُ وَالْعَجَبُ مِنْ سم كَيْفَ سَلِمَ لَهُ الْإِيرَادُ وَاعْتَذَرَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ نَاقِلٌ لِعِبَارَةِ الْحَشَوِيَّةِ ثُمَّ أَجَابَ بِمَا لَا مَسِيسَ لَهُ بِالْمَقَامِ (قَوْلُهُ: وَفِي السُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَتِمُّ (قَوْلُهُ: أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ) فِيهِ أَنَّ جَعْلَهَا

كطه ويس وَسُمُّوا حَشَوِيَّةً مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَمَّا وَجَدَ كَلَامَهُمْ سَاقِطًا وَكَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَتِهِ أَمَامَهُ رَدًّا وَهَؤُلَاءِ إلَى حَشْيِ الْحَلْقَةِ أَيْ جَانِبِهَا (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (مَا يَعْنِي بِهِ غَيْرَ ظَاهِرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْمَاءً لِلسُّوَرِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى لِأَنَّ الِاسْمَ جُزْءٌ لِلْمُسَمَّى وَالْجُزْءُ لَا يُغَايِرُ كُلَّهُ وَلَا يُغَايِرُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَكَوْنُ الِاسْمِ مُتَّحِدًا مَعَ الْمُسَمَّى بَاطِلٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ عَلَامَةً مَوْضُوعَةً لِنَفْسِهِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ تَأَخُّرُ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاسْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمُسَمَّى بِالرُّتْبَةِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْجُزْءَ مُتَقَدِّمٌ فَيَلْزَمُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَهُوَ دَوْرٌ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ مَبْنَاهُ وَهِيَ الْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ أَنَّ الْجُزْءَ لَا يُغَايِرُ الْكُلَّ بَلْ يُغَايِرُهُ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا قُلْنَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَجْمُوعُ السُّورَةِ، وَالِاسْمُ جُزْؤُهَا فَلَا اتِّحَادَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْجُزْءَ مُتَقَدِّمٌ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَمُؤَخَّرٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ اسْمًا فَلَا دَوْرَ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ {الم} [البقرة: 1] مُشْتَمِلٌ عَلَى الْهَمْزَةِ مِنْ أَوَّلِ الْمَخَارِجِ مِنْ الصَّدْرِ وَاللَّامِ مِنْ وَسَطِهَا وَهِيَ أَشَدُّ الْحُرُوفِ اعْتِمَادًا عَلَى اللِّسَانِ، وَالْمِيمُ مِنْ آخِرِ الْحُرُوفِ مَخْرَجًا وَهُوَ الشَّفَةُ فَاشْتَمَلَتْ عَلَى الْبِدَايَةِ وَالْوَسَطِ وَالنِّهَايَةِ وَكُلُّ سُورَةٍ اُفْتُتِحَتْ بِهَا فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَدْءِ الْخَلْقِ وَنِهَايَتِهِ مِنْ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَعَلَى الْوَسَطِ مِنْ التَّشْرِيعِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَتَأَمَّلْهَا وَتَأَمَّلْ الْحُرُوفَ الْمُفْرَدَةَ فَإِنَّهَا سُورَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَنَحْوُ {ق} [ق: 1] إذْ ذُكِرَ فِيهَا الْخَلْقُ وَتَكْرِيرُ الْقَوْلِ وَمُرَاجَعَتُهُ وَالْقُرْبُ وَتَلَقِّي الْمِلْكِ وَالْقَرِينُ وَالْإِلْقَاءُ فِي جَهَنَّمَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَعَانِيهَا مُنَاسِبَةٌ لِشِدَّةِ الْقَافِ وَجَهْرِهَا وَعُلُوِّهَا وَانْفِتَاحِهَا وَ {ص} [ص: 1] ذُكِرَ فِيهَا الْخُصُومَاتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاخْتِصَامُ عِنْدَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِذَا تَأَمَّلْت عَلِمْت أَنَّهُ يَلِيقُ بِكُلِّ سُورَةٍ مَا بُدِئَتْ بِهِ وَهُوَ مِنْ الْأَسْرَارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] فَإِنَّ ذَلِكَ مُهْمَلٌ لَا مَوْضُوعَ لَهُ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُهْمَلٌ كَيْفَ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ مَعْنًى وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ غَيْرَ أَنَّ الرَّأْسَ هَاهُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِلرَّأْسِ الْحَقِيقِيِّ وَهَاهُنَا اُسْتُعْمِلَ فِي أَمْرٍ وَهْمِيٍّ كَأَنْيَابِ الْأَغْوَالِ وَأَظْفَارِ الْمَنِيَّةِ فَهُوَ مَجَازٌ لَا مُهْمَلٌ (قَوْلُهُ: رَدًّا وَهَؤُلَاءِ إلَخْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّاقِطَ يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ سَمَاعُهُ (قَوْلُهُ: إلَى حَشَا) فَعَلَى هَذَا حَشَوِيَّةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتُسَكَّنُ أَيْضًا نِسْبَةً لِلْحَشْوِ لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا وُقُوعَهُ فِي الْقُرْآنِ وَبِالْوَجْهَيْنِ ضَبَطَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْفَتْحَ غَلَطٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِدَلِيلٍ) فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لَا يَعْنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كَلَامِهِ مَعْنًى يَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَيْ نَصْبِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ الدَّلِيلُ مِنْ قِبَلِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ بِمَعْنَى نَصْبِ الْقَرِينَةِ، وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ الدَّلِيلَ بِالْمُخَصَّصِ يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا فَسَقَطَ مَا فِي سم أَنَّهُ إنْ أَرَادَ دَلِيلًا قُرْآنِيًّا بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُعَيِّنُ الْمُرَادَ مِمَّا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ لِظُهُورِ عَدَمِ إطْرَادِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَثِيرًا مَا يُبَيِّنُ بِالنِّسْبَةِ، وَالْإِجْمَاعُ دُونَ الْقُرْآنِ وَإِنْ أَرَادَ أَعَمَّ مِنْ الدَّلِيلِ الْقُرْآنِيِّ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّ دَلِيلَ الْمُرْجِئَةِ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ هُوَ دَلِيلُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ التَّرْهِيبُ فَلَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي تَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ تَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ مِنْ التَّرْدِيدِ لَكِنَّ الْمُرَادَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ الصَّحِيحُ قُلْنَا إنْ أُرِيدَ اعْتِبَارُهُ وَصِحَّتُهُ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَهَذَا لَا يَلْزَمُ تَحَقُّقُهُ لِغَيْرِ الْمُرْجِئَةِ أَيْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ وَإِنْ أُرِيدَ بِحَسَبِ زَعْمِ الْمُسْتَدِلِّ أَوْ أَعَمَّ فَهَذَا مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا لِظُهُورِ أَنَّ مَا اسْتَنَدُوا إلَيْهِ مُعْتَبَرٌ صَحِيحٌ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ أُرِيدَ بِحَسَبِ زَعْمِنَا دُونَ زَعْمِهِمْ فَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ اهـ. فَإِنَّ الشِّقَّ الثَّانِيَ مِنْ التَّرْدِيدِ بَاطِلٌ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ أَنَّ الْمُرَادَ دَلِيلٌ مِنْ الْمُخَاطَبِ وَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ دَلِيلُ الْقَائِلِ وَهُوَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مُتَعَلِّقَتَانِ بِالْخِطَابِ وَمُحَصِّلُهُمَا هَلْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يُخَاطِبَنَا الرَّبُّ بِمُهْمَلٍ أَوْ بِلَفْظٍ عَنَى بِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَلَا ارْتِبَاطَ الثَّانِيَةِ

يُبَيِّنُ الْمُرَادَ كَمَا فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِمُتَأَخِّرٍ (خِلَافًا لِلْمُرْجِئَةِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ حَيْثُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الظَّاهِرَةِ فِي عِقَابِ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ التَّرْهِيبُ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ وَسُمُّوا مُرْجِئَةً لِإِرْجَائِهِمْ أَيْ تَأْخِيرِهِمْ إيَّاهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ (وَبَقَاءُ الْمُجْمَلِ) فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْأَتْي مِنْ وُقُوعِهِمْ فِيهِمَا (غَيْرُ مُبَيَّنٍ) أَيْ عَلَى أَحْمَالِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَّضِحْ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَى وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: لَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ الدِّينَ قَبْلَ وَفَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأُولَى ذُكِرَتْ عَقِبَهَا فِي كُتُبِهِمْ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ خَفِيَ عَلَى الشَّيْخِ مِثْلُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ أَيْ نَصْبُ قَرِينَةٍ وَهَلْ تَكُونُ الْقَرِينَةُ إلَّا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَهُ مُسْتَنِدٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، وَالسُّنَّةُ كَالشَّرْحِ لِلْكِتَابِ فَرَجَعَ الدَّلِيلُ فِيهِ إلَى الْكِتَابِ. وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ فَإِنَّهُ لِظُهُورِهِ كَانَ مُغْنِيًا عَنْ نَصْبِ الْقَرِينَةِ وَمِثْلُهُ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ كَثِيرًا بِالْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْمَجَازِ كَثِيرٌ مُعْتَمَدٌ فِيهِ عَلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ بِحَسَبِ الظُّهُورِ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُبَيِّنَةَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُفِيدَ الْمُرَادَ قَطْعًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالدَّلِيلِ مَا يَشْمَلُ الْعَقْلَ لِأَنَّهُ صَارِفٌ لِلْمُتَشَابِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَعَمُّ مِمَّا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَمِنْ الصَّارِفِ عَنْ الظَّاهِرِ فَيَشْمَلُ مَذْهَبَيْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فِي الْمُتَشَابِهِ (قَوْلُهُ: بِمُتَأَخِّرٍ) اقْتِصَارٌ عَلَى مَا هُوَ الشَّأْنُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ أَوْ قَارَنَ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إلَخْ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِحْسَانِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ الْمَلَاهِي وَالظُّلْمِ كَيْ لَا يَخْتَلَّ نِظَامُ الْعَالَمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ اهـ. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِرْجَاءَ وَقَعَ فِي آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لَا الْوَعِيدِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِتَأْخِيرِهِمْ إيَّاهَا) أَيْ الْآيَاتِ عَنْ اعْتِبَارِ مَعْنَاهَا لِصَرْفِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمَعْصِيَةِ أَوْ تَأْخِيرِ ضَرَرِهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ فَمُرْجِئَةٌ بِالْهَمْزِ مِنْ أَرْجَأَ بِمَعْنَى أَخَّرَ أَوْ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ الرَّجَاءَ بِقَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ مُرَجِّيَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ كَمُقَدِّمَةٍ فَإِنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَرْجَيْت وَأَخْطَيْت وَتَوَضَّيْت نَقَلَهُ فِي الصِّحَاحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ارْتِفَاعُ الْوُثُوقِ بِخَبَرِهِ تَعَالَى إذْ لَا كَلَامَ إلَّا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي بَقَاءِ الْمُجْمَلِ) . قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ بَقِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُجْمَلٌ قُلْنَا اضْطَرَبَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمَنَعَ مَانِعُونَ هَذَا وَاسْتَرْوَحُوا إلَى قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَأَيْضًا لَوْ سَاغَ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ عَلَى مُجْمَلَاتٍ لَتَطَرَّقَ إلَى الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وُجُوهٌ مِنْ الْمَطَاعِنِ. وَقَالَ قَائِلُونَ لَا يَمْتَنِعُ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ عَلَى مُجْمَلَاتٍ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا إلَّا اللَّهُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ التَّكْلِيفُ فِي الْعَمَلِ بِهِ يَسْتَحِيلُ اسْتِمْرَارُ الْإِجْمَالِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَبْعُدُ اسْتِمْرَارُ الْإِجْمَالِ فِيهِ وَاسْتِئْثَارُ اللَّهِ تَعَالَى أَسِرَ فِيهِ وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُحِيلُ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْ الشَّرْعُ مِمَّا يُنَاقِضُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى إجْمَالِهِ) قَالَ النَّاصِرُ الْبَقَاءُ هُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ وَتَحْقِيقُهُ الْوُجُودَ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَمُتَعَلِّقُهُ فِي قَوْلِهِ وَفِي بَقَاءِ الْمُجْمَلِ غَيْرَ مُبَيَّنٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَهُوَ عَدَمِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِوُجُودِيٍّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. أَقُولُ: مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ مَعْنًى وُجُودِيٌّ لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَنْ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَغَيْرَ مُبَيَّنٍ حَالٌ مِنْ الْمُجْمَلِ الْعَامِلِ فِيهِ الْبَقَاءُ وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَهُوَ عَدَمِيٌّ لِكَوْنِ النَّفْيِ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْبَقَاءَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ وُجُودِيٌّ نَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْيِيدِ الْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ فَهَذِهِ الْحَالُ فِي مَعْنَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّهْوِيلِ وَلَا لِمَا سَلَكَهُ سم مِنْ التَّطْوِيلِ (قَوْلُهُ: أَحَدُهَا لَا) أَيْ مُطْلَقًا كُلِّفْنَا بِمَعْرِفَتِهِ أَوْ لَا كَالْقُرْءِ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَدِ فِي الثَّانِي وَأُورِدُ عَلَيْهِ الْمُتَشَابِهَ فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَيَّنٍ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ: إنَّهُ مُبَيَّنُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ الدِّينَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى لِصِدْقِ هَذَا

لِقَوْلِهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ثَانِيهَا نَعَمْ قَالَ تَعَالَى فِي مُتَشَابِهِ الْكِتَابِ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] إذْ الْوَقْفُ هُنَا كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (ثَالِثُهَا الْأَصَحُّ لَا يَبْقَى) الْمُجْمَلُ (الْمُكَلَّفُ بِمَعْرِفَتِهِ) غَيْرَ مُبَيَّنٍ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ حَذَرًا مِنْ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَلَى أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ بِالْعَمَلِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا قَبْلَ الْوَفَاةِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ لَهُ وَالْآيَةُ الْمُسْتَدَلُّ بِهَا تُفِيدُ أَنَّ الْإِكْمَالَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَصَلَ وَوَقْتُ نُزُولِهَا سَابِقٌ عَلَى الْوَفَاةِ. وَقَدْ بُيِّنَتْ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِكْمَالِ الدِّينِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اسْتِيعَابُ أُصُولِهِ وَمَا بُيِّنَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مِنْ فُرُوعِ تِلْكَ الْأُصُولِ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي التَّفْسِيرِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] بِالنَّصْرِ وَالْإِظْهَارِ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا أَوْ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَى أُصُولِ الشَّرَائِعِ وَقَوَانِينِ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: إذْ الْوَقْفُ هُنَا) أَيْ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فَيَكُونُ {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] مُسْتَأْنَفًا وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوقَفْ عَلَيْهِ لَكَانَ {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] عَطْفًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فَيَكُونُ يَقُولُونَ آمَنَّا حَالًا أَيْ قَائِلِينَ ذَلِكَ. ثُمَّ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ مَجْمُوعِ الْمُتَعَاطِفِينَ فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ قَائِلًا ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ حَالٌ مِنْ الْمَعْطُوفِ وَلَا يَصِحُّ لِمُخَالَفَتِهِ قَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةِ. وَأُجِيبَ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْمَعْطُوفِ بِالْحَالِ حَيْثُ لَا لَبْسَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ يَعْقُوبَ نَافِلَةً لِظُهُورِ أَنَّ النَّافِلَةَ أَيْ وَلَدَ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - إنَّمَا هُوَ يَعْقُوبُ دُونَ إِسْحَاقَ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْوَقْفُ عَلَى اللَّهِ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُؤَكِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ تَأْوِيلَهُ إلَّا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَيَقُولُ {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [النساء: 162] وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ رُسُوخِهِمْ أَنْ آمَنُوا بِالْمُتَشَابِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى عِلْمُهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ) وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى عَطْفِ وَالرَّاسِخُونَ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَاَلَّذِي اخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ هُوَ عِلْمُ تَفْصِيلِهِ ذَاتًا وَزَمَنًا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ أَصْلًا فَلَا يُنَافِيهِ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَاسِطَةٍ أَوْ إلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ وَلَا يَلْزَمُ اللَّغْوُ وَالْعَبَثُ عَلَى تَقْدِيرِ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ لِجَوَازِ كَوْنِ بَعْضِ الْقُرْآنِ لَا لِلْإِفْهَامِ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِصَاصِ بَعْضِ الْأَسْرَارِ بِعِلْمِهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهِيَ الثَّوَابُ فِي تِلَاوَتِهِ وَابْتِلَاءُ الرَّاسِخِينَ بِمَنْعِهِمْ عَنْ التَّفْكِيرِ فِيمَا يُوَصِّلُهُمْ إلَى مَبْلَغِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ كَمَا تُبْتَلَى الْجَهَلَةُ بِتَحْصِيلِهِ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ) قَالَ ابْنُ يَعْقُوبَ فِيهِ أَنَّ نَفْيَ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْقَائِلِ بِالتَّسَاوِي وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يُطَالِبُ بِالدَّلِيلِ وَقِيَاسُ أَنَّهُ لَا فَارِقَ لَا يُسَلِّمُ نَعَمْ احْتِمَالُ الْوُقُوعِ بَيِّنٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ احْتِمَالِ الْوُقُوعِ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ) فِيهِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مِنْهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَجْهُولِ الْمُتَوَقِّفِ مَعْرِفَتُهُ عَلَى التَّبْيِينِ مَعَ انْتِفَاءِ التَّبْيِينِ وَمِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً وَهُوَ مَقْدُورٌ فِي الظَّاهِرِ وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ كَتَكْلِيفِ الْغَافِلِ إذْ الْمُكَلَّفُ هُنَا لَيْسَ بِغَافِلٍ لِأَنَّهُ يَدْرِي وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ وَذَاكَ لَا يَدْرِي هَذَا مُحَصَّلُ مَا فِي سم. وَأَقُولُ: لَا وُرُودَ لِهَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بِصَدَدِ نَقْلِ الْأَقْوَالِ فَالتَّصْحِيحُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ إلَّا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُصَحِّحَ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَالْقَائِلُ بِهَذَا يَمْنَعُ التَّكَلُّفَ بِمَا لَا يُطَاقُ إذْ الْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْمَنْعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُرْهَانِ مَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا إلَخْ وَذِكْرُ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ وَطَرِيقَةُ صَاحِبِ الْبُرْهَانِ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ اسْتِقَامَةِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ أَحْسَنُ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا كُلِّفَ بِمَعْرِفَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِيَعْمَلَ بِهِ أَوْ يَعْلَمُ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَشْمَلُ

[المنطوق والمفهوم]

كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ مِنْ نَاسِخٍ مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ إذْ وَقَعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ (وَالْحَقُّ) كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ (أَنَّ الْأَدِلَّةَ النَّقْلِيَّةَ قَدْ تُفِيدُ الْيَقِينَ بِانْضِمَامِ تَوَاتُرٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا فِي أَدِلَّةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ عَلِمُوا مَعَانِيَهَا الْمُرَادَةَ بِالْقَرَائِنِ الْمُشَاهَدَةِ وَنَحْنُ عَلِمْنَاهَا بِوَاسِطَةِ نَقْلِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ إلَيْنَا تَوَاتُرًا فَانْدَفَعَ تَوْجِيهُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهَا (الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ) أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُمَا (الْمَنْطُوقُ مَا) أَيُّ مَعْنًى (دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلَ الْقَلْبِيَّ كَانَ مُسَاوِيًا لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبُرْهَانِ) . أَقُولُ: عِنْدِي نُسْخَةٌ عَتِيقَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْهُ الْمَذْكُورُ فِيهِمَا الْعَمَلُ، وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ سَابِقًا (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ) أَيْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ثَانِيهَا أَنَّ الْأَدِلَّةَ النَّقْلِيَّةَ تُفِيدُ الْيَقِينَ مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا لَا تُفِيدُهُ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ دَفَعَ تَوْجِيهَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهَا أَيْ لِأَنَّ إفَادَتَهَا لَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِوَضْعِ الْأَلْفَاظِ وَبِإِرَادَةِ مَعَانِيهَا مِنْهَا وَالْعِلْمُ بِالْوَضْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ الْعَرَبِيَّةِ لُغَةً وَنَحْوًا وَصَرْفًا وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْآحَادِ لِأَنَّ مَرْجِعَهَا إلَى أَشْعَارِ الْعَرَبِ الَّتِي يَرْوِيهَا عَنْهُمْ الْآحَادُ كَالْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ لِلْخَطَأِ وَالْكَذِبِ، وَالْعِلْمُ بِإِرَادَةِ تِلْكَ الْمَعَانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ نَقْلِ الْأَلْفَاظِ عَنْ مَعَانِيهَا وَعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ وَالتَّخْصِيصِ وَالْمَجَازِ وَالْفَسْخِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ أَوْ بَعْضِهَا لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْأَمْرَيْنِ وَمَعَ حُصُولِهِ لَا بُدَّ فِي إفَادَةِ النَّقْلِيَّةِ الْيَقِينَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ الْمُحْوِجِ إلَى تَأْوِيلِ النَّقْلِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَمَعْرِفَةِ النُّبُوَّةِ وَسَائِرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ النَّقْلِ لَيْسَ إلَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَصْلُ النَّقْلِ فَلَا دَلَالَةَ تُفِيدُ الْيَقِينَ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللُّغَةَ وَالنَّحْوَ وَالصَّرْفَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْآحَادِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ تَأَمُّلٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّ إفَادَةَ النَّقْلِيَّةِ الْيَقِينَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ الْحَقُّ أَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُعَارِضِ لَا عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ إذْ كَثِيرًا مَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَا يَخْطِرُ الْمُعَارِضُ بِالْبَالِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ إفَادَتَهَا الْيَقِينَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ أَنَّهَا تَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ لَاحَظَ الْعَقْلَ الْمُعَارِضَ جَزَمَ بِعَدَمِهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: بِانْضِمَامِ تَوَاتُرٍ) أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ أَيْ غَيْرِهِ أَيْ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ كَمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَحَثِّهِ عَلَيْهَا حَثًّا شَدِيدًا ثُمَّ الْمُرَادُ تَوَاتُرُ الْقَرَائِنِ وَغَيْرُهُ مُشَاهَدَتُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ التَّوَاتُرَ أَوْ غَيْرَهُ هُوَ الْقَرِينَةُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّوَاتُرَ وَالْمُشَاهَدَةَ قَرِينَتَانِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ بِالْقَرَائِنِ الْمُشَاهَدَةِ، وَنَقْلُ تِلْكَ الْقَرَائِنِ إلَيْنَا تَوَاتُرًا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّوَاتُرَ وَالْمُشَاهَدَةَ مُتَعَلِّقَتَانِ بِالْقَرَائِنِ لَا أَنْفُسِهِمَا قَوْلُهُ كَمَا فِي أَدِلَّةٍ أَيْ كَإِفَادَةِ الْيَقِينِ فِي أَدِلَّةٍ (قَوْلُهُ: عَلِمُوا مَعَانِيَهَا الْمُرَادَةَ بِالْقَرَائِنِ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ لِصِدْقِ الْقَائِلِ إذْ عِلْمُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَسْتَلْزِمُ عِلْمَهُمْ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ إذْ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ مَا حَصَلَ لَهُمْ الْعِلْمُ الْمَذْكُورُ فَانْدَفَعَ قَوْلَ النَّاصِرِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ تَوْجِيهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمُطْلَقَ لَا يُخَالِفُ مَعَ هَذَا التَّقْيِيدَ فَلَا خِلَافَ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: فَانْدَفَعَ إطْلَاقَ تَوْجِيهِ مَنْ أَطْلَقَ لِأَنَّ الْمُنْدَفِعَ إطْلَاقُ التَّوْجِيهِ لَا نَفْسُ التَّوْجِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ فَيُؤَدِّي إلَى الِاحْتِمَالِ وَلَا يَقِينَ مَعَهُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الْيَقِينَ بِمَا انْضَمَّ إلَيْهَا مِنْ تَوَاتُرٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ قَالَ النَّاصِرُ هَذَا الْقَائِلُ ضَمَّ إلَى هَذَا فِي التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ فَلَا بُدَّ فِي دَفْعِهِ مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلٍ وَالْعِلْمُ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ صِدْقِ الْقَائِلِ كَمَا زَادَ وَالسَّيِّدُ اهـ، وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ مِمَّا سَبَقَ [الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ] (قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُمَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ هَذَا مَبْحَثُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْطُوقُ) أَيْ الْمَنْطُوقُ بِهِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعْنَى حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى لَا يَنْطِقُ بِهِ وَإِنَّمَا يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ (قَوْلُهُ: مَا أَيُّ مَعْنًى إلَخْ) أَوْقَع مَا عَلَى مَعْنَى وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَصْدَرِيَّةً كَالْعَضُدِ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ وَالْمَفْهُومَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ دُونَ الدَّلَالَةِ وَالْعَضُدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَهَا مَصْدَرِيَّةً لِيُوَافِقَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ

فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) حُكْمًا كَانَ كَمَا مَثَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ أَيْ لِلْوَالِدَيْنِ الدَّالِ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ قَسَّمَ الدَّلَالَةَ إلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ، وَصَنِيعُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ لِقَوْلِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ أَنَّهُ مُحْوِجٌ إلَى تَكَلُّفٍ عَظِيمٍ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَاتِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهَا صَرِيحَةً فِي كَوْنِهِمَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ اهـ. ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى مَا يَشْمَلُ الذَّاتَ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي كَزَيْدٍ إلَخْ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْهِ وَالنُّطْقُ هُوَ التَّلَفُّظُ وَمَحَلُّهُ هُوَ اللَّفْظُ أَيْ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَيْ التَّلَفُّظِ بِاسْمِهِ كَالتَّأْفِيفِ وَكَالنِّسَاءِ فِي تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ إلَخْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ مَذْكُورًا وَيُسَمَّى مَنْطُوقًا صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ مَذْكُورٍ وَيُسَمَّى غَيْرَ تَصْرِيحٍ فَدَلَالَةُ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ وَعَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ مَفْهُومٌ وَدَلَالَةُ تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَنْطُوقٌ غَيْرُ صَرِيحٍ قَالَ الْعَضُدُ: فَالْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَيْ يَكُونُ حُكْمًا لِلْمَذْكُورِ وَحَالًا مِنْ أَحْوَالِهِ سَوَاءٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَنَطَقَ بِهِ أَوْ لَا اهـ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي النَّاصِرِ مُوَضِّحًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِعِبَارَةِ الْعَضُدِ لَكَانَ حَلُّهُ مُوَافِقًا لِطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ تَعْمِيمِ الْمَدْلُولِ لِلْحُكْمِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ حُكْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حُكْمٍ فَفِي ذِكْرِ عِبَارَةِ الْعَضُدِ تَخْصِيصٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَصْرٌ لِلْمَعْنَى عَلَى الْحُكْمِ الْمُوَافِقِ لِطَرِيقَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ بِصَدَدِ شَرْحِ كَلَامِهِ فَيَلْزَمُهُ مُوَافَقَتُهُ دُونَ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ أَنَّهُ حَذَفَ الِاسْتِشْهَادَ بِكَلَامِ الْعَضُدِ لَكَانَ مَحَلُّهُ مُوَافِقًا لِلتَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ. وَالشَّيْخُ سم أَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ جَاعِلًا مَنْشَأَهُ أَنَّ الْحَالِيَّةَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ تَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْطُوقُ أَمْرًا حَاصِلًا فِي شَيْءٍ نُطِقَ بِاسْمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْآخَرِ الَّذِي لَهُ ذَلِكَ الِاسْمُ الْمَنْطُوقُ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ نَحْوِ مَدْلُولِ زَيْدٍ وَمَدْلُولِ الْأَسَدِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطُوقِ وَلَيْسَ لِلَّفْظِ هَاهُنَا مَدْلُولَانِ غَيْرُ ذَيْنِك الْمَدْلُولَيْنِ وَهُمَا فِيهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحَالِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ بَلْ لَا مُسَمًّى لِلَّفْظِ إلَّا هُمَا اهـ. وَهُوَ مَحْضُ تَطْوِيلٍ مَبْنَاهُ تَخَيُّلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالنُّطْقِ فِي قَوْلِهِ: فِي مَحَلِّ النُّطْقِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَهُوَ التَّلَفُّظُ أَوْ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ اللَّفْظُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْمَعْنَى حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَدْلُولِ ثَابِتًا فِي التَّلَفُّظِ، وَثُبُوتُهُ فِيهِ هُوَ ثُبُوتُ دَالَّةٍ بِتَخَيُّلِ أَنَّ التَّلَفُّظَ مَحَلُّ اللَّفْظِ فَيَئُولُ إلَى

أَوْ غَيْرَ حُكْمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَمْثِيلِهِ فِي قَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ الدَّالُّ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ (نَصٌّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ ذَلِكَ الْمَدْلُولَ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّفْظِ وَدَالٌّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الدَّلَالَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنُ أَوْ لَا فَيَشْمَلُ الْمَنْطُوقَ الصَّرِيحَ وَغَيْرَ الصَّرِيحِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ. وَنَقَلَهُ النَّاصِرُ هُنَا وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي التَّلْوِيحِ وَعَلَى الثَّانِي يَصِيرُ الْمَعْنَى هَكَذَا حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَدْلُولِ ثَابِتًا فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ جَارٍ فِي الْحُكْمِ وَفِي الْمُفْرَدِ وَشَامِلٌ لَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ مَدْلُولٍ ثَابِتٌ وَمُسْتَقِرٌّ فِي دَالِّهِ لَا يُقَالُ: الثَّابِتُ وَالْمُسْتَقِرُّ فِي دَالِّهِ هُوَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ اللَّفْظُ فَلَا يَشْمَلُ الْمَجَازَ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَجَازُ دَالٌّ عَلَى مَعْنَاهُ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ بِوَاسِطَةِ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْعِصَامِ لِلرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ: إنَّ قَوْلَهُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ مُتَعَلِّقُ بَدَّلَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى مَدْلُولًا عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ اسْتِفَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ لَا عَلَى انْتِقَالٍ مِنْ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ فَإِنَّ مَا تَوَقَّفَ اسْتِفَادَتُهُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ إلَيْهِ هُوَ الْمَفْهُومُ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُنْتَقِلَ إلَيْهِ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ أَوْ مُخَالِفًا فَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ اهـ. وَهُوَ أَمَسُّ بِكَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ أَيْ اللَّفْظُ الدَّالُّ إلَخْ وَلِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا مِنْ تَقْسِيمِهِ الْمَدْلُولَ إلَى حُكْمٍ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ خُرُوجُ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ مِنْ تَعْرِيفِهِ وَدُخُولُهُ فِي تَعْرِيفِ الْمَفْهُومِ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ. وَكَذَلِكَ الْمَجَازُ، فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يَتَوَقَّفُ اسْتِفَادَتِهِ. . . إلَخْ أَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ لِشَيْءٍ آخَرَ وَالْمَجَازُ مُحْتَاجٌ لِلْقَرِينَةِ فَيُفْسِدُ التَّعْرِيفَاتِ طَرْدًا وَعَكْسًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ مَحَلُّ النُّطْقِ بِمَقَامِ إيرَادِ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى مَدْلُولًا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِشَيْءٍ فِي طَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ لَا فَيَكُونُ شَامِلًا لِلْحُكْمِ وَغَيْرِهِ وَلِلْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ وَغَيْرِ الصَّرِيحِ وَبِهَذَا اسْتَقَامَ الْكَلَامُ وَتَمَّ الْمَرَامُ وَلَوْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ: الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مُطَابَقَةً أَوْ تَضَمُّنًا لَا غِنًى عَنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ فَلَوْ أُرِيدَ شُمُولُهُ لِغَيْرِ الصَّرِيحِ لَقِيلَ أَوْ الْتِزَامًا وَقَوْلُ سم: إنَّهُ لَا يَضُرُّ عَدَمُ شُمُولِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ ظَاهِرَ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَدَمُ إثْبَاتِهِ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي ثُمَّ الْمَنْطُوقُ أَنَّ تَوَقُّفَ الصِّدْقِ أَوْ الصِّحَّةِ إلَخْ هَذَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَالْمَفْهُومِ أَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُكْمٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ إلَّا أَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ حُكْمًا لِلْمَذْكُورِ وَلَا حَالًا مِنْ أَحْوَالِهِ بَلْ هُوَ حُكْمٌ لِلْمَسْكُوتِ كَالضَّرْبِ فِي آيَةِ التَّأْفِيفِ بِخِلَافِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ لِلْمَذْكُورِ وَحَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُ حَكَمٍ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: عَدَمُ شُمُولِ الْحَدِّ الثَّانِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ الْقَوْمِ. وَأَقُولُ: أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَدَمُ شُمُولِ الْحَدِّ لَهُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفْتُهُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَلِأَنَّ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ عَنْ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِمَا، فَإِنَّ الْأُصُولِيَّ لَا بَحْثَ لَهُ عَنْ الْمُفْرَدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُفْرَدٌ إذْ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْأُصُولِ الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ الْبَاحِثَةُ عَنْ الْأَدِلَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالشَّارِحُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ وَرَأَيْت الْيَوْمَ الْأَسَدَ وَأَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ أَيْ غَيْرَ حُكْمٍ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحُكْمِ وَالدَّاعِي لِلْمُصَنِّفِ إلَى ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ الْحُكْمُ بِهِمَا. وَأَمَّا مَا قَالَهُ سم بَعْدَ التَّشْنِيعِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنَّ مُجَرَّدَ مُخَالَفَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِابْنِ الْحَاجِبِ لَا تَقْتَضِي الْمُخَالَفَةَ لِكَلَامِ الْقَوْمِ، فَإِنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ كالباقلاني وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ فُورَكٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ هُمْ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِمُوَافَقَتِهِمْ أَوْ مُخَالَفَتِهِمْ. وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَهُمْ مُصَنِّفُونَ مُتَّبِعُونَ فَعَلَى الشَّيْخِ إنْ أَرَادَ تَصْحِيحَ اعْتِرَاضِهِ أَنْ يُبَيِّنَ كَلَامَ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ وَمُخَالَفَةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِجَمِيعِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ

أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى (كَزَيْدٍ) فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلذَّاتِ الْمُشَخَّصَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ لِغَيْرِهَا (ظَاهِرٌ) أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ اُحْتُمِلَ) بَدَلُ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَهُ (مَرْجُوحًا كَالْأَسَدِ) فِي نَحْوِ رَأَيْت الْيَوْمَ الْأَسَدَ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ مُحْتَمِلٌ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ بَدَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي فَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا شَاءَ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مِثْلِهِ مَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِ إمَّا أَوْ لَا فَلِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ إمَامٌ جَلِيلٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَرْتَبَةِ مَنْ ذَكَرَهُمْ وَعَدَّدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِكَلَامِهِمْ وَمُقْتَبِسٌ مِنْ عُلُومِهِمْ فَهُوَ يَحْذُو حَذْوَهُمْ. وَقَدْ اعْتَنَتْ الْأَفَاضِلُ بِشَرْحِ كَلَامِهِ وَنَاهِيك بِالْعَضُدِ وَالسَّيِّدِ وَالسَّعْدِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَهُمْ نَقَدَةُ الْكَلَامِ وَقَادَةُ الْأَفْهَامِ فَسُكُوتُهُمْ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُمْ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ عَلِمْت ذَلِكَ قُلْت: إنَّ الْعَلَّامَةَ سم مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ وَكَثْرَةِ النَّقْلِ عَنْ الْعَضُدِ وَمَوَادِّهِ وَغَيْرِهَا لَوْ وَجَدَ شَيْئًا يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي تَأْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَكَانَ أَحَقَّ بِالذِّكْرِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي اتَّخَذَهُ دَيْدَنًا عِنْدَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَقْلٍ قَوِيٍّ أَوْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ عَلَى أَنَّا وَجَدْنَا مُقَوِّيًا لِكَلَامِ النَّاصِرِ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الْأُصُولِيِّينَ أَقْسَامَ الْمَفْهُومِ بِالْأَحْكَامِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَفْهُومًا مُفْرَدًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْطُوقَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُقَابِلٌ لَهُ. وَفِي الْمِنْهَاجِ وَالتَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ ابْنَ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ الْأَوَّلُ الْخِطَابُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحُكْمِ بِمَنْطُوقِهِ إلَخْ وَقَالَ الثَّانِي الْحُكْمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ النَّظْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِنَفْسِ النَّظْمِ أَوْ لَا إلَى آخِرِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْسِيمِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا اُشْتُهِرَ أَنْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَيْسَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ وَاتَّخَذَهُ دَيْدَنًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ فَنٍّ أَنْ يُشَاحِحَ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ فَنٍّ آخَرَ عَلَى أَمْرٍ اُصْطُلِحَ عَلَيْهِ لَا أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْوُثُوقِ بِالْأَلْفَاظِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ وَاشْتِبَاهُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْوَاضِعُ بِغَيْرِهِ وَسَدُّ أَبْوَابِ الِاعْتِرَاضِ، فَإِنَّ لِلْخَصْمِ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا أَمْرٌ اصْطَلَحْت عَلَيْهِ أَنَا وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ فَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي طَبَقَةِ الْوَاضِعِ أَوْ بَعْدَهَا مِمَّنْ لَهُ اسْتِخْرَاجٌ فِي الْفَنِّ وَتَمْهِيدٌ لِقَوَاعِدِهِ كَالسَّكَّاكِيِّ وَعَبْدِ الْقَاهِرِ وَالزَّمَخْشَرِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَنِّ الْبَيَانِ وَكَذَلِكَ سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّحْوِ وَكَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِفَنِّنَا هَذَا إلَّا أَنَّ كُلَّ مُصَنِّفٍ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِذَلِكَ الْفَنِّ لَهُ أَنْ يَضَعَ أَلْفَاظًا يَصْطَلِحُ عَلَيْهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا لِمَا عَلَيْهِ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ حَمْلُ تَسْمِيَةٍ لَا حَمْلُ وَصْفٍ وَالنَّصُّ مَأْخُوذٌ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ وَهُوَ الْمَحَلُّ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ فَكَأَنَّ النَّصَّ ظَهَرَ عَنْ الِاحْتِمَالِ ثُمَّ هُوَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا ذَكَرَ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُقَابِلِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالْإِجْمَاعِ فَيُرَادُ بِهِ الدَّلِيلُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ فَيَعُمُّ الظَّاهِرَ وَتَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ، وَهُوَ الْمَعْنَى هُنَا. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّهُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا احْتِمَالًا مَرْجُوحًا وَهُوَ بِمَعْنَى الظَّاهِرِ وَعَلَى مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى كَيْفَ كَانَ وَيُطْلَقُ النَّصُّ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ بِإِزَاءِ الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ فَيُرَادُ بِالنَّصِّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَصًّا لَا احْتِمَالَ فِيهِ أَوْ ظَاهِرٌ أَوْ يُرَادُ بِالْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ مَا خَرَجَ أَيْ اُسْتُنْبِطَ مِنْ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْإِفَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّرْكِيبِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلذَّاتِ) فَيَسْتَشْكِلُ بِصِحَّةِ التَّجَوُّزِ فِي الْإِعْلَامِ فَيَحْتَمِلُ زَيْدٌ مَعْنًى مَجَازِيًّا. وَقَدْ قَالَ النُّحَاةُ: إنَّ التَّأْكِيدَ فِي جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ لِدَفْعِ الْمَجَازِ عَنْ الذَّاتِ وَاحْتِمَالُ أَنَّ الْجَائِيَ رَسُولُهُ أَوْ كِتَابُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُتَجَوَّزُ فِيهِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ اشْتِهَارًا بِوَصْفٍ وَلَا كَذَلِكَ زَيْدٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ التَّجَوُّزُ بِغَيْرِ الِاسْتِعَارَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْمَجَازُ الَّذِي يَدْفَعُهُ التَّأْكِيدُ الْمَجَازُ الْحَذْفِيُّ أَوْ الْعَقْلِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بَلْ هُوَ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْإِنْصَافُ أَنَّ مَادَّةَ الِاحْتِمَالِ لَمْ تَنْقَطِعْ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الضَّعِيفَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. اهـ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ: إنْ احْتَمَلَ) أَيْ اللَّفْظُ (قَوْلُهُ: بَدَلَ الْمَعْنَى) الْبَدَلِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْإِرَادَةُ وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَمِلٌ

وَهُوَ مَعْنًى مَرْجُوحٌ لِأَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ وَالْأَوَّلُ الْحَقِيقِيُّ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ أَمَّا الْمُحْتَمِلُ لِمَعْنًى مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فَيُسَمَّى مُجْمَلًا وَسَيَأْتِي كَالْجَوْنِ فِي ثَوْبِ زَيْدٍ الْجَوْنُ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِمَعْنَيَيْهِ أَيْ الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ عَلَى السَّوَاءِ (وَاللَّفْظُ إنْ دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى) كَغُلَامِ زَيْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَمْرَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْنًى مَرْجُوحٌ) لَا يُقَالُ بَلْ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الْقَرِينَةِ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ) لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَانَ حَقُّهُ التَّأْكِيدَ بِخِطَابٍ وَاحِدٍ لِيَخْرُجَ الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُبَيَّنِ، فَإِنَّهُمَا وَإِنْ أَفَادَا مَعْنًى وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَكِنَّهُمَا لَيْسَا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ فَلَا يُسَمِّيَانِ نَصًّا. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَزِمُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ نَصٌّ لِانْطِبَاقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ تَمْثِيلَهُمْ لِلنَّصِّ بِالْمُفْرَدِ يَأْتِي هَذَا الِالْتِزَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَصْلُهَا عَلَى غَيْرِ أَسَاسِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِي ذَلِكَ 1 - (قَوْلُهُ: إنْ دَلَّ جُزْؤُهُ إلَخْ) إنْ اُعْتُبِرَ جُزْءُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْؤُهُ لَزِمَ اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْجُزْءَ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْءٌ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى وَإِنْ أَرَادَ دَلَالَةَ الْجُزْءِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ جُزْءًا بَلْ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ جُزْءًا أَوْ مُفْرَدًا فَالْقَيْدُ وَإِنْ كَانَ مُخْرِجًا لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا لَكِنَّهُ مَازَالَ الْحَدُّ شَامِلًا لِلْحَيَوَانِ النَّاطِقِ عِلْمًا، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ أَيْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ جُزْءًا، وَذَلِكَ قَبْلَ جَعْلِهِ عِلْمًا وَهُوَ مُفْرَدٌ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْمُرَكَّبِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَخَارِجٌ عَنْ حَدِّ الْمُفْرَدِ فَيَبْطُلُ بِهِ طَرْدُ الْأَوَّلِ، وَعَكْسُ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ الْقَصْدِ، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَقَدْ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَأَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُرَادٌ فِي تَعْرِيفِ الْأُمُورِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِالِاعْتِبَارِ وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِ الْمُرَكَّبِ وَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْمُفْرَدِ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ، فَإِنَّ جُزْأَهُ وَإِنْ دَلَّ لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ: إنَّهُ جُزْءٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ. اهـ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِهِ فِي أَصْلِ الدَّلَالَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّفْهِيمِ لَا لِلتَّتْمِيمِ اهـ. وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِالْقَصْدِ الْقَصْدُ بِالْفِعْلِ فَالْمُرَكَّبَاتُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا وَالْقَصْدُ إلَى مَعَانِيهَا تَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْمُفْرَدِ وَتَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِ الْمُرَكَّبِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُقْصَدُ بِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى فَمُرَكَّبٌ وَإِلَّا فَمُفْرَدٌ فَمِثْلُ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الْعِلْمُ يَخْرُجُ عَنْ الْمُفْرَدِ وَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْمُرَكَّبِ لِأَنَّهُ بِحَيْثُ يُقْصَدُ بِجُزْئِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَفْهُومِ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ اللَّذَيْنِ هُمَا جُزْءَا الشَّخْصِ الْمُسَمَّى بِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ

(فَمُرَكَّبٌ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ كَهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ غَيْرُ دَالٍ عَلَى مَعْنًى كَزَيْدٍ أَوْ دَالٍ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ جُزْءِ مَعْنَاهُ كَعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا (فَمُفْرَدٌ وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ مُطَابِقَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإطْلَاقِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَبًّا مَا كَانَ يُنْتَقَضُ التَّعْرِيفَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا اهـ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَيْضًا بُطْلَانَ التَّعْرِيفَيْنِ بِصِدْقِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عَلَى الْمُضَارِعِ، فَإِنَّ حُرُوفَ الْمُضَارَعَةِ جُزْءٌ مِنْهُ وَهِيَ تَدُلُّ فِيهِ عَلَى مَعْنًى هُوَ الزَّمَانُ، وَالْمَادَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْحَدَثِ وَكِلَاهُمَا مُفْرَدَةٌ عِنْدَ النُّحَاةِ وَالْأُصُولِيِّينَ، وَإِنَّ قَالَ الْمَنْطِقِيُّونَ: إنَّهُ مُرَكَّبٌ وَعَلَى أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ وَالصِّفَاتِ الْمُشَبَّهَةِ كَضَارِبٍ وَمُخْرَجٍ وَعَطْشَانَ، فَإِنَّ الْهَيْئَةَ فِيهَا جُزْءٌ مِنْهَا وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الْحَدَثِ وَهِيَ مُفْرَدَةٌ اتِّفَاقًا وَلَا يُجَابُ عَنْ غَيْرِ الْمُضَارِعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْزَاءِ أَلْفَاظٌ مُرَتَّبَةٌ مَسْمُوعَةُ وَالْهَيْئَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قَالَ الْعَضُدُ: إنَّهُ تَمَحَّلَ وَلَا يُشْعِرُ بِهِ الْحَدُّ فَيَفْسُدُ اهـ. وَأَقُولُ: أَمَّا دَلَالَةُ أَحْرُفِ الْمُضَارَعَةِ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي فَلَيْسَ بِالِاسْتِقْلَالِ بَلْ الدَّالُّ هُوَ الْفِعْلُ بِسَبَبِ اقْتِرَانِهَا بِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِتِلْكَ الْمَعَانِي وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عَلَامَاتٍ لِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْفِعْلِ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى التَّكَلُّمِ وَالْخِطَابِ وَالْغَيْبَةِ وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ السِّينُ مَعَ الْفِعْلِ. وَأَمَّا الْفِعْلُ وَبَقِيَّةُ الْمُشْتَقَّاتِ فَلَيْسَ لِلْهَيْئَةِ اسْتِقْلَالٌ فِيهَا بِالدَّلَالَةِ وَكَذَلِكَ الْمَادَّةُ بَلْ الدَّالُّ الْمَجْمُوعُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ وَمُرَادُهُ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَاشِيَةِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ أَيْضًا فَقَالَ لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الْقَوْلَ بِاسْتِقْلَالِ هَيْئَةِ الْكَلِمَةِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ يُبْنَى عَلَى مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ الدَّوْرَانِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ شَاهِدًا عَدْلًا بَلْ الْعُدُولُ عِنْدَ عَدْلٍ بِأَنْ يُقَالَ: الدَّالُّ عَلَى أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلِمَةِ هُوَ مَجْمُوعُ الْمَادَّةِ وَالْهَيْئَةِ اهـ. وَأَرَادَ بِالدَّوَرَانِ قَوْلَهُمْ بِشَهَادَةِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْهَيْئَةِ إلَخْ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِالْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْزَاءِ الْأَلْفَاظُ الْمُتَرَتِّبَةُ إلَخْ وَمِمَّنْ أَجَابَ بِهِ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ وَقَرَّرَهُ السَّيِّدُ فِي الْحَاشِيَةِ وَأَيَّدَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ ذَا أَجْزَاءٍ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ حَقِيقَةً أَيْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا مَسْمُوعٌ لَا أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ مَعًا وَكَفَى بِهَؤُلَاءِ الْمُحَقِّقِينَ سَنَدًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَإِنَّ قَالَ الْمَنْطِقِيُّونَ: إنَّهُ مُرَكَّبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ سَهْوٌ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِلَّا فَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الْمُحَقِّقِينَ كَيْفَ وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ فِي تَقْسِيمِ مَتْنِ التَّهْذِيبِ وَالشَّمْسِيَّةِ الْمُفْرَدُ إلَى أَدَاةٍ وَكَلِمَةٍ وَاسْمٍ، وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ الْفِعْلُ وَبَقِيَ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمُعَرَّفُ بِأَلْ وَالْمُنَكَّرُ وَالْمَنْسُوبُ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَلْ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْيِينِ وَالتَّنْوِينُ عَلَى الْإِبْهَامِ وَنَحْوِهِ وَالْيَاءُ عَلَى النِّسْبَةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُرَكَّبَاتٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ لِشِدَّةِ الِارْتِبَاطِ صَارَتْ شَيْئًا وَاحِدًا وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ وَنَحْوُهُمَا فَتَأَمَّلْ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَبْحَثَ ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ اسْتِطْرَادًا أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ وَالشَّيْخُ النَّاصِرُ وسم قَدْ أَطَالَا الْكَلَامَ فِيهِ وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ تُصْرَفَ فِيهِ الْعِنَايَةُ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الشُّيُوعِ (قَوْلُهُ: فَمُرَكَّبٌ) قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الطَّبْعِ تَقْدِيمُ الْكَلَامِ عَلَى الْمُفْرَدِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لِلْمُرَكَّبِ لِشَرَفِهِ يَكُونُ مَفْهُومُهُ وُجُودِيًّا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ جُزْؤُهُ) أَيْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُرَكَّبِ إذْ أَجْزَاءُ الْمُرَكَّبِ شَامِلَةٌ لِكُلٍّ مِنْ حُرُوفِهِ الْهِجَائِيَّةِ وَكَلِمَاتِهِ وَلَا دَلَالَةَ لِوَاحِدٍ مِنْ حُرُوفِهِ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ أَجْزَاءٌ ثَانَوِيَّةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا أَطَالَ بِهِ سم مِنْ التَّكَلُّفَاتِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ) ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ وَهَذَا بِخِلَافِ جُزْءٍ لَمْ يَدُلَّ، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ إلَّا بِوُجُودِ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُولَةٌ وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ إلَى قَوْلِهِ: أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَزَيْدٍ) ، فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ زِهْ يَهِ دِهْ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَمَّا دَلَالَتُهَا عَلَى حَيَاةِ الْمُتَكَلِّمِ فَعَقْلِيَّةٌ وَدَلَالَتُهَا عَلَى الْعَدَدِ فَلَيْسَتْ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ بَلْ اصْطِلَاحُ أَهْلِ الْحَرْفِ (قَوْلُهُ: كَعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا) ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ جُزْأَيْهِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَكِنَّهُ لَيْسَ جُزْءَ الذَّاتِ الْمَوْضُوعَ لَهَا بَلْ الْعُبُودِيَّةُ مِنْ عَوَارِضِهَا وَدَلَالَةُ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ جَعْلِهِ عَلَمًا إنَّمَا هِيَ بِقَطْعِ النَّظَرِ

وَتُسَمَّى دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ أَيْضًا لِمُطَابَقَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ (وَعَلَى جُزْئِهِ) أَيْ جُزْءِ مَعْنَاهُ (تَضَمُّنٌ) وَتُسَمَّى دَلَالَةَ تَضَمُّنٍ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى لِجُزْئِهِ الْمَدْلُولِ (وَلَازِمِهِ) أَيْ لَازِمِ مَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْعَلَمِيَّةِ وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ عَبْدٌ كَالزَّايِ مِنْ زَيْدٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ: دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ) لَمْ يَقُلْ عَلَى تَمَامِ مَعْنَاهُ وَلَا جَمِيعٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ قَيْدَ التَّمَامِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا فِي التَّعْرِيفِ بَلْ ذُكِرَ لِرِعَايَةِ حُسْنِ التَّقَابُلِ مَعَ الشِّقِّ الثَّانِي وَلَفْظُ جَمِيعٍ مُشْعِرٌ بِالتَّرْكِيبِ فَلَا يَشْمَلُ الْمَعْنَى الْبَسِيطَ كَالنُّقْطَةِ وَالْعَقْلِ وَاللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ دَالٌّ عَلَى كُلِّ مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ لَا إنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَالَ السَّيِّدُ: إذَا عُلِمَ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لَمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنَّهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ لَهُ يَنْتَقِلُ ذِهْنُهُ إلَى مُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْمَعَانِي بِأَسْرِهَا فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُطَابَقَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مَاذَا هُوَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي، فَإِنَّ كَوْنَ الْمَعْنَى مُرَادًا لِلْمُتَكَلِّمِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ اهـ. وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ إنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ بَعْضَهَا لَا يُقَالُ: إذَا أُطْلِقَ الْمُشْتَرَكُ يُفْهَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعَانِيهِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِأَوْضَاعِهِ وَيُفْهَمُ جَمِيعُ الْمَعَانِي أَيْضًا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ لَيْسَتْ شَيْئًا مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَهْمَ جَمِيعِ الْمَعَانِي مِنْ اللَّفْظِ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ لِاجْتِمَاعِ فَهْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ) فَلَهَا اسْمَانِ مُفْرَدٌ وَمُرَكَّبٌ (قَوْلُهُ: لِمُطَابَقَةِ الدَّالِّ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهِ بِقَدْرِهِ لَا أَنْقَصَ عَنْهُ كَمَا فِي دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ وَلَا أَزِيدَ كَمَا فِي الِالْتِزَامِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى جُزْئِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ: إنَّهُ جُزْءٌ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَعْنَاهُ وَعَلَى لَازِمِهِ فَاللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْمَعْنَى وَلِجُزْئِهِ وَلِلَازِمِهِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْءٌ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ دَلَالَةَ تَضَمُّنٍ أَوْ مِنْ حَيْثُ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ كَانَتْ مُطَابَقَةً، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّازِمِ وَهَاهُنَا بَحْثٌ نَفِيسٌ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ هُمَا إذَا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ مَثَلًا فِي قَوْلِك الْأُبُوَّةُ وَالْبُنُوَّةُ هُمَا إضَافِيَّانِ يَدُلُّ عَلَى الْمَجْمُوعِ بِالْمُطَابَقَةِ وَعَلَى الْجُزْأَيْنِ بِالتَّضَمُّنِ وَكُلُّ جُزْءٍ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ لِامْتِنَاعِ تَعَقُّلِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ فَاللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِوَاسِطَةِ لُزُومِهِ لِلْآخَرِ وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ لَيْسَتْ مُطَابَقِيَّةً وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا تَضَمُّنِيَّةً لِعَدَمِ اعْتِبَارِ حَيْثِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَا الْتِزَامِيَّةً لِعَدَمِ الْخُرُوجِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الدَّلَالَةِ بِوَاسِطَةِ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَعَقُّلَ أَحَدِ الْمُتَضَايِفَيْنِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ تَعَقُّلَ الْآخَرِ إذَا كَانَ مَحْظُورًا بِالْبَالِ وَإِلَّا لَزِمَ تَعَقُّلَاتٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُتَضَايِفَيْنِ عِنْدَ تَعَقُّلِ أَحَدِهِمَا وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ فَهْمُ أَحَدِهِمَا فِي ضِمْنِ فَهْمِ مَجْمُوعِهِمَا الَّذِي هُوَ مَدْلُولٌ مُطَابِقِيٌّ لَمْ يَكُنْ فَهْمُ أَحَدِهِمَا مُسْتَلْزِمًا لِفَهْمِ الْآخَرِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الدَّلَالَةُ فَلَا حَاجَةَ فِي جَوَابِهِ إلَى ارْتِكَابِ تَكَلُّفٍ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْخُرُوجُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ أَيْ يَصِيرُ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ غَيْرِ حَيْثِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى) أَيْ الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ وَقَوْلُهُ الْمَدْلُولُ صِفَةٌ لِلَّفْظِ أَيْ الْمَدْلُولُ لَهُ بِدَلَالَةِ التَّضَمُّنِ فَدَلَالَةُ التَّضَمُّنِ هِيَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكُلِّ وَدَلَالَتُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِأَنْ اُسْتُعْمِلَ مَا لِلْكُلِّ فِي الْجُزْءِ فَمَجَازٌ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مُطَابَقَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَعَ الْقَرِينَةِ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ، فَإِنْ تَحَقَّقَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ

(الذِّهْنِيِّ) سَوَاءٌ لَزِمَهُ فِي الْخَارِجِ أَيْضًا أَمْ لَا (الْتِزَامٌ) وَتُسَمَّى دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ أَيْضًا لِالْتِزَامِ الْمَعْنَى أَيْ اسْتِلْزَامِهِ لِلْمَدْلُولِ كَدَلَالَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحَيَوَانِ فِي الثَّانِي وَعَلَى قَابِلِ الْعِلْمِ فِي الثَّالِثِ اللَّازِمِ خَارِجًا أَيْضًا وَكَدَلَالَةِ الْعَمَى أَيْ عَدَمِ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْبَصَرُ عَلَى الْبَصَرِ اللَّازِمِ لِلْعَمَى ذِهْنًا الْمُنَافِي لَهُ خَارِجًا (وَالْأُولَى) أَيْ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ (لَفْظِيَّةٌ) لِأَنَّهَا بِمَحْضِ اللَّفْظِ (وَالثِّنْتَانِ) أَيْ دَلَالَتَا التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ (عَقْلِيَّتَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْتَنِعُ الِانْفِكَاكُ فَهِيَ مُطَابَقَةٌ وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي حَوَاشِي الْمَطَالِعِ فِي دَلَالَةِ الْمُعَمَّيَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا (قَوْلُهُ: الذِّهْنِيِّ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ تَقْيِيدَ اللَّازِمِ بِالذِّهْنِيِّ خُرُوجٌ عَنْ الْأُصُولِ إلَى فَنِّ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ الْمَقْسَمُ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ مَهْمَا أُطْلِقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ الْمُنَاطِقَةُ لَا كَوْنُهُ إذَا أُطْلِقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ الْأُصُولِيُّونَ وَالْبَيَانِيُّونَ وَمِنْ ثَمَّ تَرَكَ ابْنُ الْحَاجِبِ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِهِ فَقَالَ: وَغَيْرُ اللَّفْظِيِّ الْتِزَامٌ وَقِيلَ إذَا كَانَ ذِهْنِيًّا وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّازِمَ الذِّهْنِيَّ لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُ تَعَقُّلِهِ عَنْ تَعَقُّلِ الْمُسَمَّى وَهُوَ اللَّازِمُ الْبَيِّنُ عِنْدَ الْمُطَابَقَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَلِفُ فِي اشْتِرَاطِهِ بَيْنَ الْمَنَاطِقَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي: مَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي الذِّهْنِيِّ حُصُولُهُ فِيهِ إمَّا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَيَّدَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْبَيَانِ لَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَخَرَجَتْ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي الْمَجَازَاتِ وَالْكِنَايَاتِ عَنْ الْمَدْلُولَاتِ الِالْتِزَامِيَّةِ اهـ. أَقُولُ: اخْتَارَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي مَتْنِ التَّهْذِيبِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ اللُّزُومِ عَقْلًا أَوْ عُرْفًا وَوَجَّهَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا رِيبَةَ فِي فَهْمِ هَذَا الْمَعْنَى فَإِسْقَاطُهُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ اهـ. وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي شَرْحِ الْمَتْنِ لَوْ اُعْتُبِرَ اللُّزُومُ الْعَقْلِيُّ فَقَطْ لَخَرَجَ الْمَجَازَاتُ وَالْكِنَايَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُحَاوَرَاتِ وَالْمُخَاطَبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ نَظَرَ الْمَنْطِقِيِّ فِي الْأَلْفَاظِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْإِفَادَةِ وَالِاسْتِفَادَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِ اصْطِلَاحٍ بِلَا ضَرُورَةٍ مَعَ إفْضَائِهِ إلَى ضِيقٍ فِي أَمْرِ الدَّلَالَةِ لِإِخْرَاجِ تِلْكَ الدَّلَالَاتِ السَّابِقَةِ فِي الِاعْتِبَارِ عَنْ الِاعْتِبَارِ اهـ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِ اصْطِلَاحٍ إلَخْ أَيْ مُخَالِفٍ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِالْتِزَامِ الْمَعْنَى) أَيْ الْمُطَابِقِيِّ وَقَوْلُهُ لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْتِزَامًا (قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمَ الْبَصَرِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَمَى هُوَ الْعَدَمُ الْمُقَيَّدُ بِالْبَصَرِ وَالْقَيْدُ خَارِجٌ وَلَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسَمَّى وَإِلَّا كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ تَضَمُّنًا فَالتَّقَابُلُ بَيْنَ الْعَمَى وَالْبَصَرِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ عَلَى خُرُوجِ الْبَصَرِ عَنْ مُسَمَّى الْعَمَى بِأَنَّ إسْنَادَهُ إلَى الْبَصَرِ شَائِعٌ بِدُونِ قَرِينَةٍ مَجَازِيَّةٍ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} [الحج: 46] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ اهـ. يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَ الْبَصَرَ بِدُونِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْعَمَى الْمَوْضُوعَ لِلْعَدَمِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِالْبَصَرِ وَيُرَادُ مُطْلَقُ الْعَدَمِ. وَقَالَ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ الدَّوَانِيِّ الْعَمَى صِفَةٌ بَسِيطَةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْمَى، وَحَقِيقَتُهُ عَدَمٌ خَاصٌّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَدَمِ الْبَصَرِ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ الْفَرْقُ بَيْنَ جُزْءِ الشَّيْءِ وَجُزْءِ مَفْهُومِهِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْبَصَرِ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الْعَمَى الْعَيْنَوَانِيِّ، وَخَارِجُ عَنْ حَقِيقَتِهِ الْبَسِيطَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةً لِلْمَعَانِي دُونَ عِنْوَانِهَا كَانَتْ دَلَالَةُ الْعَمَى عَلَى الْبَصَرِ دَلَالَةً عَلَى خَارِجٍ عَنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَكَانَ إسْنَادُهُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ غَيْرَ تَجْرِيدٍ أَوْ مَجَازٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بِمَحْضِ اللَّفْظِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى انْتِقَالٍ إلَى جُزْءٍ أَوْ لَازِمٍ كَمَا فِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا فَهُوَ كَالْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ بِهِ وَالْعِلْمَ بِالْوَضْعِ (قَوْلُهُ: عَقْلِيَّتَانِ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمَحْصُولِ وَغَيْرَهُ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ثَانِيهَا أَنَّهُمَا لَفْظِيَّتَانِ كَالْأُولَى اعْتِبَارًا بِفَهْمِ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَنَاطِقَةِ. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَازِمٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَسْمَ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فَأَقْسَامُهُ لَفْظِيَّةٌ وَكَوْنُ بَعْضِهَا بِوَاسِطَةٍ، وَبَعْضِهَا بِلَا وَاسِطَةٍ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ

لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ الْمَعْنَى إلَى جُزْئِهِ وَلَازِمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَالِثُهُمَا: أَنَّ الدَّلَالَةَ التَّضَمُّنِيَّةَ لَفْظِيَّةٌ كَالْأُولَى وَالِالْتِزَامِيَّة عَقْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ بِخِلَافِ اللَّازِمِ وَلِأَنَّ الدَّلَالَتَيْنِ التَّضَمُّنِيَّتَيْنِ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ جُزْأَيْنِ مَثَلًا نَفْسُ الدَّلَالَةِ الْمُطَابِقِيَّةِ فَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ فِي التَّضَمُّنِيَّةِ وَالْإِجْمَالِ فِي الْمُطَابِقِيَّةِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا اهـ. قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ الْمُصَنِّفَ خَالَفَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَوَافَقَ الْبَيَانِيِّينَ لَا اتِّجَاهَ لَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِمُخَالَفَتِهِ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ مَعَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْغُرَّةِ الْمُطَابَقَةُ وَضْعِيَّةٌ صَرَفَهُ بِلَا مَدْخَلٍ مِنْ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَ بِمَحْضِ الْوَضْعِ بَلْ بِمَدْخَلٍ مِنْ الْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّ فَهْمَ الْكُلِّ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِ الْجُزْءِ وَفَهْمَ الْمَلْزُومِ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِ اللَّازِمِ فَلِذَلِكَ اتَّفَقَتْ الْكَلِمَةُ عَلَى تَخْصِيصِ الْأُولَى بِالْوَضْعِيَّةِ وَاخْتَلَفَ فِيهِمَا فَعَدَّهُمَا الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ الْوَضْعِيَّةِ وَأَهْلُ الْبَيَانِ وَالْأُصُولُ مِنْ الْعَقْلِيَّةِ اهـ. عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت أَوَّلَ الْمَبْحَثِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّلَالَةِ وَتَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ ذُكِرَ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ اسْتِطْرَادًا أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ فَلَا ضَرَرَ فِي مُوَافَقَتِهِمْ غَيْرَهُمْ فِي اصْطِلَاحٍ يَخُصُّهُمْ لِمُنَاسَبَةٍ تَتَعَلَّقُ بِفَنِّ الْأُصُولِ وَاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْبَيَانِ أَمَسُّ بِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَاحِثُونَ عَنْ بَلَاغَةِ الْكِتَابِ وَالسَّنَدِ وَهُمَا مِمَّا يَبْحَثُ عَنْهُ فِي هَذَا الْفَنِّ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِنْبَاطُ وَفِي الْحَقِيقَةِ كَادَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَلْفُ لَفْظِيًّا (قَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى انْتِقَالِ الذِّهْنِ إلَخْ) هَذَا لَا يَصِحُّ فِي التَّضَمُّنِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَتُسَمَّى الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنِيَّةُ لَفْظِيَّةً؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِتَوَسُّطِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَعْنًى بَلْ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِالْتِزَامِ فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِأَنَّهُمَا وَاحِدَةٌ بِالذَّاتِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا إلَّا فَهْمٌ وَانْتِقَالٌ وَاحِدٌ يُسَمَّى بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى مَجْمُوعِ الْجُزْأَيْنِ مُطَابَقَةً وَأَحَدُهُمَا تَضَمُّنًا وَلَيْسَ فِي التَّضَمُّنِ انْتِقَالٌ إلَى مَعْنَى الْكُلِّ ثُمَّ مِنْهُ إلَى الْجُزْءِ كَمَا فِي الِالْتِزَامِ يَنْتَقِلُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْمَلْزُومِ وَمِنْهُ إلَى لَازِمِهِ فَيَتَحَقَّقُ فَهْمَانِ. وَمَبْنَى هَذَا التَّحْقِيقِ عَلَى أَنَّ التَّضَمُّنَ فَهْمُ الْجُزْءِ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ، وَالِالْتِزَامُ فَهْمُ اللَّازِمِ بَعْدَ فَهْمِ الْمَلْزُومِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّارِحَ مُوَافَقَةُ التَّفْتَازَانِيِّ وَإِنَّهُ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ، فَإِنَّ لَك سَلَفًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: وَأَمَّا الْبَاقِيَتَانِ فَعَقْلِيَّتَانِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا وُضِعَ لِلْمُسَمَّى انْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْ الْمُسَمَّى إلَى لَازِمِهِ، وَلَازِمُهُ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْمُسَمَّى فَهُوَ التَّضَمُّنُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا فَهُوَ الِالْتِزَامُ اهـ. وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِهِ فِي ذَلِكَ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي سم مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ أَكْثَرُهُ تَشْنِيعٌ عَلَى شَيْخِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ السُّؤَالُ، وَالْجَوَابُ لَيْسَا مِمَّا يَمُدُّ فِيهِ الْقَلَمَ نَعَمْ قَدْ ضَعَّفَ الْكَمَالُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ وُجُودِ الْكُلِّ عَلَى وُجُودِ الْجُزْءِ فِي الذِّهْنِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فِي الْوُجُودَيْنِ أَوْ فَهْمَ الْجُزْءِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي ضِمْنِ الْمُرَكَّبِ وَأُخْرَى مُنْفَرِدًا وَالْوِجْدَانُ

(ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إنْ تَوَقَّفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكَذِّبُهُ اهـ. وَهَذَا التَّضْعِيفُ ضَعِيفٌ أَمَّا أَوَّلًا فَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْوِجْدَانِيَّاتِ لَا تَقُومُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ الَّذِي أَجِدُهُ فِي نَفْسِي أَنَا خِلَافَ ذَلِكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَمَنْ ادَّعَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ فَهْمَ الْجُزْءِ مِنْ اللَّفْظِ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ عَنْ فَهْمِ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ فَهْمُهُ فِي ذَاتِهِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ فَهْمَ الْكُلِّ عَيْنُ فَهْمِ الْجُزْءِ بِالذَّاتِ مُغَايِرٌ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ كَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ لِلْعَضُدِيِّ أَوْ قُلْنَا بِتَغَايُرِهِمَا بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إلَخْ) قَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَنْطُوقَ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِ صَرِيحٍ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ دُونَ تَعَقُّبٍ فَالصَّرِيحُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ مُطَابَقَةً أَوْ تَضَمُّنًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا غَيْرُ الصَّرِيحِ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ بَلْ يَلْزَمُ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَيَنْقَسِمُ غَيْرُ الصَّرِيحِ إلَى دَلَالَةِ اقْتِضَاءٍ وَدَلَالَةِ إشَارَةٍ وَدَلَالَةِ إيمَاءً وَذَكَرَ الْأَوَّلِيَّيْنِ هُنَا وَتَرَكَ ذِكْرَ الثَّالِثَةِ لِذِكْرِهِ إيَّاهَا فِي بَابِ الْقِيَاسِ قَدْ أَخَلَّ الْمَتْنُ بِذِكْرِ الصَّرِيحِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ كَذَا قَرَّرَ الْحَوَاشِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ السَّابِقَ شَامِلٌ لِلصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِإِخْلَالِ الْمَتْنِ بِذِكْرِهِ عَدَمَ تَعَرُّضِهِ لَهُ فِي التَّقْسِيمِ وَأَشَارَ لِذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِضْمَارِ وَهَذَا كَلَامُهُ مُتَّجَهٌ. وَقَدْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ الْكُورَانِيُّ فَقَالَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ الْمَرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْإِيمَاءَ وَقَسَّمَ الْمَنْطُوقَ، وَالْمُنْقَسِمُ إنَّمَا هُوَ غَيْرُ الصَّرِيحِ وَالصَّرِيحُ قِسْمٌ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ سم فَلَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَأَخَذَ يُطِيلُ التَّشْنِيعَ عَلَى النَّاصِرِ وَالْكُورَانِيِّ وَيَتَأَوَّلُ النُّقُولَ بِمَا يَرْجِعُ مُحَصِّلُهُ إلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَغَيْرَهُ إنَّمَا جَعَلُوا الْمُتَوَقِّفَ غَيْرَ الصَّرِيحِ لِتَقْسِيمِهِمْ الْمَنْطُوقَ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ مِنْ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَالْمُصَنِّفُ حَصَرَ الْمَنْطُوقَ فِي الصَّرِيحِ فَلَا مَنْطُوقَ عِنْدَهُ إلَّا الصَّرِيحَ فَالْمُتَوَقِّفُ حِينَئِذٍ هُوَ الصَّرِيحُ فَلَا خِلَافَ إلَّا فِي الْعِبَارَةِ فَالْمُصَنِّفُ لَمَّا جَعَلَ الْمَنْطُوقَ مَحْصُورًا فِي الصَّرِيحِ جَعَلَهُ هُوَ الْمُتَوَقِّفَ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا لَمْ يَحْصُرْهُ فِيهِ جَعَلَ غَيْرَ الصَّرِيحِ مُتَوَقِّفًا عَلَى الصَّرِيحِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ هُوَ الْمَنْطُوقُ لَا غَيْرُهُ وَتَقْرِيرُ الشَّارِحِ الْأَمْثِلَةَ الْآتِيَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْطُوقَ فِيهَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ الَّذِي سَمَّى ابْنُ الْحَاجِبِ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ إذْ غَيْرُ الصَّرِيحِ إنَّمَا هُوَ الْمَحْذُوفُ فِيهَا الْمُقَدَّرُ لَا الْمَذْكُورُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُقَدَّرَ الَّذِي تَوَقَّفَ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ الَّذِي سَمَّى الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهِ هُوَ الَّذِي سَمَّى ابْنُ الْحَاجِبِ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَقَسَّمَهُ إلَى الِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ وَيُوَضِّحُهُ الْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِ صِدْقِهِ أَيْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إلَخْ فَجَعَلَ الْمُتَوَقِّفَ صِدْقَ مَضْمُونِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ إذْ غَيْرُ الصَّرِيحِ هُوَ الْمُقَدَّرُ مَعَهُ وَجَعَلَ الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ الْمُؤَاخَذَةَ وَهُوَ غَيْرُ الصَّرِيحِ إلَى آخِرِ الْأَمْثِلَةِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ التَّعْرِيفِ وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْحَوَاشِي هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِهَذَا الِاصْطِلَاحِ كُلِّهِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ مَرَامُهُ

الصِّدْقُ) فِيهِ (أَوْ الصِّحَّةُ) لَهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا (عَلَى إضْمَارٍ) أَيْ تَقْدِيرٍ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ (فَدَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَنْطُوقِ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ الْمُضْمَرِ الْمَقْصُودِ تُسَمَّى دَلَالَةَ اقْتِضَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ الْأَتْي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» أَيْ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِمَا لِتَوَقُّفِ صِدْقِهِ عَلَى ذَلِكَ لِوُقُوعِهِمَا. وَالثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا إذْ الْقَرْيَةُ وَهِيَ الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمِعَةُ لَا يَصِحُّ سُؤَالُهَا عَقْلًا، وَالثَّالِثُ كَمَا فِي قَوْلِك لِمَالِكِ عَبْدٍ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَفَعَلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَنْك أَيْ مِلْكُهُ لِي فَاعْتِقْهُ عَنِّي لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْعِتْقِ شَرْعًا عَلَى الْمَالِكِ (وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ) أَيْ الصِّدْقُ فِي الْمَنْطُوقِ وَلَا الصِّحَّةِ لَهُ عَلَى إضْمَارٍ (وَدَلَّ) اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ (عَلَى مَا لَمْ يَقْصِدْ) بِهِ (فَدَلَالَةُ إشَارَةٍ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِهِ تُسَمَّى دَلَالَةَ إشَارَةٍ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا لِلُزُومِهِ لِلْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ جَوَازِ جِمَاعِهِنَّ فِي اللَّيْلِ الصَّادِقِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ (وَالْمَفْهُومُ مَا) أَيُّ مَعْنًى (دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَارْتِكَابِ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ سِوَى تَشْوِيشِ الْإِفْهَامِ مَعَ سُهُولَةِ الْمَرَامِ وَرَحِمَ اللَّهُ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ حَيْثُ يَقُولُ وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمُرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا (قَوْلُهُ: الصِّدْقُ فِيهِ) قَدَّرَ الضَّمِيرَ لِرَبْطِ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ خَبَرًا وَإِضَافَةُ الصِّدْقِ لِلْمَنْطُوقِ بِفِي لِأَنَّ الصِّدْقَ صِفَةُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ لَا صِفَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهَا صِفَةٌ لَهُ فَلِذَلِكَ عَدَّاهَا بِاللَّامِ (قَوْلُهُ: عَقْلًا أَوْ شَرْعًا) رَاجِعَانِ لِلصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا تَوَقَّفَ عَلَى التَّقْدِيرِ صِدْقُهُ وَالثَّانِي مَا تَوَقَّفَ عَلَى التَّقْدِيرِ صِحَّتُهُ عَقْلًا وَالثَّالِثُ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ شَرْعًا (قَوْلُهُ: صِدْقُهُ) أَيْ صِدْقُ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْإِضْمَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْمُقَدَّرِ فَيَرْجِعُ لِأَدِلَّةٍ أُخَرَ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهِمَا) أَيْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَهْلَهَا) فِيهِ أَنَّ الصِّحَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إضْمَارِ الْأَهْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَهُمْ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْإِضْمَارِ وَيَجْعَلُ الْقَرْيَةَ مُسْتَعْمَلَةً فِيهِمْ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ اهـ. وَهَذَا بَحْثٌ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِتَعْيِينِ الطَّرِيقِ إذْ مُحَصِّلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَاجٌ لِصَرْفٍ عَنْ الظَّاهِرِ وَذَلِكَ إمَّا بِالْمَجَازِ الْحَذْفِيِّ أَوْ الْمَجَازِ فِي الطَّرَفِ فَأَيُّهُمَا اُعْتُبِرَ لَا يُقَالُ لِمَ اُعْتُبِرَ دُونَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَجَازًا فِي الطَّرَفِ فَسَدَ الْمِثَالُ إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ لِمَا سَمِعْت أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ مُطَابَقَةٌ وَهُوَ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ سُؤَالُهَا عَقْلًا) جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ إذْ يَجُوزُ سُؤَالُ الْجُدَرَانِ وَنُطْقُهَا بِالْجَوَابِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَلَا يَتَأَتَّى الْحُكْمُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عَقْلًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ) أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْعِتْقُ لَك (قَوْلُهُ: وَدَلَّ اللَّفْظُ) أَيْ لَا الْمَنْطُوقُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْنَى فَفِي الْمُصَنِّفِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ) فِي تَقْدِيرٍ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ وَإِلَّا فَاللَّائِقُ أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ مِمَّا وَافَقَ الْوَاقِعَ مَقْصُودٌ (قَوْلُهُ: الرَّفَثُ) هُوَ الْجِمَاعُ وَعُدِّيَ بِإِلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ وَلَيْلَةَ ظَرْفُ الرَّفَثِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ مِنْ جَوَازِ جِمَاعِهِنَّ فِي اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: لِلُزُومِهِ) أَيْ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِلْمَقْصُودِ بِهِ أَيْ لِلْمَنْطُوقِ الْمَقْصُودِ بِاللَّفْظِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [البقرة: 187] (قَوْلُهُ: الصَّادِقِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ) وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُلَاصِقُ لِلْفَجْرِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ إلَّا بَعْدَهُ وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ قَوْلَهُ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّيْلَ صَادِقٌ بِالْوَقْتِ الْمُمْتَدِّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبِإِبْعَاضِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَقِيقَتُهُ الْأَوَّلُ فَقَطْ فَلَوْ قَالَ الصَّادِقُ بِالْجِمَاعِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ لَكَانَ صَحِيحًا. اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّدْقِ التَّحَقُّقُ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّيْلَ مُتَحَقِّقٌ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ أَيْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ إذْ يَصْدُقُ لُغَةً وَعُرْفًا عِنْدَ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ أَنَّ اللَّيْلَ

لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) مِنْ حُكْمٍ وَمَحَلُّهُ كَتَحْرِيمِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ) الْمُشْتَمِلُ هُوَ عَلَيْهِ (الْمَنْطُوقَ) أَيْ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ بِهِ (فَمُوَافَقَةُ) وَيُسَمَّى مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ أَيْضًا ثُمَّ هُوَ (فَحْوَى الْخِطَابِ) أَيْ يُسَمَّى ذَلِكَ (إنْ كَانَ أَوْلَى) مِنْ الْمَنْطُوقِ (وَلَحْنِهِ) أَيْ لَحْنِ الْخِطَابِ أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ كَانَ مُسَاوِيًا) لِلْمَنْطُوقِ مِثَالُ الْمَفْهُومِ الْأُولَى تَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الدَّالِّ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ لَا شِدِّيَّةَ الضَّرْبِ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي الْإِيذَاءِ وَمِثَالُ الْمُسَاوِي تَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ نَظَرًا لِمَعْنَى آيَةِ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] فَهُوَ مُسَاوٍ لِتَحْرِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَحَقِّقٌ مَوْجُودٌ وَأَنَّ الْفَاعِلَ حِينَئِذٍ فَاعِلٌ فِي اللَّيْلِ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الْحَمْلُ كَمَا هُوَ مَبْنَى السُّؤَالِ لَعُدِّيَ بِعَلَى وَلَك أَنْ تَقُولَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّيْلَ حَقِيقَتُهُ الْوَقْتُ الْمُمْتَدُّ فَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ تَجْزِئَتِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل: 20] . وَقَدْ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ تَجْزِئَتَهُ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْثَرِ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَخْ التَّصْرِيحُ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا وَإِنَّمَا لِشَغَفِهِ بِالِاعْتِرَاضِ يُمَهِّدُ أُصُولًا ضَعِيفَةً يَبْنِي عَلَيْهَا مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهَا وَقَوْلُ سم أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الصَّادِقَ وَصْفُ اللَّيْلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِجِمَاعِهِنَّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسَامَحَةُ فِي قَوْلِهِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ اهـ. صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَمَّا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إلَى مَعْنًى بَعِيدٍ مُتَكَلَّفٍ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ فِي الْمَفْهُومِ لَيْسَتْ وَضْعِيَّةً بَلْ انْتِقَالِيَّةً، فَإِنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ فَهْمِ الْقَلِيلِ إلَى فَهْمِ الْكَثِيرِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَهُ زَكَرِيَّا وَمِثْلُهُ يُقَالُ هُنَا أَنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ إلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ وَمِنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ لِحُرْمَةِ إحْرَاقِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: مِنْ حُكْمٍ) وَمَحَلُّهُ بَيَانٌ لِمَا وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ فَالْمَفْهُومُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ أَحَدُ إطْلَاقَاتِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ وَعَلَى مَحَلِّهِ أَيْضًا وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ قَلِيلٌ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَيْهِ لِلْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ، فَإِنْ وَافَقَ حُكْمَهُ إلَخْ لِئَلَّا يَلْزَمَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِ الْمُشْتَمِلِ هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَحَلِّ لَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ وَيُطْلَقُ الْمَفْهُومُ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: كَتَحْرِيمِ كَذَا) مِثَالٌ لِلْحُكْمِ وَمَحَلُّهُ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي فَالْحُكْمُ فِي آيَةِ التَّأْفِيفِ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَنَحْوُهُ وَمَحَلُّهُ الضَّرْبُ وَنَحْوُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ) إضَافَةَ حُكْمٍ لِلضَّمِيرِ مِنْ إضَافَةِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ وَقَوْلُهُ الْمُشْتَمِلُ نَعْتٌ سَبَبِيٌّ لِلْحُكْمِ فَالصِّفَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فَلِذَلِكَ أَبْرَزَ الشَّارِحُ الضَّمِيرَ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ (قَوْلُهُ: الْمَنْطُوقَ) الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ وَقَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَهُ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ (قَوْلُهُ: فَمُوَافَقَةٌ) وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ بِعَدَدِ أَقْسَامِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ مُبَاحٌ. وَأَمَّا أَقْسَامُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَثَلَاثُونَ مِنْ ضَرْبِ السِّتَّةِ فِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُوَافِقِ لِلْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُسَاوِيًا) الْقِسْمَةُ غَيْرُ حَاصِرَةٍ إذْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْأَدْوَنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ مَفْهُومٌ أَدْوَنَ، وَقَدْ يُقَالُ بِهِ فِي نَحْوِ عَدَمِ إجَابَةِ الْوَالِدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّأْفِيفِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَوْلَى وَلَا مُسَاوِيًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْمَعْنَى) أَيْ لَا لِمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى هُنَا مَا عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ كَالْإِيذَاءِ فِي التَّأْفِيفِ وَالْإِتْلَافِ فِي أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ مِنْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَاسِ لُغَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُودَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ شَرْطٌ لِدَلَالَةِ الْمَلْفُوظِ عَلَى كُلِّ مَفْهُومٍ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلَّ عَلَى حُكْمِ التَّفَرُّعِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ هَذَا الْإِيرَادِ هُنَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي الْخِلَافُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ قِيَاسِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لَا شِدِّيَّةَ الضَّرْبِ مِنْ التَّأْفِيفِ) الْأَشَدِّيَّةُ مَصْدَرُ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ مَنْ فِيهِ لَا تُجَامِعُ أَلْ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُسَاوٍ لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ) فِيهِ أَنَّ التَّحْرِيمَ غَيْرُ

الْأَكْلِ لِمُسَاوَاةِ الْإِحْرَاقِ لِلْأَكْلِ فِي الْإِتْلَافِ (وَقِيلَ لَا يَكُونُ) الْمُوَافَقَةُ (مُسَاوِيًا) أَيْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يُسَمَّى بِالْمُوَافَقَةِ الْمُسَاوِي وَإِنْ كَانَ مَثَلَ الْأُولَى فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَبِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ يُسَمَّى الْأَوَّلَ أَيْضًا عَلَى هَذَا وَفَحْوَى الْكَلَامِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ قَطْعًا وَلَحْنُهُ مَعْنَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] وَيُطْلَقُ الْمَفْهُومُ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ أَيْضًا كَالْمَنْطُوقِ وَعَلَى هَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ كَغَيْرِهِ: الْمَفْهُومُ إمَّا أَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ بِالْحُكْمِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فِيهِ (ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ) إمَامُ الْأَئِمَّةِ (وَالْإِمَامَانِ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (دَلَالَتُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْطُوقٍ إنَّمَا الْمَنْطُوقُ الْوَعِيدُ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ التَّحْرِيمُ فَهُوَ مِنْ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ كَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَحَّلُ فِي أَنَّهُ مَذْكُورٌ كِنَايَةً، فَإِنَّ التَّوَعُّدَ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُهُ تَحْرِيمُهُ وَنَاقَشَهُ سم فِي كَوْنِ الْجَوَابِ تَمَحُّلًا وَلَك أَنْ تَقُولَ نَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى الْمَجَازِ، وَالْمَجَازُ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ فَلَا تَمَحُّلَ وَلَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ سم (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ) وَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ اسْتَقْرَأَ كَلَامَ الشَّارِحِ فَإِذَا قَالَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَكُونُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَتَى قَالَ قَالَ يَكُونُ قَالَهُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى بِالْمُوَافَقَةِ الْمُسَاوِي) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مَقْلُوبَةٌ وَالْأَصْلُ لَا يَكُونُ الْمُسَاوِي مُوَافَقَةً أَيْ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّ الْمُسَاوِيَ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْهَا فَيُسَمَّى بِاسْمِهَا أَوْ لَيْسَ مِنْهَا فَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ لَا فِي أَنَّ الْمُوَافَقَةَ مِنْ الْمُسَاوِي أَوْ لَا إذْ لَا يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ فَرْدًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْأَعَمُّ لَا يَكُونُ فَرْدًا مِنْ الْأَخَصِّ وَمُبَايِنَةً لَهُ عَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ الْمُوَافَقَةُ إلَخْ وَالْمُقَابِلُ لَا يَكُونُ فَرْدًا مِنْ مُقَابِلِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُطَابِقُ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ أَنْ يُقَالَ وَقِيلَ لَا يَكُونُ الْمُسَاوِي مُوَافَقَةً أَيْ لَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ كَمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا عَكْسُ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَحَلَّ لِلْعِنَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ وَهِيَ لَحْنُ الْخِطَابِ يُسَمَّى الْأَوْلَى أَيْضًا عَلَى هَذَا أَيْ الْقَوْلِ فَعَلَيْهِ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ هُوَ الْأَوْلَى وَيُسَمَّى الْأَوْلَى فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَ الْخِطَابِ وَالْمُسَاوِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُسَمَّى مَفْهُومَ مُسَاوَاةٍ وَقَوْلُهُ الْأَوْلَى نَائِبُ فَاعِلٍ يُسَمَّى اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ وَمَحَلُّهُ وَتَرَكَ الشَّارِحُ مِنْ إطْلَاقَاتِهِ الْحُكْمَ لِشُيُوعِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَالْمَنْطُوقِ) ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَالْمَفْهُومِ فَلَا وَقَوْلُ سم وَبَقِيَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَجْمُوعِهِمَا وَلَا يَبْعُدُ الْتِزَامُهُ كَالْمَفْهُومِ اهـ وَلَا يَسْلَمُ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَا سَبِيلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا وَلَا لِلِاسْتِظْهَارِ وَإِنَّمَا سَبِيلُهَا النَّقْلُ وَكَأَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا مَهَّدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ بِنَاءً عَلَى أَخْذِهِ عَلَى عُمُومِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ إطْلَاقُ الْمَفْهُومِ عَلَى الْمَحَلِّ وَحْدَهُ يَنْبَنِي مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالشَّيْءِ أَوْ الْمُسَاوِيَ لَهُ فِي الْحُكْمِ مُغَايِرٌ لَهُ (قَوْلُهُ: إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) الَّذِي فِي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَكَذَا الْفَحْوَى لَا اسْتِقْلَالَ لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مُقْتَضَى لَفْظٍ عَلَى نَظْمٍ وَنَضَدٍ مَخْصُوصٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْأَمْرِ بِالْبِرِّ وَالنَّهْيِ عَنْ الْعُقُوقِ وَالِاسْتِحْثَاثِ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] فَكَانَ اسْتِيَاقُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الِانْتِظَامِ مُفِيدًا مَعْنًى فِي تَحْرِيمِ ضُرُوبِ التَّعْنِيفِ نَاصًّا وَهُوَ مُتَلَقًّى مِنْ نَظْمٍ مَخْصُوصٍ مُنْتَظِمٍ فَالْفَحْوَى إذًا آيِلَةٌ إلَى مَعْنَى الْأَلْفَاظِ اهـ. فَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ مَا ذَكَرَ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَلَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ الْكَمَالُ فَقَالَ فِي النَّقْلِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي مَالَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهَا دَلَالَةُ مَفْهُومٍ. وَقَدْ سَاقَ الزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ عِبَارَةَ الْمَتْنِ بِلَفْظٍ وَالْإِمَامُ أَيْ الرَّازِيّ وَذَكَرَا أَنَّ قَوْلَهُ: الْإِمَامَانِ عِبَارَةُ النُّسْخَةِ الْقَدِيمَةِ اهـ. وَذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا وَالْعَجَبُ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاشِي أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ لَا سِيَّمَا النَّاصِرُ، فَإِنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِلشَّارِحِ فِي الْمُنَاقَشَةِ حَتَّى فِي الْمِثَالِ وَكَانَ الْأَحَقُّ بِالْمُنَاقَشَةِ هَذَا الْمَحَلُّ (قَوْلُهُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ) دَفَعَ بِهِ مَا عَسَاهُ يُقَالُ كَيْفَ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ

أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ (قِيَاسِيَّةٌ) أَيْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَوْلَى أَوْ الْمُسَاوِي الْمُسَمَّى بِالْجَلِيِّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْعِلَّةُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْإِيذَاءُ. وَفِي الثَّانِي الْإِتْلَافُ وَلَا يَضُرُّ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ عَدَمُ جَعْلِهِمَا الْمُسَاوِيَ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى الِاسْمِ لَا الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّسْمِيَةِ بِالْمُوَافَقَةِ وَلَا نَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ) الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ (لَفْظِيَّةٌ) لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا لِفَهْمِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيَاسٍ (فَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ) مِنْ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ وَصْفِ الْإِمَامِ وَوَصْفِ غَيْرِهِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَارَةَ وَصْفِهِ بِذَلِكَ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِهِ فَكَأَنَّهُ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ دَلَالَةً مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْمُوَافَقَةُ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ هُنَا هُوَ الْحُكْمُ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْطُوقِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَعْنَاهُ السَّابِقَ أَيْ مَفْهُومَ مُوَافِقٍ لِلْمَنْطُوقِ كَمَا يَتَبَادَرُ وَالْإِلْزَامُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُوَافِقَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا، وَمَدْلُولُ الْقِيَاسِ كَمَا صَرَّحُوا فَيَلْزَمُ الْقِيَاسُ بِدُونِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ فَتَدَبَّرْ اهـ. فَالْمُوَافَقَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي قَوْلَ الْإِمَامِ وَالْقَوْلَ الَّذِي بَعْدَهُ لَيْسَتْ مَفْهُومًا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَخْ سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْهُمَا مِنْ أَنَّ الدَّلَالَةَ مَجَازِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ، فَإِنَّ الْمَدْلُولَ عَلَى هَذَا مَنْطُوقٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ إجْرَاءَ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْمُوَافَقَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَفْهُومٌ بَلْ بِاعْتِبَارِهَا فِي نَفْسِهَا وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْخِلَافِ مُقَابَلَةُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهَا مَفْهُومًا فَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامَانِ دَلَالَتُهُ إلَخْ مَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ مُوَافَقَةً وَقُلْنَا: إنَّهُ مَفْهُومٌ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ أَيْ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت أَنَّ الْمُوَافَقَةَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَفْهُومِ أَخْبَرَك بِأَنَّهُ خُولِفَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَوْلَى إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سَكَتَ عَنْ الْأَدْوَنِ لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَفْهُومُ الْأَدْوَنِ حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَدْوَنِ اهـ. وَنَاقَشَهُ سم بِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْفُهُومِ بَلْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَانْتِفَاءُ كَوْنِ الْمَفْهُومِ أَدْوَنَ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ كَوْنِ الْقِيَاسِ أَدْوَنَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ عَلَى الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا فِيهِ فَأَيُّ مَحَلٍّ وُجِدَتْ فِيهِ كَانَ مُلْحَقًا الْأَصْلُ فِي حُكْمِهِ (قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى بِالْجَلِيِّ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا سَيَأْتِي) أَيْ فِي خَاتِمَةِ الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّ الْجَلِيَّ مَا قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ كَانَ ثُبُوتُهُ احْتِمَالًا ضَعِيفًا (قَوْلُهُ: عَنْ الْأَوَّلَيْنِ) يَعْنِي الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ يَعْنِي بِهِ الْإِمَامَ الرَّازِيَّ. وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا الْحُكْمِ) أَيْ الِاحْتِجَاجِ (قَوْلُهُ: مِمَّا تَقَدَّمَ) يَعْنِي فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَ الْخِطَابِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَفْظِيَّةً) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ غَيْرُ حَسَنَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إلَخْ فَتَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ لَفْظِيَّةً أَيْضًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ لَفْظِيَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ وَهِيَ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا مَدْخَلَ) أَيْ لَا دُخُولَ لِلْقِيَاسِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِيهَا وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ اللُّغَوِيُّ لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ إلَّا بِالتَّأْفِيفِ (قَوْلُهُ: لِفَهْمِهِ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِتَأْوِيلِهَا بِالْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ) قَالَ سم قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَفْهُومًا وَلَا قِيَاسِيَّةً لَا يَقُولُ بِأَنَّهَا فُهِمَتْ مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ. وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ بِذَلِكَ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِمَا مِنْ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ بَلْ؛ لِأَنَّهُمَا صَرَّحَا

(فُهِمَتْ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ (مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ) لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَلَوْلَا دَلَالَتُهَا فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِمَا تَعْظِيمُهُمَا وَاحْتِرَامُهُمَا مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ مَنْعُ الضَّرْبِ إذْ قَدْ يَقُولُ ذُو الْغَرَضِ الصَّحِيحِ لِعَبْدِهِ: لَا تَشْتُمْ فُلَانًا وَلَكِنْ اضْرِبْهُ وَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا فِي آيَةِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا حِفْظُهُ وَصِيَانَتُهُ مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ أَكْلِهِ مَنْعُ إحْرَاقِهِ إذْ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مَالَ فُلَانٍ وَيَكُونُ قَدْ أَحْرَقَهُ فَلَا يَحْنَثُ (وَهِيَ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (مَجَازِيَّةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ) فَأَطْلَقَ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَأُطْلِقَ الْمَنْعُ مِنْ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ فِي آيَتِهِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ إتْلَافِهِ (وَقِيلَ نُقِلَ اللَّفْظُ لَهَا) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْأَعَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمَا مَعَ إرَادَتِهِ مَا صَرَّحَا بِهِ اهـ (قَوْلُهُ: فُهِمَتْ) أَيْ الدَّلَالَةُ وَفِيهِ أَنَّ الدَّلَالَةَ هِيَ الْفَهْمُ وَلَا مَعْنَى لِفَهْمِ الْفَهْمِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِالدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ) أَيْ مَعَ اللَّفْظِ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَالسِّيَاقُ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ هُنَا طَلَبُ تَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا إلَخْ وَالْقَرَائِنُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ لَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا) أَيْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ) أَيْ مِنْ جُلِّ مَنْعِ التَّأْفِيفِ (قَوْلُهُ: ذُو الْغَرَضِ الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا عَنْ الْأَحْمَقِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ضَرَبَهُ) أَيْ لِكَوْنِ الشَّتْمِ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِغِلَظِ طَبْعِهِ وَنَحْوِهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ تَكْفِي اللَّبِيبَ إشَارَةٌ مَرْمُوزَةٌ ... وَسِوَاهُ يُدْعَى بِالنِّدَاءِ الْعَالِي وَسِوَاهُمَا بِالزَّجْرِ مِنْ قِبَلِ الْعَصَا ... ثُمَّ الْعَصَا هِيَ رَابِعُ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: مِنْ إطْلَاقِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَإِطْلَاقُهُمَا وَهُوَ بَيَانٌ لِعِلَاقَةِ الْمُجَازَةِ قَالَ الْكُورَانِيُّ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ ذِكْرُ الْمَجَازِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَمَا زَعَمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الدَّلَالَةَ الْمَذْكُورَةَ مَجَازِيَّةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ غَايَتُهُ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ الضَّرْبِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لِلدَّلَالَةِ وَالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالثَّانِيَةُ هِيَ اللَّازِمَةُ لِلْمَجَازِ دُونَ الْأُولَى وَلَمْ يَتَنَبَّهْ الشُّرَّاحُ لِهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ اهـ. بِحَذْفٍ. وَأَجَابَ سم بَعْدَ أَنْ أَقَامَ النَّكِيرَ وَأَكْثَرَ التَّشْنِيعَ عَلَيْهِ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ خَبِيرٌ بِكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَكُتُبِهِ فَلَا يُرَدُّ نَقْلُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى نَفْيٍ لَمْ يُثْبِتْهَا مَنْقُولٌ وَلَا مَعْقُولٌ. وَأَمَّا الْمَجَازُ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِيذَاءِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لِعَلَاقَةِ الْأَخَصِّيَّةِ وَالْأَعَمِّيَّةِ وَالْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَيْ بِخُصُوصِ السِّيَاقِ الْقَاطِعِ بِإِرَادَةِ تَعْظِيمِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطٍ قَرِينَةُ الْمَجَازِ أَنْ تَكُونَ قَاطِعَةً بِالصَّرْفِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بَلْ يَكْفِي صَلَاحِيَّتُهَا لِذَلِكَ فَلَا يُقَالُ: إنَّ كَوْنَ السِّيَاقِ لِلتَّعْظِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الصَّرْفَ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِخُصُوصِهِ بَلْ يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَكُلٌّ مِنْ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ مُحْتَمَلٌ فِي الْجُمْلَةِ. فَقَوْلُهُ وَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا إنْ أَرَادَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَصِيرَ قُلْنَا لَمْ نَدَعْ التَّعْيِينَ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَهُ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ لِلْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ

(عُرْفًا) بَدَلًا عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَخَصِّ لُغَةً فَتَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ وَتَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَتَيْنِ وَإِنْ كَانَا بِقَرِينَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاكٍ فَلَا إذْ الْحَاكِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَا تَوْجِيهٌ بَلْ لَا يَصِحُّ اعْتِرَاضُ الْحِكَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ. اهـ. وَأَقُولُ: قَدْ انْفَصَلَ بَعْدُ أَنَّ شَنَّ الْغَارَةِ عَلَى الشَّيْخِ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ فَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ هُنَا، فَإِنَّ الثِّقَةَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ وُقُوعِ الْخَطَأِ. وَإِنَّمَا النَّافِعُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ مَا نَفَاهُ الْكُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ كِتَابَانِ فِي الْأُصُولِ أَحَدُهُمَا الْمَنْخُولُ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ، وَأَمَّا فَحَوَى الْخِطَابِ وَهُوَ فَهْمُ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ آيَةِ التَّأْفِيفِ فَقَالَ قَائِلُونَ: إنَّهُ قِيَاسٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالنَّصِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ فَحَوَى فَهْمِ الْمَنْصُوصِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَأَمُّلٍ وَطَلَبٍ جَامِعٍ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْمَفْهُومِ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي إذْ لَا يَبْعُدُ فِي الْعُرْفِ أَنْ يَقُولَ الْمَلِكُ لِخَادِمِهِ: اُقْتُلْ الْمَلِكَ الْفُلَانِيَّ وَلَا تُوَاجِهْهُ بِكَلِمَةٍ سَيِّئَةٍ فَلَيْسَ فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ صُورَتِهِ وَلَكِنْ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَقَرِينَةُ الْحَالِ فَهْمٌ عَلَى الْقَطْعِ إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ الِاحْتِرَامُ فَلَا يُعَدُّ قِيَاسًا وَالْخِلَافُ آيِلٌ إلَى عِبَارَةِ اهـ. وَالثَّانِي الْمُسْتَصْفَى وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَظُنُّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إذْ لَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ النَّاقِلُ عَنْهُ فِي رَدِّ كَلَامِ الْكُورَانِيِّ مُتَعَيِّنًا لَا مَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي رَدِّهِ مِمَّا تَكَرَّرَ لَهُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ ثِقَةٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ إذْ لَوْ قَالَ الْخَصْمُ هُوَ لَيْسَ بِثِقَةٍ عِنْدِي فِي هَذَا النَّقْلِ لَمْ يَرْدَعْهُ إلَّا تَصْحِيحُ النَّقْلِ بَلْ لَوْ فَرَضَ مُشَافَهَةَ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي ثِقَةٌ فِيمَا أَنْقُلُهُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ مَا نَقَلَهُ أَمَا دَرَى أَنَّ دَعْوَى الْوَثَاقَةِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا كَثِيرًا مِنْ دَفْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ تُبْطِلُ قَاعِدَةً اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ عُلَمَاءِ النَّظَرِ وَهِيَ أَنَّ النَّاقِلَ يُطْلَبُ مِنْهُ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ تَصْحِيحُ النَّقْلِ وَلِاهْتِمَامِهِمْ بِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ صَدَّرُوا بِهَا كَثِيرًا مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِمْ. وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْمَجَازِ فَقَطْ اعْتَرَفَ هُوَ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ غَيْرُ صَارِفَةٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاشْتِرَاطِ الْبَيَانِيِّينَ كَوْنَهَا صَارِفَةً عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَبَنَوْا عَلَيْهِ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الَّذِي أَشَارَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ إلَى جَوَازِهِ بَلْ صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ بَلْ يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الْمُتَبَادِرَ لِلْفَهْمِ فِي مَقَامِ التَّخَاطُبِ مِنْ الْآيَتَيْنِ هُوَ النَّهْيُ عَنْ التَّأْفِيفِ وَالتَّوَعُّدِ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَهُوَ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ فَأَيْنَ الْمَجَازُ نَعَمْ مَا جَعَلَاهُ مَعْنًى مَجَازِيًّا مَفْهُومٌ مِنْ عَرْضِ الْكَلَامِ وَنَاحِيَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازُ الْعَدَمِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِيهِ فَلَوْ جَعَلَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ كِنَايَةً لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوهَا بِالْمَجَازِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُهَا فَيُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا خَالَفَ الْأَصْلَ وَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ فِي هَذَا الْمَجَازِ بِمَذْهَبِ الْأُصُولِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ لَكِنْ يُجَوِّزُونَ عَدَمَ مُصَاحَبَتِهَا لِلْمَجَازِ وَهَاهُنَا قَدْ ادَّعَى وُجُودَ الْقَرِينَةِ وَقَوْلُهُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ حَاكَ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَقَوْلُهُ الْحَاكِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّهُ إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّةَ الْمَحْكِيِّ، فَإِنْ الْتَزَمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَقْلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِرَدِّهِ يَتَضَمَّنُ الْتِزَامَ صِحَّتِهِ، وَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْحِكَايَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ الَّذِي لَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ الْمَحْكِيُّ كُلُّ ذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْآدَابِ (قَوْلُهُ: عُرْفًا) أَيْ فَيَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً لَا مَجَازًا (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَهُمَا حِينَئِذٍ تَحْرِيمُ الْإِيذَاءِ وَتَحْرِيمُ الْإِتْلَافِ وَمِنْ أَفْرَادِهِمَا الضَّرَرُ وَالْإِحْرَاقُ (قَوْلُهُ: مِنْهُمَا الْحَنَفِيَّةُ) وَيُسَمُّونَهَا

عَلَى أَنَّ الْمُوَافَقَةَ مَفْهُومٌ لَا مَنْطُوقٌ وَلَا قِيَاسِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَدْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ تَارَةً مَفْهُومًا وَأُخْرَى قِيَاسِيًّا كَالْبَيْضَاوِيِّ فَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَسْكُوتٌ، وَالْقِيَاسُ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ بِمَنْطُوقٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ يُقَالُ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَدْلُولٌ لِلَّفْظِ وَالْمَقِيسَ غَيْرُ مَدْلُولٍ لَهُ (وَإِنْ خَالَفَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ بِهِ فَمُخَالَفَةٌ) وَيُسَمَّى مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي التَّعْبِيرُ بِهِ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ (وَشَرْطُهُ) لِيَتَحَقَّقَ (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْكُوتُ تُرِكَ لِخَوْفٍ) فِي ذِكْرِهِ بِالْمُوَافَقَةِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُرِيدُ غَيْرَهُمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ الْخَوْفِ كَالْجَهْلِ بِحُكْمِ الْمَسْكُوتِ كَقَوْلِك فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَأَنْتَ تَجْهَلُ حُكْمَ الْمَعْلُوفَةِ (وَ) أَنْ (لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ خَرَجَ لِلْغَالِبِ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدِلَّةَ النَّصِّ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَفْهُومٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَمُوَافِقَةٌ ظَاهِرَهُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُوَافِقِ حُكْمُهُ حُكْمُ مُوَافَقَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَحُكْمُهُ الْمُوَافِقُ مُوَافَقَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ الظَّاهِرُ يَكُونُ مَفْهُومًا لَا قِيَاسًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ قِيَاسًا (قَوْلُهُ: صَدَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْمَفْهُومُ مَا دَلَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَالْبَيْضَاوِيِّ) ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُوَافَقَةَ فِي مَبْحَثِ اللُّغَاتِ مَفْهُومًا وَفِي كِتَابِ الْقِيَاسِ قِيَاسًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَسْكُوتٌ) فِيهِ أَنَّ الْمَفْهُومَ إمَّا الْحُكْمُ وَإِمَّا هُوَ مَعَ مَحَلِّهِ وَالْمَسْكُوتُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ مَحَلُّ الْحُكْمِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ حَمْلُ الْمُبَايِنِ وَعَلَى الثَّانِي حَمْلُ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَسْكُوتُ بِالْمَعْنَى الْوَصْفِيِّ لَا الِاسْمِيِّ أَوْ يُرَادُ بِالْمَفْهُومِ مَحَلُّ الْحُكْمِ فَصِحَّةُ الْحَمْلِ حِينَئِذٍ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ لِلْمَفْهُومِ جِهَتَيْنِ هُوَ بِاعْتِبَارِ إحْدَاهُمَا مُسْتَنِدٌ إلَى اللَّفْظِ فَكَانَ مَفْهُومًا وَبِاعْتِبَارِ الْأُخْرَى قِيَاسٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ وَتَعَقَّبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبِرْمَاوِيُّ بِأَنَّ لِلْخِلَافِ فَوَائِدَ مِنْهَا أَنَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ دَلَالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ جَازَ النَّسْخُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. زَكَرِيَّا وَتَعَقَّبَهُ سم بِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ تَصْحِيحُ النُّسَخِ بِالْقِيَاسِ وَجَوَازُ النَّسْخِ بِالْفَحْوَى وَحِكَايَةُ الشَّارِحِ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ فِيهَا عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ وَقَوْلًا بِالْمَنْعِ فِيهَا عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فَهَذِهِ الْفَائِدَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ضَعِيفٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَالْمَقِيسُ غَيْرُ مَدْلُولٍ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ حُكْمَ الْأَصْلِ الْفَرْعُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمَفْهُومُ قِيَاسًا لِلُزُومِ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ وَغَيْرَ مَدْلُولٍ لَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ صَرَاحَةً بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ أَوْ عِلَّةٍ فَلَا مَانِعَ حِينَئِذٍ مِنْ كَوْنِ الْمَفْهُومِ قِيَاسًا (قَوْلُهُ: حُكْمُ الْمَفْهُومِ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَفْهُومِ الْمَحَلَّ وَالْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ: الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحُكْمَ، وَقَدْ يُجَابُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً (قَوْلُهُ: فَمُخَالَفَةٌ) أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ اصْطِلَاحًا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ نُظِرَ فِيهِ لِلْمَعْنَى (قَوْلُهُ: لِيَتَحَقَّقَ) أَيْ بِحَيْثُ إذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى الْمَفْهُومُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَيْسَ الشَّرْطُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا (قَوْلُهُ: لِخَوْفٍ) أَيْ لِخَوْفٍ مَحْذُورٍ بِسَبَبِ ذِكْرِ الْمَسْكُوتِ بِطَرِيقِ مُوَافَقَتِهِ لِلْمَنْطُوقِ بِأَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِ فَفِي لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِذِكْرِهِ وَهَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ لَهُ الشَّارِحُ بِكَلَامِ الْخَلْقِ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ) الْعَهْدُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاتِّصَافِ مَجَازًا عَنْ الْعِلْمِ اللَّازِمِ لِلِاتِّصَافِ اهـ. نَاصِرٌ (قَوْلُهُ: وَتَرَكَهُ) أَيْ قَوْلُهُ وَغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: كَالْجَهْلِ) أَيْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَمَزَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَقَوْلِك إلَخْ (قَوْلُهُ: خَرَجَ لِلْغَالِبِ) قَالَ النَّاصِرُ: هَاهُنَا مَقَامَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَيْدَ خَرَجَ لِلْغَالِبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْغَالِبِ. وَالثَّانِي: هُوَ الَّذِي خَالَفَ الْإِمَامُ فِي اشْتِرَاطِ نَفْيِهِ بِدَلِيلِ مَا سَيَجِيءُ اهـ. أَرَادَ بِهِ قَوْلَ الشَّارِحِ أَنَّ الْقَيْدَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ، وَهَذَانِ الْمَقَامَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ تَعْبِيرِ

فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ أَيْ تَرْبِيَتُهُمْ (خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي نَفْيِهِ هَذَا الشَّرْطَ لِمَا سَيَأْتِي مَعَ دَفْعِهِ (أَوْ) خَرَجَ الْمَذْكُورُ (لِسُؤَالٍ) عَنْهُ (أَوْ حَادِثَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِهِ (أَوْ لِلْجَهْلِ بِحُكْمِهِ) دُونَ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ. كَمَا لَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ أَوْ قِيلَ بِحَضْرَتِهِ لِفُلَانٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ أَوْ خَاطَبَ مَنْ جَهِلَ حُكْمَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ دُونَ الْمَعْلُوفَةِ فَقَالَ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ خَرَجَ الْمَذْكُورُ لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ (مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ) كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28] نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالَوْا الْيَهُودَ أَيْ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا شَرَطُوا لِلْمَفْهُومِ انْتِفَاءَ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ فَأُخِّرَ عَنْهَا وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ تَوْجِيهُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا نَفَاهُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا كَشَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَعَبَّرَ الشَّارِحُ تَارَةً بِالْخُرُوجِ لِلْغَالِبِ وَتَارَةً بِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَيَانِ مَحَلِّ نِزَاعِ الْإِمَامِ فَلِذَلِكَ قَالَ سم: إنَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُجَرَّدُ اخْتِرَاعٍ لِشَيْءٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ: {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] نَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا عَلَى مَعَالِي الْأُمُورِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُرَبِّيَ بِنْتَ زَوْجَتِهِ فِي حِجْرِهِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ تَوْجِيهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ سم: فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الشَّرْطِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ تَوْجِيهَهُ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْجَمِيعِ قُلْت لِظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِي غَيْرِ هَذَا مُضْطَرٌّ إلَيْهِ كَمَا فِي صُورَةِ الْجَهْلِ أَوْ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا فِي صُورَةِ قَصْدِ الِامْتِنَانِ وَكَمَا فِي صُورَةِ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَسْكُوتِ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّقْيِيدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَبَثِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْعَبَثِ وَهُوَ إخْبَارُ الْمُخَاطَبِ بِمَا يَعْلَمُهُ أَوْ عَنْ الْإِبْهَامِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَإِيقَاعِهِ فِي حُكْمِ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أُطْلِقَ تَرَدُّدٌ فِي عُمُومِ الْحُكْمِ وَتَخْصِيصِهِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ وَلَا فَائِدَةَ مُقَيَّدًا بِهَا فِي التَّقْيِيدِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّ الْقَيْدَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ بَعِيدًا ضَعِيفًا وَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُ حَمْلٌ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمَذْكُورَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِسُؤَالٍ) أَيْ لِجَوَابِ سُؤَالٍ وَقَوْلُهُ أَوْ حَادِثَةٍ أَيْ لِبَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَذْكُورِ وَتُضْعِفُ الْمَفْهُومَ عَنْ الْمَنْطُوقِ فِي الدَّلَالَةِ كَانَ السُّؤَالُ وَالْحَادِثَةُ مَثَلًا صَارِفَيْنِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ بَلْ مَانِعَيْنِ مِنْ وُجُودِهِ بِخِلَافِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَيْهَا لَا يَصْرِفَانِهِ عَنْ مُقْتَضَاهُ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ بَلْ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُمُومُ اللَّفْظِ لَا خُصُوصُ السَّبَبِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْجَهْلِ) أَيْ مِنْ الْمُخَاطَبِ فَخَالَفَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَقَالَ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ) إشَارَةٌ إلَى نُكْتَةِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ ضَابِطَ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَتْ لَهُ فَائِدَةٌ كَالْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَكَانَ بِسِيَاقِ الْمَذْكُورِ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّأْكِيدِ لِلنَّهْيِ كَخَبَرٍ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِلْكَافِرَةِ أَيْضًا وَكَزِيَادَةِ الِامْتِنَانِ كَقَوْلِهِ {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] فَلَا يَمْتَنِعُ أَكْلُ الْقَدِيدِ (قَوْلُهُ: كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَادِثَةِ أَنَّ الْحَادِثَةَ يُقْصَدُ فِيهَا الْحُكْمُ عَلَى خُصُوصِ الْمَخْصُوصِ بِخِلَافِ مُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْحُكْمُ الْعَامُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ: فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ) لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ وَالْقَرَائِنِ لَهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ اسْتِفَادَتَهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ وَغَيْرَ التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ التَّخْصِيصُ (قَوْلُهُ: فِي تَوْجِيهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ) لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ كَلَامٌ آخَرُ يَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا تَوْجِيهُ الْإِمَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ إلَى الْمَفْهُومِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا حَتَّى لَا يُقْضَى فِيهِ بِمُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِمَا نَفَاهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ أَنْ

بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ فَلَا تُسْقِطُهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ. وَقَدْ مَشَى فِي النِّهَايَةِ فِي آيَةِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ فِيهَا لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأُمِّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فَقَدْ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ دَاوُد كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ. وَالْمَقْصُودُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْمَذْكُورِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ فِيهَا مِنْ خَارِجٍ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَوْ الْمُوَافَقَةِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي آيَتَيْ الرَّبِيبَةِ وَالْمُوَالَاةِ لِلْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الرَّبِيبَةَ حُرِّمَتْ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا التَّبَاغُضُ لَوْ أُبِيحَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَيُوجَدُ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ أَمْ لَا وَمُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ حُرِّمَتْ لِعَدَاوَةِ الْكَافِرِ لَهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ وَالَى الْمُؤْمِنَ أَمْ لَا. وَقَدْ عَمَّ مَنْ وَالَاهُ وَمَنْ لَمْ يُوَالِهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} [المائدة: 57] إلَى قَوْلِهِ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَمِنْ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَكُونَ الْمَذْكُورُ خَرَجَ لِلْغَالِبِ قَالَ النَّاصِرُ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي نَفَاهُ هُوَ الشَّرْطُ وَلَيْسَ التَّوْجِيهُ لَهُ بَلْ لِنَفْيِهِ فَالْوَجْهُ أَنَّ مَا وَاقِعُهُ عَلَى النَّفْيِ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ لِلنَّفْيِ الَّذِي نَفَاهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي نَفَاهُ لَيْسَ هُوَ النَّفْيُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَحِينَئِذٍ تُجْعَلُ مَا بِحَالِهَا وَاقِعَةً عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ إلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ لِنَفْيِ الِاشْتِرَاطِ الَّذِي نَفَاهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمَفْهُومَ) مُتَعَلِّقٌ بِتَوْجِيهِ (قَوْلُهُ: مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ) أَيْ مَدْلُولَاتِهِ وَحَاصِلُ دَفْعِهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ الْخَفِيَّةِ وَالْغَالِبُ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ الظَّاهِرَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ) لَا مَفْهُومَ لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِلْخِلَافِ فِيهِمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ إلَخْ وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ نَقَلَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اسْتِمْرَارِ مَالِكٍ عَلَيْهِ بُطْلَانُهُ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَرْجِعُ الْمُجْتَهِدُ عَنْ شَيْءٍ وَالْفَتْوَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَنْ دَاوُد) وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَزَالِيِّ مُوهِمٌ لِعِزَّةِ النَّقْلِ عَنْ دَاوُد (قَوْلُهُ: وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ) قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنُ الْحَدَثَانِ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ وَقَدْ وَلَدَتْ لِي فَوَجَدْت عَلَيْهَا فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا لَك فَقُلْت تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَهَا ابْنَةٌ فَقُلْت نَعَمْ وَهِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ كَانَتْ فِي حِجْرِك قُلْت لَا هِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ فَانْكِحْهَا قُلْت فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك قَالَ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ إسْنَادُهُ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إلَى عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَمَرْجِعُ ذَلِكَ) أَيْ مَا نُقِلَ عَنْ دَاوُد وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِمَا يُوَافِقُ الْمَفْهُومَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الْمَقْصُودُ عَدَمُ الِاسْتِنَادِ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ، وَقَدْ يُعْمَلُ عَلَى وَفْقِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ) وَحُكْمُ الْمَفْهُومِ حِينَئِذٍ مَسْكُوتٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إنْكَارِ أَبِي حَنِيفَةَ مَفَاهِيمَ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ قَوْلُ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّهُ يُرِيدُ وَغَيْرَهُمْ (قَوْلُهُ: لِلْمَعْنَى) أَيْ الْعِلَّةِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْمُوَافَقَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَزَوَّجَ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَقَعُ (قَوْلُهُ: أَوْلِيَاءَ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ تَوَلَّوْا مَعَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَشَاءُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَيْ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا

الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ نَشَأَ خِلَافٌ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَسْكُوتِ قِيَاسِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ وَكَأَنَّ الْقَيْدَ لَمْ يُذْكَرْ حَكَاهُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَمْنَعُ) أَيْ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ (قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ أَيْ الْمَسْكُوتَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْعِلَّةِ (الْمَعْرُوضُ) لِلْمَذْكُورِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إذَا عَارَضَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعِلَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ إجْمَاعًا) لِوُجُودِ الْعَارِضِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ قِيَاسًا. وَعَدَمُ الْعُمُومِ هُوَ الْحَقُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْعِبَارَةُ بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ هُنَا أَدْوَنُ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مُوَافَقَةُ الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي أَخْذُهُ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قِيَاسٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْكُوتُ إلَخْ وَالْمَعْنَى أَنَّ وُجُودَ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ كَكَوْنِهِ جَوَابًا لِسُؤَالٍ أَوْ بَيَانًا لِحَادِثَةٍ إلَخْ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْمَفْهُومِ وَلَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ الْمَسْكُوتِ الْمَنْطُوقَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَقَوْلُهُ مَا يَقْتَضِي إلَخْ فَاعِلٌ يَمْنَعُ وَقِيَاسُ الْمَسْكُوتِ مَفْعُولُهُ وَبَاءُ بِالْمَنْطُوقِ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ ضَمَّنَ الْقِيَاسَ مَعْنَى الرَّبْطِ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ إذْ الْفَرْعُ مَرْبُوطٌ بِالْأَصْلِ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى اسْتِبْعَادِ مَنْعِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ إلَخْ يَعْنِي كَيْفَ يَمْتَنِعُ هَذَا الْقِيَاسُ مَعَ أَنَّ لَنَا قَائِلًا بِأَنَّ الْمَفْرُوضَ لَهُ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ بِدُونِ قِيَاسٍ كَمَا فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَلَفْظُ الْغَنَمِ عِنْدَهُ عَامٌّ يَشْمَلُ الْمَعْلُوفَةَ وَالسَّائِمَةَ وَالْعِبَارَةَ وَالسَّدِيدَةَ وَلَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوضَ لَا يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ وَقِيلَ يَعُمُّهُ فَيَمْتَنِعُ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ بَعْضٌ وَشُمُولُ الْغَنَمِ لِلْمَعْلُوفَةِ فِي الْحُكْمِ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَمْنَعُ وَضَمِيرُهُ يَعُودُ لِمَا يَقْتَضِي وَضَمِيرُ لَهُ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ) هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَفْظِيَّةٌ (قَوْلُهُ: الْمَعْرُوضُ) فَاعِلُ يَعُمُّ وَالْمَعْرُوضُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ بِصِفَةٍ وَنَحْوِهَا، وَالْعَارِضُ هُوَ الْقَيْدُ عَبَّرَ بِالْمَعْرُوضِ دُونَ الْمَوْصُوفِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى مَوْصُوفًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصِّفَةِ وَقَوْلُهُ لِلْمَذْكُورِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْرُوضِ وَقَوْلُهُ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَيَانٌ لِلْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: إذَا عَارَضَهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَعُمُّهُ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ) فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَكَأَنَّ الْمَعْرُوضَ شَامِلٌ لِلْمَوْصُوفِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَعُمُّهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اقْتِرَانَ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى إلْغَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَعْلُهُ كَالْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفَادَةِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ أَوْ لَا يَدُلُّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْمَعْرُوضُ إذَا كَانَ عَامًّا شَامِلًا لِلْمَذْكُورِ وَالْمَسْكُوتِ فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ وُجُودَ دَلِيلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْمُخْتَصَرِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مَسْكُوتًا عَنْ حُكْمِهِ فَيُجَوِّزُ حِينَئِذٍ الْقِيَاسَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْعَارِضِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَقَّ فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَحَقِّيَّةِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَتْهُ الْعِبَارَةُ) حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ وَحُكِيَ الْعُمُومُ بِقِيلَ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّضْعِيفِ وَقَوِيَ ذَلِكَ الضَّعْفُ بِحِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْعُمُومِ، وَإِنْ سِيقَتْ بِقِيلِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ هُوَ الْحَقُّ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمَتْنِ تَرْجِيحَ مُقَابِلِهِ لِذِكْرِهِ مُقَدَّمًا بِدُونِ صِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَذَكَرَ الْآخَرَ مُؤَخَّرًا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ هُنَا) أَيْ فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَدْوَنَ أَيْ فَيَكُونُ الْمَنْطُوقُ أَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ قِيَاسَ الْمَسْكُوتِ عَارَضَهُ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ وَصَرْفُ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ مَوْضِعُ نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ الْخِلَافِ فِي الرَّبِيبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ الصَّرْفَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ ثُمَّ الْمُرَادُ الْأَدْنَوِيَّةُ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقِيسٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ يُسَاوِيَ الْأَصْلَ فِي تَمَامِ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَقِيسًا قِيَاسَ الْأَدْوَنِ وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ ظَنِّيَّةً بِخِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ قَطْعِيَّةً (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هُنَاكَ) أَيْ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّ الْمَسْكُوتَ أَوْلَى أَوْ

(وَهُوَ صِفَةٌ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ مَفْهُومُ صِفَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُرَادُ بِهَا لَفْظٌ مُقَيِّدٌ لِآخَرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا اسْتِثْنَاءٍ وَلَا غَايَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسَاوٍ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَحَلِّ الْحُكْمِ) الْبَاعِثِ عَلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ مَعَ قِلَّةِ اسْتِعْمَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ إضَافَتُهُ إلَى الصِّيغَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بَلْ عَلَى مَحَلِّهِ، فَإِنَّ السَّائِمَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمَعْلُوفَةِ لَا عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ وَلِمُوَافَقَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ الْمَنْفِيُّ غَيْرُ سَائِمَتِهَا أَوْ غَيْرُ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْهُومِ الْمَحَلُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ سَائِمَتِهَا وَغَيْرَ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ ثُمَّ مَحَلُّ الْحُكْمِ لَا نَفْسُهُ فَلَوْ أُرِيدَ الْحُكْمُ لَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ وَهَلْ الْمَنْفِيُّ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِ سَائِمَتِهَا أَوْ فِي غَيْرِ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْحُكْمُ وَإِضَافَتُهُ إلَى الصِّفَةِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي مُقَابِلِهَا وَأَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: مَفْهُومُ صِفَةٍ) قَدَّرَهُ لِأَجْلِ صِحَّةِ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ وَالْمَفْهُومُ مَعْنًى (فَائِدَةٌ) مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ جَمَعَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي قَوْلِهِ صِفْ وَاشْتَرِطْ عَلِّلْ وَلَقِّبْ ثَنِّيَا ... وَعُدَّ ظَرْفَيْنِ وَحَصْرًا لَاغِيَا فَالثُّنْيَا الِاسْتِثْنَاءُ والْأَغْيَاءُ الْغَايَةُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْعَدَدَ وَاللَّقَبَ لَيْسَا مِنْ الْمَفَاهِيمِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا) أَيْ بِالصِّفَةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّهُمَا فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ وَفِي اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ التَّابِعُ الْمُشْتَقُّ (قَوْلُهُ: لَفْظٌ) خَرَجَ مَا لَيْسَ بِلَفْظٍ كَتَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ (قَوْلُهُ: مُقَيِّدٌ لِآخَرَ) أَيْ مُقَلِّلٌ لِشُيُوعِهِ فَلَا يَرِدُ النَّعْتُ لِمُجَرَّدِ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ) وَجْهُ اسْتِثْنَائِهَا احْتِيَاجُهَا لِآلَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ

لَا النَّعْتَ فَقَطْ أَيْ أَخْذًا مِنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ أَدْرَجُوا فِيهَا الْعَدَدَ وَالظَّرْفَ مَثَلًا (كَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ أَوْ سَائِمَةِ الْغَنَمِ) أَيْ الصِّفَةُ كَالسَّائِمَةِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، وَفِي الثَّانِي مَنْ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ قَدَّمَ مِنْ تَأْخِيرٍ. وَكُلٌّ مِنْهَا يُرْوَى حَدِيثًا وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ» إلَخْ (لَا مُجَرَّدِ السَّائِمَةِ) أَيْ مَنْ فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَإِنْ رُوِيَ فَلَيْسَ مِنْ الصِّفَةِ (عَلَى الْأَظْهَرِ) لِاخْتِلَالِ الْكَلَامِ بِدُونِهِ كَاللَّقَبِ وَقِيلَ هُوَ مِنْهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى السَّوْمِ الزَّائِدِ عَلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ اللَّقَبِ فَيُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا كَمَا يُفِيدُ إثْبَاتَهَا فِي السَّائِمَةِ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ كَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ وَالْوَارِثِ يَجْرِي مَجْرَى الْمُقَيَّدِ بِالصِّفَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَهَلْ النَّفْيُ) عَنْ مَحَلِّيَّةِ الزَّكَاةِ فِي الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (غَيْرَ سَائِمَتِهَا) وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ (أَوْ غَيْرَ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ) وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ وَغَيْرِ الْغَنَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا حَاجَةَ بَلْ لَا صِحَّةَ لِاسْتِثْنَائِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِآلَتِهِ فَهُوَ لَفْظٌ مُقَيِّدٌ لِآخَرَ وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَوْ عَبَّرَ مُعَبِّرٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَفَاهِيمِ بِالصِّفَةِ لَكَانَ مُنْقَدِحًا؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ وَالْمَحْدُودَ مَوْصُوفَانِ بِعَدَدِهِمَا وَحْدَهُمَا وَكَذَا سَائِرُ الْمَفَاهِيمِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْطُوفَاتُ كُلُّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ إلَّا تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ فَعَلَى صِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الصِّفَةِ بِمَا ذَكَرَهُ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورَاتِ فَلِيَسْتَثْنِيَ مَعَهَا مَا بَعْدَهَا اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لَا النَّعْتِ فَقَطْ) أَيْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَخْذًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ أَدْرَجُوا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ وَالْمَخْصُوصُ بِالْكَوْنِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان مَوْصُوفٍ بِالِاسْتِقْرَارِ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ الصِّفَةُ كَالسَّائِمَةِ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الصِّفَةَ مَجْمُوعُ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا بَعْدَ الْكَافِ هُوَ الْمِثَالُ (قَوْلُهُ: قَدَّمَ) أَيْ لَفْظَ السَّائِمَةِ فِي الثَّانِي وَأُضِيفَ إلَى الْمَوْصُوفَةِ فَسَقَطَتْ مِنْهُ لَامُ التَّعْرِيفِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ فِي الْمَوْجُودِ فِي الثَّانِي سَائِمَةً بِالتَّنْكِيرِ لَا السَّائِمَةَ بِالتَّعْرِيفِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي، وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ تَعْرِيفَهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ) بَدَلٌ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَيْ وَفِي شَأْنِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ وَفِي سَائِمَتِهَا بَدَلٌ (قَوْلُهُ: إنْ رُوِيَ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَقَدْ تَتَبَّعْت مَظَانَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْحَدِيثِيَّةِ فَلَمْ أَظْفَرْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْكَلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ فَائِدَةَ أُخْرَى غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ وَفِيهِ مَا سَتَسْمَعُ (قَوْلُهُ: بِدُونِهِ) أَيْ السَّائِمَةِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمَوْصُوفِ (قَوْلُهُ: فَيُفِيدُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَابَلَ الْأَظْهَرَ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْجُمْهُورَ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَظْهَرَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْوَصْفِ صَادِقٌ بِهِ غَايَتُهُ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مُقَدَّرٌ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ اهـ. وَبِهِ يُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الْكُورَانِيُّ أَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ مَرْدُودٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْوَصْفِ صَادِقٌ، غَايَتُهُ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مُقَدَّرٌ وَذِكْرُ الْمَوْصُوفِ وَتَقْدِيرُهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ اهـ. فَتَوَرُّكُ سم عَلَيْهِ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ سَائِمَةَ الْغَنَمِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ وَنَفْيُ الْأَخَصِّ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِ الْأَعَمِّ فَغَيْرُ سَائِمَةِ الْغَنَمِ أَعَمُّ مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ لِصِدْقِ الثَّانِي بِالْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ بِهَا وَسَائِمَةُ غَيْرِ الْغَنَمِ وَمُقْتَضَى تَفْسِيرِ الشَّارِحِ لَهَا عَكْسُ ذَلِكَ

(قَوْلَانِ) : الْأَوَّلُ: وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ إلَى السَّوْمِ فِي الْغَنَمِ وَالثَّانِي إلَى السَّوْمِ فَقَطْ لِتَرْتِيبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ الْغَنَمِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ لَفْظُ الْغَنَمِ عَلَى وِزَانِهَا فِي مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ كَمَا سَيَأْتِي فَيُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ وَأَنْ تَثْبُتَ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ يُعِيدُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ إلَى الْأَذْهَانِ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الصِّفَةِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (الْعِلَّةُ) نَحْوُ أَعْطِ السَّائِلَ لِحَاجَتِهِ أَيْ الْمُحْتَاجَ دُونَ غَيْرِهِ (وَالظَّرْفُ) زَمَانًا وَمَكَانًا نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ وَاجْلِسْ أَمَامَ فُلَانٍ أَيْ لَا وَرَاءَهُ (وَالْحَالُ) نَحْوُ أَحْسِنْ إلَى الْعَبْدِ مُطِيعًا أَيْ لَا عَاصِيًا (وَالْعَدَدُ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَيْ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَيْ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجَابَ بِجَوَابٍ أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَيْدًا حُذِفَ لِلْعِلْمِ وَالتَّقْدِيرُ غَيْرَ سَائِمَتِهَا مِنْهَا وَلَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ الظَّاهِرِ وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) مَيْلُ الشَّارِحِ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَنْظُرُ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ اعْتِرَاضِيَّةٌ أَيْ أَنَّ الْأَوَّلَ يَعْتَبِرُ الْمَفْهُومَ السَّوْمَ مُضَافًا لِلْغَنَمِ فَيَنْفِي الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِ سَائِمَتِهَا (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي إلَى السَّوْمِ) أَيْ يَعْتَبِرُ السَّوْمَ فَقَطْ غَيْرَ مُضَافٍ لِلْغَنَمِ فَيَنْفِي الزَّكَاةَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا وَيُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي السَّائِمَةِ (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ بَلْ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ التَّحْقِيقُ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَعْنَى بِالصِّفَةِ التَّقْيِيدَ كَانَ الْمُقَيَّدُ فِي قَوْلِنَا فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةً إنَّمَا هُوَ الْغَنَمُ. وَفِي قَوْلِنَا: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ السَّائِمَةُ فَمَفْهُومُ الْأَوَّلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ الَّتِي لَوْلَا التَّقْيِيدُ بِالسَّوْمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ الْغَنَمِ وَمَفْهُومُ الثَّانِي عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ كَالْبَقَرِ مَثَلًا الَّتِي لَوْلَا تَقْيِيدُ السَّائِمَةِ بِإِضَافَتِهَا إلَى الْغَنَمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ السَّائِمَةِ اهـ. فَالْمُصَنِّفُ نَاظِرٌ إلَى إضَافَةِ السَّائِمَةِ إلَى الْغَنَمِ لَا إلَى لَفْظِ الْغَنَمِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَاعْتِرَاضُ النَّاصِرِ قَوْلُهُ عَلَى وِزَانِهَا إلَخْ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا جَلِيًّا، فَإِنَّ الْغَنِيَّ مُشْتَقٌّ يَصِحُّ وُقُوعُهُ نَعْتًا وَالْغَنَمُ بِخِلَافِهِ اهـ. لَا وُرُودَ لَهُ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَبَرَ التَّقْيِيدَ بِالْغَنَمِ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى السَّائِمَةِ، فَإِنَّ السَّائِمَةَ بِدُونِهِ تَعُمُّ الْغَنَمَ وَغَيْرَهَا فَإِذَا ذَكَرَ الْغَنَمَ كَانَ السَّوْمُ خَاصًّا بِهَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى وِزَانِهَا مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ فَالنَّظَرُ إلَى الْقَيْدِ وَعَدَمِهِ لَا إلَى الِاشْتِقَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فَهِمَهُ النَّاصِرُ أَخْذًا بِظَاهِرِ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَتَدَبَّرْ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: عَلَى وِزَانِهَا) أَيْ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمِ لَا أَنَّ غَيْرَ الْمَطْلِ لَيْسَ بِظُلْمٍ فَعَلَى مَا جَوَّزَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْإِضَافَةِ، وَإِنَّ ثَبَتَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ) تَعْلِيلٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ التَّبَادُرِ نَفْسُ الْبُعْدِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) وَهُوَ لَفْظٌ مُقَيَّدٌ إلَخْ وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْعِلَّةِ بِأَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تَكُونُ مُكَمِّلَةً لِلْعِلَّةِ لَا عِلَّةً وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ لَيْسَ لِلسَّوْمِ وَإِلَّا لَوَجَبَتْ فِي الْوُحُوشِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ وَهِيَ مَعَ السَّوْمِ أَتَمُّ مِنْهَا مَعَ الْعَلَفِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحْتَاجِ) أَشَارَ إلَى التَّأْوِيلِ فِي الْعِلَّةِ حَتَّى تُدْرَجَ فِي الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا وَرَاءَهُ) أَيْ وَلَا شَيْئًا مِنْ بَقِيَّةِ جِهَاتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِخَلْفِهِ لَكَانَ أَنْسَبَ؛ لِأَنَّ وَرَاءَ تَكُونُ بِمَعْنَى قُدَّامَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أَيْ أَمَامَهُمْ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا أَكْثَرَ) ذَكَرَ هُنَا الْأَكْثَرَ دُونَ الْأَقَلِّ وَفِيمَا بَعْدَ الْأَقَلِّ دُونَ الْأَكْثَرِ احْتِبَاكًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ فَرُبَّمَا تُتَوَهَّمُ فِيهِ الْكَثْرَةُ وَفِي الثَّانِي الْقِلَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ

(وَشَرْطٌ) عَطْفٌ عَلَى صِفَةٍ نَحْوُ {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] أَيْ فَغَيْرَ أُولَاتِ الْحَمْلِ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ (وَغَايَةٌ) نَحْوُ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أَيْ فَإِذَا نَكَحَتْهُ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِشَرْطِهِ (وَإِنَّمَا) نَحْوُ {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ (وَمِثْلُ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ) مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى نَفْيٍ وَاسْتِثْنَاءٍ نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ، مَنْطُوقُهُمَا نَفْيُ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَفْهُومُهُمَا إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ لِزَيْدٍ (وَفَصْلُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ) نَحْوُ {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9] أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ أَيْ نَاصِرٍ (وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ) عَلَى مَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَيَانِيِّينَ كَالْمَفْعُولِ وَالْجَارِ وَالْمَجْرُورِ نَحْوُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] أَيْ لَا غَيْرَك {لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 158] أَيْ لَا إلَى غَيْرِهِ (وَأَعْلَاهُ) أَيْ أَعْلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنْوَاعِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ) أَيْ مَفْهُومُ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ إذْ قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ أَيْ صَرَاحَةً لِسُرْعَةِ تَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (ثُمَّ مَا قِيلَ) إنَّهُ (مَنْطُوقٌ) أَيْ (بِالْإِشَارَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَحْصُلُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطٌ) عَطْفٌ عَلَى صِفَةٍ فَالتَّقْدِيرُ وَهُوَ أَيْ الْمَفْهُومُ صِفَةٌ وَشَرْطٌ وَغَايَةٌ وَيُقَالُ أَيْضًا مَفْهُومُ صِفَةٍ وَمَفْهُومُ شَرْطٍ وَمَفْهُومُ غَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ مَا فُهِمَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ بِأَدَاةِ شَرْطٍ كَانَ وَإِذَا وَبِمَفْهُومِ الْغَايَةِ مَا فُهِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِأَدَاةِ غَايَةٍ كَإِلَى وَحَتَّى وَاللَّامِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَعَطْفُ ذَلِكَ عَلَى صِفَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الصِّفَةَ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهَا فَالْأَوْجَهُ عَطْفٌ عَلَى الْعِلَّةِ وَتَعْرِيفُهُ بِأَلْ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ فَغَيْرُهُ) بَيَانٌ لِمَفْهُومِ {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] فَمَحَلُّ النُّطْقِ فِي الْآيَةِ هُوَ اللَّهُ وَالْمَنْطُوقُ هُوَ الْأُلُوهِيَّةُ، وَمَحَلُّ السُّكُوتِ غَيْرُ اللَّهِ وَالْمَفْهُومُ هُوَ انْتِفَاءُ الْأُلُوهِيَّةِ ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى انْحِلَالِ إنَّمَا بِالنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْطُوقُ نَفْيَ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى وَالْمَفْهُومُ ثُبُوتُهَا لَهُ تَعَالَى. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا نَطَقَ بِأَدَاةِ النَّفْيِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ جَعَلَ الْمَنْطُوقَ نَفْيَ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَنْطِقْ بِهِمَا مَعَ إنَّمَا بَلْ بِالْجُمْلَةِ الْمُوجِبَةِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَنْطُوقِ نَفْيُ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إذْ الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ (قَوْلُهُ: وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ صِحَّةَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْآيَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْإِلَهِ بِالْمَعْبُودِ بِحَقٍّ إذْ لَوْ أُرِيدَ مُطْلَقُ الْمَعْبُودِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَعْبُودَاتِ بِالْبَاطِلِ كَثِيرَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُهَا إثْبَاتُ الْعِلْمِ إلَخْ) هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ الْآتِي إذَا قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ إلَخْ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَرَجَّحَهُ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَالْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ قَالَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا لَهُ عَلَيَّ إلَّا دِينَارٌ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالدِّينَارِ وَلَوْ كَانَ بِالْمَفْهُومِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي الْأَقَارِيرِ. اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ الَّذِي يَنْثَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ إذْ كَيْفَ يُقَالُ فِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى إثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ بِالْمَفْهُومِ اهـ. وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ نَفْيُ مَا خَالَفَنَا فِيهِ الْمُشْرِكُونَ لَا إثْبَاتُ مَا وَافَقُونَا عَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَوَّلِ الْمَنْطُوقَ وَلِلثَّانِي الْمَفْهُومَ وَمَحَلُّ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي الْأَقَارِيرِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْحَصْرِ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُمْ (قَوْلُهُ: وَفَصْلُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ) أَيْ الْمُنَكَّرُ نَحْوُ زَيْدٌ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو أَيْ لَا غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ فَالْحَصْرُ فِيهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْخَبَرِ لَا مِنْ ضَمِيرِ الْفَصْلِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ زَيْدٌ هُوَ الْفَاضِلُ كَانَ تَأْكِيدًا لِلْحَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْمَتْنِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ فِي تَمْثِيلِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9] تَسَامُحًا وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَضَمِيرُ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَالْحَصْرُ إثْبَاتٌ وَهُوَ مَنْطُوقٌ وَنَفْيٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَيَأْتِي) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا (قَوْلُهُ: أَيْ إعْلَامًا) ذُكِرَ إشَارَةً إلَى وَجْهِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ جَمِيعٌ (قَوْلُهُ: أَيْ صَرَاحَةً) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ مَا قِيلَ إنَّهُ مَنْطُوقٌ

[مسألة المفاهيم المخالفة إلا اللقب حجة لغة]

كَمَفْهُومِ إنَّمَا وَالْغَايَةُ كَمَا سَيَأْتِي لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (ثُمَّ غَيْرُهُ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْآتِي (مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً) لِقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ بِهَا مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعُبَيْدٌ تِلْمِيذُهُ قَالَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَتَّبْته بَعْدَ هَذَا وَالشَّارِحُ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ صَرَاحَةً مُعَلِّلًا بِسُرْعَةِ التَّبَادُرِ فَلَيْسَ الْعِلَّةُ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى بَاقِي الْمَفَاهِيمِ مُجَرَّدُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْطُوقٌ لِمُشَارَكَةِ مَا بَعْدَهُ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَصْلَ التَّبَادُرِ دُونَ هَذَا وَلِذَلِكَ حَذَفَ قَيْدَ السُّرْعَةِ فِيهِ قَالَ النَّاصِرُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى بِإِلَّا مَذْكُورٌ فَهُوَ مَحَلُّ نُطْقٍ وَإِلَّا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ فَقَدْ صَدَقَ عَلَى هَذَا الثُّبُوتُ أَنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إلَّا بَعْدَ النَّفْيِ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِثْبَاتِ فَهُوَ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ اهـ. وَإِيرَادُ سم أَنَّ الْمَنْطُوقَ بِالْإِشَارَةِ مِنْ أَقْسَامِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيمَا سَبَقَ لِانْقِسَامِ الْمَنْطُوقِ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِ صَرِيحٍ وَانْقِسَامُ غَيْرِ الصَّرِيحِ إلَى إشَارَةٍ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ هَذِهِ الْحَوَالَةُ مِنْهُ اهـ. مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفَهُ سَابِقًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إنْ تَوَقَّفَ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ إلَخْ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ هُنَاكَ بِمَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: كَمَفْهُومِ إنَّمَا وَالْغَايَةُ) أَمَّا كَوْنُ مَفْهُومِ إنَّمَا مَنْطُوقًا فَلِأَنَّ قَوْلَك إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ أَوْ إنَّمَا الْقَائِمُ زَيْدٌ مَعْنَاهُ لَا قَاعِدًا وَلَا عَمْرُو فَمَحَلُّ النُّطْقِ فِي الْأَوَّلِ زَيْدٌ وَفِي الثَّانِي الْقَائِمُ وَالْمَنْفِيُّ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ فَيَكُونُ الْمَنْفِيُّ مَنْطُوقًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ ثُمَّ هَذَا النَّفْيُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لَهُ اللَّفْظُ بَلْ لَازِمٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ غَيْرَ صَرِيحٍ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْمُتَكَلِّمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ وَلَا الصِّحَّةُ فَيَكُونُ إشَارَةً، وَأَمَّا الْغَايَةُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِحُكْمِ الْغَيْرِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ يَنْقَطِعُ بِالْغَايَةِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي تَرْتِيبِ الْمَفَاهِيمِ (قَوْلُهُ: لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ) حَذَفَ لَفْظَ سُرْعَةٍ مِنْهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّرَاحَةِ السَّابِقَةِ وَبَقِيَ مَا يُفِيدُهُ الْحَصْرُ كَالْمَذْكُورَاتِ تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ نَحْوُ صَدِيقِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ الْعَالِمُ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ تَرْتِيبِ الْمَفَاهِيمِ [مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةُ إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً] (قَوْلُهُ: إلَّا اللَّقَبَ) قَضِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ قَائِلٌ بِحُجَّتِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَفْهُومٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَفَاهِيمُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَهُوَ مُتَّصِلٌ (قَوْلُهُ: الْمُخَالِفَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ، فَإِنَّهُ تُكْسَرُ حَيْثُ وَقَعَ صِفَةً كَمَا هُنَا وَحَيْثُ أُطْلِقَ عَلَى الْمَفْهُومِ أَوْ أُضِيفَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ، وَإِنْ خَالَفَ فَمُخَالَفَةٌ إلَخْ وَهُوَ صِفَةٌ إلَخْ فُتِحَتْ وَإِنَّمَا لَمْ تُجْمَعْ؛ لِأَنَّ الْمَفَاهِيمَ جَمْعُ كَثْرَةٍ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُ الْمُخَالَفَةِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: حُجَّةً لُغَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعًا بِدَلِيلِ اللُّغَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقِيلَ حُجَّةً شَرْعًا أَيْ بِدَلِيلِ الشَّرْعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْحُجِّيَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ نَفْيُ الْحُكْمِ فِيهِ عَمَّا عَدَا الْمَنْطُوقَ بِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَيْ لَيْسَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِتَصَرُّفٍ مِنْهُ زَائِدٌ عَلَى وَضْعِ اللُّغَةِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْمَعْنَى أَيْ الْعُرْفِ الْعَامِّ فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مَأْخَذِ الْحُجِّيَّةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ النَّاصِرِ لَا يَصِحُّ إخْرَاجُ الشَّارِحِ الْمَفَاهِيمَ الْمُوَافِقَةَ عَنْ عُمُومِ الْمَفَاهِيمِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مُخْتَلِفٌ فِيهِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ حُجَّةً لُغَةً أَيْ مَدْلُولَةَ اللَّفْظِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ) بِالتَّثْنِيَةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَالْأَوَّلُ شَيْخُ الثَّانِي وَكِلَاهُمَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِنَقْلِهِ فِي اللُّغَةِ كَالْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مُخَالَفَةُ الْأَخْفَشِ إنْ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهَا خُصُوصًا. وَقَدْ وَافَقَهُمَا إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْبُرْهَانِ صَارَ إلَى الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهُوَ إمَامٌ غَيْرُ مُدَافِعٍ وَلَئِنْ سَاغَ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلٍ عَرَبِيٍّ جِلْفٍ مِنْ الْأَفْجَاجِ فَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْلَى ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ ثُمَّ قَالَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ. وَقَدْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ الْأَصْمَعِيُّ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ دَوَاوِينَ الْهُذَلِيِّينَ وَهَذَا الْمَسْلَكُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَدْ يَحْكُمُونَ عَلَى اللِّسَانِ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِنْبَاطٍ وَهُمْ فِي مَسَالِكِهِمْ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ مُطَالَبُونَ بِالدَّلِيلِ، وَالْأَعْرَابِيُّ يُنْطِقُهُ طَبْعُهُ فَيَقَعُ التَّمَسُّكُ بِمَنْظُومِهِ وَمَنْثُورِهِ وَلَا يَعْدَمُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِهَذَا الطَّرِيقِ الْمُعَارَضَةَ وَقُصَارَى الْكَلَامِ تَجَاذُبٌ

مَثَلًا «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ (وَقِيلَ) حُجَّةً (شَرْعًا) لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ مَوَارِدِ كَلَامِ الشَّارِعِ. وَقَدْ فُهِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] أَنَّ حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِ حُكْمِهِ حَيْثُ قَالَ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «خَبَّرَنِي اللَّهُ وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ» . (وَقِيلَ) حُجَّةً (مَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِ الْمَذْكُورَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنِزَاعٌ وَاعْتِصَامٌ بِنَفْسِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُمَا قَالَا بِذَلِكَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا فَفِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَوْبِيخِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِغَيْرِ الشِّعْرِ فَأَمَّا مَنْ جَمَعَ إلَى عُلُومِهِ عِلْمَ الشِّعْرِ فَلَا يُلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ فَهْمَهُمَا ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَاهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمَبَاحِثِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ حُجَّةٌ شَرْعًا لَا لُغَةً (قَوْلُهُ: مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ) أَيْ لُغَتِهِمْ (قَوْلُهُ: لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدَّلَالَةُ شَرْعِيَّةً لَا مَكَانَ أَنْ يَكُونَ وُرُودُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لِمُوَافَقَتِهِ لُغَةَ الْعَرَبِ وَكَلَامُ الشَّارِعِ عَرَبِيٌّ وَلَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ فَهْمِ الشَّارِعِ فِي الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْعِيًّا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَاللَّفْظُ عَرَبِيٌّ وَإِثْبَاتُ كَوْنِهِ شَرْعِيًّا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ. وَالْمَوَارِدُ جَمْعُ مَوْرِدٍ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ بَاقٍ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ مُرَادًا مِنْهُ الْمَكَانُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَهِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُثْبِتُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] الْآيَةَ قِيلَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» قُلْنَا: هَذَا لَمْ يُصَحِّحْهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَوَّلًا، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي مِنْ شَدَا طَرَفًا مِنْ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجْرِ عَلَى تَحْدِيدِ الْعَدَدِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ يُخَالِفُهُ وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ مُؤَيِّسًا مِنْ مَغْفِرَةِ الْمَذْكُورِينَ، وَإِنْ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ مَا يَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ فَكَيْفَ يَخْفَى مُدْرِكٌ هَذَا وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْصَحُ مِنْ نَطَقَ بِالضَّادِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ إنَّ مَا نُقِلَ فِي الِاسْتِغْفَارِ كَذِبٌ قَطْعًا إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ التَّنَاهِي فِي تَحْقِيقِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَغْفِرَةِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُهُولٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ (قَوْلُهُ: وَسَأَزِيدُهُ) أَيْ الِاسْتِغْفَارَ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ وَتَأْلِيفًا لِلْقُلُوبِ؛ لِأَنَّهُ الدَّاعِي إلَى اللَّهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَاعِيًا ضَاقَ صَدْرُهُ عَنْ تَحَمُّلٍ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَعْنًى مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ لَا عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْحُجَّةُ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ هُوَ الْمَفْهُومُ قَالَهُ النَّاصِرُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ لَا الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّهُ) ضَمِيرٌ هُوَ لِلْمَعْنَى وَضَمِيرُ

الْحُكْمَ عَنْ الْمَسْكُوتِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ وَهَذَا كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ هُنَا بِالْمَعْنَى عَبَّرَ عَنْهُ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ كَمَا سَيَأْتِي بِالْعَقْلِ. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ هُنَا بِالْعُرْفِ الْعَامِّ لِأَنَّهُ مَعْقُولٌ لِأَهْلِهِ (وَاحْتَجَّ بِاللَّقَبِ الدَّقَّاقُ وَالصَّيْرَفِيُّ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لِلشَّأْنِ وَفِي إسْنَادِ نَفْيِ الْحُكْمِ إلَى الْمَذْكُورِ تَجَوُّزٌ، وَالْإِسْنَادُ الْحَقِيقِيُّ لِلْمُتَكَلِّمِ وَأَرَادَ بِالْمَذْكُورِ الْقَيْدَ كَالسَّائِمَةِ مَثَلًا وَفِي كَلَامِهِ قِيَاسٌ اسْتِثْنَائِيٌّ حُذِفَتْ اسْتِثْنَائِيَّتُهُ أَيْ وَاللَّازِمُ وَهُوَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ وَهُوَ عَدَمُ نَفْيِ الْمَذْكُورِ الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ مِثْلُهُ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ وَالْوَضْعُ إنَّمَا يَثْبُتُ نَقْلًا لَا غَيْرَ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ بَلْ ثَبَتَ بِالِاسْتِقْرَاءِ عَنْهُمْ أَنَّ كُلَّ مَا ظُنَّ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلَّفْظِ سِوَاهُ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَالْمُتَنَازِعُ فِيهِ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ (قَوْلُهُ: الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ إلَخْ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمَذْكُورِ مِنْ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ لَا مَحَلِّهِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ لِلْمَفْهُومِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَلَاثَ إطْلَاقَاتٍ فَيُحْمَلُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ فَحَمَلَهُ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمَحَلِّ وَفِيمَا هُنَا عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ أَوْ هُوَ مَعَ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلِاحْتِجَاجِ (قَوْلُهُ: عَبَّرَ عَنْهُ إلَخْ) أَيْ مُخَالَفَةٌ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ مَعْنًى فَكُلٌّ مِنْ الْعَقْلِ وَالْعُرْفِ الْعَامِّ وَالْمَعْنَى كِنَايَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُولٌ لِأَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَنَاشِئٌ عَنْ نَظَرِ الْعَقْلِ فَيَصِحُّ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) هَذَا تَصْحِيحٌ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: الدَّقَّاقُ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَاضِي الْأُصُولِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ مُعْتَزِلِيَّ الْعَقِيدَةِ فِي الْأَصْلِ وَالصَّيْرَفِيُّ هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ شَارِحُ الرِّسَالَةِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ تَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَخُوَيْزِ مَنْدَادٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ بَدَلِ الْمِيمِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ سِوَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْغَيْرِ وَبِأَنَّ مَنْ قَالَ: لَيْسَتْ أُخْتِي بِزَانِيَةٍ يَتَبَادَرُ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ نِسْبَةُ الزِّنَا إلَى أُخْتِ الْخَصْمِ وَلِذَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَلَوْلَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ لَمَا تَبَادَرَ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ مَنْعُ حَصْرِ الْفَائِدَةِ فِيهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ كَالْخِصَامِ وَإِرَادَةِ الْإِيذَاءِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ عَلَمًا كَانَ نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ أَوْ اسْمَ جِنْسٍ كَقَوْلِك فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ الْقِيَاسُ وَالتَّالِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ النَّفْيَ الدَّالَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ إنْ تَنَاوَلَ الْفَرْعَ فَلَا قِيَاسَ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ بِالنَّصِّ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ فَكَذَلِكَ إذْ النَّصُّ حِينَئِذٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ. وَالْفَرْعُ غَيْرُهُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ لِتَقَدُّمِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى النَّفْيِ عَلَيْهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ لَلَزِمَ كُلٌّ مِنْ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَيْدٌ مَوْجُودٌ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ بَدِيهَةً وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِرَسُولٍ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَمِنْ جُمْلَةِ الْغَيْرِ وُجُودُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكِلَاهُمَا لَازِمٌ لِمَا ذُكِرَ لَا يُقَالُ اللَّازِمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا تَحَقَّقَ شَرَائِطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ هُنَا مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ

عَلَمًا كَانَ أَوْ اسْمَ جِنْسٍ نَحْوُ عَلَى زَيْدٍ حَجٌّ أَيْ لَا عَلَى عَمْرٍو وَفِي النَّعَمِ زَكَاةٌ أَيْ لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَاشِيَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ كَالصِّفَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ اسْتِقَامَةُ الْكَلَامِ إذْ بِإِسْقَاطِهِ يَخْتَلُّ بِخِلَافِ إسْقَاطِ الصِّفَةِ وَيَقْوَى - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - الدَّقَّاقُ الْمَشْهُورُ بِاللَّقَبِ بِمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ خُصُوصًا الصَّيْرَفِيَّ فَإِنَّهُ أَقْدَمُ مِنْهُ وَأَجَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ فَضْلُ الْإِخْبَارِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُودُ زَيْدٍ وَلَا طَرِيقَ لِذَلِكَ سِوَى التَّصْرِيحِ بِالِاسْمِ قُلْنَا فَحِينَئِذٍ لَا يَتَحَقَّقُ مَفْهُومُ اللَّقَبِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ حَاصِلَةٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَنَقْضُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ بِجَرَيَانِهِ فِي غَيْرِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ كَمَا لَوْ عَبَّرَ فِي الْمِثَالَيْنِ بَدَلَ مُحَمَّدٍ وَزَيْدٍ بِالْهَاشِمِيِّ مَثَلًا رَسُولِ اللَّهِ وَالضَّارِبِ زَيْدًا مَوْجُودٌ لِوُرُودِ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ قَدْ سَفَّهَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي الدَّقَّاقَ فِي مَصِيرِهِ إلَى أَنَّ الْأَلْقَابَ إذَا خُصِّصَتْ بِالذِّكْرِ يَتَضَمَّنُ تَخْصِيصُهَا نَفْيَ مَا عَدَاهَا وَقَالُوا هَذَا خُرُوجٌ عَنْ حُكْمِ اللِّسَانِ وَانْسِلَالٌ عَنْ تَفَاوُضِ أَرْبَابِ الْأَلْبَابِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: رَأَيْت زَيْدًا لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ غَيْرَهُ قَطْعًا (قَوْلُهُ: عَلَمًا كَانَ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى مُغَايَرَةِ اللَّقَبِ بِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِ لِلَّقَبِ بِاصْطِلَاحِ النُّحَاةِ فَالْعِلْمُ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ لَقَبٌ أُصُولِيٌّ. وَقَوْلُهُ: أَوْ اسْمَ جِنْسٍ إفْرَادِيًّا كَانَ لِرَجُلٍ مَا، أَوْ جَمْعِيًّا كَتَمْرٍ، جَامِدًا أَوْ مُشْتَقًّا وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَصْفِ الَّذِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ أَمَّا الْمُشْتَقُّ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ كَالطَّعَامِ فَلَقَبٌ أَيْضًا كَمَا يُفِيدُهُ تَمْثِيلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى اللَّقَبَ بِحَدِيثِ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» . وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ وَفِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَقَّةً لَكِنْ لَمْ يُلْحَظْ فِيهَا الْمَعْنَى بَلْ غَلَبَ عَلَيْهَا الِاسْمِيَّةُ اهـ. أَمَّا مَا لَمْ تَغْلِبْ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ فَدَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا لَا مُجَرَّدِ السَّائِمَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَكَاسْمِ الْجِنْسِ اسْمُ الْجَمْعِ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا عَلَى عَمْرٍو) الْأَوْلَى لَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ عَمْرٍو بِالذِّكْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَالصِّفَةِ) أَيْ فَإِنَّ وَجْهَ الِاحْتِجَاجِ بِهَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهَا إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ لَا مُقْتَضَى لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ هَذَا الْخَاصِّ وَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَالْإِتْيَانُ بِالْحُكْمِ الْعَامِّ، فَإِنْ قِيلَ: وَجْهُ التَّخْصِيصِ أَنَّهُ أُرِيدَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ قُلْنَا: يَلْزَمُ أَنَّ عَدَمَ أَرْجَحِيَّتِهِ فِي الْخَبَرِ دُونَ الْإِنْشَاءِ (قَوْلُهُ: الدَّقَّاقُ) فَاعِلُ يَقْوَى (قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ بِاللَّقَبِ) أَيْ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَفِيهِ تَوْرِيَةٌ، فَإِنَّ شُهْرَتَهُ بِاللَّقَبِ لَا بِاسْمِهِ (قَوْلُهُ:، فَإِنَّهُ أَقْدَمُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ وَفَاةَ الدَّقَّاقِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَالصَّيْرَفِيِّ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ عِنْدَ مَعَاشِرِ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ الْكَمَالُ وَقَعَ لِأَصْحَابِنَا فِي الْفِقْهِ اسْتِدْلَالَاتٌ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَاسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى تَعَيُّنِ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءِ فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ» وَاسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى تَعَيُّنِ التُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ بِقَوْلِهِ «وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ

(وَأَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكُلَّ مُطْلَقًا) أَيْ لَمْ يَقُلْ بِشَيْءٍ مِنْ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَسْكُوتِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فَلِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا فِي انْتِفَاءِ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ قَالَ الْأَصْلُ عَدَمُ الزَّكَاةِ وَرَدَتْ فِي السَّائِمَةِ فَبَقِيَتْ الْمَعْلُوفَةُ عَلَى الْأَصْلِ (وَ) أَنْكَرَ الْكُلَّ (قَوْمٌ فِي الْخَبَرِ) نَحْوُ فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ فَلَا يَنْفِي الْمَعْلُوفَةَ عَنْهَا لِأَنَّ الْخَبَرَ لَهُ خَارِجِيٌّ يَجُوزُ الْإِخْبَارُ بِبَعْضِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْقَيْدُ فِيهِ لِلنَّفْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ أَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ صِفَةً أَوْ نَعْتًا. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الثَّانِي فَلِأَنَّ قَرِينَةَ الِامْتِنَانِ تَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ أُسْلُوبِ التَّعْمِيمِ مَعَ الْإِيجَازِ إلَى التَّخْصِيصِ مَعَ تَرْكِ الْإِيجَازِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةِ اخْتِصَاصِ الطَّهُورِيَّةِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ بِأَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ مَعَ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَأَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنْ يُقَالَ اللَّقَبُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيقِ، فَإِنْ وُجِدَتْ كَانَ حُجَّةً، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعُهَا» يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَجْلِ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِالْخُرُوجِ لِلْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لِمَا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَحْوَ الْعِبَادَةِ فَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ) فِيهِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إنَّمَا يُنْكِرُونَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَمَّا فِي مُصْطَلَحِ النَّاسِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَكْسُ مَا سَيَأْتِي عَنْ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَلْزَمُ مُوَافَقَةُ أَصْحَابِهِ لَهُ إذْ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُ الْأَئِمَّةُ أَصْحَابَهُمْ (قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَقُلْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِهَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْهَا وَإِلَّا كَانَ مُتَرَدِّدًا فِيهَا وَالْغَرَضُ خِلَافُهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ الْأَوْفَقُ بِالْإِنْكَارِ أَنْ يَقُولَ أَيْ قَالَ بِعَدَمِهَا؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الشَّيْءِ قَوْلٌ بِعَدَمِهِ لَا عَدَمِ قَوْلٍ بِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَبَرَ لَهُ خَارِجِيٌّ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ لِكُلِّ خَبَرٍ خَارِجِيٌّ يُطَابِقُهُ أَوْ لَا يُطَابِقُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ وَهِيَ بِعَيْنِهَا النِّسْبَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ اللَّفْظِ وَالْمُتَعَلِّقَةُ فَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّسَبِ الثَّلَاثَةِ اعْتِبَارِيٌّ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا خَارِجِيَّةً أَنَّهَا هِيَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اسْتِفَادَتِهَا مِنْ اللَّفْظِ وَهِيَ حَالَةٌ بَسِيطَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَمُسَاوِيَةٌ

بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ نَحْوُ «زَكُّوا عَنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ» وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَا خَارِجِيَّ لَهُ فَلَا فَائِدَةَ لِلْقَيْدِ فِيهِ إلَّا النَّفْيُ. (وَ) أَنْكَرَ الْكُلَّ (الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (فِي غَيْرِ الشَّرْعِ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلنِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْخَبَرِ حَتَّى فِي الْقَضَايَا الذِّهْنِيَّةِ وَإِلَّا لَذَهَبَتْ حَقِيقَةُ الْخَبَرِ إلَّا أَنَّهَا فِي الْقَضَايَا الذِّهْنِيَّةِ الَّتِي لَا وُجُودَ لِطَرَفَيْهَا فِي الْخَارِجِ مَعْنَى وُجُودِهَا الْخَارِجِيِّ وُجُودُهَا الذِّهْنِيُّ الْأَصْلِيُّ وَتُعْتَبَرُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الْأَصْلِيِّ وَالذِّهْنِيِّ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت اتِّجَاهَ قَوْلِ النَّاصِرِ: إنَّ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ يَجُوزُ الْإِخْبَارُ بِبَعْضِهِ نَظَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَارِجِيَّ هُوَ الْمُخْبَرُ بِهِ لَا النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ وَأَنَّ خَارِجِيَّ الْخَبَرِ أَعَمُّ مِنْ نِسْبَتِهِ الذِّهْنِيَّةِ لَا مُسَاوٍ لَهَا وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فِيهِمَا وَأَنَّ مَا قَالَهُ سم فِي جَوَابِهِ لَا يَنْطَبِقُ أَكْثَرُهُ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَعْقُولِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ مُخْبَرٌ بِهَا أَيْ مُعْلَمٌ بِهَا الْمُخَاطَبُ إلَخْ وَأَنَّ النِّسْبَةَ الَّتِي تَتَبَعَّضُ هِيَ النِّسْبَةُ الشَّخْصِيَّةُ كَالَّتِي بَيْنَ زَيْدٍ، وَالْقِيَامُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالنِّسْبَةِ الَّتِي فِي قَوْلِنَا فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ، فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ إلَخْ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ خَارِجِيَّةِ النِّيَّةِ خَارِجِيَّةُ الْمُخْبَرِ بِهِ إلَخْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعْلَامِ بِالْخَبَرِ إلْقَاؤُهُ لِلْمُخَاطَبِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ مُخْبَرًا بِهَا وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي حَيِّزِ الْإِعْلَامِ لِضَرُورَةِ التَّعْدِيَةِ وَالنِّسْبَةُ فِيهِ مُخْبَرٌ عَنْهَا فَالْمُعْلَمُ بِهِ النِّسْبَةُ الْكَلَامِيَّةُ الْمُلْقَاةُ لِلْمُخَاطَبِ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ثُبُوتِ الْمُسْنَدِ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ حَالَةٌ بَسِيطَةٌ مُطْلَقًا فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّ الثُّبُوتَ لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَالْقَوْلُ بِتَبْعِيضِ النِّسْبَةِ قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ النِّسْبَةِ بِالْقُوَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ مُتَعَدِّدًا بِتَبْعِيضِهَا، فَإِنَّ قَوْلَنَا جَاءَ الرِّجَالُ مَثَلًا النِّسْبَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْفِعْلِ فِيهِ ثُبُوتُ الْمَجِيءِ وَلِهُمْ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الثُّبُوتُ حَاصِلًا لِمُتَعَدِّدٍ كَانَ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو إلَخْ كَمَا قَالُوا: إنْ جَاءَ عَبِيدِي فِي قُوَّةِ قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النِّسَبَ الْمُتَعَدِّدَةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْقَضَايَا مُتَغَايِرَةٌ بِتَغَايُرِ أَطْرَافِهَا وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا أَبْعَاضٌ مِنْ النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقَضَايَا الْخَارِجِيَّةِ دُونَ الذِّهْنِيَّةِ الَّتِي لَا وُجُودَ لِشَيْءٍ مِنْ طَرَفَيْهَا خَارِجًا كَشَرِيكِ الْبَارِئِ مُمْتَنِعٌ وَالْتِقَاء مُمْكِنِ الْوُجُودِ وَنَحْوِهِمَا مَعَ أَنَّ لَهَا نِسْبَةً خَارِجِيَّةً كَمَا حَقَّقْنَاهُ فَقَدْ لَزِمَ عَلَى كَلَامِهِ انْحِصَارُ الْقَضَايَا فِي الْخَارِجِيَّةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمَنَاطِقَةُ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ بَقِيَ فِي كَلَامِهِ أَشْيَاءُ أَعْرَضْنَا عَنْهَا وَمَنْ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ هَذَا الْمَبْحَثِ فَعَلَيْهِ بِمُرَاجَعَةِ الرَّازِيّ عَلَى الشَّمْسِيَّةِ مَعَ مَوَادِّهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي حِلِّ كَلَامِ الشَّارِحِ بِحَيْثُ يَنْدَفِعُ عَنْهُ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْخَبَرَ لَهُ خَارِجِيٌّ إلَخْ الْخَبَرُ الْكُلِّيُّ أَيْ كُلُّ خَبَرٍ لَهُ خَارِجِيٌّ وَمِنْ إفْرَادِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ قَوْلُنَا فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ، فَإِنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْخَبَرِ وَقَوْلُهُ يَجُوزُ الْإِخْبَارُ بِبَعْضِهِ فِيهِ تَقْدِيرُ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقٌ بِبَعْضِهِ وَهُوَ الْمُسْنَدُ وَلَا ارْتِيَابَ فِي أَنَّ الْمُسْنَدَ هُنَا وَهُوَ الْكَوْنُ فِي الشَّامِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ بَعْضٌ مِنْ أَفْرَادِ مُطْلَقٍ مُسْنَدٍ الَّذِي هُوَ أَحَدُ طَرَفَيْ الْإِخْبَارِ الْكُلِّيِّ فَهَذَا الْخَبَرُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ مُطْلَقِ الْخَبَرِ وَمُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْمُسْنَدُ، وَإِنْ كَانَ جُزْئِيًّا مِنْ جُزْئِيَّاتِ مُطْلَقِ الْمُسْنَدِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ فَهُوَ بَعْضٌ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ الَّتِي تَقَعُ بِهَا الْأَخْبَارُ تَأَمَّلْ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ قَالَ الْكَمَالُ: إنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْإِخْبَارِ بِالْبَعْضِ لَا لِفَائِدَةٍ غَيْرُ لَائِقٍ بِكَلَامِ الْعَاقِلِ فَضْلًا عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْفَائِدَةُ فِيهِ قَدْ تَكُونُ إفْهَامَ أَنَّ الْحُكْمَ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ بِخِلَافِهِ كَمَا فَهِمَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي حَدِيثِ «مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» وَنَحْوِهِ. وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ كَإِفَادَةِ أَنَّ فِي الشَّامِ الْغَنَمَ السَّائِمَةَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَعْلَمُ أَنَّ بِهَا الْمَعْلُوفَةَ فَلَا يَعْلَمُ نَفْيَ الْمَعْلُوفَةِ عَنْهَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلْوَاقِعِ عِنْدَهُ فَنَفْيُ الْمَفْهُومِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ لِقَرِينَةٍ تَقْتَضِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَهُ عَنْ كُلِّ خَبَرٍ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ) ، فَإِنَّهُ لَا خَارِجَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَدْلُولُهُ إلَّا بِالنُّطْقِ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَخُصُّ مَحَلَّ النُّطْقِ وَيَنْتَفِي عَنْ الْمَسْكُوتِ فَلِذَلِكَ قِيلَ بِالْمَفْهُومِ فِيهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا تَقَدَّمَ) فِي نَحْوِ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ لَفْظًا إنْشَاءً مَعْنًى (قَوْلُهُ: فَلَا خَارِجِيَّ لَهُ) أَيْ حَتَّى يَثْبُتَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ وَيُخْبِرُ بِبَعْضِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا اُلْتُفِتَ لِلنَّفْيِ فِي الْوَاقِعِ مَعَ أَنَّ الْمُلْتَفِتَ لَهُ حُكْمُ الْمُتَكَلِّمِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَاقِعِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ فِي اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي الِاحْتِجَاجِ (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) إنْ قُلْت هَذَا الْقَوْلُ بِعَيْنِهِ هُوَ الْقَوْلُ

وَالْوَاقِفِينَ لِغَلَبَةِ الذُّهُولِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِهِ فِي الشَّرْعِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ (وَ) أَنْكَرَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ صِفَةً لَا تُنَاسِبُ الْحُكْمَ) كَأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ فِي الْغَنَمِ الْعُفْرِ الزَّكَاةُ قَالَ فَهِيَ فِي مَعْنَى اللَّقَبِ بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ كَالسَّوْمِ لِخِفَّةِ مُؤْنَةِ السَّائِمَةِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلِكَوْنِ الْعِلَّةِ غَيْرَ الصِّفَةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ أَطْلَقَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْهُ إنْكَارَ الصِّفَةِ وَلِكَوْنِ غَيْرِ الْمُنَاسَبَةِ فِي مَعْنَى اللَّقَبِ أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْهُ الْقَوْلَ بِالصِّفَةِ. وَأَمَّا غَيْرُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ فَصَرَّحَ مِنْهُ بِالْعِلَّةِ وَالظَّرْفِ وَالْعَدَدِ وَالشَّرْطِ وَإِنَّمَا وَمَا وَإِلَّا وَسَكَتَ عَنْ الْبَاقِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ (وَ) أَنْكَرَ (قَوْمٌ الْعَدَدَ دُونَ غَيْرِهِ) فَقَالُوا لَا يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَةِ حُكْمِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَوْ النَّاقِصِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي الْمَحْكِيُّ صَدْرَ الْمَبْحَثِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ شَرْعًا قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الشَّرْعَ مَحَلُّ الْمَفَاهِيمِ وَفِي ذَلِكَ الْقَوْلِ أَنَّهُ مُثْبِتٌ لَهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا جَلِيٌّ اهـ. نَاصِرٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْقَ اعْتِبَارِيٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْوَاقِفِينَ) أَيْ الْمُحْبِسِينَ (قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ الذُّهُولِ) تَعَقَّبَهُ الْكُورَانِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي دَلَالَتِهِ لُغَةً وَالدَّلَالَةُ الْتِفَاتُ النَّفْسِ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْمَعْنَى وَلَا دَخْلَ لِإِرَادَةِ اللَّافِظِ فِيهَا وَلَا لِشُعُورِهِ وَالتَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ مُعَارِضٍ أَقْوَى. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَعْنًى يُقْصَدُ تَبَعًا لِلْمَنْطُوقِ فَلَا يُعْتَبَرُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ إذْ الْأُمُورُ التَّابِعَةُ إنَّمَا يُعْتَدُّ بِهَا مِمَّنْ قَصَدَهَا وَلَاحَظَهَا وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ لَا وُثُوقَ بِقَصْدِهِ وَمُلَاحَظَتِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَوَقُّفُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِرَادَةِ بَلْ الَّذِي فِيهِ تَوَقُّفٌ اعْتِبَارُهَا فِي الْمَعَانِي التَّابِعَةِ لَا مُطْلَقًا عَلَى مَنْ يُوثَقُ فِيهِ بِإِرَادَتِهِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ) أَيْ وَالرَّسُولُ مَعْصُومٌ عَنْ النُّطْقِ عَنْ الْهَوَى (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَخْ) إنَّمَا أَنْكَرَ الصِّفَةَ غَيْرَ الْمُنَاسِبَةِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى اللَّقَبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْعِلَّةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعِبَارَتُهُ فِي الْبُرْهَانِ الْحَقُّ الَّذِي نَرَاهُ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ لَا يُفْهَمُ بِهَا مُنَاسِبَةٌ لِلْحُكْمِ فَالْمَوْصُوفُ بِهَا كَالْمُلَقَّبِ بِلَقَبِهِ، وَالْقَوْلُ فِي تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ كَالْقَوْلِ فِي تَخْصِيصِ الْمُسَمَّيَاتِ بِأَلْقَابِهَا فَقَوْلُ الْقَائِلِ زَيْدٌ يَشْبَعُ إذَا أَكَلَ كَقَوْلِهِ الْأَبْيَضُ اللَّوْنُ يَشْبَعُ إذْ لَا أَثَرَ لِلْبَيَاضِ فِيمَا ذَكَرَ كَمَا لَا أَثَرَ لِلتَّسْمِيَةِ بِزَيْدٍ فِيهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصِّفَةَ وَلَمْ يَفْصِلْهَا وَاسْتَقَرَّ أَيْ عَلَى تَقْسِيمِهَا وَإِلْحَاقِ مَا لَا يُنَاسِبُ مِنْهَا بِاللَّقَبِ وَحَصَرَ الْمَفْهُومَ فِيمَا يُنَاسِبُ (قَوْلُهُ: فِي الْغَنَمِ الْعُفْرِ) فِي الصِّحَاحِ شَاةٌ عَفْرَاءُ أَيْ يَعْلُو بَيَاضَهَا حُمْرَةٌ (قَوْلُهُ: فَهِيَ فِي مَعْنَى اللَّقَبِ) لِعَدَمِ مُنَاسَبَةِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) فَلَهَا مَفْهُومٌ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِ الْعِلَّةِ إلَخْ) اعْتِذَارٌ عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ نَقَلَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنْكَارَهُ مَفْهُومَ الصِّفَةِ. وَالثَّانِي نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَ بِهِ وَكِلَا النَّقْلَيْنِ مَنْقُوصٌ بِأَنَّهُ إطْلَاقٌ فِي مَوْضِعِ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الظَّاهِرِ) يَعْنِي أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الصِّفَةَ هِيَ النَّعْتُ وَبِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ لَفْظٌ مُقَيِّدٌ لِآخَرَ إلَخْ فَالْعِلَّةُ غَيْرُ الصِّفَةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَمِنْهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي (قَوْلُهُ: خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْعِلَّةِ غَيْرَ الصِّفَةِ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شُمُولِ الصِّفَةِ لِلْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ) أَيْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِغَيْرِ الْمُنَاسِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَةَ الَّتِي أَثْبَتَهَا عِلَّةٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ الصِّفَةِ الَّتِي لَا يُنَاسِبُ وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ صِفَةً لَا تُنَاسِبَ وَفِي نُسْخَةِ غَيْرِهِمَا أَيْ الصِّفَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ وَاللَّقَبِ (قَوْلُهُ: مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: فَصَرَّحَ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (قَوْلُهُ: عَنْ الْبَاقِي) وَهُوَ الْحَالُ وَالْغَايَةُ وَضَمِيرُ الْفَصْلِ وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ لَكِنَّ الْأَخِيرَ صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فَلَمْ يَسْكُتْ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَالْمَذْكُورِ) فَإِنَّ الْحَالَ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ يَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ الْمُنَاسِبِ وَغَيْرِهِ وَالْغَايَةُ فِي مَعْنَى الظَّرْفِ، فَإِنْ أَجَّرْتُك الدَّارَ إلَى آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ بِكَذَا فِي مَعْنَى أَجَرْتُهَا بَقِيَّةَ هَذَا الشَّهْرِ وَفَصْلُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ فِي مَعْنَى مَا وَإِلَّا (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ قَوْمٌ الْعَدَدَ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَفْهُومُ الْعَدَدِ بَاطِلٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ هُوَ الْعُمْدَةُ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ تَنْقِيصِ الْحِجَارَةِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الثَّلَاثَةِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي

[مسألة الغاية قيل منطوق أي بالإشارة]

كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا بِقَرِينَةٍ أَمَّا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ فَاتَّفَقُوا عَلَى حُجِّيَّتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (وَالْحَقُّ) أَنَّهُ (مَفْهُومٌ) كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَبَادُرِ الشَّيْءِ إلَى الْأَذْهَانِ أَنْ يَكُونَ مَنْطُوقًا (يَتْلُوهُ) أَيْ الْغَايَةَ (الشَّرْطُ) إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ. وَفِي رُتْبَةِ الْغَايَةِ إنَّمَا فَسَيَأْتِي قَوْلٌ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ أَيْ بِالْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ فَصْلُ الْمُبْتَدَأِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَرْتَبَةَ الْغَايَةِ تَلِي مَرْتَبَةَ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ (فَالصِّفَةُ الْمُنَاسِبَةُ) تَتْلُو الشَّرْطَ لِأَنَّ بَعْضَ الْقَائِلِينَ بِهِ خَالَفَ فِي الصِّفَةِ (فَمُطْلَقُ الصِّفَةِ) عَنْ الْمُنَاسَبَةِ (غَيْرُ الْعَدَدِ) مِنْ نَعْتٍ وَحَالٍ وَظَرْفٍ وَعِلَّةٍ غَيْرِ مُنَاسِبَاتٍ فَهِيَ سَوَاءٌ تَتْلُو الصِّفَةَ الْمُنَاسِبَةَ (فَالْعَدَدُ) يَتْلُو الْمَذْكُورَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِيَارِ الشَّرْطِ اهـ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَنْهُ وَعَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْعَدَدَ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِقَرِينَةٍ) أَيْ فَتَكُونُ الدَّلَالَةُ حِينَئِذٍ لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) وَرَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَدُلُّ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي كَوْنِهَا قِيَاسِيَّةً أَوْ لَفْظِيَّةً [مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ أَيْ بِالْإِشَارَةِ] (قَوْلُهُ: الْغَايَةُ) أَيْ مَدْلُولُهَا أَوْ حُكْمُهَا لَا مَفْهُومُهَا لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِقَوْلِهِ قِيلَ مَنْطُوقٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْغَايَةَ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْمَدْلُولِ أَوْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْإِشَارَةِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْغَايَةِ مَوْضُوعٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا خِلَافُ مَا قَبْلَهَا وَهِيَ لَيْسَتْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ لِضَرُورَةِ تَفْهِيمِ الْكَلَامِ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إضْمَارِ ضِدِّ مَا قَبْلَهَا فَيُضْمَرُ فِي قَوْلِهِ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَتَحِلُّ وَالْمُضْمَرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْفُوظِ لَا يَنْسَاقُ ذِهْنُ الْعَارِفِ لَهُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ الْإِشَارَةِ لَا الْمَفْهُومِ كَذَا نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَنْطُوقَ الْإِشَارِيَّ مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ يَدُلُّ عَلَى الْمَدْلُولِ وَهَذَا غَيْرُ طَرِيقَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَارَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارِيَّ ضِدُّهُ مِنْ أَقْسَامِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِاللُّزُومِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ مَا قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي تَعْدَادِ الْمُصَنِّفِ الْمَفَاهِيمَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْغَايَةَ) ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَدْلُولًا أَوْ مَفْهُومًا (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ) فِيهِ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِذَلِكَ لَا يُوجِبُ أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ وَاعْتَرَضَ سم أَيْضًا بِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْغَايَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا فِي الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ وَالْكَلَامِ فِي الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ فِيهِ عَقْلِيًّا فَلَا يُقَاوِمُ الْمَنْطُوقَ نَعَمْ قَدْ يَكُون مَفْهُومُ مَعْنَى الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ شَرْطًا عَقْلِيًّا فَيَكُونُ اللُّزُومُ فِيهِ عَقْلِيًّا كَأَنْ يُقَالَ: إنْ أُحْيِيَ زَيْدٌ فَقَدْ عَقَلَ مَثَلًا وَحِينَئِذٍ لَا يَبْعُدُ تَقَدُّمُهُ عَلَى مَفْهُومِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: فَسَيَأْتِي قَوْلُ إلَخْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الشَّرْطِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِإِنَّمَا وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الرُّتْبَةِ (قَوْلُهُ: فَصْلُ الْمُبْتَدَأِ) وَمِثْلُهُ طَرِيقُ الْحَصْرِ بِلَا فَصْلٍ بَلْ بِتَعْرِيفِ الْجُزْأَيْنِ أَوْ بِعُمُومِ الْأَوَّلِ وَخُصُوصِ الثَّانِي كَمَا فِي الْعَالِمُ زَيْدٌ وَزَيْدٌ الْعَالِمُ وَالْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ (قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَرْتَبَةَ الْغَايَةِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْغَايَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَفَاهِيمِ وَحِينَئِذٍ فَكَوْنُ أَعْلَاهَا النَّفْيَ وَالِاسْتِثْنَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَابِقًا بِقَوْلِهِ وَأَعْلَاهُ لَا عَالِمٌ إلَّا زَيْدٌ ثُمَّ تَلِيهِ الْغَايَةُ وَفَائِدَةُ هَذَا التَّرْتِيبِ تَظْهَرُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، فَإِذَا تَعَارَضَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ وَالشَّرْطِ قُدِّمَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ كَمَا فِي قَوْلِ الْمَنْهَجِ مَثَلًا وَحَرُمَ فِي فَرْضٍ ضَاقَ وَقْتُهُ إنْ جُعِلَ صِفَةً اقْتَضَى تَخْصِيصَ حُرْمَةِ الْقَطْعِ فِي الْفَرْضِ الَّذِي وَقْتُهُ ضَيِّقٌ فَيَخْتَصُّ بِالْمَغْرِبِ وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَيُّ وَقْتٍ كَانَ فَلِذَلِكَ زَاد الشَّارِحُ قَبْلَ قَوْلِهِ ضَاقَ لَفْظَةَ إنْ فَجَعَلَهُ مَفْهُومَ شَرْطٍ (قَوْلُهُ: تَتْلُو الشَّرْطَ) ذَكَرَهُ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى بِدُونِهِ لِيَذْكُرَ عِلَّتَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَعْضَ الْقَائِلِينَ بِهِ) كَأَبِي سُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ قَالَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: فَمُطْلَقُ الصِّفَةِ فِيهِ) تَجَوُّزٌ بِحَذْفِ الْمُضَافِ، وَالتَّقْدِيرُ فَبَاقِي مُطْلَقِ الصِّفَةِ أَوْ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلصِّفَةِ الْمُنَاسِبَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُنَاسِبَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ إذْ لَا مَعْنَى؛ لَأَنْ تَلِيَ الْمُنَاسِبَةُ الْمُنَاسِبَةَ فَيَلْزَمُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: غَيْرِ مُنَاسِبَاتٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ أَنْ

لِإِنْكَارِ قَوْمٍ لَهُ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ (فَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ) آخِرُ الْمَفَاهِيمِ (لِدَعْوَى الْبَيَانِيِّينَ) فِي فَنِّ الْمَعَانِي (أَفَادَتْهُ الِاخْتِصَاصَ) أَخْذًا مِنْ مَوَارِدِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ (وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَبُو حَيَّانَ) فِي ذَلِكَ (الِاخْتِصَاصِ) الْمُفَادِ (الْحَصْرُ) الْمُشْتَمِلُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (حَيْثُ أَثْبَتَهُ وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ الْحَصْرَ) وَإِنَّمَا هُوَ قَصْدُ الْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ فَإِنَّ الْخَاصَّ كَضَرْبِ زَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ الضَّرْبِ قَدْ يُقْصَدُ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ فَيَأْتِي بِأَلْفَاظِهِ فِي مَرَاتِبِهَا. وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونَ مُنَاسِبَةً وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْكَلَامُ فِي الْعِلَّةِ اللُّغَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِإِنْكَارِ قَوْمٍ) ، فَإِنَّ بَعْضَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ يُنْكِرُ مَفْهُومَ الْعَدَدِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ هُنَاكَ مَنْ أَنْكَرَ الْكُلَّ كَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: لِدَعْوَى الْبَيَانِيِّينَ) عِلَّةٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ فَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ مِنْ إثْبَاتِ مَفْهُومِ تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ لَا لِتَرَتُّبِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ مَوَارِدِ الْكَلَامِ) حَالٌ مِنْ دَعْوَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا الْبُلَغَاءَ إذَا أَرَادُوا الْحَصْرَ قَدَّمُوا الْمَعْمُولَ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَبُو حَيَّانَ) احْتَجَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ التَّقْدِيمُ فِي نَحْوِ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ عَلَى الْحَصْرِ لَدَلَّ التَّأْخِيرُ فِي نَحْوِ فَاعْبُدْ اللَّهَ عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ لِكَوْنِهِ نَقِيضَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَقِيضَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَصْرِ هَاهُنَا عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ إفَادَةِ الْحَصْرِ إفَادَةُ نَفْيِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ: إنَّ التَّقْدِيمَ لِلِاهْتِمَامِ وَالْعِنَايَةِ وَنَقَلَ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهِ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الَّذِي شَأْنُهُ أَهَمُّ وَهُمْ بِبَيَانِهِ أَعْنَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاهْتِمَامَ لَا يُنَافِي الِاخْتِصَاصَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِهِ نَفْيُ الِاخْتِصَاصِ نَعَمْ الِاخْتِصَاصُ لَازِمٌ لِتَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ غَالِبًا فَقَدْ يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ وَالتَّبَرُّكِ وَالتَّلَذُّذِ بِذِكْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِي إفَادَةِ التَّقْدِيمِ الِاخْتِصَاصُ خِلَافًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الِاخْتِصَاصِ الَّذِي أَفَادَهُ التَّقْدِيمُ هَلْ هُوَ الْحَصْرُ أَوْ الِاهْتِمَامُ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ مُفِيدٌ الِاخْتِصَاصَ، وَاخْتُلِفَ فِي الِاخْتِصَاصِ الْمُفَادِ مَا هُوَ فَقَالَ الْبَيَانِيُّونَ: هُوَ الْحَصْرُ وَخَالَفَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَبُو حَيَّانِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِصَاصُ الْحَصْرُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْحَصْرُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ فَهُوَ مُرَكَّبٌ وَجُزْؤُهُ الْإِثْبَاتِيُّ مَنْطُوقٌ وَالسَّلْبِيُّ مَفْهُومٌ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ فَلِذَلِكَ تَعَرَّضَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ إلَخْ وَهُوَ مِنْ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ جُزْأَيْهِ (قَوْلُهُ: كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ دَعْوَى الْبَيَانِيِّينَ (قَوْلُهُ: لَيْسَ الْحَصْرَ) أَيْ لَيْسَ الِاخْتِصَاصُ الْحَصْرَ فَالْحَصْرُ مَنْصُوبُ خَبَرِ لَيْسَ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ بَلْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ لِشَيْءٍ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ وَالِاخْتِصَاصُ إعْطَاءُ الْحُكْمِ لِلشَّيْءِ وَالسُّكُوتُ عَمَّا عَدَاهُ فَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ إنَّمَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ لَا غَيْرُ، وَإِنَّ اُسْتُفِيدَ النَّفْيُ فَمِنْ دَلِيلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: قَصْدُ الْخَاصِّ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْخَاصَّ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ خُصُوصٍ وَجِهَةُ عُمُومٍ مِثَالُ الْخَاصِّ ضَرَبَ زَيْدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ الضَّرْبِ الصَّادِرِ مِنْ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ فَهَذَا الْخَاصُّ قَدْ يُقْصَدُ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ خُصُوصِهِ بِأَنْ لَا يُقْصَدَ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَعَمْرٍو فَيُؤْتَى بِأَلْفَاظِهِ مِنْ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فِي مَرَاتِبِهَا بِأَنْ يُقَدَّمَ الْفِعْلُ فَالْفَاعِلُ فَالْمَفْعُولُ، وَقَدْ يُقْصَدُ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيُقَدَّمُ الْمَفْعُولُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْقَصْدِ لَا لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ (قَوْلُهُ: كَضَرْبِ زَيْدٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ كَزَيْدًا ضَرَبْت (قَوْلُهُ: لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ) أَيْ وُقُوعِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْمَعْمُولِ حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْحُكْمِ

[مسألة إنما بالكسر قال الآمدي وأبو حيان لا تفيد الحصر]

كَالْخُصُوصِ بِالْمَفْعُولِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ فَيُقَدَّمُ لَفْظُهُ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ نَحْوُ زَيْدًا ضَرَبْت فَلَيْسَ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ مَا فِي الْحَصْرِ مِنْ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَائِلِيهِ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِلِاهْتِمَامِ وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ الْحَصْرُ لِخَارِجٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ لِدَعْوَى الْبَيَانِيِّينَ (مَسْأَلَةُ إنَّمَا) بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ) لِأَنَّهَا إنَّ الْمُؤَكِّدَةُ وَمَا الزَّائِدَةُ الْكَافَّةُ فَلَا تُفِيدُ النَّفْيَ الْمُشْتَمِلَ عَلَيْهِ الْحَصْرُ وَعَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» إذْ رِبَا الْفَضْلِ ثَابِتٌ إجْمَاعًا وَإِنْ تَقَدَّمَهُ خِلَافٌ وَاسْتِفَادَةُ النَّفْيِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ خَارِجٍ كَمَا فِي {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] فَإِنْ سِيقَ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي اعْتِقَادِهِمْ إلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ (وَ) قَالَ الشَّيْخُ (أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَ) صَاحِبُهُ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَمَعْنَاهُ فِي لُغَةِ الْفُرْسِ الْكَبِيرُ (وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ (تُفِيدُ) الْحَصْرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ نَحْوُ إنَّمَا قَامَ زَيْدٌ أَيْ لَا عَمْرٌو أَوْ نَفْيِ غَيْرِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَذْكُورِ نَحْوُ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ أَيْ لَا قَاعِدٌ (فَمَهْمَا وَقِيلَ نُطْقًا) أَيْ بِالْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَبَادُرِ الْحَصْرِ إلَى الْأَذْهَانِ مِنْهَا وَإِنْ عُورِضَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِمَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الرِّبَا السَّابِقِ وَلَا بَعْدُ فِي إفَادَةِ الْمُرَكَّبِ مَا لَمْ تُفِدْهُ أَجْزَاؤُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ بِإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا لِكَوْنِ الْحُكْمِ خَاصًّا بِهِ (قَوْلُهُ: كَالْخُصُوصِ بِالْمَفْعُولِ) أَيْ اخْتِصَاصِهِ بِهِ أَيْ وُقُوعِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ: لِإِفَادَةِ ذَلِكَ) أَيْ الْقَصْدِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِي الِاخْتِصَاصِ) أَيْ بَلْ نَفْيُ الْحُكْمِ فِيهِ سُكُوتٌ عَنْهُ وَفِي الْحَصْرِ مُتَعَرِّضٌ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ: وَحَاصِلُهُ) أَيْ حَاصِلُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَلَكِ الدَّائِرِ، فَإِنَّهُ قَالَ الْحَقُّ: إنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ الْحَصْرِ إلَّا بِالْقَرَائِنِ فَقَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ التَّصْرِيحُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ نَحْوُ {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} [طه: 118] وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ، فَإِنَّ حَوَّاءَ كَذَلِكَ اهـ. وَعَلَى ذِكْرِ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَذَكَّرْت قَوْلَ الْقَائِلِ مَنْ كَانَ آدَم جَمَلًا فِي سِنِّهِ ... هَجَرَتْهُ حَوَّا السِّنِينَ مِنْ الدَّمَا يَعْنِي مَنْ كَانَ سِنُّهُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُرْضِيهِ بِنْتُ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً مِنْ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ: لِلِاهْتِمَامِ إلَخْ) لَا يُنَافِيهِ جَعْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ الِاهْتِمَامَ عِلَّةً لِقَصْدِ الْخُصُوصِ إذْ قَدْ جُعِلَ هُنَا عِلَّةً لِلتَّقْدِيمِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِاعْتِبَارِ مُحَصَّلِ الْكَلَامِ وَمَآلِهِ وَعِلَّةُ عِلَّةِ الشَّيْءِ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ دَعْوَى يُفِيدُ أَنَّ الْأَحْسَنَ خِلَافُهُ لَكِنَّ قَوْلَهُ سَابِقًا وَالِاخْتِصَاصُ الْحَصْرُ خِلَافًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي مُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ [مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ] (قَوْلُهُ: مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ) إذْ تَقَدَّمَ عَنْهُ إنْكَارُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ) أَيْ النَّفْيَ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَصْرُ وَإِلَّا فَإِفَادَتُهُمَا الثُّبُوتَ أَمْرٌ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: الْكَافَّةُ) لِكَفِّهَا إنَّ عَنْ الْعَمَلِ وَيُقَالُ مُهَيِّئَةً؛ لِأَنَّهَا هَيَّأَتْهَا لِلدُّخُولِ عَلَى الْأَفْعَالِ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلَ) صِفَةٌ لِلنَّفْيِ وَهُوَ مِنْ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ جُزْأَيْهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَدَمِ إفَادَتِهَا الْحَصْرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَصْرُ إضَافِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ (قَوْلُهُ: ثَابِتٌ) أَيْ بِالرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَدَّمَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ وَتَقَدُّمُ الْخِلَافِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ فَقَدْ رَجَعَ الْمُخَالِفُ كَابْنِ عَبَّاسٍ إلَى الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَصَاحِبُهُ) أَيْ فِي الْأَخْذِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ) كَذَا لِلْإِسْنَوِيِّ وَضَبَطَهُ الْكُورَانِيُّ بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ كِيَا مَعْنَاهُ الْعَظِيمُ وَأَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ وَهَمْزَتُهَا بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّ ذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلُغَةُ الْعَجَمِ لَا تُوَافِقُ تَصْرِيفَاتِ الْعَرَبِ (قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ) أَيْ فَيَكُونُ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ، وَقَوْلُهُ أَوْ نَفْيِ غَيْرِ الْحُكْمِ إلَخْ فَيَكُونُ مِنْ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: فَهْمًا وَقِيلَ نُطْقًا) حَالَانِ مِنْ

كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ وَلَا مَنْطُوقٌ (وَ) أَنَّمَا (بِالْفَتْحِ الْأَصَحُّ أَنَّ حَرْفَ أَنَّ فِيهَا) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ إنَّ. (فَرْعٌ) إنَّ (الْمَكْسُورَةُ) فَهِيَ الْأَصْلُ لِاسْتِغْنَائِهَا بِمَعْمُولَيْهَا فِي الْإِفَادَةِ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحَةِ لِأَنَّهَا مَعَ مَعْمُولَيْهَا بِمَنْزِلَةِ مُفْرَدٍ وَقِيلَ الْمَفْتُوحَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ أَصْلٌ لِأَنَّ لَهُ مَحَالَّ يَقَعُ فِيهَا دُونَ الْآخَرِ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْمَفْتُوحَةَ فَرْعُ الْمَكْسُورَةِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اللَّازِمِ لَهُ فَرْعِيَّةٌ أَنَّمَا بِالْفَتْحِ لِإِنَّمَا بِالْكَسْرِ (ادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ) فِي تَفْسِيرِ {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108] وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِيهِ (إفَادَتُهَا) أَيْ إفَادَةُ أَنَّمَا بِالْفَتْحِ (الْحَصْرَ) كَإِنَّمَا بِالْكَسْرِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْأَصْلِ يَثْبُتُ لِلْفَرْعِ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ وَالْأَصْلُ انْتِفَاؤُهُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا الْمَأْخَذِ قُوَّةُ كَلَامِهِ تُشِيرُ إلَيْهِ وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا مَا قَالَهُ إنَّ الْوَحْيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ فِي أَمْرِ الْإِلَهِ مَقْصُورٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَفْعُولٍ تُفِيدُ الْمَحْذُوفَ الَّذِي هُوَ الْحَصْرُ وَقَوْلُهُ لِتَبَادُرِ إلَخْ عِلَّةٌ نُطْقًا وَهَلْ هَذَا مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَوْ لَا الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّ عُورِضَ إلَخْ) أَيْ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إفَادَةِ النَّفْيِ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ لِأَمْرٍ عَارَضَهُ وَهُوَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» (قَوْلُهُ: بِمَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ) أَيْ بِدَلِيلٍ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَنْطُوقًا صَرِيحًا (قَوْلُهُ: وَلَا بَعْدُ إلَخْ) رَدٌّ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّ الْمُؤَكَّدَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلِهِ بِإِنَّمَا) أَيْ بِكَوْنِهَا تُفِيدُ الْحَصْرَ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي الْكَلَامِ عَلَى إنْكَارِهِ صِفَةً لَا تُنَاسِبُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ إلَخْ) يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ الْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ فَصَرَّحَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: حَرْفُ أَنْ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفَرْعِيَّةَ لِمُطْلَقِ إنَّ لَا الْمُرَكَّبَةِ مَعَ مَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَرْعُ إنَّ الْمَكْسُورَةِ وَأَنَّ الْفَرْعِيَّةُ لِلْمُرَكَّبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ الْمُطْلَقَةِ (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ مُفْرَدٍ) فَلَا تُسْتَغْنَى فِي الْإِفَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يُفِيدُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ كُلُّ أَصْلٍ) إنَّمَا نُكِّرَ الْأَصْلُ فِي هَذَا لِعَدَمِ إرَادَةِ الْحَصْرِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَا مَحَالَّ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْمَكْسُورَةِ وَالْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ إنَّ هَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ لَهُمَا مَحَالَّ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: لِأَنَّ مَحَالَّ كُلٍّ لَا يَقَعُ فِيهِ الْآخَرُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ أَجْلِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ وَأَنَّ الْإِشَارَةَ لِلْبَعِيدِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا (قَوْلُهُ: اللَّازِمُ لَهُ) جَعْلُهُ أَنَّ بِالْفَتْحِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَرْعُ إنَّ بِالْكَسْرِ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَحْوَجُهُ لِدَعْوَى الِاسْتِلْزَامِ وَلَوْ حُمِلَ الْمَتْنُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ كَوْنِ أَنَّ بِالْفَتْحِ فِي إنَّمَا فَرْعُ إنَّ بِالْكَسْرِ فِي إنَّمَا لَاسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْمَأْخَذُ حَقِيقَةً هَذَا مَا اعْتَرَضَ بِهِ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ فَرْعِيَّةَ أَنَّ بِالْفَتْحِ فِي إنَّمَا بِالْكَسْرِ فِي إنَّمَا يُجِيزُ فَرْعِيَّةَ مَجْمُوعِ إنَّمَا بِالْفَتْحِ لِمَجْمُوعِ إنَّمَا بِالْكَسْرِ إذْ فَرْعِيَّةُ جُزْءِ أَحَدِ الْكَلِمَتَيْنِ بِجُزْءِ الْأُخْرَى غَيْرُ فَرْعِيَّةِ إحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ لِلْأُخْرَى فَلَا بُدَّ فِي بَيَانِ كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ مَنْشَأً لِمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ بَيَانِ اسْتِلْزَامِ الْفَرْعِيَّةِ الْأُولَى لِلْفَرْعِيَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَنْشَأُ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ اهـ. وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ انْتِفَاؤُهُ) أَيْ الْمُعَارِضِ (قَوْلُهُ: بِهَذَا الْمَأْخَذِ) وَهُوَ كَوْنُ الْمَفْتُوحَةِ فَرْعَ الْمَكْسُورَةِ اللَّازِمِ لَهُ مَا تَقَدَّمَ الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ ثَمَّ فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: قُوَّةُ كَلَامِهِ) ، فَإِنَّهُ قَالَ إنَّمَا لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى الشَّيْءِ أَوْ لِقَصْرِ الشَّيْءِ عَلَى حُكْمٍ كَقَوْلِك إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَإِنَّمَا يَقُومُ زَيْدٌ، وَقَدْ اجْتَمَعَ الْمِثَالَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ {إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنبياء: 108] مَعَ فَاعِلِهِ بِمَنْزِلَةِ إنَّمَا يَقُومُ زَيْدٌ {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] بِمَنْزِلَةِ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ اهـ. فَنِسْبَةُ الْقَصْرَيْنِ إلَى إنَّمَا بِالْكَسْرِ وَجَعْلُ {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] هُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ مِثَالًا لِلثَّانِي ظَاهِرٌ فِي الْفَرْعِيَّةِ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ التَّمْثِيلُ بِالْمَفْتُوحَةِ لِلْمَكْسُورَةِ قَالَهُ النَّجَّارِيُّ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْوَحْيَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فِي أَمْرِ الْإِلَهِ) أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ كَالْأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرُ مَا يُوحِي إلَيْهِ فِي

[مسألة من الألطاف حدوث الموضوعات اللغوية]

عَلَى اسْتِئْثَارِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ كَغَيْرِهِ مُتَعَدِّدًا كَمَا عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُونَ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آيَةِ {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ} [الحديد: 20] أَرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إلَّا هَذِهِ الْأُمُورُ الْمُحَقَّرَاتُ أَيْ وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ وَالْقُرَبُ فَمِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ لِظُهُورِ ثَمَرَتِهَا فِيهَا. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ إفَادَتَهَا الْحَصْرَ عَنْ التَّوَخِّيِّ أَيْضًا فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ وَفِي قَوْلِهِ كَابْنِ هِشَامٍ ادَّعَى إشَارَةً إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ بَقَاءِ إنَّ فِيهَا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهَا مَعَ كَفِّهَا بِمَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا فِيهَا مِنْ أَفْرَاد إنَّ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ الْأُولَى مَا يُوحَى إلَيَّ فِي أَمْرِ الْإِلَهُ إلَّا وَحْدَانِيَّتَهُ أَيْ لَا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ اشْتِرَاكٍ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ اعْلَمُوا حَقَارَةَ الدُّنْيَا أَيْ فَلَا تُؤْثِرُوهَا عَلَى الْآخِرَةِ الْجَلِيلَةِ فَبَقَاءُ إنَّ فِي الْآيَتَيْنِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا مِنْ نَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْقِيرِ الدُّنْيَا (مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ) : جَمْعُ لَطَفٍ بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرِ الْإِلَهِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْإِلَهِ بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّعَدُّدِ فَقَطْ فَالْقَصْر بِإِنَّمَا مَكْسُورَةٌ إضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى اسْتِيثَارِ) أَيْ اخْتِصَاصِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَهَذَا مِنْ أَنَّمَا الْمَفْتُوحَةِ فَالْمَقْصُورُ هُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَالْمَقْصُورُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَهُوَ قَصْرُ أَفْرَادٍ رَدًّا عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ الشَّرِكَةَ وَفِيهِ أَنَّ اعْتِقَادَ الشَّرِكَةِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ تُدَافَعُ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا اعْتِقَادٌ، فَإِنَّهَا نَفْيُ التَّعَدُّدِ فَلَا يَتَأَتَّى الرَّدُّ إذْ مَتَى مَا حَصَلَ إشْرَاكٌ وَلَا وَحْدَانِيَّةٌ كَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَحْصُورُ إلَهَكُمْ وَهُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَالْمَحْصُورُ فِيهِ إلَهٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّهِ. وَأَجَابَ النَّجَّارِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْقَلْبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى اللَّهِ لَا يُوصَفُ بِهَا غَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَمْ يَعْتَقِدُوا قَصْرَ الْوَحْدَانِيَّةِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِمْ بِقَصْرِ الْقَلْبِ. وَقَالَ سم: إنَّهُ مِنْ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِلَهَ وَهُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى التَّعَدُّدِ كَمَا قَالَ الْمُخَاطَبُونَ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ قَالَ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا، فَإِنَّهَا لِقَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ، وَجَعْلُ الْوَصْفِ كِنَايَةً عَنْ الْعِلْمِ بَعِيدٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ الشَّارِحِ اسْتِيثَارُ اللَّهِ الْوَحْدَانِيَّةَ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ نَعَمْ جَعْلُ الْوَصْفِ كِنَايَةً عَنْ الْعِلْمِ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ مَحْوٌ لِخَوَاصِّ الْأَلْفَاظِ وَتَصَرُّفٌ فِي التَّرَاكِيبِ بِمَا لَا يُسَوِّغُهُ أَرْبَابُ الْمَعَانِي (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ) أَيْ لَا يَتَجَاوَزُ الْوَحْيُ الِاسْتِئْثَارَ وَدَفَعَ بِهَذَا مَا أَوْرَدَهُ أَبُو حَيَّانَ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُوحَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِ الْإِلَهِ سِوَى التَّوْحِيدِ مَعَ أَنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ فِي شَأْنِ الْإِلَهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْإِيرَادَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي الْآيَةِ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُونَ) فِيهِ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَا يَقُولُونَ بِالْوَحْيِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ تَنْزِيلِ الْمُنَكَّرِ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْمُنَكَّرِ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا أَنَّ تَأَمُّلَهُ ارْتَدَعَ عَنْ إنْكَارِهِ وَلَمَّا تَقَوَّى ذَلِكَ بِالْبَرَاهِينِ صَارَ إنْكَارُهُمْ كَالْعَدَمِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ) أَيْ الزَّمَخْشَرِيِّ قَوْلُهُ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [محمد: 36] فَالْقَصْرُ فِيهِ مِنْ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا) مَقُولُ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ) اسْمُ كِتَابٍ وَلَا تَنَافِي فِي كَوْنِهِ أَقْصَى وَقَرِيبًا إذْ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ اسْتِيعَابِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ سُهُولَةِ الْمَأْخَذِ مِنْ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَصْدَرِيَّتِهَا) أَيْ عَلَى مُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمَصْدَرِيَّةُ لَا تُنَافِي الْحَصْرَ (قَوْلُهُ: فِيمَا عَلِمْته) قَالَ ذَلِكَ تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا حَيَّانَ صَرَّحَ بِهِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ تَصْرِيحُ الْمُتَقَدِّمِينَ (قَوْلُهُ: اعْلَمُوا حَقَارَةَ الدُّنْيَا) هَذَا الْحَلُّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَعْنَى وَلَا يَقْتَضِيهِ السَّبْكُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَبَرُ اسْمِ إنَّ جَامِدًا أُضِيفَ إلَيْهِ الْكَوْنُ فَيُقَالُ هُنَا اعْلَمُوا كَوْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلَخْ (قَوْلُهُ: كَافٍ) إلَى أَنَّ الْحَصْرَ أَبْلَغُ [مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ] (قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ إلَخْ) : هَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ تَرْجَمَةٌ لِمَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ) إنَّمَا أُوِّلَ الْمَصْدَرُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ بِقَوْلِهِ حُدُودٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ إحْدَاثَ) ؛ لِأَنَّ اللَّطَفَ صِفَةُ فِعْلٍ أَوْ صِفَةُ ذَاتٍ بِمَعْنَى

أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَلْطُوفِ بِالنَّاسِ بِهَا (حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ) بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى وَإِنْ قِيلَ وَاضِعُهَا غَيْرُهُ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِهِمْ (لِيُعَبِّرَ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَيُعَبِّرَ كُلٌّ مِنْ النَّاسِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ لِغَيْرِهِ حَتَّى يُعَاوِنَهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِهِ (وَمَرَّ) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ (أَفْيَدُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْمِثَالِ) أَيْ الشَّكْلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ وَهُمَا يَخُصَّانِ الْمَوْجُودَ الْمَحْسُوسَ (وَأَيْسَرُ) مِنْهُمَا أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهَا لِلْأَمْرِ الطَّبِيعِيِّ دُونَهُمَا بِأَنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلنَّفْسِ الضَّرُورِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإيصَالِ الْإِحْسَانِ إلَى الْعَبْدِ أَوْ إرَادَةِ ذَلِكَ الْحُدُوثِ وَلَيْسَ الْحُدُوثُ بَعْضًا مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِمَعْنًى مَلْطُوفٍ بِهِ بِحَيْثُ يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّفْظُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ الْمَعْنَى فَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ حَذْفَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَهُوَ كَأَصْلِهِ مُمْتَنِعُ الْحَذْفِ (قَوْلُهُ: بِهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ لِحُصُولِ أَثَرِ اللَّطَفِ وَهُوَ إفْهَامُ مَا فِي النَّفْسِ بِالْأَلْفَاظِ، فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى حُدُوثِ الْمَوْضُوعَاتِ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ اللَّطَفَ لَازِمٌ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ بِالْبَاءِ هِيَ فِي الْأَوَّلِ لِمُجَرَّدِ التَّعْدِيَةِ وَفِي الثَّانِي لَهَا مَعَ السَّبَبِيَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا يَتَعَدَّى إلَى اثْنَيْنِ بِحَرْفَيْنِ مُتَّحِدِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ) خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُنَا مُطْلَقَ اللُّغَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يَحْتَاجُ إلَى لُغَتِهِ أَوْ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ وَغَيْرَهَا وَالْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ الْآتِي أَعْنِي قَوْلَهُ وَهِيَ الْأَلْفَاظُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى) تَحْقِيقٌ لِلْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الْحُدُوثَ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِهِمْ) أَيْ وَمِنْهَا الْوَضْعُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَوْضُوعَاتِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَوْضُوعَاتٌ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ خَلْقِ الْأَلْفَاظِ الْوَضْعُ، فَإِنَّهُ لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْأَفْعَالِ الْأَلْفَاظُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ) فَيَكُونُ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى كُلٍّ وَضَمِيرُ إلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى مَا وَضَمِيرُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ يَرْجِعُ إلَى كُلٍّ أَيْضًا، وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي لِغَيْرِهِ وَأُتِيَ بِالْمَعْمُولِ عَامًّا؛ لِأَنَّ حَذْفَهُ يُؤْذِنُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ أَيْ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْغَيْرِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْمَوْضُوعَاتُ اللُّغَوِيَّةُ أَيْ دَلَالَتُهَا وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: أَفْيَدُ) مَصُوغٌ مِنْ فَادَ الثُّلَاثِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فَادَتْ لَهُ فَائِدَةٌ بِمَعْنَى حَصَلَتْ أَوْ مِنْ أَفَادَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ سم أَنَّ فِي أَخْذِ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ الْمَصْدَرِ بِالْهَمْزَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَهُوَ جَارٍ عَلَى أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَوْضُوعَاتِ أَيْ دَلَالَتُهَا (قَوْلُهُ: وَهُمَا يَخُصَّانِ إلَخْ) وَأَيْضًا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِثَالًا يُطَابِقُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْثِلَةَ الْمُجَسَّمَةَ كَمَا يَجْعَلُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ لَا نَفْيَ بِالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُخَطَّطَةِ كَانَ يَنْقُشُ صُورَةَ الْفَرَسِ عَلَى جِدَارٍ كَذَلِكَ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ شُمُولِ الْمِثَالِ وَالشَّكْلِ لِلْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخُصُّ الْمَوْجُودَ الْمَحْسُوسَ بَلْ تَشْمَلُ الْمَعْدُومَ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَلْفَاظَ أَيْسَرُ مِنْهَا وَكَانَ وَجْهُ تَرْكِ الْمُصَنِّفُ لَهَا أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْأَلْفَاظِ فَهِيَ مِنْ تَوَابِعِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّوْتَ كَيْفِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْهَوَاءِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحُكَمَاءِ وَفِي الطَّوَالِعِ أَنَّ الْحُرُوفَ كَيْفِيَّاتٌ عَارِضَةٌ لِلْأَصْوَاتِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الشِّفَاءِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْحُكَمَاءِ فَكَيْفَ جَعَلَهَا هُنَا كَيْفِيَّةً لِلنَّفْسِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَوْتٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَرْفَ عَارِضٌ لِلصَّوْتِ وَهُوَ لِلنَّفْسِ وَالْعَارِضُ لِلْعَارِضِ عَارِضٌ وَفِيهِ قِيَامُ الْعَارِضِ بِالْعَرَضِ وَالْحُكَمَاءُ

(وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي) خَرَجَ الْأَلْفَاظُ الْمُهْمَلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجَوِّزُونَهُ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْمَقُولَاتِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَلْفَاظُ إلَخْ) دَخَلَ فِيهَا الْأَلْفَاظُ الْمُقَدَّرَةُ كَالضَّمَائِرِ الْمُسْتَتِرَةِ وَخَرَجَتْ الدَّوَالُّ الْأَرْبَعُ ثُمَّ إنَّهُ جَمَعَ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى وِزَانِ الْجَمْعِ فِي الْمُعَرَّفِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ لِلْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِأَلْ يُفِيدُ الْعُمُومَ وَمَدْلُولُ الْعَامِّ كُلِّيَّةً لَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ دَالٌّ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ اللُّغَةِ فَسَاوَى قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ اللُّغَةُ كُلُّ لَفْظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى انْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ اللُّغَةَ تُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنًى بِخِلَافِ تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأُورِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ أَنَّ فِيهِ تَجْدِيدَ الْجَمْعِ وَالْحَدُّ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَاهِيَّةِ. وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهَا مُفْرَدٌ وَأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ الْحَدِّ عَنْ الْحُكْمِ بِأَيُّهَا أَفْيَدُ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ حَدٌّ لِلْمَاهِيَّةِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهَا فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ بَلْ هُوَ حَدٌّ لَفْظِيٌّ لِلْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ فِي قَوْلِك مَثَلًا الْمَوْضُوعَاتُ اللُّغَوِيَّةُ تَوْقِيفِيَّةٌ فَالسَّامِعُ عَرَّفَ الْمَوْضُوعَاتِ بِوَجْهٍ مَا وَيُعَرِّفُ الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَعَانِي وَلَكِنْ يَجْهَلُ التَّطْبِيقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا الْحَدُّ يُفِيدُهُ مَا كَانَ يَجْهَلُهُ. وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا بِوَجْهٍ مَا، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَيْضًا شُمُولَ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ الْمَجَازَ وَالْكِنَايَةَ وَالْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعُرْفِيَّةَ وَفِي صِدْقِ الْمَحْدُودِ عَلَيْهَا نَظَرٌ اهـ. وَأَقُولُ: مَبْنِيُّ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْضِعِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ الْمَوْضُوعَاتِ الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ فِي قَوْلِ اللَّفْظِ الدَّالِّ الدَّلَالَةُ بِالنَّفْسِ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَضْعِ مَا يَشْمَلُ الشَّخْصِيَّ وَالنَّوْعِيَّ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَشَمِلَ الْحَدُّ الْمُرَكَّبَ الْإِسْنَادِيَّ وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ إذْ لَوْ أُرِيدَ الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ لَمَا تَنَاوَلَهُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمُرَكَّبِ نَوْعِيٌّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الدَّلَالَةِ بِالنَّفْسِ أَوْ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ فَيَدْخُلُ الْمَجَازُ وَالْكِنَايَةُ وَكَيْفَ يَدْخُلَانِ فِي الْمَحْدُودِ وَهُمَا شَائِعَانِ فِي اللُّغَةِ وَأَمَّا الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ فَهِيَ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ فَتَدْخُلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْضًا، وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلَا خَفَاءَ فِي دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهِ دَالٌّ بِنَفْسِهِ، وَاحْتِيَاجُهُ لِلْقَرِينَةِ إنَّمَا هُوَ لِمُزَاحَمَةِ الْمَعَانِي فَتَأَمَّلْ فَهَذَا أَدَقُّ مِمَّا تَكَلَّفَهُ سم (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعَانِي) الْمُرَادُ بِهَا مَدْلُولَاتُ الْأَلْفَاظِ مَعَانِيَ كَانَتْ أَوْ أَلْفَاظًا فَلَا يُنَافِي تَقْسِيمَهُ بَعْدَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ إلَى مَعْنًى وَإِلَى لَفْظٍ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْأَلْفَاظُ الْمُهْمَلَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا عُنِيَ مِنْ اللَّفْظِ وَقُصِدَ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُهْمَلَاتُ وَهَذَا لَا يُنَافِي دَلَالَتَهَا عَلَى حَيَاةِ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ عَقْلِيَّةٌ وَقَوْلُ النَّاصِرِ: إنَّ فِي خُرُوجِهَا شَيْئًا لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَعْنًى كَحَيَاةِ اللَّافِظِ

وَشَمَلَ الْحَدُّ الْمُرَكَّبَ الْإِسْنَادِيَّ وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ عَلَى الْمُخْتَارِ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ (وَتُعْرَفُ بِالنَّقْلِ تَوَاتُرًا) نَحْوُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ لِمَعَانِيهَا الْمَعْرُوفَةِ (أَوْ آحَادًا) كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (وَبِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْ النَّقْلِ) نَحْوُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ عَامٌّ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَسْتَنْبِطُ ذَلِكَ مِمَّا نُقِلَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِهِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِأَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَكُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ كَمَا سَيَأْتِي لِلُّزُومِ تَنَاوُلُهُ لِلْمُسْتَثْنَى (لَا مُجَرَّدَ الْعَقْلِ) فَلَا تُعْرَفُ بِهِ إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ إمَّا مَعْنًى جُزْئِيٌّ أَوْ كُلِّيٌّ) الْأَوَّلُ مَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ كَمَدْلُولِ زَيْدٍ، وَالثَّانِي مَا لَا يَمْنَعُ كَمَدْلُولِ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQسَاقِطٌ بِمَا قُلْنَاهُ وَمَا قَالَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ: إنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُقْصَدُ مِنْ اللَّفْظِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَضْعِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ) أَيْ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ أَنَّ دَلَالَتَهُ وَضْعِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَتُعْرَفُ) أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي وَلَيْسَ الْمُرَاد تُعْرَفُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ بَلْ الْمُرَادُ تُعْرَفُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى الْمَعَانِي (قَوْلُهُ: تَوَاتُرًا) أَيْ نَقْلَ تَوَاتُرٍ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ثُمَّ إنَّ طُرُقَ الِاسْتِفَادَةِ مُطْلَقًا ثَلَاثَةٌ عَقْلٌ وَنَقْلٌ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِقْلَالُ الْعَقْلِ بِإِدْرَاكِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ انْحَصَرَ الطُّرُقُ فِي اثْنَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِالنَّقْلِ أَيْ مُجَرَّدًا أَوْ بِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ أَيْ بِوَاسِطَةِ النَّقْلِ، وَالْعَضُدُ لَمَّا أَرَادَ بِالنَّقْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ جَعَلَهَا قِسْمًا وَاحِدًا فَلَا يَعْتَرِضُ بِكَلَامِهِ عَلَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ كَمَا فَعَلَ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: نَحْوُ الْجَمْعِ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ نَتِيجَةُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ عَامٌّ وَقَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ إلَخْ مُقَدِّمَةٌ صُغْرَى نَقْلِيَّةٌ وَيَشْهَدُ بِنَقْلِهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ وَقَوْلُهُ أَيْ إخْرَاجُ تَفْسِيرٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يُضَمَّ إلَخْ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ، وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ إلَى مَا نُقِلَ وَقَوْلُهُ وَكُلَّمَا صَحَّ إلَخْ مُقَدِّمَةٌ كُبْرَى عَقْلِيَّةٌ وَالشَّارِحُ قَيَّدَ مَوْضُوعَهَا بِقَوْلِهِ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ لِيَخْرُجَ نَحْوُ قَوْلِنَا لَهُ عَلَى عَشْرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِعَامٍّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُضَمَّ) تَفْسِيرٌ لِلِاسْتِنْبَاطِ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ مَا صَحَّ إلَخْ مَفْعُولُ يُضَمُّ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ) خَرَجَ الْعَدَدُ كَمَا نَبَّهْنَاك عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ فِي الصُّغْرَى أَيْضًا لِيَتَكَرَّرَ الْحَدُّ الْوَسَطُ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ وَمِعْيَارِ الْعُمُومِ وَالِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ إلَخْ) أَرَادَ مَا يَشْمَلُ الْمَفْهُومَ وَالْمَاصَدَقَ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: إمَّا مَعْنًى جُزْئِيٌّ) قَدْ يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يُنَاسِبُ اخْتِيَارَ وَالِدِهِ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا اخْتِيَارُهُ هُوَ وَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ؛ لِأَنَّ الْخَارِجِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا جُزْئِيًّا فَلَا يَصِحُّ تَقْسِيمُهُ لِلْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ وَاخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلذِّهْنِيِّ، فَإِنَّهُ وَإِنَّ صَحَّ التَّقْسِيمُ لِلْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ لَا يُوصَفُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ بِكَوْنِهِ لَفْظًا فَلَا يَصِحُّ تَقْسِيمُ الْمَدْلُولِ إلَى الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُنَاسِبُ كُلًّا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّكِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْكَلَامُ هُنَا فِيمَا يَشْمَلُ الْمَعْرِفَةَ وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْهَا مَا وُضِعَ لِلْخَارِجِيِّ وَمِنْهَا مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ (قَوْلُهُ: جُزْئِيٌّ) نِسْبَةً لِلْجُزْءِ وَهُوَ الْكُلِّيُّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ كُلِّهِ وَالْكُلِّيُّ

مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ (أَوْ لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُسْتَعْمَلٌ كَالْكَلِمَةِ فَهِيَ قَوْلٌ مُفْرَدٌ) ، وَالْقَوْلُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ يَعْنِي كَمَدْلُولِ الْكَلِمَةِ بِمَعْنَى مَاصَدَقِهَا كَرَجُلٍ وَضَرَبَ وَهَلْ (أَوْ) لَفْظٌ مُفْرَدٌ (مُهْمَلٌ كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ) يَعْنِي كَمَدْلُولِ أَسْمَائِهَا نَحْوُ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَالسِّينِ أَسْمَاءٌ لِحُرُوفِ جَلَسَ مَثَلًا أَيْ جه لَهْ سَهْ (أَوْ) لَفْظٌ (مُرَكَّبٌ مُسْتَعْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْخَبَرِ) أَيْ مَاصَدَقُهُ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ أَوْ مُهْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ التَّصْرِيحُ بِقِسْمَيْ الْمُرَكَّبِ مَعَ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي وَضْعِ الْأَوَّلِ وَوُجُودِ الثَّانِي وَإِطْلَاقِ الْمَدْلُولِ عَلَى الْمَاصَدَقِ كَمَا هُنَا سَائِغٌ، وَالْأَصْلُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنِسْبَةً لِلْكُلِّ وَهُوَ الْجُزْئِيُّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ: مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ تَعْرِيفُ الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحَدَا، فَإِنَّهُ مَنَعَ تَصَوُّرَ مَعْنَاهُ الشَّرِكَةَ فَجُزْئِيٌّ وَإِلَّا فَكُلِّيٌّ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ تَعْرِيفُهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ لَفْظٌ) عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى (قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ) جَارِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَلِمُقَابَلَةِ الْمُهْمَلِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى مُفْرَدٍ اُسْتُعْمِلَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: يَعْنِي كَمَدْلُولِ الْكَلِمَةِ) قَدْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَدْلُولِ وَلَمَّا كَانَ مَدْلُولُهَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُفْرَدِ وَهُوَ كُلِّيٌّ فَهُوَ صُورَةٌ ذِهْنِيَّةٌ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا قَوْلٌ إذْ الْقَوْلُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ أُرْدِفَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى مَاصَدَقَهَا لِيَصِحَّ التَّمْثِيلُ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَاصَدَقَهَا) أَيْ الْأَفْرَادِ الَّتِي يَصْدُقُ لَفْظُ الْكَلِمَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَسْمَاءً كَانَ أَوْ فِعْلًا أَوْ حَرْفًا (قَوْلُهُ: الْهِجَاءِ) هُوَ تَقْطِيعُ الْكَلِمَةِ بِذِكْرِ أَسْمَاءِ حُرُوفِهَا (قَوْلُهُ: كَمَدْلُولِ أَسْمَائِهَا) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ مَاصَدَقَهُ قَالَهُ النَّاصِرُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَذَفَهَا اكْتِفَاءً بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ جه مَثَلًا مَنْطُوقًا لِزَيْدٍ غَيْرُهُ مَنْطُوقًا لِعَمْرٍو وَفِي جَلَسَ غَيْرُهُ فِي جَعْفَرٍ فَجَهْ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَسْمَاءٌ لِحُرُوفِ جَلَسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَدْلُولَ شَخْصِيٌّ وَفِيهِ مَا قَدْ عَلِمْت وَأَنَّ جه فِي جَلَسَ وَجَعْفَرٍ وَاحِدٌ شَخْصِيٌّ قَائِمٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِمَحَلَّيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ وَذَلِكَ مُحَالٌ بَدِيهَةً اهـ. فَمَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ الِاعْتِبَارِيِّ وَهُوَ تَدْقِيقٌ فَلْسَفِيٌّ لَا تَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ عِلْمًا (قَوْلُهُ: أَيْ جه) الْهَاءُ لِلسَّكْتِ وَالْحُرُوفُ جَ لَ سَ (قَوْلُهُ: أَوْ مُرَكَّبٌ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ مُفْرَدٌ الْوَاقِعُ صِفَةً لِلَّفْظِ فَيَنْقَسِمُ كَمَتْبُوعِهِ إلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمُهْمَلِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُقَابِلِ وَعَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَيْ مَاصَدَقَهُ) أَيْ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُهْمَلٍ) إنْ قِيلَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُرَكَّبِ الْمُهْمَلِ حَدُّ الْمُرَكَّبِ وَهُوَ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُهْمَلًا قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ هُنَا مَا فِيهِ كَلِمَتَانِ فَأَكْثَرُ (قَوْلُهُ: كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَمَدْلُولُهُ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ فَالْهَذَيَانُ مَخْصُوصٌ بِالْمُرَكَّبِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَمْ يَقُلْ مَاصَدَقَهُ لِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِي وُجُودِهِ خِلَافًا لَكِنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَا يَجُوزُ عَدَمُ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ إذْ التَّمْثِيلُ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْمَاصَدَقَ، وَأَمَّا وُجُودُهُ فَأَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: قَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ الْمَاصَدَقَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَحَذَفَهُ فِي بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ لِلِاعْتِمَادِ عَلَى فَطَانَةِ السَّامِعِ عَلَى تَقْدِيرِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذِكْرُهُ فِي كُلِّ مِثَالٍ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مُرَادٍ هُنَا بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ (قَوْلُهُ: وَوُجُودُ الثَّانِي) أَيْ الْمُرَكَّبِ الْمُهْمَلِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَاصَدَقَ) أَيْ مَعَ الْمَفْهُومِ أَيْضًا لَا الْمَاصَدَقَ وَحْدَهُ وَإِلَّا لَفَسَدَ التَّقْسِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ أَوْ لَفْظٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْسِيمَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّ أُرِيدَ بِهِ الْمَاصَدَقَ وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ كَمَدْلُولِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَفْهُومٌ لَا لِمَا صَدَقَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ لَا كُلِّيٌّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَدْلُولِ مَا يَعُمُّ الْمَاصَدَقَ وَالْمَفْهُومَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ عُمُومِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: سَائِغٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ لُغَةً، وَأَصْلُهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَاللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى مَاصَدَقَهُ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ) أَيْ الْحَقِيقَةُ

أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ (وَالْوَضْعُ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى) فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ لَهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَفِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَالشَّرْعِيِّ خِلَافَ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ إنَّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاصْطِلَاحِيَّةُ (قَوْلُهُ: أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ) وَتَسْمِيَتُهُ مَفْهُومًا بِاعْتِبَارِ فَهْمِ السَّامِعِ لَهُ مِنْ اللَّفْظِ وَمَعْنًى بِاعْتِبَارِ عِنَايَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ قَصْدِهِ إيَّاهُ مِنْ اللَّفْظِ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا مُخْتَلِفَانِ اعْتِبَارًا (قَوْلُهُ: وَالْوَضْعُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ فَأَلْ لِلْعَهْدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جَعْلِ اللَّفْظِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْوَضْعِ لَقَالَ جَعَلَ الشَّيْءَ ثُمَّ إنْ أُرِيدَ الْجَعْلُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إطْلَاقُهُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مُفِيدًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى لَا تَتَقَيَّدُ إفَادَتُهُ لَهُ بِاشْتِرَاطِ وُجُودِ قَرِينَةٍ وَيُسَمَّى وَضْعًا شَخْصِيًّا كَزَيْدٍ عَلَمًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ بَعْضُ أَقْسَامِ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ أَيْضًا وَهُوَ الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ قَاعِدَةٍ لَهُ كُلِّيَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الدَّلَالَةِ الْقَرِينَةُ كَدَلَالَةِ الْمُثَنَّى عَلَى اثْنَيْنِ كَانَ الْمَجَازُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَإِنَّ أُرِيدَ الْجَعْلُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إطْلَاقُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُفِيدًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَهُوَ وَقْتُ اقْتِرَانِ الْقَرِينَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى انْضِمَامُ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ كَانَ الْمَجَازُ مَوْضُوعًا فَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعًا أَوْ لَا لَفْظِيٌّ مَنْشَؤُهُ الِاخْتِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْوَضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ (قَوْلُهُ: فَيَفْهَمُهُ) لَا يَصِحُّ نَصْبُهُ بِأَنَّ مُضْمَرَةٍ عَطْفًا عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ جَعْلُ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ جَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْفَهْمَ قَيْدٌ فِي تَعْرِيفِ الْوَضْعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ مَرْفُوعٌ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَضْعَ كَافٍ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فِي الْفَهْمِ فَهَذَا الْحَدُّ مُسَاوٍ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ تَعْيِينُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي صِدْقِ شَيْءٍ مِنْهُمَا عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ لَا أَحَدُهُمَا فَمَا رَامَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ انْدِرَاجِ وَضْعِ الْمَجَازِ بِأَقْسَامِهِ فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ فَيَفْهَمُهُ إلَخْ وَالصَّوَابُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَنَّ الْمَجَازَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ أَلْبَتَّةَ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْوَضْعِ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّاصِرُ. وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْوَضْعِ وَأَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ السَّيِّدِ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ مُعَارَضٌ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَأَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الدَّالَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ الدَّالُّ هُوَ اللَّفْظُ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ وَأَنَّ تَفْسِيرَ الْوَضْعِ بِتَعْيِينِ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ أَحَدُ تَفْسِيرَيْنِ لَهُ. وَقَدْ بَسَطَ الْمُحَقِّقُ الْعِصَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى ذَلِكَ الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ) أَيْ فَهُوَ فَهْمُ تَذْكِيرٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْوَضْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَضْعَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِ الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ) الْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الْوَضْعَ سِتَّةُ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمَجَازِ وَكُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ جَعْلَ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْجَعْلَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ وَيَصْدُقُ بِكَوْنِ الْجَاعِلِ وَاضِعَ اللُّغَةِ أَوْ الشَّارِعِ أَوْ أَهْلِ الْعُرْفِ بِقِسْمَيْهِ بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي مِنْ ذِكْرِ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مَعَ انْقِسَامِهِ) عَبَّرَ هُنَا بِالِانْقِسَامِ وَفِي الْحَقِيقَةِ بِالتَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ الْحَقِيقَةَ فَقَطْ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ انْقِسَامُ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا وَالِانْقِسَامُ أَثَرُ التَّقْسِيمِ (قَوْلُهُ: إلَى مِثْلِ إلَخْ) زَادَ لَفْظَ " مِثْلِ "؛ لِأَنَّ أَقْسَامَ الْمَجَازِ غَيْرُ أَقْسَامِ الْحَقِيقَةِ فَالْمَاصَدَقَ مُخْتَلِفٌ (قَوْلُهُ: يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَجَازِ أَوْ فِي الْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَصْرِ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ (قَوْلُهُ: خِلَافُ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ) أَيْ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْوَضْعَ الْعُرْفِيَّ أَوْ الشَّرْعِيَّ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَحَاصِلُ رَدِّهِ أَنَّ الْوَضْعَ جَعْلُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى

فِي الْحَقِيقَةِ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى بِحَيْثُ يَصِيرُ فِيهِ أَشْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ نَعَمْ يُعْرَفَانِ فِيهَا بِالْكَثْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ بِالنَّقْلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَوِيِّ (وَلَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى) فِي وَضْعِهِ لَهُ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ لِلضِّدَّيْنِ كَالْجَوْنِ لِلْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ لَا يُنَاسِبُهُمَا خِلَافًا (لِعَبَّادٍ) الصَّيْمَرِيِّ (حَيْثُ أَثْبَتَهَا) بَيْنَ كُلِّ لَفْظٍ وَمَعْنَاهُ. قَالَ وَإِلَّا فَلِمَ اخْتَصَّ بِهِ (فَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْوَضْعِ) عَلَى وَفْقِهَا فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَقِيلَ بَلْ) بِمَعْنَى أَنَّهَا (كَافِيَةٌ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَضْعِ يُدْرِكُ ذَلِكَ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا فِي الْقَافَةِ وَيَعْرِفُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ قَالَ الْقَرَافِيُّ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَقِيلَ لَهُ مَا مُسَمَّى آذغاغ وَهُوَ مِنْ لُغَةِ الْبَرْبَرِ فَقَالَ أَجِدُ فِيهِ يُبْسًا شَدِيدًا وَأَرَاهُ اسْمَ الْحَجَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ) الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى ذِهْنِيٍّ خَارِجِيٍّ أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاسْتِعْمَالُ عَلَامَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَمَارَةُ تَعْرِيفٍ بِهَا إذْ الْمُرَادُ بِالْجَعْلِ عِنْدَهُمْ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعُرْفِ اعْلَمُوا أَنَّ كَذَا اسْمٌ لِكَذَا أَوْ أَنَا عَيْنَا كَذَا لِكَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ قَوْلِ الشَّارِعِ كَذَلِكَ بَلْ تَحْصُلُ مَعْرِفَةُ التَّعْيِينِ بِتَكَرُّرِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ وَتَكَرُّرِ وُرُودِ اللَّفْظِ فِي الشَّرْعِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَفَهِمَ الرَّسُولُ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُ وَفَهِمَ الْأُمَّةُ ذَلِكَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ قِسْمَيْ الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْ وَلَيْسَ هُنَاكَ تَعْيِينٌ وَهَذَا أَدَقُّ وَأَظْهَرُ فِي مُرَادِ الْقَرَافِيِّ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَصِيرُ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ وَالْأَوْلَى بِحَيْثُ يَصِيرُ فِيهِ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ أَيْ بِحَيْثُ يَصِيرُ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَشْهَرُ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفَادَةِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُعْرَفَانِ) اسْتِدْرَاكٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْكَثْرَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا وَيُعْرَفَانِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ لَا التَّعْرِيفِ وَضَمِيرُ فِيهَا يَعُودُ عَلَى الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ) أَيْ عَلَى الْعُرْفِيِّ الْعَامِّ وَالْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ يَشْمَلُ الشَّرْعِيَّ وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ (قَوْلُهُ: بِالنَّقْلِ) أَيْ الْإِخْبَارِ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ كَأَنْ يَنْقُلَ عَنْ النُّحَاةِ مَثَلًا أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الِاسْمُ الْمَرْفُوعُ إلَخْ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ لِكُلِّ أَحَدٍ كَالدَّابَّةِ لِذَاتِ الْأَرْبَعِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَعْنًى إلَى مَعْنًى، فَإِنَّهُ لَا يَخُصُّ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ إذْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْعَامِّ أَيْضًا، فَإِنَّ الدَّابَّةَ لُغَةٌ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نُقِلَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ لِذَاتِ الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) أَيْ النَّقْلُ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ الْأَصْلُ فِي اللُّغَوِيِّ، وَأَمَّا الِاسْتِنْبَاطُ فَخِلَافُ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لِعِبَادٍ) هُوَ أَبُو سَهْلِ ابْنُ سُلَيْمَانَ الصَّيْمَرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا نِسْبَةً إلَى صَيْمَرَ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَرْيَةٍ آخِرِ عِرَاقِ الْعَجَمِ وَأَوَّلِ عِرَاقِ الْعَرَبِ وَهُوَ مِنْ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ أَثْبَتَهَا) الْمُطَابِقُ لِلْمُخَالَفَةِ فِي عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَنْ يَقُولَ: حَيْثُ اشْتَرَطَهَا لَكِنَّ نِسْبَةَ اشْتِرَاطِهِمَا إلَيْهِ تَسْتَلْزِمُ قَوْلَهُ بِالِافْتِقَارِ إلَى الْوَضْعِ، وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فَنِسْبَةُ الْإِثْبَاتِ إلَيْهِ أَوْلَى لِصِدْقِهَا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ شُمُولُ الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ بَعْدَ أَنْ نَسَبَ لِعَبَّادٍ أَنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ الْمَعْنَى لِذَاتِهِ مَا نَصُّهُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ أَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ لَوْ كَانَتْ ذَاتِيَّةً لَمَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي وَالْأُمَمِ وَلَاهْتَدَى كُلُّ إنْسَانٍ إلَى كُلِّ لُغَةٍ، وَبُطْلَانُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْمَلْزُومِ (قَوْلُهُ: فَلِمَ اخْتَصَّ) أَيْ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ وَإِلَّا لَزِمَ التَّخْصِيصُ بِدُونِ مُخَصِّصٍ وَالْمُخَصِّصُ هُنَا الْمُنَاسَبَةُ وَفِيهِ أَنَّ الْمُخَصِّصَ إرَادَةُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَلَوْ عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ غَيْرُ اللَّهِ إذْ الْمُخَصِّصُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ) وَهُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الْآمِدِيِّ عَنْ عَبَّادٍ وَمُقَابِلُهُ مُقْتَضَى نَقْلِ الْإِمَامِ عَنْهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى شَنَاعَةُ هَذَا التَّعْبِيرِ عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَضْعِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ) وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْوَضْعَ مَوْجُودٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَاجَةِ لَهُ عَدَمُ وُجُودِهِ (قَوْلُهُ: وَيَعْرِفُهُ غَيْرُهُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إذَا كَانَ قَاصِرًا عَلَى مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ ضَاعَتْ ثَمَرَةُ الْوَضْعِ (قَوْلُهُ: وَأَرَاهُ) أَيْ أَظُنُّهُ الْحَجْرَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ يُبْسٌ كَذَلِكَ (مَعْنًى ذِهْنِيٍّ خَارِجِيٍّ) أَوْرَدَهُمَا لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَعْنَى

لَهُ وُجُودٌ فِي الذِّهْنِ بِالْإِدْرَاكِ وَوُجُودٌ فِي الْخَارِجِ بِالتَّحَقُّقِ كَالْإِنْسَانِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ كَبَحْرِ زِئْبَقٍ (مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ لَا الذِّهْنِيِّ خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْضُوعَ لَهُ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ هَلْ الْوَضْعُ لَهُ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ أَوْ لَا مِنْ حَيْثُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: لَهُ وُجُودٌ فِي الذِّهْنِ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ، وَقَدْ نَفَاهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَأَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُوَافِقِ لِلْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ النَّافِيَ لَهُ جُمْهُورُهُمْ أَوْ الْمُرَادَ وُجُودٌ لَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قَالَ بِهِ الْحُكَمَاءُ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: وَوُجُودٌ فِي الْخَارِجِ بِالتَّحَقُّقِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ التَّحَقُّقُ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا مَا رَادَفَ الْأَعْيَانَ، فَإِنَّ لَفْظَ نِسْبَةِ اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٌ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي بَلْ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَالثُّبُوتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شَامِلٌ لَهُ وَالْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ هُنَا وَأَوْفَقُ بِمَسَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ. وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ وُجُودِ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ الَّتِي حَارَتْ فِيهَا أَذْهَانُ الْأَذْكِيَاءِ كَمَا فَعَلَ الْحَوَاشِي هُنَا فَمُوجِبٌ لِصُعُوبَةِ الْمَرَامِ وَتَشْتِيتِ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ: كَالْإِنْسَانِ) الْأَوْلَى كَإِنْسَانٍ بِالتَّنْكِيرِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْآتِيَ فِي النَّكِرَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ وَمَدْخُولَهَا فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ قَالَ النَّاصِرُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُلِّيَّ يَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِهِ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرِيٌّ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَإِلَّا لَكَانَ جُزْئِيًّا لِعَدَمِ قَبُولِ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ لِلِاشْتِرَاكِ نَعَمْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ جُزْئِيَّاتٌ مُطَابِقَةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ) أَيْ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنًى مَعْدُومٍ أَيْ فَلَا تَتَأَتَّى فِيهِ الْأَقْوَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْإِمَامِ) قَالَ النَّاصِرُ الْحَقُّ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي النَّكِرَةِ أَيْ مَا لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ وَهُوَ إمَّا اسْمُ جِنْسٍ وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَإِمَّا نَكِرَةٌ وَهُوَ الْمَوْضُوعُ لِلْفَرْدِ الْمُنْتَشِرِ وَكِلَاهُمَا كُلِّيٌّ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ فَهُمَا مَوْضُوعَانِ لِلذِّهْنِيِّ، وَإِنْ صَحَّ إطْلَاقُهُمَا حَقِيقَةً عَلَى الْفَرْدِ الْمَوْجُودِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ عَلَى مَا يُطَابِقُهُ فَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا

فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي قَالَ لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا جِسْمًا مِنْ بَعِيدٍ وَظَنَنَّاهُ صَخْرَةً سَمَّيْنَاهُ بِهَذَا الِاسْمِ، فَإِذَا دَنَوْنَا مِنْهُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَكِنْ ظَنَنَّاهُ طَيْرًا سَمَّيْنَاهُ بِهِ. فَإِذَا ازْدَادَ الْقُرْبُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنْسَانٌ سَمَّيْنَاهُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الِاسْمُ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ لَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ لِظَنِّ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِهِ فِي الذِّهْنِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِجِ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ تَابِعٌ لِإِدْرَاكِ الذِّهْنِ لَهُ حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ. (وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَوْضُوعٌ (لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى فِي ذِهْنٍ كَانَ أَوْ خَارِجٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُخَالِفُ مَا يَأْتِي لَهُ فِيهِمَا وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ اشْتِرَاكُ اللَّفْظِ بَيْنَ الْجُزْئِيَّاتِ الْخَارِجِيَّةِ أَوْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهَا مَجَازًا فِي بَاقِيهَا وَلَا قَائِلَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّ هَذَا الْمَبْحَثَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الْأَفْرَادُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ مَعَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْكَلَامِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَفْرَادِ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: إنَّ اسْتِعْمَالَ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِيهِ حَقِيقَةٌ اهـ. وَاَلَّذِي قَالَهُ شَارِحُ الْمِنْهَاجِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ بِأَسْرِهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ مِمَّا لَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ الْفُضَلَاءِ غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَذَهَبَ الشَّيْخُ ابْنُ سِينَا وَالْفَارَابِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْقُطْبِ الرَّازِيّ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ذِهْنِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْلُومُ بِالذَّاتِ لَا الْأَمْرُ الْعَيْنِيُّ بِمَا هُوَ عَيْنِيٌّ وَذَهَبَ النُّصَيْرُ الطُّوسِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ وَالتَّفْتَازَانِي وَالدَّوَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِإِزَاءِ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْمُلْتَفَتُ إلَيْهَا بِالذَّاتِ وَهُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ، فَإِنَّهَا مِرْآةٌ لِمُشَاهَدَتِهَا وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لِمَا أَنَّ مَنَاطَ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا فِي التَّمَدُّنِ إنَّمَا هُوَ الْمَعَانِي مُطْلَقًا لَا الْخُصُوصِيَّاتُ الذِّهْنِيَّةُ أَوْ الْخَارِجِيَّةُ، فَإِنَّهَا مُلْغَاةٌ وَالْحَقُّ هُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَيْنِيًّا كَانَ أَوْ ذِهْنِيًّا وَقَوَّاهُ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ وَقَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ مَصْرُوفٌ عَنْ الظَّاهِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الشَّيْءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ فِي الذِّهْنِ اهـ. فَهَذَا رُجُوعٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ وَتَمَامُ هَذَا كَلَامٌ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْخَبِيصِيِّ (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي) ؛ لِأَنَّهَا التَّعْرِيفُ مَا فِي الضَّمِيرِ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِيهِ فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً لَهُ (قَوْلُهُ: سَمَّيْنَاهُ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَافٌ بِمَا قَالَهُ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى هُوَ الْمَرْئِيُّ الْمَظْنُونُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يُسَمَّى فِي الْخَارِجِ بِهَذَا الِاسْمِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِج وَالذِّهْنُ طَرِيقٌ لِلْخَارِجِ، وَالْوَضْعُ لَهُ كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ آخِرُ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ: لِظَنٍّ) خَبَرُ أَنَّ قَوْلُهُ لِاخْتِلَافٍ نَعْتٌ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافَ الِاسْمِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ أَيْ أُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ التَّابِعِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ تَابِعًا لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ سَبَبُهُ ظَنُّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْخَارِجِ كَمَا فِي الذِّهْنِ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ كَالْمَعْنَى الَّذِي فِي الذِّهْنِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَرِدُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ لِظَنِّ مَا ذَكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ (قَوْلُهُ: حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ) هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلتَّعْبِيرِ أَوْ نَعْتٌ لِتَابِعٍ أَيْ التَّعْبِيرُ قَدْرُ مَا أَدْرَكَهُ أَوْ تَابِعٌ قَدْرَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ) فَعَلَى هَذَا مُفَادُ الْكَلَامِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْخَارِجِ أَوْ الذِّهْنِ (قَوْلُهُ: حَقِيقِيٌّ) عَلَى هَذَا يُقَالُ: إنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ، فَإِنَّهُ مَجَازٌ، وَفِيهِ أَنَّ الذِّهْنِيَّ وَالْخَارِجِيَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ وَاسْتُعْمِلَ فِي الذِّهْنِيِّ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى الِاعْتِبَارِ فَالِاخْتِلَافُ الِاعْتِبَارِيُّ فِيهَا مُضِرٌّ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ خَارِجِيًّا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ

وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ أَيْ فِي النَّكِرَةِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْهُ مَا وُضِعَ لِلْخَارِجِيِّ وَمِنْهُ مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ بَلْ) اللَّفْظُ (لِكُلِّ مَعْنًى مُحْتَاجٍ أَوْ اللَّفْظُ) فَإِنَّ أَنْوَاعَ الرَّوَائِحِ مَعَ كَثْرَتِهَا جِدًّا لَيْسَ لَهَا أَلْفَاظٌ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّقْيِيدِ كَرَائِحَةِ كَذَا فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةً إلَى الْأَلْفَاظِ وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْآلَامِ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ (وَالْمُحْكَمُ) مِنْ (الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُهُ ذِهْنِيًّا (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي النَّكِرَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْمِ الْجِنْسِ خُصُوصَ مَا وُضِعَ لِلْمَاهِيَّةِ بَلْ يَشْمَلُ مَا وُضِعَ لِلْفَرْدِ الْمُنْتَشِرِ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَذُكِرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَفْظٌ (قَوْلُهُ: لِلْخَارِجِيِّ) كَعَلَمِ الشَّخْصِ (قَوْلُهُ: مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ) كَاسْمِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) مِنْ أَنَّ عِلْمَ الشَّخْصِ مَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ فِي الْخَارِجِ، وَعِلْمُ الْجِنْسِ مَا وُضِعَ لِمُعَيِّنٍ فِي الذِّهْنِيِّ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ) مُحْتَمِلٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ وَبِهِمَا قِيلَ. وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ لَا يَجِبُ بَلْ لَا يَجُوزُ قَالَ النَّاصِرُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى هُوَ الْخَارِجِيُّ، وَإِنَّ أُرِيدَ بِهِ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ مِنْ حَيْثُ وُضِعَ بِإِزَائِهَا لَفْظٌ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظًا اهـ. وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ قَائِلٌ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ: فَلَا إشْكَالَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ بِالْمَعَانِي فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ ذِهْنِيَّةٍ لَهَا لَفْظٌ خَاصٌّ بِهَا وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ عَنْ التَّبْرِيزِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ اللَّفْظَ الدَّالَّ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ أَمْ لَا مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ الْفَصِيحَ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّعْبِيرِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا يَدُلُّ بِالْمُطَابَقَةِ مُفْرَدًا فَاسْتِيعَابُ الْوَضْعِ لِجَمِيعِ الْمَعَانِي غَيْرُ مَعْلُومٍ بِدَلِيلِ الْحَالِ وَالرَّوَائِحِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ أَنْوَاعَ الرَّوَائِحِ) لِلرَّوَائِحِ جِنْسٌ عَالٍ وَهُوَ مَقُولَةُ الْكَيْفِ وَتَحْتَهُ رَائِحَةٌ وَهَذَا الْجِنْسُ تَحْتَهُ جِنْسَانِ أَيْضًا عَطِرَةٌ وَمُنْتِنَةٌ وَتَحْتَ هَذَيْنِ أَنْوَاعٌ هِيَ رَائِحَةُ مِسْكٍ وَرَائِحَةُ عَنْبَرٍ وَرَائِحَةُ جِيفَةٍ وَرَائِحَةُ عَذِرَةٍ إلَخْ فَاكْتَفَوْا فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بِالْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ مَعَ أَنَّ أَجْنَاسَهَا دَلَّ عَلَيْهَا بِأَلْفَاظٍ مُفْرَدَةٍ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا إلَخْ) أَيْ فَلَا يُمْكِنُ الْوَضْعُ لَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ الْبَشَرُ إمَّا عَلَى أَنَّهُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِنَّ الْوَضْعَ لِمَصْلَحَةِ تَخَاطُبِ الْبَشَرِ وَلَا يُخَاطَبُونَ بِمَا لَا يَعْقِلُونَهُ فَلَا وَضْعَ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ زَائِدٌ عَلَى مَا يَخُصُّنَا، فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ إنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ لِلَّفْظِ لَا وَضْعَ وَعَدَمُ الِانْضِبَاطِ قَدْرٌ زَائِدٌ وَاَلَّذِي يُنْتِجُهُ تَعَسُّرُ الْوَضْعِ أَوْ تَعَذُّرُهُ لَا عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ فَلَا يُنْتِجُ. قَوْلُهُ: فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةً فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهَا) أَيْ دَلَالَةَ كِفَايَةٍ فِي الْغَرَضِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي الْمَوْضُوعِ لَهَا الْأَلْفَاظُ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّقْيِيدِيِّ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهَا أَلْفَاظٌ) أَيْ خَاصَّةً مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ (قَوْلُهُ: أَنْوَاعُ الْآلَامِ) أَيْ مُعْظَمُهَا وَإِلَّا فَلِبَعْضِهَا أَسْمَاءٌ خَاصَّةٌ كَالصُّدَاعِ وَالرَّمَدِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً لِلْأَلَمِ فَالرَّمَدُ مَثَلًا مَوْضُوعٌ لِهَيَجَانِ الْعَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَنْشَأْ

مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ (وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ) أَيْ اخْتَصَّ (بِعَمَلِهِ) فَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا مَعْنَاهُ. (وَقَدْ يُطْلِعُ) أَيْ اللَّهُ (عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ الْمُشْكِلَةِ عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ بِتَفْوِيضِ مَعْنَاهَا إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي مَعَ قَوْلِ الْخَلَفِ بِتَأْوِيلِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ (، وَاللَّفْظُ الشَّائِعُ) بَيْنَ الْخَوَاصِّ، وَالْعَوَامِّ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ) ؛ لِامْتِنَاعِ تَخَاطُبِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَوَامّ بِمَا هُوَ خَفِيٌّ عَلَيْهِمْ لَا يُدْرِكُونَهُ (كَمَا يَقُولُ) مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (مُثْبِتُو الْحَالِ) ، أَيْ: الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ (الْحَرَكَةُ مَعْنًى تُوجِبُ تَحَرُّكَ الذَّاتِ) ، أَيْ: الْجِسْمِ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى خَفِيُّ التَّعَقُّلِ عَلَى الْعَوَامّ فَلَا يَكُونُ مَعْنَى الْحَرَكَةِ الشَّائِعَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَالْمَعْنَى الظَّاهِرُ لَهُ تَحَرُّكُ الذَّاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ أَلَمُ الرَّمَدِ كَمَا يُقَالُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ) خَرَجَ الْمُجْمَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمُتَشَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالْقَرَائِنِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّاهِرِ مَا يَشْمَلُ الظَّاهِرَ بِالْقَرَائِنِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُجْمَلُ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ فَهُوَ مِنْ الْمُحْكَمِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ) قِيلَ مِنْ تَبْعِيضِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ بَعْضَ الْمُتَشَابِهِ بِهِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَبَعْضٌ أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ إلَخْ وَقَوْلِهِ. وَقَدْ يَطَّلِعُ، وَكَذَا قِيلَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمُتَشَابِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ، وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ لِلَّفْظِ فَلَا تَنَاقُضَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِيثَارِ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لِلْبَشَرِ لِلْعِلْمِ بِهِ طَرِيقًا عَادِيًّا فَلَا يُمْكِنُ كَسْبُهُ وَلَوْ قِيلَ الْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ أَوْ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْضُ أَصْفِيَائِهِ لَكَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ فِي الْآيَةِ عَلَى إلَّا اللَّهَ، وَالثَّانِي عَلَى الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ. وَقَدْ ذَهَبَ لِكُلٍّ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ إنَّهُ كَمَا يُطْلَقَانِ عَلَى مَا ذَكَرَ بِالِاصْطِلَاحِ الْمَذْكُورِ يُطْلَقُ الْمُحْكَمُ عَلَى مَا أُحْكِمَ أَيْ أُتْقِنَ فَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ خَلَلٌ وَالْقُرْآنُ بِهَذَا الْمَعْنَى كُلُّهُ مُحْكَمٌ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1] أَيْ نُظِمَتْ نَظْمًا مُحْكَمًا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ اخْتِلَالٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَيُطْلَقُ لِلْمُتَشَابِهَةِ وَيُرَادُ بِهِ مَا تَمَاثَلَتْ أَبْعَاضُهُ فِي الْأَوْصَافِ، وَالْقُرْآنُ بِهَذَا الْمَعْنَى كُلُّهُ مُتَشَابِهٌ قَالَ تَعَالَى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23] أَيْ مُتَمَاثِلَ الْأَبْعَاضِ فِي الْإِعْجَازِ وَصِحَّةِ الْمَعْنَى وَالدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا مَعْنَاهُ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ لِلْمُتَشَابِهِ بِمَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ تَعْرِيفٌ بِمَلْزُومِ ذَلِكَ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ تَعْرِيفِهِ بِمَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ الْمُنَاسِبُ لِتَعْرِيفِ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمُحْكَمُ بِمَا ذَكَرَهُ لِيُشِيرَ إلَى مَأْخَذِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَمَالِ التَّأْدِيبِ بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْخَلَفِ غَيْرُ مُتَشَابِهٍ مَعَ أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ، فَإِنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ التَّأْوِيلِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْمُرَادُ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ حَصَلَ فِي بَعْضٍ اتِّضَاحٌ قُلْنَا كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ، فَإِنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ وَجْهٌ مَثَلًا لَا كَوُجُوهِ الْحَوَادِثِ (قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَأْتِي وَقَوْلُهُ بِتَأْوِيلِهَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلٍ وَقَوْلُهُ فِي أُصُولِ إلَخْ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ يَأْتِي (قَوْلُهُ:، وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ إلَخْ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الِاصْطِلَاحَ طَارِئٌ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَإِنَّ الْمُحْكَمَ لُغَةً الْمُتْقَنُ وَالْمُتَشَابِهُ مَا تَمَاثَلَتْ أَبْعَاضُهُ قَوْلُهُ: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] أَيْ مُعْظَمُهُ (قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَفْعُولٍ أَيْ خَفِيٍّ عَلَى كُلِّ النَّاسِ إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ تَخَاطُبِ غَيْرِهِمْ) يَعْنِي: أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْخِطَابِ الْإِفْهَامُ فَيَسْتَحِيلُ عَادَةُ التَّخَاطُبِ مَعَ عَدَمِ الْإِفْهَامِ بِخِلَافِ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ: الْإِفْهَامُ، فَيَجُوزُ خِطَابُهُ إيَّاهُمْ بِمَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَهُ: النَّاصِرُ. وَأَقُولُ: أَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يُخَاطِبَ الْعَامِّيُّ عَامِّيًّا بِمَا لَا يَعْرِفَانِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ قَالَ لِي فُلَانٌ قُلْ لِفُلَانٍ أَحْضِرْ الأذغاغ مَثَلًا، ثُمَّ مِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ دَقِيقَةٍ لَا يُدْرِكُ مَعْنَاهَا الْعَوَامُّ، وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهَا صِفَةُ مَدْحٍ فِي

[مسألة قال ابن فورك والجمهور اللغات توقيفية]

(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) : أَيْ: وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَعَبَّرُوا عَنْ وَضْعِهِ بِالتَّوْقِيفِ لِإِدْرَاكِهِ بِهِ (عَلَّمَهَا اللَّهُ) عِبَادَهُ (بِالْوَحْيِ) إلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ (أَوْ خَلْقِ الْأَصْوَاتِ) فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ بِأَنْ تَدُلَّ مَنْ يَسْمَعُهَا مِنْ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَيْهَا (أَوْ) خَلِقِ (الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ) فِي بَعْضِ الْعِبَادِ بِهَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ أَوَّلُهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي تَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى (وَعُزِيَ) ، أَيْ: الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ (إلَى الْأَشْعَرِيِّ) ، وَمُحَقِّقُو كَلَامِهِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَصْلًا وَاَسْتُدِلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] ، أَيْ: الْأَلْفَاظَ الشَّامِلَةَ لِلْأَسْمَاءِ، وَالْأَفْعَالِ، وَالْحُرُوفِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا اسْمٌ أَيْ عَلَامَةٌ عَلَى مُسَمَّاهُ وَتَخْصِيصُ الِاسْمِ بِبَعْضِهَا عُرْفٌ طَرَأَ وَتَعْلِيمُهُ تَعَالَى دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْقَيُّومِ فَإِنَّهُمْ يَتَخَاطَبُونَ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْعِبَادِ وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ إلَخْ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ] (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ) مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ، وَالْعُجْمَةِ وَفَتْحُ فَائِهِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَأَفْرَدَهُ؛ لِاشْتِهَارِهِ بِالْمَسْأَلَةِ، وَإِلَّا، فَهُوَ مِنْ الْجُمْهُورِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: تَوْقِيفِيَّةٌ) ، أَيْ: تَعْلِيمِيَّةٌ، أَيْ: عَلَّمَهَا اللَّهُ لَنَا هَذَا مَعْنَى التَّوْقِيفِ وَالشَّارِحُ فَسَّرَهُ بِالْوَضْعِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَجَازٌ بِقَوْلِهِ فَعَبَّرُوا وَأَشَارَ إلَى عَلَاقَةِ ذَلِكَ الْمَجَازِ بِقَوْلِهِ: لِإِدْرَاكِهِ بِهِ، فَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ سَبَبٌ فِي إدْرَاكِ الْوَضْعِ وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا اشْتَهَرَ هَلْ الْوَاضِعُ لِلُّغَاتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ الْبَشَرُ قِيلَ وَلَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ حُكْمٌ وَأَنَّ ذِكْرَهَا فِي الْأُصُولِ فُضُولٌ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا طَوِيلُ الذَّيْلِ قَلِيلُ النَّيْلِ وَقِيلَ إنَّ لِلْخِلَافِ ثَمَرَةٌ فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّوْقِيفِ جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُقَارِنًا لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَمَنْ قَالَ بِالِاصْطِلَاحِ أَخَّرَ التَّكْلِيفَ عَنْ الْعَقْلِ مِنْ الِاصْطِلَاحِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ اهـ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِأَوَّلِ طَبَقَةٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْفَهْمِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ، فَهْمُ الْخِطَابِ، وَإِنَّمَا يُكَلَّفُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ، وَالْفَهْمِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفَهْمُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ مُدَّةَ التَّعْلِيمِ وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْجَهْلُ إلَّا الْإِثْمَ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ أَمْ لَا وَقِيلَ إنَّ ثَمَرَتَهُ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ تَغْيِيرِ اللُّغَةِ وَعَدَمِهِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْعِيَّاتِ فَعَلَى التَّوْقِيفِ لَا يَجُوزُ وَعَلَى الِاصْطِلَاحِ يَجُوزُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي مَوْضُوعَاتِهَا؛ وَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ نَعَمْ تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ إنْ أَدَّى إلَى تَخْلِيطٍ فِي الشَّرَائِعِ. (قَوْلُهُ: لِإِدْرَاكِهِ بِهِ) ، أَيْ: إدْرَاكِ الْوَضْعِ بِالتَّوْقِيفِ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِظَاهِرِ الْحَالِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنَّ التَّوْقِيفَ لِمَا وَضَعَهُ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: إلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ) الظَّاهِرُ مِنْ السِّيَاقِ الْآتِي أَنَّهُ آدَم وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ تَكَرُّرِ النُّزُولِ بِأَنْ يُعَلِّمَ اللَّهُ آدَمَ شَيْئًا، ثُمَّ يُعَلِّمَ الْآخَرَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِتَوْقِيفٍ لِيَكُونَ تَجْدِيدًا لَا تَأْسِيسًا، أَوْ يَكُونَ الْمُوحَى إلَى النَّبِيِّ الثَّانِي لُغَاتٍ أُخَرَ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَدُلَّ) بِالْفَوْقِيَّةِ أَيْ الْأَصْوَاتُ، أَوْ بِالتَّحْتِيَّةِ، أَيْ: اللَّهُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَادِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنْ بَيَانٌ لِمَنْ يَسْمَعُهَا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بَعْضِ. (قَوْلُهُ: عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى اللُّغَاتِ، أَوْ عَلَى مَعَانِيهَا، فَالْأَصْوَاتُ الْمَخْلُوقَةُ عَلَى الْأَوَّلِ هِيَ قَوْلُ لَفْظُ كَذَا لِكَذَا فَيَكُونُ غَيْرَ اللُّغَاتِ؛ إذْ هِيَ مُعَرَّفَةٌ لَهَا وَعَلَى الثَّانِي هِيَ نَفْسُ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي وَعَلَى كُلٍّ لَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ يُفْهَمُ بِهِ الْمَعْنَى؛ إذْ مُجَرَّدُ خَلْقِ الْأَصْوَاتِ لَا يَدُلُّ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَ السَّعْدُ الْخَلْقَ، وَالْإِلْهَامَ طَرِيقًا وَاحِدًا (وَقَوْلُهُ، أَيْ: الْقَوْلُ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّ ضَمِيرَهُ عَائِدٌ إلَى الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ (قَوْلُهُ:، وَمُحَقِّقُو إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ الضَّعْفِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعُزِيَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَذْكُرُوهُ) ، أَيْ: الْأَشْعَرِيَّ (قَوْلُهُ: وَتَخْصِيصُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الدَّلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْمَاءِ مَا قَابَلَ الْأَفْعَالَ، وَالْحُرُوفَ. (قَوْلُهُ: عُرْفٌ طَرَأَ) ، أَيْ: فَلَا يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْمَاءِ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ، فَالدَّلِيلُ تَامٌّ أَيْضًا؛ إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ؛ وَلِأَنَّ التَّكَلُّمَ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيمِ الْأَسْمَاءِ دُونَهُمَا مُتَعَذِّرًا، وَمُتَعَسِّرًا. (قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ. (قَوْلُهُ: دَالٌّ) ، أَيْ: دَلَالَةً ظَنِّيَّةً لَا قَطْعِيَّةً؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِعَلِمَ أُلْهِمَ

الْوَاضِعُ دُونَ الْبَشَرِ (وَ) قَالَ (أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ) هِيَ (اصْطِلَاحِيَّةٌ) ، أَيْ: وَضَعَهَا الْبَشَرُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ (حَصَلَ عِرْفَانُهَا) لِغَيْرِهِ مِنْهُ (بِالْإِشَارَةِ، وَالْقَرِينَةِ كَالطِّفْلِ) ؛ إذْ يَعْرِفُ لُغَةَ (أَبَوَيْهِ) بِهِمَا وَاَسْتُدِلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] ، أَيْ: بِلُغَتِهِمْ، فَهِيَ سَابِقَةٌ عَلَى الْبِعْثَةِ وَلَوْ كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً، وَالتَّعْلِيمُ بِالْوَحْيِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَتَأَخَّرَتْ عَنْهَا (وَ) قَالَ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ) إلَيْهِ مِنْهَا (فِي التَّعْرِيفِ) لِلْغَيْرِ (تَوْقِيفٌ) يَعْنِي: تَوْقِيفِيٌّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَغَيْرُهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ) لِكَوْنِهِ تَوْقِيفِيًّا، أَوْ اصْطِلَاحِيًّا (وَقِيلَ: عَكْسُهُ) ، أَيْ: الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ اصْطِلَاحِيٌّ (وَغَيْرُهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ) وَلِلتَّوْقِيفِيِّ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْأَوَّلِ تَنْدَفِعُ بِالِاصْطِلَاحِ (وَتَوَقَّفَ كَثِيرٌ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَنْ الْقَوْلِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِتَعَارُضِ أَدِلَّتِهَا (، وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ عَنْ الْقَطْعِ) بِوَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهَا لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ (وَإِنَّ التَّوْقِيفَ) الَّذِي هُوَ أَوَّلُهَا (مَظْنُونٌ) لِظُهُورِ دَلِيلِهِ دُونَ الِاصْطِلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ اللُّغَةِ عَلَى الْبَعْثَةِ أَنْ تَكُونَ اصْطِلَاحِيَّةً لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ تَوْقِيفِيَّةً وَيَتَوَسَّطُ تَعْلِيمُهَا بِالْوَحْيِ بَيْنَ النُّبُوَّةِ، وَالرِّسَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عُلِّمَ مَا سَبَقَ وَضْعُهُ. (قَوْلُهُ: دُونَ الْبَشَرِ) لَمْ يَقُلْ، وَالْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ غَيْرُ. (قَوْلُهُ: اصْطِلَاحِيَّةٌ) قِيلَ لَوْ كَانَتْ اصْطِلَاحِيَّةً لَجَازَ التَّغْيِيرُ بِأَنْ تَنْمَحِيَ وَتُنْسَى تِلْكَ اللُّغَاتُ بِوَاسِطَةِ قَوْمٍ حَدَثُوا وَحِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ الْأَمَانُ عَنْ الشَّرْعِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرَةٌ نَعَمْ تَرْتَفِعُ الثِّقَةُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ. (قَوْلُهُ: حَصَلَ عِرْفَانُهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ اصْطِلَاحِيَّةً لَاحْتِيجَ فِي تَعْلِيمِهَا إلَى اصْطِلَاحٍ آخَرَ ضَرُورَةَ تَعْرِيفِهِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ، وَالْغَرَضُ أَنْ لَا تَوْقِيفَ فَيُنْقَلُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ وَيَتَسَلْسَلُ، أَوْ يَدُورُ. (قَوْلُهُ: بِالْإِشَارَةِ) كَخُذْ هَذَا الْكِتَابَ وَقَوْلُهُ، وَالْقَرِينَةُ كَهَاتِ الْكِتَابَ مِنْ الْخِزَانَةِ مَثَلًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَ اسْمٌ لِهَذَا الشَّيْءِ الْمَخْصُوصِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: بِلُغَتِهِمْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً. (قَوْلُهُ: لَتَأَخَّرَتْ عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ الْبِعْثَةِ، وَالْغَرَضُ أَنَّهَا سَابِقَةٌ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَلْزَمُ أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ، وَمُتَأَخِّرَةٌ، وَذَلِكَ دَوْرٌ وَأُجِيبَ بِانْقِطَاعِ الدَّوْرِ بِأَنْ يُوحِيَ إلَيْهِ بِهَا فَيَعْلَمُهَا، ثُمَّ يُعْلِمُهَا، ثُمَّ يُبْعَثُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: يَعْنِي: تَوْقِيفِيٌّ) أَتَى بِالْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ الْأَمْرُ التَّوْقِيفِيُّ لَا التَّوْقِيفُ وَلِتَصْحِيحِ الْحَمْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَا يُقَالُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفٌ. (قَوْلُهُ: لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ فَيُوقِفُهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَضْلًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ مُحْتَمِلٌ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا يَدْعُو إلَى الِاصْطِلَاحِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَكْسُهُ) أَيْ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّوْقِيفِ، وَالِاصْطِلَاحِ وَغَيْرُهُ تَوْقِيفِيٌّ وَالشَّارِحُ فَسَّرَ الْعَكْسَ بِمَا ذُكِرَ لِيُوَافِقَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ:، وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ) قَالَ فِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ إنَّ النِّزَاعَ إنْ كَانَ فِي الْقَطْعِ، فَالصَّحِيحُ التَّوَقُّفُ، وَإِنْ كَانَ فِي الظُّهُورِ، فَالظَّاهِرُ قَوْلُ الشَّيْخِ. (قَوْلُهُ: مَظْنُونٌ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ تَعْيِينُ الْوَاضِعِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ دَلِيلِهِ) ؛ إذْ قَدْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَسْمَاءِ سِمَاتُ الْأَشْيَاءِ وَخَصَائِصُهَا مِثْلُ أَنْ يُعَلِّمَهُ تَعَالَى أَنَّ الْخَيْلَ لِلرُّكُوبِ، وَالْجَمَلَ لِلْحَمْلِ، وَالْحَمَلَ لِلْأَكْلِ، وَالثَّوْرَ لِلْحَرْثِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْمَعَانِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْأَلْفَاظُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ أَلْفَاظًا سَبَقَ وَضْعُهَا لِمَعَانٍ مِنْ أَقْوَامٍ قَبْلَهُ؛ إذْ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ قَبْلَ آدَمَ مِرَارًا مُتَكَثِّرَةً طَوَائِفَ مُخْتَلِفَةً مِنْ النَّاس وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ آدَم. وَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ حَدِيثَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مِائَةَ أَلْفِ آدَمَ» . (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) أَيْ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ السَّابِقُ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَسَّطُ تَعْلِيمُهَا إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنَّ نُبُوَّةَ الرَّسُولِ سَابِقَةٌ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا مُتَقَارِنَانِ؛ وَلِذَلِكَ أَجَابَ بَعْضٌ عَنْ الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ الْوَحْيِ بِهَا أَنَّهُ نَبِيٌّ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ، وَالرِّسَالَةَ الْإِيحَاءُ بِالشَّرَائِعِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ آدَمَ كَانَ تَعَلُّمُهُ لِلْأَسْمَاءِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ إلَّا بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ، أَوْ يُقَالُ إنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلْبَعْثَةِ وَنَفْسُ الْإِيحَاءِ بِهَا بِعْثَةٌ وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرِّسَالَةُ سَابِقَةً، وَلَكِنْ لَا يُبَلِّغُهُمْ

[مسألة ثبوت اللغة بالقياس]

(مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ قِيَاسًا وَخَالَفَهُمْ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ فَقَالُوا تَثْبُتُ، وَإِذَا اشْتَمَلَ مَعْنَى اسْمٍ عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلتَّسْمِيَةِ كَالْخَمْرِ، أَيْ: الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لِتَخْمِيرِهِ، أَيْ: تَغْطِيَتِهِ لِلْعَقْلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بَعْدَ تَعْلِيمِهِمْ اللُّغَةَ، وَالْمُرَادُ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، أَيْ: الَّذِي يُعَلِّمُهُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبَحْثَ لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ أُرِيدَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ لِقَوْمٍ مُسْلِمِينَ، أَوْ كُفَّارٍ إمَّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ لِقَوْمٍ كُفَّارٍ فَلَا يَرِدُ الْبَحْثُ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ أُرْسِلَ إلَى الْكُفَّارِ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَاللُّغَاتُ تَقَرَّرَتْ قَبْلَهُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ لَمْ يُرْسَلْ إلَى الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ بَنِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كُفَّارٌ. [مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ] (لَطِيفَةٌ) رَأَيْت فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ لِابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ لَمَّا أُلْقِيَ إبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَعَهُ طَنْفَسَةٌ وَقَعَدَ يُحَدِّثُهُ وَرَأَى أَبُو إبْرَاهِيمَ بَعْدَ سَبْعِ لَيَالٍ كَأَنَّ إبْرَاهِيمَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْحَائِطِ فَأَتَى نُمْرُودَ الْجَبَّارَ فَقَالَ لَهُ ائْذَنْ لِي فِي عِظَامِ إبْرَاهِيمَ أَدْفِنُهَا فَرَكِبَ نُمْرُودُ الْجَبَّارُ، وَمَعَهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ فَأَتَى الْحَائِطَ فَثَقَبَهُ فَخَرَجَ جِبْرِيلُ فِي وُجُوهِهِمْ فَوَلَّوْا هَارِبِينَ فَتَبَلْبَلُوا عِنْدَ ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمِّيَتْ الْأَرْضُ بَابِلَ وَكَانَتْ الْأَلْسُنُ كُلُّهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَتَفَرَّقُوا فَصَارَتْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لُغَةً لَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ كَلَامَ صَاحِبِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّ الَّذِي يَدَّعِي ذَلِكَ يَعْنِي: الْقِيَاسَ إنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَرَبَ أَرَادَتْهُ وَلَمْ تَبُحْ بِهِ، فَهُوَ مُتَحَكِّمٌ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ وَتَوْقِيفٍ فَإِنَّ اللُّغَاتِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا ادِّعَاءُ نَقْلٍ، وَإِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَعْنِ ذَلِكَ فَإِلْحَاقُ الشَّيْءِ بِلِسَانِهَا، وَهِيَ لَمْ تُرِدْهُ مُحَالٌ، وَالْقَائِسُ فِي حُكْمِ مَنْ يَبْتَدِئُ وَضْعَ صِيغَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: قِيَاسًا) هَذَا مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ نَقْلٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُهَا قِيَاسٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَبِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ أَنَّ مَا هُنَا اسْتِنْبَاطُ اسْمٍ لِآخَرَ بِقِيَاسٍ أُصُولِيٍّ وَثَمَّ اسْتِنْبَاطُ وَصْفٍ لِاسْمٍ بِقِيَاسٍ مَنْطِقِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَخَالَفَهُمْ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ اطَّلَعُوا عَلَى كَلَامِ الْأَوَّلِينَ وَخَالَفُوهُمْ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فَيُؤَوَّلُ الْكَلَامُ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ، أَوْ فِي الْكَلَامِ تَغْلِيبٌ فَغَلَبَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَقِيقَةً كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ عَلَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا اشْتَمَلَ) بَيَانٌ لِلثُّبُوتِ. (قَوْلُهُ: مَعْنَى اسْمٍ إلَخْ) الِاسْمُ كَالْخَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَالْوَصْفُ هُوَ تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ لِفَقْدِ

فِي مَعْنًى آخَرَ كَالنَّبِيذِ، أَيْ: الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ مَاءِ الْعِنَبِ ثَبَتَ لَهُ بِالْقِيَاسِ ذَلِكَ الِاسْمُ لُغَةً فَيُسَمَّى النَّبِيذُ خَمْرًا فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ بِآيَةِ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] لَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَمْرِ، وَسَوَاءٌ فِي الثُّبُوتِ الْحَقِيقَةُ، وَالْمَجَازُ. (وَقِيلَ: تَثْبُتُ الْحَقِيقَةُ لَا الْمَجَازُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْهَا (وَلَفْظُ الْقِيَاسِ) فِيمَا ذُكِرَ (يُغْنِي عَنْ قَوْلِك) أَخْذًا مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ (مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَثْبُتْ تَعْمِيمُهُ بِاسْتِقْرَاءٍ) فَإِنَّ مَا ثَبَتَ تَعْمِيمُهُ بِذَلِكَ مِنْ اللُّغَةِ كَرَفْعِ الْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْمَفْعُولِ لَا حَاجَةَ فِي ثُبُوتِ مَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَى الْقِيَاسِ حَتَّى يُخْتَلَفَ فِي ثُبُوتِهِ وَأَشَارَ كَمَا قَالَ بِذِكْرِ قَائِلِي الْقَوْلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْعِلَّةِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فِي مَعْنًى آخَرَ) بِالْإِضَافَةِ وَبِالتَّوْصِيفِ. (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ) إشَارَةٌ إلَى بَيَانِ الْفَائِدَةِ فِي ثُبُوتِ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ فِي النَّبِيذِ مَثَلًا عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْخَمْرِ شَرْعًا، وَعَنْ النَّظَرِ فِي شَرَائِطِ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ هَلْ وُجِدَتْ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَقُولُ بِثُبُوتِ اللُّغَةِ قِيَاسًا فَيَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، أَوْ إلَى دَلِيلٍ مِنْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ فِي الثُّبُوتِ إلَخْ) هَذَا التَّعْمِيمُ أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْمُقَابِلِ. (قَوْلُهُ: لَا الْمَجَازُ) فَلَا يُسْتَعْمَلُ الْأَسَدُ فِي النَّمِرِ مَثَلًا لِعَلَاقَةِ الْجَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ فِيهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْعَلَاقَةِ سَمَاعُ النَّوْعِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّخْصِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَهُ سم مِنْ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا تَجَوَّزَتْ بِكَلِمَةٍ عَنْ مَوْضُوعِهَا وَتَجَوَّزْنَا فِيهَا لِمَعْنًى آخَرَ فَإِنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ بَيْنَ هَذَا الْمَجَازِ الَّذِي اسْتَعْمَلْنَاهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَذَاكَ لَيْسَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ الِاسْتِعْمَالَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وُجِدَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ عَلَاقَةٌ، وَإِنْ لَاحَظْنَا الْعَلَاقَةَ بَيْنَ مَا تَجَوَّزْنَا فِيهِ وَتَجَوَّزُوا فِيهِ أَعْنِي بَيْنَ الْمَجَازَيْنِ وَلَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْعَلَاقَةُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، فَالْقِيَاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مُشْتَمِلًا عَلَى عِلَّةٍ تُوجَدُ فِي الْأَصْلِ، وَالْعِلَّةُ هِيَ الْعَلَاقَةُ وَلَمْ تُوجَدْ اهـ. فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْعَلَاقَةِ سَمَاعُ نَوْعِهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَخْفَضُ رُتْبَةً إلَخْ) ، أَيْ: فَلَا يُحْتَمَلُ التَّوَسُّعُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا يُقَاسُ عَلَى الْمَجَازِيِّ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ قَدْ يَنْعَكِسُ فَيُقَالُ حَيْثُ تُوُسِّعَ فِيهِ أَوَّلًا جَازَ أَنْ يُتَوَسَّعَ فِيهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحَلًّا لِلتَّوَسُّعِ. (قَوْلُهُ: يُغْنِي إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ بِمَنْطُوقٍ وَكُلُّ مَعْنًى انْدَرَجَ تَحْتَ عَامٍّ ثَبَتَ عُمُومُهُ بِاسْتِقْرَاءٍ، أَوْ بِنَقْلٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ مَنْطُوقٌ لَا مَسْكُوتٌ. (قَوْلُهُ: تَعْمِيمُهُ) ، أَيْ: لِجَمِيعِ الْمَعَانِي الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ فَإِنَّ الْوَاضِعَ إذَا وَضَعَ لَفْظًا يَعُمُّ بِاسْتِقْرَاءٍ مَنْ اللُّغَةِ كَصِيغَةِ الْمُصَغَّرِ، وَالْمَنْسُوبِ، وَالْمُشْتَقِّ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَحَقَّقَ فِيهِ الْوَضْعُ النَّوْعِيُّ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَمَاعُ مَا صَدَقَاتِهِ مِنْ الْوَاضِعِ، بَلْ يَكْفِي سَمَاعُهُ مِنْهُ، وَالِاسْتِعْمَالُ مُفَوَّضٌ إلَى الْمُتَكَلِّمِ. (قَوْلُهُ: بِاسْتِقْرَاءٍ) اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ، وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ مِثْلَهُ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: كَرَفْعِ الْفَاعِلِ) إذَا حَصَلَ لَنَا

[ومسألة اللفظ والمعنى إن اتحدا]

إلَى اعْتِدَالِهِمَا خِلَافَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى النَّفْيِ وَبِذِكْرِ الْقَاضِي مِنْ النَّافِينَ إلَى أَنَّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْمُثْبِتِينَ كَالْآمِدِيِّ لَمْ يُحَرِّرْ النَّقْلَ عَنْهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالنَّفْيِ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاسْتِقْرَاءِ جُزْئِيَّاتِ الْفَاعِلِ مَثَلًا قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ هِيَ أَنَّ كُلَّ فَاعِلٍ مَرْفُوعٌ فَإِذَا رَفَعْنَا فَاعِلًا لَمْ نَسْمَعْ رَفْعَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا؛ لِانْدِرَاجِهِ فِيهَا وَأُورِدَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّهُ كَيْفِيَّةُ اللَّفْظِ فَلَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ الَّتِي هِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْمَعَانِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْإِعْرَابَ لَفْظِيٌّ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَرَكَاتِ، وَهِيَ أَحْرُفٌ صَغِيرَةٌ تَأْتِي بَعْدَ الْحَرْفِ فَيَضْمَحِلُّ سُكُونُهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الرَّضِيُّ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ، فَالْمُرَادُ كَالْفَاعِلِ مِنْ حَيْثُ رَفْعُهُ وَيَرُدُّ عَلَى الْجَوَابِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَلْفَاظِ الْإِفْرَادِيَّةِ مِنْ حَيْثُ مَعَانِيهَا، وَالرَّفْعُ، وَالنَّصْبُ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّرْكِيبِيَّةِ. وَقَدْ يُدَّعَى شُمُولُ اللُّغَةِ لَهَا فَيَنْدَفِعُ، أَوْ أَنَّ الْكَافَ لِلتَّنْظِيرِ وَأُورِدَ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعْنَى مَعَ أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ كَمَا يَأْتِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، أَيْ: الشُّمُولِ وَاَلَّذِي مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ الْعُمُومُ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إرَادَتِهِ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَوَصْفُ الْمَعْنَى بِهِ مَجَازٌ. (قَوْلُهُ: إلَى اعْتِدَالِهِمَا) إنْ أَرَادَ التَّسَاوِي مِنْ حَيْثُ الْقَائِلُ فَفِيهِ أَنَّ الْمُثْبَتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَمَنْ أَثْبَتَ الْأَكْثَرِيَّةَ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَدَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ التَّسَاوِي مِنْ حَيْثُ الْقَوْلُ، فَالتَّرْجِيحُ بِالدَّلِيلِ لَا بِالْقَائِلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُثْبَتِ مُقَدَّمًا عَلَى النَّافِي عِنْدَ جَهْلِ الْوَاقِعِ أَمَّا إذَا عُلِمَ الْوَاقِعُ وَأَنَّ الْقَائِلَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَالنَّافِي لِأَكْثَرِيَّةِ الْقَائِلَيْنِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبَتِ وَأَنَّ مَحَلَّ التَّرْجِيحِ بِالدَّلِيلِ لَا بِالْقَائِلَيْنِ إذَا أَبْدَى أَحَدُ الْقَائِلَيْنِ مَطْعَنًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبْدِ، فَالتَّرْجِيحُ بِعَدَدِ الْقَائِلِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ خِلَافَ قَوْلِ إلَخْ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْقِيَاسِ تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَإِلَيْهِ عَزَاهُ الشَّارِحُ ثَمَّ وَرَجَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ. (قَوْلُهُ: قَوْلِ بَعْضِهِمْ) ، وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ (قَوْلُهُ: كَالْآمِدِيِّ) تَمْثِيلٌ لِمَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْمُثْبِتِينَ لَا لِلتَّنْظِيرِ مَعَ الْقَاضِي. [وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا] (قَوْلُهُ: اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى إلَخْ) اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الِاسْمَ صَالِحٌ لَأَنْ يَنْقَسِمَ إلَى الْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ الْمُنْقَسِمِ إلَى الْمُتَوَاطِئِ، وَالْمُشَكِّكِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَالْحَرْفِ كَمَا أَفْصَحَ بِسِرِّ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ. وَأَمَّا الِانْقِسَامُ إلَى الْمُشْتَرَكِ، وَالْمَنْقُولِ بِأَقْسَامِهِ، وَإِلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ فَلَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالِاسْمِ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا كَخَلَقَ بِمَعْنَى أَوْجَدَ وَافْتَرَى، وَعَسْعَسَ بِمَعْنَى أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. وَقَدْ يَكُونُ مَنْقُولًا كَصَلَّى، وَقَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً كَقَتَلَ؛ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا بِمَعْنَى ضَرَبَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَكَذَا الْحَرْفُ أَيْضًا كَمِنْ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ، وَالتَّبْعِيضِ، وَقَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً كَفِي إذَا اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى

(وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحَدَا) ، أَيْ: كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّرْفِيَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا كَفِي إذَا اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى عَلَى، ثُمَّ إنَّ الِاشْتِرَاكَ، وَالنَّقْلَ، وَالْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ فِي الْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَادَّةِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ كَالْمُضَارِعِ الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ الْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ وَصِيَغِ الْعُقُودِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ الْمَاضِي إلَى الْإِنْشَاءِ وَصِيَغِ الْمَاضِي الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي الِاشْتِرَاكِ، وَالنَّقْلِ، وَالْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ تَعَدُّدُ الْوَضْعِ أَعَمُّ مِنْ الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ كَوَضْعِ الْمَادَّةِ، وَمِنْ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا فِي الْهَيْئَةِ. وَالْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ بِالْوَضْعِ الْعَامِّ لَيْسَ فِيهَا تَعَدُّدُ الْوَضْعِ أَصْلًا لَا شَخْصِيًّا وَلَا نَوْعِيًّا فَلَا تَدْخُلُ فِي الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا وُهِمَ إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَنَقُولُ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ إخْلَالٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا عَدَمُ الْحَصْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَنْقُولَ بِأَقْسَامِهِ وَلَا التَّسَاوِيَ وَلَا الْعُمُومَ، وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ، وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ يَرْجِعُ لِلْمَعْنَى فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَبَعْضَهَا لِلَّفْظِ وَبَعْضَهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا مَعًا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحَالَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ فَشَمِلَ الْمُرَكَّبَ، وَالْمُفْرَدَ مَعَ اخْتِصَاصِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِالِاسْمِ وَبَعْضِهَا يَتَعَدَّاهُ إلَى أَخَوَيْهِ وَلَا يَتَجَاوَزُ الْمُفْرَدَ، ثُمَّ إنَّ الْبَعْضَ مِنْ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ حَقِيقِيٌّ، وَالْبَعْضَ اعْتِبَارِيٌّ. وَقَدْ تَفَطَّنَ لِهَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْكَمَالُ فَقَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لِلْمُفْرَدِ، وَإِنَّهُ تَقْسِيمٌ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ إلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ إجْمَالًا عَلِمْته مِمَّا قَرَرْنَاهُ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الْمُصَنِّفَ فِي ذَلِكَ مُرَاعَاةُ الِاخْتِصَارِ فَلَمْ يُبَالِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِهَا أَهَمُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ اللَّفْظِ وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ سم فَإِنَّهُ لِشَغَفِهِ بِالِاعْتِرَاضِ أَخَذَ يَتَعَقَّبُ الْكَمَالَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ حُجِبَ عَنْ التَّمَتُّعِ بِمَا أَبْدَاهُ مِنْ الْوَجْهِ الْحَسَنِ، وَالْحَقُّ مَعَ الْكَمَالِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي خِلَالِ كَلَامِهِ مُقَدَّمَاتٍ لَا تَتِمُّ لَهُ كَقَوْلِهِ إنَّ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَالْحَرْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا مَعْنَاهُمَا غَيْرُ خَالٍ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْجُزْئِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَقَابِلَانِ لَا يَجُوزُ خُلُوُّ مَعْنًى عَنْهُمَا وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاعْتِبَارِ الْمُقَسَّمِ فِي الْأَقْسَامِ وَأَنَّ الِانْقِسَامَ إلَى الْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيِّ جَارٍ فِي الْمُرَكَّبَاتِ أَيْضًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى جَعْلِ التَّقْسِيمِ لِمُطْلَقِ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِلْمُرَكَّبِ إشَارَةً إلَى جَرَيَانِهِ فِيهِ أَيْضًا وَأَنَّ تَدَاخُلَ الْأَقْسَامِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ. وَأَقُولُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاطِلٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عِبَارَةَ السَّيِّدِ الْمُوَجَّهَةَ لِتَخْصِيصِ التَّقْسِيمِ إلَى الْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيِّ بِمَعْنَى الِاسْمِ الَّتِي أَقَرَّهَا الْمُحَقِّقُونَ حَاوَلَ الْقَوْلَ بِجَرَيَانِهِمَا فِي أَخَوَيْهِ مُعَلِّلًا بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ، بَلْ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ خُلُوُّ مَعْنًى عَنْهُمَا قَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ مِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ كَلَامَهُ، وَالتَّقَابُلُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَارِيًا فِي سَائِرِ الْمَوَادِّ، بَلْ مُتَقَابِلَانِ فِيمَا اخْتَصَّا بِهِ، وَهُوَ الِاسْمُ فَلَا يَجُوزُ خُلُوُّ مَعْنَاهُ عَنْهُمَا لَا خُلُوُّ كُلِّ مَعْنًى عَنْهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي تَقَابُلُ التَّضَادِّ. وَقَدْ نَصَّ السَّيِّدُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ حَاشِيَةِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ التَّقَابُلَ بَيْنَ الْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ خُصُوصُ الْمَحَلِّ، فَالْعَمَى، وَالْبَصَرُ مُتَقَابِلَانِ فِي زَيْدٍ الْأَعْمَى لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ هُنَا وَأَمَّا الثَّانِي فَمُخَالِفٌ لِمَا طَفَحَتْ بِهِ كُتُبُ الْمَعْقُولِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُقَسَّمِ مَلْحُوظَةٌ فِي كُلِّ قِسْمٍ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْكُلِّيِّ وَاَلَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْأَقْسَامُ حِصَصُهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالُوا إنَّ التَّقْسِيمَاتِ تَتَضَمَّنُ تَعَارِيفَ الْأَقْسَامِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّ جَرَيَانَ الْكُلِّيَّةِ، وَالْجُزْئِيَّةِ فِي مُرَكَّبٍ مَا نَادِرٌ كَمَا فِي الْجِسْمِ النَّامِي مَثَلًا، وَالنَّادِرُ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِتَأْوِيلِ مِثْلِهِ بِمُفْرَدٍ لِيَطَّرِدَ الْبَابُ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَإِنَّ تَدَاخُلَ الْأَقْسَامِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ إذْ سَائِرُ التَّقْسِيمَاتِ

(فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ) ، أَيْ: مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ (الشَّرِكَةَ) فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا (فَجُزْئِيٌّ) ، أَيْ: فَذَلِكَ اللَّفْظُ يُسَمَّى جُزْئِيًّا كَزَيْدٍ (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ الشَّرِكَةَ فِيهِ (فَكُلِّيٌّ) سَوَاءٌ أَمْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ فَرْدٌ مِنْهُ كَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِبَارِيَّةِ كَذَلِكَ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى تَقْسِيمِ اعْتِبَارٍ مَحْضٍ، وَالِاعْتِرَاضُ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ تَخْلِيطُ التَّقْسِيمِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاعْتِبَارِ، وَمِثْلُهُ لَا يَغْتَفِرُهُ أَرْبَابُ التَّدْقِيقِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمَرَامِ وَتَثَبُّتِ الْإِفْهَامِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى) هِيَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْمَعْلُومِ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الذِّهْنِ الْأَوَّلِ بِوُجُودٍ أَصْلِيٍّ، وَالثَّانِي بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ، وَالْمُنْقَسِمُ لِلْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيّ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِلْمَعْلُومِ. (قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَ) الِاتِّحَادُ صَيْرُورَةُ الشَّيْئَيْنِ، أَوْ الْأَشْيَاءِ شَيْئًا وَاحِدًا وَلَمَّا كَانَ هَذَا غَيْرَ مُرَادٍ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ، أَيْ: كَانَ إلَخْ، وَمَا فِي النَّاصِرِ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ إسْنَادِ الِاتِّحَادِ إلَى مَجْمُوعِ الشَّيْئَيْنِ وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُنَا فَلَا يُفِيدُهُ، بَلْ يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاحِدٌ لَا مُتَعَدِّدٌ، وَقَدْ رَمَزَ الشَّارِحُ إلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ بِقَوْلِهِ، أَيْ: كَانَ كُلُّ إلَخْ اهـ. مَبْنِيٌّ عَلَى تَخَيُّلٍ بَعِيدٍ فَإِنَّ مَادَّةَ الِاتِّحَادِ يَتَبَادَرُ مِنْهَا ذَلِكَ وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ صَرْفٌ لِلْمُتَبَادِرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ) إسْنَادُ الْمَنْعِ لِلتَّصَوُّرِ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ، وَإِلَّا، فَالْمَانِعُ النَّفْسُ، وَمَعْنَاهُ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِلَّفْظِ. (قَوْلُهُ: فَجُزْئِيٌّ) ، أَيْ: حَقِيقِيٌّ فَإِنَّ الْإِضَافِيَّ مَا انْدَرَجَ تَحْتَ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الشَّرِكَةَ فَيَصْدُقُ بِالْكُلِّيِّ أَيْضًا، وَإِنَّمَا نَكَّرَهُ، وَمَا بَعْدَهُ وَلَمْ يُعَرِّفْهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ انْحِصَارُ الْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَهُ مَعْنًى وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَعَدِّدًا، وَالْمَعْنَى وَاحِدًا وَعَكْسُهُ الْأَوَّلُ كَإِنْسَانٍ وَبَشَرٍ، وَالثَّانِي كَلَفْظِ الْعَيْنِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْكُلِّيِّ، وَمِثْلُهُ الْجُزْئِيُّ فَلَا يَدْخُلُ فِي التَّقْسِيمِ فَإِنْ قُلْت مِنْ أَيْنَ الْحَصْرُ قُلْت مِنْ الْجُمْلَةِ الْمُعَرَّفَةِ الطَّرَفَيْنِ؛ إذْ التَّقْدِيرُ، فَهُوَ، أَيْ: اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدُ الْجُزْئِيِّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَذَلِكَ اللَّفْظُ إلَخْ) اقْتَضَى صَنِيعَهُ جَعْلُ الْكُلِّيَّةِ، وَالْجُزْئِيَّةِ وَصْفَيْنِ لِلَّفْظِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ، وَالْمَوْصُوفُ بِهِمَا حَقِيقَةُ الْمَعْنَى، وَالدَّاعِي إلَى ذَلِكَ عَدَمُ خُرُوجِ التَّقْسِيمِ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ بِالنَّظَرِ لِمَعْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْحُلِّ فَذَلِكَ الْمَعْنَى جُزْئِيٌّ إلَخْ وَلْيُطَابِقْ قَوْلَهُ فِيمَا بَعْدُ فَمُتَرَادِفٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فَذَلِكَ اللَّفْظُ مُتَرَادِفٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّرَادُفَ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَمْتَنَعَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ هِيَ هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّ أَمْ لَا تَعْطِفُ إلَّا عَلَى مَدْخُولِهَا وَأَمَّا هَمْزَةُ الْوَصْلِ فَمَحْذُوفَةٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا قَالَهُ النَّاصِرُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ إذْ قَدْ يَجُوزُ حَذْفُ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ وَتَكُونُ الْمَوْجُودَةُ هِيَ هَمْزَةُ الْوَصْلِ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْحَصْرِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَمْ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَمْ قَدْ تَقَعُ بَعْدَ غَيْرِ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمْ بِهَا اعْطِفْ إثْرَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ) أَيْ وُجُودُ فَرْدٍ مُطَابِقٍ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لِلْكُلِّيِّ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهِ، وَإِلَّا، فَالْكُلِّيُّ لَا يُوجَدُ خَارِجًا، وَإِلَّا لَتَشَخَّصَ فَيَكُونُ جُزْئِيًّا عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ فِي وُجُودِ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَصَوَّرُهُ الذِّهْنُ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالِامْتِنَاعِ وَنَحْوِهِ وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ أَوْسَعُ دَائِرَةً مِنْ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّ الذِّهْنَ يَتَصَوَّرُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الْحَوَاشِي هُنَا أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الذِّهْنِ؛ لِأَنَّ الذِّهْنَ إنَّمَا يَنْتَزِعُ مِنْ الْخَارِجِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ هَذَا الْحَصْرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ الِانْتِزَاعِيِّ دُونَ الِاخْتِرَاعِيِّ، وَالْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ مُنْقَسِمٌ إلَيْهِمَا فَيَلْزَمُ بِمُقْتَضَى الْحَصْرِ الِانْحِصَارُ فِي الِانْتِزَاعِيِّ. (قَوْلُهُ:، أَوْ أَمْكَنَ) هَذَا الْإِمْكَانُ هُوَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ مُقَيَّدًا بِجَانِبِ الْوُجُودِ فَصَحَّ مُقَابَلَتُهُ لِلْمُمْتَنِعِ وَتَنَاوُلُهُ لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ سَلْبَ ضَرُورَةِ الْعَدَمِ يَعُمُّ الْوُجُوبَ دُونَ الِامْتِنَاعِ كَمَا أَنَّ الْإِمْكَانَ الْعَامَّ مِنْ جَانِبِ الْعَدَمِ مَعْنَاهُ سَلْبُ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَيَعُمُّ الِامْتِنَاعَ وَأَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْجَمِيعَ، فَهُوَ مُطْلَقُ الْإِمْكَانِ يَعْنِي: سَلْبَ الضَّرُورَةِ عَنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ: الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ، فَلَا يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْمُمْتَنِعِ مُقَابِلًا لَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ فَلَا يَنْدَرِجُ

أَوْ وُجِدَ وَامْتَنَعَ غَيْرُهُ كَالْإِلَهِ، أَيْ: الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ كَالشَّمْسِ أَيْ الْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ الْمُضِيءِ، أَوْ وُجِدَ كَالْإِنْسَانِ، أَيْ: الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَدْلُولِ بِالْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَمَا هُنَا مَجَازٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الدَّالِّ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ (مُتَوَاطِئٌ) ذَلِكَ الْكُلِّيِّ (إنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ) كَالْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ مُتَسَاوِي الْمَعْنَى فِي أَفْرَادِهِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا. أُسْمِيَ مُتَوَاطِئًا مِنْ التَّوَاطُؤِ، أَيْ: التَّوَافُقِ لِتَوَافُقِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ فِيهِ (مُشَكِّكٌ إنْ تَفَاوَتَ) مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ بِالشِّدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْتَهُ الْوَاجِبُ. (قَوْلُهُ: أَوْ وُجِدَ) أَيْ الْفَرْدُ. (قَوْلُهُ: كَالْإِلَهِ) فَإِنَّ امْتِنَاعَ الشَّرِكَةِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ تَصَوُّرِ مَعْنَاهُ فِي الذِّهْنِ، بَلْ نَظَرِ الدَّلِيلِ الْخَارِجِيِّ؛ وَلِهَذَا ضَلَّ كَثِيرٌ بِالِاشْتِرَاكِ وَلَوْ كَانَتْ وَحْدَانِيُّتُهُ تَعَالَى بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ لَمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ عَاقِلٍ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَفِي ذِكْرِ الْمَنَاطِقَةِ هَذَا الْمِثَالَ نَوْعُ إسَاءَةِ أَدَبٍ. وَقَدْ كَانَ اللَّائِقُ بِالشَّارِحِ تَرْكَ هَذَا التَّقْسِيمِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَتَرَكَ سَادِسًا، وَهُوَ الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ، أَوْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَتْ أَفْرَادُهُ خَارِجًا إمَّا أَنْ تَنَاهَى تِلْكَ الْأَفْرَادُ كَالْإِنْسَانِ، أَوْ لَا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْثِيلُهُ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِمَوْجُودٍ فَإِنَّ أَفْرَادَهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بِاعْتِبَارِ شُمُولِهَا لِكِمَالَاتِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ بَيْنَهُمْ، وَالْحُكَمَاءُ مَثَّلُوا لَهُ بِالنُّفُوسِ النَّاطِقَةِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ قِدَمِ الْعَالَمِ وَعَدَمِ الْقَوْلِ بِالتَّنَاسُخِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَرِسْطَاطَالِيسُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النُّفُوسُ النَّاطِقَةُ الْمُفَارِقَةُ عَنْ الْأَبَدَانِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَأَمَّا مَا قَالَ بِهِ أَفْلَاطُونُ مِنْ التَّنَاسُخِ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ مُتَنَاهِيَةٌ، ثُمَّ إنَّهُ أُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ أَنَّ الْكُلِّيَّ الْمَعْدُومَ الْمُمْكِنَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْحَصِرًا فِي فَرْدٍ مَعَ امْتِنَاعِ غَيْرِهِ أَوْ لَا وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّدًا لِأَفْرَادٍ مُتَنَاهِيَةٍ أَمْ لَا؟ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصْرُ الْأَقْسَامِ الْمُحَقَّقَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَا ذُكِرَ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ عَقْلِيٍّ. (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُ إلَخْ) بِأَنْ يَكُونَ صَدَقَةُ عَلَيْهَا بِالسَّوِيَّةِ، فَالْأَفْرَادُ الَّتِي يَفْرِضُهَا الْعَقْلُ يَفْرِضُهَا مُتَّفِقَةً مَعَ الْفَرْدِ الْخَارِجِيِّ الْمَوْجُودِ فِي جَمِيعِ مَا عَدَا التَّشَخُّصَ؛ إذْ لَا مَبْدَأَ لِانْتِزَاعِ مُقَوِّمٍ لِتِلْكَ الْأَفْرَادِ مُخَالِفٍ لِمُقَوِّمِ الْفَرْدِ الْمَوْجُودِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدًا أَشَدُّ، أَوْ أَقْوَمُ، أَوْ، أَوْلَى بِالْإِنْسَانِيَّةِ مِنْ عَمْرٍو عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَهْمَنْيَارَ أَنَّ مِعْيَارَ التَّشْكِيكِ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ التَّفْضِيلِ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ، وَالتَّفَاوُتَ مِمَّا يُسْنَدُ إلَى مُتَعَدِّدٍ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَابِتٌ لِلْأَفْرَادِ فِي أَنْفُسِهَا. وَأَمَّا ثُبُوتُهُ لِلْمَعْنَى فَبِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ فِي الْأَفْرَادِ وَاتِّفَاقِهِ فِيهَا فَيَصِحُّ إسْنَادُ ذَلِكَ إلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالشَّارِحُ جَارَى عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ فَإِنَّهُ مُتَسَاوِي الْمَعْنَى وَرَاعَى الْحَقِيقَةَ فَقَالَ: آخِرُ التَّوَافُقِ إفْرَادُ مَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ: كَالْإِنْسَانِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِهِ، وَهِيَ الْمَاصَدَقَ، أَوْ إلَى حِصَصِهِ أَيْضًا الَّتِي هِيَ أَفْرَادُ الْإِنْسَانِيَّةِ، فَالْمُتَوَاطِئُ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقَّاتِ، وَالْمَبَادِئِ وَأَمَّا التَّشْكِيكُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقَّاتِ فَقَطْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَنَاطِقَةِ. (قَوْلُهُ: مُشَكِّكٌ) شُكَّ فِيهِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ كَانَ مُشْتَرَكًا، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا فَمُتَوَاطِئٌ. وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي

أَوْ التَّقَدُّمِ كَالْبَيَاضِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الثَّلْجِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِ، وَالْوُجُودِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الْوَاجِبِ قَبْلَهُ فِي الْمُمْكِنِ سُمِّيَ مُشَكِّكًا لِتَشْكِيكِهِ النَّاظِرَ فِيهِ فِي أَنَّهُ مُتَوَاطِئٌ نَظَرًا إلَى جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَفْرَادِ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى، أَوْ غَيْرُ مُتَوَاطِئٍ نَظَرًا إلَى جِهَةِ الِاخْتِلَافِ. (وَإِنْ تَعَدَّدَا) ، أَيْ: اللَّفْظُ، وَالْمَعْنَى كَالْإِنْسَانِ، وَالْفَرَسِ (فَمُتَبَايِنٌ) ، أَيْ: فَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَثَلًا مَعَ الْآخَرِ مُتَبَايِنٌ لِتَبَايُنِ مَعْنَاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي وُقُوعِهِ عَلَى أَفْرَادِهِ وَحُصُولِهِ فِيهَا فَاعْتُبِرَ قِسْمًا عَلَى حِدَةٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُقَابِلًا لِمَا لَيْسَ فِيهِ هَذَا التَّفَاوُتُ. (قَوْلُهُ: أَوْ التَّقَدُّمِ) أَيْ بِالذَّاتِ؛ إذْ لَا اعْتِبَارَ لِلتَّقَدُّمِ الزَّمَانِيِّ فِي التَّشْكِيكِ قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ فَسَقَطَ قَوْلُ النَّاصِرِ، أَوْ بِالزَّمَانِ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُشَكَّكًا لِتَقَدُّمِ أَفْرَادِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَفِيدِ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَشَدِّيَّةَ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْأَفْرَادِ، أَوْ كَمَالِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْمُتَوَاطِئِ كَالْإِنْسَانِ؛ إذْ بَعْضُ أَفْرَادِهِ كَنَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكْثَرُ وَأَكْمَلُ بِحَسَبِ الْخَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالْإِدْرَاكِ مِنْ غَيْرِهِ كَيَحْيَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَمِمَّا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ ابْتَهَجَ بِنَقْلِهِ سم فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوا الْأَشَدِّيَّةَ بِأَكْثَرِيَّةِ آثَارِ الْمَاهِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَأُورِدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْكِيكَ فِي الذَّاتِيَّاتِ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا؛ لِأَنَّ الذَّاتِيَّاتِ لَا تَقْبَلُ التَّفَاوُتَ. وَأَجَابَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْجَدِيدِ لِلتَّجْرِيدِ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ أَحَدَ الْفَرْدَيْنِ أَشَدَّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَنْتَزِعُ مِنْهُ الْعَقْلُ بِمَعُونَةِ الْوَهْمِ أَمْثَالَ الْأَضْعَفِ وَيُحَلِّلُهُ إلَيْهَا بِضَرْبٍ مِنْ التَّحْلِيلِ فَمَفْهُومُ الْأَسْوَدِ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ عَلَى أَسْوَدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّوَادَ فِي أَحَدِهِمَا أَزْيَدُ مِنْ الْآخَرِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْلَ بِمَعُونَةِ الْوَهْمِ يَنْتَزِعُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَمْثَالَ الْآخَرِ اهـ. وَمِمَّا يَخْدِشُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ بَهْمَنْيَارَ سَابِقًا. نَعَمْ نَقَلَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ عَبْدُ الْعَلِيِّ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ الْجَوْهَرُ يَشْتَدُّ أَمْ لَا قَالَ الْإِشْرَاقِيُّونَ نَعَمْ بِمَعْنَى كَمَالِ الْمَاهِيَّةِ، وَالْمَاهِيَّةُ الْجَوْهَرِيَّةُ فِي الْفِيلِ أَكْمَلُ مِنْ الْبَعُوضَةِ لِظُهُورِ آثَارِ الْكَثْرَةِ فِي الْفِعْلِ دُونَهَا. وَقَدْ ادَّعَوْا فِيهِ الْمُشَاهَدَةَ بِالرِّيَاضَاتِ وَقَالَ الْمَشَّاءُونَ لَا يَشْتَدُّ الْجَوْهَرُ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ دَلِيلًا، بَلْ بَنَوْا عَلَى مَجْرَى الْعُرْفِ حَيْثُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى جَوْهَرٍ أَشَدَّ مِنْ جَوْهَرٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: كَالْوُجُودِ) جَعَلَهُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ مِثَالًا لِلْأَوْلَوِيَّةِ، وَالتَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ، وَالشِّدَّةِ، وَالضَّعْفِ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَفْرَادِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَوَافُقُ الْأَفْرَادِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّوَاطُؤِ. (قَوْلُهُ: فَمُتَبَايِنٌ) قَالَ النَّاصِرُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَعَدُّدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّبَايُنِ لِصِدْقِهِ عَلَى نَحْوِ الْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ، وَالْفَرَسِ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُتَعَدِّدِ الْمَعْنَى وَلَا تَعَدُّدَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَلَا تَبَايُنَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ لَفْظِ الْفَرَسِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُتَبَايِنٌ قَالَ سم وَيَنْبَغِي أَنْ يُرِيدَ أَعَمَّ مِنْ التَّبَايُنِ كُلِّيًّا، أَوْ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى يَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقًا، أَوْ مِنْ وَجْهٍ، وَإِلَّا لَزِمَ خُرُوجُ ذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْأَقْسَامِ وَكَانَ نَاقِضًا لِلتَّقْسِيمِ. اهـ. وَأَقُولُ: اسْتِعْمَالُ التَّبَايُنِ فِي الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ الْوَجْهِيِّ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّبَايُنِ الْجُزْئِيِّ شَائِعٌ وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ الْمُطْلَقِ فَفِي دُخُولِهِ تَحْتَ التَّبَايُنِ فِي الْجُمْلَةِ تَوَقُّفٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَايِنَ الْمَجْمُوعُ لَا أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّفَاعُلَ يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ، وَإِنَّمَا الْأَحَدُ مُبَايِنٌ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مُبَايِنٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعَ تَقَوُّمٍ مَقَامَ الْوَاوِ، وَإِنْ كَانَ الْفَصِيحُ الْوَاوُ، وَلَكِنَّ الْأَنْسَبَ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلُهُ مَعَ الْآخَرِ عَنْ قَوْلِهِ مُتَبَايِنٌ، وَمَا قَالَهُ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ مَا كَانَ عَلَى وَزْنِ تَفَاعَلَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْفِعْلِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَمَتَى أَسْنَدَ الْفِعْلَ مِنْهُ إلَى أَحَدِ الْفَاعِلَيْنِ لَزِمَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِ الْآخَرَ بِالْوَاوِ لَا غَيْرُ اهـ. فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ تَبَايَنَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو الثَّانِي أَنَّ تَفَاعَلَ إذَا أُسْنِدَ إلَى أَحَدِ الْفَاعِلَيْنِ

(وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ) كَالْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَمُتَرَادِفٌ، أَيْ: فَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَثَلًا مَعَ الْآخَرِ مُتَرَادِفٌ لِتَرَادُفِهِمَا أَيْ تَوَالِيهِمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ (وَعَكْسُهُ) ، وَهُوَ أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظُ وَيَتَعَدَّدُ الْمَعْنَى كَأَنْ يَكُونَ لِلَّفْظِ مَعْنَيَانِ (إنْ كَانَ) أَيْ اللَّفْظُ (حَقِيقَةً فِيهِمَا) ، أَيْ: فِي الْمَعْنَيَيْنِ مَثَلًا كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ (فَمُشْتَرَكٌ) ؛ لِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَزِمَ عَطْفُ الْآخَرِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ مُنَازَعٌ فِيهِ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى الذَّاتَ دَخَلَ الْمُتَسَاوِيَانِ كَالْإِنْسَانِ، وَالضَّاحِكِ فِي هَذَا الْقِسْمِ؛ لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى بِمَعْنَى الذَّاتِ فِيهِمَا دُونَ اللَّفْظِ وَلَيْسَا مِنْهُ؛ لِاشْتِرَاطِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَفْهُومِ فِيهِ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومُ دَخَلَا فِي التَّبَايُنِ وَلَيْسَا مِنْهُ أَيْضًا، وَإِنْ أُرِيدَ الْأَعَمُّ مِنْ الذَّاتِ، وَالْمَفْهُومِ دَخَلَا فِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعْنَى الْمَفْهُومَ فَيَدْخُلَانِ فِي التَّبَايُنِ، أَوْ الذَّاتَ فَيَدْخُلَانِ فِي التَّرَادُفِ وَيَكُونُ ذَلِكَ اصْطِلَاحًا مِنْهُ هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَطَالَ بِهِ سم وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْنَى مَا هُوَ أَعَمُّ يَلْزَمُ فَسَادٌ فِي التَّقْسِيمِ بِالْإِيهَامِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَبِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُرَادِ مِنْ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُتَسَاوِيَانِ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ دَاخِلٍ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ. الثَّانِي: أَنَّ دَعْوَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَهُ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ارْتِفَاعُ الثِّقَةِ بِالْحَقَائِقِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ خُصُوصًا الْمَفَاهِيمَ الَّتِي يَسْتَعْلِمُهَا أَرْبَابُ الِاصْطِلَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا. وَقَدْ شَنَّعَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ مِثْلَ السَّيْفِ، وَالصَّارِمِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ لِصِدْقِهِمَا عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ إنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّرَادُفَ هُوَ الِاتِّحَادُ فِي الْمَفْهُومِ لَا الِاتِّحَادُ فِي الذَّاتِ نَعَمْ الِاتِّحَادُ فِي الذَّاتِ مِنْ لَوَازِمِ اتِّحَادِ فِي الْمَفْهُومِ دُونَ الْعَكْسِ اهـ. وَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ وَعَبْدُ الْحَكِيمِ وَبَقِيَّةُ حَوَاشِيهِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِذِكْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَإِخْلَالِهِ بِذِكْرِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ، وَالْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ الْوَجْهِيِّ إنْ أَدْخَلَ الْأَخِيرَيْنِ تَحْتَ التَّبَايُنِ بِالتَّأْوِيلِ السَّابِقِ، وَقَدْ نَبَّهْنَاك فِي صَدْرِ الْمَبْحَثِ عَلَى أَنَّ التَّقْسِيمَ لَا يَخْلُو عَنْ خَلَلٍ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَهْوَنُ مِنْ تَغْيِيرِ الِاصْطِلَاحَاتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) عَكْسًا لُغَوِيًّا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، وَاللَّفْظِ مَعَ بَقَاءِ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ فِي مَحَلِّهِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الِاتِّحَادِ وَالْعَدَدِ مَعَ بَقَاءِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِحَالِهِمَا وَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَةَ الْعَكْسِ اللُّغَوِيِّ فِي الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ عَلَى قِيَاسِ سَابِقَةِ تَعَدَّدَ اللَّفْظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: مَعْنَيَانِ) ، أَوْ مَعَانٍ؛ وَلِذَلِكَ أَتَى بِالْكَافِ (قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَى) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مِنْ الْحَذْفِ، وَالْإِيصَالِ، وَهَاهُنَا أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْضُوعِ بِالْوَضْعِ الْعَامِّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ الْخَاصِّ كَالضَّمَائِرِ، وَالْمَوْصُولَاتِ وَأَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ مِمَّا اتَّحَدَ فِيهِ الْوَضْعُ وَتَعَدَّدَ الْمَعْنَى لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ لِتَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِيهِ وَاتِّحَادِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. الثَّانِي: الْمَنْقُولُ فَإِنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ تَعَدَّدَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ، وَالْمَنْقُولُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُجَابُ أَمَّا عَنْ الْأَوَّلِ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ السَّعْدِ، وَمَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْعِصَامُ فِي شَرْحِ الْوَضْعِيَّةِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ مَا مَوْضُوعُهُ كُلِّيٌّ، أَوْ يَقُولُ بِمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِي اسْتَحْدَثَهُ الْعَضُدُ وَتَبِعَهُ فِيهِ السَّيِّدُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا جُزْئِيَّاتٌ وَضْعًا وَاسْتِعْمَالًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِتَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِي الْمُشْتَرَكِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْحُكْمِيِّ. وَقَدْ نَصَّ السَّيِّدُ عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ الِاحْتِيَاجُ فِيهَا إلَى الْقَرِينَةِ هَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ دَقَّقْنَا النَّظَرَ وَرَجَعْنَا إلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ لَفْظِيٌّ وَنِزَاعُ الْعِصَامِ فِي تَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِي الْمُشْتَرَكِ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهِ مُطْلَقًا وَتَحْقِيقُهُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ

(وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ) كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَلِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَمْ يَقُلْ، أَوْ مَجَازَانِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ الْآتِي كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ. (، وَالْعِلْمُ مَا) ، أَيْ: لَفْظٌ (وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ) خَرَجَ بِالنَّكِرَةِ (لَا يَتَنَاوَلُ) ، أَيْ: اللَّفْظُ (غَيْرَهُ) ، أَيْ: غَيْرَ الْمُعَيَّنِ خَرَجَ مَا عَدَا الْعَلَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْعِصَامِ فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَوَاشِي. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا، وَهَذِهِ، وَقَدْ نَصَّ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْجَلَالِ عَلَى التَّهْذِيبِ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ فِي الْمَنْقُولِ، هُوَ النَّقْلُ وَالشُّهْرَةُ قَالَ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى الْمَجَازَاتِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ قِبَلِ الْحَقَائِقِ اهـ. أَوْ تَدْخُلُ تَحْتَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَنْقُولَ قَبْلَ الشُّهْرَةِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ تَأَمَّلْ لَا يُقَالُ اللَّفْظُ مَوْضُوعٌ لِنَفْسِهِ بِتَبَعِيَّةِ وَضْعِهِ لِلْمَعْنَى فَيَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ؛ وَلِأَنَّا نَقُولُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْوَضْعِ الْوَضْعُ الْقَصْدِيُّ وَوَضْعُ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ تَبَعِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تُوَزَّعَ فِي كَوْنِ هَذَا وَضْعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ اسْتِعْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ إلَخْ) لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَجَازُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَجَازِ، وَالْكِنَايَةِ مَجَازًا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ، أَوْ مَجَازَانِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَا يَنْحَصِرُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، بَلْ يَصْدُقُ بِالْمَجَازَيْنِ أَيْضًا، ثُمَّ الْمُرَادُ، أَوْ مَجَازَانِ لَا حَقِيقَةَ لَهُمَا بِدَلِيلِ آخِرِ الْكَلَامِ، وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ) قَالَ النَّاصِرُ قَدْ ثَبَتَ وُجُودُهُ فَإِنَّ عَسَى مَوْضُوعَةٌ لِلرَّجَاءِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ فَلَا تَكُونُ حَقِيقَةً، بَلْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي كَلَامِ الْخَلْقِ لِلرَّجَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الزَّمَنِ وَفِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ الْمُجَرَّدِ، فَهُمَا مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ بِدُونِ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ، وَمُحَصَّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّا نَمْنَعُ وَضْعَ عَسَى لِلزَّمَانِ فَإِنَّهُ نَقَلَ السَّيِّدُ عِيسَى الصَّفَوِيُّ عَنْ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا وُجِدَ فِيهِ خَوَاصُّ الْفِعْلِ قَدَّرَ فِيهِ ذَلِكَ إدْرَاجًا لَهُ فِي نَظْمِ أَخَوَاتِهِ فَيَكُونُ وَضْعُهُ لِلزَّمَانِ تَقْدِيرِيًّا، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ لَهُ الْمُقَدَّرِ وَلَوْ سُلَّمَ فَكَوْنُهَا فِي كَلَامِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ لِلْعِلْمِ، وَإِنْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مَمْنُوعٌ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّهَا فِي كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ لِلرَّجَاءِ بِاعْتِبَارِ الْمُخَاطَبِ كَمَا أَنَّ لَعَلَّ لِلتَّرَجِّي، وَالْإِشْفَاقِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَنَقَلَهُ الرَّضِيُّ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ لِلرَّجَاءِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَكَلَامِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَجَازَانِ، بَلْ مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُطْلَقُ الرَّجَاءِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ، أَوْ الْمُخَاطَبِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّرَجِّي بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخَاطِبِينَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ إنْشَاءِ التَّرَجِّي فَلَزِمَ أَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:، وَالْعِلْمُ مَا وُضِعَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ، فَهْمَ الْمَعَانِي مِنْ الْأَلْفَاظِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَعَانِي مُتَمَيِّزَةً مُعَيَّنَةً عِنْدَ السَّامِعِ فَإِذَا دَلَّ الِاسْمُ عَلَى مَعْنًى فَإِنْ لُوحِظَ كَوْنُهُ مُتَمَيِّزًا مَعْهُودًا عِنْدَ السَّامِعِ مَعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَهُوَ مَعْرِفَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ مَعَهُ، فَهُوَ نَكِرَةٌ فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ التَّعْيِينُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَعَارِفِ هُوَ التَّعْيِينُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ لَا الْوَاضِعِ وَلَا الْمُسْتَعْمِلِ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاضِعِ مُتَسَاوِيَةُ الْأَقْدَامِ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَكِرَتِهَا، وَمَعْرِفَتِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَضْعَ لِلشَّيْءِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَعْمِلِ فَإِنَّهُ يُورِدُ الْكَلَامَ مُلَاحِظًا فِيهِ حَالَ الْمُخَاطَبِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي النِّكَاتَ الْمُقْتَضِيَةَ لَا يُرَادُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ مَعْرِفَةُ مَعَ اخْتِلَافِ طُرُقِ التَّعْرِيفِ؛ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا حَقِيقَةُ التَّعْرِيفِ الْإِشَارَةُ إلَى مَا يَعْرِفُهُ مُخَاطَبُك. وَقَالَ اللَّيْثِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ الْمَعْرِفَةُ يُقْصَدُ بِهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ السَّامِعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعَيَّنٌ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَأَمَّا النَّكِرَةُ فَيُقْصَدُ بِهَا الْتِفَاتُ الذِّهْنِ إلَى الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَلَا يُلَاحَظُ فِيهَا تَعَيُّنُهُ، وَإِنْ كَانَ.

مِنْ أَقْسَامِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُضِعَا لِمُعَيَّنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَيِّنًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّ بَيْنَ مُصَاحَبَةِ التَّعَيُّنِ، وَمُلَاحَظَتِهِ فَرْقٌ جَلِيٌّ اهـ. فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَوَائِدِ الْغِيَاثِيَّةِ وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْمُطَوَّلِ، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ وَكُتُبُ مُحَقِّقِي الْأَعَاجِمِ مَشْحُونَةٌ بِذِكْرِهِ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ وَلَا اطِّلَاعَ عَلَى كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْمُرَادَ ذِهْنُ الْوَاضِعِ وَبَعْضُ ذِهْنِ الْمُسْتَعْمِلِ وَآخَرُ يَجْعَلُ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةً فَيَقُولُ هَلْ الْمُرَادُ ذِهْنُ الْمُسْتَقْبِلِ، أَوْ السَّامِعِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْعَلَّامَةِ سم، وَالْمُحَقِّقِ النَّاصِرِ حَيْثُ غَفَلَا عَنْ ذَلِكَ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِمَا فَقَالَ الْأَوَّلُ إنَّ النَّكِرَةَ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ أَيْضًا؛ إذْ الْوَاضِعُ إنَّمَا يَضَعُ لِمُعَيَّنٍ فَقَوْلُهُ خَرَجَ النَّكِرَةُ مَمْنُوعٌ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِهِ فَخَرَجَ النَّكِرَةُ فَإِنَّهُ وَإِنْ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ لَمْ يُعْتَبَرْ تَعَيُّنُهُ وَقَالَ الثَّانِي عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ، أَيْ: عِنْدَ الْمُسْتَعْمِلِ اهـ. فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ الثَّانِي عَلَى التَّعْرِيفِ مِنْ عَدَمِ شُمُولِهِ الْعَلَم بِالْغَلَبَةِ وَصِدْقِهِ عَلَى الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا اهـ. فَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ غَلَبَةَ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمَلِينَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْوَضْعِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَوَائِدِ الضِّيَائِيَّةِ فَيَدْجُلُ الْعَلَمُ بِالْغَلَبَةِ بِشُمُولِ الْوَضْعِ لِلتَّحْقِيقِيِّ، وَالْحُكْمِيِّ. وَعَنْ الثَّانِي بِمَا حَقَّقَهُ الْفَاضِلُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ مِنْ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ حَرْفٌ وُضِعَ لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ هُوَ تَعْيِينُ مَدْخُولِهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، أَوْ لِتِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ وَاسْمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِمَعْنَاهُ أَعْنِي الْمَاهِيَّةَ، أَوْ الْفَرْدَ الْمُنْتَشِرَ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ، وَالْمَجْمُوعُ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ التَّرْكِيبِيِّ لِمُعَيَّنٍ عِنْدَ السَّامِعِ هُوَ مَفْهُومُ مَدْخُولُهُ، أَوْ حِصَّتِهِ مِنْهُ فَأَفَادَ أَنَّ فِيهِ وَضْعَيْنِ فَيُفَارِقُ الْعَلَمَ بِأَنَّ الْوَضْعَ فِيهِ شَخْصِيٌّ بِخِلَافِهِ فَلَا يَدْخُلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ إذْ الْمَعْنَى مَا وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا شَخْصِيًّا، وَالْمُعَرَّفُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَدْخُلْ ولسم هُنَا كَلَامٌ طَوِيلُ الذَّيْلِ قَلِيلُ النَّيْلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَقْسَامِ) مِنْ لِلْبَيَانِ الْمَشُوبِ بِالتَّبْعِيضِ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ النَّاصِرِ لَفْظَةَ بَاقِي لِإِخْرَاجِ الْعَلَمِ كَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَوَقَعَ كَثِيرًا مِثْلُهُ فِي حَوَاشِي الْمُتَأَخِّرِينَ حَتَّى صَارَ قَوْلُهُمْ إنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ الْمَشُوبِ بِالتَّبْعِيضِ سُلَّمًا يَرْتَقُونَ بِهِ لِتَأْوِيلَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْبَيَانَ مُغَايِرٌ للِتَّبْعِيضِ فَكَيْفَ يُجَامِعُهُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ لَهُ مُسْتَقِلَّةٍ فِي مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ إنَّ الْبَعْضِيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي مِنْ هِيَ الْبَعْضِيَّةُ فِي الْأَجْزَاءِ دُونَ الْأَفْرَادِ عَلَى خِلَافِ التَّنْكِيرِ الَّذِي يَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَبِهِ تُفَارِقُ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةُ مِنْ الْبَيَانِيَّةَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ وَنَعْرِفُهَا أَيْ نَعْرِفُ مِنْ الْبَيَانِيَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ مِنْ أَوْ بَعْدَهَا مُبْهَمٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ بِمِنْ تَفْسِيرًا لَهُ وَيَقَعُ ذَلِكَ الْمَجْرُورُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبْهَمِ كَمَا يُقَالُ مَثَلًا لِلرِّجْسِ إنَّهُ الْأَوْثَانُ وَلَعِشْرُونَ إنَّهَا الدَّرَاهِمُ وَلِلضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِك عَزَّ مِنْ قَائِلٍ أَنَّهُ الْقَائِلُ بِخِلَافِ التَّبْعِيضِيَّةِ فَإِنَّ الْمَجْرُورَ بِهَا لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ

وَهُوَ أَيُّ جُزْئِيٍّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بَدَلًا عَنْهُ فَأَنْتَ مَثَلًا وُضِعَ لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِنْ أَيِّ جُزْئِيٍّ وَيَتَنَاوَلُ جُزْئِيًّا آخَرَ بَدَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُ الْمَجْرُورِ وَاسْمُ الْكُلِّ وَيَقَعُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِنْ قُلْتَ عِشْرُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَشَرْت بِالدَّرَاهِمِ إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ بَعْضُهَا، وَإِنْ قَصَدْت بِالدَّرَاهِمِ جِنْسَ الدَّرَاهِمِ، فَهِيَ مُبَيِّنَةٌ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْمَجْرُورِ عَلَى الْعِشْرِينَ. اهـ. كَلَامُ الرَّضِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيُّ جُزْئِيٍّ إلَخْ) فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَعَارِفَ مَا عَدَا الْعَلَمِ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ الْعَامِّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ الْخَاصِّ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ، وَمِنْهُمْ التَّفْتَازَانِيُّ يَجْعَلُونَهَا مَوْضُوعَةً لِلْكُلِّيَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي عَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْمَجَازِ لِلْحَقِيقَةِ وَلَا احْتَاجَ مَنْ نَفَى الِاسْتِلْزَامَ إلَى أَمْثِلَةٍ نَادِرَةٍ اهـ. وَنَظَرَ فِيهِ الْمَوْلَى مِيرْ زَاهِدْ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْجَلَالِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَجَازِ الَّذِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ حِينَ الْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالُ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ اهـ. وَأَقُولُ: هَذِهِ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَأَوْرَدَ مِيرْ زَاهِدْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِطْلَاقَاتِ الْمَجَازِيَّةِ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ خُصُوصًا فِي إطْلَاقِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ عِنْدَ إطْلَاقِهَا إلَى الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَأُورِدَ عَلَى التَّحْقِيقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُنَافِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الرَّئِيسُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ لِلصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ دُونَ الْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْحَاصِلَةَ فِي الذِّهْنِ هِيَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الصَّادِقَةَ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ قَالَ وَكَأَنَّ مُرَادُهُمْ بِالصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ هَاهُنَا نَفْسُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ كَانَ حَاصِلًا فِي الذِّهْنِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَجْهٍ مَا وَلِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ لِتُسْتَعْمَلَ فِي جُزْئِيَّاتِهِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ لَا لِذَلِكَ الْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ حَقِيقَةً وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجَازٌ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الرَّأْيَيْنِ لَفْظِيٌّ اهـ. ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْجُزْءِ مَا يَشْمَلُ الْجُزْئِيَّ الْحَقِيقِيَّ، وَالْإِضَافِيَّ فَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَطَالِعِ إنَّ كَلِمَةَ هُوَ مَوْضُوعَةٌ لِلْجُزْئِيَّاتِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ قَوْلِنَا كُلُّ غَائِبٍ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ جُزْئِيَّاتٍ حَقِيقَةً، أَوْ إضَافِيَّةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَتَنَاوَلُ جُزْئِيًّا آخَرَ بَدَلَهُ) قَالَ سم قَدْ يُسْتَشْكَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَرَّفِ بِأَلْ، أَوْ الْإِضَافَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَلَا عَلَى جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ؛ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيُّ جُزْئِيٍّ؛ إذْ لَيْسَتْ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ وَلَا عَلَى جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ أَيُّ جُزْئِيٍّ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْجُزْئِيَّاتِ لَيْسَتْ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ مَعَ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَعَانِي الْمُعَرَّفِ بِأَلْ، أَوْ الْإِضَافَةِ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ فِي الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَقِيقَةِ فِي ضِمْنِ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ لَا فِي نَفْسِ الْجُزْئِيَّاتِ عَلَى مَا حُقِّقَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، فَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ، أَوْ الْإِضَافَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ مَعَانِيهِ، وَهُوَ الْفَرْدُ الْمُعَيَّنُ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَا فِيهِ أَلْ الَّتِي لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِالِاصْطِلَاحِ الْبَيَانِيِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقَةُ فِي ضِمْنِ فَرْدٍ مَا فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُعَيَّنِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ

وَهَلُمَّ، وَكَذَا الْبَاقِي (فَإِنْ كَانَ التَّعَيُّنُ) فِي الْمُعَيَّنِ (خَارِجِيًّا فَعَلَمُ الشَّخْصِ) ، فَهُوَ مَا وُضِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقِيقَةُ لَمْ يَصْدُقْ قَوْلُهُ، وَهُوَ أَيُّ جُزْئِيٍّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، أَوْ الْفَرْدُ لَمْ يَصْدُقُ قَوْلُهُ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ إذْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَعَيُّنُ الْفَرْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِمَا ذُكِرَ أَيْضًا، أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الْقِسْمُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْبَيَانِ اهـ. وَأَقُولُ: ذِكْرُ الْإِضَافَةِ هُنَا دَخِيلٌ فَإِنَّ الرَّضِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا الْعَهْدُ، وَإِنَّمَا تَوَسَّعُوا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ وَاَلَّتِي لِلِاسْتِغْرَاقِ وَاَلَّتِي لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَحَاصِلُ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَيُّ جُزْئِيٍّ إلَخْ نَظَرًا لِغَالِبِ الْمَعَارِفِ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ شُمُولِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَتَخْتَصُّ الَّتِي لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهَا لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ مَسْبُوقٌ بِهِ فَإِنَّ الْعَلَّامَةَ أَبَا اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيَّ، أَوْرَدَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعَارِفَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ إلَخْ فَقَالَ مَا نَصُّهُ الْوَضْعُ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لِيُسْتَعْمَلَ فِي جُزْئِيَّاتِهِ مُشْكِلٌ فِي الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَعْنِي الْحَقِيقَةَ الْمُتَّحِدَةَ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَعْلُومَةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَصْدُ إلَى الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ فِي ضِمْنِ الْبَعْضِ، أَوْ الْكُلِّ اهـ. وَتَصَرَّفَ فِيهِ سم بِمَا سَمِعْت وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ مَثَلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَرَّفٌ فَاللَّامُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ، وَهُوَ مَفْهُومُ مَدْخُولِهِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ السَّامِعِ بِشَرْطِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ أَعْنِي هَذَا الْمَفْهُومَ، وَذَاكَ الْمَفْهُومَ، وَكَذَا الْعَهْدِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ هُنَا أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ، وَهِيَ جُزْئِيَّاتٌ إضَافِيَّةٌ بِالنَّظَرِ إلَى انْدِرَاجِهَا تَحْتَ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ. وَقَدْ عَلِمْت تَخْصِيصَ الْجُزْئِيَّاتِ بِالْحَقِيقَةِ فَمَفْهُومُ مَدْخُولِهِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ السَّامِعِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ تَحْتَهُ مَفَاهِيمُ هِيَ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ أَيْضًا كَالْإِنْسَانِ، وَالْفَرَسِ، وَالْحِمَارِ، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الْكُلِّيُّ بِشَرْطِ الِاسْتِعْمَالِ فِي جُزْئِيٍّ وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ آلَةً؛ لِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْمَفَاهِيمِ وَيُوضَعُ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا فَذَلِكَ الْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَوْضُوعٌ لَهُ وَعَلَى الثَّانِي آلَةُ الْمُلَاحَظَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ سم فَغَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّعَارِيفِ الْعُمُومُ. (قَوْلُهُ: وَهَلُمَّ) ، أَيْ: يَتَنَاوَلُ ثَالِثًا بَدَلًا عَنْهُمَا، وَهَكَذَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ التَّعْيِينُ إلَخْ) بَيَّنَ بِهَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ عَلَمَيْ الشَّخْصِ، وَالْجِنْسِ وَسَكَتَ عَنْ بَقِيَّةِ الْمَعَارِفِ، وَهِيَ تُشَارِكُهُمَا فِي التَّعْيِينِ وَتُفَارِقُهُمَا بِأَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِمَا بِالْوَضْعِ وَفِيهَا بِالْقَرِينَةِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: خَارِجِيًّا) الْمُرَادُ بِهِ التَّعَيُّنُ الشَّخْصِيُّ، فَهُوَ بِمَعْنَى مَا قِيلَ الْعَلَمُ مَا وُضِعَ لِشَيْءٍ مَعَ مُشَخِّصَاتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُشَخِّصَاتِ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ أَمَارَاتُ التَّشَخُّصِ لَا مُوجِبَاتُهُ؛ لِأَنَّ التَّشَخُّصَ هُوَ الْوُجُودُ عَلَى النَّحْوِ الْخَاصِّ، أَوْ حَالَةَ تَتْبَعُهُ، أَوْ تُقَارِنُهُ مِنْ الْأَعْرَاضِ، وَالصِّفَاتِ، فَالشَّكْلُ، وَالْكَيْفُ، وَالْكَمُّ أَمَارَاتٌ يُعْرَفُ بِهَا التَّشَخُّصُ فَتَبَدُّلُ الْمُشَخِّصَاتِ لَا يُوجِبُ تَبَدُّلَ الشَّخْصِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْبَحْثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَلَمِ فِي الصِّغَرِ بَعْدَ صِغَرِهِ مَجَازٌ لِتَغَيُّرِ الْمُشَخِّصَاتِ، وَالْأَجْزَاءِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُغَايَرَةَ لَا تُعْتَبَرُ عُرْفًا فَإِنَّ الْكَبِيرَ هُوَ الصَّغِيرُ عُرْفًا وَاعْتِبَارُ تِلْكَ الْمُغَايَرَةِ تَدْقِيقٌ فَلْسَفِيٌّ وَبِهِ يُجَابُ عَنْ مِثْلِ أَسْمَاءِ الْقَبَائِلِ، وَالْبُلْدَانِ فَإِنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ؛ إذْ لَمْ تَنْحَصِرْ فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ؛ إذْ الْمُرَادُ التَّعَيُّنُ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ أَيْضًا بِالْأَعْلَامِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَوْلُودِ الْغَائِبِ فَإِنَّ الْوَاضِعَ يَسْتَحْضِرُهُ بِوُجُوهٍ كُلِّيَّةٍ مُنْطَبِقَةٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ، وَهَذَا كَافٍ فِي وَضْعِ الْعِلْمِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَتَنَاوَلُ؛ لِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ، وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْكُورَانِيِّ كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ زِيَادَةُ قَوْلِهِمْ بِوَاضِعٍ وَاحِدٍ لِئَلَّا تَخْرُجَ الْأَعْلَامُ الْمُشْتَرَكَةُ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاوِلَةً غَيْرَهَا لَكِنْ لَا بِوَضْعٍ وَاحِدٍ، بَلْ بِأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ اهـ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهَا لِلْغَيْرِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لَهُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ عُرُوضُ وَضْعٍ ثَانٍ لِهَذَا الْغَيْرِ

لِمُعَيَّنٍ فِي الْخَارِجِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لَهُ فَلَا يَخْرُجُ الْعَلَمُ الْعَارِضُ الِاشْتِرَاكِ كَزَيْدٍ مُسَمًّى بِهِ كُلٌّ مِنْ جَمَاعَةٍ (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعَيُّنُ خَارِجِيًّا بِأَنْ كَانَ ذِهْنِيًّا (فَعَلَمُ الْجِنْسِ) ، فَهُوَ مَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ فِي الذِّهْنِ، أَيْ: مُلَاحَظِ الْوُجُودِ فِيهِ كَأُسَامَةَ عَلَمٌ لِلسَّبْعِ، أَيْ: لِمَاهِيَّتِهِ الْحَاضِرَةِ فِي الذِّهْنِ (وَإِنْ وُضِعَ) اللَّفْظُ (لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ) ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَيَّنَ فِي الْخَارِجِ، أَوْ الذِّهْنِ (فَاسْمُ الْجِنْسِ) كَأَسَدٍ اسْمٌ لِلسَّبْعِ، أَيْ: لِمَاهِيَّتِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ كَأَنْ يُقَالُ أَسَدٌ أَجْرَأُ مِنْ ثُعَالَةٍ كَمَا يُقَالُ أُسَامَةُ أَجْرَأُ مِنْ ثُعَالَةٍ، وَالدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعَيُّنِ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ لِعَلَمِ الشَّخْصِ عَلَيْهِ حَيْثُ مَثَلًا مُنِعَ الصَّرْفَ مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَلَا يَخْرُجُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَعَلَمُ الْجِنْسِ) الْمُرَادُ الْجِنْسُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مُطْلَقُ الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ فَيَتَنَاوَلُ النَّوْعَ فَإِنَّ الْأَسَدَ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ نَوْعٌ لَا جِنْسٌ. (قَوْلُهُ: لِمُعَيَّنٍ فِي الذِّهْنِ) فَعَلَمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُسْتَحْضَرَةِ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا وَاسْمُ الْجِنْسِ وُضِعَ لَهَا لَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَأَمَّا أَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِ شَرْطٌ، أَوْ شَطْرٌ فَمِمَّا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ فِي حَدِّ عَلَمِ الشَّخْصِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا فِي الذِّهْنِ يُخْرِجُ مَا يَخْرُجُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَعَارِفِ وَيُخْرِجُ أَيْضًا عَلَمَ الشَّخْصِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: مُلَاحَظِ الْوُجُودِ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ مُلَاحَظِ التَّعَيُّنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ فِي الذِّهْنِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِهِ عَنْ سَائِرِهَا، بَلْ بِالْمُشَخِّصَاتِ الذِّهْنِيَّةِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْوُجُودَ فِي الذِّهْنِ يَلْزَمُهُ التَّعَيُّنُ فَيَلْزَمُ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْوُجُودِ مُلَاحَظَةُ التَّعَيُّنِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُ إلَخْ مَمْنُوعٌ، وَإِلَّا لَكَانَ مَوْجُودًا فِي الْجِنْسِ أَيْضًا تَأَمَّلْ. وَأَجَابَ النَّجَّارِيُّ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ مُلَاحَظِ الْوُجُودِ فِيهِ، أَيْ: عَلَى وَجْهِ التَّشَخُّصِ اهـ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ الذِّهْنِيَّةَ كُلَّهَا صُوَرٌ شَخْصِيَّةٌ لِتَشَخُّصِهَا بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ كَمَا بَيَّنَ فِي الْحِكْمَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَيَّنَ) الْأَوْلَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحَظَ تَعَيُّنُهَا فِي الذِّهْنِ؛ إذْ التَّعَيُّنُ فِي الذِّهْنِ لَازِمٌ لِجَمِيعِ مَا وُجِدَ فِيهِ كَمَا سَمِعْت. (قَوْلُهُ: وَاسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ) ، أَيْ: فِي الْمَاهِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَرْدِ أَيْضًا وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الْجِنْسِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ. (قَوْلُهُ: أَسَدٌ أَجْرَأُ مِنْ ثَعْلَبٍ) هَذَا الْمِثَالُ يُفِيدُ أَنَّ أَسَدًا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْفَرْدِ لَا فِي الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ الْمَاهِيَّةُ فِي ضِمْنِ الْفَرْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ بِدُونِهِ خَارِجًا (قَوْلُهُ كَمَا يُقَالُ أُسَامَةُ إلَخْ) تَنْظِيرٌ فِي مُطْلَقِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِلَّا فَذَاكَ لَا تَعْيِينَ فِيهِ وَفِي هَذَا تَعْيِينٌ. (قَوْلُهُ: وَالدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعَيُّنِ إلَخْ) دَلِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مُلَاحَظِ الْوُجُودِ فِيهِ صَوَابُهُ مُلَاحَظِ التَّعَيُّنِ فَإِنَّهُ نَاصِرٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ إنَّ عَلَمِيَّتَهُ تَقْدِيرِيَّةٌ اضْطِرَارِيَّةٌ وَفِي الرَّضِيِّ إنَّ عَلَمِيَّةَ عَلَمِ الْجِنْسِ لَفْظِيَّةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ فِي الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ تَسْتَلْزِمُ التَّعْرِيفَ وَثُبُوتُ الْمَلْزُومِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اللَّازِمِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ مَثَلًا) مُقَدَّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ، أَيْ: حَيْثُ مُنِعَ الصَّرْفَ مَثَلًا

وَأُوقِعَ الْحَالُ مِنْهُ نَحْوَ هَذَا أُسَامَةُ مُقْبِلًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّعْيِينِ الْمُعَرَّفُ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ الْأَسَدُ أَجْرَأُ مِنْ الثَّعْلَبِ كَمَا أَنَّ مِثْلَ النَّكِرَةِ فِي الْإِبْهَامِ الْمُعَرَّفُ فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِمَعْنَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ نَحْوُ إنْ رَأَيْت الْأَسَدَ، أَيْ: فَرْدًا مِنْهُ فَفِرَّ مِنْهُ وَاسْتِعْمَالُ عَلَمِ الْجِنْسِ، أَوْ اسْمِهِ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا فِي الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمُبْهَمِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ حَقِيقِيٌّ نَحْوُ هَذَا أُسَامَةُ، أَوْ الْأَسَدُ، أَوْ أَسَدٌ، أَوْ إنْ رَأَيْت أُسَامَةَ، أَوْ الْأَسَدَ، أَوْ أَسَدًا فَفِرَّ مِنْهُ وَقِيلَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ وَرَجُلٍ وُضِعَ لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَدْخَلَ بِهِ مَنْعَ إدْخَالِ أَلْ وَالْإِضَافَةِ. (قَوْلُهُ: وَأُوقِعَ الْحَالُ مِنْهُ) ، أَيْ: بِدُونِ مُسَوِّغٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْحَالَ تَأْتِي مِنْ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِمُسَوِّغٍ. (قَوْلُهُ: هَذَا أُسَامَةُ مُقْبِلًا) فَاسْتُعْمِلَ فِي الْفَرْدِ فَإِنَّ الْإِقْبَالَ مِنْ صِفَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي التَّعْيِينِ) ، أَيْ: فِي اعْتِبَارِ مُطْلَقِ التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ مِنْ ذَاتِ الْكَلِمَةِ وَفِي الْمُعَرَّفِ مِنْ أَلْ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ مِثْلَ النَّكِرَةِ) بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ الْمُعَرَّفُ فَاللَّامُ الْجِنْسِ، وَقَدْ أَشَارَ التَّفْتَازَانِيُّ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِمَعْنَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَبَيْنَ النَّكِرَةِ بِقَوْلِهِ إنَّ النَّكِرَةَ تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ بَعْضٌ مِنْ جُمْلَةِ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ أَدْخُلُ سُوقًا بِخِلَافِ الْمُعَرَّفِ نَحْوِ أَدْخُلُ السُّوقَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الْحَقِيقَةِ، وَالْبَعْضِيَّةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْقَرِينَةِ كَالدُّخُولِ مَثَلًا، فَهُوَ كَعَامٍّ مَخْصُوصٍ بِالْقَرِينَةِ، فَالْمُجَرَّدُ، وَذُو اللَّامِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَرِينَةِ سَوَاءٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفَانِ (قَوْلُهُ: مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا) رَاجِعٌ إلَى اسْمِ الْجِنْسِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ) خَرَجَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَإِنَّهُ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْخَاصَّ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ يُغَايِرُ الْعَامَّ مِنْ حَيْثُ عُمُومُهُ. (قَوْلُهُ: حَقِيقِيٌّ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ التَّعْيِينَ الذِّهْنِيَّ مُعْتَبَرٌ فِي وَضْعِ عَلَمِ الْجِنْسِ، وَالْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْدِ فَكَيْفَ يَكُونَانِ فِيهِ حَقِيقَةً اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ إطْلَاقَهُ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِشَرْطِهَا، وَهُوَ الِاسْتِحْضَارُ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي ضِمْنِ الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمُبْهَمِ. (قَوْلُهُ: هَذَا أُسَامَةُ) ، أَوْ الْأَسَدُ، أَوْ أَسَدٌ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمُفْرَدِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ حَاصِلًا مَقْصُودًا مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَفِي الثَّانِي عَارِضًا مِنْ (أَلْ) وَفِي الثَّالِثِ حَاصِلًا غَيْرَ مَقْصُودٍ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْفَرْدِ هُوَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ مُرَادًا بِهِ ذَلِكَ الْفَرْدُ، وَالْمَحْمُولُ فِيمَا ذُكِرَ مُرَادٌ بِهِ مَفْهُومُهُ الْوَضْعِيُّ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَوْضُوعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْطِقِ لَا أَنَّهُ هُوَ بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ كَذِبًا اهـ. وَجْهُ الْبَحْثِ أَنَّ تَصْحِيحَ الْمَحَلِّ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِالْمَحْمُولِ الْمَفْهُومُ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْفَرْدِ فَلَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ؛ لِاسْتِعْمَالِ عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ فِي الْفَرْدِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ: الْأُولَى: امْتِنَاعُ حَمْلِ الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ، وَإِنْ اخْتَارَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْجَلَالَ الدَّوَانِيَّ صَحَّحَهُ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سِينَا، وَالْفَارَابِيِّ صِحَّةَ حَمْلِ الْجُزْئِيِّ وَأَنَّهُمَا صَرَّحَا بِذَلِكَ. الثَّانِيَةُ أَنَّ الْحَمْلَ بِمَعْنَى الصِّدْقِ لَا الِاتِّحَادِ وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ قَوْلُهُمْ الْمُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ الْمَوْضُوعِ الْإِفْرَادُ وَفِي جَانِبِ الْمَحْمُولِ الْمَفْهُومُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَايَا الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعُلُومِ، وَهِيَ الْمَحْصُورَاتُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَمْلُ بِمَعْنَى الِاتِّحَادِ لَلَزِمَ الْكَذِبُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالْمَوْضُوعِ الْفَرْدُ وَبِالْمَحْمُولِ الْمَفْهُومُ، وَالْحَمْلُ هُنَا حَمْلُ مُوَاطَأَةٍ، وَهُوَ حَمْلٌ هُوَ هُوَ يَلْزَمُ أَنَّ الْفَرْدَ هُوَ الْمَفْهُومُ، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَيَلْزَمُ الْكَذِبُ، وَهَذِهِ أَيْضًا مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاتِّحَادِ فِي الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّ وُجُودَ الْفَرْدِ هُوَ وُجُودُ الْمَفْهُومِ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ هَذَا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَفْهُومُ بِنَاءً عَلَى مُخْتَارِ السَّيِّدِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَرْدُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذَا هُوَ مَدْلُولُ أُسَامَةَ، أَوْ أَسَدٍ وَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَفِي الْخَارِجِ قَالَ مِيرْ زَاهِدْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ مَنَاطُ الْحَمْلِ هُوَ الِاتِّحَادُ فِي ظَرْفٍ، وَالتَّغَايُرُ فِي ظَرْفٍ آخَرَ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي الْكُلِّيَّاتِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحَمْلِ فِي كُلِّيَّةِ الْمَحْمُولِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إنْ رَأَيْت إلَخْ) فَإِنَّ الْمُفْرَدَ هُنَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: وُضِعَ لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ) قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ وَعَلَيْهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيٌّ فَإِنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ وَاسْمَ الْجِنْسِ لِلْفَرْدِ الْمُبْهَمِ عَلَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ اعْتِبَارِيٌّ قَالَ

[مسألة الاشتقاق من حيث قيامه بالفعل]

كَمَا يُؤْخَذُ مَعَ تَضْعِيفِهِ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُطْلَقَ: الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ وَأَنَّ مَنْ زَعَمَ دَلَالَتَهُ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ تَوَهَّمَهُ النَّكِرَةَ، فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِاسْمِ الْجِنْسِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالْمُطْلَقِ نَظَرًا إلَى الْمُقَابِلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْآتِي مِنْ إطْلَاقِ النَّكِرَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْمَعْرِفَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ صَحِيحٌ كَالْمَأْخُوذِ مِمَّا تَقَدَّمَ صَدْرَ الْمَبْحَثِ مِنْ إطْلَاقِ النَّكِرَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مَاهِيَّةً كَانَ، أَوْ فَرْدًا، وَالْمَعْرِفَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى الْمُعَيَّنِ كَذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ: (رَدُّ لَفْظٍ إلَى) لَفْظٍ (آخَرَ) بِأَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ إذَا قِيلَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ مَعَ وَحْدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَانَ تَجْرِيدُهُ عَنْ مَعْنَى الْوَحْدَةِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ، مِنْ حَيْثُ هِيَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ إلَّا أَنْ يُدَّعَى صَيْرُورَتُهُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَأَمَّا إذَا قِيلَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ، فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ. (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقَ الدَّالَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ) إنْ قِيلَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ وُضِعَ لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ هُوَ قَوْلُهُ أَنَّ مَنْ زَعَمَ دَلَالَتَهُ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ لَا قَوْلُهُ إنَّ الْمُطْلَقَ الدَّالَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اتِّحَادِ الْمُطْلَقِ وَاسْمِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمُطْلَقَ الدَّالَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ؛ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْكَلَامُ فِيمَا سَيَأْتِي إنَّمَا هُوَ فِي الْمُطْلَقِ لَا فِي اسْمِ الْجِنْسِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَوْضِعَيْنِ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ ذُكِرَ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ عَلَمِ الْجِنْسِ وَثَمَّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُقَيَّدِ. (قَوْلُهُ: صَحِيحٌ) ، أَيْ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: صَدْرَ الْمَبْحَثِ) ، أَيْ: فِي تَعْرِيفِ الْعَلَمِ وَتَقْسِيمِهِ. [مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ] (قَوْلُهُ: الِاشْتِقَاقُ) يُحَدُّ بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَبِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فَحَدُّهُ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ مَا قَالَهُ الْمَيْدَانِيُّ هُوَ أَنْ تَجِدَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَنَاسُبًا فِي الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبِ فَتَرُدَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَبِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي مَا قَالَهُ الرُّمَّانِيُّ الِاشْتِقَاقُ اقْتِطَاعُ فَرْعٍ مِنْ أَصْلٍ يَدُورُ فِي تَصَارِيفِهِ الْأَصْلُ قَالَ، وَالْأَصْلُ، وَالْفَرْعُ هُنَا غَيْرُهُمَا فِي الْأَقْيِسَةِ الْفِقْهِيَّةِ، فَالْأَصْلُ هَاهُنَا يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْمَعْنَى وَضْعًا أَوَّلِيًّا، وَالْفَرْعُ لَفْظٌ يُوجَدُ فِيهِ تِلْكَ الْحُرُوفُ مَعَ نَوْعِ تَغْيِيرٍ يُضَمُّ إلَيْهِ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا رُجِّحَ بِهِ أَصَالَةُ الْمَصْدَرِ لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَصْدَرِ فِي مَعْنَاهُ وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ الْمَخْصُوصِ اهـ. وَقَالَ الزَّمْلَكَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ الِاشْتِقَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِأَلْفَاظٍ يَجْمَعُهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الْمَعْنَى نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا» وَلَيْسَ مِنْهُ {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن: 54] ؛ لِأَنَّ الْجَنَى لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الِاجْتِنَانِ. اهـ. وَحَدُّ الْمُصَنِّفُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَالشَّارِحُ حَمَلَهُ عَلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ بِأَنْ يُحْكَمَ إلَخْ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالرَّدِّ يَقْتَضِي وُجُودَ كُلٍّ مِنْ الْمَرْدُودِ، وَالْمَرْدُودِ إلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِ الرَّدِّ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالِاقْتِطَاعِ، وَالْأَخْذِ وَنَحْوِهِمَا، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَظَاهِرٌ شُمُولُهُ لِأَقْسَامِ الْكَلِمَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا فِي الِاسْمِ وَالْفِعْلِ فَظَاهِرٌ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ هَلْ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ الْفِعْلُ، أَوْ الْمَصْدَرُ. وَأَمَّا فِي الْحَرْفِ فَلِقَوْلِ ابْنِ جِنِّي فِي الْخَاطِرِيَّاتِ لَا إنْكَارَ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ الْحُرُوفِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا سَوَّفْت الرَّجُلَ إذَا قُلْت لَهُ سَوِّفْ أَفْعَلُ وَسَأَلْتُك حَاجَةً فَلَوْلَيْتَ لِي، أَيْ: قُلْت لِي لَوْلَا، وَلَا لَيْتَ لِي أَيْ قُلْت لِي لَا لَا وَقَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَلِيتُهُ حَقَّهُ، أَيْ: انْتَقَصَهُ إيَّاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَيْتَ لِي كَذَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَنِّي لِلشَّيْءِ مُعْتَرِفٌ بِنَقْصِهِ عَنْهُ وَحَاجَتِهِ إلَيْهِ اهـ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَصْلِ مَا يَشْمَلُ الْمُقَدَّرَ فَدَخَلَتْ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَا مَصْدَرَ لَهَا كَعَسَى وَلَيْسَ، فَهِيَ مُشْتَقَّةٌ وَلَا يُنَافِيهِ وَصْفُ النُّحَاةِ لَهَا بِالْجُمُودِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّصَرُّفِ لَا بِمَعْنَى عَدَمِ الِاشْتِقَاقِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ إلَخْ) إنَّمَا قَيَّدَهُ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ رَدٌّ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّهُ مَصْدَرُ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ مَصْدَرُ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ يَتَّصِفُ بِهِ الْفَاعِلُ عَلَى جِهَةِ قِيَامِهِ بِهِ، وَالْمَفْعُولُ عَلَى وِجْهَةِ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ أُرِيدَ تَعْرِيفُهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قِيلَ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْرِيفُهُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَفْعُولِ أَقْرَبُ

أَيْ فَرْعٌ عَنْهُ (وَلَوْ) كَانَ الْآخَرُ (مَجَازًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى) بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (قَوْلُهُ: أَيْ فَرْعٌ عَنْهُ) التَّعْبِيرُ بِالْفَرْعِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِقَاقَ لَا يَقَعُ فِي الْأَعْلَامِ الْمُرْتَجَلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ فَقَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَقْدَحُ فِي الِارْتِجَالِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الِاشْتِقَاقِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُهُ لِمَعْنًى فَإِذَا سُمِّيَ بِهِ كَانَ مَنْقُولًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فَلَا يَكُونُ مُرْتَجَلًا اهـ. وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْأَعْجَمِيَّةُ كَجِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ وَنَحْوِهِمَا فَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لَا اشْتِقَاقَ فِيهَا؛ إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا اشْتِقَاقٌ لَمَا كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً لِكَوْنِ الْعُجْمَةِ مُنَافِيَةً لِلِاشْتِقَاقِ الْحَاصِلِ فِي الْعَرَبِيَّةِ اهـ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ، وَالنَّظَائِرِ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهَا هَلْ تُوزَنُ أَمْ لَا فَقِيلَ لَا تُوزَنُ لِتَوَقُّفِ الْوَزْنِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَصْلِ، وَالزَّائِدِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالِاشْتِقَاقِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا فَلَا تُوزَنُ وَقِيلَ تُوزَنُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ بِمَعْنَاهُ اهـ. وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْفَرْعُ لِأَصْلٍ وَاحِدٍ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ يَعِيشَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاسْمَانِ مُشْتَقَّيْنِ مِنْ شَيْءٍ، وَالْمَعْنَى بِهِمَا وَاحِدٌ وَبِنَاؤُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَيَخْتَصُّ أَحَدُ الْبِنَاءَيْنِ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لِلْفَرْقِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا عَدْلُ لِمَا يُعَادِلُ مِنْ الْمَتَاعِ وَعَدِيلٌ لِمَا يُعَادِلُ مِنْ الْأَنَاسِيِّ، وَالْأَصْلُ وَاحِدٌ، وَهُوَ عَدْلٌ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَلَكِنْ خَصُّوا كُلَّ بِنَاءٍ بِمَعْنًى لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ آخَرُ لِلْفَرْقِ، وَمِثْلُهُ بِنَاءٌ حَصِينٍ وَامْرَأَةٌ حِصَانٌ، وَالْأَصْلُ وَاحِدٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحِرْزُ، فَالْبِنَاءُ يُحْرَزُ مِنْ يَكُونَ بِهِ وَيُلْجَأُ إلَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ تَحْرُزُ فَرْجَهَا، ثُمَّ إنَّ النَّاصِرَ، أَوْرَدَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْفَرْعِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ الْمَنْسُوبِ، وَالْمُصَغَّرِ، وَالْجَمْعِ، وَالتَّثْنِيَةِ وَلَيْسَا مِنْ الِاشْتِقَاقِ وَيَلْزَمُ فَسَادٌ آخَرُ، وَهُوَ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ بِالْأَصَالَةِ، وَالْفَرْعِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاشْتِقَاقِ فَلَا يُدْرَكَانِ إلَّا بِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمُعَرَّفِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَجْزَاءِ الْمُعَرِّفِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ مُشْتَقَّاتٌ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ اشْتِقَاقٌ وَقِسْ الْبَاقِي. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْفَرْعِيَّةَ، وَالْأَصَالَةَ أَعَمُّ مِنْهُمَا فِي الِاشْتِقَاقِ لِتَحَقُّقِهِمَا فِي غَيْرِهِ بِدُونِهِ فَلَا يَسْتَلْزِمَانِهِ فَيُعَقَّلَانِ بِدُونِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ إلَخْ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ بِحَسَبِ زَعْمِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْغَزَالِيَّ يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ فِي الْمَجَازِ لَا بِحَسَبٍ الْوَاقِعِ يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: لِمُنَاسَبَةٍ إلَخْ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْمَعْنِيّ تَارَةٌ تَكُونُ بِاسْتِلْزَامِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا بَعْضَ الْآخَرِ، أَوْ عَيْنَهُ، أَوْ مُقَرَّبًا لَهُ، وَإِنْ كَانَا مُتَغَايِرَيْنِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ لَيْسَ مُرَادًا وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ، أَيْ: مَدْلُولِهِ بِدُونِ زِيَادَةٍ لِلثَّانِي عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَقْتَلِ مِنْ الْقَتْلِ. وَقَدْ يَكُونُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقَاتِلِ مِنْ الْقَتْلِ، ثُمَّ إنَّ فَائِدَةَ الِاشْتِقَاقِ فِيمَا إذَا كَانَ عَيْنُ الْأَوَّلِ التَّوَسُّعَ فِي اللُّغَةِ فَقَدْ يَضْطَرُّ الشَّاعِرُ، أَوْ النَّاثِرُ لِلنُّطْقِ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَأَمَّا الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى، فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اتِّحَادِ مَفْهُومِ اللَّفْظَيْنِ فِي النَّوْعِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَايَرُ مَفْهُومَاهُمَا إلَّا بِاعْتِبَارِ اسْتِفَادَتِهِمَا مِنْ اللَّفْظَيْنِ كَالْقَتْلِ مَعَ الْمَقْتَلِ مَصْدَرًا، أَوْ بِاعْتِبَارِ التَّغَايُرِ بِالْإِطْلَاقِ، وَالتَّقْيِيدِ أَيْضًا كَمَا فِي ضَرَبَ مَعَ ضَرْبٍ، فَالْمُنَاسَبَةُ أَعَمُّ. وَقَدْ أَخْرَجَ شَارِحُ الْمِنْهَاجِ بِهَذَا الْقَيْدِ نَحْوَ الذَّهَابِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الذَّهَبِ وَأَخْرَجَ الْمَعْدُولَ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَلَا مُغَايَرَةَ فِي الْمَعْدُولِ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ فَقَدْ قَالَ الزَّمْلَكَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْبَسِيطِ الْعَدْلُ ضَرْبٌ مِنْ الِاشْتِقَاقِ إلَّا أَنَّهُ مُضْمَرٌ بِتَقْدِيرِ وَضْعِهِ مَوْضِعَ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ؛ وَلِذَلِكَ ثَقُلَ الْمَعْدُولُ وَلَمْ يَثْقُلْ الْمُشْتَقُّ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ مَوْقِعَ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ بِمِثْلِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ فَقَالَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْعَدْلُ أَخْذُ صِيغَةٍ مِنْ صِيغَةٍ أُخْرَى مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ عَلَيْهَا، وَالِاشْتِقَاقُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَالْعَدْلُ قِسْمٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الثَّانِي إلَخْ) خَرَجَ بِهِ نَحْوُ مِلْحٍ وَلَحْمٍ إنْ قَلَّتْ الْمُنَاسَبَةُ نِسْبَةً بَيْنَهُمَا فَمَا وَجْهُ كَوْنِ أَحَدِهِمَا مُشْتَقًّا، وَالْآخَرُ مُشْتَقًّا مِنْهُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لِوُجُودِ مَزِيَّةٍ فِي الْمُشْتَقِّ مِنْهُ أَمَّا فِي الْمَعْنَى بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مُتَأَصِّلًا فِيهِ وَغَيْرَ طَارٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْحَدَثِ، وَالْفِعْلَ عَلَى الْحَدَثِ الْمُقَيَّدِ بِالزَّمَنِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ. وَأَمَّا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مَا فِيهِ زِيَادَةُ فَرْعٍ لِمَا لَا زِيَادَةَ فِيهِ فَإِنَّ الْأَصْلَ

فِي الْأَوَّلِ (وَالْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ) بِأَنْ تَكُونَ فِيهِمَا عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي النَّاطِقِ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً وَبِمَعْنَى الدَّلَالَةِ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِك الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا أَيْ دَالَّةٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ مَجَازًا كَمَا سَيَأْتِي لَا يُقَالُ مِنْهُ آمِرٌ وَلَا مَأْمُورٌ مَثَلًا بِخِلَافِهِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ حَقِيقَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّ عَدَمَ الِاشْتِقَاقِ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ عَلَامَاتِ كَوْنِهِ مَجَازًا أَنَّهُمْ مَانِعُونَ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ بِلَوْ كَمَا قَالَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الِاشْتِقَاقِ وُجُودُ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ تَعْرِيفٌ لِلِاشْتِقَاقِ الْمُرَادِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الصَّغِيرُ أَمَّا الْكَبِيرُ فَلَيْسَ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَمَا فِي الْجَذْبِ وَجَبذْ، وَالْأَكْبَرُ لَيْسَ فِيهِ جَمِيعُ الْأُصُولِ كَمَا فِي الثَّلْمِ وَثَلْبٍ وَيُقَالُ أَيْضًا أَصْغَرُ وَصَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَأَصْغَرُ وَأَوْسَطُ وَأَكْبَرُ. (وَلَا بُدَّ) فِي تَحَقُّقِ الِاشْتِقَاقِ (مِنْ تَغْيِيرٍ) بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَحْقِيقًا كَمَا فِي ضَرَبَ مِنْ الضَّرْبِ وَقَسَّمَهُ فِي الْمِنْهَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَكُونَ) ، أَيْ: الْحُرُوفُ بِتَمَامِهَا؛ إذْ الْكَلَامُ فِي الِاشْتِقَاقِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ وَقَيَّدَ الْحُرُوفَ بِالْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَزِيدَةَ لَا يُحْتَاجُ لِلِاشْتِقَاقِ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَصْلِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً كُلُّهَا؛ إذْ قَدْ يُحْذَفُ بَعْضُهَا لِعَارِضٍ كَخِفْ وَكُلْ مِنْ الْخَوْفِ، وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لِعِلَّةٍ تَصْرِيفِيَّةٍ كَالثَّابِتِ فَإِنَّ أَصْلَ خِفْ أَخْوَفْ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا فَاسْتَغْنَى عَنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْوَاوُ؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ) تَفْسِيرٌ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْحُرُوفِ فَلَمْ يُهْمِلْ الْمُصَنِّفُ قَيْدَ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ الِاشْتِقَاقُ الْكَبِيرُ وَخَرَجَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ الِاشْتِقَاقَ الْأَكْبَرَ. (قَوْلُهُ: الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا) مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ، أَوْ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكِنِيَّةِ وَتَقْرِيرُهُمَا غَيْرُ خَفِيٍّ عَلَيْك. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ) ، أَيْ: الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ، أَيْ: الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ كَاضْرِبْ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ إلَخْ) ، أَيْ: حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْجُمْهُورِ كَمَا، فَهِمَ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْفَاءِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ مَانِعُونَ الِاشْتِقَاقَ) ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ عَدَمِ الِاشْتِقَاقِ عَلَامَةً عَلَى الْمَجَازَانِ وُجُودُ الِاشْتِقَاقِ عَلَامَةً عَلَى عَدَمِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ إلَخْ) فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ إذْ ظَاهِرُهُ أَنْ عَكْسَ الْعَلَامَةِ هَاهُنَا كُلَّمَا وُجِدَ الِاشْتِقَاقُ وُجِدَتْ الْحَقِيقَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ عَكْسُهَا كُلَّمَا وُجِدَ الْمَجَازُ وُجِدَ عَدَمُ الِاشْتِقَاقِ كَمَا أَنَّ إطْرَادَهَا كُلَّمَا وُجِدَ عَدَمُ الِاشْتِقَاقِ وُجِدَ الْمَجَازُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّغِيرُ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ إنْ اعْتَبَرَ فِي الِاشْتِقَاقِ الْحُرُوفَ الْأُصُولَ مَعَ التَّرْتِيبِ، فَالِاشْتِقَاقُ الصَّغِيرُ، وَإِلَّا فَإِنْ اعْتَبَرَ الْحُرُوفَ الْأُصُولَ، فَالْكَبِيرُ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ الْحُرُوفِ بِالنَّوْعِيَّةِ، وَالْمَخْرَجِ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ الِاشْتِقَاقِ فِي مِثْلِ الْحَبْسِ مَعَ الْمَنْعِ، وَالْقُعُودِ مَعَ الْجُلُوسِ وَيُسَمَّى الْأَكْبَرَ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِيهِ التَّرْتِيبُ) الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ التَّرْتِيبِ فَيَكُونُ مُبَايِنًا لِلصَّغِيرِ وَحِينَئِذٍ، فَالتَّسْمِيَةُ بِصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ اصْطِلَاحِيَّةٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَيَصْدُقُ بِوُجُودِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الصَّغِيرِ، فَالتَّسْمِيَةُ حِينَئِذٍ بِالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ أَكْثَرُ إفْرَادًا. (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهِ جَمِيعُ الْأُصُولِ) ، أَيْ: بَلْ فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا فِي الثَّلْمِ وَثَلَبَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الضَّمَانُ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّ ذِمَّةً إلَى أُخْرَى فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ لَمْ يَقُلْ بِالِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ مِنْ النُّحَاةِ إلَّا أَبُو الْفَتْحِ وَكَانَ ابْنُ الْبَاذِشِ يَأْنَسُ بِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ. وَعَنْ ابْنِ فَارِسٍ أَنَّهُ قَالَ بِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْمَقَايِيسُ فِي اللُّغَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَجْمُوعَ كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا يُوهِمُ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي أَنْوَاعِ الِاشْتِقَاقِ الثَّلَاثَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُنَاسَبَةُ فِي الصَّغِيرِ بِمَعْنًى وَفِي الْكَبِيرِ، وَالْأَكْبَرِ بِمَعْنًى آخَرَ، فَالْمُنَاسَبَةُ فِي الصَّغِيرِ مَعْنَاهَا الْمُوَافَقَةُ وَبِالْمُوَافَقَةِ غَيَّرَ فِيهِ

خَمْسَةَ عَشَرَ قِسْمًا، أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا فِي طَلَبَ مِنْ الطَّلَبِ فَيُقَدَّرُ أَنَّ فَتْحَةَ اللَّامِ فِي الْفِعْلِ غَيْرُهَا فِي الصَّدْرِ كَمَا قَدَّرَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ ضَمَّةَ النُّونِ فِي جُنُبٍ جَمْعًا غَيْرُهَا فِيهِ مُفْرَدًا وَلَوْ قَالَ تَغَيَّرَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كَانَ أَنْسَبَ (، وَقَدْ يَطَّرِدُ) الْمُشْتَقُّ (كَاسْمِ الْفَاعِلِ) نَحْوُ ضَارِبٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَقَعَ مِنْهُ الضَّرْبُ (وَقَدْ يَخْتَصُّ) بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ (كَالْقَارُورَةِ) مِنْ الْقَرَارِ لِلزُّجَاجَةِ الْمَعْرُوفَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مُقِرٌّ لِلْمَائِعِ كَالْكُوزِ. (، وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَصْفٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ لَهُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ لَفْظِهِ (اسْمٌ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ ذَلِكَ حَيْثُ نَفَوْا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةَ كَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ وَوَافَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ قَادِرٌ مَثَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْحَاجِبِ، وَالْمُنَاسَبَةُ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَكْبَرِ أَعَمُّ مِنْ الْمُوَافَقَةِ كَمَا حَقَّقَهُ الْعَضُدُ مُمَثِّلًا لِلِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ بِنَحْوِ كَنَى وَنَاكَ فَإِنَّ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لَيْسَ فِي الْمُشْتَقِّ، وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا تَنَاسُبٌ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ مَعْنَيَيْهَا يَرْجِعَانِ إلَى السِّتْرِ؛ لِأَنَّ فِي الْكِنَايَةِ سِتْرًا لِلْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلصَّرِيحِ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ مِمَّا يُسْتَتَرُ فِيهِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ سِتْرٌ لِلْآلَةِ بِتَغْيِيبِهَا فِي الْفَرْجِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: خَمْسَةَ عَشَرَ قِسْمًا) قَدْ اسْتَوْفَاهَا الْكَمَالُ وَالنَّجَّارِيُّ، وَهِيَ قَلِيلَةُ الْجَدْوَى قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ سَاقَهَا إنَّ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ لَا أَثَرَ لَهَا وَلَا حَرَكَاتِ الْبِنَاءِ، وَمَا فِي بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ بِنَائِهِ عَلَى اعْتِبَارِ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ، وَالْبِنَاءِ فَإِنَّمَا ارْتَكَبَ لِلضَّرُورَةِ فِي التَّمْثِيلِ. (قَوْلُهُ: كَانَ أَنْسَبَ) ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ صِفَةُ الْمُغَيِّرِ وَصِفَةَ اللَّفْظِ التَّغَيُّرُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ التَّغْيِيرِ وَأَيْضًا الْكَلَامُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْعِلْمِيِّ، وَهُوَ لَا تَغْيِيرَ فِيهِ؛ إذْ هُوَ مُجَرَّدُ الْحُكْمِ بِأَخْذِ لَفْظٍ مِنْ آخَرَ، وَالْحَاكِمُ لَا يَقَعُ مِنْهُ تَغْيِيرٌ، وَإِنَّمَا التَّغْيِيرُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْعَمَلُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ الصَّوَابَ لِإِمْكَانِ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ الْحُكْمُ بِالتَّغَيُّرِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَطْرُدُ) أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمَاعِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ اُعْتُبِرَ فِي مُسَمَّى الْمُشْتَقِّ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُشْتَقُّ اسْمًا لِذَاتٍ مُبْهَمَةٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَهُوَ مُطَّرِدٌ لُغَةً كَضَارِبٍ، وَمَضْرُوبٍ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ لَا عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلتَّسْمِيَةِ مِنْ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ بِحَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ الِاسْمُ اسْمًا لِذَاتٍ مَخْصُوصَةٍ يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَهُوَ مُخْتَصٌّ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِهَا مِمَّا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَالْقَارُورَةِ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الزُّجَاجَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِمَّا هُوَ مَقَرُّ الْمَائِعِ وَكَالدَّبَرَانِ لَا يُطْلَقُ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ دَبُورٌ غَيْرَ الْكَوَاكِبِ الْخَمْسَةِ الَّتِي فِي الثَّوْرِ، وَهِيَ مُنَزَّلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْمَائِعِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ لِلْقَرَارِ، وَإِلَّا، فَالْجَامِدُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَصْفٌ) اُحْتُرِزَ بِالْوَصْفِ عَنْ الِاشْتِقَاقِ مِنْ الْأَعْيَانِ فَلَا يَجِبُ مَعَهَا كَمَا فِي لَابِنٍ وَتَامِرٍ وَحَدَّادٍ، وَمَكِّيٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْسُوبَ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ فِي الِاشْتِقَاقِ قِيَامُ الْمُشْتَقِّ بِمَالِهِ الِاشْتِقَاقُ، فَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ الْمَصَادِرِ (قَوْلُهُ:، أَيْ: مِنْ لَفْظِهِ) ارْتَكَبَ الِاسْتِخْدَامَ؛ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ اللَّفْظِ لَا مِنْ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: حَيْثُ نَفَوْا إلَخْ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ نَفْيِهِمْ الصِّفَاتِ بِاللُّزُومِ مَعَ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَا يُعَدُّ مَذْهَبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا بَيِّنًا فَإِنَّهُ يُعَدُّ، وَاللَّازِمُ هُنَا لَيْسَ بَيِّنًا عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ أَنَّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ حَيْثُ قَالَ فَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُخَالِفُوا إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ) حَقُّهُ

لَكِنْ قَالُوا بِذَاتِهِ لَا بِصِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهَا مُتَكَلِّمٌ لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقٌ لِلْكَلَامِ فِي جِسْمٍ كَالشَّجَرَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ إلَّا الْحُرُوفَ، وَالْأَصْوَاتِ الْمُمْتَنِعِ اتِّصَافُهُ تَعَالَى بِهَا فَفِي الْحَقِيقَةُ لَمْ يُخَالِفُوا فِيمَا هُنَا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْكَلَامِ بِمَعْنَى خَلْقِهِ ثَابِتَةٌ لَهُ تَعَالَى وَبَقِيَّةُ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ لَا يَسَعُهُمْ نَفْيُهَا لِمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى تَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ أَضْدَادِهَا، وَإِنَّمَا يَنْفُونَ زِيَادَتَهَا عَلَى الذَّاتِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا نَفْسُ الذَّاتِ مَرَّ تَبَيُّنُ ثَمَرَاتِهَا عَلَى الذَّاتِ كَكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا فَرُّوا بِذَلِكَ مِنْ تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْقُدَمَاءِ إنَّمَا هُوَ مَحْذُورٌ فِي ذَوَاتٍ لَا فِي ذَاتٍ وَصِفَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَقُولَ، وَالْكَلَامُ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَنْفِيٌّ عِنْدَهُمْ عَنْ الذَّاتِ، وَإِنْ قَالُوا بِقِيَامِهِ بِمَحَلٍّ آخَرَ كَالشَّجَرَةِ، أَوْ بِثُبُوتِ صِفَةٍ فَعَلَيْهِ بِمَعْنَى خَلْقِ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا حَقُّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِيمَا وَافَقُونَا عَلَيْهِ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ اهـ. نَاصِرٌ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْكَلَامَ كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةَ وَفِي تَمْثِيلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ بِوَاسِطَةِ دُخُولِ كَافِ التَّمْثِيلِ عَلَيْهِ، فَهَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّيْخِ. (قَوْلُهُ: خَالِقٌ لِلْكَلَامِ) نَظَرَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُشْتَقِّ الْحَقِيقِيِّ لَا الْمَجَازِيِّ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ بِمَعْنَى أَنَّهُ ذُو كَلَامٍ لَكِنْ قَائِمٌ بِمَحَلٍّ آخَرَ، فَالنِّزَاعُ إذًا مَعَهُمْ فِي جَوَازِ الِاشْتِقَاقِ مَعَ قِيَامِ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ بِمَحَلٍّ آخَرَ اهـ. وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُشْتَقِّ الْحَقِيقِيِّ لَا الْمَجَازِيِّ، بَلْ هُوَ فِي الْأَعَمِّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ بِمَعْنَى أَنَّهُ ذُو كَلَامٍ إلَخْ إنْ أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ حَقِيقَةً فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ خَلَقَ الْكَلَامَ، فَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمْ يُعْرَفْ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ خِلَافَهُمْ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ مَعْنَى قَامَ بِغَيْرِهِ لَا مِنْ مَعْنَى لَمْ يَقُمْ بِهِ فَفِيهِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى أَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ مَعْنَى لَمْ يَقُمْ بِهِ وَكَوْنُهُ قَامَ بِغَيْرِهِ أَوَّلًا لَا ثَمَرَةَ لَهُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُخَالِفُوا فِيمَا هُنَا، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَصْفٌ إلَخْ) ، بَلْ قَائِلُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: نَفْسُ الذَّاتِ) فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الزَّعْمَ بَدِيهِيُّ الِاسْتِحَالَةِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ اتِّحَادِ الذَّاتِ، وَالْمَعْنَى، وَالْحَقُّ أَنَّهَا عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ صِفَاتٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ كَالْعِلْمِ بِمَعْنَى انْكِشَافِ الْمَعْلُومِ لَا بِمَعْنَى صِفَةِ تَوْجِيهٍ فَلَمْ يُشْتَقَّ مَعَ انْتِفَاءِ قِيَامِ الْمَعْنَى وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ جَعْلُ الذَّاتِ مَعْنًى قَالَهُ النَّاصِرُ. وَأَقُولُ: هَذَا خِلَافُ مَا هُوَ الْمُحَرَّرُ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ وَكَانَ الشَّيْخُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهَا مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ فَنَقَلَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ فِيمَا كَتَبَهُ حَوَاشِيهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا بَاطِنُ كَلَامِهِمْ، فَالصِّفَاتُ الَّتِي جَعَلَهَا الْأَشَاعِرَةُ، وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ صِفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ زَائِدَةٌ مِثْلُ الْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، فَهِيَ عَيْنُ الذَّاتِ عِنْدَهُمْ إلَّا صِفَةَ الْإِرَادَةِ فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهَا لَا بِمَحَلٍّ فِي زَعْمِهِمْ، وَالصِّفَاتُ الَّتِي جَعَلُوهَا صِفَاتٍ اعْتِبَارِيَّةً زَائِدَةٌ لَيْسَتْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، بَلْ الصِّفَاتُ الْمُعَلَّلَةُ بِهَا كَالْعَالِمِيَّةِ الْمُعَلَّلَةِ بِالْعِلْمِ إلَخْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ، وَالْقُدْرَةُ وَأَمْثَالُهَا عَيْنَ الذَّاتِ عِنْدَهُمْ كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ مُعَلَّلَةً بِالذَّاتِ عِنْدَهُمْ لَا بِالْعِلْمِ الزَّائِدِ إلَخْ؛ وَلِذَا قَالُوا هُوَ عَالِمٌ بِالذَّاتِ وَقَادِرٌ بِالذَّاتِ وَعِلْمُهُ عَيْنُ ذَاتِهِ وَعَالَمِيَّتُهُ زَائِدَةٌ وَقَادِرٌ بِذَاتِهِ وَقَادِرِيَّتُهُ زَائِدَةٌ إلَخْ فَلَيْسَ لِلْوَاجِبِ عِلْمٌ زَائِدٌ لَا صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَلَا اعْتِبَارِيَّةٌ؛ وَلِذَا أَوْرَدَ عَلَيْهِمْ الْأَشَاعِرَةُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ عَالِمٌ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا هَذَا الْجِسْمُ أَسْوَدُ وَلَا سَوَادَ لَهُ، وَهُوَ سَفْسَطَةٌ فَلَوْ أَثْبَتُوا لَهُ تَعَالَى عِلْمًا زَائِدًا وَلَوْ وَصْفًا اعْتِبَارِيًّا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ لَا يُرَادُ وَجْهٌ أَصْلًا اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَفِي الدَّوَانِيِّ أَيْضًا، وَالْفَلَاسِفَةُ حَقَّقُوا عَيْنِيَّةَ الصِّفَاتِ اهـ. فَقَدْ رَجَعَ كَلَامُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ بِعَيْنِهِ وَلَنَا فِي هَذَا الْمَطْلَبِ رِسَالَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ اسْتَوْعَبْنَا فِيهَا أَطْرَافَ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: فَرُّوا بِذَلِكَ مِنْ تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ) ، أَيْ: الَّذِي كَفَرَتْ بِهِ النَّصَارَى. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ) أَيْ، وَالتَّحْقِيقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إلَخْ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ رَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَمَسَّكُوا بِهِ. (قَوْلُهُ: لَا فِي ذَاتٍ وَصِفَاتٍ)

(وَمِنْ بِنَائِهِمْ) عَلَى التَّجْوِيزِ (اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ذَابِحٌ) ، أَيْ: ابْنَهُ إسْمَاعِيلَ حَيْثُ أَمَرَّ عِنْدَهُمْ آلَةَ الذَّبْحِ عَلَى مَحَلِّهِ مِنْهُ لِأَمْرِ اللَّهِ إيَّاهُ بِذَبْحِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] إلَخْ (وَاخْتِلَافُهُمْ هَلْ إسْمَاعِيلُ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (مَذْبُوحٌ) فَقِيلَ نَعَمْ، وَالْتَأَمَ مَا قُطِعَ مِنْهُ وَقِيلَ لَا، أَيْ: لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالْقَائِلُ بِهَذَا أَطْلَقَ الذَّابِحَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الذَّبْحُ لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُمِرٌّ آلَتَهُ عَلَى مَحَلِّهِ فَمَا خَالَفَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَا هُنَا أَنْسَبُ بِالْمَقْصُودِ مِمَّا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إسْمَاعِيلَ غَيْرُ مَذْبُوحٍ، أَيْ: غَيْرُ مُزْهَقِ الرُّوحِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ إبْرَاهِيمُ ذَابِحٌ، أَيْ: قَاطِعٌ فَمُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْقَدِيمَ لِذَاتِهِ هُوَ الذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ وَصِفَاتُهُ الذَّاتِيَّةُ وَجَبَتْ لِلذَّاتِ لَا بِالذَّاتِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ بِنَائِهِمْ إلَخْ) قَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّ ابْتِنَاءَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ؛ إذْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِذَلِكَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ النُّسَخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ كَمَا سَيَأْتِي فَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخُ الْحُكْمُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ إذْ أَمَرَهُ بِالذَّبْحِ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ، وَهُمْ مَنَعُوا ذَلِكَ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ تَارَةً بِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ إلَّا بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ. وَقَدْ أَتَى بِهَا وَتَارَةً يَقُولُونَ، بَلْ أَتَى بِالذَّبْحِ وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ خَبَرًا مَوْضُوعًا، وَهُوَ أَنَّهُ ذَبَحَ، وَلَكِنْ الْتَأَمَ مَوْضِعُ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا قَطَعَ جُزْءًا الْتَأَمَ مَكَانَهُ وَبِالْجُمْلَةِ ذَبَحَ، أَوْ لَمْ يَذْبَحْ الذَّبْحُ فِعْلٌ قَائِمٌ بِالذَّابِحِ، وَإِنْ ذَهَبُوا إلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ أَنَّ الضَّرْبَ قَائِمٌ بِالْمَضْرُوبِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ ذَابِحٌ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ لَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ فَلَا دَاعِي لِمَا تَمَحَّلَ بِهِ سم فِي رَدِّهِ، وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَقَّ حَقِيقٌ بِالِاتِّبَاعِ. (قَوْلُهُ: عَلَى التَّجْوِيزِ) ، أَيْ: يَلِي تَجْوِيزَ اشْتِقَاقِ الِاسْمِ مِنْ وَصْفٍ مَعْدُومٍ. (قَوْلُهُ: إنِّي أَرَى) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ. وَحْيٌ لِذَلِكَ بَادَرَ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه إلَى الْمُبَادَرَةِ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ فَقَوْلُهُ {أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] ، أَيْ: أُمِرْت بِذَبْحِك بِدَلِيلِ {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] لِيَحْسُنَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ بِذَبْحِهِ. (قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُهُمْ) عَطْفٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ، فَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الْبِنَاءِ. (قَوْلُهُ: فَالْقَائِلُ بِهَذَا) أَيْ بِأَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْ الشَّارِحِ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَطْلَقَ الذَّابِحَ بِمَعْنَى الْقَاطِعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الذَّبْحُ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، وَهَذَا مُجَارَاةٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَصَاحِبُ هَذَا الْقِيلِ قَالَ إنَّ إبْرَاهِيمَ ذَابِحٌ بِمَعْنَى أَنَّ إمْرَارَ الْآلَةِ قَائِمٌ بِهِ فَلَا خِلَافَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَكِنْ إلَخْ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَلِذَا قَالَ فَمَا خَالَفَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْ قَاعِدَةَ الِاشْتِقَاقِ إلَّا أَنَّ الِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ الذَّبْحِ عَلَى الْأَمْرِ مَجَازًا نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي صِفَةِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَمْ يُخَالِفْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: أَنْسَبُ بِالْمَقْصُودِ) وَجْهُ الْأَنْسَبِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ أَيْ بَعْضَهُمْ يُطْلِقُ لَفْظَ ذَابِحٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ ذَبْحٌ، أَيْ: قَطْعٌ لِلْمَحَلِّ الْخَاصِّ وَلَفْظَ مَذْبُوحٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ ذَبْحٌ بِمَعْنَى الزُّهُوقِ، وَمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ يَتَضَمَّنُ الْأَوَّلَ فَقَطْ. وَأَمَّا مَا تَضْمَنَّهُ مِنْ نَفْيِ الْمَذْبُوحِيَّةِ بِمَعْنَى الزَّهُوقِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ مَعْنَاهَا بِإِسْمَاعِيلَ، أَيْ: لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ، فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ نَفْيِ الْمُشْتَقِّ عَمَّنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْوَصْفُ فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِقَوْلِهِمْ. (قَوْلُهُ: بِالْمَقْصُودِ) ، وَهُوَ بِنَاءُ قَوْلِهِمْ هَذَا عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ لَنَا فِي قَاعِدَةِ الِاشْتِقَاقِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا يُفِيدُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ ذَابِحٌ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّ إسْمَاعِيلَ مَذْبُوحٌ عَلَى قَوْلٍ وَأَمَّا نَفْيُ الْمَذْبُوحِيَّةِ عَمَّنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الذَّبْحُ بِمَعْنَى زُهُوقِ الرُّوحِ فَجَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَعَدَمُ الزَّهُوقِ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ) ، أَيْ: لَمْ يَقُلْهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ كَمَا صَنَعَ هُنَا، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَقَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُمْ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. (قَوْلُهُ: فَمُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِمْرَارَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْقَطْعَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا عَدَمُ الْإِزْهَاقِ فَاتِّفَاقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْمُؤَدِّي وَاحِدًا كَانَ مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ فَصَحَّ التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا لَمْ يُمِرَّ الْخَلِيلُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي

وَعِنْدَنَا لَمْ يُمِرَّ الْخَلِيلُ آلَةَ الذَّبْحِ عَلَى مَحَلِّهِ مِنْ ابْنِهِ لِنَسْخِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ كَمَا ذَكَرَهُ لَا إِسْحَاقُ (فَإِنْ قَامَ بِهِ) ، أَيْ: بِالشَّيْءِ (مَا) ، أَيْ: وَصْفٌ (لَهُ اسْمٌ وَجَبَ الِاشْتِقَاقُ) لُغَةً مِنْ ذَلِكَ الِاسْمِ لِمَنْ قَامَ بِهِ الْوَصْفُ كَاشْتِقَاقِ الْعَلَمِ مِنْ الْعِلْمِ لِمَنْ قَامَ بِهِ مَعْنَاهُ (أَوْ) قَامَ بِالشَّيْءِ (مَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ) فَإِنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لَهَا أَسْمَاءٌ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِالتَّقْيِيدِ كَرَائِحَةِ كَذَا، وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْآلَامِ (لَمْ يَجِبْ) أَيْ الِاشْتِقَاقُ؛ لِاسْتِحَالَتِهِ وَعَدَلَ عَنْ نَفْيِ الْجَوَازِ الْمُرَادِ إلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ الصَّادِقِ بِهِ رِعَايَةً لِلْمُقَابَلَةِ. (وَالْجُمْهُورُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ (وَعَلَى اشْتِرَاطِ بَقَاءَ) مَعْنَى (الْمُشْتَقِّ مِنْهُ) فِي الْمَحَلِّ (فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ) الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ (حَقِيقَةً إنْ أَمْكَنَ) بَقَاءُ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَالْقِيَامِ (وَإِلَّا فَآخِرُ جُزْءٍ) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَقَاؤُهُ كَالتَّكَلُّمِ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْوَاتٍ تَنْقَضِي شَيْئًا فَشَيْئًا، فَالْمُشْتَرَطُ بَقَاءُ آخِرُ جُزْءٍ (مِنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْسِيرِهِ مِنْ أَنَّهُ أَمَرَّ آلَتَهُ عَلَى مَحَلِّهِ فَلَمْ تَعْمَلْ شَيْئًا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَيْضَاوِيِّ فَلَعَلَّ الشَّارِحِ تَبِعَهُ فِيهِ قِيلَ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ هُنَا فَلَعَلَّهُ سَرَى لِلْبَيْضَاوِيِّ مِنْ الْكَشَّافِ. قَوْلُهُ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] قَدْ يُقَالُ فَدَيْنَاهُ، أَيْ: مِنْ الذَّبْحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِدَاءَ قَبْلَ الذَّبْحِ، أَيْ: الْقَطْعِ وَقِيلَ الذَّبْحُ أَعَمُّ مِنْ قِبَلِ التَّمَكُّنِ لِثُبُوتِهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ بِإِمْرَارِ الْآلَةِ قَالَهُ النَّاصِرُ، أَيْ: وَالْأَعَمُّ لَا إشْعَارَ لَهُ بِالْأَخَصِّ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْمَعْنَى وَسِيَاقَ الْآيَةِ أَنَّ الْفِدَاءَ قَبْلَ الشُّرُوعِ مُطْلَقًا اهـ. وَهُوَ جَوَابٌ هَيِّنٌ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ تَبِعَ فِيهِ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ إِسْحَاقُ، وَالْأَرْجَحُ دَلِيلًا مَا هُنَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَ بِهِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَشْمَلُ الْمُطَّرِدَ وَغَيْرَهُ، وَالظَّاهِرُ تَخَصُّصُهُ بِالْمُطَّرِدِ؛ لِأَنَّهُ قَاعِدَةٌ، وَالْقَاعِدَةُ يَجِبُ اطِّرَادُهَا. (قَوْلُهُ: وَجَبَ الِاشْتِقَاقُ) ، أَيْ: ثَبَتَ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِحَالَتِهِ) لَمَّا كَانَ الْمَرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَجِبْ لَمْ يَجُزْ كَمَا بَيَّنَهُ نَاسَبَ تَعْلِيلَهُ بِالِاسْتِحَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَدَلَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُنَاسِبُ لِلتَّعْلِيلِ بِالِاسْتِحَالَةِ نَفْيُ الْجَوَازِ لَا نَفْيُ الْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ الْمُرَادِ صِفَةٌ لِلنَّفْيِ (قَوْلُهُ: الصَّادِقِ بِهِ) ، أَيْ: بِنَفْيِ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ رِعَايَةً لِلْمُقَابَلَةِ، أَيْ: مَعَ قَوْلِهِ وَجَبَ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ رِعَايَةَ الْمُقَابَلَةِ نُكْتَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَدَفْعُ الْإِيهَامِ نُكْتَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النُّكْتَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ لَمَّا قَامَ عَلَيْهَا الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ الدَّافِعَةُ لِلْإِيهَامِ، وَهِيَ قَوْلُهُ، وَمَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ إلَخْ دُونَ النُّكْتَةِ اللَّفْظِيَّةِ قَدَّمَ اللَّفْظِيَّةَ. (قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ فِي كُلِّ كَلَامٍ زَمَانَيْنِ أَحَدُهُمَا زَمَانُ النِّسْبَةِ، وَهُوَ زَمَانُ ثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ حَالَ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَثَانِيهِمَا زَمَانُ إثْبَاتِ النِّسْبَةِ، وَهُوَ زَمَانُ التَّكَلُّمِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ حَالَ الْحُكْمِ فَإِذَا قُلْنَا مَثَلًا ضُرِبَ زَيْدٌ فَزَمَانُ نِسْبَةِ الضَّرْبِ هُوَ الزَّمَانُ الْمَاضِي؛ إذْ فِيهِ ثَبَتَ الضَّرْبُ لِزَيْدٍ وَاتَّصَفَ بِهِ. وَأَمَّا زَمَانُ إثْبَاتِ هَذِهِ النِّسْبَةِ، فَهِيَ حَالَ التَّكَلُّمِ بِهَذَا الْكَلَامِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَيْنًا لِلْآخَرِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ يَعْنِي: بِهِ زَمَنَ التَّلَبُّسِ بِالْحَدَثِ، وَهُوَ حَالَ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ، ثُمَّ إنَّ الزَّمَنَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ حَتَّى يَكُونَ جُزْءًا مِنْ الْمَدْلُولِ، وَإِلَّا كَانَتْ أَفْعَالًا، بَلْ اُعْتُبِرَ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ مُخَصِّصٌ لِلْحَدَثِ الْقَائِمِ بِهَا، وَمَا اعْتَبَرَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَنَّ الْحَالَ هُوَ حَالُ النُّطْقِ هُوَ حَالُ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: عَلَى اشْتِرَاطِ) ، أَيْ: جَارُونَ، أَوْ مُتَّفِقُونَ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ كَانَ مَجَازًا (قَوْلُهُ: فِي الْمَحَلِّ) مُتَعَلِّقٌ بِبَقَاءِ وَقَوْلُهُ فِي كَوْنِ مُتَعَلِّقٌ بِاشْتِرَاطِ (وَقَوْلُهُ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ بَقَاءُ ذَلِكَ) ، أَيْ: بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهِ، وَإِلَّا، فَالْعَرْضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى بَقَاءِ الْعَرْضِ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَآخِرِ جُزْءٍ) بِالْجَرِّ، وَالتَّقْدِيرِ، وَإِلَّا فَبَقَاءُ آخِرِ جُزْءٍ فَلَفْظُ الْبَقَاءِ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَفِي التَّعْبِيرِ فِيهِ بِالْبَقَاءِ تَسَمُّحٌ. (قَوْلُهُ: كَالتَّكَلُّمِ) ، أَيْ: وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَصَادِرِ السَّيَالَةِ. (قَوْلُهُ: فَالْمُشْتَرَطُ بَقَاءُ آخِرِ إلَخْ) التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُلَابَسَةُ الْعُرْفِيَّةُ كَانَتْ بِآخِرِ جُزْءٍ

فَإِذَا لَمْ يَبْقَ الْمَعْنَى، أَوْ جُزْؤُهُ الْأَخِيرُ فِي الْمَحَلِّ يَكُونُ الْمُشْتَقُّ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ مَجَازًا كَالْمُطْلَقِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَعْنَى نَحْوَ إنَّك مَيِّتٌ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ مَا ذَكَرَ فَيَكُونُ الْمُشْتَقُّ الْمُطْلَقُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ حَقِيقَةً اسْتِصْحَابًا لِلْإِطْلَاقِ (وَثَالِثُهَا) ، أَيْ: الْأَقْوَالِ (الْوَقْفُ) عَنْ الِاشْتِرَاطِ وَعَدَمِهِ لِتَعَارُضِ دَلِيلِهِمَا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْبَقَاءِ الَّذِي هُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ دُونَ الْوُجُودِ الْكَافِي فِي الِاشْتِرَاطِ لِيَتَأَتَّى لَهُ حِكَايَةُ مُقَابِلِهِ فِي الِاشْتِرَاطِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي آخِرُ جُزْءٍ لِتَمَامِ الْمَعْنَى بِهِ وَفِي التَّعْبِيرِ فِيهِ بِالْبَقَاءِ تَسَمُّحٌ، وَمَا حَكَاهُ الْآمِدِيُّ مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ بَحْثٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَدَفَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا يُمْكِنُ تَطْبِيقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ عَلَيْهِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا قَبْلَ انْعِدَامِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ جُزْءٍ آخَرَ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمَعْنَى) ، أَيْ: يُوجَدْ عِنْدَ إطْلَاقِ الْمُشْتَقِّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ جُزْؤُهُ، أَيْ: فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَمَوْرِدَ الْأَقْوَالِ هُوَ الْمُشْتَقُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى كَإِطْلَاقِ ضَارِبٍ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ ضَرْبٌ وَانْقَضَى أَمَّا حَالَ وُجُودِ الْمَعْنَى فَحَقِيقَةٌ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا قَبْلَ وُجُودِهِ كَإِطْلَاقِ ضَارِبٍ عَلَى مَنْ سَيَقَعُ مِنْهُ ضَرْبٌ فَمَجَازٌ اتِّفَاقًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ مِنْهَاجٍ الْبَيْضَاوِيِّ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مَدْيُونٌ مُفْلِسٌ وَوَجَدَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ مَا بَاعَهُ مِنْهُ فِي تِرْكَتِهِ، فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ أَمْ لَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ ذَلِكَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ» ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ حَقِيقَةَ اشْتِرَاطٍ لِعَدَمِ بَقَاءِ الْمَعْنَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الْمَتَاعِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَبْقَ صَاحِبَ مَتَاعٍ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ دَوَامِ الْمَعْنَى كَذَا نَقَلَ الْجَارْبُرْدِيُّ. أَقُولُ: هُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَاحِبُ مَتَاعٍ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَلَيْسَ الْبَائِعُ بِصَاحِبٍ لَهُ فِي الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، بَلْ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ، وَإِنْ صَلُحَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُرَجِّحُ الْبَائِعَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ كَمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِالْمَرْهُونِ مِنْ غَيْرِهِ لِذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمَيِّتِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَى الْمَتَاعِ يَدًا وَرَقَبَةً وَعَدَمِ عُرُوضِ مَا يُزِيلُهُ إلَى حِينِ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْكَمَالِ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يُحَرَّرْ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: كَالْمُطْلَقِ) ، أَيْ: قِيَاسًا عَلَيْهِ نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى حَالَ الْإِطْلَاقِ فِي كُلٍّ، وَإِنْ كَانَ هَذَا وُجُودُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (قَوْلُهُ: إنَّكَ مَيِّتٌ) فِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ فَإِنْ أُرِيدَ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَمُوتَ، فَالْإِطْلَاقُ حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَعْنَى فَمَجَازٌ؛ إذْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ حَقِيقَةٌ تُسْتَصْحَبُ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُطْلَقِ قَبْلَ الْوُجُودِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ. (قَوْلُهُ: لِتَعَارُضِ دَلِيلِهِمَا) ، أَيْ: وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِصْحَابُ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ: دُونَ الْوُجُودِ الْكَافِي إلَخْ) ، وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْوُجُودِ الْأَوَّلِ مَجَازًا فَإِنَّ الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ زَمَانَيْنِ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ. (قَوْلُهُ: لِيَتَأَتَّى حِكَايَةُ مُقَابِلِهِ) ، وَهُوَ الثَّانِي وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوُجُودِ لَمْ تَتَأَتَّ حِكَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ وُجُودُهُ لَا اشْتِقَاقَ (قَوْلُهُ: آخِرَ جُزْءٍ) ، أَيْ: دُونَ الْأَوَّلِ الْوَسَطِ. (قَوْلُهُ: لِتَمَامِ الْمَعْنَى بِهِ) ، أَيْ: وَغَيْرِهِ لَا يَتِمُّ بِهِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَأَتَّى الْوَصْفُ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّعْبِير فِيهِ بِالْبَقَاءِ) ، أَيْ: فِي التَّعْبِيرِ فِي آخِرِ جُزْءٍ بِالْبَقَاءِ، وَهُوَ الْمُقَدَّرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَآخِرُ جُزْءٍ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: تَسَمُّحٌ) ؛ لِأَنَّ آخِرَ جُزْءٍ بَسِيطٌ لَا بَقَاءَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَا حَكَاهُ الْآمِدِيُّ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ بِحَثِّ، وَمِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ بَيَانٌ لِمَا أَيْ أَنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي

بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَلِذَلِكَ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ خِلَافَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَذَكَرَ بَدَلَهُ الْوَقْفَ. (وَمِنْ ثَمَّ) ، أَيْ: مِنْ هُنَا، وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا ذَكَرَ، أَيْ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (كَانَ اسْمُ الْفَاعِلِ) مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْتَقِّ (حَقِيقَةً فِي الْحَالِ أَيْ حَالِ التَّلَبُّسِ) بِالْمَعْنَى، أَوْ جُزْئِهِ الْأَخِيرِ (لَا) حَالِ (النُّطْقِ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ) فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْحَالِ فِي الْمُشْتَقِّ أَنْ يَكُونَ التَّلَبُّسُ بِالْمَعْنَى حَالَ النُّطْقِ بِهِ وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالُهُ فِي نُصُوصِ الزَّانِيَةِ، وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا السَّارِقَ، وَالسَّارِقَةَ فَاقْطَعُوا فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَنَحْوَهَا أَنَّهَا إنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْمَعْنَى بَعْدَ نُزُولِهَا الَّذِي هُوَ حَالُ النُّطْقِ مَجَازًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ قَالَ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَنَاوُلِهَا لَهُ حَقِيقَةً وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُشْتَقِّ الْمَحْكُومِ بِهِ نَحْوُ زَيْدٍ ضَارِبٌ فَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَا لَا تَجْتَمِعُ أَجْزَاؤُهُ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْأَعْرَاضِ السَّيَالَةِ كَالتَّكَلُّمِ دُونَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا تَجْتَمِعُ أَجْزَاؤُهُ فِي الْوُجُودِ كَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ لَيْسَ مَذْهَبًا لِصَاحِبِ الْمَحْصُولِ، وَهُوَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ بَحْثًا عَلَى لِسَانِ الْخَصْمِ وَدَفَعَهُ عَلَى لِسَانِهِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ حُصُولُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً إذَا كَانَ مُمْكِنَ الْحُصُولِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا قُلْت إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ) ، وَإِنَّمَا قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ مُجَارَاةِ الْخَصْمِ. (قَوْلُهُ: فَلِذَلِكَ) أَيْ لِكَوْنِهِ دَفَعَهُ. (قَوْلُهُ: خِلَافَ) حَالٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ بَدَلَهُ الْوَقْفَ) ، أَيْ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْوَقْفَ بَدَلَ مَا حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَتَبِعَهُ فِي حِكَايَتِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ قِيلَ وَلَا يُوجَدُ الْوَقْفُ مَنْقُولًا نَعَمْ حَكَى الْآمِدِيُّ الْمَذَاهِبَ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يُرَجِّحْ مِنْهَا شَيْئًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَيْلِهِمَا إلَى الْوَقْفِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ:، وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْجُمْهُورِ الْبَقَاءَ. (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَ) ، وَهُوَ الْبَقَاءُ. (قَوْلُهُ: مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْتَقِّ) حَالٌ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: حَالَ التَّلَبُّسِ) ، أَيْ: سَوَاءٌ وُجِدَ التَّلَبُّسُ حَالَ النُّطْقِ، أَوْ لَا، وَالْمُرَادُ التَّلَبُّسُ الْعُرْفِيُّ كَمَا يُقَالُ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ وَيَمْشِي مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ مَثَلًا وَيَقْصِدُ الْحَالَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْآنَ الْحَاضِرَ، وَهُوَ مَا لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ؛ لِأَنَّ هَذَا اصْطِلَاحُ الْفَلَاسِفَةِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ مُتَّصِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لَا يَتَخَلَّلُ فَصْلٌ يُعَدُّ عُرْفًا تَرْكًا لِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَإِعْرَاضًا عَنْهُ، فَالْمُتَكَلِّمُ حَقِيقَةً مَنْ يُبَاشِرُ الْكَلَامَ مُبَاشَرَةً عُرْفِيَّةً حَتَّى لَوْ انْقَطَعَ كَلَامُهُ بِتَنَفُّسٍ، أَوْ سُعَالٍ قَلِيلٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا، وَكَذَا سَائِرُ أَقْوَالِ الْحَالِ وَأَفْعَالِهِ. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِيمَا، فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا، فَهِمَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ كَلَامِهِمْ لَا أَنَّهُ قَالَهُ ابْتِدَاءً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: فِي نُصُوصِ الزَّانِيَةِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ نُزُولِهَا الَّذِي هُوَ حَالَ النُّطْقِ) ، أَيْ: لَا حَالَ نُزُولِهِ لَهُ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَالْمُرَادُ بِالنُّطْقِ نُطْقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُطْقُ جِبْرِيلَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُكَلَّفِينَ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ ظَاهِرًا عَلَى نُطْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ لَهُمْ. (قَوْلُهُ: مَجَازًا) قَيْدٌ لِتَنَاوُلِ النُّصُوصِ، أَيْ: تَنَاوَلَتْ مَنْ اتَّصَفَ بِالْمَعْنَى بَعْدَ نُزُولِهَا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا إطْلَاقٌ قَبْلَ الِاتِّصَافِ بِالْمَعْنَى لَكِنْ قَالَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ السُّؤَالِ وَاعْتَرَضَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَا وُضِعَ لِخِطَابِ الْمُشَافَهَةِ نَحْوُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ لَهُمْ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ إجْمَاعٍ، أَوْ قِيَاسٍ، أَوْ نَصٍّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ) هَذَا حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ لِقَوْلِ الْمَنَاطِقَةِ وَأَمَّا صِدْقُ وَصْفِ الْمَوْضُوعِ عَلَى ذَاتِهِ فَبِالْفِعْلِ عِنْدَ ابْنِ سِينَا، أَيْ: مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الْمَوْضُوعِ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الصِّدْقُ فِي الْمَاضِي، أَوْ الْحَاضِرِ، أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ قَالَهُ النَّاصِرُ. أَقُولُ: أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَنَاطِقَةُ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَ الْقَضِيَّةِ يَرْجِعُ إلَى عَقْدَيْنِ عَقْدُ الْمَوْضُوعِ، وَهُوَ اتِّصَافُ ذَاتِ الْمَوْضُوعِ بِوَصْفِهِ وَعَقْدُ الْحَمْلِ، وَهُوَ اتِّصَافُ ذَاتِ الْمَوْضُوعِ بِوَصْفِ الْمَحْمُولِ، وَالْأَوَّلُ تَرْكِيبٌ تَقْيِيدِيٌّ، وَالثَّانِي تَرْكِيبٌ خَبَرِيٌّ قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ. وَأَمَّا صِدْقُ

كَمَا فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَحَقِيقَةٌ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِوَالِدِهِ فِي دَفْعِ السُّؤَالِ إنَّ الْمَعْنِيَّ بِالْحَالِ حَالُ التَّلْبِيسِ بِالْمَعْنَى، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ النُّطْقِ بِالْمُشْتَقِّ فِيمَا إذَا كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ لَا حَالُ النُّطْقِ بِهِ الَّذِي هُوَ حَالُ التَّلَبُّسِ بِالْمَعْنَى أَيْضًا فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصْفِ الْمَوْضُوعِ عَلَى ذَاتِهِ فَبِالْإِمْكَانِ عِنْدَ الْفَارَابِيِّ وَبِالْفِعْلِ عِنْدَ الشَّيْخِ، أَيْ: مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ج بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الصِّدْقُ فِي الْمَاضِي، أَوْ الْحَاضِرِ، أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَا لَا يَكُونُ ج دَائِمًا فَإِذَا قُلْنَا كُلَّ أَسْوَدَ كَذَا يَتَنَاوَلُ الْحُكْمُ كُلَّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ حَتَّى الرُّومِيِّ مَثَلًا عَلَى مَذْهَبِ الْفَارَابِيِّ لِإِمْكَانِ اتِّصَافِهِمْ بِالسَّوَادِ وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ الْحُكْمُ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِمْ بِالسَّوَادِ فِي وَقْتٍ مَا اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا هُوَ مَا حَقَّقَ فِي ذَلِكَ الشَّارِحُ وَقَالُوا إنَّ مَذْهَبَ الشَّيْخِ الرَّئِيسِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلُّغَةِ، وَالْعُرْفِ وَأَمَّا الشَّيْخُ سم فَإِنَّهُ عَارَضَ نَقْلَ شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ هُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الشَّيْخِ بِقَيْدِ الْفِعْلِ فِعْلُ الْوُجُودِ فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ مَا يَعُمُّ الْفَرْضِيَّ الذِّهْنِيَّ، وَالْوُجُودَ الْخَارِجِيَّ، فَالذَّاتُ الْخَالِيَةُ تَدْخُلُ فِي الْمَوْضُوعِ إذَا فَرَضَهُ الْعَقْلُ مَوْصُوفًا بِهِ بِالْفِعْلِ مَثَلًا إذَا قُلْنَا كُلَّ أَسْوَدَ كَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَسْوَدُ فِي الْخَارِجِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ إذَا فَرَضَهُ الْعَقْلُ أَسْوَدَ بِالْفِعْلِ اهـ. فَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ اعْتِبَارَ الصِّدْقِ بِالْفِعْلِ فَرْضًا صَارَ حَاصِلُ قَوْلِ الْمَنَاطِقَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وَصْفِ الْمَوْضُوعِ فَرْضُ صَدَقَةٍ بِالْفِعْلِ فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ حَتَّى يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ كُلَّ مَا فُرِضَ اتِّصَافُهُ بِوَصْفِ الْمَوْضُوعِ بِالْفِعْلِ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرُّومِيُّ فِي قَوْلِنَا كُلَّ أَسْوَدَ كَذَا إذَا فُرِضَ صِدْقُ السَّوَادِ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ، وَمِنْ الْبَدِيهِيِّ لِكُلِّ عَاقِلٍ إنْ صَدَقَ نَحْوُ الْأَسْوَدِ عَلَى الْأَبْيَضِ الَّذِي فُرِضَ صِدْقُ السَّوَادِ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ كَالرُّومِيِّ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً لُغَةً فَكَوْنُ اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ الْمَذْكُورِ مُخَالِفًا لِلُّغَةِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى هَذَا اهـ. اعْتِرَاضٌ سَاقِطٌ فَإِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ لَا مَا فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهِ اعْتِرَاضَهُ فَإِنَّ الْفَاضِلَ عَبْدَ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ حَكَمَ بِفَسَادِ مَا فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ وَبَيَّنَهُ بِوُجُوهٍ خَمْسَةٍ ذَكَرَهَا وَحَقَّقَ أَنَّ مَعْنَى الِاتِّصَافِ بِالْفِعْلِ فِي الْوَضْعِ أَنْ يَعْتَبِرَ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ الِاتِّصَافَ الَّذِي يَكُونُ لِذَاتِ الْمَوْضُوعِ بِمَفْهُومِهِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ فَفِي قَوْلِنَا كُلَّ أَسْوَدَ كَذَا يَدْخُلُ الْحَبَشِيُّ الْمَوْجُودُ وَغَيْرُ الْمَوْجُودِ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَدْخُلُ الرُّومِيُّ، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُوَافِقُ لِلْعُرْفِ، وَاللُّغَةِ اهـ. فَسَقَطَ قَوْلُ سم فَيَكُونُ اصْطِلَاحُ الْمَنَاطِقَةِ إلَخْ كَيْفَ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عُدُولَ الشَّيْخِ عَنْ مَذْهَبِ الْفَارَابِيِّ لِعَدَمِ مُوَافَقَةِ اللُّغَةِ، وَالْعُرْفِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ السَّيِّدِ فِي حَاشِيَةِ الشَّمْسِيَّةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ وَأَوْرَدَ عَلَيْهَا اعْتِرَاضَ بَعْضِ الْحَوَاشِي مِمَّنْ تَمَسَّك بِمَا فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ الْمُبَيِّنِ فَسَادَهُ، وَمِمَّا يَتَنَبَّهُ لَهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَنَاطِقَةُ مُخْتَصٌّ بِالْمَحْصُورَاتِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضُوعُ فِيهَا مُشْتَقًّا، أَوْ غَيْرَهُ نَحْوَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَحَرِّكُ الْأَصَابِعِ وَكُلُّ فَرَسٍ صُهَالٌ وَالشَّيْخُ اسْتَرْوَحَ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِهِ لِلْمَشْقِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَأَنَّ مَحَلَّ جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ مَا لَمْ يُقَيِّدْ عَقْدَ الْوَضْعِ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ أَمَّا إذَا قَيَّدَ بِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَعَقْدُ الْوَضْعِ فِيهَا بِحَسَبِ تِلْكَ الْجِهَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْآيَاتِ) ، أَوْرَدَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَفْعُولٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ مَعْنًى فَحَقِيقَةً مُطْلَقًا، أَيْ: فِي الْمَاضِي، وَالْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمَعْنِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، أَيْ: الْمَقْصُودَ لِلْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ تَأَخَّرَ) ، أَيْ: هَذَا إنْ وَافَقَ حَالَ النُّطْقِ، بَلْ، وَإِنْ تَأَخَّرَ (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ) لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ مَعَ الْقَرَافِيِّ، وَإِلَّا، فَالْمَحْكُومُ بِهِ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) قَيْدٌ لِحَالِ النُّطْقِ الْمَوْصُوفِ بِمَا قَالَهُ قَالَ، وَالِدُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا سَرَى الْوَهْمُ لِلْقَرَافِيِّ مِنْ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَاضِي، وَالْحَالَ، وَالِاسْتِقْبَالَ بِحَسَبِ زَمَنِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْقَاعِدَةُ صَحِيحَةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهَا وَاسْمُ الْفَاعِلِ وَنَحْوُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى زَمَانِ النُّطْقِ، فَالْمَنَاطُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ حَالُ

فَأَبْقَيَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى عُمُومِهَا وَغَيْرُهُمَا كَالْإِسْنَوِيِّ سَلَّمَ لِلْقَرَافِيِّ تَخْصِيصَهَا. (وَقِيلَ: إنْ طَرَأَ عَلَى الْمَحَلِّ) لِلْوَصْفِ (وَصْفٌ وُجُودِيٌّ يُنَاقِضُ) الْوَصْفَ (الْأَوَّلَ) كَالسَّوَادِ بَعْدَ الْبَيَاضِ، وَالْقِيَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ (لَمْ يُسَمَّ) الْمَحَلُّ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالْمُشْتَقِّ مِنْ اسْمِهِ (إجْمَاعًا) ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ جَرَيَانُهُ فِيهِ؛ إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَرْقٌ (وَلَيْسَ فِي الْمُشْتَقِّ) الَّذِي هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّلَبُّسِ لَا حَالُ النُّطْقِ فَاسْمُ الْفَاعِلِ مَثَلًا حَقِيقَةٌ فِيمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْمَعْنَى حِينَ قِيَامِهِ بِهِ حَاضِرًا عِنْدَ النُّطْقِ، أَوْ مُسْتَقْبَلًا، وَمَجَازٌ فِيمَنْ سَيَتَّصِفُ بِهِ، وَكَذَا فِيمَنْ اتَّصَفَ بِهِ فِيمَا مَضَى عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَكَوْنُهُ مَجَازًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ مَحَلُّهُ فِي وَصْفٍ لِمَخْلُوقٍ فَاَللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ فِي الْأَزَلِ بِالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ حَقِيقَةً، وَإِنْ قُلْنَا صِفَاتُ الْفِعْلِ مِنْ الْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ وَنَحْوِهِمَا حَادِثَةٌ فِيهِ نَظَرٌ إذَا الْكَلَامُ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ عَلَى الْمَحَلِّ قَبْلَ اتِّصَافِهِ بِالْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ لِحُدُوثِهِ، وَالْمَوْجُودُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ وَصْفُهُ تَعَالَى بِمَعْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صِفَاتِهِ الْفِعْلِيَّةَ قَدِيمَةٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَأَقُولُ: لَا وَجْهَ لِهَذَا النَّظَرِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ حَادِثَةٌ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لِكَوْنِهَا رَاجِعَةً لِتَعَلُّقَاتِ الْقُدْرَةِ التَّنْجِيزِيَّةِ الْحَادِثَةِ، فَهِيَ صِفَاتٌ إضَافِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ قَدِيمَةٌ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ لِرُجُوعِهَا لِصِفَةِ التَّكْوِينِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْإِنْصَافُ بِهَا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ مَبْدَئِهَا بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَهِيَ صِفَاتُ التَّأْثِيرِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا أَزَلًا وَأَبَدًا. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلَا إشْكَالَ، وَالتَّنْظِيرُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي أَنَّ صِحَّةَ الْإِطْلَاقِ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ فَيُشْكِلُ الْإِطْلَاقُ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجَازِ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْحَقُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ حَقِيقِيٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ تَأَمَّلْ. وَقَدْ تَعَقَّبَ الْكُورَانِيَّ الْقَرَافِيَّ أَيْضًا بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَقَاءِ فِي الْمُشْتَقِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي اللُّغَةِ هَلْ يَشْتَرِطُ بَقَاءَ الْمَعْنَى لِلْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً أَمْ لَا وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ كَوْنَ اللَّفْظِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، أَوْ مَحْكُومًا بِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي هَذَا لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّانِي، وَالسَّارِقِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ فِي النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَعَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا، بَلْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْوَصْفِ الصَّالِحِ لِلْعَلِيَّةِ فَحَيْثُ وُجِدَ الْوَصْفُ وُجِدَ الْحُكْمُ كَمَا رَتَّبَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى السَّوْمِ فِي قَوْلِهِ «فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: تَخْصِيصَهَا) ، أَيْ: قَصْرَهَا عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ طَرَأَ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ يَرْجِعُ عِنْدَ قَائِلِهِ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَمَحَلُّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمْ يُسَمِّ الْمَحَلَّ بِالْأَوَّلِ إجْمَاعًا) ، أَيْ: حَقِيقَةً، بَلْ مَجَازًا اسْتِصْحَابًا وَعَلَيْهِ، فَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُ نَاقِلِينَ لَهُ عَنْ الْآمِدِيِّ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ جَرَيَانُهُ فِيهِ؛ إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَرْقٌ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْإِجْمَاعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِيَّاتِ الْآمِدِيِّ قَالَ فِي رَدِّهِ دَلِيلُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ الَّذِي لَا يَلْتَزِمُ الرَّادُّ فِيهِ مَذْهَبُهُ مَعَ أَمْرِهِ بِالنَّظَرِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بَحْثٌ قَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الضَّارِبَ حَقِيقَةً مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الضَّرْبُ مُطْلَقًا، بَلْ مِنْ الضَّرْبِ حَاصِلٌ مِنْهُ حَالَ تَسْمِيَتِهِ ضَارٍ بِإِثْمٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ كَفَرَةً، وَالْقَائِمِ قَاعِدًا، وَالْقَاعِدِ قَائِمًا لِمَا وُجِدَ مِنْهُ مِنْ الْكُفْرِ، وَالْقُعُودِ، وَالْقِيَامِ السَّابِقَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ اللِّسَانِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَيْك بِالنَّظَرِ، وَالِاعْتِبَارِ قُلْت نَظَرْت وَاعْتَبَرْت فَوَجَدْت أَنَّ الْحَقَّ جَرَيَانُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ فَقَطْ لِشَرَفِهِمْ مَعَ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ إطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهُوَ عَارِضٌ؛ إذْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ شَرْعًا، بَلْ فِيهِمَا صِنَاعَةٌ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَظْهَرُ إلَخْ)

[مسألة المترادف واقع خلافا لثعلب وابن فارس]

دَالٌّ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ كَالْأَسْوَدِ (إشْعَارٌ بِخُصُوصِيَّةِ) تِلْكَ مِنْ (الذَّاتِ) مِنْ كَوْنِهَا جِسْمًا، أَوْ غَيْرَ جِسْمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَك مَثَلًا الْأَسْوَدُ جِسْمٌ صَحِيحٌ وَلَوْ أَشْعَرَ الْأَسْوَدُ فِيهِ بِالْجِسْمِيَّةِ لَكَانَ بِمَثَابَةِ قَوْلِك الْجِسْمُ ذُو السَّوَادِ جِسْمٌ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ إفَادَتِهِ. (مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ) ، وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ اللَّفْظُ الْمُتَعَدِّدُ الْمُتَّحِدُ الْمَعْنَى (وَاقِعٌ) فِي الْكَلَامِ (خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ) فِي نَفْيِهِمَا وُقُوعُهُ (مُطْلَقًا) قَالَا، وَمَا يُظَنُّ مُتَرَادِفًا كَالْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَمُتَبَايِنٌ بِالصِّفَةِ، فَالْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ النِّسْيَانِ، أَوْ أَنَّهُ يَأْنَسُ، وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَادِي الْبَشَرَةِ أَيْ ظَاهِرُ الْجِلْدِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْمُخَالِفِ الَّذِي أَبْهَمَهُ غَيْرُهُ لِغَرَابَةِ النَّقْلِ عَنْهُ كَمَا قَالَ (وَ) خِلَافًا (لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي نَفْيِهِ وُقُوعَهُ (فِي الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ) قَالَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي النَّظْمِ، وَالسَّجْعِ مَثَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَوْنُهُ خَلَقَهُ غَيْرُهُ أَوَّلًا شَيْءٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: دَالٌّ إلَخْ) إنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْوَصْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُشْتَقِّ الْمَوْضُوعِ لِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ كَأَسْمَاءِ الْآلَةِ، وَالْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ فَإِنَّ فِيهِ إشْعَارًا بِخُصُوصِيَّةِ الذَّاتِ بِأَنَّهَا زَمَانٌ، أَوْ مَكَانٌ مَثَلًا. [مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ] (قَوْلُهُ: الْمُتَرَادِفُ وَاقِعٌ) السَّبَبُ الْأَكْثَرِيُّ فِي وُقُوعِهِ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ إمَّا مِنْ وَاضِعَيْنِ بِأَنْ تَضَعَ إحْدَى الْقَبِيلَتَيْنِ إحْدَى اللَّفْظَيْنِ لِمَعْنًى، وَالْأُخْرَى الْآخَرَ لَهُ أَيْضًا وَاشْتَهَرَ الْوَضْعَانِ، وَالْتَبَسَا، أَوْ مِنْ وَاضِعٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لِتَكْثِيرِ وَسَائِلِ التَّعْبِيرِ عَلَى النَّاسِ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ تَأْدِيَةِ الْمَعَانِي بِأَيِّهِمَا شَاءُوا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا عِنْدَ نِسْيَانِ الْآخَرِ، وَالتَّوَسُّعُ فِي مَجَالِ الْبَدَائِعِ نَظْمًا وَنَثْرًا كَمَا يُشِيرُ إلَى هَذَا الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: اللَّفْظُ الْمُتَعَدِّدُ) فِيهِ أَنَّ الْمُتَعَدِّدَ هُوَ مَجْمُوعُ الْمُتَرَادِفَيْنِ فَأَكْثَرَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُوَافِقُ بِالْوَضْعِ لِلَفْظٍ آخَرَ فِي مَعْنَاهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَسَمُّحٌ فِي التَّعْبِيرِ لِظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَاتِّكَالًا عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: فِي الْكَلَامِ) أَلْ عَهْدِيَّةٌ، أَيْ: كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَلَامُ الْبُلَغَاءِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِثَعْلَبٍ) قَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِأَنَّ التَّرَادُفَ يُحْوِجُ الْمُخَاطَبِينَ إلَى حِفْظِ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ؛ إذْ لَوْلَاهُ لَاخْتَلَّ الْفَهْمُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمَعْلُولُ لِأَحَدِ الْمُخَاطَبِينَ غَيْرَ اللَّفْظِ الْمَعْلُومِ لِلْآخَرِ فَعِنْدَ التَّخَاطُبِ لَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُرَادَ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِ الْجَمِيعِ لِيَتَيَسَّرَ الْفَهْمُ فَتَزْدَادُ الْمَشَقَّةُ ذَكَرَهُ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) ، أَيْ: فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: فَمُتَبَايِنٌ بِالصِّفَةِ) ، أَيْ: لَا بِالذَّاتِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَنَا فِيهِمَا أَيْضًا لَمْ يَكُونَا مُتَرَادِفَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالذَّاتِ الْمَاصَدَقُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّرَادُفَ يَقْتَضِي الِاتِّحَادَ فِي الذَّاتِ، وَالصِّفَةِ (قَوْلُهُ:، فَالْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ إلَخْ) بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ إنْسَانًا وَبَشَرًا مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ مَا ذَكَرَ، وَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي مُسَمَّى اللَّفْظِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فِي الْوَضْعِ لَلَزِمَ مُلَاحَظَتُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي الْوَضْعِ لِلْمُنَاسَبَةِ اعْتِبَارُهُ وَعِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ النِّسْيَانِ) فَوَزْنُهُ إفْعَانٌ وَأَصْلُهُ إنْسِيَانٌ إفْعِلَانٌ حُذِفَتْ لَامُهُ الَّتِي هِيَ الْيَاءُ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ يَأْنَسُ) فَيَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ أَنِسَ، فَالْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةٌ وَوَزْنُهُ فُعْلَانَ. (قَوْلُهُ: أَيْ: ظَاهِرُ الْجِلْدِ) تَفْسِيرٌ لِمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ لَا لِلْبَشَرَةِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ ظَاهِرُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ فَيَحْصُلُ تَهَافُتٌ فِي اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: لِغَرَابَةِ النَّقْلِ عَنْهُ) قَالَ الْكَمَالُ قَدْ وَافَقَهُمَا الزَّجَّاجُ وَأَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ وَصَنَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا كِتَابًا مَنَعَ فِيهِ التَّرَادُفَ وَسَمَّى الْعَسْكَرِيُّ كِتَابَهُ الْفُرُوقَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَبَيْنَ قُعُودٍ وَجُلُوسٍ بِأَنَّ الْقُعُودَ مَا كَانَ عَنْ قِيَامٍ، وَالْجُلُوسَ مَا كَانَ عَنْ نَوْمٍ وَنَحْوِهِ لِدَلَالَةِ الْمَادَّةِ عَلَى مَعْنَى الِارْتِفَاعِ قَالَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ اهـ. وَقَدْ حَكَى عَنْ ابْنِ خَالَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ بِمَجْلِسِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ أَحْفَظُ لِلسَّيْفِ خَمْسِينَ اسْمًا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ مَا أَحْفَظُ لَهُ إلَّا اسْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ السَّيْفُ فَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فَأَيْنَ الْمُهَنَّدُ، وَالصَّارِمُ، وَالرَّسُوبُ، وَالْمِخْذَمُ وَأَخَذَ يُعَدِّدُ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ هَذِهِ صِفَاتٌ وَكَأَنَّ الشَّيْخُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الِاسْمِ، وَالصِّفَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعَدُّدِ الدَّالِّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَرُبَّمَا، أَوْقَعَ فِي اللَّبْسِ (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَشَارَ إلَى فَوَائِدَ أُخَرَ

وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي كَلَام الشَّارِعِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَالْقَرَافِيِّ بِالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، وَبِالسُّنَّةِ وَالتَّطَوُّعِ وَيُجَابُ بِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَا شَرْعِيَّةٌ، وَالشَّرْعِيَّةُ مَا وَضَعَهَا الشَّارِعُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَالْحَدُّ، وَالْمَحْدُودُ) أَيْ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، وَالْإِنْسَانِ (وَنَحْوُ حَسَنٍ بِسِنٍّ) ، أَيْ: الِاسْمُ وَتَابِعُهُ كَعَطْشَانَ نَطْشَانَ (غَيْرِ مُتَرَادِفَيْنِ) ، أَيْ: غَيْرُ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى (عَلَى الْأَصَحِّ) أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْحَدَّ يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ تَفْصِيلًا، وَالْمَحْدُودَ - أَيْ: اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَيْهِ - يَدُلُّ عَلَيْهَا إجْمَالًا، وَالْمُفَصَّلُ غَيْرُ الْمُجْمَلِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُفِيدُ الْمَعْنَى بِدُونِ مَتْبُوعِهِ، وَمِنْ شَأْنِ كُلِّ مُتَرَادِفَيْنِ إفَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَعْنَى وَحْدَهُ، وَالْقَائِلُ بِالتَّرَادُفِ يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَالْحَقُّ إفَادَةُ التَّابِعِ التَّقْوِيَةَ) لِلْمَتْبُوعِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، وَالْعَرَبُ لِحِكْمَتِهَا لَا تَتَكَلَّمُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَمُقَابِلُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَتَيَسُّرِ النُّطْقِ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا فِي بُرٍّ وَقَمْحٍ فِي حَقِّ الْأَلْثَغِ بِالرَّاءِ وَكَالْجِنَاسِ فَقَدْ يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] فَإِنَّهُ يَقَعُ يَتَحَسَّبُونَ دُونَ يَظُنُّونَ، وَمِثْلُهُ رَحْبَةٌ رَحْبَةٌ وَلَوْ قِيلَ وَاسِعَةٌ فَاتَ الْجِنَاسُ. وَفِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ لِلْمُخْتَصَرِ وَكَالْمُطَابَقَةِ، وَهِيَ ذِكْرُ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ؛ إذْ قَدْ يَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْضُوعًا بِالِاشْتِرَاكِ لِمَعْنًى آخَرَ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِهِ التَّقَابُلُ دُونَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خَسِّكُمْ فَقَالَ خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خِيَارِكُمْ فَوَقَعَ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْخَسِّ، وَالْخِيَارِ بِوَجْهٍ وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا الْمُنَاسَبَةُ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ إذْ الْخَسُّ قَدْ وُضِعَ لِلْبَقْلِ، وَالْخِيَارُ لِلْقِثَّاءِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ خَيْرٌ مِنْ قِثَّائِكُمْ لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُلُ بِهِ اهـ. وَفِيهِ مِنْ اللَّطَافَةِ مَا يُدْرِكُهُ الذَّكِيُّ بِذَوْقِهِ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مُنْتَفٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الِاحْتِيَاجِ عَدَمُ وُقُوعِهِ لِتَعَلُّقِ غَرَضٍ صَحِيحٍ بِهِ كَتَوَافُقِ الْفَوَاصِلِ، وَالتَّجْنِيسِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ وَارِدٌ عَلَى قَانُونِ الْبُلَغَاءِ. (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ) ، أَيْ: اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَضَعَهَا الشَّارِعُ وَاعْتِرَاضُهُ النَّاصِرَ بِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ سَدُّ بَابِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لَهَا الْجَزْمُ بِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فَارِقٌ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ مَا صَحَّ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَقَوْلُ سم إنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ الشَّارِعِ فَفِيهِ أَنَّ غَايَةَ مَا وَقَعَ مِنْ الشَّارِعِ الِاسْتِعْمَالُ فَإِنْ قِيلَ الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ قُلْنَا هُوَ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ الْمَجَازِ، وَإِنْ قِيلَ بِاحْتِمَالِهِ فَكَذَلِكَ، فَالتَّفْرِقَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ. (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّ الْحَدَّ) لَمْ يَقُلْ، أَيْ: اللَّفْظَ كَمَا فِي الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْحَدِّ اللَّفْظُ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ إلَخْ) الِاخْتِلَافُ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ؛ إذْ الرَّسْمُ بِالْعَوَارِضِ، وَهِيَ غَيْرُ الْمَاهِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْصِيلًا لَهَا. (قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُ الْمَعْنَى) ، أَيْ: مَعْنَى مَتْبُوعِهِ بِدُونِهِ، بَلْ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَأْنِ كُلِّ مُتَرَادِفَيْنِ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ لَوْ قَالَ إفَادَتُهُ الْمَعْنَى لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ؛ إذْ لَا يُقَالُ شَأْنُ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا إفَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ إفَادَةُ إلَخْ اهـ. يُرِيدُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِذِكْرِ كُلِّ الثَّانِيَةِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَبْنَاهُ تَوَهَّمَ أَنَّ كِلَا الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ سَهْوٌ، بَلْ الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَجْمُوعُ لَفْظَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى، وَالثَّانِيَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْرَادِ هِيَ اللَّفْظَانِ الْمَذْكُورَانِ، فَمَجْمُوعُ لَفْظِ الْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْأُولَى، وَمَجْمُوعُ لَفْظِ الْقَمْحِ وَلَفْظِ الْبُرِّ فَرْدٌ آخَرُ مِنْ أَفْرَادِهَا، وَهَكَذَا لَفْظُ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ فَرْدٌ وَاحِدٌ، وَمِنْ أَفْرَادِ الثَّانِيَةِ لَفْظُ الْبَشَرِ وَحْدَهُ فَرْدٌ آخَرُ مِنْ أَفْرَادِهَا، وَهَكَذَا فَمَعْنَى عِبَارَتِهِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ كُلِّ مَجْمُوعَيْ لَفْظَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى إفَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِكَ اللَّفْظَيْنِ الْمَعْنَى وَحْدَهُ وَلَوْ قَالَ: وَمِنْ شَأْنِ كُلِّ مُتَرَادِفَيْنِ إفَادَتُهُ الْمَعْنَى وَحْدَهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ كَانَ مَعْنَاهُ إنَّ مِنْ شَأْنِ كُلِّ مَجْمُوعِ لَفْظَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى إفَادَتَهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ الْمَعْنَى وَحْدَهُ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ الَّذِي هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ جُزْأَيْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ يُفِيدُ الْمَعْنَى وَحْدَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَمْنَعُ ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ، وَمِنْ شَأْنِ إلَخْ كَمَا صَنَعَ سم، وَهُوَ الظَّاهِرُ

كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ، وَالتَّابِعُ لَا يُفِيدُ عَقِبَ قَوْلِهِ، وَالتَّأْكِيدُ يَعْنِي: الْمُؤَكَّدَ يُقَوِّي الْأَوَّلَ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّ التَّابِعَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ، أَيْ: الْمَعْنَى يَعْنِي: بِخِلَافِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَرَادِفَيْنِ، فَهُوَ عَلَى هَذَا سَاكِتٌ عَنْ إفَادَةِ التَّقْوِيَةِ لَا نَافٍ لَهَا (وَ) الْحَقُّ (وُقُوعُ كُلٍّ مِنْ الرَّدِيفَيْنِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمُتَّحِدِ الْمَعْنَى (مَكَانَ الْآخَرِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَبَّدَ بِلَفْظِهِ) ، أَيْ: يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ رَدِيفَيْنِ بِأَنْ يُؤْتِيَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرَ فِي الْكَلَامِ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي نَفْيِهِ ذَلِكَ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: مِنْ لُغَتَيْنِ، أَوْ لُغَةٍ قَالَ؛ لِأَنَّك لَوْ أَتَيْت مَكَانَ مَنْ فِي قَوْلِك مَثَلًا خَرَجْت مِنْ الدَّارِ بِمُرَادِفِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ، أَيْ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ لَمْ يَسْتَقِمْ الْكَلَامُ؛ لِأَنَّ ضَمَّ لُغَةٍ إلَى أُخْرَى بِمَثَابَةِ ضَمِّ مُهْمَلٍ إلَى مُسْتَعْمَلٍ قَالَ، وَإِذَا عَقَلَ ذَلِكَ فِي لُغَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِمَا فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى قَوْلِهِ؛ فَلِأَنَّ التَّابِعَ إلَخْ فَإِنَّ بِسِنٍّ وَحْدَهُ غَيْرُ مُفِيدٍ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ) ، أَيْ: الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَالْحَقُّ. (قَوْلُهُ: قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ) بِمَعْنَى مَقُولُهُ خَبَرُ قَوْلُهُ، وَمُقَابِلُ هَذَا وَقَوْلُهُ عَقِبَ ظَرْفٌ لِقَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي: الْمُؤَكَّدَ) أَتَى بِالْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ التَّأْكِيدِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَالشَّارِحُ بِالْعِنَايَةِ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّأْكِيدِ هُنَا مَا هُوَ بِتَكْرِيرِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّأْكِيدِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُهُ غَيْرُ مَدْلُولِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ لِلْجُمْلَةِ؛ إذْ هُوَ مُرَكَّبٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمُرَادِفِ بِمُرَكَّبٍ. (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ) يَعْنِي: الْبَيْضَاوِيَّ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى، فَهْمٍ فِي كَلَامِ الْمِنْهَاجِ يَصِيرُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِيمَا، فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ قَائِلٌ بِالنَّفْيِ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَعْنَى) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ تَوَحُّدِهِ لَا يُتَوَهَّمُ تَقْوِيَتُهُ؛ لِأَنَّهَا فَرْعُ الِانْضِمَامِ لِلْغَيْرِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُفِيدُ الْمَعْنَى وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ التَّقْوِيَةَ الْمُثْبَتَةَ أَوَّلًا هِيَ الْمَنْفِيَّةُ بِقَوْلِهِ لَا يُفِيدُ، وَمَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ كَلَامَ الْبَيْضَاوِيِّ هُوَ مَا قَرَّرَهُ بِهِ شَارِحُهُ الْخُجَنْدِيُّ حَيْثُ قَالَ إنَّ التَّابِعَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ، أَيْ: الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى بِدُونِ الْمَتْبُوعِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى هَذَا سَاكِتٌ) ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: لَا نَافٍ لَهَا) ، أَيْ: فَلَا يُنَافِي فِي إفَادَةِ التَّابِعِ لَهَا قَالَ الْكَمَالُ، وَإِيرَادُ الْبَيْضَاوِيِّ قَوْلَهُ، وَالتَّابِعُ لَا يُفِيدُ عَقِبَ قَوْلِهِ، وَالتَّأْكِيدُ يُقَوِّي الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ التَّابِعَ نَحْوَ بِسِنٍّ وَنَطْشَانَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا لَا تَقْوِيَةً وَلَا غَيْرَهَا كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّابِعَ يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَضَعُهُ سُدًى، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت فَصَارَ كَالتَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ قُلْت التَّأْكِيدُ يُفِيدُ مَعْنَى التَّقْوِيَةِ نَفَى احْتِمَالَ الْمَجَازِ، ثُمَّ قَالَ وَأَيْضًا، فَالتَّابِعُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى زِنَةِ الْمَتْبُوعِ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ اهـ. فَقَوْلُهُ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهُ حَمَلَ التَّأْكِيدَ عَلَى التَّأْكِيدِ الْمَعْنَوِيِّ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ سم صَرَّحَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ بِأَنَّ هَذَا التَّابِعَ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ. وَأَوْرَدَهُ عَلَى تَعْرِيفِ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ بِأَنَّهُ إعَادَةُ اللَّفْظِ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِمُرَادِفِهِ فَإِنَّ هَذَا تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ وَلَيْسَ عَيْنَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَلَا مُرَادِفًا لَهُ أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. فَقَوْلُ الْكَمَالِ عَنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمُصَنِّفِ فَإِنْ قُلْت فَصَارَ كَالتَّأْكِيدِ إلَخْ يُخَالِفُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّأْكِيدَ الْمَعْنَوِيَّ لَا مُطْلَقَ التَّأْكِيدِ وَلَا اللَّفْظِيَّ، وَإِلَّا، فَهَذَا مِنْهُمَا اهـ. لَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وُقُوعُ كُلٍّ مِنْ الرَّدِيفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ) ، أَيْ: بِحَسَبِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّ أَحَدَ الرَّدِيفَيْنِ قَدْ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ فِي نَحْوِ السَّجْعِ، وَالنَّظْمِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: يَصِحُّ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ لَا الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا كَانَتْ الْكُلِّيَّةُ غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ رَدِيفَيْنِ) أَخَذَ الْعُمُومَ مِنْ الاستغراقية فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الرَّدِيفَيْنِ وَأَخْذُ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ يُؤْتِيَ بِكُلٍّ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وُقُوعُ كُلِّ، فَهَاهُنَا عُمُومَانِ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالرَّدِيفِ مُسْتَفَادٌ مِنْ كُلِّ، وَالثَّانِي مُتَعَلِّقٌ بِمَجْمُوعِ الرَّدِيفَيْنِ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّامِ

[مسألة المشترك وهو اللفظ الواحد المتعدد المعنى الحقيقي]

فَلِمَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي لُغَةٍ، أَيْ: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلُ أَيْ الْجَوَازَ الْأَظْهَرُ فِي أَوَّلِ النَّظَرِ. وَالثَّانِي حَقٌّ (وَ) خِلَافًا (لِلْبَيْضَاوِيِّ وَ) الصَّفِيِّ (الْهِنْدِيُّ) فِي نَفْيِ مَا ذَكَرَ (إذَا كَانَا) ، أَيْ: الرَّدِيفَانِ (مِنْ لُغَتَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ أَمَّا مَا تَعَبَّدَ بِلَفْظِهِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا فَلَا يَقُومُ مُرَادِفُهُ مَقَامَهُ لِعُرُوضِ التَّعَبُّدِ، وَيَكُنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَامَّةٌ فَتَعَبُّدٌ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ فَاعِلُهَا وَضَمِيرُ بِلَفْظِهِ لِلْآخَرِ. (مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ) ، وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ (وَاقِعٌ) فِي الْكَلَامِ جَوَازًا (خِلَافًا لِثَعْلَبٍ وَالْأَبْهَرِيِّ وَالْبَلْخِيِّ) فِي نَفْيِهِمْ وُقُوعَهُ (مُطْلَقًا) قَالُوا، وَمَا يُظَنُّ مُشْتَرَكًا، فَهُوَ إمَّا حَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ، أَوْ مُتَوَاطِئٌ كَالْعَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاصِرَةِ، وَمَجَازٌ فِي غَيْرِهَا كَالذَّهَبِ لِصَفَائِهِ، وَالشَّمْسِ لِضِيَائِهَا وَكَالْقُرْءِ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ، وَهُوَ الْجَمْعُ مِنْ قَرَأْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، أَيْ: جَمَعْته فِيهِ، وَالدَّمُ يَجْتَمِعُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فِي الْجَسَدِ وَفِي زَمَنِ الْحَيْضِ فِي الرَّحِمِ. وَمَا هُنَا عَنْ الثَّلَاثَةِ أَقْرَبُ مِمَّا فِي شَرْحَيْ الْمُخْتَصَرِ، وَالْمِنْهَاجِ أَنَّهُمْ أَحَالُوهُ (وَ) خِلَافًا (لِقَوْمٍ) فِي نَفْيِهِمْ وُقُوعَهُ (فِي الْقُرْآنِ قَبْلُ، وَالْحَدِيثِ) اأَيْضًا قَالُوا لَوْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالتَّقْدِيرُ يَصِحُّ وُقُوعُ كُلِّ رَدِيفٍ مِنْ كُلِّ رَدِيفَيْنِ مَكَانَ الرَّدِيفِ الْآخَرِ وَحَاوَلَ الشَّارِحُ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ الصِّحَّةِ لَا فِي الصِّحَّةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ إذْ الصِّحَّةُ فِي الْجُمْلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا خِلَافٌ وَلَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُهُمْ لَوْ صَحَّ لَصَحَّ خداي أَكْبَرُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَقَلَ ذَلِكَ) ، أَيْ: نَفْيَ الصِّحَّةِ، أَيْ: فَهِمْت عِلَّتَهُ. (قَوْلُهُ: فَلِمَ لَا يَجُوزُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجُ الْجَزْمَ بِنَفْيِ الْوُقُوعِ عَلَى أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ اتِّحَادُ الْمَوْضُوعَاتِ وَاخْتِلَافُهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ: لَا مَانِعَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ إنْكَارِيٌّ وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ النَّظَرِ، أَيْ: بِحَسَبِ النَّظْرَةِ الْأُولَى لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَالثَّانِي الْحَقُّ. (قَوْلُهُ: لِعُرُوضِ التَّعَبُّدِ إلَخْ) إشَارَةٌ مِنْ الشَّارِحِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَوْ حَذَفَ قَيْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَبَّدَ مَا ضَرَّ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الْوُقُوعِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَهَذَا لِمَانِعٍ عَارِضٍ، وَالْكَلَامُ فِي الصِّحَّةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ شَرْعًا وَعَدَمُهُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَعَدَمِهَا. (قَوْلُهُ: وَيَكُنْ تَامَّةٌ) لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، بَلْ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الرَّدِيفِ وَتُعُبِّدَ فِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ. [مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ] (قَوْلُهُ: جَوَازًا) الْمُرَادُ بِهِ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ، وَهُوَ سَلْبُ الضَّرُورَةِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ فَتَكُونُ الْقَضِيَّةُ مُمْكِنَةً خَاصَّةً وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَسُنَ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ فَقَوْلُهُ خِلَافًا لِثَعْلَبٍ مُقَابِلُ الْوُقُوعِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ وَاجِبٌ مُقَابِلُ الْجَوَازِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ يُقَابِلُ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يَقَعُ. (قَوْلُهُ: قَالُوا، وَمَا يُظَنُّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا، أَوْرَدَ عَلَيْهِمْ بِالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَمُحَصِّلُهُ مَنْعُ كَوْنِهَا مِنْهُ بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُتَوَاطِئٌ) فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا كَالْإِنْسَانِ الْمَوْضُوعِ لِلْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الَّذِي اسْتَوَتْ أَفْرَادُهُ فِي مَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ: كَالْعَيْنِ) مِثَالٌ لِمَا هُوَ حَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ وَقَوْلُهُ كَالذَّهَبِ، وَالشَّمْسِ مِثَالَانِ لِقَوْلِهِ غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ لِصِفَاتِهِ وَلِضِيَائِهِ إشَارَةٌ لِلْجَامِعِ فَيَكُونُ مَجَازَ اسْتِعَارَةٍ وَقَوْلُهُ وَكَالْقُرْءِ مِثَالٌ لِلْمُتَوَاطِئِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى كَالْعَيْنِ وَأَعَادَ الْكَافَ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمُتَوَاطِئِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ الْجَمْعُ) قَالَ سم الْجَمْعُ لَا يَصْدُقُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ؛ إذْ الْحَيْضُ الدَّمُ الْمَخْصُوصُ وَخُرُوجُهُ، وَالطُّهْرُ الْخُلُوُّ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَأُجِيبَ بِتَقْدِيرِ ذَوُو الدَّمِ ذُو الْجَمْعِ، وَالطُّهْرُ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ، وَالدَّمُ يَجْمَعُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَقْرَبُ) ؛ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا الْوُقُوعَ وَنَفْيُ الْوُقُوعِ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ، وَالِاسْتِحَالَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُمْ، وَلَكِنَّ الْأَقْرَبَ إلَى نَفْيِ الْوُقُوعِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ. (قَوْلُهُ: مِمَّا فِي شَرْحَيْ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ، بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الِاسْتِحَالَةَ مُصَرَّحٌ بِهَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ، أَوْجَبَهُ قَوْمٌ لِوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَرَدَّهُمَا، ثُمَّ قَالَ وَأَحَالَهُ آخَرُونَ، ثُمَّ قَالَ، وَالْمُخْتَارُ إمْكَانُهُ وَوُقُوعُهُ اهـ. فَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحَالَةِ وَقَعَ فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: فِي الْقُرْآنِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَقَوْلُهُ {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] فَإِنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ

لَوَقَعَ إمَّا مُبَيِّنًا فَيَطُولُ بِلَا فَائِدَةٍ، أَوْ غَيْرَ مُبَيِّنٍ فَلَا يُفِيدُ الْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ نَفَى الْوُقُوعَ فِي الْحَدِيثِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِمَا غَيْرَ مُبَيِّنٍ وَيُفِيدُ إرَادَةَ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا الَّذِي سَيُبَيِّنُ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي الْإِفَادَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ الثَّوَابُ، أَوْ الْعِقَابُ بِالْعَزْمِ عَلَى الطَّاعَةِ، أَوْ الْعِصْيَانِ بَعْدَ الْبَيَانِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَقِيلَ:) هُوَ (وَاجِبُ الْوُقُوعِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ؛ إذْ مَا مِنْ مُشْتَرَكٍ إلَّا وَلِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَوَقَعَ إمَّا مُبَيِّنًا إلَخْ) مَحَطُّ الْجَزَاءِ قَوْلُهُ إمَّا مُبَيِّنًا فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا تَرْدِيدٌ صُورِيٌّ، وَإِلَّا، فَالْبَيَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ إمَّا فِي الْحَالِ، أَوْ الْمَالِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الَّذِي سَيُبَيَّنُ، فَالطُّولُ لَازِمٌ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَدْ نُقِضَ هَذَا الدَّلِيلُ بِجَرَيَانِهِ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَإِنَّهَا وَاقِعَةٌ مَعَ عَدَمِ دَلَالَتِهَا عَلَى خُصُوصِيَّاتِ مُسَمَّيَاتِهَا وَلَوْ صَحَّ الدَّلِيلُ لَمَا وَقَعَتْ بِعَيْنِ مَا ذَكَرْتُمْ. (قَوْلُهُ: فَيَطُولُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَيَانِ الطُّولُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْبَيَانُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ نَحْوُ شَرِبْت عَيْنًا فَإِنَّهُ مُسَاوٍ لِشَرِبْتُ مَاءً وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَضِيَّةَ جُزْئِيَّةٌ، أَيْ: قَدْ يَطُولُ وَفِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْتِجُ عَدَمُ وُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: بِلَا فَائِدَةٍ) إنْ أُرِيدَ الطُّولُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَالْوَصْفُ مُخَصِّصٌ، وَإِنْ أُرِيدَ الطُّولُ الِاصْطِلَاحِيُّ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَصْلِ الْمُرَادِ لَا لِفَائِدَةٍ، فَالْوَصْفُ كَاشِفٌ قَالَ سم وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطُّولِ عَدَمُ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَهِيَ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ لِإِفَادَتِهَا الْكَلَامَ فَضْلَ تَمَكُّنٍ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَ مُبَيِّنٍ فَلَا يُفِيدُ) قَدْ يُقَالُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَشَابِهِ وَوُقُوعَهُ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ مُنْكَرٍ. (قَوْلُهُ: أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ) الْمُرَادُ فَرْدٌ مُعَيَّنٌ فِي الْخَارِجِ لَا فَرْدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الَّذِي سَيُبَيَّنُ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ، أَوْ مَعَانِيهِ. (قَوْلُهُ: الَّذِي سَيُبَيَّنُ) نَعْتٌ لِأَحَدِ، أَيْ: وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ تَأَخُّرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِالْعَزْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَتَرَتَّبُ، أَيْ: الْعَزْمُ الْآنَ (قَوْلُهُ: حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ) أَيْ عِنْدَ مَنْ يَرَى حَمْلَهُ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ فِي إفَادَةِ أَرَادَ أَحَدَهُمَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعَانِي أَكْثَرُ) أَيْ الْمَعَانِي الْمَوْضُوعَ لَهَا أَلْفَاظٌ فَلَا يُنَافِي فِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ قَالَهُ فِي الْمَعَانِي مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: الدَّالَّةِ عَلَيْهَا إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعَانِي الْمَوْضُوعُ لَهَا. (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ ذَلِكَ) ، أَيْ: مَنْعِ أَنَّ الْمَعَانِي الْمَوْضُوعَ لَهَا الْأَلْفَاظُ أَكْثَرُ، بَلْ الْأَلْفَاظُ أَكْثَرُ، بَلْ ادَّعَى الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُشْتَرَكَةَ أَغْلَبُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ بِأَسْرِهَا مُشْتَرَكَةٌ الْمَاضِي بَيْنَ الْخَبَرِ، وَالْإِنْشَاءِ، وَالْمُضَارِعُ بَيْنَ الْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ، وَالْأَمْرُ بَيْنَ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ كَذَا الْحَرْفُ بِشَهَادَةِ النُّحَاةِ وَبَعْضُ الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ غَالِبًا وَرَدَّهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ اشْتِرَاكً جَمِيعِ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ، وَالْخَبَرِ مَمْنُوعٌ، بَلْ يَعْرِضُ ذَلِكَ لِلْبَعْضِ كَصِيَغِ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا وَاشْتِرَاكُ الْمُضَارِعِ

[مسألة المشترك يصح لغة إطلاقه على معنييه]

(وَقِيلَ) هُوَ (مُمْتَنِعٌ) لِإِخْلَالِهِ بِفَهْمِ الْمُرَادِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَضْعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ بِالْقَرِينَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَضْعِ الْفَهْمُ التَّفْصِيلِيُّ، أَوْ الْإِجْمَالِيُّ الْمُبَيِّنُ بِالْقَرِينَةِ فَإِنْ انْتَفَتْ حَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ) هُوَ (مُمْتَنِعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فَقَطْ) كَوُجُودِ الشَّيْءِ وَانْتِفَائِهِ؛ إذْ لَوْ جَازَ وَضْعُ لَفْظٍ لَهُمَا لَمْ يُفِدْ سَمَاعُهُ غَيْرَ التَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْعَقْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُمَا فَيَسْتَحْضِرُهُمَا بِسَمَاعِهِ، ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْهُمَا. (مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ إذْ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا، وَالْأَصَحُّ فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ) هَلَّا قَالَ مُطْلَقًا لِمُقَابَلَةِ قَوْلِ الْإِمَامِ الْآتِي كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ لِمُقَابَلَةِ الْقَوْلِ الثَّانِي اهـ. سم، وَقَدْ يُقَالُ لَمْ يَقُلْهُ لِعِلْمِهِ مِنْ السِّيَاقِ، وَالسِّبَاقِ. (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودِ) صِفَةٌ لِفَهْمِ الْمُرَادِ لَا لِلْمُرَادِ بِقَرِينَةِ الْجَوَابِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: التَّفْصِيلِيُّ) ، أَيْ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِذَاتِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْإِجْمَالِيُّ) ، أَيْ: كَمَا فِي الْمُشْتَرَكِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَضْعِ الْفَهْمُ بِدُونِ قَرِينَةٍ (قَوْلُهُ: الْمُبَيِّنُ بِالْقَرِينَةِ) فِيهِ تَسَامُحٌ فَإِنَّ الْمُبَيِّنَ الْمَفْهُومُ لَا الْفَهْمُ الْإِجْمَالِيُّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ حَذْفًا، أَيْ: الْمُبَيِّنُ مُتَعَلِّقُهُ، أَوْ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْفَهْمَ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ أَوَّلًا وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنَى الْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ: حَاصِلٌ فِي الْعَقْلِ) ، أَيْ: قَبْلَ السَّمَاعِ قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِأَنَّ حُصُولَهُ فِي الْعَقْلِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا؛ إذْ قَدْ لَا يُرَادُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِخِلَافِهِ بَعْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُغْفَلُ) ، أَوْ يُقَالُ الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِالْقَرِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ] (قَوْلُهُ: يَصِحُّ إطْلَاقُهُ) اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فَإِنَّ الصَّلَاةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمَغْفِرَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ؛ إذْ هِيَ مِنْ اللَّهِ مَغْفِرَةٌ، وَمِنْ غَيْرِهِ اسْتِغْفَارٌ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مُرَادٌ فِي الْآيَةِ؛ إذْ الْجَائِزُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى الْمَغْفِرَةُ دُونَ الِاسْتِغْفَارِ وَفِي الْمَلَائِكَةِ بِالْعَكْسِ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ فَإِنْ قِيلَ الضَّمِيرُ فِي يُصَلُّونَ مُتَعَدِّدٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَا يَعُودُ إلَى اللَّهِ، وَمَا يَعُودُ إلَى الْمَلَائِكَةِ فَيَتَعَدَّدُ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إلَيْهِمَا وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إعْمَالَ لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي الْمَفْهُومَيْنِ، بَلْ لَفْظَيْنِ قُلْنَا يَتَعَدَّدُ الْفِعْلُ مَعْنًى لَا لَفْظًا؛ إذْ الْمَلْفُوظُ وَاحِدٌ يُرَادُ بِهِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ، وَهُوَ الْمُدَّعَى وَتَكْرِيرُ لَفْظِ يُصَلِّي تَقْدِيرًا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَنْعِ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَاطِئِ وَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِأَمْرٍ كُلِّيٍّ، وَهُوَ الدُّعَاءُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْبَعْضُ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] فَإِنَّ السُّجُودَ مِنْ النَّاسِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ؛ إذْ لَوْ أُرِيدَ الِانْقِيَادُ لَمَا قَالَ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لِشُمُولِهِ الْجَمِيعَ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ الِانْقِيَادُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ وَضْعِ الْجَبْهَةِ مِنْهُ، وَاللَّفْظُ مَوْضُوعٌ لَهُمَا فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا مَعًا فَوَقَعَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ فَإِنْ قِيلَ حَرْفُ الْعَطْفِ بِمَثَابَةِ الْعَامِلِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ التَّكْرِيرِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَيَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ. وَهَكَذَا إلَى قَوْلِهِ وَكَثِيرٌ بِمَعْنَى وَيَسْجُدُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَتَكُونُ أَلْفَاظًا مُتَعَدِّدَةً فِي مَعَانِي مُخْتَلِفَةٍ، وَهَذَا غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ بِمَثَابَةِ الْعَامِلِ كَيْفَ، وَالْعَمَلُ لِلْعَامِلِ لَا لَهُ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَمَعْنَى كَوْنِهِ بِمَثَابَتِهِ تَعْيِينَهُ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْسِحَابِ عَمَلِ هَذَا الْعَامِلِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْمَعْطُوفِ لَا أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ مِثْلِهِ فَيَكُونُ اللَّفْظُ وَاحِدًا، وَالْمَعَانِي مُخْتَلِفَةً، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهَا عَلَى حَذْفِ الْفِعْلِ أَيْ وَيَسْجُدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَيُؤَيِّدُ مَسْأَلَةَ الْعَاطِفِ مَا قَالُوا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَهَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِ الدَّارِ الثَّانِيَةِ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَوْ اقْتَضَى الْعَطْفُ الْإِعَادَةَ لَطَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْإِعَادَةِ قِيلَ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الِاسْتِبْدَادِ فِي قَوْلِهِ جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو. وَفِي قَوْلِهِ فُلَانٌ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مُشَارَكَةُ الِاثْنَيْنِ فِي مَجِيءٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي طَلَاقٍ وَاحِدٍ لَا يُتَصَوَّرُ فَيُصَارُ إلَى الِاسْتِبْدَادِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ

لُغَةً (إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسُّجُودِ الِانْقِيَادُ فِي الْجَمِيعِ وَشُمُولٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْكُفَّارَ الْمُنْكَرِينَ لَمْ يَمَسَّهُمْ الِانْقِيَادُ أَصْلًا وَأَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ وَضْعُ الرَّأْسِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْجَمِيعِ وَلَا يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ الْجَمَادَاتِ إلَّا مُنْكِرُ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ اهـ. وَبَحَثَ فِيهِ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالِانْقِيَادِ امْتِثَالُ التَّكَالِيفِ لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنْ أُرِيدَ امْتِثَالُ حُكْمِ التَّكْوِينِ، أَوْ مُطْلَقُ الْإِطَاعَةِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا، وَذَاكَ فَشُمُولُهُ لِكَافَّةِ النَّاسِ ظَاهِرٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بِمَعْنًى آخَرَ كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ، أَوْ امْتِثَالِ التَّكَالِيفِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ السُّجُودِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ لَا وَضْعُ الرَّأْسِ؛ إذْ لَيْسَ وَضْعُ الرَّأْسِ مِنْ الْقَفَا سُجُودًا وَلَوْ سُلِّمَ فَإِثْبَاتُ حَقِيقَةِ الرَّأْسِ فِي مِثْلِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ السَّمَاوِيَّاتِ مُشْكِلٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَفِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيِّ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ أَلَمْ تَرَ وَقَوْلُهُ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِحَالَتِهِ إلَخْ فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَيْسَ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وُجُوهٌ وَلَا حَيَاةَ كَالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِاسْتِحَالَةِ الْمَشْيِ بِالْأَرْجُلِ، وَالْبَطْشِ بِالْأَيْدِي وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْخَوَارِقِ اهـ. وَأَجَابَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ، أَوْ الْمُرَادَ هُنَا وَاحِدٌ حَاصِلٌ لِلْكُلِّ لَا أَنْ يُرَادَ بِالْمُشْتَرَكِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَوْنُ هَذَا الْمَعْنَى الْوَاحِدِ مَعْنًى حَقِيقِيًّا كَمَا قَالَ فِي {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ثَمَّةَ وَاحِدًا حَقِيقِيًّا كَالدُّعَاءِ، أَوْ مَجَازِيًّا كَإِرَادَةِ الْخَيْرِ وَبِأَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْوُجُوهِ، وَالْحَيَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِحَالَةَ وَضْعِ الرَّأْسِ كَمَا أَنَّ انْتِفَاءَ الْأَرْجُلِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِحَالَةَ الْبَطْشِ بِالْأَيْدِي اهـ. وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: 44] فَإِنَّ تَسْبِيحَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ بِلِسَانِ الْحَالِ وَتَسْبِيحِ مَنْ فِيهِنَّ بِلِسَانِ الْمَقَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْعَامِلِ فِي مَنْ، أَيْ: وَيُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِيهِنَّ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْبِيحِ مُطْلَقُ التَّعْظِيمِ، أَوْ أَنَّ التَّسْبِيحَ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَى وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] يُحَقِّقُ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ التَّسْبِيحِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى، وَمَا قِيلَ إنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأُلُوهِيَّةِ، وَالْوَحْدَانِيَّةِ، وَمَنْعِ أَنَّ، وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ لَا يُنَاسِبُهُ، بَلْ يُنَاسِبُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَفْهَمُونَ هَذِهِ الدَّلَالَةَ وَلَا يَعْرِفُونَهَا لِإِخْلَالِهِمْ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ اهـ. مَمْنُوعٌ أَمَّا أَوَّلًا فَدَعْوَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى التَّأْوِيلِ طَرِيقُ إثْبَاتِهَا الِاسْتِقْرَاءُ وَلَا يُمْكِنُ لِعَدَمِ الْإِحَاطَةِ بِالْمُفَسِّرِينَ كُلِّهِمْ حَتَّى يُعْلَمَ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ لَا يُوجِبُ جَهَالَةَ الْأُلُوهِيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا إنْكَارَهَا رَأْسًا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِرَافِهِمْ بِأُلُوهِيَّتِهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ وَهَلْ فِي الَّتِي دَانُوا لَهَا وَتَعَبَّدُوا ... لِذَاتِك نَافٍ أَوْ لِوَصْفِك جَاحِدُ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي تَفْقَهُونَ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ فَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، أَوْ لِلْجَمِيعِ، فَالْمُنَاسَبَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ التَّسْبِيحِ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ: لُغَةً) زَادَهُ لِأَجْلِ الْمُقَابَلَةِ بِالصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَعْنَيَيْهِ) سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ فِي حَقِيقَتَيْهِ نَحْوَ تَرَبَّصِي قُرْءًا، أَيْ: طُهْرًا، أَوْ حَيْضًا أَمْ فِي مَجَازِيَّةٍ، أَوْ حَقِيقَتِهِ، وَمَجَازِهِ نَحْوِ لَا أَشْتَرِي وَيُرِيدُ السَّوْمَ وَشِرَاءَ الْوَكِيلِ، أَوْ الشِّرَاءَ الْحَقِيقِيَّ، وَالسَّوْمَ، وَالثَّلَاثَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي اهـ. زَكَرِيَّا قَالَ سم يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي هَذَا التَّعْمِيمَ مَعَ عَدَمِ صِدْقِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ قُبَيْلَ مَبْحَثِ الْعِلْمِ وَعَكْسُهُ إنْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا فَمُشْتَرِكٌ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ اهـ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ، وَالْحَقِيقِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَالثَّلَاثَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ قَوْلَهُ الْآتِي وَفِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ الْخِلَافُ، ثُمَّ قَالَ، وَكَذَا الْمَجَازَانِ

مَثَلًا (مَعًا) بِأَنْ يُرَادَ بِهِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِك عِنْدِي عَيْنٌ وَتُرِيدُ الْبَاصِرَةَ، وَالْجَارِيَةَ مَثَلًا، وَمَلْبُوسِي الْجَوْنُ وَتُرِيدُ الْأَسْوَدَ، وَالْأَبْيَضَ وَأَقْرَأَتْ هِنْدٌ وَتُرِيدُ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ (مَجَازًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُمَا مَعًا، وَإِنَّمَا وُضِعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْآخَرِ بِأَنْ تَعَدَّدَ الْوَاضِعُ، أَوْ وُضِعَ الْوَاحِدُ نَاسِيًا لِلْأَوَّلِ. (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ (، وَالْمُعْتَزِلَةِ) هُوَ (حَقِيقَةٌ) نَظَرًا لِوَضْعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مَنْعُ عِلْمِهِمَا مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ، وَالْمَجَازَانِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ، بَلْ سِيَاقُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِهِ خُصُوصًا مَعَ مُلَاحَظَةِ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَأَقُولُ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ أَيْضًا أَنَّ اللَّفْظَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى حَقِيقِيٍّ، وَمَجَازِيٍّ مَعًا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاعْتِرَاضِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ يَتَخَلَّصُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ وَلَا يُعَرِّجُونَ عَلَى دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ أَصْلًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) ، أَيْ: أَوْ مَعَانِيهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرَادَ بِهِ إلَخْ) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ بِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي إطْلَاقِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا مَرَّةً وَعَلَى الْآخَرِ أُخْرَى وَلَا فِي إطْلَاقِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا، بَلْ هُوَ مَجَازٌ، أَوْ حَقِيقَةٌ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَلَا فِي إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، بَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَلَا فِي إطْلَاقِهِ مِنْ مُتَكَلِّمِينَ. (قَوْلُهُ: كَقَوْلِك عِنْدِي عَيْنٌ) أَشَارَ بِتَعْدَادِ الْمِثَالِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا خِلَافِيَّيْنِ كَالْأَوَّلِ، أَوْ ضِدَّيْنِ كَالثَّانِي، أَوْ نَقِيضَيْنِ كَالثَّالِثِ. (قَوْلُهُ: وَتُرِيدُ) ، أَيْ: فِي آنٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا الْحُصُولُ فِي آنٍ وَاحِدٍ فَلَا يُمْكِنُ نَحْوُ الطُّهْرِ، وَالْحَيْضِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وُضِعَ لِكُلٍّ) ، أَيْ: فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنَّ الْتَفَتَ لِهَيْئَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْهُمَا لَا لِكُلٍّ عَلَى حِدَتِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْآخَرِ) إنْ أُرِيدَ بِشَرْطِ عَدَمِ النَّظَرِ لِلْآخَرِ، فَهُوَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّظَرُ لِلْآخَرِ الصَّادِقِ بِالْوُجُودِ وَعَدَمِهِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمَجَازِيَّةَ، بَلْ يَكُونُ فِيهِمَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ لَهُ فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ اللَّفْظُ إلَّا فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِيهِمَا عَلَى وَضْعِهِ لَهُمَا مَعًا وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمَجَازِيَّةَ، بَلْ يُنْتِجُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لَأَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي هَذَا دُونَ هَذَا وَلِهَذَا دُونَ هَذَا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ وُضِعَ لَأَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي أَحَدِهِمَا وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِيهَا وَضْعٌ لَهُ مَعَ زِيَادَةٍ، ثُمَّ إنَّهُ قِيلَ الْعَلَاقَةُ هُنَا الْجُزْئِيَّةُ، وَالْكُلِّيَّةُ وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إرَادَةِ كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لَا فِي إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ الَّذِي أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءٌ مِنْهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ كُلُّ جُزْءٍ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْكُلِّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالْمُرَكَّبِ الْحَقِيقِيِّ وَأَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْجُزْءِ خُصُوصِيَّةٌ بِأَنْ يَنْتَفِيَ الْكُلُّ بِانْتِفَائِهِ عُرْفًا كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ، أَوْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ الْكُلِّ كَإِطْلَاقِ الْعَيْنِ عَلَى الْجَاسُوسِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَعَدَّدَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: نَاسِيًا لِلْأَوَّلِ) غَيْرُ لَازِمٍ؛ إذْ قَدْ يَضَعُهُ مَعَ تَذَكُّرِهِ لِلْأَوَّلِ لِقَصْدِ الْإِيهَامِ وَيَكْتَفِي فِي تَعْيِينِ الْمُرَادِ بِالْقَرِينَةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ تَعَدُّدَ الْوَضْعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ الْبَشَرُ أَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ اللَّهُ كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا. (قَوْلُهُ: وَعَنْ الشَّافِعِيِّ) عَبَّرَ بِعَنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّافِعِيِّ، وَالْمُعْتَزِلَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْهُمَا فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ، أَوْ مَجَازٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْمُعْتَزِلَةِ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِوَضْعِهِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ

لِكُلٍّ مِنْهُمَا (زَادَ الشَّافِعِيُّ وَظَاهِرٌ فِيهِمَا عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ) الْمُعَيِّنَةِ لِأَحَدِهِمَا كَالْمَصْحُوبِ بِالْقَرَائِنِ الْمُعَمِّمَةِ لَهُمَا (فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا) لِظُهُورِهِ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا مِنْ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِمَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ لِيَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ اسْتِعْمَالًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا لِمَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ لَمَا صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ حَقِيقَةً ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ، بَلْ جُزْئِيَّةً، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَمَا قَرَّرَهُ الْأَئِمَّةُ اسْتِعْمَالُهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، ثُمَّ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِمُفْرَدِهِ مَنَاطَ الْحُكْمِ وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَذَلِكَ حَقِيقَةً إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الْعَقْلِيَّةَ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لَهُمَا مَعًا عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءَ الْمَوْضُوعِ لَهُ، أَوْ وُضِعَ لِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ مُصَاحَبَتِهِ الْآخَرَ، أَوْ لَهُ بِشَرْطِ انْفِرَادِهِ عَنْهُ، أَوْ لَهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ انْفِرَادِهِ عَنْهُ، أَوْ مُصَاحَبَتِهِ لَهُ لَا جَائِزَ أَنْ يُرَادَ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَنْعُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَاحِدِ حَقِيقَةً، وَالْوَاقِعُ بِخِلَافِهِ وَلَا الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَنْعُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا حَقِيقَةً وَلَا الرَّابِعُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِمَعْنَاهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَخَصُّصِهِ بِهِ، أَيْ: جَعْلِهِ بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فَاعْتِبَارُ وَضْعِ اللَّفْظِ لِهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ إرَادَتَهُ خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ اعْتِبَارُ وَضْعِهِ لِلْمَعْنَى الْآخَرِ. وَالْجَوَابُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الرَّابِعِ وَاسْتِشْكَالُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْتِبَاسِ أَحَدِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ بِالْآخَرِ؛ إذْ هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ التَّخْصِيصِ بِمَعْنَى قَصْرِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَأَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى بِالْقَصْرِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَلَهُ طُرُقٌ مِنْهَا النَّفْيُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنَّمَا وَغَيْرُهُمَا ثَانِيهِمَا جَعْلُ الشَّيْءِ مُنْفَرِدًا مِنْ بَيْنِ الْأَشْيَاءِ بِالْحُصُولِ لِلْمُخْتَصِّ بِهِ كَمَا يُقَالُ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِتَخْصِيصِ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى أَيْ تَعْيِينِهِ لَهُ وَجَعْلِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَعْنَى الْآخَرُ فَيَخْتَارُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ انْفِرَادٍ وَاجْتِمَاعٍ فَيُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي هَذَا مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فِي الْآخَرِ وَتَارَةً مَعَ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً. قَالَ سم: وَقَدْ يُشْكِلُ قَوْلُ الْمُجِيبِ وَجَعْلُهُ مُنْفَرِدًا بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الْأَلْفَاظِ بِوَضْعِ الْمُتَرَادِفَيْنِ؛ إذْ لَا يَصْدُقُ الِانْفِرَادُ مِنْ بَيْنِ الْأَلْفَاظِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ بَيْنِ الْأَلْفَاظِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْمَصْحُوبِ بِالْقَرَائِنِ الْمُعَمِّمَةِ) ، أَيْ: الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِكُ عَامًا لَهُمَا، وَهُوَ مِثَالٌ لِلتَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ لَا تَنْظِيرٌ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْمُعَمِّمَةَ لَهُمَا غَيْرُ الْمُعَيِّنَةِ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ الْمَصْحُوبُ بِالْمُعَمِّمَةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْمُعَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ: فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا) ، أَيْ: وُجُوبًا؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِلَّا فَأَمَّا أَنْ لَا يُحْتَمَلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ فَيَلْزَمُ إهْمَالُ اللَّفْظِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ فَيَتَرَجَّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ كَذَا قِيلَ. أَقُولُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ الْإِهْمَالِ بِمَعْنَى التَّوَقُّفِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ دَلِيلُ الرُّجْحَانِ قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، ثُمَّ إنَّ الْحَمْلَ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادِ السَّامِعِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ، أَوْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مُرَادُهُ، فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ السَّامِعِ. وَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ، فَهُوَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ، وَإِرَادَةُ مَعْنَاهُ، فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ. وَأَوْرَدَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي مَعْنًى، أَوْ نَصًّا لَا يُقَالُ فِيهِ يُحْمَلُ؛ إذْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ انْتِفَاءِ الظُّهُورِ، أَوْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ. وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْحَمْلَ هُنَا مَجَازِيٌّ وَأَنَّ الْمُرَادَ انْصِرَافُ اللَّفْظِ إلَيْهِمَا وَقَالَ سم لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْلِهِ عَلَيْهِمَا اعْتِقَادُ السَّامِعِ إرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ إيَّاهُمَا بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْحَمْلُ اعْتِقَادُ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَتَسْمِيَةُ الشَّافِعِيِّ لَهُ ظَاهِرًا فِيهِمَا ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَهُ عَامٌّ، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْعَضُدُ قَالَ، وَالْعَامُّ عِنْدَهُ قِسْمَانِ مُتَّفِقُ الْحَقِيقَةِ وَقِسْمٌ مُخْتَلِفُهَا وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ هُوَ عِنْدَهُ كَالْعَامِّ وَلَيْسَ عَامًّا؛ لِأَنَّ الْعَامَّ غَيْرُ مُخْتَلِفِ الْحَقِيقَةِ، وَهَذَا مُخْتَلِفُهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَضُدَ

(وَعَنْ الْقَاضِي) هُوَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُعَيِّنَةِ، وَالْمُعَمِّمَةِ (مُجْمَلٌ) ، أَيْ: غَيْرُ مُتَّضِحِ الْمُرَادِ مِنْهُ (وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيُّ (وَالْغَزَالِيُّ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ) بِهِ مَا ذَكَرَ مِنْ مَعْنَيَيْهِ عَقْلًا (لَا أَنَّهُ) أَيْ مَا يُرَادُ مِنْ مَعْنَيَيْهِ (لُغَةٌ) لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِمُخَالَفَتِهِ لِوَضْعِهِ السَّابِقِ؛ إذْ قَضِيَّتُهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي كُلٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ قِسْمَيْهِ مُخْتَلِفُ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَضُرُّهُ تَسْمِيَتُهُ عَامًّا وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مُخْتَلِفِ الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ:، وَعَنْ الْقَاضِي إلَخْ) مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاَلَّذِي فِي تَقْرِيبِ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ وَيَبْعُدَانِ يُقَالُ هَذَا مُقَيِّدٌ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ظَاهِرٌ قَالَ سم فِي إطْلَاقَةِ نَظَرٌ؛ إذْ الِاحْتِيَاطُ قَدْ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَمْلِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ اهـ. يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا كَأَنْ يُقَالَ إنْ رَأَيْت الْعَيْنَ فَلَا تَأْكُلْ السَّمَكَ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ؛ إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُعَلَّقًا بِرُؤْيَةِ جَمِيعِ الْمَعَانِي وَبِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالِاحْتِيَاطُ هُنَا الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهَا لَا كُلِّهَا. (قَوْلُهُ: وَالْغَزَالِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكُورَانِيُّ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمُشْتَرِكِ الْمَعْنَيَانِ لَا لُغَةً. وَفِي شُرُوحِهِ، أَيْ: لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَاقَ عِبَارَةَ الْغَزَالِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا مَجَازَ، بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَعْنًى مَجَازِيًّا لِيَشْمَلَ الْمَعَانِي الْمُرَادَةَ مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ نَقُولُ لَا يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَسْتَعْمِلَ لَفْظًا عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ اسْتِعْمَالًا لَا صَحِيحًا وَلَا يَكُونُ مَجَازًا وَلَا حَقِيقَةً. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي غَيْرِ الْمُسْتَصْفَى؛ لِأَنَّ كُتُبَهُ الْأُصُولِيَّةَ تَنْحَصِرُ فِيهِ وَلَا مُفَادَاتُهُ الْأَصْلِيَّةُ مُخْتَصَّةً بِكُتُبِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ الْمَذْكُورُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَصْفَى، أَوْ مِنْ مُفَادَاتِهِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ فِي كُتُبِهِ وَالْمُصَنِّفُ ثِقَةٌ مُطَّلِعٌ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَصْفَى قُبَيْلَ مَا نَقَلَهُ الْكُورَانِيُّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ: احْتَجَّ الْقَاضِي، أَيْ: عَلَى صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرِكِ مِنْ مَعْنَيَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ اللَّفْظ مَرَّتَيْنِ وَأَرَادَ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَعْنًى آخَرَ جَازَ فَأَيُّ بُعْدٍ فِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيُرِيدُ بِهِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَعَ صَلَاحِ اللَّفْظِ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِلَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا فَإِنَّ لَفْظَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرِكِ فَنَقُولُ إنْ قَصَدَ بِاللَّفْظِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ لَكِنْ يَكُونُ قَدْ خَالَفَ الْوَضْعَ كَمَا فِي لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ اسْمَ الْعَيْنِ لِلذَّهَبِ، وَالْعُضْوِ الْبَاصِرِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ اهـ. فَقَوْلُهُ فَنَقُولُ إنْ قَصَدَ إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقْصِدَ بِاللَّفْظِ الْمَعْنَيَانِ وَبِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْوَضْعِ، وَهَذَا عَيْنُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ، بَلْ نَقُولُ لَا يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يُسْتَعْمَلَ لَفْظٌ عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ إلَخْ، فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ وَشُرَّاحَهُ لَمْ يَدَّعُوا عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرِكَ اُسْتُعْمِلَ فِي اللُّغَةِ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَإِنْ صَحَّ عَقْلًا أَنْ يُرَادَ مِنْهُ الْمَعْنَيَانِ فَانْظُرْ بُعْدَ أَحَدِ الْمَقَامَيْنِ عَنْ الْآخَرِ اهـ. هَذَا مُحَصِّلُ مَا قَالَهُ وَأَقُولُ إنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْجَوَازِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي الرَّدِّ عَلَى الْخَصْمِ وَلَيْسَ مِنْ الْقَوَانِينِ الْمُوَجَّهَةِ، وَإِنْ كَثُرَ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاصِرِ. وَأَمَّا مَا سَاقَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُسْتَصْفَى قَائِلًا إنَّهُ عَيْنُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَزَالِيَّ عَبَّرَ بِالْإِمْكَانِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِمْكَانِ الْفَرْضِيِّ، وَالْإِمْكَانِ الْوُقُوعِيِّ، وَالِاسْتِدْرَاكُ يُرَجِّحُ إرَادَةَ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا. وَقَدْ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ شُمُولَهُ لِلْكَافِرِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ الْعَقْلِيِّ فَقَوْلُهُ، فَهَذَا مُمْكِنٌ، أَيْ: يُمْكِنُ فَرْضُهُ. وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَدْ عَبَّرَ بِلَفْظِ الصِّحَّةِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا الْحُصُولُ بِالْفِعْلِ، أَوْ الْغَرَضِ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ وَكِلَاهُمَا لَا يَتِمُّ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ وَفِيهِ أَنَّ غَايَتَهُ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُوَافَقَتُهُ لِلْوَضْعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجَازَ تَابِعٌ لِلْحَقِيقَةِ فَإِذَا كَانَتْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْمَعَانِي مُفْرَدَةً فَكَذَلِكَ الْمَجَازُ وَلَا يَخْفَى بُعْدَهُ وَحِينَئِذٍ، فَالدَّلِيلُ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى. (قَوْلُهُ: لِوَضْعِهِ السَّابِقِ) ، أَيْ: عَلَى الِاسْتِعْمَالِ عَلَى وَضْعٍ آخَرَ (إذْ قَضِيَّتُهُ إلَخْ) فَإِنَّهُ وُضِعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْآخَرِ

مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا فَقَطْ وَعَلَى هَذَا النَّفْيِ الْبَيَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ (وَقِيلَ يَجُوزُ) لُغَةً أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَيَانِ (فِي النَّفْيِ لَا الْإِثْبَاتِ) فَنَحْوُ لَا عَيْنَ عِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَاصِرَةُ، وَالذَّهَبُ مَثَلًا بِخِلَافِ عِنْدِي عَيْنٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادُ بِهِ إلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ وَزِيَادَةُ النَّفْيِ عَلَى الْإِثْبَاتِ مَعْهُودَةٌ كَمَا فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ دُونَ الْمُثْبَتَةِ. وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ يَجُوزُ يَصِحُّ، وَهُوَ أَنْسَبُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ كَمَا فِي اسْتِعْمَالِ صِيغَةِ افْعَلْ فِي طَلَبِ الْفِعْلِ، وَالتَّهْدِيدِ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي مَرْجُوحًا أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا وَلِظُهُورِ ذَلِكَ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ (عَلَى جَمْعِهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ) كَقَوْلِك عِنْدِي عُيُونٌ وَتُرِيدُ مَثَلًا بَاصِرَتَيْنِ وَجَارِيَةً، أَوْ بَاصِرَةً وَجَارِيَةً، وَذَهَبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ أَنَّ عَدَمَ النَّظَرِ إلَى الْآخَرِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّظَرَ إلَى عَدَمِهِ وَدَعْوَى الِاسْتِلْزَامِ مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: مُنْفَرِدًا) مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِعْمَالِ، أَيْ: لَا دُونَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ وَنَظَرَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْوَضْعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْآخَرِ وَعَدَمُ النَّظَرِ إلَى الْآخَرِ لَيْسَ نَظَرًا إلَى عَدَمِهِ يُرِيدُ أَنَّ قَوْلَنَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْآخَرِ بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ لَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَفْهُومِ كَمَا قَالُوا فِي الْمَاهِيَّةِ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَإِنْ قُيِّدَ فَقَطْ يُفِيدُ اعْتِبَارَ عَدَمِ مُصَاحَبَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْمَاهِيَّةِ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّانِيَ أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا شَكَّ فِي تَبَايُنِ مَفْهُومَيْ الْعَامِّ، وَالْخَاصِّ وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ فِي الِاعْتِرَاضِ. وَأَمَّا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّنَاقُضِ كَمَا، فَهِمَ سم فَلَا دَاعِي لَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشَّارِحَ بِصَدَدِ تَوْجِيهِ كُلِّ قَوْلٍ بِحَسَبِ مَا يُنَاسِبُهُ وَجَازَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ صَاحِبُ كُلِّ قَوْلٍ مَا عَلَّلَ بِهِ مُخَالَفَةً وَلَا يَرُدُّ الِاعْتِرَاضَ إلَّا لَوْ كَانَ التَّوْجِيهَانِ لِقَوْلٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا قَوْلُ سم عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ إلَخْ فَتَكَلُّفٌ، بَلْ تَعَسُّفٌ لَا يَرْضَى بِمِثْلِهِ مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْمَعْقُولِ، وَالْكَلَامُ فِي غُنْيَةً عَنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذَا الِاعْتِرَاضُ وَجَوَابُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرَهُ سم مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَطَّرَ فِي الصُّحُفِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا النَّفْيِ) لَمْ يَقُلْ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ التَّصْرِيحُ بِالصِّحَّةِ عَقْلًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْهُمْ التَّصْرِيحُ بِالْمَنْعِ لُغَةً. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمْ) أَيْ كَالْحَنَفِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ فِي تَحْرِيرِهِ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ لُغَةً أَنْ يُرَادَ) ، أَيْ: يَجُوزُ ذَلِكَ مَجَازًا عَلَى الرَّاجِحِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ مَا يَشْمَلُ النَّهْيَ وَبِالْإِثْبَاتِ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَ (قَوْلُهُ: وَزِيَادَةُ النَّفْيِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ بِلَا فَارِقٍ. (قَوْلُهُ: دُونَ الْمُثْبَتَةِ) ، أَيْ: فَلَا تَعُمُّ عُمُومًا شُمُولِيًّا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْسَبُ) أَيْ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ قَالَ الْكَمَالُ؛ إنَّ يَجُوزُ أَنْسَبُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ، أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ يَصِحُّ عَقِبَ قَوْلِهِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ لَا أَنَّهُ لُغَةً يُوهِمُ أَنَّ الْمَعْنَى وَقِيلَ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ لُغَةٌ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ فَعَدَلَ إلَى قَوْلِهِ يَجُوزُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِيهَامِ مَعَ كَوْنِهِ بِمَعْنَى يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا أَمْكَنَ) ، أَيْ: فِي الْإِرَادَةِ لَا فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْثِلَةِ أَقْرَأَتْ هِنْدٌ، أَيْ: حَاضَتْ وَطَهُرَتْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعَ) بِأَنْ كَانَ الْمَعْنَيَانِ ضِدَّيْنِ. (قَوْلُهُ: فِي طَلَبِ الْفِعْلِ، وَالتَّهْدِيدِ) فَإِنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ، وَالتَّهْدِيدِ عَلَيْهِ ضِدَّانِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الطَّلَبِ الثَّوَابُ، وَمُقْتَضَى التَّهْدِيدِ الْعِقَابُ. (قَوْلُهُ: وَلِظُهُورِ ذَلِكَ) ، أَيْ: الْقَيْدِ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ) ، وَكَذَا تَثْنِيَتُهُ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْعِلْمَ الْعَارِضَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ الْخِلَافُ مَعَ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَجَابَ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْعِلْمِ لَا يُؤَدِّي إلَى اللَّبْسِ وَفِي مِثْلِ الْعُيُونِ يُؤَدِّي إلَيْهِ؛ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُخْتَلِفَاتِ، أَوْ الْمُتَّفِقَاتِ. اهـ. قَالَ الْبُدَخْشِيُّ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ إلَّا بَعْدَ التَّأْوِيلِ بِالْمُتَوَاطِئِ كَالْمُسَمَّى بِزَيْدٍ مَثَلًا اهـ. قَالَ النَّاصِرُ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ، أَوْ مَعَانِيهِ لِأَجْلِ الثَّانِي مِنْ مِثَالِيَّةٍ اهـ. وَدَفَعَهُ سم بِأَنَّ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمَعْنَيَيْنِ لِلتَّمْثِيلِ دُونَ التَّقْيِيدِ فَصَارَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ الْمَعْنَيَيْنِ، أَوْ الْأَكْثَرَ فَلَمْ يَحْتَجْ الشَّارِحُ هُنَا لِزِيَادَةٍ، أَوْ مَعَانِيهِ. (قَوْلُهُ: وَتُرِيدُ مَثَلًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إفْرَادِ الْجَمْعِ بَيْنَ كَوْنِهَا إفْرَادَ الْمَعَانِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي، وَإِفْرَادَ مَعْنَيَيْنِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَأَمَّا جَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ إفْرَادِ

(إنْ سَاغَ) ذَلِكَ الْجَمْعُ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَخَالَفَهُ أَبُو حَيَّانَ (مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ) فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ كَمَا أَنَّ الْمَنْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ، وَالْأَقَلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ فِيهَا فَقَطْ، بَلْ يَأْتِي عَلَى الْمَنْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي قُوَّةِ تَكْرِيرِ الْمُفْرَدَاتِ بِالْعَطْفِ فَكَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ كُلَّ مُفْرَدٍ فِي مَعْنًى وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ إنْ سَاغَ الْمَزِيدُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَغَيْرَهُ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْجَمْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُفْرَدِ صِحَّةً، وَمَنْعًا وَقِيلَ لَا، بَلْ يَصِحُّ مُطْلَقًا فَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَالزِّيَادَةُ أَصْرَحُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْخِلَافِ. (وَفِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ) هَلْ يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: إنْ سَاغَ ذَلِكَ) شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجَمْعِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى إنْ صَحَّ الْجَمْعُ فَيَلْزَمُ اشْتِرَاطُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ، وَالْمَعْنَى إنْ قِيلَ إلَخْ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ) . وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الْحَرِيرِيُّ فِي بَعْضِ قَصَائِدِ الْمَقَامَاتِ فَقَالَ جَادَ بِالْعَيْنِ حِينَ أَعْمَى هَوَاهُ ... قَلْبَهُ فَانْثَنَى بِلَا عَيْنَيْنِ يُرِيدُ الْبَاصِرَةَ، وَالذَّهَبَ وَعَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي تَلِيهَا وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى» أَفَادَهُ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْحَرِيرِيِّ جَمْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَثْنِيَةٌ، فَالتَّمْثِيلُ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّثْنِيَةَ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِالْحَدِيثِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْيَدِ فِي النِّعْمَةِ حَقِيقِيٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَجَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمُفْرَدِ الْمُشْتَرِكِ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ إلَخْ وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُفْرَدِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَهُوَ، أَوْلَى لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِقَوْلِهِ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ الْمَنْعَ) ، أَيْ: مِنْ الْجَمْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا يُشِيرُ لِلْأَمْرِ الثَّانِي فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ الْخِلَافَ فِي بِنَاءِ جَمْعِ الْمُشْتَرِكِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ جَمْعِهِ أَيْضًا لِبِنَاءِ الْمَنْعِ عَلَى الْمَنْعِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ بِنَاءِ جَوَازِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ عَلَى جَوَازِ إطْلَاقِ الْمُفْرَدِ عَلَيْهِمَا وَأَفَادَ قَوْلُهُ إنْ سَاغَ الْخِلَافُ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ لَكِنَّهُ أَصْرَحُ مِنْهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقَلُّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ، وَالْأَكْثَرُ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ، أَيْ: الْجَمْعَ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، أَيْ: عَلَى الْمُفْرَدِ فِيهَا، أَيْ: فِي الصِّحَّةِ، بَلْ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَالْمُفْرَدِ حَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ وَلَمْ يُقَلْ بِالصِّحَّةِ فِي الْمُفْرَدِ. (قَوْلُهُ: فِي قُوَّةِ تَكْرِيرِ إلَخْ) فَإِذَا قُلْت عِنْدِي عُيُونٌ كَأَنَّك قُلْت عِنْدِي عَيْنٌ وَعَيْنٌ وَعَيْنٌ. (قَوْلُهُ: الْمَزِيدَ) بِالنَّصْبِ صِفَةٌ إنْ سَاغَ. (قَوْلُهُ: فَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ إلَخْ) ، أَيْ: عِبَارَةِ إنْ سَاغَ وَعِبَارَةِ عَدَمِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَفَادَتْ بِنَاءَ جَوَازِ الْجَمْعِ وَامْتِنَاعِهِ عَلَى صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمُفْرَدِ فِي مَعْنَيَيْهِ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُؤَدَّاهُمَا وَاحِدًا لِأَنَّ الْعِبَارَةَ الَّتِي فِيهَا إنْ سَاغَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى بِنَاءِ الصِّحَّةِ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا تَدُلُّ عَلَى بِنَاءِ الْمَنْعِ عَلَى الْمَنْعِ. وَأَمَّا عِبَارَةُ إسْقَاطِهَا فَفِيهَا الْبِنَاءَانِ فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ نَاقِصَةٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الصِّحَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الصِّحَّةِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَنْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ فَبِنَاءُ الْمَنْعِ عَلَى الْمَنْعِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَفَدْ بِطَرِيقِ الصَّرَاحَةِ، فَهُوَ مُسْتَفَادٌ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، وَالْمَفْهُومُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ، فَهُوَ مِنْ الْمُؤَدَّى وَالشَّارِحُ لَمْ يَدَّعِ إلَّا تَأْدِيَتَهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي طَرِيقِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: أَصْرَحُ) التَّعْبِيرُ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي الْإِسْقَاطِ صَرَاحَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ الْخِلَافُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، أَيْ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ يَجْرِي فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَمَجَازِهِ (قَوْلُهُ: هَلْ يَصِحُّ إلَخْ) ، أَيْ: فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ؛ إذْ الْخِلَافُ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، ثُمَّ إنَّ الْبَيَانِيِّينَ يَمْنَعُونَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَوَافَقَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ

أَنْ يُرَادَا مَعًا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْلِك رَأَيْت الْأَسَدَ وَتُرِيدُ الْحَيَوَانَ الْمُفْتَرِسَ، وَالرَّجُلَ الشُّجَاعَ (الْخِلَافُ) فِي الْمُشْتَرَكِ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي قَطْعِهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ حَيْثُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعُ لَهُ، أَيْ: أَوَّلًا وَغَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ مَعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَيْنِ وَعَلَى الصِّحَّةِ يَكُونُ مَجَازًا، أَوْ حَقِيقَةً، وَمَجَازًا بِاعْتِبَارَيْنِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأُصُولِيُّونَ يُجَوِّزُونَهُ قَالَ الْكَمَالُ فِي تَحْرِيرِهِ لَا خِلَافَ بَيْن الْمُحَقِّقِينَ فِي جَوَازِهِ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ وَلَا فِي جَوَازِهِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَقِيقِيُّ وَيُسَمُّونَهُ عُمُومَ الْمَجَازِ اهـ. مِثْلُ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ أَسَدٍ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ، وَالْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ مُطْلَقُ صَائِلٍ مَثَلًا فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ كُلِّيٌّ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا صَدَقَ الْمُتَوَاطِئُ عَلَى أَفْرَادِهِ وَأَنْ يُرَادَ بِوَضْعِ الْقَدَمِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ زَيْدٍ الدُّخُولُ فَيَتَنَاوَلُ الدُّخُولَ حَافِيًا، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ وَنَاعِلًا وَرَاكِبًا، وَهُوَ الْمَجَازُ. وَقَدْ نَقَضَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ بِمَسَائِلَ خَالَفُوا فِيهَا أَصْلَهُمْ مِنْهَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ زَيْدٍ وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا بِعَيْنِهَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يُدْخِلُهُ زَيْدٌ بِإِعَارَةٍ، أَوْ إجَازَةٍ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى فُلَانٍ بِالْمِلْكِ حَقِيقَةٌ وَبِغَيْرِهِ مَجَازٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ النَّفْيِ عَنْ غَيْرِ الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُرَادَا مَعًا) لَا يُقَالُ الْمَجَازُ مَشْرُوطٌ بِالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ فَيَكْفِ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اشْتِرَاطُ الْقَرِينَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، أَوْ إنَّ الْقَرِينَةَ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَحْدَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَازَ إرَادَتِهِ مَعَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا فَالْقَاضِي) قَالَ زَكَرِيَّا كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَوَهَمَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِيهِ وَقَالَ لَمْ يَمْنَعْ الْقَاضِي اسْتِعْمَالَهُ فِي حَقِيقَتِهِ، وَمَجَازِهِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ حَمْلَهُ عَلَيْهِمَا بِلَا قَرِينَةٍ فَاخْتَلَطَتْ مَسْأَلَةُ الِاسْتِعْمَالِ بِمَسْأَلَةِ الْحَمْلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا فَرَضَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إذَا سَاوَى الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ لِشُهْرَتِهِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ الْحَمْلُ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ بِوَجْهٍ عَقْلِيٍّ، وَالْحَقُّ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ أُرِيدَ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ) ، أَيْ: أَوَّلًا (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَا تَنَافِي) ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ وَلَمْ يَتَّحِدْ (قَوْلُهُ: يَكُونُ مَجَازًا) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلْحَقِيقَةِ، وَهُنَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارَيْنِ) ، أَيْ: بِاعْتِبَارِ مَا وُضِعَ، وَمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ، وَهَذَا إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ حَيْثُ وَضْعُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَعَلَى حِدَةٍ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ وَضْعُهُ لِأَمْرٍ كُلِّيٍّ يَنْدَرِجَانِ تَحْتَهُ، فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ. وَقَدْ عَلِمْت الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ) رَاجِعٌ

وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ كَمَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْمُلَامَسَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ، وَالْوَطْءِ (وَمِنْ ثَمَّ) ، أَيْ: مِنْ هُنَا، وَهُوَ الصِّحَّةُ الرَّاجِحَةُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا، أَيْ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (عَمَّ نَحْوُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ الْوَاجِبَ، وَالْمَنْدُوبَ) حَمْلًا لِصِيغَةِ افْعَلْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ مِنْ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ بِقَرِينَةِ كَوْنِ مُتَعَلِّقِهَا كَالْخَيْرِ شَامِلًا لِلْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ (خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْوَاجِبِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ الْمَجَازُ مَعَ الْحَقِيقَةِ (وَمَنْ قَالَ) هُوَ (لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَ الْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ، أَيْ: مَطْلُوبِ الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ، أَوْ حَقِيقَةً، وَمَجَازًا وَغَيْرِهِ عَائِدٌ لِقَوْلِهِ مَجَازًا. (قَوْلُهُ: إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُمْ بِأَنْ قَامَتْ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا فَتُحْمَلُ عَلَيْهَا فَقَطْ، أَوْ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَحْدَهُ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَوْ لَمْ يَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَلَا انْتِفَاءَ فَتُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَطْ، ثُمَّ إنَّ ذِكْرَ الْقَرِينَةِ فِي الْحَمْلِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَرِينَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ هُنَا خَاصَّةٌ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مَعَ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَمْلِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَطَ فِيهِ الْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَقَطْ، وَإِلَّا لَحُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. (قَوْلُهُ: كَمَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ) ، وَالْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ مُشَارَكَةُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّلَذُّذِ الْمُثِيرِ لِلشَّهْوَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ) الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ، وَالْوَطْءُ لِلَّذِي هُوَ مَجَازٌ، وَكَذَا حَمَلَ الصَّلَاةَ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] عَلَى الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وَعَلَى مَوَاضِعِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] . (قَوْلُهُ: الرَّاجِحَةُ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ لَامِ الْعَهْدِ فِي قَوْلِهِ الْخِلَافُ أَيْ الْمَعْهُودُ تَرْجِيحُهُ. (قَوْلُهُ: عَمَّ نَحْوُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) ، أَيْ: عَمَّ نَحْوُ الْخَيْرِ فِي نَحْوِ وَافْعَلُوا الْخَيْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْوَاجِبَ، وَالْمَنْدُوبَ دُونَ قَوْلِهِ الْوُجُوبَ، وَالنَّدْبَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ عَمَّ افْعَلُوا فِي نَحْوِ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ الْوَاجِبَ، وَالْمَنْدُوبَ، أَيْ: وُجُوبَ الْوَاجِبِ وَنَدْبَ الْمَنْدُوبِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُمُومَ مُسَبَّبٌ عَنْ حَمْلِ صِيغَةِ افْعَلْ عَلَى مَعْنَيَيْهَا مَعَ أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى مَعْنَيَيْهَا مُسَبَّبٌ عَنْ الْعُمُومِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِقَرِينَةِ كَوْنِ مُتَعَلِّقِهَا كَالْخَيْرِ شَامِلًا إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لِأَجْلِ مَا ذَكَرَ عَمَّ ذَلِكَ، أَيْ: حَكَمَ بِعُمُومِهِ لِأَجْلِ حَمْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَحَمْلُهَا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لِأَجْلِ صَلَاحِيَّةِ نَحْوِ الْخَيْرِ لِلْعُمُومِ فَإِنَّهُ لَمَّا صَحَّ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ حَمَلْنَا هَذَا اللَّفْظَ عَلَى اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِقَرِينَةِ صَلَاحِيَّةِ لَفْظِ الْمُتَعَلِّقِ لِلْعُمُومِ فَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْعُمُومِ.

[الحقيقة لفظ مستعمل فيما وضع له ابتداء]

أَيْ طَلَبِ الْفِعْلِ (وَكَذَا الْمَجَازَانِ) هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَا مَعًا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَقَوْلِك مَثَلًا وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي وَتُرِيدُ السَّوْمَ، وَالشِّرَاءُ بِالْوَكِيلِ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرَكِ وَعَلَى الصِّحَّةِ الرَّاجِحَةِ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِمَا، أَوْ تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَا قَرِينَةَ تُبَيِّنُ أَحَدَهُمَا، وَإِطْلَاقُ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ عَلَى الْمَعْنَى كَمَا هُنَا مَجَازِيٌّ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الدَّالِّ عَلَى الْمَدْلُولِ. (الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَيْ: طَلَبِ الْفِعْلِ) بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ سم، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ بِنَاؤُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى طَرِيقَةِ عُمُومِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: وَتُرِيدُ السَّوْمَ) ، وَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ، والمسببية. (قَوْلُهُ: وَالشِّرَاءُ بِالْوَكِيلِ) لِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي الْإِدْخَالِ فِي الْمِلْكِ فِي كُلٍّ. (قَوْلُهُ: فِيهِ الْخِلَافُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَطْعَ الْقَاضِي السَّابِقَ لَا يَأْتِي هُنَا؛ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْحِصَّةِ إلَخْ) ، أَيْ: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الصِّحَّةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ عَلَى الْمُجَازَيْنَ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ هَذَا الْقَيْدَ إلَّا فِي الْمُجَازَيْنَ فَيُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ جَرَى الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا قَرِينَةَ تَبَيَّنَ أَحَدُهُمَا) ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: اسْمِ الدَّالِّ) ، وَهُوَ اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَدْلُولِ، وَهُوَ الْمَعْنَى قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ، فَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ لَا الْخَطَأِ وَحَمَلَهُ عَلَى خَطَأِ الْعَوَامّ مِنْ خَطَأِ الْخَوَاصِّ اهـ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ إنَّ هَذَا مِنْ الْمَجَازِ، أَوْ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامّ عَلَى سَبِيلِ التَّرْدِيدِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَهَذَا حَقٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقَ إنْ كَانَ مَعَ الْخِبْرَةِ، وَمُلَاحَظَةِ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الدَّالِّ عَلَى الْمَدْلُولِ كَانَ مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ لِلْغَفْلَةِ عَنْ أَصْلِ الِاصْطِلَاحِ وَعَدَمِ التَّفَطُّنِ لِتَعْيِينِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامّ. [الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ابْتِدَاءً] (قَوْلُهُ: الْحَقِيقَةُ) قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّقَابُلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ شَبَهِ التَّقَابُلِ بَيْنَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ، لَا تَقَابُلِ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ؛ إذْ لَيْسَ الْمَجَازُ عَدَمَ الْحَقِيقَةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ جُزْءَ مَفْهُومِ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لَازَمَ مَفْهُومَ الْمَجَازِ كَانَ بَيْنَهُمَا شِبْهَ تَقَابُلِ الْعَدَمِ، وَالْمِلْكَةِ، وَمَفْهُومُ الْمِلْكَةِ أَشْرَفُ لِكَوْنِهِ وُجُودِيًّا وَأَيْضًا الْإِعْدَامُ إنَّمَا تُعْرَفُ بِمِلْكَاتِهَا، وَهِيَ فُعَيْلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، أَوْ مَفْعُولَةٍ مِنْ حَقِّ الشَّيْءِ ثَبَتَ لِثُبُوتِهَا مَكَانُهَا الْأَصْلِيُّ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ فِيهِ، أَوْ مُثْبَتَةٌ، وَالتَّاءُ عَلَى كُلٍّ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ وَوَجْهُ كَوْنِهَا لِلنَّقْلِ أَنَّ الْمَنْقُولَ فَرْعُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ الْمُؤَنَّثَ فَرْعُ الْمُذَكَّرِ. (قَوْلُهُ: لَفْظٌ) عَدَلَ عَنْ الْمَنْقُولِ مَعَ أَنَّهُ جِنْسٌ قَرِيبٌ؛ لِاشْتِهَارِهِ فِي الرَّأْيِ، وَالِاعْتِقَادِ، وَعَنْ الْكَلِمَةِ لِيَشْمَلَ الْمُرَكَّبَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ قَالَ مُعَرِّبُ فَارِسِيَّةِ الْعِصَامِ أَنَّ بَعْضَ الْقَوْمِ خَصَّصَ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ، وَالْكِنَايَةَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ وَأَلْحَقَ عُمُومَهَا إلَى الْمُفْرَدِ، وَالْمُرَكَّبِ كَمَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ هَاهُنَا؛ إذْ الْوَضْعُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمُفْرَدِ، بَلْ مَا يَعُمُّ الْمُفْرَدَ، وَالْمُرَكَّبَ فَيَلْزَمُ مِنْ عُمُومِ الْوَضْعِ عُمُومُ مَا يَدُورُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ إمَّا مُفْرَدٌ، وَإِمَّا مُرَكَّبٌ وَسَاقَ أَمْثِلَتَهَا وَبِهَذَا اسْتَغْنَيْت عَمَّا أَطَالَ بِهِ الْعَلَامَتَانِ مِمَّا يُشَوِّشُ الْأَذْهَانَ. (قَوْلُهُ: ابْتِدَاءً) خَرَجَ الْمَجَازُ فَإِنَّ وَضْعَهُ لَيْسَ ابْتِدَاءً، بَلْ بِالتَّبَعِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ أَصْلَ وَضْعِ اللَّفْظِ

فَخَرَجَ عَنْهَا اللَّفْظُ الْمُهْمَلُ، وَمَا وُضِعَ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ، وَالْغَلَطُ كَقَوْلِك خُذْ هَذَا الْفَرَسَ مُشِيرًا إلَى حِمَارٍ، وَالْمَجَازُ (وَهِيَ لُغَوِيَّةٌ) بِأَنْ وَضَعَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ بِاصْطِلَاحٍ، أَوْ تَوْقِيفٍ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ (وَعُرْفِيَّةٌ) بِأَنْ وَضَعَهَا أَهْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازُ مَوْضُوعٌ لَهُ ثَانِيًا بِالنَّوْعِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَضْعِ فِي التَّعْرِيفِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّوْعِيِّ، وَالشَّخْصِيِّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنْ أُرِيدَ الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ خَرَجَ عَنْ التَّعْرِيفِ مَا وَضْعُهُ نَوْعِيٌّ مِنْ الْحَقَائِقِ كَالْمُشْتَقَّاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ دَخَلَ الْمَجَازُ، وَإِنْ أُرِيدَ النَّوْعِيُّ خَرَجَ مِنْ الْحَقَائِقِ مَا وَضْعُهُ شَخْصِيٌّ وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا أَجَابَ بِهِ النَّاصِرُ مِنْ اخْتِيَارِ مَا هُوَ أَعَمُّ، وَإِخْرَاجُ الْمَجَازِ بِقَوْلِهِ وُضِعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ تَعْيِينُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ الْوَضْعِ وَأَنَّ الْمَجَازَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ حَقِيقَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلثَّانِي ابْتِدَاءً وَلَا يَشْمَلُ مَا لَا وَضْعَ لَهُ ثَانٍ مِنْ الْحَقَائِقِ فَإِنَّ قَوْلَهُ ابْتِدَاءً يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّ لَهُ وَضْعًا ثَانِيًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ابْتِدَاءً مَا لَمْ يَتَوَقَّفْ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ عَلَى مُلَاحَظَةِ وَضْعٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَوَضْعُ الْمُشْتَرَكِ لِلْمَعْنَى الثَّانِي غَيْرُ تَابِعٍ لِلْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ، وَمَا لَيْسَ لَهُ وَضْعٌ ثَانٍ مِنْ الْحَقَائِقِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ قَيْدًا فِي اصْطِلَاحِ التَّخَاطُبِ لِيُخْرِجَ مِنْ الْمَجَازِ مَا لَهُ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ بِاصْطِلَاحٍ آخَرَ كَالصَّلَاةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُلَاحَظٌ فِي مِثْلِ هَذَا التَّعْرِيفِ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ وَاسْتِعْمَالُ الشَّرْعِيِّ الصَّلَاةَ مَثَلًا فِي الدُّعَاءِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، بَلْ لِلْعَلَاقَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْكَانِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ ابْتِدَاءً فَيُجَابُ بِأَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادًا فِي مِثْلِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَسَلَّمْنَا كِفَايَتَهُ هُنَا فِي الْإِخْرَاجِ لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ اعْتِبَارِهِ وَامْتِنَاعَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَالتَّصْرِيحَ بِمَا يُغْنِي عَنْهُ، بَلْ هُوَ بِمَعْنَاهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَعْلَامَ فَإِنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَيُجَابُ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى أَعْلَامٍ صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ وَضْعُهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَمَّا الصَّادِرَةُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ وَضْعُهُ، فَهِيَ حَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُهْمَلُ) أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَا وُضِعَ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ) خَارِجٌ بِقَوْلِهِ الْمُسْتَعْمَلُ إنْ شَرَطَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْقَصْدَ الصَّحِيحَ فَإِنَّ الْغَلَطَ اللِّسَانِيَّ لَا قَصْدَ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ كَانَ خَارِجًا بِقَوْلِهِ وُضِعَ فَإِنَّ اللَّفْظَ الْوَاقِعَ غَلَطًا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ قَالَ مُنَجِّمْ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى تَعْرِيبِ الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ الِاسْتِعْمَالُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنًى، وَإِرَادَةِ، فَهْمِهِ مِنْهُ فَيَكُونُ إرَادَةُ الْفَهْمِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُصْطَلَحِ الْوَاقِعِ عَلَى قَانُونِ الْوَضْعِ أَعْنِي الِاسْتِعْمَالَ الصَّحِيحَ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَخْذِ إرَادَةِ الْفَهْمِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الِاسْتِعْمَالِ تَوَقُّفُ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ عَلَى الْإِرَادَةِ الْمُعْتَرَضِ عَلَى مَنْ زَادَهَا فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ فَإِنَّ إرَادَةَ الْفَهْمِ غَيْرُ، فَهْمِ الْإِرَادَةِ، وَالْمُلْتَزَمُ فِي الِاسْتِعْمَالِ هُوَ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ دَخْلٌ لَا فِي تَمَامِ الدَّلَالَةِ الْوَضِيعَةِ وَلَا فِي صِحَّةِ الِاسْتِعْمَالِ قِيلَ إنَّ الْغَلَطَ الْجَنَانِيَّ حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَالْخَطَأُ إنَّمَا هُوَ فِي إثْبَاتِ الصُّورَةِ لِغَيْرِ ذِي الصُّورَةِ اهـ. وَأَقُولُ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ التَّصَوُّرَاتِ لَا يَقَعُ فِيهَا الْخَطَأُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَوْقِيفٍ) ، أَيْ: عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْوَضْعَ جَعَلَ اللَّفْظَ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ غَيْرُ التَّوْقِيفِ فَإِنَّهُ تَفْهِيمُ الْمَعْنَى وَأَيْضًا هَذَا يُنَافِي أَوَّلَ عِبَارَتِهِ الْمُفِيدَ أَنَّ الْوَاضِعَ هُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ قَالَ بِأَنَّ وَاضِعَهَا وَاضِعَ اللُّغَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ لِلَّهِ، أَوْ غَيْرِهِ كَانَ، أَوْلَى. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُهَا حَقِيقَةً عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ الْبَشَرُ، أَوْ حُكْمًا عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ فَإِنْ اسْتِعْمَالَهُمْ لَهَا وَظُهُورَهَا عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ كَالْوَضْعِ، وَإِنَّمَا ارْتَكَبَ الشَّارِحُ هَذَا لِأَجْلِ النِّسْبَةِ فِي قَوْلِهِ لُغَوِيَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تُنْسَبُ لَهُمْ إلَّا إذَا كَانَ الْوَاضِعُ لَهَا هُمْ وَلَوْ عَبَّرَ كَمَا قَالَ لَدَخَلَتْ الشَّرْعِيَّةُ. وَقَدْ يُقَالُ كَانَ يُمْكِنُ الشَّارِحُ الِاسْتِغْنَاءَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا بَيْنَهُمْ

الْعُرْفِ الْعَامِّ كَالدَّابَّةِ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَالْحِمَارِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ الْخَاصُّ كَالْفَاعِلِ لِلِاسْمِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ النُّحَاةِ (وَشَرْعِيَّةٌ) بِأَنْ وَضَعَهَا الشَّارِعُ كَالصَّلَاةِ لِلْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ (وَوَقَعَ الْأُولَيَانِ) ، أَيْ: اللُّغَوِيَّةُ، وَالْعُرْفِيَّةُ بِقِسْمَيْهَا جَزْمًا وَفِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ الْأُولَتَانِ بِالْفَوْقَانِيَّةِ مُثَنَّى الْأَوَّلَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَالْكَثِيرُ الْأُولَى كَمَا ذَكَره النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فَمُثَنَّاهُ الْأُولَيَانِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ (وَنَفَى قَوْمٌ إمْكَانَ الشَّرْعِيَّةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْنَ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى مُنَاسَبَةً مَانِعَةً مِنْ نَقْلِهِ إلَى غَيْرِهِ. (وَ) نَفَى (الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وُقُوعَهَا) قَالَا وَلَفْظُ الصَّلَاةِ مَثَلًا مُسْتَعْمَلٌ فِي الشَّرْعِ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ أَيْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقَالُ فِي تَقْسِيمِ الْحَقِيقَةِ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّقْسِيمُ لِمَفْهُومِ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ (قَوْلُهُ: لِلْعُرْفِ الْعَامِّ) ، وَهُوَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ نَاقِلُهُ. (قَوْلُهُ: لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ) قَالَ الْبُدَخْشِيُّ خَصَّهَا الْعُرْفُ بِذَوَاتِ الْحَوَافِرِ، وَهِيَ الْخَيْلُ، وَالْبَغْلُ، وَالْحِمَارُ فَلَوْ، أَوْصَى شَخْصٌ لِآخَرَ بِإِعْطَاءِ دَابَّةٍ وَجَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. (قَوْلُهُ: مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ) ، أَيْ: مَثَلًا. (قَوْلُهُ: أَوْ الْخَاصِّ) ، وَهُوَ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْأَعْلَامُ الشَّخْصِيَّةُ فَإِنَّ وَاضِعَهَا خَاصٌّ، وَهُوَ الْمُسَمِّي وَأَوْرَدَ أَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ مَا خَصَّ طَائِفَةً، وَالْأَعْلَامُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَأَوْرَدَ أَنَّ الْعَامَّ لَا يَتَعَيَّنُ وَاضِعُهُ، وَهَذِهِ وَاضِعُهَا مُعَيَّنٌ فَإِنَّا نَجْزِمُ بِأَنَّ الْوَاضِعَ وَاحِدٌ، أَوْ اثْنَانِ مَثَلًا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ خُصُوصُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، أَوْ أَنَّ شُيُوعَ هَذِهِ الْأَعْلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمُوَافَقَتَهُمْ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَضْعِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ وَضَعَهَا الشَّارِعُ) هَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهَا عُرْفِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ فَإِذَا وُجِدَتْ الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ وَنَحْوُهُمَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ حُمِلَتْ عَلَى الشَّرْعِيِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَلَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ غَيْرِهِمْ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: جَزْمًا) تَبِعَ فِي الْجَزْمِ بِوُقُوعِ الْعُرْفِيَّةِ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْعُرْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ أَمَّا الْعَامَّةُ فَأَنْكَرَهَا قَوْمٌ كَالشَّرْعِيَّةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْأَوْلَةُ. (قَوْلُهُ: قَلِيلَةٌ) ، أَيْ: فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَقَوْلُهُ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، أَيْ: أَلْسِنَةِ الْمُوَلَّدِينَ فَلَا تُنَافِي. (قَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِهِ) هُوَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (قَوْلُهُ: وَنَفَى قَوْمٌ إمْكَانَ الشَّرْعِيَّةِ) هُوَ كَمَالٌ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ وَالْآمِدِيِّ إنَّهَا مُمْكِنَةٌ اتِّفَاقًا فَلَعَلَّهُمَا لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى قَوْلِ النَّافِي، أَوْ لَمْ يَعْتَبِرَاهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْنَ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ مَا أَوَّلًا، فَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى إذَا لَا مَانِعَ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اللَّفْظِ، وَمَعْنًى وَاحِدٍ لَكِنْ لَا يُفِيدُ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ الْمُرْتَجَلَةِ غَيْرَ الْمَنْقُولَةِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمَنْقُولِ نَفْيَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ. وَأَمَّا ثَانِيًا، فَهَذَا التَّعْلِيلُ يُوجِبُ عَدَمَ نَفْيِ الْعُرْفِيَّةِ أَيْضًا وَقَوْلُ سم إنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَعَلَّهُمْ يَلْتَزِمُونَ نَفْيَ الْعُرْفِيَّةِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ لِعَدَمِ تَصْرِيحِهِمْ بِنَفْيِ غَيْرِهِمَا مَعَ احْتِمَالِ فَرْقِهِمْ بَيْنَهُمَا، وَالتَّصَرُّفُ فِي الدَّلِيلِ بِحَيْثُ يَخُصُّ الشَّرْعِيَّةَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ مِثْلَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّقْلِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ التَّرَجِّي، وَالِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بِصَدَدِ نَقْلِ الْأَقْوَالِ فَلَوْ وَقَعَ مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ لَنَقَلَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَنَفَى الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى

لَكِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ أُمُورًا كَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ (وَقَالَ قَوْمٌ وَقَعَتْ مُطْلَقًا وَقَوْمٌ) وَقَعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقَائِقِ اللُّغَاتِ لَمْ تُنْقَلْ وَلَمْ يَزِدْ فِي مَعْنَاهَا وَثَمَّ قَالَ وَاسْتَمَرَّ الْقَاضِي عَلَى لَجَاجٍ ظَاهِرٍ فَقَالَ إنَّ الصَّلَاةَ الدُّعَاءُ، وَالْمُسَمَّى بِهَا فِي الشَّرْعِ دُعَاءٌ عِنْدَ وُقُوعِ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، ثُمَّ الشَّرْعُ لَا يَزْجُرُ عَنْ تَسْمِيَةِ الدُّعَاءِ الْمَحْضِ صَلَاةً وَطَرَدَ ذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ فَإِنَّ حَمَلَةَ الشَّرِيعَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمَسَاقُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُسَمَّى بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ فَحَسْبُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اهـ وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْقَاضِي فَقَالَ الْأُسْتَاذُ يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ إنَّ اسْتِعْمَالَ الشَّارِعِ الْأَسْمَاءَ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ وَضْعِ اللُّغَةِ، بَلْ هِيَ مُقَرَّرَةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ. وَقَالَ الْمَرَاغِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةَ حَقَائِقُهَا اللُّغَوِيَّةُ وَقَالَ الْخَنْجِيُّ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَنَّ كُلَّ مَا يُدَّعَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَزَادَ عَلَيْهِ الْجَارْبُرْدِيُّ قَوْلَهُ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْحَقَائِقِ، أَيْ: هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ، وَالزِّيَادَاتُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي مَعَانِيهَا قَالَ الْعُبْرِيُّ وَكَرَمُ الْأُسْتَاذُ، أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ. أَقُولُ لَا خَفَاءَ فِي ضَعْفِهِ؛ إذْ الْمُحَقِّقُ مَنْ يَعْرِفُ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ لَا الْحَقَّ بِالرِّجَالِ، بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِتَقَرُّرِهَا عَلَى حَقَائِقِهَا مَا ذَكَرَهُ الْمَرَاغِيُّ، فَهُوَ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا مَعَانٍ حَدَثَتْ وَكَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَهَا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا حَقَائِقُ فِي مَعَانِيهَا لُغَةً. وَفِي مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ مَجَازَاتٌ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ أَصْلًا، فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُفْهَمُ مِنْهَا بِلَا قَرِينَةٍ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ مَعَانِيهَا الَّتِي يَدَّعِي كَوْنَ الْأَلْفَاظِ فِيهَا حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَزِيَادَةٍ، وَالْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي اللُّغَوِيَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي ضِمْنِ الشَّرْعِيَّةِ لَا فِي الْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْهَا، وَالزِّيَادَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْجَارْبُرْدِيُّ، فَهِيَ مُقَرَّرَةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَكَوْنُهَا مَجَازَاتٍ؛ لِاسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ، فَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا لِلْقَطْعِ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِعِ صَلُّوا لَيْسَ مَعْنَاهُ افْعَلُوا الدُّعَاءَ الَّذِي فِي ضِمْنِ الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا حَقَائِقُ لُغَوِيَّةٌ وَاسْتِعْمَالَهَا فِي الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِوَضْعِ الشَّارِعِ إيَّاهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي فَلَهُ وَجْهٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْأَلْفَاظُ الْمُتَدَاوَلَةُ شَرْعًا. وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ بِوَضْعِ الشَّارِعِ لَهَا لِمُنَاسَبَةٍ، أَوْ لَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِيهَا لِلْمُنَاسَبَةِ بِقَرِينَةٍ مَجَازًا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ مُغْنٍ عَنْ الْقَرِينَةِ فَتَكُونُ مَجَازَاتٍ لُغَوِيَّةٍ، ثُمَّ غَلَبَتْ فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهَا عَلَى أَلْسُنِ أَهْلِ الشَّرْعِ؛ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهَا دُونَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ فَصَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً لَهُمْ حَتَّى إذَا وَجَدْنَاهَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرِينَةِ مُحْتَمِلَةً لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَالشَّرْعِيِّ فَعَلَى أَيِّهِمَا تُحْمَلُ فَاخْتَارَ الْقَاضِي الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَضْعِ الشَّارِعِ، بَلْ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَاخْتَارَ غَيْرُهُ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَنَّهُ بِوَضْعِهِ وَأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ حَقَائِقَ فِي مَعَانِيهَا الثَّوَانِي أَيْضًا وَأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ بِلَا قَرِينَةٍ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَالْفِقْهِ، وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ اهـ. كَلَامُ الْفَاضِلِ الْبُدَخْشِيِّ فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَمَا نَقَلَهُ الْبُدَخْشِيُّ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي تَقْرِيرِ مَذْهَبِ الْقَاضِي مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَاهُ. وَقَدْ تَبِعَهُمَا فِي ذَلِكَ النَّقْلِ الْمَرَاغِيُّ وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْبُدَخْشِيُّ وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ يَرْجِعُ لِلْبَحْثِ فِي الْمَنْقُولِ لَا فِي صِحَّةِ النَّقْلِ، وَمَا قَالَهُ شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ الْعَضُدُ تَأْوِيلٌ لِكَلَامِ الْقَاضِي وَظَهَرَ لَك الْحَقُّ عِيَانًا وَقَدَرْت عَلَى تَزْيِيفِ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْعَلَّامَتَانِ النَّاصِرُ وسم وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يُصِبْ الْمَحَزَّ إنْ كُنْت ذَكِيًّا فَتَبَصَّرْ. وَفِي كَلَامِ الْأَفَاضِلِ تَدَبَّرْ وَلَا يُهَوِّلُنَّك هَذِهِ التَّهَايُلُ وَكَثْرَةُ الْقَالِ، وَالْقِيلِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ إلَخْ) ، أَيْ: لَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ الصَّلَاةِ، وَإِلَّا كَانَتْ مَجَازًا لُغَوِيًّا حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً وَبِحَمْلِ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَوَافُقٌ مَعَ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ، وَالْمُسَمَّى بِهَا مَا فِي الشَّرْعِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ قَوْمٌ وَقَعَتْ مُطْلَقًا) هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَالْمُعْتَزِلَةُ وَاخْتَلَفُوا

(إلَّا الْإِيمَانَ) فَإِنَّهُ فِي الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، أَيْ: تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَإِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ التَّلَفُّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ الْقَادِرِ كَمَا سَيَأْتِي (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) فِي وُقُوعِهَا (، وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَالْإِمَامَيْنِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيّ (وَابْنُ الْحَاجِبِ وُقُوعُ الْفَرْعِيَّةِ) كَالصَّلَاةِ (لَا الدِّينِيَّةِ) كَالْإِيمَانِ فَإِنَّهَا فِي الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ (وَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِهَا فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهَا حَقَائِقُ وَضَعَهَا الشَّارِعُ مُبْتَكَرَةً لَمْ يُلَاحِظْ فِيهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَصْلًا وَلَا لِلْعَرَبِ فِيهَا تَصَرُّفٌ وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لَفْظُهَا لِلْمَدْلُولِ الشَّرْعِيِّ لِعَلَاقَةٍ، فَهِيَ عَلَى هَذَا مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ هَذَا، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مَا سَيُذْكَرُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: الْإِيمَانَ) أَيْ فَقَطْ لَا غَيْرُ فَغَايَرَ الْمُخْتَارَ الْآتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ: تَصْدِيقِ الْقَلْبِ إلَخْ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ شَرْعًا مَعْنَاهُ تَصْدِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مَجِيئُهُ بِهِ وَلُغَةً مُطْلَقُ التَّصْدِيقِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْأَعَمُّ غَيْرُ الْأَخَصِّ قَطْعًا، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ بِدُونِ الْعَكْسِ اهـ. وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ حَقِيقَةٌ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْعَامِّ فِيهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ إذْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ إنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْخَاصِّ هُنَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ، فَالْحَقُّ أَنَّ مَبْنِيَّ الْبَحْثِ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ الشَّرْعِيَّ مُغَايِرٌ لِلتَّصْدِيقِ اللُّغَوِيِّ بِالْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمُتَكَلِّمِينَ، وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ اللُّغَوِيَّ هُوَ الشَّرْعِيُّ، بَلْ الْمَنْطِقِيُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَحَوَاشِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَعَلَى هَذَا الْإِشْكَالُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ وَجَعْلُ الْمُتَعَلِّقِ خَاصًّا فِي الْإِيمَانِ لَا يَقْتَضِي نَقْلَهُ عَنْ كَوْنِهِ تَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ هُوَ بَاقٍ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ) قَالَ النَّاصِرُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ اعْتِبَارُ التَّلَفُّظِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لَا شَطْرٌ اهـ. قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى التَّحْقِيقِ فَتَمَّ. (قَوْلُهُ: أَيْ: إمَامِ الْحَرَمَيْنِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَمَّا الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا فَيَقْتَضِي بَيَانُهُ تَقْدِيمَ أَصْلٍ، وَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا بَنَيْنَا عَلَيْهِ غَرَضَنَا وَقُلْنَا الدُّعَاءُ الْتِمَاسٌ وَأَفْعَالُ الْمُصَلِّي أَحْوَالٌ يَخْضَعُ فِيهَا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَبْتَغِي فِيهَا الْتِمَاسًا فَعَمَّمَ الشَّارِعُ عُرْفًا فِي تَسْمِيَةِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ دُعَاءً تَجَوُّزًا وَاسْتِعَارَةً وَخَصَّصَ اسْمَ الصَّلَاةِ بِدُعَاءٍ مَخْصُوصٍ فَلَا تَخْلُو الْأَلْفَاظُ الشَّرْعِيَّةُ عَنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُمَا مُلْتَقِيَانِ مِنْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَمَنْ قَالَ إنَّ الشَّرْعَ زَادَ فِي مُقْتَضَاهَا وَأَرَادَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ الْحَقَّ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ، فَالْحَقُّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ إنَّهَا نُقِلَتْ نَقْلًا كُلِّيًّا فَقَدْ زَلَّ فَإِنَّ فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ اعْتِبَارَ مَعَانِي اللُّغَةِ مِنْ الدُّعَاءِ، وَالْقَصْدِ، وَالْإِمْسَاكُ فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا الدِّينِيَّةِ) ، أَيْ: الْمُتَعَلِّقَةِ بِأُصُولِ الدِّينِ الشَّامِلِ لِلْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَقَوْمٌ إلَّا الْإِيمَانَ (قَوْلُهُ:، وَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَهِيَ اللَّفْظُ الَّذِي وَضَعَهُ الشَّارِعُ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ مَنْزِلَتُهُ مَعَ أَفْرَادِهِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَهُ مَنْزِلَةُ الْجِنْسِ مَعَ أَنْوَاعِهِ فَأَفْرَادُ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ لَفْظُ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَنَحْوِهِمَا وَلِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مُسَمَّيَاتٌ هِيَ حَقَائِقُ كُلِّيَّةٌ أَيْضًا وَحَيْثُ عُلِمَ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ عِلْمُ مَا صَدَقَاتُ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ تَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ مَا صَدَقَاتُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْكَلَامَ هُنَا لِمُجَرَّدِ الْإِيضَاحِ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ. وَقَدْ يُطْلَقُ إلَخْ، ثُمَّ إنَّ كَلَامَهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلَاقَةٍ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ بِمُقْتَضَى مَا مَهَّدْنَاهُ وَبِمُقْتَضَى إضَافَةِ مَعْنًى لِلشَّرْعِيِّ هُوَ اللَّفْظُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ بَعْدُ، وَقَدْ يُطْلَقُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ هُنَا الِاسْتِعْمَالُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ انْصَرَفَ عَنْ هَذَا الْمُتَبَادِرِ إلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِجَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً وَلِلِاسْتِخْدَامِ فِي قَوْلِهِ

الَّذِي هُوَ مُسَمَّى مَا صَدَقَ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ (مَا) ، أَيْ: شَيْءٌ (لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ) كَالْهَيْئَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالصَّلَاةِ (وَقَدْ يُطْلَقُ) ، أَيْ: الشَّرْعِيُّ (عَلَى الْمَنْدُوبِ، وَالْمُبَاحِ) ، وَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ مِنْ النَّوَافِلِ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، أَيْ: تُنْدَبُ كَالْعِيدَيْنِ. وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمِهِ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ بَدَلُ الْمُبَاحِ الْوَاجِبُ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا يُقَالُ شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّيْءَ، أَيْ: أَبَاحَهُ وَشَرَعَهُ، أَيْ: طَلَبه وُجُوبًا، أَوْ نَدْبًا وَلَا يَخْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ يُطْلَقُ إلَخْ حَيْثُ أُرِيدَ بِالشَّرْعِيِّ أَوَّلًا الْمَعْنَى وَأُعِيدَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ بِمَعْنَى اللَّفْظِ. وَلَوْ أَنَّهُ حَذَفَ لَفْظَ اسْمٍ لَبَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمُتَبَادِرِ وَانْتَفَتْ الْقَلَاقَةُ وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ الَّذِي هُوَ مُسَمًّى؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى الْمَعْنَى، ثُمَّ مَثَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَكَالْهَيْئَةِ الْمُسَمَّاةِ فَكُلُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى فَلْنَعُدْ لِحَلِّ الْعِبَارَةِ عَلَيْهِ فَنَقُولُ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَيْ وَبَيَانُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى أَيِّ مَدْلُولٍ مَا صَدَقَ، أَيْ: إفْرَادُ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَيْ وَبَيَانُ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ الْمَدْلُولَةِ لِلْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ، أَيْ: تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الشَّرْعِيَّةُ مَا صَدَقَاتُ، أَيْ: إفْرَادُ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَفْهُومَ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَفْظٌ وَضَعَهُ الشَّارِعُ فَإِفْرَادُهُ مَا صَدَقَاتُ ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ وَنَحْوُهَا وَقَوْلُهُ كَالْهَيْئَةِ بَيَانٌ لِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَاصَدَقَاتِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ، أَيْ: وُضِعَ ذَلِكَ الِاسْمُ لَهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضُوعُ لَهُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أَمْ مَجَازًا شَرْعِيًّا، وَإِنَّمَا اخْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا، أَوْ لَمْ يُسْتَفَدْ كَوْنُ اللَّفْظِ الْمَخْصُوصِ اسْمًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ، فَالْمُسْتَفَادُ مِنْ الشَّرْعِ وَضْعُهُ، أَوْ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ اسْمًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا ذَاتَه، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ: وَضْعِ اسْمِهِ، أَوْ وَصْفِهِ قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ الْأَلْيَقُ بِالشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ، وَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ الصَّادِقِ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إضَافَةُ الْمُسَمَّى لِلِاسْمِ وَجَعْلُ الْمَاصَدَقِ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يَقُولَ، وَالشَّرْعِيُّ الِاسْمُ الَّذِي لَمْ يُسْتَفَدْ وَضْعُهُ لِمَعْنَاهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ جَيِّدٌ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ، وَمُنَاقَشَةُ سم لَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ نَعَمْ الْأَوْلَى الْأَلْيَقِيَّةُ لِلْمُصَنِّفِ لَا لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ حَمْلِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِضَافَةِ إلَّا أَنَّهُ صَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ قَضِيَّةُ الْإِخْبَارِ وَزِيَادَةُ لَفْظِ اسْمٍ فَحَمَلَهَا عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ بِحَسَبِهِمَا. وَأَمَّا اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِقَوْلِهِ إنَّ الشَّرْعِيَّ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ مَفْهُومٍ كُلِّيٍّ هُوَ شَيْءٌ لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ مَثَلًا مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّ الْهَيْئَةَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ لَا نَفْسِهِ، فَهِيَ أَخَصُّ مِنْهُ، وَالْأَخَصُّ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَعَمِّهِ بِهُوَ هُوَ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ اهـ. فَلَا اتِّجَاهَ لَهُ أَصْلًا، بَلْ هُوَ مَحْضُ مُغَالَطَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مُعَرَّفٌ وَقَوْلُهُ، وَمَا لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَخْ تَعْرِيفٌ، وَالتَّعْرِيفَاتُ لَا حَمْلَ فِيهَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَمْلَ حَقِيقِيٌّ فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَمَعْنَى اللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي الْمَفْهُومَ الْكُلِّيَّ لِلَّفْظِ الشَّرْعِيِّ هُوَ بِعَيْنِهِ مَفْهُومٌ مَا لَمْ يُسْتَفَدْ إلَخْ، فَهُمَا مُتَّحِدَانِ مَا صَدَقَا مُتَغَايِرَانِ بِالْإِجْمَالِ، وَالتَّفْصِيلِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُعَرَّفِ مَعَ الْمُعَرِّفِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ كَالْهَيْئَةِ إلَخْ، فَهُوَ تَمْثِيلٌ بِذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا يُقَالُ الْفَاعِلُ هُوَ الِاسْمُ الْمَرْفُوعُ إلَخْ كَزَيْدٍ مِنْ قَامَ زَيْدٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْحَمْلِ فِي شَيْءٍ كَمَا زَعَمَ هَذَا خُلَاصَةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ولسم هَاهُنَا تَطْوِيلٌ مُمْلٍ لَا يَخْلُو عَنْ شَغَبٍ يُحَيِّرُ الْإِفْهَامَ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ مُسَمَّى) صِفَةٌ لِلْمَعْنَى، وَمَا صَدَقُ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ مَا صَدَقُهُ، أَيْ: حُمِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَفْرَادِهَا كَلَفْظِ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ الصَّلَاةُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ مَثَلًا، أَيْ: لَمْ تُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: كَالْهَيْئَةِ) مِثَالٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُطْلَقُ إلَخْ) اسْتِطْرَادٌ لِمُنَاسَبَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْكُورَانِيِّ هَذَا مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ) أَيْ الْمُبَاحِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَيُمَثِّلُ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ بَيْعُ الْمَجْهُولِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَشَرْعُ السَّلَمِ

[المجاز]

مُجَامَعَةُ الْأُولَى لِكُلٍّ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ الثَّلَاثَةِ. (وَالْمَجَازُ) الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ (اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ) فِيمَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا (بِوَضْعٍ ثَانٍ) خَرَجَ الْحَقِيقَةُ (لِعَلَاقَةٍ) بَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا خَرَجَ الْعَلَمُ الْمَنْقُولُ كَفَضْلٍ وَمَنْ زَادَ كَالْبَيَانِيِّينَ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مُجَامَعَةُ الْأَوَّلِ) ، أَيْ: تَفْسِيرُ الشَّرْعِيِّ بِمَا لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ لِكُلٍّ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ الثَّلَاثَةِ أَيْ عَلَى الْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ، وَالْمُبَاحِ؛ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الشَّيْءِ أَنَّهُ شَرْعِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ اسْمَهُ لَمْ يُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَأَنَّهُ شَرْعِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ، أَوْ مُبَاحٌ وَيَنْفَرِدُ عَنْهَا فِي صَلَاةِ الْحَائِضِ مَثَلًا، وَالصَّلَاةُ فِي الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ وَاسْمُهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ، وَالْفَاسِدَ فَإِنَّ وَصْفَ الصِّحَّةِ لَيْسَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ [الْمَجَازُ] (قَوْلُهُ: الْمَجَازُ) هُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَصْلُهُ مُجَوَّزٌ بِمَعْنَى الْجَوَازِ نُقِلَ إلَى الْكَلِمَةِ الْجَائِزَةِ مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ أَوْ الْمُجَوَّزِ بِهَا عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ. (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَتَى بِهَذَا الْوَصْفِ هُنَا دُونَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَأْتِي يَقُولُ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْإِسْنَادِ فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ هُنَا الْمَجَازُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا مَا يَشْمَلُ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُهُ وَلَمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْحَقِيقَةِ فِي الْإِسْنَادِ أَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يُقَيِّدَ بِهِ فِيمَا هُنَالِكَ لِعَدَمِ التَّوَهُّمِ وَأَيْضًا الْحَقِيقَةُ وَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى مُفْرَدَةٍ وَمُرَكَّبَةٍ فَحَقِيقَتُهَا وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فِي الْإِفْرَادِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ تُبَايِنُ حَقِيقَةَ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ. (قَوْلُهُ: فِي الْإِفْرَادِ) أَيْ الْكَلِمَاتِ فَيَشْمَلُ الْمَجَازَ الْمُرَكَّبَ لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْمَجَازَ الْمُطْلَقَ يُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمَجَازُ فِي قَوْلِك الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ مُرَادٌ بِهِ الْمَصْدَرُ الْمِيمِيُّ أَيْ التَّجَوُّزُ فِي الْإِفْرَادِ اهـ. أَقُولُ مُحَصَّلُ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَمْلِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ الْمُتَبَايِنَيْنِ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ مُرَادٌ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمَحْمُولُ الْحَدَثُ. وَالْجَوَابُ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْمُولِ الْمَصْدَرُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّفْظُ وَفِي الْإِفْرَادِ حَالٌ وَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ أَوْ الظَّرْفُ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا قِيلَ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْمِ الشَّرِيفِ لِتَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَصْدَرُ قَدَّرْنَا الْمُضَافَ أَيْ وَهُوَ مَجَازُ الْمَجَازِ أَيْ اللَّفْظُ الْمُتَجَوَّزُ بِهِ. (قَوْلُهُ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ) خَرَجَ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ وَمَا وُضِعَ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ عَلَى نَسَقِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْعَلَمُ الْمَنْقُولُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّانَوِيَّةَ فِي الزَّمَنِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانَوِيَّةُ فِي التَّبْعِيدِ وَحِينَئِذٍ فَالْعَلَمُ الْمَنْقُولُ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ بِوَضْعٍ ثَانٍ وَقَوْلُهُ لِعَلَاقَةِ قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَلْفِيقًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَرَّفُوا الْمَجَازَ بِالْكَلِمَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْعَلَاقَةُ وَقِيلَ الْوَضْعُ الثَّانَوِيُّ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْوَضْعِ الثَّانَوِيِّ لَا يَنْفِي الْعَلَاقَةَ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ هِيَ كَافِيَةٌ عَنْ الْوَضْعِ الثَّانَوِيِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَهَا وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَمُفَادُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْعَلَمَ الْمَنْقُولَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ صَرَّحَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ يَشْتَرِكَانِ فِي امْتِنَاعِ اتِّصَافِ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ بِهِمَا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو. (قَوْلُهُ: كَفَضْلٍ) قَالَ النَّاصِرُ فِيهِ أَنَّ الْعَلَاقَةَ مَوْجُودَةٌ بَيْنَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَالْمَنْقُولِ إلَيْهِ فِي فَضْلٍ فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِجَعْفَرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ وُجُودَ الْعَلَاقَةِ مُجَرَّدَةً غَيْرُ كَافٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا كَمَا هُوَ مُفَادُ لَامِ التَّعْلِيلِ وَهِيَ غَيْرُ مُلَاحَظَةِ فَضْلٍ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ وُجُودِهَا فِي جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ النَّهْرُ الصَّغِيرُ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُشَابَهَةُ. (قَوْلُهُ: كَالْبَيَانِيِّينَ) الْأَحْسَنُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ أَيْ مَنْ زَادَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ كَالْبَيَانِيِّينَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأُصُولِ

مَشَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا (فَعُلِمَ) مِنْ تَقْيِيدِ الْوَضْعِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ بِالثَّانِي (وُجُوبُ سَبْقِ الْوَضْعِ) لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ ذَلِكَ (اتِّفَاقٌ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ (لَا الِاسْتِعْمَالُ) فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ سَبْقُهُ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ كَالْعَكْسِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْوُجُوبِ (الْمُخْتَارُ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي اللَّفْظِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَقِيلَ يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَإِلَّا لَعَرِيَ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَأُجِيبَ بِحُصُولِهَا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ. (قِيلَ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ) تَفْصِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: مَشَى عَلَى أَنَّهُ) مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مَاشٍ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا ذُكِرَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ قَالَهُ النَّاصِرُ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ إلَخْ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجَازٌ وَصِحَّتُهُ فِي الْكِنَايَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كِنَايَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِيرَادِ هَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْكِنَايَةَ فِيهَا خِلَافٌ وَصَرِيحُ كَلَامِ الْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَئِنْ وَرَدَ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى ظَاهِرِ بَعْضِ تَفَاسِيرِهَا فَيَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِي الْكِنَايَةِ إنَّمَا أُرِيدَ لِلِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ قَصْدًا وَبِالذَّاتِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ يُقْصَدَا مَعًا. وَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ فَإِيرَادُ صُورَةِ الْكِنَايَةِ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْت مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ (قَوْلُهُ: بِالثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِتَقْيِيدِ أَيْ تَقْيِيدِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: لَا الِاسْتِعْمَالِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَطْفٌ عَلَى الْوَضْعِ الْوَاقِعِ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ فَعُلِمَ وَمَفَادُهُ أَنَّ وُجُوبَ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَبْقُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ اهـ. وَأَقُولُ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُفَادُهُ مَا ذُكِرَ لَوْ كَانَ الْعَطْفُ عَلَى الْوُجُوبِ أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى الْوَضْعِ فَلَا إذْ حَاصِلُهُ حِينَئِذٍ عُلِمَ وُجُوبِ سَبْقِ هَذَا دُونَ سَبْقِ هَذَا أَيْ عُلِمَ مُخَالَفَةُ هَذَا السَّبْقِ لِذَلِكَ السَّبْقِ فِي الْوُجُوبِ أَيْ إنَّ هَذَا وَاجِبٌ وَإِنَّ سَبْقَ ذَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا تَقُولُ عَلِمْت اسْتِحْقَاقَ زَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ عِلْمِ وُجُوبِ سَبْقِ الْمَعْطُوفِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: كَالْعَكْسِ) أَيْ كَمَا لَا تَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةُ الْمَجَازَ بِلَا خِلَافٍ فَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ حَقِيقِيٌّ لَمْ يَتَجَوَّزْ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ وَلِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ جَعَلَهُ أَصْلًا مُشَبَّهًا بِهِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجِبُ) أَيْ فَالْمَجَازُ يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَعَرِيَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ لِأَنَّهُ الْمُدَّعَى فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْيُ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ عَدَمَ وُجُوبِ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ يَصْدُقُ بِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ الِاسْتِعْمَالُ لَعَرِيَ وَإِنْ كَانَ هَذَا بَعِيدًا وَعَرِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِمَعْنَى خَلَا وَأَمَّا عَرَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فَهُوَ بِمَعْنَى نَزَلَ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِحُصُولِهِ إلَخْ) إذْ لَوْلَا الْوَضْعُ الْأَوَّلُ لَمَا وُجِدَ الْوَضْعُ الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَعُلِمَ وُجُوبُ سَبْقِ الْوَضْعِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ مُطْلَقًا) أَيْ لَا يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَصْدَرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَنْقُولٍ وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهُ مُخْتَارُهُ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ سَهْوٌ فَإِنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ اخْتَارَهُ وَإِنَّمَا اخْتَارَ عَدَمَ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مُقَيِّدًا لَهُ بِمَا صَحَّحَهُ فَالْعِرَاقِيُّ نَظَرَ إلَى لَفْظِ الْمُخْتَارِ وَلِهَذَا عَبَّرَ بِهِ كَمَا مَرَّ فَوَقَعَ فِي السَّهْوِ ثُمَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَقْفَةٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُشْتَقِّ مَجَازًا وُجُوبُ سَبْقِ اسْتِعْمَالِ مَصْدَرِهِ حَقِيقَةً اهـ. زَكَرِيَّا. وَقَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُسَاعِدُهُ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ وَأَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وَضْعَ الْمَصْدَرِ غَيْرُ وَضْعِ الْمُشْتَقِّ وَمَعْنَاهُمَا كَذَلِكَ

اخْتَارَهُ مَذْهَبًا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ) وَيَجِبُ لِمَصْدَرٍ الْمَجَازِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقِّ مَجَازٌ إلَّا إذَا سَبَقَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ الْمُشْتَقُّ حَقِيقَةً كَالرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَيُّ لُزُومٍ فِي أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَقَّ إذَا كَانَ مَجَازًا يَكُونُ مَصْدَرُهُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِيَصِيرَ حَقِيقَةً فَإِنْ نَظَرَ إلَى الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّتَبُّعِ لِكَلَامِ الْبُلَغَاءِ فَلَا يَتِمُّ لَهُ إذْ هُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ اسْتِيعَابُهُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى خُصُوصِ لَفْظِ رَحْمَنٍ وَأَنَّ مَصْدَرَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ حَقِيقَةً فَذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ وَلَكِنْ لَا يُجْدِيهِ نَفْعًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عُلَمَاءَ الْبَيَانِ وَالْأُصُولِ مُجْمِعُونَ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ أَحَدٌ فَلَا يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ اهـ. وَأَجَابَ سم بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي مِثْلِ مَا هُنَا الِاسْتِقْرَاءُ النَّاقِصُ وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَجَازُ مِنْ الْجَوَازِ وَالِانْتِقَالِ لَمْ يَبْعُدْ بَلْ اُسْتُحْسِنَ عِنْدَ الْعَقْلِ اعْتِبَارُ سَبْقِ اسْتِعْمَالِ أَصْلِهِ حَقِيقَةً لِيَظْهَرَ مَعْنَى الِانْتِقَالِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اهـ. وَأَقُولُ هَذَا حُكْمٌ لَفْظِيٌّ طَرِيقُهُ النَّقْلُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْبُلَغَاءِ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَدْخَلٌ وَكَانَ يَكْفِي الْكُورَانِيَّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ وَالْأُصُولِ وَلَا سَنَدَ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ وَسَّعَ دَائِرَةَ الْبَحْثِ بِمَا زَادَهُ فَالْجَوَابُ فِي مِثْلِهِ إثْبَاتُ سَنَدٍ لِلْمُصَنِّفِ بِعَزْوِ هَذَا الْخِلَافِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَوْ سَرْدِ مَوَارِدَ وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ كَالرَّحْمَنِ فَالْعُدُولُ عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْجَادَّةِ. (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ إلَخْ) مُفَادُهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا اُسْتُعْمِلَ مَجَازًا يَجِبُ سَبْقُ اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ مُشْتَقُّهُ مَجَازًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُهُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَيَجِبُ لِمَصْدَرِ الْمَجَازِ إلَخْ أَيْ يَجِبُ لِمَصْدَرِ الْمُشْتَقِّ الَّذِي تَجَوَّزَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَصْدَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَقَوْلُ النَّاصِرِ لَوْ قَالَ لِلْمَصْدَرِ الْمَجَازِ بِالنَّعْتِ لَا الْإِضَافَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمَصْدَرُ الْمَجَازَ الَّذِي لَمْ يُشْتَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ. مَدْفُوعٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُسْتَعْمَلِ مَجَازًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْإِرَادَةِ لِلْمُصَنِّفِ وَلَا يَشْمَلُ الَّذِي لَمْ يَتَجَوَّزْ فِيهِ بَلْ فِي مُشْتَقَّةِ الَّذِي هُوَ مُرَادٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقِّ مَجَازٌ) قَالَ النَّاصِرُ يَنْتَقِضُ بِنَحْوِ لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ فَإِنَّهَا مَجَازَاتٌ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْحَدَثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ مَصَادِرُهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا اهـ. وَحَصَلَ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْصِيلُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدًا بِمَا لَهُ مَصْدَرٌ فَتَخْرُجُ الْمَذْكُورَاتُ إذْ لَا مَصَادِرَ لَهَا وَيَتَكَلَّفُ الْفَرْقَ بِنَحْوِ أَنَّ مَا لَهُ مَصْدَرٌ يَتَفَرَّعُ عَنْهُ وُجُودُهُ تَفَرُّعًا مُحَقَّقًا فَنَاسَبَ أَنْ يَتَفَرَّعَ تَجَوُّزُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَا مَصْدَرَ لَهُ أَوْ يُقَالُ إنَّ كَوْنَ هَذَا الْمَذْكُورَاتِ مَوْضُوعَةً فِي الْأَصْلِ لِلزَّمَانِ حَتَّى لَزِمَ الْآنَ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مُجَرَّدِ الْحَدَثِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ فِي الْأَصْلِ لِلزَّمَانِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَمَادَّةُ النَّقْضِ لَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ. (قَوْلُهُ: كَالرَّحْمَنِ) تَمْثِيلٌ لِلْمُشْتَقِّ الَّذِي تَحَقَّقَ فِيهِ مَجَازٌ وَقَدْ سَبَقَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَقَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ الرَّحْمَةِ إلَخْ بَيَانٌ لِوُجُوبِ كَوْنِهِ مَجَازًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى لَا حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَتِهِ وَبِهَذَا يَتِمُّ التَّمْثِيلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لَهُ تَعَالَى فَهُوَ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ التَّمْثِيلُ عَلَى نَفْيِ اسْتِعْمَالِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَقَوْلُ سم إنَّ التَّجَوُّزَ فِي الرَّحْمَنِ يَقْتَضِي عَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ سَبْقَ اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ بِمَعْنَى رِقَّةِ الْقَلْبِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ السَّبْقِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ اهـ

لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ الرَّحْمَةِ وَحَقِيقَتُهَا الرِّقَّةُ وَالْحُنُوُّ الْمُسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ بَنِي حَنِيفَةَ فِي مُسَيْلِمَةَ رَحْمَانُ الْيَمَامَةِ وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ فِيهِ: سَمَوْت بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمَيْنِ أَبًا ... وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا أَيْ ذَا رَحْمَةٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ أَيْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لَجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْبَارِي مِنْ آلِهَتِهِمْ وَقِيلَ إنَّهُ شَاذٌّ لَا اعْتِدَادَ بِهِ وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ وَالْمُخْتَصُّ بِاَللَّهِ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (وَاقِعٌ) فِي الْكَلَامِ (خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ) أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَ) أَبِي عَلِيٍّ (الْفَارِسِيِّ) فِي نَفْيِهِمَا وُقُوعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا اتِّجَاهَ لَهُ، أَمَّا السُّؤَالُ فَلَا وُرُودَ لَهُ فَإِنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ بِحَسَبِ الْقَانُونِ الْعَرَبِيِّ. وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ الرَّحْمَةُ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ وَسَاغَ بِحَسَبِ هَذَا الْقَانُونِ اسْتِعْمَالُ رَحْمَنٍ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَكِنَّهُ لَمَّا اخْتَصَّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنَعَ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصُ اسْتِعْمَالَهُ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى كَالرَّحْمَةِ أَيْضًا فَوُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً لِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ قَاعِدَةَ اللُّغَةِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ كَوْنَهُ كِنَايَةً فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْكِنَايَةَ يَجُوزُ مَعَهَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِيهِ فَأَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ يَجُوزُ مَعَهَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ امْتِنَاعُهُ لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ كَمَا هُنَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَسَاقِطٌ عَنْ رُتْبَةِ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ أُولِي الْأَنْظَارِ. وَقَدْ تَفَطَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمِثْلِ مَا قُلْنَا حَيْثُ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ رَادًّا عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُمْ خَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَنْ نَهْجِ اللُّغَةِ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ اهـ. بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ رَحْمَنٌ مِنْ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَمِنْ لَازِمِهَا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ جَوَازَ إطْلَاقِهَا عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى كَانَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مُوَافِقًا لِقِيَاسِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَنُطْقًا بِمَا قِيَاسُ اللُّغَةِ جَوَازُ النُّطْقِ بِهِ وَمِثْلُهُ بِمَا يَجِبُ صِحَّتُهُ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَبِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ نَهْجِ اللُّغَةِ وَتَجْوِيزُ كَوْنِ الْوَاضِعِ شَرْطَ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالْخَطَأِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ قَالَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ قُوَّةُ مَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ إلَخْ وَضَعَّفَ قَوْلَ الْكَمَالِ فِيهِ أَنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا أَخَّرَهُ لِكَوْنِهِ أَضْعَفَ الْأَوْجُهِ وَلِبَعْضِ الْحَوَاشِي الْمُتَأَخِّرَةِ هَاهُنَا كَلَامٌ تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ وَتَأْبَاهُ الطِّبَاعُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ بَنِي حَنِيفَةَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يُورَدُ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لِلَّهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ فَكَيْفَ هَذَا الْحَصْرُ. (قَوْلُهُ: فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ) التَّعَنُّتُ تَطَلُّبُ الْإِيقَاعِ فِي الْعَنَتِ أَيْ الْأَمْرِ الشَّاقِّ فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ إيقَاعُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمْ نَفْسَهُ. (قَوْلُهُ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ) قَالَ سم ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ إلَخْ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَ إشْكَالِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ التَّعَنُّتَ سَبَبٌ فِي الْإِطْلَاقِ وَمَتَى ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ فَقَدْ وُجِدَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْجُمْلَةِ غَايَتُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ سَبَبَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ التَّعَصُّبُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَيْسَ إطْلَاقًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ اللَّجَاجُ فِي كُفْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَفَرُوا بِادِّعَائِهِمْ لِمُسَيْلِمَةَ النُّبُوَّةَ وَتَوَغَّلُوا فِي الْكُفْرِ بِإِطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْإِلَهِ تَوَغُّلًا خَرَجُوا بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ عَنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ. قَالَهُ الْكَمَالُ وَفِيهِ أَنَّ اللَّجَاجَ لَا يُخْرِجُ الْعَرَبِيَّ عَنْ لُغَتِهِ وَإِلَّا لَأَدَّى ذَلِكَ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِاسْتِعْمَالِهِمْ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِدْلَالِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ شَرْعًا لَا لُغَةً لِأَنَّ قِيَاسَ اللُّغَةِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ اتَّصَفَ بِالرَّحْمَةِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ) هُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ

(مُطْلَقًا) قَالَا وَمَا يُظَنُّ مَجَازًا نَحْوُ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي فَحَقِيقَةٌ (وَ) خِلَافًا (لِلظَّاهِرِيَّةِ) فِي نَفْيِهِمْ وُقُوعَهُ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) قَالُوا لِأَنَّهُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ وَكَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْكَذِبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا كَذِبَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ الْمُشَابَهَةُ فِي الصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحُ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ الْأَوْجُهِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يَتَخَرَّجُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا بِقَيْدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: فَحَقِيقَةٌ) إنْ اكْتَفَوْا فِي الْحَقِيقَةِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِعْمَالِ رَجَعَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَإِنْ أَرَادُوا اسْتِوَاءَ الْكُلِّ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَهَذَا مُرَاغَمَةٌ فِي الْحَقَائِقِ فَإِنَّ الْعَرَبَ مَا وَضَعَتْ اسْمَ الْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ وَمَا أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَسْتَعْمِلْ لَفْظَ أَسَدٍ فِي الشُّجَاعِ مَثَلًا فَبَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ أَشْعَارَ الْعَرَبِ طَافِحَةٌ بِالْمَجَازَاتِ قَالُوا لَوْ وَقَعَ الْمَجَازُ لَلَزِمَ الْإِخْلَالُ بِالتَّفَاهُمِ إذْ قَدْ تَخْفَى الْقَرِينَةُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يُنْتِجُ امْتِنَاعَهُ بَلْ اسْتِبْعَادَ وُقُوعِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاقِعٌ قَطْعًا وَبِالْجُمْلَةِ فَأَدِلَّةُ النَّافِي لَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ) كَذِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ وَإِذَا صَحَّ نَفْيُهُ لَمْ يَصِحَّ إثْبَاتُهُ لِلتَّنَاقُضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ التَّنَاقُضِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَالنَّفْيُ وَارِدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْمَجَازِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَذِبَ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْمُرَكَّبِ الْخَبَرِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَجَازِ هُنَا الْمَجَازُ اللُّغَوِيُّ كَمَا يَقْتَضِيهِ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ فِي التَّمْثِيلِ لَهُ أَشْكَلَ وَصْفُهُ بِالْكَذِبِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ وَإِنْ أُرِيدَ مُطْلَقُ الْمَجَازِ الشَّامِلِ اللُّغَوِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْعَضُدِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَنَا عَلَى وُقُوعِ الْمَجَازِ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْأَسَدَ لِلشُّجَاعِ وَالْحِمَارَ لِلْبَلِيدِ وَشَابَتْ لَمَّةُ اللَّيْلِ وَقَامَتْ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ مِمَّا لَا يُحْصَى مَجَازَاتٌ اهـ. فَالْوَصْفُ بِالْكَذِبِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَلِلْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ بِتَأْوِيلِ أَنَّ نِسْبَةَ الْكَذِبِ إلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ نِسْبَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ أَوْ نِسْبَتِهِ إلَى شَيْءٍ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الدَّلِيلُ تَامَّ التَّقْرِيبِ وَعَلَى صَنِيعِ الشَّارِحِ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْمُدَّعَى وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي تَمَامِيَّةِ التَّقْرِيبِ كَمَا بَيَّنَ فِي عِلْمِ الْآدَابِ وَإِنَّمَا قَصَرَ الشَّارِحُ الْكَلَامَ عَلَى الْمَجَازِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ هُنَا وَإِنْ كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ فِي تَخْصِيصِ مُدَّعَاهُمْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ قَصَرَهُ عَلَى أَحَدِ الْفَرْدَيْنِ لِخَفَائِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالُ الْفَرْدِ الثَّانِي. فَإِنْ قُلْت إنَّمَا تَعَرَّضَ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَهُمْ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْفَرْقِ بِالِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا تَجْرِي فِي الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ أَيْضًا قُلْت أَجَابَ مُنَجِّمٌ بَاشَا عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ أَشَدُّ احْتِيَاجًا إلَى بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَذِبِ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِهِ مِنْ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ادِّعَاءِ اتِّحَادِ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مَعَ مُغَايَرَتِهِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا عَيْنُ الْكَذِبِ لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّأْوِيلُ بِخِلَافِ الْمُرْسَلِ إذْ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الِادِّعَاءُ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْبُعْدَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيِّ وَالْحَقِيقِيِّ فِي الِاسْتِعَارَةِ أَزْيَدُ مِنْ الْبُعْدِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُرْسَلِ لِأَنَّ عَلَاقَةَ الِاسْتِعَارَةِ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلَاقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ إذْ الْمُشَابَهَةُ أَضْعَفُ عَلَائِقِ الْمَجَازِ وَزِيَادَةُ الْبُعْدِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ تَقْتَضِي زِيَادَةَ الْمُشَابَهَةِ بِالْكَذِبِ اهـ. ثُمَّ إنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ بِكَوْنِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إنْ كَانَ وَاقِعًا فِي كَلَامِ النَّافِي فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا فَعُذِرَ الشَّارِحُ فِي زِيَادَتِهِ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُرَادِهِمْ وَإِنْ أَطْلَقُوا إذْ لَا يُسَوَّغُ لَهُمْ دَعْوَى كَوْنِهِ كَذِبًا فِي الْحَقِيقَةِ فَيَرِدُ حِينَئِذٍ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَ الْمُجِيبِ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ وَقَوْلَ الْمُسْتَدِلِّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَجَدْت الْجَوَابَ غَيْرَ مُلَاقٍ لِلدَّلِيلِ وَالْمُنَاسِبُ سَوْقُ الدَّلِيلِ مُجَرَّدًا عَنْ قَوْلِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُلَاقَاةِ أَنَّ مَرْجِعَ الدَّلِيلِ لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ نَظْمُهُ هَكَذَا الْمَجَازُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَرْجِعُ الْجَوَابِ نَمْنَعُ الصُّغْرَى فَنَفْيُ كَوْنِهِ كَذِبًا فِي الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ مُفَادُهُ

أَيْ عَدَمِ الْفَهْمِ (وَإِنَّمَا يُعْدَلُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْأَصْلِ (لِثِقَلِ الْحَقِيقَةِ) عَلَى اللِّسَانِ كَالْخِنْفِقِيقِ اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الْمَوْتِ مَثَلًا (أَوْ بَشَاعَتِهَا) كَالْخِرَاءَةِ يُعْدَلُ عَنْهَا إلَى الْغَائِطِ وَحَقِيقَتُهُ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ (أَوْ جَهْلِهَا) لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبْقَى مَعَهُ الصُّغْرَى عَلَى حَالِهَا وَهُوَ أَنَّهُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ سم أَنَّ إيهَامَ الْكَذِبِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ لِاقْتِضَائِهِ بَقَاءَ الدَّلِيلِ سَالِمًا عَنْ الْمَنْعِ فَيَتِمُّ نَعَمْ قَوْلُ النَّاصِرِ: الْمُنَاسِبُ سَوْقُ الدَّلِيلِ مُجَرَّدًا عَنْ قَوْلِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْته مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُخَاطَبَ الَّذِي يُلْقَى إلَيْهِ الْمَجَازُ هُوَ الْمُتَفَطِّنُ الْعَارِفُ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَوُجُوهِ اعْتِبَارَاتِهِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إذَا خُوطِبَ بِالْمَجَازِ مُحْتَفًّا بِقَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ فَهِمَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَلَا يَتَبَادَرُ ذِهْنُهُ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَصْلًا فَلَا كَذِبَ فِي الْمَجَازِ أَصْلًا لَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَيُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ نَوَادِرُ كَثِيرَةٌ تَقْضِي بِأَنَّ الْعَرَبَ الْخُلَّصَ وَصَلُوا إلَى غَايَةٍ مِنْ الْفَطِنَةِ فِي أَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَسُرْعَةِ الْبَدِيهَةِ مَا وَصَلَ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأُمَمِ سِوَاهُمْ. مِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ أَنَّ مُهَلْهَلًا كَانَ فِي سَفَرٍ مَعَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَفَهِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا يُرِيدَانِ اغْتِيَالَهُ فَأَوْصَاهُمَا إذَا وَرَدَا الْحَيَّ أَنْ يُنْشِدَا هَذَا الشِّعْرَ: مَنْ يُخْبِرُ الْبِنْتَيْنِ أَنَّ مُهَلْهَلًا ... بِاَللَّهِ رَبِّكُمَا وَرَبِّ أَبِيكُمَا فَاتَّفَقَ أَنْ قَتَلَاهُ وَوَصَلَا لِلْحَيِّ فَسُئِلَا عَنْهُ فَقَالَا مَاتَ فَقِيلَ وَهَلْ أَوْصَى بِشَيْءٍ قَالَا نَعَمْ أَوْصَى بِأَنْ نُنْشِدَ هَذَا الشِّعْرَ فَقِيلَ إنَّ لِهَذَا الشِّعْرِ بَقِيَّةٌ وَإِنَّكُمَا قَتَلْتُمَاهُ فَأَقَرَّا بِذَلِكَ وَأَنْشَدَ الْبِنْتَانِ هَذَا الشِّعْرَ بِحَسَبِ سَلِيقَتِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَنْ يُخْبِرُ الْبِنْتَيْنِ أَنَّ مُهَلْهَلًا ... أَضْحَى قَتِيلًا بِالْفَلَاةِ مُجَنْدَلَا بِاَللَّهِ رَبِّكُمَا وَرَبِّ أَبِيكُمَا ... لَا تَتْرُكَا الْعَبْدَيْنِ حَتَّى يُقْتَلَا فَقُتِلَ الْعَبْدَانِ فَانْظُرْ كَيْفَ اهْتَدَيَا بِصَفَاءِ أَذْهَانِهِمَا بِالْكَلَامِ مُطْوًى لَمْ يُرْمَزْ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَمَا ظَنُّك لِكَلَامِ مُحْتَفٍّ بِالْقَرَائِنِ فَظَهَرَ لَك بِهَذَا صِدْقُ مَا ادَّعَيْنَاهُ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى الشَّارِحِ مَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْكَذِبَ لَازِمٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَارْتِفَاعُهُ إنَّمَا هُوَ بِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالدَّالُّ عَلَيْهَا هُوَ الْقَرِينَةُ فَانْتِفَاءُ الْكَذِبِ لِأَجْلِ وُجُودِ الْقَرِينَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَا لِأَجْلِ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ اهـ. وَهُوَ وَجِيهٌ إذْ قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبَيَانِيُّونَ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُؤَوِّلُ كَلَامُهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ الظَّاهِرِ وَيَنْصِبُ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ يَدَّعِي الظَّاهِرَ وَيُرِيدُهُ وَيَصْرِفُ هِمَّتَهُ عَلَى إثْبَاتِهِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَا أَجَابَ بِهِ سم بِأَنَّ الْمُحَقِّقَ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الدَّافِعِ لِلْكَذِبِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُ الْعَلَاقَةِ. وَأَمَّا الْقَرِينَةُ فَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ الِانْتِفَاءِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ إنَّمَا يُنَاسِبُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِ الْكَذِبِ فِي الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ مَسَاقُ كَلَامِ الْمُجِيبِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخَصْمَ إنَّمَا يَدَّعِي الْكَذِبَ ظَاهِرًا، وَجَوَابُ الشَّارِحِ لَا يُلَاقِي دَلِيلَهُ وَأَنَّ النَّافِيَ لِلْكَذِبِ ظَاهِرًا هُوَ نَصْبُ الْقَرِينَةِ إذْ لَوْلَاهَا لَتَبَادَرَ الذِّهْنُ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَجِيءُ الْكَذِبُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمِ الْفَهْمِ) قَالَ سم وَجْهُ كَوْنِهِ صِفَةً ظَاهِرَةً أَنَّهُ مِمَّا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِالْمُخَاطَبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ عَدَمَ الْفَهْمِ يَظْهَرُ بِمُخَاطَبَةِ صَاحِبهِ ظُهُورًا تَامًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُجَرِّبِ اهـ. وَأَرَادَ بِنَحْوِ الْمُخَاطَبَةِ تَرْكِيبَ الشَّكْلِ وَالسَّجِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كُتُبِ الْفِرَاسَةِ عَلَامَاتٍ فِي الْأَشْخَاصِ ظَاهِرَةً تَدُلُّ عَلَى أَخْلَاقٍ بَاطِنَةٍ مَنْ أَحَاطَ بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ خُبْرًا اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوهُ وَكُنْت ظَفِرْت بِنُبْذَةٍ مِنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشِّيرَازِيِّ عَلَى الْقَانُونِ ذَكَرْت بَعْضَهَا مِنْهَا فِي شَرْحِي عَلَى نُزْهَةِ الْأَذْهَانِ فِي عِلْمِ الطِّبِّ. (قَوْلُهُ: الْأَصْلِ) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْحَقِيقَةِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِأَنَّ الْمَجَازِ ابْتَنَى عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ سَبْقِ وَضْعِهَا أَوْ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ كَالنَّائِبَةِ وَالْحَادِثَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَهْلِهَا لِلْمُتَكَلِّمِ) أَيْ مَعَ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْعُدُولِ عَدَمُ الْإِتْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ

لِلْمُخَاطَبِ دُونَ الْمَجَازِ (أَوْ بَلَاغَتِهِ) نَحْوُ زَيْدٌ أَسَدٌ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ شُجَاعٍ (أَوْ شُهْرَتِهِ) دُونَ الْحَقِيقَةِ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَإِخْفَاءِ الْمُرَادِ عَنْ غَيْرِ الْمُتَخَاطِبِينَ الْجَاهِلِ بِالْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَكَإِقَامَةِ الْوَزْنِ وَالْقَافِيَةِ وَالسَّجْعِ بِهِ دُونَ الْحَقِيقَةِ (وَلَيْسَ الْمَجَازُ غَالِبًا عَلَى اللُّغَاتِ خِلَافًا لِابْنِ جِنِّي) بِسُكُونِ الْيَاءِ مُعَرَّبُ كِنِّي بَيْنَ الْكَافِ وَالْجِيمِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ غَالِبٌ فِي كُلِّ لُغَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْرِفَةِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَجَازٌ مَعْرِفَةُ الْحَقِيقَةِ بِعَيْنِهَا فَلَا يُقَالُ الْمَجَازُ مَصْحُوبٌ بِالْعَلَاقَةِ وَهِيَ ارْتِبَاطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمَجَازِ الْعِلْمُ بِالْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَاغَتِهِ) لَيْسَ الْمُرَادُ الْبَلَاغَةَ الْبَيَانِيَّةَ إذْ لَا تَكُونُ فِي الْمُفْرَدِ بَلْ الْمُرَادُ الْأَبْلَغِيَّةُ فِي الْوَصْفِ لِأَنَّ الْمَجَازَ انْتِقَالٌ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ فَهُوَ كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنَةٍ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ شُجَاعٍ (قَوْلُهُ: زَيْدٌ أَسَدٌ) التَّمْثِيلُ بِهِ عَلَى مُخْتَارِ التَّفْتَازَانِيِّ أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ أَبْلَغُ) مِنْ شُجَاعٍ قَالَ النَّاصِرُ تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِأَبْلَغَ الْمُوَافِقِ لِتَعْبِيرِهِمْ فِي اقْتِضَاءِ ثُبُوتِ الْبَلَاغَةِ لِلْحَقِيقَةِ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَالَ أَوْ أَبْلَغِيَّتُهُ كَانَ أَوْلَى اهـ. قَالَ سم وَقَدْ يُوَجَّهُ عُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ إذْ قَدْ يَنْفَرِدُ الْمَجَازُ بِالْبَلَاغَةِ دُونَهَا بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِبَلَاغَتِهِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَإِنَّهُ مُطَّرِدٌ سَوَاءٌ تَشَارَكَا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا. اهـ. أَقُولُ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَبْلَغِيَّةِ لَوُجِّهَ أَيْضًا فَإِنَّهُ نَقَلَ دده أَفَنْدِي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ تَصْرِيفِ الْعِزِّيِّ لِلتَّفْتَازَانِيِ إنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ قَدْ يَكُونُ الْمُشَارَكَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُ تَقْدِيرِيَّةً فَرْضِيَّةً اعْتِقَادِيَّةً وَمِنْهُ حَدِيثُ اللَّهُمَّ أَبْدَلَنِي خَيْرًا مِنْهُمْ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا أَيْ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرٌّ وقَوْله تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُمْ زَيْدٌ أَعْلَمُ مِنْ الْحِمَارِ وَعَمْرٌو أَفْصَحُ مِنْ الْأَشْجَارِ أَيْ لَوْ كَانَ لِلْحِمَارِ عِلْمٌ وَلِلْأَشْجَارِ فَصَاحَةٌ. (قَوْلُهُ: غَالِبٌ فِي كُلِّ لُغَةٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ فِي اللُّغَاتِ

عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَّا وَيَشْتَمِلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَجَازٍ تَقُولُ مَثَلًا رَأَيْت زَيْدًا وَضَرَبْته وَالْمَرْئِيُّ وَالْمَضْرُوبُ بَعْضُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كُلُّهُ وَلَا مُعْتَمَدًا حَيْثُ تَسْتَحِيلُ الْحَقِيقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِغْرَاقِيَّةٌ وَإِنْ عَلَى بِمَعْنَى فِي وَيُمْكِنُ بَقَاؤُهَا عَلَى حَالِهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي اللُّغَاتِ صَارَ غَالِبًا عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى الْحَقِيقَةِ) أَيْ عَلَى الْكَلِمَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعَانٍ وَضْعًا أَوَّلِيًّا أَيْ إنَّ أَكْثَرَهَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ مَجَازِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَخْ) قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَجَازُ لَا الْحَقِيقَةُ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ الْفُصَحَاءِ وَالْبُلَغَاءِ فِي نَظْمِهِمْ وَنَثْرِهِمْ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا تَشْبِيهَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ وَكِنَايَاتٌ وَإِسْنَادَاتُ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَى مَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِذَلِكَ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالدَّهْرِ وَالْأَطْلَالِ وَالزَّمَنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَجَوُّزٌ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمَعْلُومِ فَكَذَلِكَ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ سَافَرْت الْبِلَادَ وَرَأَيْت الْعِبَادَ وَلَبِسْت الثِّيَابَ وَمَلَكْت الْعَبِيدَ مَعَ أَنَّهُ مَا سَافَرَ كُلَّهَا وَلَا رَأَى كُلَّهُمْ وَمَا لَبِسَ كُلَّ الثِّيَابِ وَلَا مَلَكَ كُلَّ الْعَبِيدِ وَكَذَلِكَ تَقُولُ ضَرَبْت زَيْدًا مَعَ أَنَّك مَا ضَرَبْت إلَّا جُزْءًا مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ طَابَ الْهَوَاءُ وَبَرَدَ الْمَاءُ وَمَاتَ زَيْدٌ وَمَرِضَ عَمْرٌو بَلْ إسْنَادُ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كُلِّهَا إلَى الْحَيَوَانَاتِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَجَازٌ لِأَنَّ فَاعِلَهَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِسْنَادُهَا إلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ اهـ. وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ قَوْلَهُ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَخْ لَا يُوفِي بِمُدَّعَى ابْنِ جِنِّي مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ غَالِبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصِدْقِهِ بِمُسَاوَاتِهَا اهـ. وَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَّا وَهُوَ فِي أَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مُشْتَمِلٌ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَجَازٍ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فِي أَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: عَلَى مَجَازٍ) أَيْ تَجَوُّزًا وَمَعْنَى مَجَازِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَرْئِيُّ وَالْمَضْرُوبُ إلَخْ) فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَالْمَجَازُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ الْأَعْلَامَ مَجَازُ الِاسْتِعَارَةِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَنْبَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُضَايَقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِغْرَاقُ الْفِعْلِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَضْعًا فِي الْفِعْلِ هُوَ نِسْبَةُ إيقَاعِ الْحَدَثِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمَّهُ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَجَوُّزَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كُلُّهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ اشْتِمَالُ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَضْرُوبَ بَعْضُهُ لَا كُلُّهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نِسْبَةِ التَّأَلُّمِ الَّذِي هُوَ إحْسَاسُ الْجِسْمِ بِالْآلَةِ لَا فِي نِسْبَةِ التَّأَلُّمِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْإِحْسَاسِ (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَمَدًا) أَيْ مُعَوَّلًا عَلَيْهِ فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْحَقِيقَةِ مِنْ قَرَائِنِ الْمَجَازِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِحَالَةَ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَجَازِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ فِي الِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ

خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَأَلْغَيْنَاهُ كَصَاحِبَيْهِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِمَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلُ الْعَبْدِ يُولَدُ لِمِثْلِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا كَقَوْلِهِمْ إنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً بِاللَّازِمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ) فَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ أَوْ الْمَنْقُولَ عَنْهُ وَإِلَيْهِ فَالْأَصْلُ أَيْ الرَّاجِحُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ فَعِنْدَهُمَا هِيَ الْحُكْمُ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي الْمَجَازِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَعِنْدَهُ التَّكَلُّمُ حَتَّى تَكْفِيَ صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ سَوَاءٌ صَحَّ مَعْنَاهُ أَوْ لَا فَقَوْلُ الْقَائِلِ هَذَا ابْنِي لِعَبْدٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ مَجَازٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ فَعِنْدَهُ مَجَازٌ يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا لَغْوٌ لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَكْبَرَ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةِ الْأَصْغَرِ اهـ. وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ شَيْخِهِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْأَصْلَ اهـ. لَكِنْ نَقَلَ سم عَنْ شَيْخِهِ الشِّهَابِ أَنَّهُ كَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ الْكَمَالِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَصْلَ ظَهِيرُ الدِّينِ الزَّنْجَانِيُّ فِي كِتَابِ تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ فَقَالَ مَسْأَلَةُ الْمَجَازِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ فِي التَّكَلُّمِ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَة لِمَا اعْتَذَرَ بِهِ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْ مُوَافَقَتِهِمَا فِي الْفَرْعِ مُوَافَقَتَهُمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ سم وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ النِّيَّةِ قَالَ وَعِبَارَةُ الْقَرَافِيِّ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ إنْ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَكَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هُنَاكَ مُسْتَحِيلًا بِالْمَجَازِ عِنْدَنَا لَاغٍ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْمُولٌ بِهِ مِثَالُهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ هَذَا ابْنِي وَأَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَنَا لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَصْلُحُ مَجَازًا إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَيُلْغَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْتِقُ اهـ. قَالَ سم أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَأَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ مَعَ قَوْلِهِ لَمْ يَعْتَقْ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ مَعَ النِّيَّةِ اهـ. وَاَلَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ أَفَاضِلِ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ أَدْرَكْنَا عَصْرَهُمْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ الْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ خِلَافًا لِمَا فِي الْقَرَافِيِّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحَالَةِ الِاسْتِحَالَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَوْ الْعَادِيَةُ لَا الشَّرْعِيَّةُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعِتْقِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ فِيهِ اعْتِمَادَ الْمَجَازِ مَعَ اسْتِحَالَةِ الْحَقِيقَةِ شَرْعًا (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ) لِكِبَرِ الْعَبْدِ وَصِغَرِ سِنِّ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ) فَتَكُونُ عَلَاقَةُ الْمَجَازِ الْمَلْزُومِيَّةَ أَوْ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ لَا يُقَالُ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وَلَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَيْ هَذَا كَابْنِي وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا أَوْرَدَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَالُ نَاطِقَةٌ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ ابْنِي مَعْنَاهُ مَوْلُودٌ لِي وَمَخْلُوقٌ مِنْ مَائِي فَيَكُونُ مُشْتَقًّا مِثْلُ الْحَالُ نَاطِقَةٌ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ) أَيْ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ مَثَلًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ آحَادِ النَّاسِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ عَدَمُ الِاعْتِمَادِ دَائِمًا وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ قَوْلَهُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَخْ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فَإِنَّ الْمَجَازَ بِالنُّقْصَانِ اعْتَمَدَ فِيهِ لِضَرُورَةِ الصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فِي كَلَامِ الصَّادِقِ إلَى اعْتِمَادِهِ وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ مَعَهُ إلَى الْحَقِيقَةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى سَبِيلِ الْكُلِّيَّةِ لَا فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ)

لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فِيهِ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ اسْتِصْحَابًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ أَوَّلًا مِثَالُهُمَا رَأَيْت الْيَوْمَ أَسَدًا وَصَلَّيْت أَيْ حَيَوَانًا مُفْتَرِسًا وَدَعَوْت بِخَيْرٍ أَيْ سَلَامَةٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ الرَّجُلَ الشُّجَاعَ وَالصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ (وَ) الْمَجَازُ وَالنَّقْلُ (أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ) فَإِذَا احْتَمَلَ لَفْظٌ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى أَنْ يَكُونَ فِي آخَرَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً وَمَنْقُولًا فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ الْمَنْقُولِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُؤَدِّي إلَى الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَغْلَبِ أَوْلَى وَالْمَنْقُولُ لِإِفْرَادِ مَدْلُولِهِ قَبْلَ النَّقْلِ وَبَعْدَهُ لَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْمُشْتَرَكُ لِتَعَدُّدِ مَدْلُولِهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُعَيِّنُ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا إلَّا إذَا قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَصُورَةِ الِاسْتِحَالَةِ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ هُنَا مُمْكِنُ الثُّبُوتِ وَهُنَاكَ مُسْتَحِيلُهُ اهـ. نَاصِرٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَأَمَّا قَرِينَةُ الْمُشْتَرَكِ فَلِتَعَارُضِ الْمَعَانِي. (قَوْلُهُ: وَصَلَّيْتُ) أَيْ إذَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ فَلَا يُقَالُ إنْ أَرَادَ الْحَمْلَ فِي نَحْوِ هَذَا الْمِثَالِ بِالنِّسْبَةِ لِعُرْفِ اللُّغَةِ كَانَ مِنْ قَبِيلِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ لَا الْمَنْقُولَ عَنْهُ وَالْمَنْقُولَ إلَيْهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّسْبَةِ لِعُرْفِ الشَّرْعِ خَالَفَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي ثُمَّ هُوَ أَيْ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الْمُخَاطَبِ فَفِي خِطَابِ الشَّرْعِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ عُرْفُهُ ثُمَّ اللُّغَوِيِّ إلَخْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَنَّ مَا لَهُ مَعَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مَعْنًى عُرْفِيٌّ عَامٌّ أَوْ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَوْ هُمَا يُحْمَلُ أَوَّلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَيْ سَلَامَةٍ مِنْهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صَلَّيْتُ جُزْءٌ مِنْ الْمِثَالِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ مِثَالًا مُشْتَمِلًا عَلَى شَيْئَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ الْمُتَبَادَرُ أَنَّ كُلًّا مِثَالٌ مُسْتَقِلٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمَجَازُ وَالنَّقْلُ إلَخْ) تُفِيدُ أَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَالْمَنْقُولِ إلَيْهِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ وَإِنْ كَانَ لَفْظًا وَاحِدًا مُتَعَدِّدَ الْمَعْنَى وَالْوَضْعِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ. قَالَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَيْ إنْ كَانَ مَعْنَى الِاسْمِ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ وَضْعُهُ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ عَلَى السَّوِيَّةِ بِأَنْ وُضِعَ لِهَذَا كَمَا وُضِعَ لِذَاكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ النَّقْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ سُمِّيَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْمَعَانِي مُشْتَرَكًا وَإِلَى أَحَدِهِمَا مُجْمَلًا كَالْعَيْنِ لِلْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَالذَّهَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَضْعُهُ لِلْمَعَانِي عَلَى السَّوِيَّةِ بَلْ وُضِعَ أَوَّلًا لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْآخَرِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِمَّا أَنْ يُتْرَكَ وَيَهْجُرَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَقِيقَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ أَوْ لَا فَإِنْ تُرِكَ سُمِّيَ مَنْقُولًا وَيُنْسَبُ إلَى النَّاقِلِ وَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ فَحَالُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي نُقِلَ إلَيْهِ يُسَمَّى مَجَازًا اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ تَعَدُّدَ الْمَعْنَى فِي الْمَنْقُول بِالنِّسْبَةِ إلَى وَاضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَضَعَهُ لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ وَالْآخَرُ وَضَعَهُ لِلْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَاتَّضَحَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمَنْقُولُ لِإِفْرَادِ مَدْلُولِهِ إلَخْ وَفِي زِيَادَةِ قَيْدٍ تَعَدَّدْ الْوَضْعِ فِي الْمُشْتَرَكِ نِزَاعٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِيمَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى ذَلِكَ الشَّرْحِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا احْتَمَلَ لَفْظٌ) هُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى أَيْ بِلَا تَرَدُّدِ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنًى آخَرَ حَقِيقَةً أَيْ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى الْآخَرِ وَمَجَازًا أَيْ وَأَنْ يَكُونَ مَجَازًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْأَوَّلِ مَجَازًا فِي الْآخَرِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ أَوْ حَقِيقَةً وَمَنْقُولًا وَإِنَّمَا عُطِفَ قَوْلُهُ وَمَجَازًا وَمَنْقُولًا بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ مُتَعَدِّدٍ بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَلِذَا أَتَى فِيهِ بِأَوْ هُنَا بِلَفْظٍ وَفِيمَا سَبَقَ بِاللَّفْظِ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي الْأُولَى تَحَقَّقَتْ لَهُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازِيَّةُ وَالِاحْتِمَالُ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ مَجَازًا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَفِي الثَّانِيَةِ تَحَقَّقَتْ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْآخَرِ بِهِ وَالِاحْتِمَالُ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ مَجَازًا أَوْ مَنْقُولًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ) إنَّمَا لَمْ يُعَلَّلْ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ فِي الْوَضْعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَصْلِ لَازِمَةٌ فِي الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لِإِفْرَادِ مَدْلُولِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرٌ أَيْ اتِّحَادُهُ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ لَا يَمْتَنِعُ. (قَوْلُهُ: لَا يَمْتَنِعُ) بَلْ يُعْمَلُ بِهِ اكْتِفَاءً بِعُرْفِ التَّخَاطُبِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى قَرِينَةٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ أَوْ مَعَانِيهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قِيلَ إلَخْ) فَإِنَّ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِمَا لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ الْعَمَلُ بِالْمُشْتَرَكِ بِدُونِ قَرِينَةٍ فَلَا

بِحَمْلِهِ عَلَيْهِمَا وَمَا لَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَالْأَوَّلُ كَالنِّكَاحِ حَقِيقَةُ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ الْعَكْسُ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مُحْتَمِلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْآخَرِ وَالثَّانِي كَالزَّكَاةِ حَقِيقَةُ فِي النَّمَاءِ أَيْ الزِّيَادَةِ مُحْتَمِلٌ فِيمَا يُخْرَجُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَقِيقَةً أَيْضًا أَيْ لُغَوِيَّةً وَمَنْقُولًا شَرْعِيًّا: (قِيلَ وَ) الْمَجَازُ وَالنَّقْلُ أَوْلَى (مِنْ الْإِضْمَارِ) فَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَجَازٌ وَإِضْمَارٌ أَوْ نَقْلٌ وَإِضْمَارٌ فَقِيلَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ النَّقْلِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْإِضْمَارِ لِكَثْرَةِ الْمَجَازِ وَعَدَمِ احْتِيَاجِ النَّقْلِ إلَى قَرِينَةٍ وَقِيلَ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ لِأَنَّ قَرِينَتَهُ مُتَّصِلَةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ وَإِنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ الَّذِي يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ الْمَشْهُورِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ هَذَا ابْنِي أَيْ عَتِيقٌ تَعْبِيرًا عَنْ اللَّازِمِ بِالْمَلْزُومِ فَيُعْتَقُ أَوْ مِثْلُ ابْنِي فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَقُ وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ أَخْذَهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مَثَلًا فَإِذَا أُسْقِطَتْ صَحَّ الْبَيْعُ وَارْتَفَعَ الْإِثْمُ وَقَالَ غَيْرُهُ نُقعلَ الرِّبَا شَرْعًا إلَى الْعَقْدِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَإِنْ أُسْقِطَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَثَلًا وَالْإِثْمُ فِيهَا بَاقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْتَهِضُ الدَّلِيلُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَبِيلِ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُنْفَرِدُ أَغْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فَالْإِلْحَاقُ بِهِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَا ذَكَرَهُ بِالْفَاءِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَسَبُّبِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: مُحْتَمِلٌ لِلْحَقِيقَةِ) أَيْ عَلَى الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ وَالْمَجَازُ أَيْ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بِاعْتِبَارِنَا وَإِلَّا فَكُلُّ قَائِلٍ جَازِمٌ بِمَا قَالَهُ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ النَّاصِرِ أَنَّ الْأَقْوَالَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لَا تَدَّعِي الْقَطْعَ بَلْ الظَّنَّ وَالِاحْتِمَالُ قَائِمٌ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: فِي النَّمَاءِ) بِالْمَدِّ الزِّيَادَةُ وَبِالْقَصْرِ صِغَارُ النَّمْلِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ وَالْمَجَازُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَجَازُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَهُوَ التَّجَوُّزُ فِي اللَّفْظِ فَصَحَّ مُقَابَلَتُهُ بِالْإِضْمَارِ وَإِلَّا فَهُوَ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ احْتَمَلَ الْكَلَامُ إلَخْ) إنَّمَا عَبَّرَ هُنَا بِالْكَلَامِ دُونَ اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَعُمُّ الْمُفْرَدَ وَالْمُرَكَّبَ وَالْإِضْمَارُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمُرَكَّبِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ. (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ احْتِيَاجِ النَّقْلِ إلَى قَرِينَةٍ) أَيْ وَاحْتِيَاجُ الْإِضْمَارِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَرِينَتَهُ مُتَّصِلَةٌ) لِأَنَّ الْإِضْمَارَ هُوَ الْمُسَمَّى سَابِقًا بِالِاقْتِضَاءِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ قَرِينَتَهُ تَوَقُّفُ الصِّدْقِ أَوْ الصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَوْ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ وَتَوَقُّفُ صِدْقِ الْكَلَامِ وَصِحَّتُهُ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ وَذَلِكَ غَايَةُ الِاتِّصَالِ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سِيَّانِ) أَيْ وَاسْتِوَاؤُهُمَا لَا يُنَافِي تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِمُدْرَكٍ يَخُصُّهُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لَا يُنَافِي تَرْجِيحَ النَّقْلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِمُدْرَكٍ يَخُصُّهُ قَالَ سم. (قَوْلُهُ: لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا) إلَى قَرِينَةٍ يَعْنِي وَأَمَّا كَثْرَةُ الْمَجَازِ فَمُقَابَلَةٌ بِاتِّصَالِ قَرِينَةِ الْإِضْمَارِ وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ تَمَامُ الْعِلَّةِ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: لِسَلَامَتِهِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى) وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبَلَاغَةِ بِخِلَافِ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ) أَيْ الْكَلَامُ الْمُحْتَمَلُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَجَازٌ وَإِضْمَارٌ. (قَوْلُهُ: عَنْ اللَّازِمِ) وَهُوَ عَتِيقٌ بِالْمَلْزُومِ وَهُوَ ابْنِي إذْ بُنُوَّةُ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ تَسْتَلْزِمُ عِتْقَهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: أَوْ مِثْلُ ابْنِي) فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَنَا) فَإِنْ قِيلَ الرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِ

(وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ. فَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهِ تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ أَوْ تَخْصِيصٌ وَنَقْلٌ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَوْلَى أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ بِأَنْ يَتَعَدَّدَ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِسَلَامَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّقْلِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مِمَّا لَمْ يُتَلَفَّظْ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي لَهَا فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ تَعْبِيرًا عَنْ الذَّبْحِ بِمَا يُقَارِنُهُ غَالِبًا مِنْ التَّسْمِيَةِ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . فَقِيلَ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ لِعَدَمِ حِلِّهِ وَقِيلَ نُقِلَ شَرْعًا إلَى الْمُسْتَجْمِعِ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ فَمَا شَكَّ فِي اسْتِجْمَاعِهِ لَهَا يَحِلُّ وَيَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ دُونَ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً بِاللَّازِمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ وَذَلِكَ تَرْجِيحٌ لِلْمَجَازِ عَلَى الْإِضْمَارِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّ تَرْجِيحَ الْمَجَازِ هُنَا لِخَارِجٍ وَهُوَ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهَذَا الْمَحَلِّ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ بِمُجَرَّدِ هَذَا ابْنِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِتْقِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُجْرَى فِي قَوْلِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ نُقِلَ الرِّبَا شَرْعًا إلَى الْعَقْدِ فَيَقِلُّ فِي تَرْجِيحِ النَّقْلِ عَلَى الْإِضْمَارِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَكْسُهُ رُجِّحَ لَا لِكَوْنِهِ نَقْلًا بَلْ لِمُرَجِّحٍ خَاصٍّ وَهُوَ تَنْظِيرُ الرِّبَا بِالْبَيْعِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا يُطَابِقُهُ بِحَمْلِ الرِّبَا فِيهِ عَلَى الْعَقْدِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا يَجْرِي فِي تَعَارُضِ التَّخْصِيصِ وَالْمَجَازِ الْآتِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَالتَّخْصِيصُ) أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ مِنْ الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: فَلِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ إلَخْ) فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ ثُمَّ أَخْرَجْنَا مِنْهُ بَعْضَ أَفْرَادِهِ بِدَلِيلٍ بَقِيَ الْبَاقِي مُتَعَيَّنُ الْإِرَادَةِ فَيُعْمَلُ بِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَجَازِيِّ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ) إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَجَازِ مُصَاحَبَةُ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت بَحْرًا فِي الْحَمَّامِ احْتَمَلَ الرَّجُلَ الْكَرِيمَ وَالْعَالِمَ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا فَإِنَّ الْقَرِينَةَ الْمَوْجُودَةَ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَقَطْ وَهِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ قَالَ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ الْقَرِينَةُ الَّتِي هِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِ الْمَجَازِ وَيَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَيْهِ هِيَ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا الْمُعَيِّنَةُ الَّتِي بِهَا يَتَعَيَّنُ الْمَجَازِيُّ الْمُرَادُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ذِكْرُهُمَا مُحَسِّنًا لِلْكَلَامِ وَلِذَلِكَ اسْتَكْرَهَ الْبُلَغَاءُ الْمَجَازَ الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ الْبَلِيغُ إذْهَابَ نَفْسِ السَّامِعِ إلَى كُلِّ مَعْنًى مَجَازِيٍّ مُمْكِنٍ فِي الْمَقَامِ وَتَشْوِيقَهَا إلَى التَّعْيِينِ فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ تَرْكُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَعَدَّدَ) كَمَا إذَا قُلْت وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي وَتُرِيدُ السَّوْمَ وَالشِّرَاءَ بِالْوَكِيلِ. (قَوْلُهُ: فَلِسَلَامَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى) لَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ نَسْخًا لِرَفْعِهِ الْحُكْمَ عَنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ نَسْخُ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ بِرُمَّتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ النَّقْلِ. (قَوْلُهُ: وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي) أَيْ مَذْبُوحُ النَّاسِي. (قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ) أَيْ ذَبْحًا شَرْعِيًّا. (قَوْلُهُ: بِمَا يُقَارِنُهُ) فَهُوَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ وَلَمْ تُجْعَلْ الْعَلَاقَةُ اللَّازِمِيَّةَ وَالْمَلْزُومِيَّة لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الذَّبْحُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَالْأَنْسَبُ تَأْوِيلُ بَعْضِهِمْ بِمَا ذُكِرَ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ مِمَّا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا لِيُطَابِقَ قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَرُجِّحَ الْمَجَازُ هُنَا لِمَدْرَكٍ خَاصٍّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مُرَجَّحَةً فِي الْأُصُولِ أَنْ تَكُونَ مُرَجَّحَةً فِي الْفُرُوعِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا) أَيْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْبَيْعِ اسْتِغْرَاقِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: يَحِلُّ)

لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِجْمَاعِهِ لَهَا وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَوْلَوِيَّةِ التَّخْصِيصِ مِنْ الْمَجَازِ الْأَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمُسَاوِي لِلْإِضْمَارِ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَأَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَمَنْ ذَكَرَ الْمَجَازَ قَبْلَ النَّقْلِ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْهُ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَوَجْهُ الْأَخِيرِ سَلَامَةُ الْمَجَازِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّقْلِ. وَقَدْ تَمَّ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْعَشَرَةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي تَعَارُضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمَانِعِ وَالْمُرَادُ بِالْحِلِّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَبِالصِّحَّةِ عَدَمُ الْفَسَادِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ) أَيْ الْمُقْتَضِي لِإِخْرَاجِهِ أَيْ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِجْمَاعِهِ) فِيهِ أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِجْمَاعِ هُوَ الْفَسَادُ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُ عَدَمُ فَسَادِهِ كَذَا لِلنَّاصِرِ وَالشِّهَابِ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْقَائِلَ مُخْتَلِفٌ وَلَوْ حُكْمًا فَإِنَّ قَوْلَيْ التَّنَاقُضِ بِاعْتِبَارِ رَأْيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ شَرْطَ الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْخَصْمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاسْتِدْلَال بِمَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ بِعِلَّةِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ قَالَ النَّاصِرُ وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِهِ أَخْرَجَ مِنْهَا الْفَاسِدَ أَيْ الْمَحْكُومَ بِفَسَادِهِ فَمَا شَكَّ فِي فَسَادِهِ بَاقٍ عَلَى عَدَمِ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ لَأَجَادَ وَيَتَحَصَّلُ هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَسَادِ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ وَالشَّارِحِ فَإِنَّ مُسَاوَاةَ الْمَجَازِ لِلْإِضْمَارِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّارِحِ فَبَعْدَ أَنْ تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى السِّتَّةِ أَخَذَ فِي بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَوْلَوِيَّةِ التَّخْصِيصِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي تَمْشِيَتِهِ عَلَى قَانُونِ الْعَرَبِيَّةِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِتْيَانِ بِمِنْ الْجَارَّةِ لِلْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْمَجَازِ وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ وَيُؤْخَذُ كَوْنُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى إلَخْ. (قَوْلُهُ: الْمُسَاوِي) أَيْ الْمَجَازُ فَهُوَ صِفَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْمُسَاوِي بِالْوَاوِ وَهِيَ أَوْلَى لِإِيهَامِ الْأُولَى رُجُوعَ الْمُسَاوِي لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ مَعَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَجَازِ وَالثَّانِيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: أَوْلَى) لِأَنَّ الْأَوْلَى مِنْ الْأَوْلَى مِنْ الْمُسَاوِي أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى لِمُسَاوَاةِ الْإِضْمَارِ لِلْمَجَازِ) الْأَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ذِكْرِ الْمَجَازِ) أَيْ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذِكْرِ الْمَجَازِ إلَخْ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفُ الْمَجَازَ قَبْلَ النَّقْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَوْلَوِيَّةِ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا ذَلِكَ بِأَنْ يُصَرِّحَ بِأَوْلَوِيَّةِ الْإِضْمَارِ الْمُسَاوِي لِلْمَجَازِ عَلَى النَّقْلِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْأَخِيرِ) أَيْ أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَمَّ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ) وَهِيَ تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالْإِضْمَارِ تَعَارُضُ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ وَقَوْلُهُ الْعَشَرَةُ فَاعِلُ تَمَّ وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَعْنِي الْمَجَازَ وَالنَّقْلَ وَالِاشْتِرَاكَ وَالْإِضْمَارَ وَالتَّخْصِيصَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُؤْخَذُ مَعَ مَا بَعْدَهُ فَتَبْلُغُ عَشْرَةً. وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: تَجَوُّزُ ثُمَّ إضْمَارٌ وَبَعْدَهُمَا ... نَقْلٌ تَلَاهُ اشْتَرَاك فَهُوَ يَخْلُفُهُ وَأَرْجَحُ الْكُلِّ تَخْصِيصٌ وَآخِرُهَا ... نَسْخٌ فَمَا بَعْدَهُ قَسَمٌ يَخْلُفُهُ قَالَ النَّاصِرُ إنْ قُلْت هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةٍ اثْنَانِ فِي قَوْلِهِ وَالْمَجَازُ وَالنَّقْلُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَاثْنَانِ فِي قَوْلِهِ قِيلَ وَمِنْ الْإِضْمَارِ عَلَى مَا بَيَّنَ أَنَّهُ مُرَادُهُ وَاثْنَانِ فِي قَوْلِهِ وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَالْمَجَازُ وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ يَشْتَمِلُ عَلَى اثْنَيْنِ أَيْضًا فَمَا بَالُ الشَّارِحِ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِمَا

مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مَا وَطْؤُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ مَزْنِيَّةُ أَبِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْ مَا عَقَدُوا عَلَيْهِ فَلَا تَحْرُمُ وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ الِاشْتِرَاكُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ نَحْوُ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] وَيَلْزَمُ الثَّانِي التَّخْصِيصُ حَيْثُ قَالَ تَحِلُّ لِلرَّجُلِ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهُ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْعَقْدِ لِلْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ. وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الِانْكِفَافُ عَنْ الْقَتْلِ فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا أَوْ فِي الْقِصَاصِ نَفْسِهِ حَيَاةٌ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ الْمُقْتَصِّينَ بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ الَّذِي صَارَ عَدُوًّا لَهُمْ فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُخْتَصًّا بِهِمْ وَمِثَالُ الثَّالِثِ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا وَقِيلَ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَهْلِ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوُ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يونس: 98] وَمِثَالُ الرَّابِعِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] أَيْ الْعِبَادَةَ الْمَخْصُوصَةَ فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْت لِأَنَّ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي التَّعَارُضِ هِيَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ. وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خِلَافِهَا مِنْ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَصْلٍ وَغَيْرِ أَصْلٍ (قَوْلُهُ: مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ لَا الظَّنِّ وَلَهُمْ خَمْسَةٌ أُخْرَى تُخِلُّ بِالْفَهْمِ وَهِيَ النَّسْخُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَتَغَيُّرُ الْإِعْرَابِ وَالتَّصْرِيفِ وَالْمُعَارِضُ الْعَقْلِيُّ وَاقْتَصَرَ كَالْمُصَنِّفِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَلِقُوَّةِ الظَّنِّ مَعَ انْتِفَائِهَا (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَأْخُوذَةِ وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ) كَمَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: لِمَا ثَبَتَ) أَيْ فِي اللُّغَةِ. (قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ) وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازُ الْمَشْهُورُ خِلَافُ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ حَتَّى تَنْكِحَ) هِيَ وَمَا بَعْدُ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِيهَا الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَارِجٍ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الثَّانِي) أَيْ الشَّافِعِيُّ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْعَقْدِ) هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ خِلَافَ ذَلِكَ وَالتَّحْقِيقُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ مَوْضُوعَةٌ لِمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ) فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّخْصِيصِ. (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الثَّانِي) أَيْ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الْإِضْمَارِ. (قَوْلُهُ: أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ) أَيْ فَيَكُونُ مِنْ الْإِضْمَارِ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا) أَيْ فِي لَكُمْ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْقِصَاصِ) أَيْ فَيَكُونُ تَخْصِيصًا. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُخْتَصًّا بِهِمْ) أَيْ فَيَلْزَمُ التَّخْصِيصُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّخْصِيصِ فِي الْخِطَابِ التَّخْصِيصُ فِي الْحُكْمِ الْعَامِّ فَإِنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّمْثِيلَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الثَّالِثِ) أَيْ أَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: كَالْأَبْنِيَةِ) أَيْ كَمَا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْأَبْنِيَةِ فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ. (قَوْلُهُ: لِهَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ هُوَ هَذِهِ الْآيَةُ وَغَيْرُهَا وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ بَلْ تَحْتَمِلُ الْإِضْمَارَ وَقَوْلُهُ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يونس: 98] حَيْثُ أُسْنِدَ الْإِيمَانُ إلَى ضَمِيرِ الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الرَّابِعِ) أَيْ أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ) يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْكَانِ مَجَازٌ

فِيهَا عَنْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ نُقِلَتْ إلَيْهَا شَرْعًا. (وَقَدْ يَكُونُ) الْمَجَازُ مِنْ حَيْثُ الْعَلَاقَةُ (بِالشَّكْلِ) كَالْفَرَسِ لِصُورَتِهِ الْمَنْقُوشَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ كَمَا مَرَّ هَلْ نُقِلَتْ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ يُوضَعُ ثَانٍ مُسْتَقِلٌّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ الْتَفَتَ لِمُجَرَّدِ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا رَاجِحًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ) قَدْ تَحْقِيقِيَّةٌ لَا تَقْلِيلِيَّةٌ لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ كَثِيرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْعَلَاقَةُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ بِاعْتِبَارِهَا وَهِيَ شَرْطٌ لِلْمَجَازِ وَالْعُمْدَةُ فِي ضَبْطِهَا الِاسْتِقْرَاءُ وَالْمَشْهُورُ بُلُوغُهَا إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ نَوْعًا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا. وَقِيلَ تَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِرُجُوعِ الْأَخِيرِ مِنْهَا إلَى الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ تَرْجِعُ إلَى عَلَاقَتَيْنِ عَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَعَلَاقَةِ اللُّزُومِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِمَا الدَّلَالَةُ التَّضَمُّنِيَّةُ وَالدَّلَالَةُ الِالْتِزَامِيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّزُومَ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ وَالْعَادِيِّ بَلْ هُوَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُلَابَسَةِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ الْقَوْمُ أَنَّ الْمَجَازَ لَهُ وَضْعٌ نَوْعِيٌّ لِمَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ مُطَابِقِيَّةً وَضْعِيَّةً لَا تَضَمُّنِيَّةً وَلَا الْتِزَامِيَّةً قُلْت مَجَازِيَّةُ كُلِّ مَجَازٍ حَالَةٌ تَسَبُّبِيَّةٌ إضَافِيَّةٌ إنَّمَا تَتَحَصَّلُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَإِلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْوَضْعُ الثَّانِي فَلَيْسَ اعْتِبَارُهُ إلَّا لَأَنْ يُقَرِّرَ هَذِهِ الْحَالَةَ الْمَجَازِيَّةَ لَا لَأَنْ يَجْعَلَهُ حَقِيقَةً فَمَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ عَلَاقَةٌ تُصَحِّحُ الدَّلَالَةَ التَّضَمُّنِيَّةَ أَوْ الِالْتِزَامِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ تَعَيُّنُهُ لِلْمَجَازِيَّةِ فَمَبْنَى الْمَجَازِيَّةِ عَلَى الْوَضْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِالشَّكْلِ) أَيْ بِالْمُشَابَهَةِ فِيهِ لَا أَنَّهَا نَفْسُ الشَّكْلِ فَهُوَ مَجَازُ

(أَوْ صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ) كَالْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ دُونَ الرَّجُلِ الْأَبْخَرِ لِظُهُورِ الشَّجَاعَةِ دُونَ الْبَخَرِ فِي الْأَسَدِ الْمُفْتَرِسِ (أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (قَطْعًا) نَحْوُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] (أَوْ ظَنًّا) كَالْخَمْرِ لِلْعَصِيرِ (لَا احْتِمَالًا) كَالْحُرِّ لِلْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ كَالْعَبْدِ لِمَنْ عَتَقَ فَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِقَاقِ (وَبِالضِّدِّ) كَالْمَفَازَةِ لِلْبَرِيَّةِ الْمُهْلِكَةِ (وَالْمُجَاوَرَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِعَارَةٍ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يُخَصُّ هَذَا النَّوْعُ بِاسْمِ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ وَبِمَجَازِ الْمُشَابَهَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. (قَوْلُهُ: أَوْ صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ) فِيهِ تَسَمُّحٌ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ هِيَ الْمُشَابَهَةُ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ بِظُهُورِهَا ظُهُورُ آثَارِهَا لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ مِنْ قَبِيلِ الْمَلَكَاتِ ثُمَّ إنَّ قَضِيَّةَ عَطْفِهَا عَلَى الشَّكْلِ أَنَّهَا نَوْعٌ آخَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْمُشَابَهَةُ أَيْ الِاشْتِرَاكُ فِي صِفَةٍ وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ بِاعْتِبَارِ الشَّجَاعَةِ أَوْ مَحْسُوسَةً وَهِيَ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَنْقُوشِ عَلَى الْجِدَارِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالشَّكْلِ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الشَّكْلِ مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ فِي الصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ (قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِالشَّجَاعَةِ مُطْلَقُ الْجَرَاءَةِ لَا الْمَلَكَةُ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَى الْإِقْدَامِ فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْعَاقِلِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ وَهُوَ الْأَيْلُولَةُ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ وَلَيْسَتْ وَاقِعَةً عَلَى مَعْنًى فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي سَيَقَعُ لَيْسَ هُوَ الْعَلَاقَةُ بَلْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ. (قَوْلُهُ: أَوْ ظَنًّا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الشَّأْنِ وَالْعَادَةِ لَا بِاعْتِبَارِ ظَنِّ الْمُسْتَعْمِلِ فَلَا يُقَالُ قَدْ يُحَرِّمُ مَالِكُ الْعَصِيرِ بِشُرْبِهِ عَصِيرًا فَأَيْنَ الظَّنُّ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا احْتِمَالًا فَلَا يُقَالُ إنَّهُ قَدْ يُظَنُّ عِتْقُ الْعَبْدِ لِنَحْوِ وَعْدٍ مِنْ السَّيِّدِ. (قَوْلُهُ: فَتَقَدَّمَ) أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ تَقَدُّمَ أَنَّ الْمُشْتَقَّ يَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى الذَّاتِ حَالَةَ الِاتِّصَافِ حَقِيقَةٌ وَبَعْدَهَا مَجَازٌ. (قَوْلُهُ: وَبِالضِّدِّ) أَيْ بِضِدِّيَّةِ الضِّدِّ لِأَنَّ الضِّدِّيَّةَ هِيَ الْعَلَاقَةُ لَا الضِّدُّ لِأَنَّهُ ذَاتٌ لَا عَلَاقَةَ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْبَاءَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا لَا احْتِمَالًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ ضِدٍّ يُسْتَعْمَلُ فِي ضِدِّهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الِاكْتِفَاءِ بِسَمَاعِ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ. وَفِي التَّلْوِيحِ وَالرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ أَنَّ أَهْلَ التَّحْقِيقِ عَلَى رُجُوعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْعَلَاقَةِ إلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الصِّفَةِ أَعْنِي إلَى عَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فَتَكُونُ مُخْتَصَّةً بِالِاسْتِعَارَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ يَسْتَعْمِلُ اسْمَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ فِي الْآخَرِ يُنَزِّلُ التَّضَادَّ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ تَهَكُّمًا وَاسْتِهْزَاءً أَوْ مُطَايَبَةً وَاسْتِمْلَاحًا أَوْ مُشَاكَلَةً فَيُشَبِّهُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ التَّضَادِّ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ وَيَسْتَعِيرُ لَفْظَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَيَقُولُ رَأَيْت أَسَدًا وَيُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا وَرَأَيْت كَافُورًا وَيُرِيدُ زِنْجِيًّا وَكَمَا فِي إطْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى جَزَاءِ السَّيِّئَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالْمُجَاوَرَةِ) أَيْ الْمُجَاوِرِيَّةِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُفَاعَلَةٌ فَيَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَلَاقَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ قَالَ سم لَمْ أَرَ لَهَا ضَابِطًا وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهَا صِحَّةُ التَّجَوُّزِ بِإِطْلَاقِ نَحْوِ الْأَرْضِ عَلَى النَّابِتِ فِيهَا مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ

كَالرَّاوِيَةِ لِظَرْفِ الْمَاءِ الْمَعْرُوفِ تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ مَا يَحْمِلُهُ مِنْ جَمَلٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ (وَالزِّيَادَةِ) نَحْوُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فَالْكَافُ زَائِدَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ بِمَعْنَى مِثْلِ فَيَكُونُ لَهُ تَعَالَى مِثْلٌ وَهُوَ مُحَالٌ. وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ (وَالنُّقْصَانِ) نَحْوُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا فَقَدْ تَجَوَّزَ أَيْ تَوَسَّعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَفْظُ الشَّفَةِ عَلَى الْأَسْنَانِ وَلَفْظُ السَّقْفِ عَلَى الْجِدَارِ بَلْ وَلَفْظُ الْمَسْجِدِ عَلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ نَحْوِ الدُّورِ وَبِالْعَكْسِ وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ غَرَابَةٍ وَبُعْدٍ اهـ. وَفِي التَّلْوِيحِ الْمُرَادُ بِالْمُجَاوَرَةِ مَا يَعُمُّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ الْحُلُولِ وَكَوْنِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَكَوْنُهُمَا مُتَلَازِمَيْنِ فِي الْوُجُودِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْخَيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ عَلَاقَةَ الْمُجَاوَرَةِ تَعُمُّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهَا قَسِيمًا لَهَا اهـ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَلَاقَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى مَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اهـ. وَمِنْ قَبِيلِ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْخَيَالِ عَلَاقَةُ الْمُشَاكَلَةِ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْمُولَةِ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصُّحْبَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْعَلَاقَةَ فِي الْمُشَاكَلَةِ هِيَ الصُّحْبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ أَوْ التَّقْدِيرِيَّةُ مُصَاحَبَتُهُ مَدْلُولَيْ اللَّفْظَيْنِ وَمَرْجِعُهُمَا إلَى مُجَاوَرَتِهِمَا فِي الْخَيَالِ نَحْوُ قَوْلِهِ قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ ... قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا وَلِدُخُولِ الْمُشَاكَلَةِ فِي النَّوْعِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَذْكُرُوهَا مُسْتَقِلَّةً (قَوْلُهُ: كَالرِّوَايَةِ) عَدَلَ عَنْ الْمِثَالِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْغَائِطِ عَلَى الْفَضْلَةِ لِمَا قَالَ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ أَنَّ الْعَلَاقَةَ فِيهِ تُؤَوَّلُ إلَى الْحَالِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُشَارَكَةُ الْأَمْرَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذِهِ الْمُشَارَكَةُ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَلْ الْعَلَاقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهَا هِيَ الْمُلَابَسَةُ بَيْنَ الْحَالِ وَالْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهِيَ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً لَمْ يَسْتَقِمْ الْمَعْنَى لِأَنَّهَا بِمَعْنًى مِثْلُ إلَخْ فَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَمَا ذُكِرَ بَعْدُ إلَّا فَهُوَ دَلِيلُهُ. قَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي الْقَرْيَةِ قُدْرَةَ الْكَلَامِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِذَلِكَ النَّبِيِّ وَيَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَا يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ اهـ. وَأَقُولُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هُنَا مُسْتَحِيلٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ وُجُوهِ الْعُدُولِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ اسْتِحَالَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَاحْتِمَالُ الْمَجَازِ قَوِيٌّ بَلْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ اللَّيْثِيِّ عَلَى الْمُطَوَّلِ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ السُّؤَالُ لِطَلَبِ الْجَوَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِذَوِي الْعُقُولِ. وَأَمَّا خَلْقُ اللَّهِ فِي الْجَمَادِ الشُّعُورَ وَالتَّكَلُّمَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ خَرْقِ الْعَادَةِ إظْهَارًا لِلْمُعْجِزَةِ أَوْ لِلْكَرَامَةِ وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَأَمَّا السُّؤَالُ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ وَاعِظًا وَمُذَكِّرًا أَوْ لِنَفْسِهِ مُتَّعِظًا وَمُعْتَبِرًا اسْأَلْ الْقَرْيَةَ عَنْ أَهْلِهَا فَلَيْسَ لِطَلَبِ الْجَوَابِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْكَافُ زَائِدَةٌ) لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْمِثْلِ وَقِيلَ الْكَافُ بِمَعْنَى الْمِثْلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الذَّاتُ وَقِيلَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ عَلَى حَدِّ مِثْلُك لَا يَبْخَلُ أَيْ إذَا كَانَ مِثْلُهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَأَوْلَى هُوَ وَقِيلَ إنَّهُ عَلَى حَدِّ لَيْسَ لِأَخِي زَيْدٍ أَخٌ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ الْأَخِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ لَكَانَ أَخًا لِأَخِيهِ فَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مِثْلًا لِذَلِكَ الْمِثْلِ فَإِذَا انْتَفَى مِثْلُ الْمِثْلِ انْتَفَى الْمِثْلُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهِيَ بِمَعْنَى مِثْلُ) أَيْ وَإِلَّا تَكُنْ زَائِدَةً فَهِيَ بِمَعْنَى الْمِثْلِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْمِثْلِ لَهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ تَجَوَّزَ أَيْ تَوَسَّعَ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ

وَإِنْ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى ذَلِكَ حَدُّ الْمَجَازِ السَّابِقُ. وَقِيلَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ نَفْيَ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي نَفْيِ الْمِثْلِ وَسُؤَالَ الْقَرْيَةِ فِي سُؤَالِ أَهْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَّهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَجَازِ الْمُعَرَّفِ بِالتَّعْرِيفِ السَّابِقِ تَسَمُّحٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّ لَفْظَ الْمَجَازِ مَقُولٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْمَجَازِ الْمُعَرَّفِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ التَّشَابُهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمِفْتَاحِ، وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ لِلْمَجَازِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى لَا لِلْمَجَازِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْإِعْرَابِ أَوْ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ حُكْمِ إعْرَابِهِ لَا يُقَالُ اللَّفْظُ الزَّائِدُ مُسْتَعْمَلٌ لَا لِلْمَعْنَى فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنًى لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَا لِمَعْنًى بَلْ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِمَعْنًى وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ اهـ. (قَوْلُهُ: بِزِيَادَةِ كَلِمَةٍ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَوْ السَّبَبِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَجَعْلُهُ مِنْ الْعَلَاقَاتِ تَسَمُّحٌ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ رَابِطَةً بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ حَقِيقِيٍّ وَمَجَازِيٍّ وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ هَذَا وَلَوْ جَعَلَ الْقَرِينَةَ مَجَازًا عَنْ الْأَهْلِ بِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ لَمْ يَحْتَجْ لِتَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمُضَافِ كَمَا لَوْ جُعِلَتْ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجُدْرَانِ وَالْأَهْلِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ مُنَجِّمٌ بَاشَا فِي حَوَاشِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّهُمْ بِأَيِّ مَانِعٍ تَرَكُوا إرْجَاعَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ إلَى عَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ الْقَرْيَةَ مَثَلًا لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلْجُزْءِ وَهُوَ مَعْنَى الْقَرْيَةِ أَيْ الْجُدْرَانِ وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْكُلِّ أَيْ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْ مَعْنَى الْأَهْلِ وَالْقَرْيَةِ بِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ مَعَ قَرِينَةِ السُّؤَالِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَنَقُولُ إنَّ كَمَثَلِ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ أَيْ لِمَجْمُوعِ مَعْنَى الْكَافِ وَالْمِثْلِ وَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي جُزْئِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْمِثْلِ فَقَطْ بِالْعَلَاقَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ قَرِينَةِ فَقْدِ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ) هَذَا مَا قَرَّرَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ قَالَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ يَعْنِي الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَرْيَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي أَهْلِهَا مَجَازًا وَلَمْ يُرِيدُوا بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَجَازٌ بِالنُّقْصَانِ أَنَّ الْأَهْلَ مُضْمَرٌ هُنَاكَ مُقَدَّرٌ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْإِضْمَارَ يُقَابِلُ الْمَجَازَ عِنْدَهُمْ بَلْ أَرَادُوا أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فَلَمَّا حُذِفَتْ الْأَصْلُ اسْتَعْمَلَ الْقَرْيَةَ مَجَازًا فَهِيَ مَجَازٌ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ وَسَبَبُهُ النُّقْصَانُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ كَمِثْلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمِثْلِ مَجَازًا وَسَبَبُ هَذَا الْمَجَازِ هُوَ الزِّيَادَةُ وَلَوْ قِيلَ لَيْسَ مِثْلُهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَجَازٌ اهـ. وَكَلَامُ مُنَجِّمٍ بَاشَا مَأْخُوذٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ اسْتَعْمَلَ إلَخْ) مُفَادُهُ أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْكَلَامِ بِتَمَامِهِ لَا فِي لَفْظِ كَمِثْلِهِ وَالْأُولَى حَذْفُ نَفْيٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَجَازَ

وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ (وَالسَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ) نَحْوُ لِلْأَمِيرِ يَدٌ أَيْ قُدْرَةٌ فَهِيَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْيَدِ بِحُصُولِهَا بِهَا (وَالْكُلِّ لِلْبَعْضِ) نَحْوُ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ أَيْ أَنَامِلَهُمْ (وَالْمُتَعَلِّقِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (لِلْمُتَعَلَّقِ) بِفَتْحِهَا نَحْوُ {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11] أَيْ مَخْلُوقُهُ وَرَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ (وَبِالْعُكُوسِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ كَالْمَوْتِ لِلْمَرَضِ الشَّدِيدِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ لَهُ عَادَةً وَالْبَعْضِ لِكُلٍّ نَحْوُ فُلَانٌ يَمْلِكُ أَلْفَ رَأْسٍ مِنْ الْغَنَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْتِعْمَالِ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِ وَقَوْلُهُ وَسُؤَالُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْأَوْلَى حَذْفُ سُؤَالٍ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ) لِأَنَّ الْإِسْنَادَ فِيهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَى مَا هُوَ لَهُ وَهَذَا جَوَابُ اعْتِرَاضٍ عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ سم اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ) أَيْ السَّبَبِيَّةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْكُلِّ لِلْبَعْضِ أَيْ الْكُلِّيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَقِسْ الْبَاقِي فَفِي كَلَامِهِ تَسَمُّحٌ اتَّكَلَ فِيهِ عَلَى ظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَالْمُرَادُ بِالسَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ هُنَا مَا هُوَ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لَا مَا هُوَ سَبَبٌ مَحْضٌ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ الْمُفْضِي إلَى الشَّيْءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ إذْ السَّبَبُ بِهَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ مُسَبَّبِهِ عَلَيْهِ مَجَازًا بِخِلَافِ السَّبَبِ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْآخَرُ مَجَازًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجِ الْمَعْلُولِ إلَيْهَا وَابْتِنَائِهِ عَلَيْهَا وَالْمَعْلُولُ الْمَقْصُودُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِيَّةِ وَالْغَائِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُولَةً لِلْفَاعِلِ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ فِي الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا فِي الذِّهْنِ عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهَا وَلِهَذَا قَالُوا الْإِحْكَامُ عِلَلٌ مَآلِيَّةٌ وَالْأَسْبَابُ عِلَلٌ آلِيَّةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النَّاسِ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْإِحْكَامِ دُونَ الْأَسْبَابِ قَالَهُ مُنَجِّمٌ بَاشَا. (قَوْلُهُ: أَيْ قُدْرَةٌ) أَرَادَ بِهِ الِاقْتِدَارَ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الْقُدْرَةَ بِمَعْنَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تَتَسَبَّبُ عَنْ الْيَدِ وَالنَّاصِرُ حَمَلَ الْقُدْرَةَ عَلَى الصِّفَةِ فَجَعَلَ التَّعْبِيرَ عَنْ آثَارِ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ مَجَازًا عَلَى مَجَازٍ حَيْثُ تَجَوَّزَ بِالْيَدِ عَنْ الْقُدْرَةِ وَبِالْقُدْرَةِ عَنْ آثَارِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ أَنَامِلَهُمْ) مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ أَيْ يَجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمْ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ فَلَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمْ إلَّا أُصْبُعٌ وَأُنْمُلَةٌ وَالْأُنْمُلَةُ بَعْضُ الْأَصَابِعِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا فَلَا يُقَالُ إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَكُلُّ أُصْبُعٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَنَامِلَ مَا عَدَا الْإِبْهَامَ فَإِنَّ لَهُ أُنْمُلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي التَّشْرِيحِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَضْعَهَا كُلِّهَا وَهَاهُنَا فَائِدَةٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهِيَ أَنَّ الْكَلَامَ الْوَارِدَ لِأَمْرٍ خَطَابِيٍّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُطَابِقُ الْوَاقِعَ لَا يُقْصَدُ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ بَلْ هُوَ مَسْلُوبُ الدَّلَالَةِ عَنْهُ إلَى مَعْنًى يُنَاسِبُ الْمَقَامَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْكَشَّافِ عَلَى الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ النَّاسِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47] أَرَادَ أَنَّهُ مَسْلُوبُ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ فِي الْكَلَامِ لَا الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُلَاحَظُ لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بَلْ لِلِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَبِذَلِكَ تَنْدَفِعُ الشُّكُوكُ وَالْأَوْهَامُ عَنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَمْرٍ خَطَابِيٍّ يُنَاسِبُ الْمَقَامَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19] فَإِنَّ مَا يُجْعَلُ فِي الْأُذُنِ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَذِكْرُ الْأَصَابِعِ مُبَالَغَةٌ فَلَا تَجُوزُ فِي لَفْظِ الْأَصَابِعِ وَإِلَّا لَفَاتَتْ الْمُبَالَغَةُ كَمَا تَفُوتُ إذَا كَانَ لَفْظُ الْعَدْلِ مَجَازًا عَنْ الْعَادِلِ فِي قَوْلِك رَجُلٌ عَادِلٌ

وَالْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا نَحْوُ {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] أَيْ الْفِتْنَةُ وَقُمْ قَائِمًا أَيْ قِيَامًا (وَمَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ) كَالْمُسْكِرِ لِلْخَمْرِ فِي الدَّنِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ» فِي قَوْلِهِ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ» الْحَدِيثَ فَإِنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47] اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَعَلَّقِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مُطْلَقَ التَّعَلُّقِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْعَلَاقَاتِ فَلَا يُعَدُّ عَلَاقَةً مُسْتَقِلَّةً فَإِنْ أُرِيدَ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ رَجَعَ لِغَيْرِهِ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ التَّعَلُّقُ الْمَعْهُودُ الْخَاصُّ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُشْتَقَّاتِ فَيَرْجِعُ إلَى عَلَاقَةِ اللُّزُومِ وَفَسَّرُوهُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَجِبُ عِنْدَ وُجُودِهِ وُجُودُ شَيْءٍ آخَرَ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ اللُّزُومِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْهِ الْمَجَازُ وَالْكِنَايَةُ مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَلِكَ اللُّزُومَ هُوَ لُزُومُ أَهْلِ الْمَعْقُولِ بِمَعْنَى امْتِنَاعِ الِانْفِكَاكِ فِي أَحَدِ الْوُجُودَيْنِ أَوْ فِي كِلَيْهِمَا كَمَا فِي لَوَازِمِ الْمَاهِيَّةِ بِخِلَافِ اللُّزُومِ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْمَجَازُ وَالْكِنَايَةُ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ صِحَّةِ الِانْتِقَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ لُزُومُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ فَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الِاشْتِبَاهُ بَيْنَ اللُّزُومَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْبَعْضِ لِلْكُلِّ) لَيْسَ كُلُّ جُزْءٍ يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ اسْمُهُ عَلَى الْكُلِّ وَأَنَّ كُلَّ جُزْئِيَّةٍ تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ عَلَاقَةً مُعْتَبَرَةً بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجُزْءُ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْكُلِّ غَالِبًا وَعُرْفًا مِثْلُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ الْإِنْسَانُ عَلَى فَاقِدِ نَحْوِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ. وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّقِيبِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ رَقِيبًا لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ كَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ عَلَى التُّرْجُمَانِ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْغَالِبِ وَالْعُرْفِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْجُزْءِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْكُلِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةً لِأَنَّ أَيَّ جُزْءٍ كَانَ مَتَى زَالَ لَمْ يَبْقَ الْكُلُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلٌّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ زَوَالِ ذَلِكَ الْجُزْءِ الزَّائِلِ بَلْ الْبَاقِي بَعْضُهُ الَّذِي هُوَ مَا عَدَا الْجُزْءَ الزَّائِلَ لَكِنَّ الْعُرْفَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ بِمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ آنِفًا وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ غَالِبًا فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْعُرْفُ. قَوْلُهُ {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] أَيْ الْفِتْنَةُ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَفْتُونِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَوْصَافِهِ وَسَبَبًا عَادِيًّا فِي اتِّصَافِهِ بِكَوْنِهِ مَفْتُونًا وَالسِّرُّ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ كَأَنَّهُ قَامَ بِالْمَفْتُونِ مَفْتُونٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَقُمْ قَائِمًا وَقِيلَ إنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ وَأَصْلُ الْكَلَامِ أَيُّكُمْ الْمَفْتُونُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ قُلْنَا إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ قُمْ قَائِمًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا حَالًا مُؤَكَّدَةً أَيْ حَالَ كَوْنِكَ قَائِمًا فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَمَا بِالْفِعْلِ) أَيْ وَقَدْ يَكُونُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ أَيْ الشَّيْءِ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةٍ بِالْفِعْلِ عَنْ الشَّيْءِ الْمُتَّصِفِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِالْقُوَّةِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَبِالْعُكُوسِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِيهِ وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِالِاسْتِعْدَادِ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِفَ بِوَصْفٍ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهِ بَعْدُ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الِاسْتِعْدَادِ وَالْإِمْكَانِ اسْمُ الْمُتَّصِفِ بِهِ بِالْفِعْلِ اهـ. قَالَ مُنَجِّمٌ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهَا وَأَوْرَدُوا مِثَالًا لَهُ الْمُسْكِرُ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْخَمْرِ الَّتِي أُرِيقَتْ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُسْكِرِ عَلَيْهَا مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ عَلَاقَةِ الْقُوَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْنَ عَلَاقَةِ الْأَوَّلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ لِلْخَمْرِ الْمُرَاقَةِ الَّتِي هِيَ الْمُسَمَّى الْمَجَازِيُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْإِسْكَارِ فِي الزَّمَانِ اللَّاحِقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي وَجْهِ الضَّبْطِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ اللَّفْظُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّصِفًا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي حَالِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَكَانَ حَقِيقَةً وَهَذَا خِلَافُ الْمَفْرُوضِ ثُمَّ إنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ أَيْ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْفِعْلِ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَيَكُونُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ فِي زَمَانٍ لَاحِقٍ بِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ يَتَّصِفُ بِهِ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ عَلَاقَةِ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ كَمَا فِي إطْلَاقِ الْمُسْكِرِ عَلَى الْخَمْرِ الْمُرَاقَةِ فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَ الْعَلَاقَتَيْنِ أَعْنِي عَلَاقَةَ الْأَوَّلِ وَعَلَاقَةَ الْقُوَّةِ تَغَايُرٌ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَدْ اُعْتُبِرَ الِاتِّصَافُ بِالْفِعْلِ لَكِنْ لَا فِي زَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ بَلْ فِي زَمَانٍ لَاحِقٍ بِهِ وَفِي الثَّانِي اُعْتُبِرَ الِاتِّصَافُ بِالْقُوَّةِ دُونَ الْفِعْلِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ

(وَقَدْ يَكُونُ) الْمَجَازُ (فِي الْإِسْنَادِ) بِأَنْ يُسْنَدَ الشَّيْءُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2] أُسْنِدَتْ الزِّيَادَةُ وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ سَبَبًا لَهَا عَادَةً (خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي نَفْيِهِمْ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَجَازَ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّمَانُ أَصْلًا اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ عَلَاقَةِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعَلَاقَةِ أَعْنِي عَلَاقَةَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ هُوَ كَوْنُ الْمُسَمَّى الْمَجَازِيِّ مُتَّصِفًا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْفِعْلِ فِي زَمَانٍ لَاحِقٍ بِزَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ لَا مُجَرَّدُ اسْتِعْدَادِهِ لِلِاتِّصَافِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي عَلَاقَةِ الْقُوَّةِ نَعَمْ قَدْ يَكْفِي فِيهِ تَقْدِيرُ الِاتِّصَافِ لَكِنْ هَذَا أَخَصُّ مِنْ الْقُوَّةِ هَذَا مَا حَرَّرَهُ مُحَقِّقُو الْقُوَّةِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الشَّارِحَ لَوْ عَبَّرَ بِالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَسَلِمَ مِمَّا أُورِدَ عَلَى مِثَالِهِ أَنَّ هَذِهِ الْعَلَاقَةَ يُغْنِي عَنْهَا قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَاعْتِبَارُ مَا يَكُونُ إلَخْ وَأَنَّ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وسم بَعِيدٌ عَنْ مَرَامِ الْقَوْمِ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ فِيمَا نَقَلْنَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْإِسْنَادِ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِيَكُونُ عَلَى أَنَّهَا تَامَّةٌ أَوْ بِمَحْذُوفٍ خَبَرِهَا عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَيْ كَائِنًا فِي الْإِسْنَادِ أَيْ فِي عِدَادِهِ وَمِنْ أَفْرَادِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَجَازِ بِمَعْنَى التَّجَوُّزِ وَإِنْ كَانَ رِعَايَةُ الْمَعْنَى تَقْتَضِيهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَيَانًا لِلضَّمِيرِ وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُرَادُهُ بِالْمَجَازِ هُنَا مُطْلَقُهُ لَا مَا عَرَّفَهُ بِمَا مَرَّ اهـ. وَالْمُطْلَقُ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَلَا شَكَّ فِي تَنَاوُلِهِ الْقِسْمَيْنِ الْمَجَازَ اللُّغَوِيَّ وَالْعَقْلِيَّ، وَكَوْنُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ لَفْظًا وَالْآخَرِ إسْنَادًا لَا يَقْدَحُ فِي تَنَاوُلِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَهُمَا ضَرُورَةَ اخْتِلَافِ الْأَفْرَادِ بِقُيُودٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَكُونُ لَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَى الْمَجَازِ السَّابِقِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الظَّرْفِيَّةِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى. وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا مَعْنَى لَهُ فَأَرْجَعَ الضَّمِيرَ لِلْمَجَازِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِتَصْحِيحِهَا فَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمُطْلَقِ فِي أَحَدِ فَرْعَيْهِ بِمَعْنَى تَحَقُّقِهِ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامٌ وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَمَزَ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ الْمَجَازُ وَلَمْ يَقُلْ أَيْ الْمَجَازُ لِأَنَّ أَيْ تُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ مَعَ الْإِيمَاءِ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمَجَازَ هُنَا غَيْرُ الْمُعَرَّفِ السَّابِقِ فَإِنَّ الِاسْتِخْدَامَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ لَك مِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ يَظْهَرُ لَك سُقُوطُ قَوْلِ سم إنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَجَازِ الْمَارِّ تَعْرِيفُهُ وَالْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ لِاخْتِلَافِ حَقِيقَتِهِمَا وَجَوَابُهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الصَّادِقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ مَعَ كَوْنِهِ بَعِيدًا عَنْ مَذَاقِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِهِمْ مِنْ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا مُنْطَبِقًا عَلَى أَفْرَادِهِ مَعًا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَلَا كَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الشَّيْءِ وَمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ قَيْدًا بِتَأَوُّلِ الَّذِي زَادَهُ الْبَيَانِيُّونَ فِي التَّعْرِيفِ فَدَخَلَ فِيهِ صُورَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ الْمَجَازِ الْأَوْلَى قَوْلُ الدَّهْرِيِّ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ الثَّانِيَةُ الْكَذِبُ كَمَا إذَا قَالَ الْقَائِلُ جَاءَ زَيْدٌ عَالِمًا لِمَا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأُولَى خَارِجَةٌ بِمُلَاحَظَةِ قَيْدِ الْحَيْثِيَّةِ أَيْ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْ هُوَ لَهُ وَالدَّهْرِيُّ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِسْنَادَ لِمَا هُوَ لَهُ وَالثَّانِيَةُ بِقَوْلِهِ لِمُلَابَسَةٍ إذْ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُلَابَسَةِ وَمُلَاحَظَتِهَا وَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لَمْ يُلَاحِظْ عَلَاقَةً وَإِنَّمَا حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ فِي احْتِيَاجِ التَّعْرِيفِ إلَيْهِ نِزَاعًا كَمَا بَسَطَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي مُطَوَّلِهِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَنْكُورٍ فِي تَعَارِيفِ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ ثُمَّ إنَّ الْمُسْنَدَ وَالْمُسْنَدَ إلَيْهِ قَدْ يَكُونَانِ حَقِيقِيَّيْنِ كَالْآيَةِ الْمُمَثَّلِ بِهَا وَقَدْ يَكُونَانِ مَجَازَيْنِ كَمَا فِي أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك أَوْ أَحَدُهُمَا حَقِيقِيًّا وَالْآخَرُ مَجَازِيًّا كَمَا فِي سَرَّنِي اكْتِحَالِي بِرُؤْيَتِك أَوْ أَحْيَتْنِي رُؤْيَتُك. (قَوْلُهُ: سَبَبًا لَهَا عَادَةً) قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا يَحْمِلُ الْفَاعِلَ عَلَى إحْدَاثِ فِعْلِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً أَوْ غَرَضًا أَوْ عُذْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُنَاسِبُ إذَا

فِي الْمُسْنَدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَمَعْنَى زَادَتْهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ ازْدَادُوا بِهَا وَعَلَى الثَّانِي زَادَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إطْلَاقًا لِلْآيَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِإِسْنَادِ فِعْلِهِ إلَيْهَا (وَ) قَدْ يَكُونُ الْمَجَازُ (فِي الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ وِفَاقًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ والنقشواني) مِثَالُهُ فِي الْأَفْعَالِ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] أَيْ يُنَادِي {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البقرة: 102] أَيْ تَلَتْهُ وَفِي الْحُرُوفِ {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8] أَيْ مَا نَرَى (وَمَنَعَ) الْإِمَامُ الرَّازِيّ (الْحَرْفَ مُطْلَقًا) أَيْ قَالَ لَا يَكُونُ فِيهِ مَجَازُ إفْرَادٍ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا بِضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ ضُمَّ إلَى مَا يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ فَمَجَازُ تَرْكِيبٍ قَالَ النَّقْشَوَانِيُّ مِنْ أَيْنَ أَنَّهُ مَجَازُ تَرْكِيبٍ بَلْ ذَلِكَ الضَّمُّ قَرِينَةُ مَجَازِ الْإِفْرَادِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَيْ عَلَيْهَا (وَ) مَنَعَ أَيْضًا (الْفِعْلَ وَالْمُشْتَقَّ) كَاسْمِ الْفَاعِلِ فَقَالَ لَا يَكُونُ فِيهِمَا مَجَازٌ (إلَّا بِالتَّبَعِ) لِلْمَصْدَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ كَمَا فِي الْآيَةِ فَلَوْ قَالَ مَا يَكُونُ وَاسِطَةً وَلَوْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ عَادَةً بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لَكَانَ أَقْرَبَ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُطَّرِدَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُوَ كَوْنُ الْفَاعِلِ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ وَبِاعْتِبَارِهِ يُرَادُ بِالْحَمْلِ الثَّمَرَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ كَمَا فِي نَحْوِ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (قَوْلُهُ: فِي الْمُسْنَدِ) أَيْ كَابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ) وَمِنْهُمْ السَّكَّاكِيُّ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ إلَى الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ. (قَوْلُهُ: ازْدَادُوا بِهَا) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا مِنْ أَوْجُهِ تَفْسِيرِ الْمُتَعَدِّي بِاللَّازِمِ مَعَ أَنَّ نَصْبَ الْمَفْعُولِ مَانِعٌ مِنْهُ وَقَلْبَ التَّرْكِيبِ يَجْعَلُ الْفَاعِلَ مَفْعُولًا وَبِالْعَكْسِ، وَزِيَادَةُ الْبَاءِ فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْعَضُدِ أَنَّ الْمَعْنَى كَانَتْ سَبَبًا فِي إيمَانِهِمْ فَشَبَّهَ السَّبَبَ بِالزِّيَادَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَأَطَالَ سم فِي رَدِّهِ بِمَا أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ لَائِحٌ. (قَوْلُهُ: إطْلَاقًا لِلْآيَاتِ عَلَيْهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ خُصُوصًا وَالْآيَاتُ مُؤَنَّثَةٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ نَاقِلٌ عَنْ الْغَيْرِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ يَرَى الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّوَقُّفِ وَبِأَنَّهُ إطْلَاقٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَلَا تَوْقِيفَ بَعْدَهُ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ التَّوْقِيفِ يَشْتَرِطُ عَدَمَ الْإِيهَامِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلَا قَاطِعَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ وَمِثْلُهُ لَا يُثْبِتُ جَوَازَ الْإِطْلَاقِ وَكُلُّ هَذَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ إطْلَاقًا إلَخْ مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ كَالسَّكَّاكِيِّ يَجْعَلُهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ وَهِيَ عَلَى مُخْتَارِهِ ذِكْرُ الْمُشَبَّهِ وَإِرَادَةُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ هِيَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ اللَّوَازِمِ الْمُسَاوِيَةِ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالرَّبِيعِ فِي أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ عِنْدَهُ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلْإِنْبَاتِ يَعْنِي الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ بِقَرِينَةِ نِسْبَةِ الْإِنْبَاتِ إلَى الرَّبِيعِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إطْلَاقٌ بَلْ مُجَرَّدُ ادِّعَاءِ اسْتِعْمَالِهِ فَيُقَالُ هَاهُنَا الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ادِّعَاءٌ نَعَمْ مَذْهَبُهُ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَسُّفٍ وَهُوَ شَهِيرٌ فِي كُتُبِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: والنقشواني) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الشِّينِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا تَرَى) فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا عَلَاقَتُهُ اللَّازِمِيَّةُ والملزومية لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَلْزَمُهُ عَدَمُ التَّحَقُّقِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّفْيِ (قَوْلُهُ: الْحَرْفُ) أَيْ الْمَجَازُ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ بِالذَّاتِ لَا بِالتَّبَعِ فِي

فَوَاضِحٌ أَصْلُهُمَا فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَلَا مَجَازَ فِيهِمَا وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالتَّجَوُّزِ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْعَكْسُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ فِي أَصْلِهِمَا وَبِأَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَقَّ يُرَادُ بِهِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ فِي أَصْلِهِ وَكَأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَا قَالَهُ نَظَرَ إلَى الْحَدِيثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ (وَلَا يَكُونُ) الْمَجَازُ (فِي الْأَعْلَامِ) لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُرْتَجَلَةً أَيْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ كَسُعَادَ أَوْ مَنْقُولَةً لِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ كَفَضْلٍ فَوَاضِحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِفْرَادِ. (قَوْلُهُ: إلَى مَا يَنْبَغِي) أَيْ عَامِلٍ يَنْبَغِي إلَخْ (قَوْلُهُ: أَصْلُهُمَا) صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ إلَخْ) لِأَنَّ الزَّمَانَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّجَوُّزُ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ الْإِمَامُ إلَخْ) اعْتِذَارٌ مِنْ الشَّارِحِ عَنْ الْإِمَامِ يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَا تَجَوُّزَ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا التَّجَوُّزُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ وَالْمَصْدَرُ لَيْسَ أَصْلًا لَهُمَا بِاعْتِبَارِهِ بَلْ هُوَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ فَلَا اعْتِرَاضَ بِالتَّجَوُّزِ فِيهِمَا مَعَ عَدَمِ التَّجَوُّزِ فِي أَصْلِهِمَا لِمَا ذُكِرَ قَالَ سم وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي الْمَحْصُولِ ظَهَرَ لَهُ سُلُوكُ الْإِمَامِ بِطَرِيقَةِ الْبَيَانِيِّينَ نَعَمْ يَرِدُ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ اسْمُ الْفَاعِلِ إذَا أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَبِالْعَكْسِ إلَّا أَنْ يُجِيبَ عَنْ الْإِمَامِ بِمَنْعِ التَّجَوُّزِ فِي ذَلِكَ إذْ كُلٌّ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ فِيمَا ذُكِرَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ ظَاهِرِهِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ التَّجَوُّزِ فِيهِ أَوْ بِمَنْعِ عَدَمِ التَّجَوُّزِ فِي الْمَصْدَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْفَاعِلِ إنَّمَا تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ الْمَفْعُولِ بَعْدَ التَّجَوُّزِ بِمَصْدَرِ الْمَعْلُومِ عَنْ مَصْدَرِ الْمَجْهُولِ وَأَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَفْعُولِ إنَّمَا تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ بَعْدَ التَّجَوُّزِ بِمَصْدَرِ الْمَجْهُولِ عَنْ الْمَعْلُومِ اهـ. وَأَقُولُ تَرْكُ الِاعْتِذَارِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ خَيْرٌ مِنْ ذِكْرِهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّجَوُّزَ فِي الْمِثَالَيْنِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْأَصَالَةُ وَالتَّبَعِيَّةُ إنَّمَا يَكُونَانِ فِيهَا فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْأَعْلَامِ) أَيْ أَنَّ الْعَلَمَ لَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ مَجَازًا وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِهِمْ الِاسْتِعَارَةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَعْلَامِ إلَّا إذَا اُشْتُهِرَتْ بِصِفَةٍ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّجَوُّزِ عَنْ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ إلَى غَيْرِهِ فَهُمَا مَقَامَانِ مُتَغَايِرَانِ. وَقَدْ الْتَبَسَا عَلَى الْكُورَانِيِّ فَتَوَهَّمَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامِ الثَّانِي وَقَالَ إنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ إذْ قَالُوا إذَا قُلْت رَأَيْت حَاتِمًا وَأَرَدْت بِهِ شَخْصًا مُعَيَّنًا فَإِنَّمَا أَطْلَقْت لَفْظَ حَاتِمٍ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّشْبِيهِ بِهِ فِي الْجُودِ فَهُوَ مَجَازٌ لِكَوْنِهِ اسْتِعَارَةً إلَى أَنْ قَالَ فَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ قَبُولِهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ) الْأَوْلَى وَضْعٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ نَفْيُ التَّجَوُّزِ لِإِمْكَانِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ الْمُشْتَرَطُ فِي الْمَجَازِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْوَضْعُ كِنَايَةً لِلتَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا غَالِبًا (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ) الْأَوْلَى لِغَيْرِ مَعْنَاهَا لِاقْتِضَاءِ كَلَامِهِ أَنَّ مَا اُسْتُعْمِلَ اسْمَ جِنْسٍ أَوْ عَلَمَهُ ثُمَّ نُقِلَ لِغَيْرِهِ مُرْتَجَلٌ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَلْ لِلْحُضُورِ فَالْمَعْنَى لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ الْحَاضِرَةِ. (قَوْلُهُ: فَوَاضِحٌ) جَوَابُ أَنْ قَالَ النَّاصِرُ هُوَ غَيْرُ وَاضِحٍ إذْ الْمَجَازُ يَكْفِي فِيهِ سَبْقُ الْوَضْعِ بِمُجَرَّدِهِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ بِالنِّسْبَةِ لِلشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ الْمَنْقُولَةُ لِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ إذْ النَّقْلُ

أَوْ لِمُنَاسَبَةٍ كَمَنْ سَمَّى وَلَدَهُ بِمُبَارَكٍ لِمَا ظَنَّهُ فِيهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فَكَذَلِكَ لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ زَوَالِهَا (خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي مُتَلَمَّحِ الصِّفَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ كَالْحَارِثِ فَقَالَ إنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ الصِّفَةُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ مَوْضُوعًا لَهَا وَهَذَا خِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهَا أَوْلَى (وَيُعْرَفُ) الْمَجَازُ أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلَّفْظِ (بِتَبَادُرِ غَيْرِهِ) مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ (لَوْلَا الْقَرِينَةُ) وَمِنْ الْمَصْحُوبِ بِهَا الْمَجَازُ الرَّاجِحُ وَسَيَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ يُنَافِي اعْتِبَارَ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَجَازِ الَّتِي هِيَ مُنَاسَبَةٌ مَخْصُوصَةٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُرْتَجَلَةُ الْمُفَسَّرَةُ بِاَلَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ لِغَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ فَالتَّوَقُّفُ فِي مَحَلِّهِ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ فَقَالَ إنَّ الْوَاجِبَ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ سَبْقُ الْوَضْعِ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ اتِّفَاقٌ لَا سَبْقٌ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَعَلَيْهِ يُتَجَوَّزُ فِي اللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ اسْتِعْمَالٌ وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ وَتَعْبِيرُهُمْ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ الِاسْتِعْمَالُ فِي مَعْنًى لَمْ يَسْبِقْ الْوَضْعُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ نَفْيُ سَبْقِ الْوَضْعِ وَتَوَجَّهَ إفَادَةُ الْعِبَادَةِ لَهُ بِحَمْلِهَا عَلَى الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْوَضْعَ لَازِمٌ لِلِاسْتِعْمَالِ بِحَسَبِ الْغَالِبِ وَاللُّزُومُ فِي الْكِتَابَةِ يُكْتَفَى فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ فَكَالْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي وُضُوحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمَجَازُ فِيهَا لِفَوَاتِ الْمُصَحِّحِ لِلتَّجَوُّزِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي هِيَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي مُتَلَمَّحِ الصِّفَةِ) أَيْ الْعَلَمُ الْمُتَلَمَّحُ فِيهِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ كَوْنُهُ صِفَةً كَالْحَارِثِ فَإِنَّهُ كَانَ صِفَةً ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْعَلَمِيَّةِ. وَقَدْ يُتَلَمَّحُ فِيهِ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ اللَّامُ جَوَازًا وَهَذَا الَّذِي عَنَاهُ الشَّارِحُ بِالْعَلَمِ الْمَنْقُولِ لِمُنَاسَبَةٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْأَعْلَامِ الَّتِي وُضِعَتْ لِمَحْضِ الْفَرْقِ بَيْنَ الذَّوَاتِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلَا يَدْخُلُهَا مَجَازٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ الصِّفَةُ) أَيْ حَالَ الْعَلَمِيَّةِ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ مَوْضُوعًا لَهَا فَانْطَبَقَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْمَجَازِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا بِوَضْعٍ ثَانٍ لِعَلَاقَةٍ. وَالْجَوَابُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّجَوُّزِ بَقَاءُ الْمُنَاسَبَةِ حَالَ الْإِطْلَاقِ وَهَذَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ بَعْدَ زَوَالِهَا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا خِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ) أَيْ هَلْ يُسَمَّى مُتَلَمَّحُ الصِّفَةِ مَجَازًا أَوْ لَا وَعَدَمُهَا أَيْ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَجَازًا أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّ وَضْعَ الْعَلَمِ شَخْصِيٌّ وَوَضْعَ الْمَجَازِ نَوْعِيٌّ وَلِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ بَعْدَ زَوَالِ الْمُنَاسَبَةِ وَزَوَالِهَا فِي الْمَجَازِ يَنْفِي صِحَّةَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ) حُمِلَ الْمَجَازُ عَلَى الْمَعْنَى مَعَ أَنَّ حَقِيقَتَهُ اللَّفْظُ لِأَنَّ التَّبَادُرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى وَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ وَجَمْعُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِلَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَصْحُوبِ بِهَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ الْمَجَازُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَدُفِعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَجَازِ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ وَهُوَ يَتَبَادَرُ عَلَى غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الْعَلَامَةَ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا وَأَيْضًا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ لَوْلَا الْقَرِينَةُ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ فَائِدَةٍ. وَفِي الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ أَنَّ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ نَادِرٌ وَالتَّبَادُرُ فِي الْأَغْلَبِ يَخْتَصُّ بِالْحَقِيقَةِ وَتَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ لَا يَقْدَحُ فِيهِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَبَاحِثِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْأَمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَيْ يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَعْرِفُ الْمَجَازُ إلَخْ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا تَقَدَّمَ نَفْيُ تَبَادُرُ الْغَيْرِ لَا تَبَادُرِ الْحَقِيقَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْعَلَامَةُ ثُبُوتَ التَّبَادُرِ لَهَا لَمْ يَشْمَلْ الْمُشْتَرَكَ فَإِنَّ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ عَدَمُ تَبَادُرِ الْغَيْرِ وَأَيْضًا مَا قَالَهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعَلَاقَةُ مُنْعَكِسَةً مَعَ أَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّبَادُرِ نَفْيُ الْمَجَازِ وَثُبُوتُ الْحَقِيقَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْعَلَامَةِ نَفْيُ الْمُعَلَّمِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا تَقَدَّمَ نَفْيُ تَبَادُرِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَا هُوَ غَيْرٌ فِي الْوَاقِعِ وَلَيْسَ إلَّا الْحَقِيقَةُ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومُ الْغَيْرِ عَامًّا شَامِلًا لَهَا وَغَيْرِهَا فَأَفَادَ أَنَّ عَلَامَةَ الْحَقِيقَةِ تَبَادُرُهَا لَا يُقَالُ كَمَا يَصْدُقُ الْغَيْرُ بِالْحَقِيقَةِ يَصْدُقُ اللَّفْظُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فَلَا نُسَلِّمُ الْأَخْذَ إلَّا لَوْ

وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّبَادُرَ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تُعْرَفُ بِهِ الْحَقِيقَةُ (وَصِحَّةُ النَّفْيِ) كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْحِمَارِ عَنْهُ (وَعَدَمُ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ) فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَطَّرِدَ كَمَا فِي {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا فَلَا يُقَالُ وَاسْأَلْ الْبِسَاطَ أَيْ صَاحِبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْغَيْرُ مَحْصُورًا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّفْظُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ لَا يُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَالتَّبَادُرُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَلَا يَرِدُ الْمُشْتَرَكُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّبَادُرِ إنَّمَا هُوَ إذَا الْتَفَتَ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى حِدَتِهِ. وَأَمَّا إذَا اُلْتُفِتَ لِلْمَجْمُوعِ فَمُتَبَادَرٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَبَادَرٌ عَلَى الْبَدَلِ وَأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ لِانْعِكَاسِ الْعَلَاقَةِ بَلْ لِأَنَّ الْغَيْرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ التَّبَادُرُ هُوَ الْحَقِيقَةُ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ الطَّوِيلِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْعَلَاقَةِ لَا تَنْعَكِسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ تَنْعَكِسُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِخُصُوصِيَّةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةُ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَصِحَّةُ النَّفْيِ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ تَنْتَفِي فِي الِاسْتِعْمَالِ نَحْوُ مَا أَنْتَ بِإِنْسَانٍ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِهِ الْمَجَازُ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ يُقَابِلُهُ النَّفْيُ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَصِحَّةُ النَّفْيِ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْإِثْبَاتِ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَمَحَطُّ الْإِثْبَاتِ غَيْرُ مَحَطِّ النَّفْيِ فَلَا تَنَاقُضَ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِلُزُومِ الدَّوْرِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ مِنْ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّةَ نَفْيِهِ بِاعْتِبَارِ التَّعَقُّلِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنْ يَعْلَمَ كَوْنَهُ مَجَازًا فَيَنْفِيهِ وَبِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي مَعْنَى جَهْلِ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِيهِ بَلْ فِي مَعْنَى عِلْمِ أَنَّ لَفْظَهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا الْمُرَادُ فَيُعْرَفُ بِصِحَّةِ النَّفْيِ كَوْنُهُ مَجَازًا. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِوُجُوبٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجَازِ اطِّرَادُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَيُسْتَعْمَلُ دَائِمًا فِي إفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بَلْ يَجُوزُ اطِّرَادُهُ. قَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] هَذَا التَّمْثِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ هُنَا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَلَيْسَ مَجَازًا بِالْحَذْفِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ ثُمَّ إنَّ مَعْنَى الِاطِّرَادِ فِيهِ اسْتِعْمَالُ نَظَائِرِهِ فِي نَظَائِرِ مَعْنَاهُ لَا بِاسْتِعْمَالِهِ هُوَ فِي أَفْرَادِ مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ الِاطِّرَادِ. (قَوْلُهُ: وَاسْأَلْ الْبِسَاطَ) كَلَامُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَفِي التَّسْهِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ فِي إعْرَابِهِ وَقَسَّمَ ذَلِكَ إلَى قِيَاسِيٍّ وَسَمَاعِيٍّ وَذَكَرَ أَنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ اسْتِقْلَالُ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِالْحُكْمِ فَهُوَ قِيَاسِيٌّ نَحْوُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 93] إذْ الْقَرْيَةُ لَا تُسْأَلُ وَالْعِجْلُ لَا يُشْرَبُ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ فَهُوَ سَمَاعِيٌّ كَقَوْلِهِ عَشِيَّةَ فَرَّ الْحَارِثِيُّونَ بَعْدَمَا ... قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْقَوْمِ هَوْبَرُ

أَوْ يَطَّرِدَ لَا وُجُوبًا كَمَا فِي الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ فَيَصِحُّ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الْجَوَازِ أَنْ يُعَبِّرَ فِي بَعْضِهَا بِالْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ اطِّرَادُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ لِانْتِفَاءِ التَّعْبِيرِ الْحَقِيقِيِّ بِغَيْرِهَا (وَجَمْعُهُ) أَيْ جَمْعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ (عَلَى خِلَافِ جَمْعِ الْحَقِيقَةِ) كَالْأَمْرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ مَجَازًا يُجْمَعُ عَلَى أُمُورٍ بِخِلَافِهِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ حَقِيقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ ابْنُ هَوْبَرٍ اهـ. عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعَلَاقَةِ نَوْعُهَا لَا شَخْصُهَا وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هُنَا وَالِاسْتِحَالَةُ قَرِينَةٌ فَمَا وَجْهُ الِامْتِنَاعِ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِيمَا إذَا حُذِفَ الْمُضَافُ غَيْرَ مُرَادٍ بَعْدَ حَذْفِهِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي مَعْنَى الْمُضَافِ وَكَلَامُ النَّحْوِيِّينَ فِيمَا إذَا حُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ إرَادَتِهِ بَعْدَ حَذْفِهِ فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ لَفْظُ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي مَعْنَى الْمُضَافِ بَلْ بَقِيَ بِحَالِهِ بِأَنْ حَذَفَ فِي الْمِثَالِ لَفْظَ الْأَهْلِ مَعَ إرَادَتِهِ وَأُرِيدَ بِلَفْظِ الْقَرْيَةِ فِيهِ بَعْدَ الْحَذْفِ نَفْسُ الْأَبْنِيَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي وَلَكِنْ يَبْقَى إشْكَالُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْعَلَاقَةِ نَوْعُهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ اطِّرَادُ إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَجَازَ يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ لِانْتِفَاءِ التَّعْبِيرِ الْمَجَازِيِّ بِغَيْرِهِ فَإِنْ نَظَرَ لِمُطْلَقِ التَّعْبِيرِ كَانَ تَحْقِيقُهُ أَوَّلًا يَلْزَمُ عَدَمُ الِاطِّرَادِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى جَعْلِ الْعَلَامَةِ عَدَمَ الِاطِّرَادِ إلَخْ الدَّوْرُ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مُطَّرِدٌ إلَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَقَدْ تَوَقَّفَ الِاطِّرَادُ أَوْ عَدَمُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَلَّمِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عَلَامَةً وَلِذَلِكَ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعَلَامَةَ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ صِحَّةُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعَ إمْكَانِ الْعُدُولِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ إلَى إطْلَاقٍ يَكُونُ حَقِيقِيًّا وَبِوُجُوبِ الِاطِّرَادِ صِحَّةُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ الْعُدُولِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ إلَى إطْلَاقٍ يَكُونُ حَقِيقِيًّا وَلَا دَوْرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ الْآخَرِ حَقِيقِيًّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ مَجَازِيًّا كَمَا أَنَّ مَعْرِفَةَ أَنَّ مَا عَدَا الْإِطْلَاقَ الْأَوَّلَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ الْأَوَّلَ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى الشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الرَّدِيفِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ أَيْضًا فَقَدْ وُجِدَ عَدَمُ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ بِالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْت عَلَيْهِ كَلَامَهُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ قُلْت يُمْكِنُ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْعَلَامَةِ بِمَا إذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ التَّرَادُفِ وَاحْتَمَلَ الِاشْتِرَاكُ وَالتَّجَوُّزُ. اهـ. وَلَوَائِحُ التَّعَسُّفِ لَائِحَةٌ عَلَيْهِ لِمَنْ تَدَبَّرَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الِاطِّرَادِ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْقُوضٌ بِأَنَّ مِنْهَا مَا لَا يَطَّرِدُ كَالْفَاضِلِ وَالسَّخِيِّ فَإِنَّهُمَا يُطْلَقَانِ حَقِيقَةً فِي الْإِنْسَانِ لَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَكَالْقَارُورَةِ وَالدَّبَرَانِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُطْلَقُ حَقِيقَةً فِي الزُّجَاجَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَا فِي كُلِّ مَا فِيهِ قَرَارٌ وَالثَّانِي فِي مَنْزِلَةِ الْقَمَرِ لَا فِي كُلِّ مَا فِيهِ دَبُورٌ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ إطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ وَلِإِيهَامِ النَّقْصِ لِأَنَّ الْفَاضِلَ يُطْلَقُ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْجَهْلَ وَالسَّخِيَّ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْبُخْلَ وَعَدَمُ إطْلَاقِ الْأَخِيرَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الْمُعَيَّنَ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي وَضْعِهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: أَيْ جَمْعُ اللَّفْظِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَا عَدَا الضَّمِيرَ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى نَفْسِ لَفْظِ

فَيُجْمَعُ عَلَى أَوَامِرَ. (وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَجَنَاحِ الذُّلِّ أَيْ لِينِ الْجَانِبِ وَنَارِ الْحَرْبِ أَيْ شِدَّتِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ كَالْعَيْنِ الْجَارِيَةِ (وَتَوَقُّفِهِ) فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ (عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ) نَحْوُ {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ حَيْثُ تَوَاطَئُوا وَهُمْ الْيَهُودُ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ أَلْقَى شَبَهَهُ عَلَى مَنْ وَكَلُوا بِهِ قَتْلَهُ وَرَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَتَلُوا الْمُلْقَى عَلَيْهِ الشَّبَهُ ظَنًّا أَنَّهُ عِيسَى وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى قَوْلِهِ أَنَا صَاحِبُكُمْ ثُمَّ شَكُّوا فِيهِ لَمَّا لَمْ يَرَوْا الْآخَرَ فَإِطْلَاقُ الْمَكْرِ عَلَى الْمُجَازَاةِ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجَازِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَلَكِنَّ الشَّارِحَ أَعَادَ جَمِيعَ الضَّمَائِرِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَقَدَّرَ الْمُضَافَ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِتَكُونَ الضَّمَائِرُ رَاجِعَةً إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ حَذَرًا مِنْ التَّشْتِيتِ ثُمَّ إنَّهُ نَقَضَ طَرْدَ هَذِهِ الْعَلَامَةِ بِالْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ الْجَمْعُ فِي مَعْنَيَيْهِ كَالذُّكْرَانِ وَالذُّكُورِ فِي جَمْعِ الذَّكَرِ ضِدِّ الْأُنْثَى، وَالْمَذَاكِيرُ فِي جَمْعِ الذَّكَرِ بِمَعْنَى الْفَرْجِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ. وَأُجِيبَ أَنَّ هَذَا فِيمَا ثَبَتَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ ثُبُوتِ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْأَوَّلَ حَقِيقَةٌ لَزِمَ الْحَمْلُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ يُغْنِي عَنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْجَمْعِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ صُوَرِ الْمَجَازِ قَدْ يَخْلُو عَنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: أَيْ لِينِ الْجَانِبِ) تَفْسِيرٌ لِلْجَنَاحِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللِّينِ وَإِضَافَةُ الذُّلِّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ فِي قَرِينَةِ الْمَكْنِيَّةِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ كَمَا فِي أَظْفَارِ الْمَنِيَّةِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَوْمِ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازَ فِي الْإِثْبَاتِ فَالْمَجَازُ عَقْلِيٌّ لَا إفْرَادِيٌّ وَهُوَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ شِدَّتِهِ) جَرَى فِيهِ عَلَى لُغَةِ تَذْكِيرِهَا وَالْمَشْهُورُ تَأْنِيثُهُمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّاصِرِ مِنْ أَنَّ تَأْنِيثَ الضَّمِيرِ وَاجِبٌ اهـ. عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا بِالتَّأْوِيلِ بِالْقِتَالِ فَإِنَّهُ قَدْ يُذَكَّرُ الْمُؤَنَّثُ وَيُؤَنَّثُ الْمُذَكَّرُ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَرَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَسِيفًا كَأَنَّمَا ... يَضُمُّ إلَى كَشْحَيْهِ كَفًّا مُخَضَّبَا فَذَكَّرَ وَصْفَ الْكَفِّ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الْعُضْوِ، وَالثَّانِي كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ أَتَتْهُ كِتَابِي فَاحْتَقَرَهَا فَأَنَّثَ ضَمِيرَ الْكِتَابِ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الصَّحِيفَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْعُدُولِ عَنْ التَّأْنِيثِ خَشْيَةَ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِلنَّارِ دُونَ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ) أَيْ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْعِبَارَةِ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْحَوَاشِي هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْوُجُودُ فِي الْعِبَارَةِ لِتَقْسِيمِهِمْ لَهُ إلَى الْوُجُودِ التَّحْقِيقِيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ فَالْأَوَّلُ كَمِثَالِ الشَّارِحِ. وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف: 99] أَيْ مُجَازَاتَهُ لَهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ إذْ التَّقْدِيرُ أَفَأَمِنُوا حِينَ مَكَرُوا مَكْرَ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ وَنُوقِشَ بِأَنْ تَكُونَ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ حَاصِلَةً بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَلَاقَتَهُ لِوُجُوبِ حُصُولِهَا قَبْلَهُ لِابْتِنَائِهِ عَلَيْهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمُصَاحَبَةِ فِي الذِّكْرِ قَبْلَ التَّعْبِيرِ

[مسألة المعرب]

(وَالْإِطْلَاقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ) نَحْوُ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ فَإِطْلَاقُ الْمَسْئُولِ عَلَيْهَا الْمَأْخُوذُ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّهَا الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمِعَةُ وَإِنَّمَا الْمَسْئُولُ أَهْلُهَا (وَالْمُخْتَارُ اشْتِرَاطُ السَّمْعِ فِي نَوْعِ الْمَجَازِ) فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَجَوَّزَ فِي نَوْعٍ مِنْهُ كَالسَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ إلَّا إذَا سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ صُورَةٌ مِنْهُ مَثَلًا وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ يُكْتَفَى بِالْعَلَاقَةِ الَّتِي نَظَرُوا إلَيْهَا فَيَكْفِي السَّمَاعُ فِي نَوْعٍ لِصِحَّةِ التَّجَوُّزِ فِي عَكْسِهِ مَثَلًا (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) فِي الِاشْتِرَاطِ وَعَدَمِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ فِي شَخْصِ الْمَجَازِ إجْمَاعًا بِأَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِيهَا (مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ لَفْظٌ غَيْرُ عَلَمٍ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي مَعْنًى وُضِعَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ وَالْأَكْثَرِ) إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ لَاشْتَمَلَ عَلَى غَيْرِ عَرَبِيٍّ فَلَا يَكُونُ كُلُّهُ عَرَبِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُتَصَاحبين فِي الْمُشَاكَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَبِأَحَدِهِمَا فِي التَّقْدِيرِيَّةِ وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ هِيَ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْخَيَالِ (قَوْلُهُ: شَبَهَهُ) أَيْ شَبَهَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا شَبَهَ الْمَقْتُولِ خِلَافًا لِمَا فِي زَكَرِيَّا وَوَكَلُوا بِالتَّخْفِيفِ وَأَلْقَى مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ ضَمِيرُهُ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِطْلَاقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا وَأَوْرَدَ أَنَّ الْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُهُ بِهِ بَدِيهَةً، وَاَلَّذِي فِي الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ يَمْتَنِعُ نَظَرًا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَإِطْلَاقُ الْمَسْئُولِ) أَيْ إطْلَاقُ لَفْظِ الْمَسْئُولِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْفِعْلِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْفِعْلِ وَإِيقَاعَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ يَقْتَضِي اشْتِقَاقَ اسْمِ الْمَفْعُولِ لَهُ فَإِذَا قُلْت اضْرِبْ زَيْدًا جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدًا مَضْرُوبٌ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَعَلَ الِاسْتِحَالَةَ صِفَةً لِلْإِطْلَاقِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمُطْلَقِ وَهُوَ الْمَعْنَى وَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِ الْمُسْتَحِيلِ إطْلَاقَهُ لَفْظًا آخَرَ مَأْخُوذًا مِنْ وَاسْأَلْ بَلْ هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ. الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِحَالَةِ الْإِطْلَاقِ يُنَافِي الْأَخْذَ مِنْ الْآيَةِ لَا يُقَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْآيَةِ الْإِطْلَاقُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَالْمُحَالُ الْإِطْلَاقُ الْحَقِيقِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْآيَةِ هُوَ الْمُسْتَحِيلُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ وَصْفَ الْإِطْلَاقِ بِالِاسْتِحَالَةِ بِالتَّبَعِ لِمُتَعَلِّقِهِ فَإِنَّ اسْتِحَالَةَ اللَّفْظِ بِالتَّبَعِ لِاسْتِحَالَةِ الِاتِّصَافِ بِمَعْنَاهُ فَرَجَعَ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَخْذُ مِنْ الْآيَةِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَالِاسْتِحَالَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهَذَا تَسَامُحٌ سَهْلٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ الْمَأْخُوذُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالْمُسْتَحِيلُ الْحَقِيقَةُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الِاتِّحَادِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْحَمْلِ مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَهُ عَيْنَهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ بِاعْتِبَارِ الِاتِّحَادِ الذَّاتِيِّ إذْ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الْحَمْلَ. وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ إرَادَةُ الْمَجَازِ لِإِمْكَانِ الْكِنَايَةِ أَوْ إرَادَةِ مَعْنًى آخَرَ حَقِيقِيٍّ عَلَى تَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ وَكَوْنُ الْأَصْلِ عَدَمَهُ الْتِفَاتٌ لِدَلِيلٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْإِطْلَاقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ أَيْ وَإِطْلَاقُ التَّرْكِيبِ الَّذِي فِيهِ الْمَجَازُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ فِي شَخْصِ الْمَجَازِ إجْمَاعًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نَقْلَ غَيْرِهِ كَابْنِ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ فِي الْآحَادِ عَلَى الْأَصَحِّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَشْخَاصِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ مَحَلُّ الْخِلَافِ آحَادُ الْأَنْوَاعِ لَا الْأَشْخَاصِ إذْ الشَّخْصُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مَحَلَّ خِلَافٍ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ لَا أُطْلِقُ الْأَسَدَ عَلَى هَذَا الشُّجَاعِ إلَّا إذَا أَطْلَقَتْهُ عَلَيْهِ الْعَرَبُ بِعَيْنِهِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَنْوَاعِ لَا فِي الْجِنْسِ وَلَا فِي جُزْئِيَّاتِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ اهـ. زَكَرِيَّا. [مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ] (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ) أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلُوهُ فِي مَعْنًى وَضَعُوهُ لَهُ فِي لُغَتِهِمْ فَلَيْسَ بِمُعَرَّبٍ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ كُلُّهُ عَرَبِيًّا) وَالتَّالِي بَاطِلٌ وَقَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ إلَخْ دَلِيلُ بُطْلَانِ التَّالِي وَقَدْ تُمْنَعُ الْمُلَازَمَةُ بِأَنَّ الْعَرَبِيَّ

[مسألة اللفظ المستعمل في معنى إما حقيقة أو مجاز]

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] وَقِيلَ إنَّهُ فِيهِ كَإِسْتَبْرَقٍ فَارِسِيَّةٌ لِلدِّيبَاجِ الْغَلِيظِ وَقِسْطَاسٌ رُومِيَّةٌ لِلْمِيزَانِ وَمِشْكَاةٌ هِنْدِيَّةٌ لِلْكُوَّةِ الَّتِي لَا تَنْفُذُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَنَحْوَهَا اتَّفَقَ فِيهَا لُغَةُ الْعَرَبِ وَلُغَةُ غَيْرِهِمْ كَالصَّابُونِ وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ الْعَلَمِ الْأَعْجَمِيِّ فِي الْقُرْآنِ كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُسَمَّى مُعَرَّبًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَيْثُ قَالَ غَيْرُ عَلَمٍ وَأَنْ يُسَمَّى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْعَلَمَ مُتَّفَقٌ عَلَى وُقُوعِهِ وَعَقَّبَ هُنَا الْمَجَازَ بِالْمُعَرَّبِ لِشَبَهِهِ بِهِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِيمَا لَمْ يَضَعُوهُ لَهُ كَاسْتِعْمَالِهِمْ الْمَجَازَ فِيمَا لَمْ يَضَعُوهُ لَهُ ابْتِدَاءً (مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ) الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى (إمَّا حَقِيقَةٌ) فَقَطْ (أَوْ مَجَازٌ) فَقَطْ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ أَوْ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ (أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ) كَأَنْ وُضِعَ لُغَةً لِمَعْنًى عَامٍّ ثُمَّ خَصَّهُ الشَّرْعُ أَوْ الْعُرْفُ بِنَوْعٍ مِنْهُ كَالصَّوْمِ فِي اللُّغَةِ لِلْإِمْسَاكِ خَصَّهُ الشَّرْعُ بِالْإِمْسَاكِ الْمَعْرُوفِ وَالدَّابَّةِ فِي اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ كَانَ مِنْ أَوْضَاعِهِمْ أَوَّلًا وَفِي إدْرَاجِ لَفْظَةِ كُلٍّ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مُتَمَسَّكِ الْخَصْمِ بِأَنَّ وُجُودَ كَلِمَاتٍ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَرَبِيًّا لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا غَالِبُهُ عَرَبِيٌّ فَإِنْ قُلْت اشْتِمَالُهُ عَلَى غَيْرِ الْعَرَبِيِّ أَمْرٌ لَازِمٌ لِأَنَّ الْعَلَمَ الْأَعْجَمِيَّ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ بِلَا خِلَافٍ فَلَيْسَ كُلُّهُ عَرَبِيًّا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَعْلَامَ مِمَّا تَوَافَقَتْ فِيهَا لُغَةُ الْعَرَبِ وَلُغَةُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا تَمْيِيزُ الْمُسَمَّى فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ الْكُلِّيَّةِ فَالنِّزَاعُ فِيهَا فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي نَحْوِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ أُجِيبَ بِأَنَّ جَعْلَهُ أَعْجَمِيًّا بِاعْتِبَارِ سَبْقِ وَضْعِ الْعَجَمِ لَهُ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَلَى وِزَانِ أَلْفَاظِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ الْعَلَمِ إلَخْ) أَيْ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا سَمِعْت. (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُسَمَّى مُعَرَّبًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا) أَيْ بَلْ هُوَ مِنْ تَوَافُقِ اللُّغَتَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ أَعْجَمِيٌّ مَحْضٌ إنْ وَقَعَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَحَاصِلُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَأَنْ يُسَمَّى إلَخْ أَنْ بَيَّنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَوْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ تَنَافِيًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بِأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ ثَمَّ عَلَى كَلَامِهِ هُنَا. وَقَدْ يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَعْرِيفَهُ هُنَا تَعْرِيفٌ لِلْمُعَرَّبِ الْمُخْتَلَفِ فِي وُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ كَاللِّجَامِ وَالْيَاقُوتِ وَالسَّمُّورِ إذْ الْعَلَمُ الْأَعْجَمِيُّ مُعَرَّبٌ قَطْعًا لِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَذْكُورَ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُعَرَّبًا لِجَوَازِ اتِّفَاقِ اللُّغَتَيْنِ فِيهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ عَجَمِيَّتُهُ حَتَّى مُنِعَ مِنْ الصَّرْفِ لِأَصَالَةِ وَضْعِهَا قَالَهُ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: حَيْثُ اسْتَعْمَلَتْهُ إلَخْ) الْحَيْثِيَّةُ لِلتَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا لَمْ يَضَعُوهُ لَهُ ابْتِدَاءً) وَإِنْ وَضَعُوهُ لَهُ ثَانِيًا وَعَلَى هَذَا الْمُعَرَّبُ لَا يُوصَفُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْهُ وَلَمْ تَسْتَعْمِلْهُ لِعَلَاقَةٍ وَقَدْ يُقَالُ مُوَافَقَةُ الْعَجَمِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَضْعِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً [مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ] (قَوْلُهُ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إلَخْ) فَالْبَحْثُ هُنَا فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَذَلِكَ غَيْرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِتَعَدُّدِ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوصَفُ بِالْحَقِيقَةِ وَلَا الْمَجَازِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ بِخِلَافِ تَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ جُمْلَةِ الْمَعَانِي. (قَوْلُهُ: خَصَّهُ الشَّرْعُ بِالْإِمْسَاكِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْإِمْسَاكِ الْمَخْصُوصِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ وَكَذَا اسْتِعْمَالُ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ الْفَرَسِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا لُغَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْعَامِّ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ. وَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْمَجَازِ فِي شَيْءٍ كَمَا إذَا رَأَيْت زَيْدًا فَقُلْت رَأَيْت إنْسَانًا أَوْ رَأَيْت رَجُلًا فَلَفْظُ إنْسَانٍ أَوْ رَجُلٍ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِيمَا وُضِعَ لَهُ لَكِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْخَارِجِ عَلَى زَيْدٍ

خَصَّهَا الْعَرَفُ الْعَامُّ بِذَاتِ الْحَوَافِرِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ بِالْفَرَسِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَامِّ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عُرْفِيٌّ. وَفِي الْخَاصِّ بِالْعَكْسِ وَيَمْتَنِعُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْوَضْعِ ابْتِدَاءً وَثَانِيًا إذْ لَا يَصْدُقُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنًى مَوْضُوعٍ لَهُ ابْتِدَاءً وَثَانِيًا (وَالْأَمْرَانِ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ (مُنْتَفِيَانِ) عَنْ اللَّفْظِ (قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي حَدِّهِمَا فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَيَا (ثُمَّ هُوَ) أَيْ اللَّفْظُ (مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الْمُخَاطِبِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الشَّارِعُ أَوْ أَهْلُ الْعُرْفِ أَوْ اللُّغَةِ (فَفِي) خِطَابِ (الشَّرْعِ) الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ الْمَعْنَى (الشَّرْعِيُّ لِأَنَّهُ عُرْفُهُ) أَيْ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ عُرْفُ الشَّرْعِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنًى شَرْعِيٌّ أَوْ كَانَ وَصَرَفَ عَنْهُ صَارِفٌ فَالْمَحْمُولُ عَلَيْهِ الْمَعْنَى (الْعُرْفِيُّ الْعَامُّ) أَيْ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ جَمِيعُ النَّاسِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا زَمَنَ الْخِطَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ وَهَذَا بَحْثٌ يَشْتَبِهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَصِّلِينَ حَتَّى يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ ذِكْرِ الْعَامِّ وَأَرَادَ الْخَاصَّ وَيَعْتَرِضُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَمَنْشَؤُهُ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يُقْصَدُ بِاللَّفْظِ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالِاسْتِعْمَالِ وَبَيْنَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ اهـ. قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّك إذَا قُلْت رَأَيْت إنْسَانًا تُرِيدُ بِالْإِنْسَانِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ رُؤْيَتُك وَمُتَعَلَّقُ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْفَرْدُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ الْكُلِّيَّ غَيْرُ قَابِلٍ لَأَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الرُّؤْيَةُ فَلَفْظُ إنْسَانٍ أَوْ رَجُلٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بِلَا شُبْهَةٍ بَقِيَ هَاهُنَا مَوْضِعُ بَحْثٍ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ زَيْدًا إذَا اُعْتُبِرَ لَا بِخُصُوصِهِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ سَلْبِ الْإِنْسَانِ لَا لُغَةً وَلَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا بِلَا اشْتِبَاهٍ. وَأَمَّا إذَا اُعْتُبِرَ بِخُصُوصِهِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ سَلْبُهُ عَنْهُ لُغَةً وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ سَلْبُهُ عَنْهُ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَجَازًا أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صِحَّةَ السَّلْبِ لَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ فَقَطْ بَلْ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَمُوجِبُ هَذَا التَّحْقِيقِ أَنْ لَا يَكُونَ ذِكْرُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُ ذَلِكَ اهـ. وَهِيَ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ فَاحْفَظْهَا. (قَوْلُهُ: خَصَّهَا الْعُرْفُ الْعَامُّ إلَخْ) تَفْسِيرُهُ لِلْعَامِّ بِقَوْلِهِ بَعْدُ أَيْ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ جَمِيعُ النَّاسِ يُنَافِي الْعَامَّ هُنَا إذْ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ لِخُرُوجِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَنْهُمْ وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ هُنَا مَا يَتَعَارَفُهُ غَالِبُ النَّاسِ لِمُقَابَلَتِهِ بِعُرْفِ أُولَئِكَ أَوْ إنَّ عُرْفَ أُولَئِكَ حَدَثَ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْوَضْعِ ابْتِدَاءً) الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْحَقِيقَةِ وَقَوْلُهُ وَثَانِيًا أَيْ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْمَجَازِ قَالَ النَّاصِرُ وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ الْمَمْنُوعُ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ ذِكْرَهُ فِي الْمُعَلَّلِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْعِلَّةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِعْمَالَ. (قَوْلُهُ: أَوْ اللُّغَةِ) عَطْفٌ عَلَى الْعُرْفِ فَأَهْلُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِ الشَّارِعُ مَجَازًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. (قَوْلُهُ: الْعُرْفِيُّ الْعَامُّ) قَيَّدَ بِالْعَامِّ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِحَمْلِ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى عُرْفٍ خَاصٍّ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ دُونَهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ) تَفْسِيرٌ لِلْعُرْفِيِّ الْعَامِّ وَقَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ إلَخْ بَيَانٌ لِسَبَبِ التَّعَارُفِ وَتَحْقِيقٌ لِلْعُمُومِ وَأُورِدَ أَنَّهُ إنْ

وَاسْتَمَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ. (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى عُرْفِيٍّ عَامٍّ أَوْ كَانَ وَصَرَفَ عَنْهُ صَارِفٌ فَالْمَحْمُولُ عَلَيْهِ الْمَعْنَى (اللُّغَوِيُّ) لِتَعَيُّنِهِ حِينَئِذٍ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا لَهُ مَعَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَهُ مَعْنًى عُرْفِيٌّ عَامٌّ أَوْ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَوْ هُمَا يُحْمَلُ أَوَّلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ وَأَنَّ مَا لَهُ مَعْنًى عُرْفِيٌّ عَامٌّ وَمَعْنًى لُغَوِيٌّ يُحْمَلُ أَوَّلًا عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ) فِيمَا لَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ وَمَعْنًى لُغَوِيٌّ مَحْمَلُهُ (فِي الْإِثْبَاتِ الشَّرْعِيِّ) وَفْقَ مَا تَقَدَّمَ. (وَفِي النَّفْيِ) وَعِبَارَتُهُمَا النَّهْيُ وَعَدَلَ عَنْهُ مَعَ إرَادَتِهِ لِمُنَاسَبَةِ الْإِثْبَاتِ قَالَ (الْغَزَالِيُّ) اللَّفْظُ (مُجْمَلٌ) أَيْ لَمْ يَتَّضِحْ الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُرِيدَ تَحَقُّقُ الْعُمُومِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا حَاجَةَ لِقَيْدِ الِاسْتِمْرَارِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنْ أُرِيدَ تَحْقِيقُهُ حَقِيقَةً فَلَا يَكْفِي الِاسْتِمْرَارُ إلَى زَمَنِ الْحَمْلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَحْقِيقُ الْعُمُومِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّكَلُّمِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّعَارُفِ زَمَنَ الْخِطَابِ وَاسْتِمْرَارِهِ إلَى زَمَنِ الْحَامِلِ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَمَرَّ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ لَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَحَقُّقِ الْإِرَادَةِ وَقْتَ الْخِطَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ قَالَ سم وَهُوَ بَحْثٌ جَيِّدٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُنْقَلُ لَنَا الْعُرْفُ الْعَامُّ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَمِرًّا فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى كَافِ التَّمْثِيلِ فَتَدْخُلُ مَا لَمْ يَسْتَمِرَّ (قَوْلُهُ: فَالْمَحْمُولُ عَلَيْهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ) وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ الْخَاصِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَا عَلَقَةَ لَهُ بِهِ كَعُرْفِ النُّحَاةِ مَثَلًا فَسَقَطَ قَوْلُ الْكُورَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَحْذِفَ الْعَامَّ لِيَشْمَلَ الْخَاصَّ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْعُرْفُ الْخَاصُّ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فَهُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ فَفِي الشَّرْعِ إلَخْ وَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُهُ فَلَا عَلَقَةَ لَهُ بِهِ فَإِنْ قُلْت قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مَا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ إذْ قَضِيَّتُهُ تَأَخُّرُ الْعُرْفِ عَنْ اللُّغَةِ. وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مُرَادَ الْأُصُولِيِّينَ مَا إذَا تَعَارَضَ مَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَالْفُقَهَاءِ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَدُّهُ فِي اللُّغَةِ وَلِهَذَا قَالُوا كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَمْ يَقُولُوا مَعْنًى. (قَوْلُهُ: فَحَصَلَ مِنْ هَذَا) نَتِيجَةُ مَا تَقَدَّمَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْ مَجَازِهِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ إلَخْ ثُمَّ إنْ اجْتَمَعَ الْعُرْفُ الْعَامُّ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ قُدِّمَ الْعَامُّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَفِي خِطَابِ الشَّرْعِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَعِبَارَتُهُمَا النَّهْيُ) أَيْ فَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِمَا عَبَّرَا بِهِ وَقَوْلُهُ وَعَدَلَ إلَخْ اعْتَذَرَ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ مُرَادًا مِنْهُ لِأَنَّهُمَا صَرَّحَا بِهِ وَهُوَ بِصَدَدِ النَّقْلِ عَنْهُمَا وَهُوَ إنَّمَا يَنْقُلُ عَنْهُمَا مَا قَالَاهُ وَكَوْنُ النَّفْيِ يُقَاسُ عَلَى النَّهْيِ شَيْءٌ آخَرُ لَا عَلَقَةَ لِلنَّقْلِ عَنْهُمَا بِهِ وَأَيْضًا الْمَانِعُ مِنْ الْحَمْلِ الْفَاسِدِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ النَّهْيِ وَهَذَا قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ غَيْرِ حَقِيقَتِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْكَمَالِ لَا قَرِينَةَ عَلَى إرَادَةِ النَّهْيِ مِنْ النَّفْيِ وَقَوْلُ سم يُمْكِنُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالنَّفْيِ حَقِيقَتَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُغَيَّرْ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ بِأَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ وَالتَّأْوِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوَاخِرِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَّضِحْ الْمُرَادُ) أَيْ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الشَّرْعِيِّ

لِوُجُودِ النَّهْيِ وَلَا عَلَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ (وَ) قَالَ (الْآمِدِيُّ) مَحْمَلُهُ (اللُّغَوِيُّ) لِتَعَذُّرِ الشَّرْعِيِّ بِالنَّهْيِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِيِّ مَا يُسَمَّى شَرْعًا بِذَلِكَ الِاسْمِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا يُقَالُ صَوْمٌ صَحِيحٌ وَصَوْمٌ فَاسِدٌ وَلَمْ يَذْكُرَا غَيْرَ هَذَا الْقِسْمِ مِثَالُ الْإِثْبَاتِ مِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ» فَيُحْمَلُ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ فَيُفِيدُ صِحَّتَهُ وَهُوَ نَفْلٌ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَمِثَالُ النَّهْيِ مِنْهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ» وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ خِلَافٌ فِي تَقَدُّمِ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ (وَفِي تَعَارُضِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ) بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ عَلَيْهَا (أَقْوَالٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرُ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ إرَادَتُهُمَا مِنْهُ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُجْمَلٌ أَيْ مُحْتَمِلٌ لَهُ إذْ لَا احْتِمَالَ مَعَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ فَاحْتِمَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الشَّرْعِيِّ وَغَيْرِ اللُّغَوِيِّ فَهُوَ مُجْمَلٌ فِي غَيْرِهِمَا أَفَادَهُ النَّاصِرُ. وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا عَدَمَ الْإِمْكَانِ عَقْلًا حَتَّى يَسْتَحِيلَ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ الِاسْتِبْعَادِ وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ بَعِيدًا فَلَا يَسْتَدْعِي عَدَمَ جَوَازِ إرَادَتِهِ مِنْ اللَّفْظِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا مُجْمَلًا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ النَّهْيِ) لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ لَا يَنْهَى عَنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَزِمَ صِحَّةُ صَوْمِهِ إذْ لَا يَنْهَى إلَّا عَمَّا يُمْكِنُ صَوْمُهُ شَرْعًا وَلَوْ حُمِلَ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَانَ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ. (قَوْلُهُ: يُقَالُ صَوْمٌ صَحِيحٌ إلَخْ) سَنَدٌ لِقَوْلِهِ إنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِيِّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: غَيْرَ هَذَا الْقِسْمِ) أَيْ مَا لَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ وَمَعْنًى لُغَوِيٌّ فَقَطْ أَمَّا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ وَهُمَا مَا لَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ وَمَعْنًى عُرْفِيٌّ وَمَا لَهُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فَلَمْ يَذْكُرَاهُمَا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَفْلٌ) لِجُمْلَةٍ مُعْتَرِضَةٍ وَقَوْلُهُ بِنِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّةٍ أَوْ بِنَفْلٍ. (قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ) الْمُرَادُ الصَّوْمُ اللُّغَوِيُّ لَا الشَّرْعِيُّ لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَقْبَلُهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ وُجُوبُ الْأَكْلِ يَوْمَ الْعِيدِ لِيَحْصُلَ انْتِفَاءُ الْإِمْسَاكِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الصَّوْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَأَنَّ الْحَائِضَ مَنْهِيٌّ عَنْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الصَّلَاةُ الَّتِي نُهِيَتْ عَنْهُمَا وَالْتِزَامُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّ الْبُطْلَانِ فَهُوَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّرْعِيِّ خُصُوصَ الْحَقِيقَةِ بَلْ مَا يَعُمُّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ. (قَوْلُهُ: الْمَجَازُ) أَيْ فِي مُسَمَّاهُ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي تَعَارُضِ) أَيْ مَعَ اتِّحَادِ الْعُرْفِ وَإِلَّا قُدِّمَ الشَّرْعِيُّ ثُمَّ الْعُرْفِيُّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ هُنَا الْمَعْنَى لِوَصْفِهِ بِالرُّجْحَانِ وَكَذَلِكَ الْحَقِيقَةُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ إلَخْ مُرَادٌ بِهِ اللَّفْظُ فَفِيهِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَجَازِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ إلَخْ) أَيْ فَرُجْحَانُهُ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا عَلَى أَنَّ غَلَبَةَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ دَائِمًا بَلْ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ فَانْدَفَعَ بَحْثُ النَّاصِرُ. (قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْأَوْلَى الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَمَا تَشْهَدُ بِهِ كُتُبُ الْحَنَفِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَعِنْدَهُ يَقَعُ عَلَى عَيْنِهَا دُونَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ إذْ الْحِنْطَةُ تُقْلَى وَتُغْلَى وَيُتَّخَذُ مِنْهَا الْهَرِيسَةُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَأَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا عَمَلًا بِعُمُومِ

الْحَقِيقَةُ أَوْلَى فِي الْحَمْلِ لِأَصَالَتِهَا وَأَبُو يُوسُفَ الْمَجَازُ أَوْلَى لِغَلَبَتِهِ (ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ) اللَّفْظُ (مُجْمَلٌ) لَا يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ لِرُجْحَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَالْحَقِيقَةُ الْمُتَعَاهَدَةُ الْكَرْعُ مِنْهُ بِفِيهِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ الرِّعَاءِ وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الشُّرْبُ بِمَا يُغْتَرَفُ مِنْهُ كَالْإِنَاءِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهَلْ يَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أَوْ الْعَكْسُ أَوْ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقْوَالُ فَإِنْ هُجِرَتْ الْحَقِيقَةُ قُدِّمَ الْمَجَازُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ إذْ الْمُتَعَارَفُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِنَا بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ حِنْطَةَ بَلَدِ كَذَا أَكْلُ مَا فِي بَاطِنِهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ضِمْنِ أَكْلِهَا أَوْ أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ عِنْدَهُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ وَعِنْدَهُمَا فِي الْحُكْمِ فَرَجَّحَ هُوَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَنَّ فِيهَا رُجْحَانًا فِي التَّكَلُّمِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَرُجْحَانُ الْمُتَعَارَفِ لِأَنَّ لَهُ رُجْحَانًا فِي الْحُكْمِ لِشُمُولِهِ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَصَالَتِهَا) الْمُرَادُ بِالْأَصَالَةِ هُنَا مَا قَابَلَ الْخَلَفَ فَإِنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا مَرَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الرُّجْحَانَ وَإِلَّا نَافَى الْمَوْضُوعَ مِنْ رُجْحَانِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ اللَّفْظُ مُجْمَلٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ وَمِنْ الْمَصْحُوبِ بِهَا الْمَجَازُ الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَصْحُوبًا بِالْقَرِينَةِ لَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً وَحِينَئِذٍ فَلَا إجْمَالَ لِتَعَيُّنِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِرُجْحَانِ الْمَجَازِ رُجْحَانُهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ لَا فِي خُصُوصِ الْمِثَالِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّعَارُضُ بِاعْتِبَارِ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يَأْتِي بِمَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَلَا يَأْتِي بِقَرِينَةٍ مَانِعَةٍ وَإِذَا أَتَى بِالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ الْمُرَجِّحَ هُوَ الْقَرِينَةُ الْمُعَيِّنَةُ دُونَ الْمَانِعَةِ الْتِفَاتٌ إلَى الْإِجْمَالِ فِي إفْرَادِ الْمَجَازِ وَقَوْلُ سم إنَّ الْقَرِينَةَ غَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ عَارَضَهَا أَصَالَةُ الْحَقِيقَةِ فِيهِ بُعْدٌ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ تَبَادُرِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ لِلْأَذْهَانِ. (قَوْلُهُ: لِرُجْحَانِ كُلٍّ) فَتَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا. (قَوْلُهُ: فَالْحَقِيقَةُ الْمُتَعَاهَدَةُ) أَيْ الْمُسْتَعْمَلَةُ قَلِيلًا وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً بِالْكُلِّيَّةِ وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّهْرِ الْأُخْدُودُ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَالشُّرْبُ مِمَّا فِيهِ لَا مِنْهُ فَالتَّعَارُضُ بَيْنَ مَجَازَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجَازَ فِي إطْلَاقِ النَّهْرِ عَلَى مَا فِيهِ لَا يُنَافِي تَعَارُضَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِ الشُّرْبِ فِي النِّسْبَةِ الْإِيقَاعِيَّةِ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا بَقَاءَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْأُخْدُودُ فَلَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِ الشُّرْبِ بِمَا لَا يُشْرَبُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ مِنْ حَيْثُ مَا فِيهِ عَلَى حَدِّ شَرِبْت مِنْ الْكَأْسِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ وَهَذَا قَدْ يُوهِمُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ اهـ. زَكَرِيَّا وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ لَا بِالثَّانِي أَوْ يَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ

مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَيَحْنَثُ بِثَمَرِهَا دُونَ خَشَبِهَا الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ الْمَهْجُورَةُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَإِنْ تَسَاوَيَا قُدِّمَتْ الْحَقِيقَةُ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ كَانَتْ غَالِبَةً. (وَثُبُوتُ حُكْمٍ) بِالْإِجْمَاعِ (مَثَلًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مُرَادًا مِنْ خِطَابٍ) لَكِنْ يَكُونُ الْخِطَابُ فِي ذَلِكَ الْمُرَادِ (مَجَازًا لَا يَدُلُّ) الثُّبُوتُ الْمَذْكُورُ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ هُوَ (الْمُرَادُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخِطَابِ. (بَلْ يَبْقَى الْخِطَابُ عَلَى حَقِيقَتِهِ) لِعَدَمِ الصَّارِفِ عَنْهَا (خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَصْرِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى الْخِطَابُ عَلَى حَقِيقَتِهِ إذْ لَمْ يَظْهَرْ مُسْتَنَدٌ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ غَيْرُهُ مِثَالُهُ وُجُوبُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمُجَامِعِ الْفَاقِدِ لِلْمَاءِ إجْمَاعًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مُرَادًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ مَجَازٌ فِي الْجِمَاعِ فَقَالَا الْمُرَادُ الْجِمَاعُ لَا تَكُونُ الْآيَةُ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ إذْ لَا مُسْتَنَدَ غَيْرُهَا وَإِلَّا لَذُكِرَ فَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَدُ غَيْرَهَا وَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ بِذِكْرِ الْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَاللَّمْسُ فِيهَا عَلَى حَقِيقَتِهِ فَتَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِ الْوُضُوءَ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْجِمَاعِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ مَعًا دَلَّتْ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِمَا حَيْثُ حَمَلَ الْمُلَامَسَةَ فِيهَا عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ وَالْوَطْءِ. (مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مُنْتَقَدٌ فَإِنَّهُ قَدْ يُوهِمُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ الْمَهْجُورَةُ) أَيْ فِي مَقَامِ الْحَلِفِ عَلَى الْأَكْلِ فَهُوَ هِجْرَانٌ خَاصٌّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْهَجْرَ مُطْلَقًا فَإِنَّ إطْلَاقَ الشَّجَرِ عَلَى الْخَشَبِ غَيْرُ مَهْجُورٍ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْهَجْرَ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ مَا عَدَا الثَّمَرَ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ هُنَا. (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ مَثَلًا) أَدْخَلَ بِهِ مَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مُسْتَنَدٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَدُ إلَخْ فَإِنَّ الْقِيَاسَ مُسْتَنَدٌ فَالصَّوَابُ حَذْفُ مَثَلًا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ كَوْنُهُ مُرَادًا) أَيْ وَلَا قَرِينَةَ عَلَى إرَادَتِهِ وَإِلَّا كَانَ دَالًّا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ آخِرًا. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الصَّارِفِ) وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي نَفْسِهِ لَا يُعَدُّ صَارِفًا. (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وُجُوبُ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ وَجْهَ الْمَجَازِ) أَوْرَدَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُلَاقَاةُ عُضْوٍ بِعُضْوٍ فَتَشْمَلُ الْجِمَاعَ فَيَكُونُ مِنْ مُسَمَّى الْحَقِيقَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهَا قَاصِرَةٌ عَلَى مَا كَانَ بِالْيَدِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَغْنَى عَنْ ذَكَرِهِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَنَدٌ غَيْرَهَا لَذَكَرُوهُ. (قَوْلُهُ: بِذِكْرِ الْإِجْمَاعِ) فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ) اسْتِئْنَافٌ وَقَوْلُهُ دَلَّتْ جَوَابُ الشَّرْطِ قَالَ زَكَرِيَّا عَلَى إرَادَةِ الْجِمَاعِ أَيْضًا بَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِيَنْدَفِعَ بِهِ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى امْتِنَاعِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْفَهَانِيُّ فَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِمَا فَلَا تَنَافِي فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ كَلَامَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ اهـ. (قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ إلَخْ) أَيْ وَتَكُونُ الْقَرِينَةُ مَنَعَتْ مِنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْأُمِّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِحَمْلِ الْمُلَامَسَةِ عَلَى الْوَطْءِ بَلْ عَلَى أَنْوَاعِ

[مسألة الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى]

نَحْوُ زَيْدٌ طَوِيلُ النِّجَادِ مُرَادًا مِنْهُ طَوِيلُ الْقَامَةِ إذْ طُولُهَا لَازِمٌ لِطُولِ النِّجَادِ أَيْ حَمَائِلِ السَّيْفِ (فَهِيَ حَقِيقَةٌ) لِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ اللَّازِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُلَامَسَةِ مَا عَدَاهُ (قَوْلُهُ: مُرَادًا مِنْهُ إلَخْ) فَهِمَ النَّاصِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ لِلَّفْظِ أَيْ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى أَيْضًا فَمُحَصَّلُ الْحَدِّ لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ وَلَازِمُهُ فَتَكُونُ الْكِنَايَةُ مَجَازًا فَيُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ. وَأَجَابَ سم بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ مَعْنَاهُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ لَازِمُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ أَوْ إلَى اللَّفْظِ أَيْضًا بِمُسَامَحَةٍ وَالْمَعْنَى مُرَادًا مِنْ اللَّفْظِ أَيْ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ وَالِانْتِقَالِ مِنْهُ أَيْ مِنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ اللَّازِمُ فَحَاصِلُ الْحَدِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْ مَعْنَاهُ لَازِمُ مَعْنَاهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى مَعْنَاهُ لِيُنْتَقَلَ مِنْهُ إلَى لَازِمِهِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَعَلَى الثَّانِي لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ وَالِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى لَازِمِهِ فَظَهَرَ سُقُوطُ قَوْلِهِ وَحَاصِلُهُ لَفْظٌ أُرِيدَ إلَخْ وَبُطْلَانُ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فَتَكُونُ الْكِنَايَةُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً قَالَ. وَقَدْ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي حَاشِيَةٍ أُخْرَى كَتَبَهَا فَقَالَ إنَّمَا قَالَ مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ وَلَازِمِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللَّفْظِ هُوَ الْمَعْنَى وَالْغَرَضُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى اللَّازِمِ فَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ وَسِيلَةٌ إلَى اللَّازِمِ وَلِإِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى خُصَّ اللَّازِمُ بِذِكْرِ الْإِرَادَةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ الْأَهَمُّ وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ لَا يُوَافِقُ اصْطِلَاحَ الْبَيَانِيِّينَ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ لِلْبَيَانِيِّينَ طَرِيقَتَيْنِ تَعَرَّضَ لَهُمَا فِي الْمِفْتَاحِ فِي مَوْضِعَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ مَعَ جَوَازِ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّهَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ لَكِنْ لَا لِيَكُونَ مَقْصُودًا بَلْ لِيُنْتَقَلَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّازِمِ الْمَقْصُودِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي. وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اُخْتُلِفَ فِي الْكِنَايَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. الثَّانِي أَنَّهَا مَجَازٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا وَلَا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّكَّاكِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، الرَّابِعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِوَالِدِهِ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ كَذَا قِيلَ وَالْمَعْرُوفُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَمِنْهُمْ السَّكَّاكِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ وَأَمَّا نِسْبَةُ الرَّابِعِ لِلْمُصَنِّفِ فَمُتَوَهَّمٌ إذْ قَوْلُهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ لَا إلَى الْكِنَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ. [مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى] (قَوْلُهُ: النِّجَادِ) بِكَسْرِ النُّونِ حَمَائِلُ السَّيْفِ. (قَوْلُهُ: إذْ طُولُهَا لَازِمٌ إلَخْ) الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ هَاهُنَا مَا يَعُمُّ الْعَقْلِيَّ وَالْعَادِيَّ سَوَاءٌ كَانَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَمَا فِي زَيْدٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ عَرِيضُ الْقَفَا يُكَنُّونَ بِهِ عَنْ الْبَلَاهَةِ وَفِيهَا بَحْثٌ لِأَنَّ عَرْضَ الْقَفَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْأَطِبَّاءُ عَلَى كَثْرَةِ الرُّطُوبَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْبَلَاهَةِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْبَلْغَمِ وَالرُّطُوبَةِ يُورِثُ غَلَبَةَ الْبُرُودَةِ وَالنِّسْيَانِ فَلَا وَجْهَ لِعَدِّ هَذَا الْمِثَالِ مِمَّا الِانْتِقَالُ فِيهِ بِلَا وَاسِطَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَدْقِيقٌ يَقْتَضِيهِ الْعِلْمُ الطَّبِيعِيُّ وَأَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُلَاحِظُونَ ذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُونَ مِنْهُ أَوَّلًا إلَى الْبَلَاهَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ اللَّازِمُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ لَا تُصَيِّرُهُ مَجَازًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّفْظِ إذْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَادٌ مِنْ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ الْمَلْزُومُ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَيْهِ فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِهِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا مَجَازٌ يَقُولُ إنَّ اللَّفْظَ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُ مَعْنَاهُ مَعَ جَوَازِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَعَهُ فَهِيَ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَلَا بِمَجَازٍ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجَازِ أَنَّ الْمَجَازِيَّ مِنْ الْكِنَايَةِ قِسْمٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْمَجَازِ. وَأَمَّا الْمَجَازُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ إذْ لَهُ عَلَاقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَإِلَى انْقِسَامِهَا إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَشَى وَالِدُ الْمُصَنِّفِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ

(فَإِنْ لَمْ يُرَدْ الْمَعْنَى) بِاللَّفْظِ (وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِالْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ فَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ حِينَئِذٍ (مَجَازٌ) لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ أَيْ الْأَوَّلِ (وَالتَّعْرِيضُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِيُلَوَّحَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ لِلتَّلْوِيحِ (بِغَيْرِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَوَازِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْكِنَايَةِ هُوَ أَنَّ الْكِنَايَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا كِنَايَةٌ لَا تُنَافِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمَجَازَ يُنَافِيهِ لَكِنْ قَدْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ خُصُوصِ الْمَادَّةِ كَمَا فِي {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُرَدْ) لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ اُسْتُعْمِلَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى إرَادَتُهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا عُبِّرَ) أَيْ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فَالِانْتِقَالُ هُنَا قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى لَازِمِهِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ مَجَازٌ) أَيْ لَا كِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالتَّعْرِيضُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ التَّعْرِيضِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا وَرَاءَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَالْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ مَعْنًى آخَرُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقِيِّ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ مُسْتَعْمَلًا هُوَ فِيهِ فَإِذَا قِيلَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَأُرِيدَ بِهِ التَّعْرِيضُ بِنَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ مُؤْذٍ مُعَيَّنٍ فَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ هُنَا انْحِصَارُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ سَلِمُوا مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُؤْذِي مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ الْمَقْصُودُ مِنْ اللَّفْظِ اسْتِعْمَالًا وَأَمَّا الْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكَلَامِ سِيَاقًا فَهُوَ نَفْيُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُؤْذِي الْمُعَيَّنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِيُلَوِّحَ إلَخْ) فَالْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ إنَّمَا قُصِدَ إلَيْهِ مِنْ السِّيَاقِ بِجِهَةِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ. وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْأَثِيرِ بِأَنَّ التَّعْرِيضَ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى الْمُعَرَّضِ بِهِ وَلَا مَجَازًا حَيْثُ قَالَ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَلَا كِنَايَةً لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَا دَلَّ عَلَى

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] نَسَبَ الْفِعْلَ إلَى كَبِيرِ الْأَصْنَامِ الْمُتَّخَذَةِ آلِهَةً كَأَنَّهُ غَضِبَ أَنْ تُعْبَدَ الصِّغَارُ مَعَهُ تَلْوِيحًا لِقَوْمِهِ الْعَابِدِينَ لَهَا بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ آلِهَةً لِمَا يَعْلَمُونَ إذَا نَظَرُوا بِعُقُولِهِمْ مِنْ عَجْزِ كَبِيرِهَا عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَيْ كَسْرِ صِغَارِهَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا (فَهُوَ) أَيْ التَّعْرِيضُ (حَقِيقَةٌ أَبَدًا) لِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنًى يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى جَانِبَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى) فِي التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ إرَادَتُهُ بِهِ إخْبَارٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ قَالَ النَّاصِرُ وَأَجَابَ سم بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ نَقَلَهُ عَنْ التَّلْوِيحِ مَحَلُّ الْقَصْدِ مِنْهُ أَنَّ مَنَاطَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ وَمَرْجِعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْكِنَائِيُّ وَأَمَّا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتٌ وَلَا نَفْيٌ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ قَالَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِنَايَةِ يَجْرِي فِي التَّعْرِيضِ وَبِهِ يَنْقَطِعُ هَذَا الْبَحْثُ مِنْ أَصْلِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُعَرَّضَ بِهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ اللَّفْظُ فَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ كَمَا سَمِعْت وَلَا يَكُونُ مَنَاطَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ وَصِدْقُ الْمُعَرَّضِ بِهِ وَعَدَمُهُ غَيْرُ صِدْقِ الْمُعَرَّضِ عَنْهُ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اللَّفْظُ وَكَلَامُ النَّاصِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الْجَوَابِ لَا يَصِحُّ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ: إنَّ الْكِنَايَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ لَا يَكُونُ تَعْرِيضًا قَطْعًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ اللَّفْظُ وَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُهُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّعْرِيضَ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ يُصَيِّرُ الِالْتِفَاتَ فِيهِ نَحْوَ الْمُعَرَّضِ بِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ كَأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ اللَّفْظُ وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ تَعْرِيضًا فِي أَصْلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41] فَإِنَّهُ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُنَا اهـ. وَبِهِ يَتَخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ كَلَامَ النَّاصِرِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ التَّعْرِيضُ وَحَقِيقَتُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَوُجِدَ بِخَطِّ سم عَلَى هَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ نَحْوَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْكِتَابِ مَا نَصُّهُ نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَإِنْ دَفَعَ هَذَا الْبَحْثَ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُ التَّعْرِيضِ فِي هَذَا الْمِثَالِ حَقِيقَةً وَكَيْفَ يَكُونُ حَقِيقَةً وَفِيهِ إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُ مَجَازًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْإِسْنَادُ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ إنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مَجَازًا إذَا كَانَ مَنَاطَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ وَمَرْجِعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَصْدُ الِانْتِقَالَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا فَلْيُرَاجَعْ اهـ. وَأَقُولُ لَمْ تَظْهَرْ عَلَاقَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ الْفَاعِلِ الْمَجَازِيِّ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِ الْفَاعِلُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَجَازِيًّا لَا يَرِدُ الْبَحْثُ أَصْلًا لِأَنَّ مَوْرِدَهُ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ حَقِيقِيٌّ فَكَانَ يُسْتَغْنَى فِي دَفْعِ الْبَحْثِ بِهِ عَمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَمْ تَتِمَّ عَلَى أَنَّ جَعْلَ الْإِسْنَادِ مَجَازِيًّا يُبْطِلُ صُورَةَ التَّعْرِيضِ وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْإِسْنَادَ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ إلَخْ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ كَلَامِهِمْ بِلَا دَلِيلٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ غَضِبَ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ وَالْمَعْنَى يُرِيدُ أَيْ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَضَمِيرُ غَضِبَ يَعُودُ إلَى كَبِيرِ الْأَصْنَامِ. (قَوْلُهُ: تَلْوِيحًا لِقَوْمِهِ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعْرِيضُ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّهَكُّمُ وَالْمُنَاسِبُ لِلتَّعْرِيضِ التَّلْوِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ مِنْ عِبَادَتِهَا بِالْأَوْلَى وَقَرَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِمَا يُفِيدُ ذَلِكَ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ غَضِبَ إلَخْ أَيْ فَالْإِلَهُ الْحَقُّ يَغْضَبُ لِعِبَادَةِ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَبَدًا) قَالَ مُنَجِّمٌ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ

[الحروف]

بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (الْحُرُوفُ) أَيْ هَذَا مَبْحَثٌ مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْفَقِيهُ إلَى مَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا فِي الْأَدِلَّةِ لَكِنْ سَيَأْتِي مِنْهَا أَسْمَاءٌ فَفِي التَّعْبِيرِ بِهَا تَغْلِيبٌ لِلْأَكْثَرِ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ عَدَّهَا بِالْقَلَمِ الْهِنْدِيِّ اخْتِصَارًا فِي الْكِتَابَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْقَلَمِ الْمُعْتَادِ وَلْنَمْشِ عَلَيْهِ لِوُضُوحِهِ (أَحَدُهَا إذَنْ مِنْ نَوَاصِبِ الْمُضَارِعِ) قَالَ سِيبَوَيْهِ لِلْجَوَابِ وَالْجَزَاءِ إلَخْ (قَالَ الشَّلَوْبِينُ دَائِمًا وَ) قَالَ (الْفَارِسِيُّ غَالِبًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَّفُوا التَّعْرِيضَ بِتَعْرِيفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الظَّاهِرِ مُتَّفِقَةِ الْمَآلِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ كَلَامٌ قُصِدَ بِهِ مَعْنَيَانِ مَعًا: أَحَدُهُمَا: مِنْ وَسَطِهِ حَقِيقِيًّا كَانَ أَوْ مَجَازِيًّا أَوْ كِنَائِيًّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ. وَثَانِيهِمَا: مِنْ عَرَّضَ وَجَانَبَهُ بِطَرِيقِ الرَّمْزِ وَالْإِشَارَةِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْكَلَامُ تَنَاوُلًا بَعِيدًا بِقَرِينَةٍ خَفِيَّةٍ مِثْلُ الْفَحْوَى وَالسِّيَاقِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْكَلَامُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ اهـ. وَهُوَ مَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ وَأَقَرَّهُ، فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْبَيَانِيِّينَ فَاتَّجَهَ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا أَجَابَ بِهِ سم مِنْ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَا فِي الْمِفْتَاحِ وَمَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ مُوَافَقَتَهُمَا وَلَا يَثْبُتُ أَنَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحًا لِطَائِفَةٍ مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا يُجْدِي نَفْعًا. وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْبَغِي التَّمَسُّكُ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ مِرَارًا نَعَمْ يَكْفِيهِ فِي الِاسْتِرْوَاحِ فِي الْجَوَابِ يَقُولُ صَاحِبُ الْكَشْفِ قُبَيْلَ التَّحْقِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ أَيْ صَاحِبَ الْكَشَّافِ اعْتَبَرَ فِي الْكِنَايَةِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَفِي التَّعْرِيضِ اسْتِعْمَالَهُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ مِنْ السِّيَاقِ وَالتَّحْقِيقِ إلَخْ عَلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي الْكَمَالِ أَنَّ الْكِنَايَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ الْمَعَانِي لَازِمًا لِغَيْرِهِ مِنْهَا أَمْ لَمْ يَكُنْ. وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْبَيَانِيِّينَ وَاحِدٌ. وَقَدْ ذَكَرَهُ فُقَهَاؤُنَا مُقْتَرِنًا بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ قَالُوا التَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنْ نَوَاهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَمُنْفَرِدًا حَيْثُ قَالُوا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ لِمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ حَقِيقَةً وَتَكُونُ مَجَازًا فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ تَابِعًا لِوَالِدِهِ فِي تَقْسِيمِهَا إلَى الْقِسْمَيْنِ فَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ الْقُبَيْلَ السَّابِقَ وَيُرَدُّ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فَهُوَ مَجَازٌ عَائِدٌ عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعَارِضُهُ مَا هُنَا مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَبَدًا وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ. وَأَمَّا تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ مَجَازٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِدَفْعٍ اُسْتُشْكِلَ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ مَعَ عَوْدِهِ لِلْكِنَايَةِ مَعَ تَأْنِيثِهَا. [الْحُرُوفُ] (قَوْلُهُ: مَبْحَثُ الْحُرُوفِ) هُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ الْمُرَادُ بِهِ مَكَانُ الْبَحْثِ وَالْبَحْثُ إثْبَاتُ الْمَحْمُولَاتِ لِلْمَوْضُوعَاتِ فَالْمَعْنَى مَحَلٌّ يَثْبُتُ فِيهِ أَحْوَالُ الْحُرُوفِ لَهَا وَتُحْمَلُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: الَّتِي يَحْتَاجُ إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِعُذْرِ الْأُصُولِيِّينَ فِي ذِكْرِهِمْ لَهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ مَبَاحِثِ عِلْمِ النَّحْوِ فَيُحْتَمَلُ ذِكْرُهَا هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ فَلَا تُعَدُّ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ أَوْ يُقَالُ بِتَغَايُرِ جِهَةِ الْبَحْثِ فَيَكُونُ مِنْ مَسَائِلِهِ. (قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْوُقُوعِ الِاحْتِيَاجُ إذْ قَدْ يَكْثُرُ وُقُوعُ الشَّيْءِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا نَادِرٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ سَيَأْتِي مِنْهَا أَسْمَاءُ) كَإِذْ وَإِذَا الظَّرْفِيَّتَيْنِ وَأَيِّ الْمُشَدَّدَةِ وَكُلِّ. (قَوْلُهُ: تَغْلِيبٌ لِلْأَكْثَرِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَسْمَاءَ أَشْرَفُ مِنْ الْحُرُوفِ فَكَانَتْ تُغَلَّبُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَا تَغْلِيبَ فَإِنَّ الصَّفَّارَ فِي شَرْحِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ يُطْلِقُ الْحَرْفَ عَلَى الِاسْمِ وَالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَوَاصِبِ الْمُضَارِعِ) أَيْ أَنَّهَا قَدْ تَنْصِبُهُ إذَا اسْتَوْفَتْ الشُّرُوطَ. (قَوْلُهُ: لِلْجَوَابِ وَالْجَزَاءِ) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا لَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ إذْ لَا يُوصَفُ الْوَضْعُ بِدَوَامٍ

وَقَدْ تَتَمَحَّضُ لِلْجَوَابِ فَإِذَا قُلْت لِمَنْ قَالَ أَزُورُك إذَنْ أُكْرِمَك فَقَدْ أَجَبْته وَجَعَلْت إكْرَامَك جَزَاءَ زِيَارَتِهِ أَيْ إنْ زُرْتنِي أَكْرَمْتُك وَإِذَا قُلْت لِمَنْ قَالَ أُحِبُّك إذَنْ أُصَدِّقُكَ فَقَدْ أَجَبْته فَقَطْ عِنْدَ الْفَارِسِيِّ وَمَدْخُولُ إذَنْ فِيهِ مَرْفُوعٌ لِاخْتِفَاءِ اسْتِقْبَالِهِ الْمُشْتَرَطِ فِي نَصْبِهَا وَيَتَكَلَّفُ الشَّلَوْبِينُ فِي جَعْلِ هَذَا مِثَالًا لِلْجَزَاءِ أَيْضًا أَيْ إنْ كُنْت قُلْت ذَلِكَ حَقِيقَةً صَدَّقْتُك وَسَيَأْتِي عَدُّهَا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِلَّةٌ لِلْجَزَاءِ. (الثَّانِي إنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ (لِلشَّرْطِ) أَيْ لِتَعْلِيقِ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ أُخْرَى نَحْوُ {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] (وَالنَّفْيِ) نَحْوُ {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20] {إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى} [التوبة: 107] أَيْ مَا (وَالزِّيَادَةِ) نَحْوُ مَا إنْ زَيْدٌ قَائِمٌ مَا إنْ رَأَيْت زَيْدًا. (الثَّالِثُ أَوْ) مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ (لِلشَّكِّ) مِنْ الْمُتَكَلِّمِ نَحْوُ قَالُوا {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] (وَالْإِيهَامِ) عَلَى السَّامِعِ نَحْوُ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (وَالتَّخْيِيرِ) بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نَحْوُ خُذْ مِنْ مَالِي ثَوْبًا أَوْ دِينَارًا أَمْ جَازَ نَحْوُ جَالِسْ الْعُلَمَاءَ أَوْ الْوُعَّاظَ وَقَصَرَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ التَّخْيِيرَ عَلَى الْأَوَّلِ وَسَمَّوْا الثَّانِي بِالْإِبَاحَةِ (وَمُطْلَقِ الْجَمْعِ) كَالْوَاوِ نَحْوُ وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا أَيْ وَعَلَيْهَا (وَالتَّقْسِيمِ نَحْوُ: الْكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ) أَيْ مُقَسَّمَةٌ إلَى الثَّلَاثَةِ تَقْسِيمَ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا (وَبِمَعْنَى إلَى) فَيُنْصَبُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ نَحْوُ لَأَلْزَمَنك أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي أَيْ إلَى أَنْ تَقْضِينِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا غَلَبَةٍ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهِ جَوَابٌ عَنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ لَا أَنَّهَا نَفْسُ الْجَوَابِ وَأَنَّ مَدْلُولَهُ مُكَافِئٌ لَهُ مِنْ ثَمَّ قِيلَ الْجَوَابُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ وَالْجَزَاءُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَتَمَحَّضُ) أَيْ وَتَخْرَجُ عَنْ الْجَزَاءِ وَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْفَارِسِيِّ (قَوْلُهُ: فَقَدْ أَجَبْتُهُ فَقَطْ) أَيْ وَلَا مُجَازَاةَ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ فِي الْحَالِ وَالْجَزَاءِ لَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا. (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ كُنْت إلَخْ) فَالشَّرْطُ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ الْمُشْتَرَطُ فِي نَصْبِهَا مَوْجُودٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّرْطَ عِلَّةٌ) أَيْ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ لِتَعْلِيقِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الْأَدَاةُ وَلَا فِعْلُ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةِ إلَخْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ أَيْ وَثَمَرَةُ الزِّيَادَةِ وَهُوَ التَّأْكِيدُ وَإِفَادَةُ الْحَرْفِ التَّأْكِيدَ لَا تُنَافِي زِيَادَتَهُ إذْ لَمْ يَكُنْ التَّأْكِيدُ مَوْضُوعَ الْحَرْفِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ زَائِدًا وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ الزَّائِدُ فِي قُوَّةِ تَكْرِيرِ الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ مَا إنْ زَيْدٌ قَائِمٌ) أَشَارَ بِتَكْرِيرِ الْمِثَالِ لِدُخُولِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لِلشَّكِّ إلَخْ) الْحَقُّ مَا أَفَادَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ التَّفْتَازَانِيُّ وَابْنُ هِشَامٍ أَنَّ وَضْعَ أَوْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُورِ وَاسْتِفَادَةُ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ قَرَائِنَ خَارِجِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: لَبِثْنَا يَوْمًا) قِيلَ إنَّ أَوْ هَاهُنَا لِلْإِضْرَابِ. (قَوْلُهُ: خُذْ مِنْ مَالِي) إنَّمَا كَانَتْ أَوْ هَاهُنَا لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهِ وَأَوْ نَصٌّ فِي أَحَدِهِمَا فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: بِالْإِبَاحَةِ) أَيْ اللُّغَوِيَّةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَدْلُولَاتِ الْحُرُوفِ. (قَوْلُهُ: وَمُطْلَقُ الْجَمْعِ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَشَوِيَّةِ مِنْ نَحْوِيَّةِ الْكُوفَةِ إلَى أَنَّ أَوْ قَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] وقَوْله تَعَالَى {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [المرسلات: 6] وَقَوْلِهِ {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] وَهَذَا زَلَلٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَلَا تَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَطُّ وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا {أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَعَانِي كَالزَّجَّاجِ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى تَنْزِيلِ الْخِطَابِ عَلَى قَدْرِ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ التَّقْدِيرُ وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى عُصْبَةٍ لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ لَقُلْتُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَعَلَيْهِ خَرَجَ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] وَالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَاظَمُهُ أَمْرٌ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِعَادَةَ أَهْوَنُ فِي ظُنُونِكُمْ فَإِذَا اعْتَرَفْتُمْ بِالِاقْتِدَارِ عَلَى الِابْتِدَاءِ فَالْإِعَادَةُ أَهْوَنُ عِنْدَكُمْ فَلِمَ مَنَعْتُمُوهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ زَعَمَتْ إلَخْ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى تَحَدَّثَتْ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ وَأَوْرَدَ أَنَّهَا فِي الْبَيْتِ لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِنَفْسِي تُقَاهَا إنْ كَانَتْ تَقِيَّةً أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا إنْ كَانَتْ فَاجِرَةً وَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ التَّنْوِيعَ فِي الِاتِّصَافِ بِهِمَا وَالْكَلَامُ فِي كَوْنِ الْفُجُورِ ضَارًّا وَالتَّقْوَى نَافِعَةً وَهُمَا مُتَحَقِّقَانِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّقْسِيمُ) الِانْفِصَالُ فِيهِ حَقِيقِيٌّ

(وَالْإِضْرَابِ كَبَلْ) نَحْوُ {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] أَيْ بَلْ يَزِيدُونَ (قَالَ الْحَرِيرِيُّ وَالتَّقْرِيبُ نَحْوُ مَا أَدْرِي أَسَلَّمَ أَوْ وَدَّعَ) هَذَا يُقَالُ لِمَنْ قَصَرَ سَلَامَهُ كَالْوَدَاعِ فَهُوَ مِنْ تَجَاهُلِ الْعَارِفِ وَالْمُرَادُ تَقْرِيبُ السَّلَامِ لِقَصْرِهِ مِنْ الْوَدَاعِ وَنَحْوِهِ وَمَا أَدْرِي أَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ يُقَالُ لِمَنْ أَسْرَعَ فِي الْأَذَانِ كَالْإِقَامَةِ. (الرَّابِعُ أَيْ بِالْفَتْحِ) لِلْهَمْزَةِ (وَالسُّكُونِ) لِلْيَاءِ (لِلتَّفْسِيرِ) بِمُفْرَدٍ نَحْوُ عِنْدِي عَسْجَدٌ أَيْ ذَهَبٌ وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ أَوْ بِجُمْلَةٍ نَحْوُ وَتَرْمِينَنِي بِالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِبٌ ... وَتَقْلِينَنِي لَكِنْ إيَّاكِ لَا أَقْلِي فَأَنْتَ مُذْنِبٌ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ إذْ مَعْنَاهُ تَنْظُرُ إلَيَّ نَظَرَ مُغْضَبٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ وَاسْمُ لَكِنْ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَقُدِّمَ الْمَفْعُولُ مِنْ خَبَرِهَا لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ أَيْ أَتْرُكُك بِخِلَافِ غَيْرِك (وَلِنِدَاءِ الْقَرِيبِ أَوْ الْبَعِيدِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ أَقْوَالٌ) وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي «آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا وَأَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَيْ رَبِّ» . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] وَقِيلَ لَا يَدُلُّ لِجَوَازِ نِدَاءِ الْقَرِيبِ بِمَا لِلْبَعِيدِ تَوْكِيدًا (الْخَامِسُ أَيَّ) بِالْفَتْحِ وَ (بِالتَّشْدِيدِ) اسْمٌ (لِلشَّرْطِ) نَحْوُ {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28] (وَالِاسْتِفْهَامِ) نَحْوُ {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124] (وَمَوْصُولَةٌ) نَحْوُ {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69] أَيْ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ (وَدَالَّةٌ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ) بِأَنْ يَكُونَ صِفَةً لِنَكِرَةٍ أَوْ حَالًا مِنْ مَعْرِفَةٍ نَحْوُ مَرَرْت بِرَجُلٍ أَيَّ رَجُلٍ أَوْ بِعَالِمٍ أَيَّ عَالِمٍ أَيْ كَامِلٍ فِي صِفَاتِ الرُّجُولِيَّةِ أَوْ الْعِلْمِ وَمَرَرْت بِزَيْدٍ أَيَّ رَجُلٍ أَوْ أَيَّ عَالِمٍ أَيْ كَامِلًا فِي صِفَاتِ الرُّجُولِيَّةِ أَوْ الْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ كَانَ حَقِيقًا أَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ إنْ كَانَ اعْتِبَارِيًّا وَقَدْ يُؤْتَى فِيهِ بِالْوَاوِ نَظَرًا لِتَحْقِيقِ الْمُقَسَّمِ فِي أَقْسَامِهِ فَهُوَ مُجْتَمِعٌ فِيهَا كَمَا أَنَّ الْإِتْيَانَ بِأَوْ نَظَرًا إلَى تَبَايُنِ الْأَقْسَامِ إنْ كَانَ حَقِيقًا أَوْ تُخَالِفَهَا إنْ كَانَ اعْتِبَارِيًّا فَلِكُلٍّ مِنْ أَوْ وَالْوَاوِ مُنَاسَبَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْإِضْرَابِ) هُوَ الْإِعْرَاضُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ (قَوْلُهُ: بَلْ يَزِيدُونَ) وَجْهُ الْإِضْرَابِ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ بِنَاءً عَلَى حَزْرِ النَّاسِ مَعَ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ثُمَّ ذَكَرَ التَّحْقِيقَ مُضْرِبًا عَمَّا يَغْلَظُ فِيهِ النَّاسُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَشَّافِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لِلشَّكِّ لَكِنْ بِحَسَبِ حَالِ النَّاظِرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ فِي مَرْأَى النَّاظِرِ كَذَلِكَ أَيْ إذَا نَظَرَ إلَيْهِمْ قَالَ هُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْحَرِيرِيُّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَرِيرِيَّ ابْتَكَرَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالتَّقْرِيبِ) أَيْ تَقْرِيبُ مَعْنًى مِنْ مَعْنًى. (قَوْلُهُ: هَذَا يُقَالُ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنَّهُ يُقَالُ لَمَّا قَصَرَ الزَّمَنَ بَيْنَ وَدَاعِهِ وَسَلَامِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْحَرِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْحَةِ وَتَجَاهُلُ الْعَارِفِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَبْلَغُ. وَقَدْ أَسْفَرَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ قَالَ رَكِبَ الْأَهْوَالَ فِي زَوْرَتِهِ ... ثُمَّ مَا سَلِمَ حَتَّى وَدَّعَا فَهَذَا الْبَيْتُ أَفْصَحُ عَنْ قِصَرِ الزَّمَانِ بَيْنَ السَّلَامِ وَالْوَدَاعِ فَلَا تَغَيُّرَ بِمَا قَالَهُ سم مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ قِصَرِ الزَّمَانِ بَيْنَهُمَا لَا يُوجِبُ اشْتِبَاهَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ حَتَّى يَتَأَتَّى إظْهَارُ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُمَا الْمَوْجُودُ فَإِنَّهُ جَحْدٌ لِلضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ) احْتَرَزَ عَنْ إيْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَإِنَّهَا مِنْ حُرُوفِ الْجَوَابِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا لِقِلَّتِهَا فِي الْكَلَامِ وَاحْتَرَزَ عَنْ أَيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالتَّشْدِيدِ وَسَتَأْتِي. (قَوْلُهُ: بِمُفْرَدٍ) أَيْ لِتَفْسِيرِ مُفْرَدٍ بِمُفْرَدٍ وَقَوْلُهُ أَوْ بِجُمْلَةٍ أَيْ أَوْ لِتَفْسِيرِ جُمْلَةٍ بِجُمْلَةٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ) وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ عَطْفُ نَسَقٍ لِأَنَّ أَيْ عِنْدَهُمْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ. (قَوْلُهُ: وَتَرْمِينَنِي بِالطَّرْفِ) فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ تَنْظُرُ إلَى آخَرَ وَقَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ فِيهِ مُسَامَحَةٌ إذْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِسَبَبِ الرَّمْيِ لَا لِنَفْسِ الرَّمْيِ كَمَا يُشِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ خَبَرِهَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَضَلَاتِ الْجُمْلَةِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ بِالنَّفْيِ وَهُوَ عَدَمُ

(وَوَصْلَةٌ لِنِدَاءِ مَا فِيهِ أَلْ) نَحْوُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ. (السَّادِسُ إذْ اسْمٌ) لِلْمَاضِي ظَرْفًا نَحْوُ وَجِئْتُك إذْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهَا (وَمَفْعُولًا بِهِ) نَحْوُ {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86] أَيْ اُذْكُرُوا حَالَتَكُمْ هَذِهِ (وَبَدَلًا مِنْ الْمَفْعُولِ) بِهِ نَحْوُ {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} [المائدة: 20] إلَخْ أَيْ اذْكَرُوا النِّعْمَةَ الَّتِي هِيَ الْجَعْلُ الْمَذْكُورُ (وَمُضَافًا إلَيْهَا اسْمُ زَمَانٍ) نَحْوُ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] (وَلِلْمُسْتَقْبَلِ فِي الْأَصَحِّ) نَحْوُ {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ - إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 70 - 71] وَقِيلَ لَيْسَتْ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَالْمَاضِي (وَتَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ حَرْفًا) كَاللَّامِ (أَوْ ظَرْفًا) بِمَعْنَى وَقْتٍ وَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ قَوْلَانِ نَحْوُ ضَرَبْت الْعَبْدَ إذْ أَسَاءَ أَيْ لِإِسَاءَتِهِ أَوْ وَقْتَ إسَاءَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الضَّرْبَ وَقْتَ الْإِسَاءَةِ لِأَجْلِهَا (وَلِلْمُفَاجَأَةِ) بِأَنْ تَكُونَ (بَعْدَ بَيْنَا أَوْ بَيْنَمَا وِفَاقًا لِسِيبَوَيْهِ) حَرْفًا كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ ظَرْفُ مَكَان وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ ظَرْفُ زَمَانٍ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَلْيِ (قَوْلُهُ: وَوَصْلَةٌ) أَيْ وَسِيلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ يَا وَأَلْ عَلَى التَّوَالِي وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَيَّ لَيْسَتْ مُنَادًى وَإِنَّمَا هِيَ وَسِيلَةٌ وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ وَالْهَاءُ فِي أَيُّهَا لِلتَّنْبِيهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ اُذْكُرُوا حَالَكُمْ) الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ اُذْكُرُوا وَقْتَ كَوْنِكُمْ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْوَقْتِ ذِكْرَ مَا هُوَ فِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَقِيلَ إنَّهَا ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ هُوَ الْمَفْعُولُ. (قَوْلُهُ: أَيْ اُذْكُرُوا النِّعْمَةَ إلَخْ) فِيهِ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَيُمْكِنُ أَنَّ إذْ ظَرْفٌ لِلنِّعْمَةِ. (قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ الْجَعْلُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ كُلٍّ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ بُدِئَ الْوَحْيُ مِنْ قَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُك قَوْمُك وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ لِلْمَاضِي فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لَمْ يَصِحَّ نَصْبُهُ بِيَعْلَمُونَ فِي الْآيَةِ وَلَا بِأَكُونُ فِي الْحَدِيثِ لِلتَّنَافِي بَيْنَ مَعْنَاهُمَا وَمَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ) أَيْ فَهُوَ مَاضٍ تَأْوِيلًا وَيَبْعُدُ هَذَا التَّصْدِيرُ بِسَوْفَ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الضَّرْبَ إلَخْ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْكَلَامِ يُفِيدُ التَّعْلِيلَ (قَوْلُهُ:

عَنْ حِكَايَةِ هَذَا الْخِلَافِ بِحِكَايَةِ مِثْلِهِ فِي إذَا الْأَصْلِيَّةِ فِي الْمُفَاجَأَةِ مِثَالُ ذَلِكَ بَيْنَا أَوْ بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَيْ فَاجَأَ مَجِيئُهُ وُقُوفِي أَوْ مَكَانَهُ أَوْ زَمَانَهُ وَقِيلَ لَيْسَتْ لِلْمُفَاجَأَةِ وَهِيَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا كَمَا لَوْ تَرَكَهَا مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَرَبِ. (السَّابِعُ إذَا لِلْمُفَاجَأَةِ) بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا ابْتِدَائِيَّةٌ (حَرْفًا وِفَاقًا لِلْأَخْفَشِ وَابْنِ مَالِكٍ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ عُصْفُورٍ ظَرْفُ مَكَان وَالزَّجَّاجُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ ظَرْفُ زَمَانٍ) مِثَالُ ذَلِكَ خَرَجْت فَإِذَا زَيْدٌ وَاقِفٌ أَيْ فَاجَأَ وُقُوفُهُ خُرُوجِي أَوْ مَكَانَهُ أَوْ زَمَانَهُ وَمَنْ قَدَّرَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَفِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ وُقُوفُهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى الظَّرْفِ وَتَرَكَ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ وَهَلْ الْفَاءُ فِيهَا زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ قَوْلَانِ (وَتَرِدُ ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ غَالِبًا) فَتُجَابُ بِمَا يُصَدَّرُ بِالْفَاءِ نَحْوُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] الْآيَةَ. وَالْجَوَابُ فَسَبِّحْ إلَخْ وَقَدْ لَا تُضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ آتِيكَ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ أَيْ وَقْتَ احْمِرَارِهِ (وَنَدَرَ مَجِيئُهَا لِلْمَاضِي) نَحْوُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [الجمعة: 11] الْآيَةَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالِانْفِضَاضِ (وَالْحَالِ) نَحْوُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحِكَايَةِ مِثْلِهِ) أَيْ فَيُعْلَمُ بِالْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: أَيْ فَاجَأَ مَجِيئُهُ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَهُوَ حَلُّ مَعْنًى إذْ عَلَى أَنَّهَا حَرْفٌ بَيْنَ مَعْمُولَةٍ لِجَاءَ أَيْ بَيْنَا أَنَا فِي أَزْمِنَةِ وُقُوفِي إذْ جَاءَ وَعَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ الْخَبَرِ وَإِذْ هِيَ الْخَبَرُ أَوْ الْمُبْتَدَأُ. (قَوْلُهُ: زَائِدَةٌ) لِتَزْيِينِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَفَاءِ الْجَوَابِ وَهُوَ لِأَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ. (قَوْلُهُ: آتِيك إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ) مِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] وَقَوْلُهُ {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] فَإِذَا فِيهِمَا ظَرْفٌ لِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَلَيْسَتْ شَرْطِيَّةً وَالْجُمْلَةُ اسْمِيَّةٌ وَإِلَّا لَاقْتَرَنَتْ بِالْفَاءِ. (قَوْلُهُ: وَالْحَالُ) أَيْ بِاعْتِبَارِ صَاحِبِهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ وَقْتِ التَّكَلُّمِ. (قَوْلُهُ: وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى) قِيلَ الْأَظْهَرُ أَنَّ إذَا فِي هَذَا وَنَحْوِهِ لِمُجَرَّدِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِحِينٍ أَيْ وَقْتَ غَشَيَانِهِ عَلَى أَنَّهُ

فَإِنَّ الْغَشَيَانَ مُقَارِنٌ لِلَّيْلِ (الثَّامِنُ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ حَقِيقَةً) نَحْوُ بِهِ دَاءٌ أَيْ أُلْصِقَ بِهِ (وَمَجَازًا) نَحْوُ مَرَرْت بِزَيْدٍ أَيْ أَلْصَقْت مُرُورِي بِمَكَانٍ يَقْرُبُ مِنْهُ (وَالتَّعَدِّيَةِ) كَالْهَمْزَةِ نَحْوُ {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] أَيْ أَذْهَبَهُ (وَالِاسْتِعَانَةِ) بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ نَحْوُ كَتَبْت بِالْقَلَمِ (وَالسَّبَبِيَّةِ) نَحْوُ {فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40] (وَالْمُصَاحَبَةِ) نَحْوُ {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} [النساء: 170] أَيْ مُصَاحِبٍ لَهُ (وَالظَّرْفِيَّةِ) الْمَكَانِيَّةِ أَوْ الزَّمَانِيَّةِ نَحْوُ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] (وَالْبَدَلِيَّةِ) كَمَا فِي «قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْذَنْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ وَقَالَ لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِك فَقَالَ كَلِمَةٌ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا أَيْ بَدَلَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَأُخَيَّ ضُبِطَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا لِتَقْرِيبِ الْمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَلٌ مِنْ اللَّيْلِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقَ الْقَسَمِ بِغَشَيَانِ اللَّيْلِ أَوْ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ) وَعَلَيْهِ قَصَرَهَا سِيبَوَيْهِ حَيْثُ قَالَ إنَّمَا هِيَ لِلْإِلْصَاقِ وَالِاخْتِلَاطِ اهـ. وَالْإِلْصَاقُ إيصَالُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى حَقِيقِيٍّ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَمَجَازِيٍّ كَالثَّانِي. (قَوْلُهُ: كَالْهَمْزَةِ) أَيْ فِي أَنَّهَا تُصَيِّرُ الْفَاعِلَ مَفْعُولًا وَكَمَا تُسَمَّى بَاءَ التَّعَدِّيَةِ تُسَمَّى بَاءَ النَّقْلِ وَالتَّعَدِّيَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى مُخْتَصَّةٌ بِالْبَاءِ أَمَّا بِمَعْنَى إيصَالِهِ مَعْنَى الْفِعْلِ إلَى الِاسْمِ فَمُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ حُرُوفِ الْجَرِّ الَّتِي لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ أَوْ فِي حُكْمِ الزَّائِدَةِ كَرُبَّ وَمُنْذُ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِعَانَةِ) أَدْرَجَهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي السَّبَبِيَّةِ قَالَ وَآثَرْت التَّعْبِيرَ بِالسَّبَبِيَّةِ لِأَجْلِ الْأَفْعَالِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ) أَيْ حَقِيقَةً كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَوْ مَجَازًا كَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ. (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبِيَّةِ) اسْتَغْنَى بِهَا عَنْ ذِكْرِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَالسَّبَبَ وَاحِدٌ وَمَنْ فَرَّقَ غَايَرَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعِلَّةَ مُوجِبَةٌ لِمَعْلُولِهَا بِخِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّهُ كَالْأَمَارَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُصَاحَبَةِ) وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ فِي مَحَلِّهَا مَعَ وَيُغْنِي عَنْهَا وَعَنْ مَصْحُوبِهَا الْحَالُ. (قَوْلُهُ: وَالْبَدَلِيَّةِ) بِأَنْ يَصْلُحَ مَكَانَهَا لَفْظُ بَدَلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُقَابَلَةِ أَنَّ الْبَدَلِيَّةَ أَخْذُ شَيْءٍ بَدَلَ شَيْءٍ يُؤْخَذُ أَيْضًا فَلَيْسَ الْأَخِذُ دَافِعًا لِشَيْءٍ بَدَلَ مَا يَأْخُذُهُ بَلْ آخِذٌ شَيْئًا مِنْ شَيْئَيْنِ يُمْكِنُ أَخْذُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْمُقَابَلَةِ فَإِنَّهَا أَخْذُ شَيْءٍ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ يَدْفَعُهُ ثَمَنًا كَانَ كَمَا مَثَّلَ أَوْ غَيْرَ ثَمَنٍ كَقَوْلِك قَابَلْت إحْسَانَهُ بِضَعْفِهِ. (قَوْلُهُ: كَلِمَةٌ) أَيْ هَذِهِ كَلِمَةٌ أَيْ جُمْلَةٌ وَهِيَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِك» لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِرِفْعَةِ مَقَامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ

(وَالْمُقَابَلَةِ) نَحْوُ اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِأَلْفٍ (وَالْمُجَاوَزَةِ) كَعَنْ نَحْوُ {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] أَيْ عَنْهُ (وَالِاسْتِعْلَاءِ) نَحْوُ {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أَيْ عَلَيْهِ (وَالْقَسَمِ) نَحْوُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا (وَالْغَايَةِ) كَإِلَى نَحْوُ {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} [يوسف: 100] أَيْ إلَيَّ (وَالتَّوْكِيدِ) نَحْوُ {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الرعد: 43] {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] وَالْأَصْلُ كَفَى اللَّهُ، وَهُزِّي جِذْعَ (وَكَذَا التَّبْعِيضُ) كَمِنْ (وِفَاقًا لِلْأَصْمَعِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ) نَحْوُ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] أَيْ مِنْهَا وَقِيلَ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ وَيَشْرَبُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى يُرْوَى أَوْ يَلْتَذُّ مَجَازًا وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. (التَّاسِعُ بَلْ لِلْعَطْفِ) فِيمَا إذَا وَلِيَهَا مُفْرَدٌ سَوَاءٌ أُولِيَتْ مُوجَبًا أَمْ غَيْرَ مُوجَبٍ فَفِي الْمُوجَبِ نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَاضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا تَنْقُلُ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ إلَى الْمَعْطُوفِ وَفِي غَيْرِ الْمُوجَبِ نَحْوُ مَا جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَلَا تَضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا تُقَرِّرُ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَجْعَلُ ضِدَّهُ لِلْمَعْطُوفِ (وَالْإِضْرَابِ) فِيمَا إذَا وَلِيَهَا جُمْلَةٌ (أَمَّا لِلْإِبْطَالِ) لِمَا وَلِيَتْهُ نَحْوُ {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] فَالْجَائِي بِالْحَقِّ لَا جُنُونَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرَادَ بِالْكَلِمَةِ لَفْظَ أُخَيَّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: وَالْمُقَابَلَةِ) وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَعْوَاضِ كَالثَّمَنِ (قَوْلُهُ: كَعَنْ) يَكْثُرُ وُقُوعُهَا بَعْدَ السُّؤَالِ نَحْوُ {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ، وَ " سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، وَيَقِلُّ بَعْدَ غَيْرِهِ كَمِثَالِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا التَّبْعِيضُ) قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ الْبَاءُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ نَحْوُ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] صَارَ لِلتَّبْعِيضِ لِلْفَرْقِ الضَّرُورِيِّ بَيْنَ مَسَحْت الْمِنْدِيلَ وَمَسَحْت بِالْمِنْدِيلِ فِي إفَادَةِ الْأَوَّلِ الشُّمُولَ وَالثَّانِي التَّبْعِيضَ فَيَجِبُ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الْمَسْحُ وَهُوَ شَعْرَةٌ أَوْ شَعْرَتَانِ اهـ. لَكِنْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ: إنَّ هَذَا خَلَفٌ مِنْ الْكَلَامِ لَا حَاصِلَ لَهُ وَقَدْ اشْتَدَّ نَكِيرُ ابْنِ جِنِّي فِي سِرِّ الصِّنَاعَةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ مَسَحْت رَأْسِي وَمَسَحْت بِرَأْسِيِّ وَالتَّبْعِيضُ يَتَلَقَّى مِنْ غَيْرِ الْبَاءِ اهـ. وَفِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ لِلْعَلَامَةِ الْفَنَارِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا فِي الْمَحْصُولِ التَّرَادُفُ مَعَ مِنْ وَالِاشْتِرَاكُ مَعَ الْإِلْصَاقِ وَكِلَاهُمَا خِلَافُ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وِفَاقًا لِلْأَصْمَعِيِّ) أَيْ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْقَوْلِ بِأَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ لَكِنْ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا نَقْلَ لَهُ لُغَةً اهـ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نَقْلِ الْأَصْمَعِيِّ أَوْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ لِقُوَّةِ الْقَائِلِ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ) مِمَّنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا لِلتَّبْعِيضِ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي. وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ فَهِيَ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَتْ شَهَادَةَ نَفْيٍ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنٍّ غَالِبٍ مُسْتَنِدٍ إلَى الِاسْتِقْرَاءِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ مُطَّلِعٌ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ مُتَتَبِّعٌ لِسَائِرِ أَحْكَامِهِمْ فِي نَفْيِ مَا دَلَّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَى نَفْيِهِ (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ) أَيْ بِالْمَرَّةِ لَا يُقَالُ إذَا نَقَلَتْ حُكْمَهُ لَمْ يَكُنْ مَسْكُوتًا عَنْهُ بَلْ نُفِيَ عَنْهُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْإِثْبَاتُ دُونَ الثُّبُوتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَحَقُّقُ الِانْتِفَاءِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الثُّبُوتُ بَاقِيًا (قَوْلُهُ: وَالْإِضْرَابِ) أَيْ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْعَطْفِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا وَلِيَهَا جُمْلَةٌ) قُيِّدَ بِذَلِكَ لِيَصِحَّ تَقْسِيمُهَا إلَى الْإِبْطَالِ وَالِانْتِقَالِ لَا تَسْمِيَتُهَا بِالْإِضْرَابِ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ تُسَمَّى بِهِ وَإِنْ وَلِيَهَا مُفْرَدٌ. قَوْلُهُ {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 70] فِي التَّمْثِيلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ بَلْ الْإِضْرَابِيَّةَ لَا تَقَعُ فِي التَّنْزِيلِ وَمِثْلُهَا قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِضْرَابَ فِي الْآيَتَيْنِ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ لِلْإِبْطَالِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْقَوْلِ لَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ إخْبَارٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَقَالِهِمْ صَادِقَةٌ فَلَمْ يُبْطِلْهَا الْإِضْرَابُ وَإِنَّمَا أَفَادَ الْإِضْرَابُ الِانْتِقَالَ مِنْ إخْبَارٍ عَنْ الْكُفَّارِ إلَى إخْبَارٍ عَنْ وَصْفِ مَنْ وَقَعَ

(أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ) نَحْوُ {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ - بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 62 - 63] فَمَا قِيلَ بَلْ فِيهِ عَلَى حَالِهِ. (الْعَاشِرُ بَيْدَ) اسْمٌ مُلَازِمٌ لِلنَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ إلَى أَنَّ وَصِلَتُهَا (بِمَعْنَى غَيْرَ) ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ يُقَالُ إنَّهُ كَثِيرُ الْمَالِ بَيْدَ أَنَّهُ بَخِيلٌ (وَبِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ) ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ (وَعَلَيْهِ) حَدِيثُ «أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» أَيْ الَّذِينَ هُمْ أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِهَا وَأَنَا أَفْصَحُهُمْ وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِعُسْرِهَا عَلَى غَيْرِ الْعَرَبِ وَالْمَعْنَى أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ أَوْرَدَهُ أَهْلُ الْغَرِيبِ وَقِيلَ أَنَّ بَيْدَ فِيهِ بِمَعْنَى غَيْرَ وَأَنَّهُ مِنْ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَلَائِكَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلِانْتِقَالِ) أَيْ وَاقِعَةٍ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالِانْتِقَالُ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ الْآتِي بِكَلَامٍ بَعْدَ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَلْ. (قَوْلُهُ: اسْمٌ) وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ حَرْفٌ كَإِلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّة. (قَوْلُهُ: مُلَازِمٌ لِلنَّصْبِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَهَذَا عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى غَيْرَ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ إذْ لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَا أَفْصَحُهُمْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَاهُنَا مُقَدِّمَةً مَطْوِيَّةً لَا يَتِمُّ التَّعْلِيلُ بِدُونِهَا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا اللَّفْظِ) أَيْ أَفْصَحُ الْعَرَبِ. (قَوْلُهُ: أَوْرَدَهُ أَهْلُ الْغَرِيبِ) أَيْ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ أَلَّفُوا فِي الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَدِيثِ كَابْنِ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ مِنْ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْمَدْحِ بِالْفَصَاحَةِ إلَّا كَوْنُهُ مِنْ قُرَيْشٍ إنْ كَانَ ذَمًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِذَمٍّ قَطْعًا بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الْمَدْحِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ هُنَاكَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ. وَقَدْ عُدَّ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ وَاسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ

بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ. (الْحَادِيَ عَشَرَ ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ لِلتَّشْرِيكِ) فِي الْإِعْرَابِ وَالْحُكْمِ (وَالْمُهْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِلتَّرْتِيبِ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ) تَقُولُ جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو إذَا تَرَاخَى مَجِيءُ عَمْرٍو عَنْ مَجِيءِ زَيْدٍ وَخَالَفَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي إفَادَتِهَا التَّرْتِيبَ كَمَا خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي إفَادَتِهَا الْمُهْلَةَ قَالُوا لِمَجِيئِهَا لِغَيْرِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6] وَالْجَعْلُ قَبْلَ خَلْقِنَا وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ كَهَزِّ الرُّدَيْنِيِّ تَحْتَ الْعَجَاجِ ... جَرَى فِي الْأَنَابِيبِ ثُمَّ اضْطَرَبَ وَاضْطِرَابُ الرُّمْحِ يَعْقُبُ جَرْيَ الْهَزِّ فِي أَنَابِيبِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَوَسَّعَ فِيهَا بِإِيقَاعِهَا مَوْقِعَ الْوَاوِ فِي الْأَوَّلِ وَالْفَاءِ فِي الثَّانِي وَتَارَةً يُقَالُ إنَّهَا فِي الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْعَبَّادِيِّ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْهُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَقَفْت هَذِهِ الضَّيْعَةَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَنَّهُ لِلْجَمْعِ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيمَا لَوْ أَتَى بَدَلَ ثُمَّ بِالْوَاوِ قَائِلِينَ أَنَّ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فِيهِ بِمَعْنَى مَا تَنَاسَلُوا أَيْ لِلتَّعْمِيمِ وَإِنْ قَالَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ. (الثَّانِي عَشَرَ حَتَّى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ غَالِبًا) وَهِيَ حِينَئِذٍ إمَّا جَارَّةٌ لِاسْمٍ صَرِيحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ أَخْرَجَ قَوْلَهُ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مَخْرَجَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لِأَنَّهُ إثْرَ كَمَالِ الشَّجَاعَةِ إلَّا أَنَّهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ جِنْسِ الْعَيْبِ عَنْهُمْ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ وُجُودُ الْعَيْبِ فِيهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ مَحْضُ الشَّجَاعَةِ عَيْبًا لَكِنَّ هَذَا مُحَالٌ وَمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُحَالِ يَكُونُ مُحَالًا لَا مَحَالَةَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ ضُيُوفَهُمْ ... تُلَامُ بِهِجْرَانِ الْأَحِبَّةِ وَالْوَطَنِ فَرَحِمَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ النَّاسَ لَا كَمَنْ قِيلَ فِيهِمْ بَلَوْتُهُمْ مُذْ كُنْت طِفْلًا فَلَمْ أَجِدْ ... كَمَا أَشْتَهِي مِنْهُمْ صَدِيقًا وَصَاحِبَا فَصَوَّبْت رَأْيِي فِي فِرَارِي مِنْهُمْ ... وَشَمَّرْت أَذْيَالِي وَوَلَّيْت هَارِبَا وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ قَوْمٌ إذَا حَلَّ ضَيْفٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ... لَمْ يُنْزِلُوهُ وَدَلُّوهُ عَلَى الْخَانِ (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) رَاجِعٌ لِلْمُهْلَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ لَا لِلتَّشْرِيكِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ إذْ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَطْفِ وَالْقَوْلُ بِزِيَادَتِهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 117] خَارِجٌ عَنْ الْعَطْفِ فَلَا يُقَابِلُ التَّشْرِيكَ. قَوْلُهُ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ} [الأعراف: 189] إلَخْ خِلَافُ التِّلَاوَةِ فَإِنَّ آيَةَ الزُّمَرِ {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6] وَلَيْسَ فِيهَا هُوَ الَّذِي وَآيَةُ الْأَعْرَافِ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ} [الأعراف: 189] بِالْوَاوِ لَا ثُمَّ (قَوْلُهُ: وَالْجَعْلُ قَبْلَ خَلْقِنَا) أَيْ فَثُمَّ فِي الْآيَةِ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ: كَهَزِّ الرُّدَيْنِيِّ) أَيْ الرُّمْحِ الرُّدَيْنِيِّ نِسْبَةً إلَى رُدَيْنَةَ امْرَأَةٍ كَانَتْ تُقَوِّمُ الرِّمَاحَ بِخَطِّ هَجْرٍ، وَالْعَجَاجُ الْغُبَارُ، وَالْأَنَابِيبُ جَمْعُ أُنْبُوبَةٍ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُقْدَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَتَارَةً يُقَالُ) أَيْ فِي الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ: فَمَأْخُوذَةٌ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ ادَّعَى تَوْهِيمَ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعَبَّادِيِّ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لِلْجَمْعِ) أَيْ قَوْلُ الْقَائِلِ وَهَذَا مَقُولُ قَوْلِ الْعَبَّادِيِّ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ قَالَ الْأَكْثَرُ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي التَّرْكِيبِ الَّذِي أَتَى فِيهِ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ. (قَوْلُهُ: أَيْ لِلتَّعْمِيمِ) أَيْ مَعَ التَّرْتِيبِ وَمَعَ الْجَمْعِ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْعَبَّادِيَّ سَوَّى بَيْنَ الْوَاوِ وَثُمَّ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ وَعَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ يَقْتَضِي الْجَمْعَ بَلْ رَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَفِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ أَنَّ ثُمَّ قَدْ تُسْتَعْمَلُ مَوْضِعَ الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] فَإِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السَّابِقُ فِي الِاعْتِبَارِ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْمَالِ فَضْلًا عَنْ فَكِّ الرَّقَبَةِ أَوْ الْإِطْعَامِ. (قَوْلُهُ: لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ) أَيْ لِانْتِهَاءِ ذِي الْغَايَةِ أَوْ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ

نَحْوُ {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] أَوْ مَصْدَرٍ مُؤَوَّلٍ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] أَيْ إلَى رُجُوعِهِ وَإِمَّا عَاطِفَةٌ لِرَفِيعٍ أَوْ دَنِيءٍ نَحْوُ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْعُلَمَاءُ وَقَدِمَ الْحُجَّاجُ حَتَّى الْمُشَاةُ، وَإِمَّا ابْتِدَائِيَّةٌ بِأَنْ يُبْتَدَأَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ نَحْوُ فَمَا زَالَتْ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا ... بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلَ ، أَوْ فِعْلِيَّةٌ نَحْوُ مَرِضَ فُلَانٌ حَتَّى لَا يَرْجُونَهُ (وَلِلتَّعْلِيلِ) نَحْوُ أَسْلِمْ حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَيْ لِتَدْخُلَهَا (وَنَدَرَ لِلِاسْتِثْنَاءِ) نَحْوُ لَيْسَ الْعَطَاءُ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً ... حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلُ أَيْ إلَى أَنْ تَجُودَ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَجِيئَهَا لِلتَّعْلِيلِ لَيْسَ بِغَائِبٍ وَلَا نَادِرٍ. (الثَّالِثَ عَشَرَ رُبَّ لِلتَّكْثِيرِ) نَحْوُ {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] فَإِنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا عَايَنُوا حَالَهُمْ وَحَالَ الْمُسْلِمِينَ (وَلِلتَّقْلِيلِ) كَقَوْلِهِ أَلَا رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ ... وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ أَرَادَ عِيسَى وَآدَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - (وَلَا تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ) زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ دَائِمًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَذَا الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ وَآخَرُ أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ دَائِمًا وَقَرَّرَهُ فِي الْآيَةِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ تُدْهِشُهُمْ أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُفِيقُونَ حَتَّى يَتَمَنَّوْا مَا ذُكِرَ إلَّا فِي أَحْيَانٍ قَلِيلَةٍ وَعَلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ قَالَ بَعْضُهُمْ التَّقْلِيلُ أَكْثَرُ وَابْنُ مَالِكٍ نَادِرٌ. (الرَّابِعَ عَشَرَ عَلَى الْأَصَحُّ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ) أَيْ بِقِلَّةٍ (اسْمًا بِمَعْنَى فَوْقَ) بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ نَحْوُ غَدَوْت مِنْ عَلَى السَّطْحِ أَوْ مِنْ فَوْقِهِ (وَتَكُونُ) بِكَثْرَةٍ (حَرْفًا لِلِاسْتِعْلَاءِ) حِسًّا نَحْوُ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] أَوْ مَعْنًى نَحْوُ {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 21] (وَالْمُصَاحَبَةِ) كَمَعَ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] أَيْ مَعَ حُبِّهِ (وَالْمُجَاوَزَةِ) كَعَنْ نَحْوُ رَضِيت عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ (وَالتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أَيْ لِهِدَايَتِهِ إيَّاكُمْ (وَالظَّرْفِيَّةِ) كَفِي نَحْوُ {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص: 15] أَيْ وَقْتَ غَفْلَتِهِمْ (وَالِاسْتِدْرَاكِ) كَلَكِنَّ نَحْوُ فُلَانٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِسُوءِ صَنِيعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أَيْ لَكِنَّهُ (وَالزِّيَادَةِ) نَحْوُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَيْ يَمِينًا، وَقِيلَ هِيَ اسْمٌ أَبَدًا لِدُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ حَرْفٌ أَبَدًا وَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِ حَرْفِ جَرٍّ عَلَى آخَرَ (أَمَّا عَلَا يَعْلُو فَفِعْلٌ) وَمِنْهُ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص: 4] فَقَدْ اسْتَكْمَلَتْ عَلَى فِي الْأَصَحِّ أَقْسَامَ الْكَلِمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِانْتِهَاءِ بِالْغَايَةِ وَإِلَّا فَالْغَايَةُ جُزْءٌ بَسِيطٌ لَا انْتِهَاءَ لَهُ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ سَلَامٌ) أَيْ ذَاتُ سَلَامٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. (قَوْلُهُ: أَشْكَلَ) أَيْ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ مُخْتَلِطَانِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَجُودَ) يُمْكِنُ جَعْلُ حَتَّى هُنَا بِمَعْنَى إلَى. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِغَالِبٍ وَلَا نَادِرٍ) أَيْ بَلْ كَثِيرٍ (قَوْلُهُ: رُبِّ لِلتَّكْثِيرِ) وَهُوَ حَرْفٌ خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ فِي دَعْوَى اسْمِيَّتِهَا. (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْدَهْ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَوْ ضَمِّهَا وَأَصْلُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الدَّالِ ثُمَّ خُفِّفَ بِسُكُونِ اللَّامِ فَالْتَقَى سَاكِنَانِ فَحُرِّكَتْ الدَّالُ بِالْفَتْحِ تَخْفِيفًا أَوْ بِالضَّمِّ اتِّبَاعًا لِلْهَاءِ. (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِعْلَاءِ) أَيْ لِلْعُلُوِّ لَا لِطَلَبِهِ وَأَمَّا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: 89] {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا} [المائدة: 23] {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ} [هود: 56] فَقَدْ جَعَلَهَا الرَّضِيُّ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ لُزُومُ التَّفْوِيضِ قَالَ الْكَمَالُ وَاللَّائِقُ بِالْأَدَبِ عَدَمُ التَّعْبِيرِ بِالِاسْتِعْلَاءِ مُطْلَقًا وَأَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَاهَا لُزُومُ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ فَمَعْنَى تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ لَزِمْت تَفْوِيضَ أَمْرِي إلَيْهِ وَاللَّفْظُ قَدْ يَخْرُجُ بِشُهْرَتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فِي الشَّيْءِ عَنْ مُرَاعَاةِ أَصْلِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَوْلِك مَا أَعْظَمَ اللَّهَ فَتُخَرَّجُ لَفْظُ أَعْظَمَ عَلَى هُنَا عَنْ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاء لِاشْتِهَارِ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى لُزُومِ التَّفْوِيضِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ قَوْله تَعَالَى {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] أَيْ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ بِمُقْتَضَى وَعْدِهِ الصَّادِقِ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِدْرَاكِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ كَأَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ حَدِيثِ إلَخْ) وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ الْمَحْلُوفَةِ عَلَيْهِ فَعَلَى أَصْلِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِدُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ دَائِمًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَإِنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاحِيَّةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهَا النِّسْبَةُ الْجُزْئِيَّةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِدُخُولِ مِنْ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِ حَرْفِ جَرٍّ عَلَى آخَرَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَإِنْ قُدِّرَ لَهُ مَجْرُورٌ

(الْخَامِسَ عَشَرَ الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ لِلتَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ وَالذِّكْرِيِّ وَلِلتَّعْقِيبِ فِي كُلٍّ بِحَسَبِهِ) تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو إذَا عَقَبَ قِيَامُ عَمْرٍو قِيَامَ زَيْدٍ وَدَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ إذَا لَمْ تُقِمْ فِي الْبَصْرَةِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَتَزَوَّجَ فُلَانٌ فَوُلِدَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالْوِلَادَةِ إلَّا مُدَّةُ الْحَمْلِ مَعَ لَحْظَةِ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَتِهِ وَالتَّعْقِيبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِيَعْطِفَ عَلَيْهِ الذِّكْرِيَّ وَهُوَ فِي عَطْفٍ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة: 35] {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [الواقعة: 36] {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 37] {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] (وَلِلسَّبَبِيَّةِ) وَيَلْزَمُهَا التَّعْقِيبُ نَحْوُ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] وَاحْتَرَزَ بِالْعَاطِفَةِ عَنْ الرَّابِطَةِ لِلْجَوَابِ فَقَدْ تَتَرَاخَى عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ إنْ يُسْلِمْ فُلَانٌ فَهُوَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] (السَّادِسَ عَشَرَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالذِّكْرِيِّ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا مَوْجُودٌ بِدُونِ الْفَاءِ فَإِنَّ مِنْ لَازِمِ ذِكْرِ الشَّيْئَيْنِ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا وَيَتَأَخَّرَ الْآخَرُ بَلْ الْمُرَادُ إنَّ رُتْبَةَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ تَفْصِيلًا لَهُ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تُقِمْ) وَمَسَافَةُ السَّيْرِ لَا تُنَافِي التَّعْقِيبَ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْقِيبُ مُشْتَمِلٌ إلَخْ) فَإِنَّهُ وُجُودُ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ وَهُوَ أَعَمُّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا كَانَ مَعَ مُهْلَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَازِمًا لِلتَّعْقِيبِ أَنَّهُ مَعْنًى مَوْضُوعٌ لَهُ لَفْظُ الْفَاءِ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ الْمَعَانِي الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا الْحُرُوفُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ كَذَا قِيلَ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ لَازِمًا خَارِجًا وَهُنَا التَّرْتِيبُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ جُزْءٌ لِلْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ التَّعْقِيبُ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ مِنْ وَضْعِهِ لِلْأَخَصِّ وَضْعُهُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّرْتِيبُ الذِّكْرِيُّ. (قَوْلُهُ: فِي عَطْفٍ مُفَصَّلٍ إلَخْ) ظَاهِرٌ أَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ هِشَامٍ وَمُفَادُ كَلَامِ الرَّضِيِّ عَدَمُ حَصْرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي مَدْحِ الشَّيْءِ وَذَمِّهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ نَحْوُ {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 72] إلَخْ وَنَحْوُ {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر: 74] . (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبِيَّةِ) أَيْ أَنَّ مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ عَمَّا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهَا التَّعْقِيبُ) أَيْ بِاعْتِبَارِ التَّعَقُّلِ. (قَوْلُهُ: إنْ يُسْلِمْ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الدُّخُولُ بِالْفِعْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ يُؤَوَّلُ إلَى الدُّخُولِ بِاعْتِبَارِ مُكْثِهِ فِي مُدَّةِ الْقَبْرِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاخْتَصَّتْ الْفَاءُ بِالرَّبْطِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يُعَاقِبُ الشَّرْطَ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا لَفْظٌ يُفِيدُ التَّعْقِيبَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61] وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْإِسْحَاتَ لَا يَقَعُ عَقِيبَ الِافْتِرَاءِ لِكَوْنِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْإِسْحَاتُ أَيْ الِاسْتِئْصَالُ بِالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ يَجْعَلُ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح: 25] إذَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ. وَقَدْ يَتَجَرَّدُ الْجَوَابُ عَنْ الْفَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا وَأَنْكَرَ الْمُبَرِّدُ ذَلِكَ وَأَنْشَدَ هَكَذَا مَنْ يَفْعَلْ الْخَيْرَ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِأَنَّ النَّقْلَ لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ وَلِأَنَّ رِوَايَتَهُ لَا تُنَافِي تِلْكَ الرِّوَايَةَ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَاذٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ لَا يَتَسَبَّبُ إلَخْ) صَحِيحٌ بِالنَّظَرِ لِلظَّاهِرِ بِلَا تَقْدِيرِ جَوَابٍ أَمَّا مَعَ تَقْدِيرِهِ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ الشَّرْطِ وَتَقْدِيرُهُ فِي الْآيَةِ إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَلَهُمْ الذُّلُّ كَمَا أَنَّ تَقْدِيرَهُ فِي الَّتِي بَعْدَهَا فَلَهُمْ الْعِزُّ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِيهِمَا سَبَبًا لِلشَّرْطِ لَا جَوَابًا لَهُ. قَوْلُهُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] قِيلَ إنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَالْمَعْنَى إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك لِأَنَّ الَّذِي يُشَاكِلُ الْمَغْفِرَةَ فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَقَدْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ وَلَيْسَتْ فِي الْمُصْحَفِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ إنَّهُ لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَمَتَى نُقِلَ إلَى الَّذِي نُقِلَ إلَيْهِ ضَعُفَ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

لِلظَّرْفَيْنِ) الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ نَحْوُ {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] (وَالْمُصَاحَبَةِ) كَمَعَ نَحْوُ {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38] أَيْ مَعَهُمْ (وَالتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} [النور: 14] أَيْ لِأَجْلِ مَا (وَالِاسْتِعْلَاءِ) نَحْوُ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَيْ عَلَيْهَا (وَالتَّوْكِيدِ) نَحْوُ {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] وَالْأَصْلُ ارْكَبُوهَا (وَالتَّعْوِيضِ) عَنْ أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ نَحْوُ زَهِدْت فِيمَا رَغِبْت وَالْأَصْلُ زَهِدْت مَا رَغِبْت فِيهِ (وَبِمَعْنَى الْبَاءِ) نَحْوُ {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11] أَيْ يُكْثِرُكُمْ بِسَبَبِ هَذَا الْجَعْلِ (وَإِلَى) نَحْوُ {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9] أَيْ إلَيْهَا لِيَعَضُّوا عَلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ (وَمِنْ) نَحْوُ هَذَا ذِرَاعٌ فِي الثَّوْبِ أَيْ مِنْهُ يَعْنِي فَلَا يُعَيِّنُهُ لِقِلَّتِهِ. (السَّابِعَ عَشَرَ كَيْ لِلتَّعْلِيلِ) فَيُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ نَحْوُ جِئْت كَيْ أَنْظُرَكَ أَيْ لَأَنْ (وَبِمَعْنَى أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ) بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهَا اللَّامُ نَحْوُ جِئْت لِكَيْ تُكْرِمَنِي أَيْ لَأَنْ. (الثَّامِنَ عَشَرَ كُلُّ اسْمٍ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ) الْمُضَافِ إلَيْهِ (الْمُنَكَّرِ) نَحْوُ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 35] {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] (وَالْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ) نَحْوُ كُلُّ الْعَبِيدِ جَاءُوا وَكُلُّ الدَّرَاهِمِ صَرْفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشَّرْطِ الثَّانِي. وَلَا يَكُونُ لَهُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ تَعَلُّقٌ وَهُوَ عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَجْمَعَ عَلَى قِرَاءَتِهِ الْمُسْلِمُونَ مُقِرُّونَ بِالشَّرْطَيْنِ كِلَيْهِمَا إذْ تَلْخِيصُهُ إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَإِنَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فِي الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا مِنْ التَّعْذِيبِ وَالْغُفْرَانِ فَكَانَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَلْيَقَ بِهَذَا الْمَكَانِ لِعُمُومِهِ وَإِنَّهُ يَجْمَعُ الشَّرْطَيْنِ وَلَمْ يَصْلُحْ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إذْ لَمْ تَحْتَمِلْ مِنْ الْعُمُومِ مَا احْتَمَلَهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ اهـ. قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] ظَاهِرَةٌ تَعْلِيلٌ وَبَيَانٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْعَذَابَ حَيْثُ كَانُوا عِبَادَ اللَّهِ وَعَبَدُوا غَيْرَهُ وَبَاطِنُهُ اسْتِعْطَافٌ لَهُمْ وَطَلَبُ رَأْفَةٍ بِهِمْ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] يَعْنِي لَا شَيْنَ يَشْنَؤُك فِي عَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِمْ بِالْعَذَابِ لِأَنَّك عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَظِنَّةٍ لِلْعَجْزِ وَالْقُصُورِ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إلَى أَنَّ مَغْفِرَةَ الْكَافِرِينَ لَا تُنَافِي الْحِكْمَةَ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ نَفْيَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِلظَّرْفِيَّةِ) أَيْ وَلَوْ تَقْرِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] فَإِنَّ الْجِذْعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكَانًا لِلْمَصْلُوبِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ جُعِلَ كَأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ تَمَكُّنَ الْمَظْرُوفِ فِي الظَّرْفِ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهَا بِمَعْنَى عَلَى كَمَا قِيلَ وَلَمْ يَثْبُتْ مَجِيئُهَا لِلسَّبَبِيَّةِ حَقِيقَةً بَلْ لَوْ كَانَ لَكَانَ مَجَازًا دَافِعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَإِنْ جَعَلَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ. (قَوْلُهُ: اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ) وَقِيلَ هِيَ لِلظَّرْفِيَّةِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ لَأُصَلِّبَنكُمْ) وَقِيلَ إنَّهَا هُنَا لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ كَأَنَّ الْجُذُوعَ ظُرُوفٌ لِلْمَصْلُوبِينَ بِجَامِعِ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ: زَهِدْت فِيمَا رَغِبْت) الظَّاهِرُ أَنَّ مَفْعُولَ زَهِدْت فِي مِثْلِ مَا قَالَهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ فَظَنَّهُ مُتَعَدِّيًا وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ زَهِدَ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِفِي وَقَدْ مَثَّلَ ابْنُ هِشَامٍ بِضَرَبْت فِيمَنْ رَغِبْت قَالَ أَصْلُهُ مِنْ رَغِبْت فِيهِ هَذَا إنَّ جُعِلَ زَهِدَ بِتَثْلِيثِ الْهَاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ضِدَّ الرَّغَبِ فَإِنْ جُعِلَ بِفَتْحِهَا بِمَعْنَى حَزَرَ وَحَرَصَ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَيَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَبِمَعْنَى الْبَاءِ) قِيلَ أَيْ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْإِلْصَاقُ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهَا اللَّائِقُ بِالْمَحَلِّ مِنْ إلْصَاقٍ وَغَيْرِهِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ التَّقْرِيرُ بِالتَّسَبُّبِ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ إلَخْ) وَهَذَا غَيْرُ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ وَأَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ وَهَذَا سَبَبٌ عَادِيٌّ وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ جَعَلَ هَذَا التَّدْبِيرَ كَالْمَنْبَعِ وَالْمَعْدِنِ لِلْبَثِّ وَالتَّكْثِيرِ نَحْوُ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ فَرَدُّوا) وَقِيلَ إنَّ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ، وَرَدُّوا بِمَعْنَى أَدْخَلُوا. (قَوْلُهُ: نَحْوُ هَذَا ذِرَاعٌ) وَقَدْ يُقَالُ هِيَ لِلظَّرْفِيَّةِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهَا اللَّامُ) أَيْ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا (قَوْلُهُ: كُلُّ الْعَبِيدِ)

وَمِنْهُ {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95] (وَ) لِاسْتِغْرَاقِ (أَجْزَاءِ) الْمُضَافِ إلَيْهِ (الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ) نَحْوُ كُلُّ زَيْدٍ أَوْ الرَّجُلِ حَسَنٌ أَيْ كُلُّ أَجْزَائِهِ. (التَّاسِعَ عَشَرَ اللَّامُ) (الْجَارَّةُ لِلتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44] أَيْ لِأَجْلِ أَنْ تُبَيِّنَ لَهُمْ (وَالِاسْتِحْقَاقِ) نَحْوُ النَّارُ لِلْكَافِرِينَ (وَالِاخْتِصَاصِ) نَحْوُ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (وَالْمِلْكِ) نَحْوُ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 284] . (وَالصَّيْرُورَةِ أَيْ الْعَاقِبَةِ) نَحْوُ {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] فَهَذِهِ عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ لَا عِلَّتُهُ إذْ هِيَ التَّبَنِّي (وَالتَّمْلِيكِ) نَحْوُ وَهَبْت لِزَيْدٍ ثَوْبًا أَيْ مَلَّكْته إيَّاهُ (وَشَبَهِهِ) نَحْوُ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] (وَتَوْكِيدِ النَّفْيِ) نَحْوُ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137] فَهِيَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْخَبَرِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ الْمَنْصُوبِ فِيهِ الْمُضَارِعُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ (وَالتَّعْدِيَةِ) نَحْوُ مَا أَضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو وَيَصِيرُ ضَرَبَ بِقَصْدِ التَّعَجُّبِ بِهِ لَازِمًا يَتَعَدَّى إلَى مَا كَانَ فَاعِلَهُ بِالْهَمْزَةِ وَمَفْعُولَهُ بِاللَّامِ. (وَالتَّأْكِيدِ) نَحْوُ {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] الْأَصْلُ فَعَّالٌ مَا (وَبِمَعْنَى إلَى) نَحْوُ {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9] أَيْ إلَيْهِ (وَعَلَى) نَحْوُ {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] أَيْ عَلَيْهَا. (وَفِي) نَحْوُ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أَيْ فِيهِ (وَعِنْدَ) نَحْوُ " بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لِمَا جَاءَهُمْ " بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فِي قِرَاءَةِ الْجَحْدَرِيِّ أَيْ عِنْدَ مَجِيئِهِ إيَّاهُمْ (وَبَعْدَ) نَحْوُ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ بَعْدَهُ (وَمِنْ) نَحْوُ سَمِعَتْ لَهُ صُرَاخًا أَيْ مِنْهُ (وَعَنْ) نَحْوُ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] أَيْ عَنْهُمْ وَفِي حَقِّهِمْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ لِتَبْلِيغٍ لَقِيلَ مَا سَبَقْتُمُونَا وَضَمِيرُ كَانَ وَإِلَيْهِ لِلْإِيمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فَكُلٌّ فِيهِمَا لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ وَاسْتَشْكَلَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ مَا أَفَادَهُ كُلُّ مِنْ إحَاطَةِ الْأَفْرَادِ أَفَادَهُ الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ قَبْلَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ أَلْ تُفِيدُ الْعُمُومَ فِي مَرَاتِبِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَكُلُّ تُفِيدُهُ فِي أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ وَمَا أَجَابَ بِهِ قَوْلَهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ زَيْدٍ فِي نَحْوِ جَاءَنِي الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لَفْظُ الْجَمِيعِ وَلِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] أَنَّ مَعْنَاهُ كُلُّ فَرْدٍ لَا كُلُّ جَمْعٍ فَالْجَوَابُ الْمَرْضِيُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ يُفِيدُ ظُهُورَ الْعُمُومِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَكُلُّ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهِ تُفِيدُ النَّصَّ فِيهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ) فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ إذْ مَنْ لَيْسَ جَمْعًا اصْطِلَاحِيًّا لَكِنَّهُ يُشْبِهُهُ بِوُقُوعِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ (قَوْلُهُ: أَنَّ كُلَّ أَجْزَائِهِ) قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 93] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ الطَّلَاقِ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُمَا فِي شَرْحِ مِنْهَاجٍ الْبَيْضَاوِيِّ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَرَّفِ الْجِنْسِيِّ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اسْتِغْرَاقُ أَفْرَادِ الْمُنَكَّرِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ خُصُوصًا الْمِثَالَ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: النَّارُ لِلْكَافِرِينَ) أَيْ عَذَابُهَا مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ لِأَنَّ لَامَ الِاسْتِحْقَاقِ هِيَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ مَعْنَى ذَاتِ نَحْوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ تُجْعَلْ هُنَا لِلِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ النَّارَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْكَافِرِينَ وَإِنْ كَانَ تَأْبِيدُهَا مُخْتَصًّا بِهِمْ بِخِلَافِ الْجَنَّةِ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ. (قَوْلُهُ: أَزْوَاجًا) أَيْ زَوْجَاتٍ شُبِّهُوا هُمْ وَالْبَنُونَ وَالْحَفَدَةُ بِالْمَمْلُوكِينَ فِي الْحِيَازَةِ وَالِاخْتِصَاصِ. (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ التَّعَجُّبِ بِهِ) بِأَنْ غُيِّرَتْ صِيغَتُهُ لِصِيغَةِ فِعْلٍ وَالْأَصْلُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا (قَوْلُهُ: يَتَعَدَّى إلَخْ) لِأَنَّ هَمْزَةَ النَّقْلِ لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ صَارَ الْفَاعِلُ مَفْعُولًا بَعْدَ إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ الْفِعْلُ إلَى مَا كَانَ مَفْعُولًا قَبْلَ التَّعَجُّبِ بِنَفْسِهِ لِصَيْرُورَتِهِ لَازِمًا فَيُعَدَّى إلَيْهِ الْأَمْرُ بِاللَّامِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّأْكِيدِ) وَهِيَ اللَّامُ الزَّائِدَةُ وَتُسَمَّى فِي الْقُرْآنِ صِلَةً. (قَوْلُهُ: الْجَحْدَرِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إلَى جُحْدَرٍ اسْمُ رَجُلٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْهُ) هَذَا إذَا عُلِّقَ بِسَمِعْت وَأَمَّا إذَا جُعِلَ لَهُ حَالًا مِنْ صُرَاخًا كَانَتْ اللَّامُ عَلَى بَابِهَا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ لِلتَّبْلِيغِ) أَيْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ بِحَسَبِ الرَّأْيِ. (قَوْلُهُ: مَا سَبَقْتُمُونَا) لِأَنَّ الْمُخَاطَبِ لِإِنْسَانٍ يَأْتِي لَهُ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ لَا بِصِيغَةِ الْغَيْبَةِ

أَمَّا اللَّامُ غَيْرُ الْجَارَّةِ فَالْجَازِمَةُ نَحْوُ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ كَلَامِ الِابْتِدَاءِ نَحْوُ {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} [الحشر: 13] (الْعِشْرُونَ لَوْلَا حَرْفٌ مَعْنَاهُ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ امْتِنَاعُ جَوَابِهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ) نَحْوُ لَوْلَا زَيْدٌ أَيْ مَوْجُودٌ لَأَهَنْتُك امْتَنَعَتْ الْإِهَانَةُ لِوُجُودِ زَيْدٍ فَزَيْدٌ الشَّرْطُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ لُزُومًا (وَفِي الْمُضَارِعِيَّةِ التَّحْضِيضُ) أَيْ الطَّلَبُ الْحَثِيثُ نَحْوُ {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} [النمل: 46] أَيْ اسْتَغْفِرُوهُ وَلَا بُدَّ (وَالْمَاضِيَةِ التَّوْبِيخُ) نَحْوُ {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] وَبَّخَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَدَمِ الْمَجِيءِ بِالشُّهَدَاءِ بِمَا قَالُوهُ مِنْ الْإِفْكِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحَلُّ التَّوْبِيخِ. (وَقِيلَ تَرِدُ لِلنَّفْيِ) كَآيَةِ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يونس: 98] أَيْ فَمَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ أَيْ أَهْلُهَا عِنْدَ مَجِيءِ الْعَذَابِ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلَّا قَوْمَ يُونُسَ وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا هِيَ فِي الْآيَةِ لِلتَّوْبِيخِ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَذَابِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ فَلَوْلَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعٌ فَإِلَّا فِيهِ بِمَعْنَى لَكِنْ (الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ لِلْمَاضِي) نَحْوُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ (وَيَقِلُّ لِلْمُسْتَقْبَلِ) نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا وَلَوْ أَسَاءَ أَيْ وَإِنْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْكَثِيرُ (قَالَ سِيبَوَيْهِ) هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَمَّا اللَّامُ غَيْرُ الْجَارَّةِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ سَابِقًا الْجَارَّةُ. (قَوْلُهُ: فَالْجَازِمَةُ مُبْتَدَأٌ) وَنَحْوُ لِيُنْفِقْ خَبَرٌ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ) مُقَابِلٌ لِلْجَارَّةِ وَالْجَازِمَةِ (قَوْلُهُ: كَلَامِ الِابْتِدَاءِ) أَيْ وَكَاللَّامِّ الْفَارِقَةِ نَحْوُ إنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ فَاللَّامُ فَارِقَةٌ بَيْنَ أَنْ الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ اللَّامَ الْفَارِقَةَ هِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُضَارِعِيَّةِ) أَيْ وَلَوْ تَأْوِيلًا نَحْوُ {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8] أَيْ يَنْزِلُ وَنَحْوُ {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [المنافقون: 10] أَيْ تُؤَخِّرُنِي (وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ مَا قَالُوهُ مِنْ الْإِفْكِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ وَتُرَدُّ) قَائِلُهُ الْهَرَوِيُّ (قَوْلُهُ: لِلْمَاضِي) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ لِلْحُصُولِ فِي الْمَاضِي وَأَمَّا الشَّرْطُ بِمَعْنَى التَّعْلِيقِ فَفِي الْحَالِ وَمَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ عَقْدُ السَّبَبِيَّةِ والمسببية بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بَعْدَهَا بِمَعْنَى أَنَّ مَضْمُونَ الْأُولَى سَبَبٌ لِمَضْمُونِ الثَّانِيَةِ. وَزَمَنُ السَّبَبِيَّةِ والمسببية فِيهَا مَاضٍ وَفِي أَنَّ مُسْتَقْبَلَ (قَوْلُهُ: لِلْمُسْتَقْبَلِ) أَيْ لِتَعْلِيقِ مُسْتَقْبَلٍ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: 27] بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَرَأَيْت أَمْرًا فَظِيعًا فَلِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ وَلَوْ رَأَيْت فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ تَحْقِيقًا مَاضٍ تَأْوِيلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَوْ لِلتَّمَنِّي (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ الْكَثِيرُ) مُتَعَلِّقُ يُقَالُ وَالْكَثِيرُ صِفَةُ الْأَوَّلِ أَيْ وَعَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْكَثِيرُ

(حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ) فَقَوْلُهُ سَيَقَعُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِانْتِفَاءِ مَا كَانَ يَقَعُ (وَقَالَ غَيْرُهُ) وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ (حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ) أَيْ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ السَّابِقُ ظَاهِرٌ أَيْضًا فَإِنَّ انْتِفَاءَ مَا كَانَ يَقَعُ وَهُوَ الْجَوَابُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لِانْتِفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْتِعْمَالِهَا يَنْبَنِي قَوْلُ سِيبَوَيْهِ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِ غَيْرِهِ) عِلَّةً لِيَقَعَ أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ كَانَ يَقَعُ فِيمَا مَضَى لَوْ وَقَعَ غَيْرُهُ فَالتَّنْفِيسُ فِي السِّتِّينَ لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ لِزَمَنِ التَّكَلُّمِ بَلْ بِاعْتِبَارِ التَّأَخُّرِ عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَنَّ مَا كَانَ سَيَقَعُ هُوَ الْجَوَابُ وَالْغَيْرُ هُوَ الشَّرْطُ فَوُقُوعُهُ سَبَبٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ يُفْهِمُ تَعْلِيقَ الْوُقُوعِ بِالْوُقُوعِ لَا تَعَلُّقَ الِانْتِفَاءِ بِالِانْتِفَاءِ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ مُغَايِرًا لِكَلَامِ غَيْرِهِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّهُ لَا تَغَايُرَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِانْتِفَاءِ مَا كَانَ يَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ يَعْنِي أَنَّ وُقُوعَهُ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى وُقُوعِ غَيْرِهِ لَوْ وَقَعَ لَكِنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ فَكَذَا الْمُعَلَّقُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ انْتِفَاءَ مَا كَانَ يَقَعُ إلَخْ) أَيْ إنَّ الْعِلَّةَ فِي انْتِفَاءِ الْجَوَابِ فِي الْخَارِجِ هُوَ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِدْلَال عَلَى انْتِفَاءِ الْجَوَابِ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ كَمَا فَهِمَ

الشَّرْطِ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي أَمْثِلَةٍ مِنْ بَقَاءِ الْجَوَابِ فِيهَا عَلَى حَالِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ (وَقَالَ الشَّلَوْبِينُ) هُوَ (لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ) لِلْجَوَابِ بِالشَّرْطِ كَانَ وَاسْتِفَادَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ انْتِفَائِهِمَا أَوْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فَقَطْ مِنْ خَارِجٍ (وَالصَّحِيحُ) فِي مُفَادِهِ نَظَرًا إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِسْمَيْنِ (وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (امْتِنَاعُ مَا يَلِيهِ) مُثْبَتًا كَانَ أَوْ مَنْفِيًّا (وَاسْتِلْزَامُهُ) أَيْ مَا يَلِيهِ (لِتَالِيهِ) مُثْبَتًا كَانَ أَوْ مَنْفِيًّا فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ (ثُمَّ يَنْتَفِي التَّالِي) أَيْضًا (إنْ نَاسَبَ) الْمُقَدِّمَ بِأَنْ لَزِمَهُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا (وَلَمْ يَخْلُفْ الْمُقَدِّمُ غَيْرَهُ كَ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] أَيْ غَيْرُهُ {لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أَيْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فَفَسَادُهُمَا خُرُوجُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْحَاجِبِ فَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الشَّرْطَ سَبَبٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ السَّبَبِ انْتِفَاءُ الْمُسَبِّبِ فَاسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ الْمُقَدِّمِ عَقِيمٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْمُسَبِّبِ انْتِفَاءُ السَّبَبِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ لِانْتِفَاءِ الْجَوَابِ وَأَيَّدَهُ الرَّضِيُّ بِأَنَّ الشَّرْطَ مَلْزُومٌ وَالْجَوَابَ لَازِمٌ. وَقَدْ يَكُونُ أَخَصَّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْأَعَمِّ لَا الْعَكْسُ وَفِيهِ أَنَّ مَقَامَ بَيَانِ الْعِلَّةِ غَيْرُ مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ فَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَهُمَا اسْتِعْمَالَانِ لُغَوِيَّانِ خِلَافًا لِقَوْلِ التَّفْتَازَانِيِّ إنَّ الثَّانِيَ اصْطِلَاحُ الْمَنَاطِقَةِ قَالَ السَّيِّدُ الْحَقُّ إنَّهُ أَيْضًا مِنْ الْمَعَانِي الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْوَارِدَةِ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِمْ عُرْفًا فَإِنَّهُمْ قَدْ يَقْصِدُونَ الِاسْتِدْلَالَ فِي الْأُمُورِ الْعُرْفِيَّةِ كَمَا يُقَالُ لَك هَلْ زَيْدٌ فِي الْبَلَدِ فَتَقُولُ لَا إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا لَحَضَرَ مَجْلِسَنَا فَتَسْتَدِلُّ بِعَدَمِ الْحُضُورِ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ فِي الْبَلَدِ وَيُسَمِّي عُلَمَاءُ الْبَيَانِ مِثْلَهُ بِالطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ لَكِنَّهُ أَقَلُّ اسْتِعْمَالًا مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُمْ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَحِيحٌ نَظَرًا لِلْأَصْلِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا خَرَجَ عَنْهُ مِمَّا قَالَهُ أَيْ فَتَضْعِيفُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِتَصْحِيحِ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ مُنْتَقَدٌ مَعَ أَنَّ فِي لَفْظِ مَا صَحَّحَهُ تَفْكِيكًا إذْ قَوْلُهُ امْتِنَاعُ مَا يَلِيهِ إنَّمَا يَكُونُ اعْتِبَارًا وَقَوْلُهُ وَاسْتِلْزَامُهُ إلَخْ إنَّمَا يَكُونُ بِدُونِهِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وَجِيهٌ. وَقَدْ تَكَلَّفَ سم فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: فِي أَمْثِلَةٍ) أَيْ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ لَوْ كَانَ هَذَا إنْسَانًا لَكَانَ حَيَوَانًا مَعَ الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ) أَيْ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي كَمَا أَنْ لَا تَدُلَّ إلَّا عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا قَالَهُ وَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عُصْفُورٍ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ) مُقَابِلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ الْأَقْوَالَ مُتَنَافِيَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ أَوَّلَيْهَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا إلَّا أَنَّ فِيهِ تَوْضِيحًا وَتَفْصِيلًا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّلَوْبِينِ فَمُبَايِنٌ لَهَا. (قَوْلُهُ: فِي مُفَادِهِ) أَيْ بَيَانِ مُفَادِهِ أَيْ مَدْلُولِهِ نَظَرًا إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَهُمَا انْتِفَاؤُهُمَا وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ فَقَطْ دُونَ الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِلْزَامُهُ) عَطْفٌ عَلَى امْتِنَاعٍ. (قَوْلُهُ: فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ) لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُقَدِّمِ وَالتَّالِي قِسْمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ وَلَوْ كَانَ إنْسَانًا لَكَانَ حَيَوَانًا وَالشَّارِحُ أَتَى بِالْبَقِيَّةِ بِقَوْلِهِ بَعْدُ أَمَّا أَمْثِلَةُ بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَنْتَفِي التَّالِي إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ لِلتَّالِي أَحْوَالًا ثَلَاثَةً، الْأُولَى يُقْطَعُ بِانْتِفَائِهِ حَيْثُ قُطِعَ بِانْتِفَاءِ الْخَلَفِ، الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يُقْطَعَ بِانْتِفَائِهِ وَلَا بِثُبُوتِهِ حَيْثُ لَمْ يُقْطَعْ بِانْتِفَاءِ الْخَلَفِ وَلَا بِثُبُوتِهِ، الثَّالِثَةُ أَنْ يُقْطَعَ بِثُبُوتِهِ حَيْثُ قُطِعَ بِثُبُوتِ الْخَلَفِ وَقَدْ ذَكَرَهَا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَزِمَهُ عَقْلًا) تَصْوِيرُ الْمُنَاسَبَةِ فَاللُّزُومُ الْعَقْلِيُّ كَلُزُومِ الْهِدَايَةِ لِلْمَشِيئَةِ وَالْعَادِيِّ كَالْآيَةِ وَالشَّرْعِيِّ كَالْحُرْمَةِ لِلرَّضَاعِ (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ اللَّهِ هُوَ مَعَهُمْ لِأَنَّ الشَّيْءَ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ إلَّا اسْتِثْنَائِيَّةً

عَنْ نِظَامِهِمَا الْمُشَاهَدِ مُنَاسِبٌ لِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ لِلُزُومِهِ لَهُ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاكِمِ مِنْ التَّمَانُعِ فِي الشَّيْءِ وَعَدَمِ الِاتِّفَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ آلِهَةً جَمْعٌ مُنَكَّرٌ فَلَا يَعُمُّ وَشَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ الْعُمُومُ وَلِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ مُسْتَثْنًى مِنْهَا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَيُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ لَمْ يَفْسُدَا. (قَوْلُهُ: عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ) يَحْتَمِلُ الْجَرْيَ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُلَازَمَةَ عَادِيَّةٌ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا الْحَنَفِيُّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْمُسَايِرَةِ لِشَيْخِهِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّطِيفِ الْكَرْمَانِيَّ شَنَّعَ عَلَى السَّعْدِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْبَصْرَةِ قَدْ حَكَمَ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ إنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ ظَنِّيَّةٌ يَعْنِي أَبَا هَاشِمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا مَنَعَ الْمُلَازَمَةَ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال وَيَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَا لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْمَحْذُورَيْنِ إمَّا الْجَهْلُ أَوْ السَّفَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبَالَغَ هَذَا الْمُشَنِّعُ. وَقَدْ تَصَدَّى تِلْمِيذُ السَّعْدِ وَهُوَ الْعَلَّامَةُ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّجَّارِيُّ لِرَدِّ هَذَا التَّشْنِيعِ قَائِلًا الْإِفَاضَةُ فِي الْجَوَابِ عَلَى وَجْهٍ يُرْشِدُ إلَى الصَّوَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ تَجْرِي مَجْرَى الْأَدْوِيَةِ مَتَى يُعَالَجُ بِهَا مَرَضُ الْقَلْبِ. وَالطَّبِيبُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاذِقًا مُسْتَعْمِلًا لِلْأَدْوِيَةِ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ الطَّبِيعَةِ وَضَعْفِهَا كَانَ إفْسَادُهُ أَكْثَرَ مِنْ إصْلَاحِهِ فَكَذَلِكَ الْإِرْشَادُ بِالْأَدِلَّةِ إلَى الْهِدَايَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَدْرِ إدْرَاكِ الْعُقُولِ كَانَ الْإِفْسَادُ لِلْعَقَائِدِ بِالْأَدِلَّةِ أَكْثَرَ مِنْ إصْلَاحِهَا، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ الْإِرْشَادِ بِكُلِّ أَحَدٍ لَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْمُؤْمِنُ الْمُصَدِّقُ سَمَاعًا أَوْ تَقْلِيدًا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّكَ عَقِيدَتُهُ بِتَحْرِيرِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُطَالِبْ الْعَرَبَ فِي مُخَاطَبَتِهِ إيَّاهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّصْدِيقِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِيمَانٍ وَعَقْدٍ تَقْلِيدِيٍّ أَوْ بِيَقِينٍ بُرْهَانِيٍّ، وَالْجَافِي الْغَلِيظُ الضَّعِيفُ الْعَقْلِ الْجَامِدُ عَلَى التَّقْلِيدِ الْمُصِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ مَعَهُ السَّيْفُ وَالسِّنَانُ، وَالشَّاكُّونَ الَّذِينَ فِيهِمْ نَوْعُ ذَكَاءٍ وَلَا تَصِلُ عُقُولُهُمْ إلَى فَهْمِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ وَالْيَقِينِ يَنْبَغِي أَنْ يُتَكَلَّفَ فِي مُعَالَجَتِهِمْ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُقْنِعِ الْمَقْبُولِ عِنْدَهُمْ لَا بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ لِقُصُورِ عُقُولِهِمْ عَنْ إدْرَاكِهَا لِأَنَّ الِاهْتِدَاءَ بِنُورِ الْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ لَا يَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَّا آحَادًا مِنْ الْعِبَادِ وَالْغَالِبُ عَلَى الْخَلْقِ الْقُصُورُ وَالْجَهْلُ فَهُمْ لِقُصُورِهِمْ لَا يُدْرِكُونَ بَرَاهِينَ الْعُقُولِ كَمَا لَا تُدْرِكُ نُورَ الشَّمْسِ أَبْصَارُ الْخَفَافِيشِ بَلْ تَضُرُّهُمْ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ الْبُرْهَانِيَّةُ كَمَا تَضُرُّ رِيَاحُ الْوَرْدِ لِلْجَعْلِ وَفِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ: فَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْمًا أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ الْمُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ وَأَمَّا الشَّخْصُ الَّذِي لَا يُقْنِعُهُ الْكَلَامُ الْخَطَابِيُّ فَتَجِبُ الْمُحَاجَّةُ مَعَهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْبُرْهَانِيِّ إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَيَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالتَّصْدِيقِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَبِتَوْحِيدِهِ يَشْمَلُ الْكَافَّةَ مِنْ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِالدَّعْوَةِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ بِالْمُحَاجَّةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ إدْرَاكِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قَاصِرُونَ وَلَا تُجْدِي مَعَهُمْ إلَّا الْأَدِلَّةُ الْخَطَابِيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ وَالْمَقْبُولَةِ الَّتِي أَلِفُوهَا وَحَسِبُوا أَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ وَأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ الَّتِي لَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَعَلَى الْأَدِلَّةِ الْخَطَابِيَّةِ النَّافِعَةِ مَعَ الْعَامَّةِ لِوُصُولِ عُقُولِهِمْ إلَى إدْرَاكِهَا بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ تَكْمِيلًا لِلْحُجِّيَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ عَلَى مَا يُشِيرُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] . وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا عِبَارَةً وَإِشَارَةً الْآيَةُ، أَمَّا الدَّلِيلُ الْخَطَابِيُّ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ فَهُوَ لُزُومُ فَسَادِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لِخُرُوجِهَا عَنْ النِّظَامِ الْمَحْسُوسِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ فَسَادِهِمَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الِاخْتِلَافِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَطْعًا لِإِمْكَانِ الِاتِّفَاقِ فَلُزُومُ الْفَسَادِ لُزُومٌ عَادِيٌّ. وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ

عَلَيْهِ وَلَمْ يُخْلِفْ التَّعَدُّدُ فِي تَرْتِيبِ الْفَسَادِ غَيْرَهُ فَيَنْتَفِي الْفَسَادُ بِانْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ الْمُفَادِ بِلَوْ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الْآيَةِ الْعَكْسَ أَيْ الدَّلَالَةَ عَلَى انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ (لَا إنْ خَلَفَهُ) أَيْ خَلْفَ الْمُقَدِّمُ غَيْرَهُ أَيْ كَانَ لَهُ خُلْفٌ فِي تَرَتُّبِ التَّالِي عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ التَّالِي (كَقَوْلِك) فِي شَيْءٍ (لَوْ كَانَ إنْسَانًا لَكَانَ حَيَوَانًا) فَالْحَيَوَانُ مُنَاسِبٌ لِلْإِنْسَانِ لِلُزُومِهِ عَقْلًا لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَيَخْلُفُ الْإِنْسَانُ فِي تَرَتُّبِ الْحَيَوَانِ غَيْرَهُ كَالْحِمَارِ فَلَا يَلْزَمُ بِانْتِفَاءِ الْإِنْسَانِ عَنْ شَيْءٍ الْمُفَادِ بِلَوْ انْتِفَاءُ الْحَيَوَانِ عَنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حِمَارًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَجَرًا أَمَّا أَمْثِلَةُ بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ فَنَحْوُ لَوْ لَمْ تَجِئْنِي مَا أَكْرَمْتُك لَوْ جِئْتَنِي مَا أَهَنْتُكَ لَوْ لَمْ تَجِئْنِي أَهَنْتُك (وَيَثْبُتُ) التَّالِي بِقِسْمَيْهِ عَلَى حَالِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمُقَدِّمِ بِقِسْمَيْهِ (إنْ لَمْ يُنَافِ) انْتِفَاءَ الْمُقَدِّمِ (وَنَاسَبَ) انْتِفَاءَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَطْعِيُّ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ فَهُوَ بُرْهَانُ التَّمَانُعِ الْقَطْعِيِّ بِإِجْمَاعِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُسْتَلْزِمِ لِكَوْنِ مَقْدُورَيْنِ قَادِرَيْنِ وَلِعَجْزِهِمَا أَوْ عَجْزِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا بُيِّنَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَكِلَاهُمَا مُحَالَانِ عَقْلًا لَا التَّمَانُعُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ بَلْ التَّمَانُعُ قَدْ يَكُونُ بُرْهَانِيًّا. وَقَدْ يَكُونُ خَطَابِيًّا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ كُلَّ تَمَانُعٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ بُرْهَانٌ وَقَطْعِيَّةُ لُزُومِ الْفَسَادِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ لَا تُنَافِي خَطَابِيَّةَ لُزُومِ الْفَسَادِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْعِبَارَةِ لِأَنَّ الْفَسَادَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ كَوْنُ مَقْدُورَيْنِ قَادِرَيْنِ وَعَجْزُ الْإِلَهَيْنِ الْمَفْرُوضَيْنِ أَوْ عَجْزُ أَحَدِهِمَا وَالْفَسَادُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْعِبَارَةِ وَهُوَ خُرُوجُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَنْ النِّظَامِ الْمَحْسُوسِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ بِاشْتِمَالِ الْقُرْآنِ عَلَى الدَّلِيلِ الْخَطَابِيِّ النَّافِعِ لِلْعَامَّةِ الْكَافِي لِإِلْزَامِهِمْ وَإِفْحَامِهِمْ كَاشْتِمَالِهِ عَلَى الْبُرْهَانِ الْقَطْعِيِّ النَّافِعِ لِلْخَاصَّةِ قَوْلٌ سَدِيدٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْرِيرِ الْآيَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْمِيزَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالشَّارِحُ لَمْ يَسْلُكْهُ وَإِنَّمَا قَرَّرَهَا بِمُقْتَضَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ هُوَ امْتِنَاعُ الشَّرْطِ فَلَا مُلَازَمَةَ وَلَا اسْتِنْتَاجَ نَظِيرَ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الْآيَةِ الْعَكْسَ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُورِدَ عَلَى السَّعْدِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِهِ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْلُفْ التَّعَدُّدُ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ بِإِمْكَانِ تَرَتُّبِ فَسَادِهِمَا عَلَى مُجَرَّدِ إرَادَةِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْهُ غَيْرُهُ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ) وَهُوَ انْتِفَاءُ الْجَوَابِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَلَا يُحْتَاجُ لِهَذَا التَّعْلِيلِ إلَّا عَلَى كَلَامِ الْمُعْرِبِينَ أَمَّا عَلَى هَذَا فَلَا. (قَوْلُهُ: أَيْ الدَّلَالَةُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ الِاسْتِعْمَالَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ لَا بَيَانَ الْعِلَّةِ وَفِيهِ أَنَّ التَّمْثِيلَ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ كَانَ لَهُ خَلَفٌ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ خَلَفَهُ غَيْرُهُ تَحَقُّقَ الْخَلَفِ بَلْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ هُنَاكَ خَلَفًا قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَادَّةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَقَدْ لَا يَتَحَقَّقُ فَإِنْ تَحَقَّقَ ثَبَتَ التَّالِي وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ التَّالِي وَلَمْ يَقُلْ فَيَنْتَفِي التَّالِي وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مِثَالُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ الشَّيْءَ فِيهِ قَدْ يَكُونُ حَالًّا مَثَلًا فَيَلْزَمُ وُجُودُ التَّالِي وَقَدْ يَكُونُ حَجَرًا مَثَلًا فَلَا يَلْزَمُ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَالًّا. (قَوْلُهُ: أَمَّا أَمْثِلَةُ إلَخْ) أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خَلَفٍ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ التَّالِي) أَيْ يَتَحَقَّقُ بِقِسْمَيْهِ مِنْ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ قَالَ فِي الْمُطَوَّلِ قَدْ تُسْتَعْمَلُ أَنْ وَلَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ لَازِمُ الْوُجُودِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ فِي قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَسْتَبْعِدُهُ اسْتِلْزَامُهُ لِذَلِكَ الْجَزَاءِ وَيَكُونُ نَقِيضُ ذَلِكَ الشَّرْطِ أَنْسَبَ وَأَلْيَقَ بِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ الْجَزَاءَ فَيَلْزَمُ اسْتِمْرَارُ وُجُودِ الْجَزَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَاسَبَ انْتِفَاءَهُ) أَيْ الْمُقَدَّمِ وَبَنَى

أَمَّا (بِالْأَوْلَى كَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ) الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْل النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» رَتَّبَ عَدَمَ الْعِصْيَانِ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ وَهُوَ بِالْخَوْفِ الْمُفَادِ بِلَوْ أَنْسَبُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى مُطْلَقًا أَيْ لَا مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعَ انْتِفَائِهِ إجْلَالًا لَهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَعْصِيَهُ. وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهَذَا الْأَثَرُ أَوْ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَحْصِ الشَّدِيدِ (أَوْ الْمُسَاوَاةُ كَلَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَةً لَمَا حَلَّتْ لِلرَّضَاعِ) الْمَأْخُوذُ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُرَّةَ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ - بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ هِنْدٍ لَمَّا بَلَغَهُ تَحَدُّثُ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُبَيَّنِ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ عَلَى كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُفَادُ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحُ عَلَى جَعْلِهِ لِانْتِفَاءٍ هُوَ الْمَفْعُولُ جَعَلَ الْمِثَالَ الْآتِيَ مُنْقَلِبًا وَقَالَ النَّاصِرُ الْمَفْعُولُ هُوَ الْمُقَدَّمُ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ غَيْرُ مُنْقَلِبٍ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَأَيْضًا لَا حَاجَةَ إلَى الْمُصَنِّفِ عَلَى مُنَاسَبَةِ الْمُقَدَّمِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعْلِيقِ. (قَوْلُهُ: بِالْأَوْلَى) أَيْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ نَقِيضُ الشَّرْطِ أَوْلَى مِنْ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ لَوْ فَمَعْنَى لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يُهَدِّدْهُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي لَمْ يَفْعَلْهَا فَكَيْفَ يَفْعَلُهَا مَعَ تَهْدِيدِ اللَّهِ لَهُ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اُحْتِجْنَا لِذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ خَوْفِ اللَّهِ كُفْرٌ. (قَوْلُهُ: الْمُفَادُ بِلَوْ) لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى انْتِفَاءِ انْتِفَائِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ. (قَوْلُهُ: فِي قَصْدِهِ) أَيْ قَصْدِ الْمُرَتِّبِ وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23] الْآيَةَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ قِيَاسًا اقْتِرَانِيًّا وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَإِلَّا لَأَنْتَجَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَتَوَلَّوْا وَهُوَ مُحَالٌ إذْ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَمْ يَتَوَلَّوْا بَلْ أَقْبَلُوا فَالْمُرَادُ إنَّ عِلْمَ عَدَمِ الْخَيْرِ سَبَبُ عَدَمِ الِاسْتِمَاعِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ عَلَى طَرِيقَةِ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوَلِّيَ حَاصِلٌ بِتَقْدِيرِ الْإِسْمَاعِ فَكَيْفَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ. وَقَدْ غَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّ الشَّرْطِيَّتَيْنِ مُهْمَلَتَانِ وَكُبْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً لَوْ سُلِّمَ فَلَا يُنْتَجَانِ إلَّا إذَا كَانَتَا لُزُومِيَّتَيْنِ بِأَنَّ لَفَظَّةَ لَوْلَا تُسْتَعْمَلُ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ فِي الْقِيَاسِ الِاقْتِرَانِيِّ وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ لِأَنَّهَا لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي كَلَامِ الْحَكِيمِ تَعَالَى أَنَّهُ قِيَاسٌ أُهْمِلَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِنْتَاجِ وَأَيُّ فَائِدَةٍ تَكُونُ فِي ذَلِكَ وَهَلْ يَتَرَكَّبُ الْقِيَاسُ إلَّا لِحُصُولِ النَّتِيجَةِ بَلْ الْحَقُّ أَنْ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا} [الأنفال: 23] إلَى آخِرِ مَا نَقَلْنَاهُ (قَوْلُهُ: إجْلَالًا لَهُ) قَالَ النَّجَّارِيُّ أَسْبَابُ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ أَرْبَعَةٌ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ وَالْحَيَاءُ وَالْمَحَبَّةُ. وَفِي الْحَقِيقَةِ السَّبَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ تَقْرِيرِ الْمَعْصِيَةِ وَهَذِهِ نَاشِئَةٌ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ مِمَّا أَفَادَنِيهِ الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ) هُوَ بَهَاءُ الدِّينِ صَاحِبُ عَرُوسُ الْأَفْرَاحِ. (قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُحَدِّثِينَ كَالْحَافِظِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيِّ وَوَلَدِهِ أَبِي زُرْعَةَ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ إنَّ سَالِمًا شَدِيدُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ لَوْ كَانَ لَا يَخَافُ اللَّهَ مَا عَصَاهُ» لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ابْنُ أَهْيَفَ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ يُرِيدُ) أَيْ بِأَنَّهُ يُرِيدُ وَحَذْفُ الْجَارِّ فِي مِثْلِهِ مُطَّرِدٌ. (قَوْلُهُ: إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي) اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ قَصَدَ بِهِ بَيَانَ سَبَبِ عَدَمِ الْحِلِّ. (قَوْلُهُ: أَخِي) هُوَ أَبُو سَلَمَةَ. (قَوْلُهُ: الْمُبَيَّنُ) نَعْتٌ لِعَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً، وَقَوْلُهُ الْمُنَاسِبُ نَعْتٌ لَهُ أَيْضًا يَعْنِي أَنَّ انْتِفَاءَ كَوْنِهَا رَبِيبَةً لَا يَصْلُحُ عَدَمُ تَرَتُّبِ الْحِلِّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ انْتِفَاءً فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ الِانْتِفَاءِ مَا صَدَقَ الِانْتِفَاءُ مَعَهُ مِنْ الْحَلِفِ وَهُوَ كَوْنُهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ. (قَوْلُهُ: الْمُنَاسِبُ) نَعْتٌ جَارٍ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ وَالتَّقْدِيرُ الْمُنَاسِبُ عَدَمُ الْحِلِّ لَهُ أَيْ لِعَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً. (قَوْلُهُ: فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا) مُقَدِّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَمَحِلُّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ الْمُفَادُ. (قَوْلُهُ: فِي قَصْدِهِ) أَيْ قَصْدِ الْمُرَتَّبِ الْمَأْخُوذِ مِنْ رَتَّبَ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: الْمُفَادُ بِلَوْ)

كَمُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ لِمُسَاوَاةِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَرُمَتْ لَهُ كَوْنُهَا رَبِيبَةً وَكَوْنُهَا ابْنَةَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ وَالنِّسَاءُ حَيْثُ تَحَدَّثْنَ لَمَّا قَامَ عِنْدَهُنَّ بِإِرَادَتِهِ نِكَاحَهَا جَوَّزْنَ أَنْ يَكُونَ حِلُّهَا مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ فِي حِجْرِي عَلَى وَفْقِ الْآيَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا وَيُجْمَعُ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي اسْمِهَا مِنْ أَنَّهُ دُرَّةُ وَبَيْنَ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهَا «كَانَ اسْمِي بَرَّةَ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ وَقَالَ لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ بِأَنَّ لَهَا اسْمَيْنِ قَبْلَ التَّغْيِيرِ» (أَوْ الْأَدْوَنِ كَقَوْلِك) فِيمَنْ عُرِضَ عَلَيْك نِكَاحُهَا (لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ النَّسَبِ) بَيْنِي وَبَيْنَهَا (لَمَا حَلَّتْ) لِي (لِلرَّضَاعِ) بَيْنِي وَبَيْنَهَا بِالْأُخُوَّةِ وَهَذَا الْمِثَالُ لِلْأُولَى انْقَلَبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ سَهْوًا وَصَوَابُهُ لِيَكُونَ لِلْأَدْوَنِ لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ الرَّضَاعِ لَمَا حَلَّتْ لِلنَّسَبِ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُبَيَّنِ بِأُخُوَّتِهَا مِنْ النَّسَبِ الْمُنَاسِبِ هُوَ لَهَا شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ عَلَى أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُفَادِ بِلَوْ الْمُنَاسِبِ هُوَ لَهَا شَرْعًا لَكِنْ دُونَ مُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ أَدْوَنُ مِنْ حُرْمَةِ النَّسَبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَرُمَتْ لَهُ أُخُوَّتُهَا مِنْ النَّسَبِ وَأُخُوَّتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَإِنَّمَا قَالَ كَقَوْلِك كَذَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ لَمْ يَجِدْ نَحْوَهُ فِيمَا يُسْتَشْهَدُ بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ أُسْلُوبِهِ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ الْمُسَاوَاةِ الْمُسَاوِي لَكَانَ أَنْسَبَ بِقِسْمَيْهِ وَلَوْ أَسْقَطَ لَامَ لَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَوَافَقَ الِاسْتِعْمَالَ الْكَثِيرَ مَعَ الِاخْتِصَارِ. وَقَدْ تَجَرَّدَتْ لَوْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ عَنْ الزَّمَانِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهَا، أَمَّا أَمْثِلَةُ بَقِيَّةِ أَقْسَامِ هَذَا الْقِسْمِ فَنَحْوُ لَوْ أَهَنْت زَيْدًا لَأَثْنَى عَلَيْك أَيْ فَيُثْنِي مَعَ عَدَمِ الْإِهَانَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لَوْ تَرَكَ الْعَبْدُ سُؤَالَ رَبِّهِ لَأَعْطَاهُ أَيْ فَيُعْطِيهِ مَعَ السُّؤَالِ مِنْ بَابِ أَوْلَى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] إلَى {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] أَيْ فَمَا تَنْفُذُ مَعَ انْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَتَرِدُ) لَوْ (لِلتَّمَنِّي وَالْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ) فَيُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا لِذَلِكَ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ نَحْوُ لَوْ تَأْتِينِي فَتُحَدِّثَنِي، لَوْ تَنْزِلُ عِنْدِي فَتُصِيبَ خَيْرًا، لَوْ تَأْمُرُ فَتُطَاعَ، وَمِنْ الْأَوَّلِ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ لَيْتَ لَنَا وَتَشْتَرِكُ الثَّلَاثَةُ فِي الطَّلَبِ وَهُوَ فِي التَّحْضِيضِ بِحَثٍّ. وَفِي الْعَرْضِ بِلِينٍ وَفِي التَّمَنِّي لِمَا لَا طَمَعَ فِي وُقُوعِهِ (وَالتَّقْلِيلِ نَحْوُ) حَدِيثِ «تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا لِامْتِنَاعِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ هُنَا نَفْيٌ وَالنَّفْيُ إثْبَاتٌ. (قَوْلُهُ: كَوْنُهَا) بَدَلًا مِنْ وَصْفَيْنِ. (قَوْلُهُ: مِنْ خَصَائِصِهِ) وَإِلَّا فَهُمْ يَعْتَرِفُونَ أَنَّ بِنْتَ الزَّوْجَةِ لَا تَحِلُّ. (قَوْلُهُ: وَيُجْمَعُ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّحَادِ مُسَمَّى الِاسْمَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا بِنْتَانِ لِأُمِّ سَلَمَةَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ زَيْنَبُ وَدُرَّةُ فَتَكَلُّفُ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ مَبْنِيٌّ عَلَى وَهْمٍ. (قَوْلُهُ: لَا تُزَكُّوا) أَيْ لِأَنَّ فِي التَّسْمِيَةِ بِبَرَّةٍ تَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ بِاعْتِبَارِ لَمْحِ الصِّفَةِ وَإِلَّا فَالْأَعْلَامُ لَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ. (قَوْلُهُ: لَوْ انْتَفَتْ) أَيْ ثَبَتَتْ كَمَا هُوَ مُفَادُ لَوْ. (قَوْلُهُ: انْقَلَبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ) بِأَنْ صَارَ الْجَوَابُ شَرْطًا وَالشَّرْطُ جَوَابًا. (قَوْلُهُ: رَتَّبَ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ لَوْ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْوِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: أَدْوَنُ) أَيْ أَقَلُّ أَفْرَادًا مِنْ حُرْمَةِ النَّسَبِ. (قَوْلُهُ: أَخَوَاتِهَا) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ وَصْفَيْنِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَوْضِعَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ كَانَ إنْسَانًا لَكَانَ حَيَوَانًا إلَخْ وَقَوْلُهُ لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ النَّسَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَنْ أُسْلُوبِهِ) أَيْ أُسْلُوبِ مَا يُسْتَشْهَدُ بِهِ. (قَوْلُهُ: بِقِسْمَيْهِ) أَيْ الْأَدْوَنِ وَالْمُسَاوِي. (قَوْلُهُ: الِاسْتِعْمَالُ الْكَثِيرُ) وَهُوَ تَرْكُ اللَّامِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ. (قَوْلُهُ: هَذَا الْقِسْمُ) وَهُوَ ثُبُوتُ التَّالِي إنْ لَمْ يُنَافِ انْتِفَاءَ الْمُقَدِّمِ وَنَاسَبَ انْتِفَاءَهُ وَقَدْ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَنْفِيَّيْنِ فَيَبْقَى الْمُثْبَتَانِ وَالْمَنْفِيُّ فِي الشَّرْطِ وَالْمُثْبَتُ فِي الْجَوَابِ وَعَكْسُهُ وَقَدْ تَكَفَّلَ بِذَلِكَ الشَّارِحُ لَكِنَّ الْأَمْثِلَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْمُنَاسِبِ الْأَوْلَى وَحَاصِلُ الْأَقْسَامِ اثْنَا عَشَرَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَوْلَى أَوْ مُسَاوٍ أَوْ أَدْوَنُ. (قَوْلُهُ: لَوْ تَرَكَ الْعَبْدُ إلَخْ) فِي مَعْنَى النَّفْيِ فَلِذَا كَانَ مِثَالًا لِمَا إذَا كَانَ الْمُقَدِّمُ مَنْفِيًّا. (قَوْلُهُ: كَلِمَاتُ اللَّهِ) أَيْ مَعْلُومَاتُهُ (قَوْلُهُ: وَتَرِدُ لَوْ إلَخْ) أَظْهَرَ وَلَمْ يَأْتِ بِالضَّمِيرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ عَلَى لَوْ الشَّرْطِيَّةِ وَهَاهُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَيُنْصَبُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَشَارَ بِهِ

كَذَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ «رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ بِظِلْفٍ وَالْمُرَادُ الرَّدُّ بِالْإِعْطَاءِ وَالْمَعْنَى تَصَدَّقُوا بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ كَبِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ وَلَوْ بَلَغَ فِي الْقِلَّةِ الظِّلْفَ مَثَلًا فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْعَدَمِ وَهُوَ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ وَالْخُفِّ لِلْجَمَلِ وَقُيِّدَ بِالْإِحْرَاقِ أَيْ الشَّيْء كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ فِيهِ لِأَنَّ النِّيء قَدْ لَا يُؤْخَذُ وَقَدْ يَرْمِيهِ آخِذُهُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ. (الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ لَنْ حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ وَاسْتِقْبَالٍ) لِلْمُضَارِعِ (وَلَا تُفِيدُ تَوْكِيدَ النَّفْيِ وَلَا تَأْبِيدَهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ) أَيْ زَعَمَ إفَادَتَهَا مَا ذُكِرَ كَالزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ كَالْكَشَّافِ هِيَ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَفِي الْأُنْمُوذَجِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْبِيدُ نِهَايَةُ التَّأْكِيدِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّفْيَ قَالَ فِي الْكَشَّافِ مُفَرِّقًا فَقَوْلُك لَنْ أُقِيمَ مُؤَكَّدٌ بِخِلَافِ لَا أُقِيمُ كَمَا فِي إنِّي مُقِيمٌ وَأَنَا مُقِيمٌ وَقَوْلُهُ فِي شَيْءٍ لَنْ أَفْعَلَهُ مُؤَكَّدٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ كَقَوْلِك لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا وَالْمَعْنَى أَنَّ فِعْلَهُ يُنَافِي حَالِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: 73] أَيْ خَلْقُهُ مِنْ الْأَصْنَامِ مُسْتَحِيلٌ مُنَافٍ لِأَحْوَالِهِمْ اهـ. وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ زَعَمَهُ تَضْعِيفٌ لَهُ لِمَا قَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاسْتِفَادَةُ التَّأْبِيدِ فِي آيَةِ الذُّبَابِ وَغَيْرِهَا {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47] مِنْ خَارِجٍ كَمَا فِي {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95] وَكَوْنُ أَبَدًا فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا قِيلَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَقَدْ نُقِلَ التَّأْبِيدُ عَنْ غَيْرِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَوَافَقَهُ فِي التَّأْكِيدِ كَثِيرٌ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ مَنْعَهُ مُكَابَرَةٌ وَلَا تَأْبِيدَ قَطْعًا فِيمَا إذَا قُيِّدَ النَّفْيُ نَحْوُ {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] (وَتَرِدُ لِلدُّعَاءِ وِفَاقًا لِابْنِ عُصْفُورٍ) كَقَوْلِهِ لَنْ تَزَالُوا كَذَلِكُمْ ثُمَّ لَا زِلْ ... تُ لَكُمْ خَالِدًا خُلُودَ الْجِبَالِ وَابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا وَلَا حُجَّةَ فِي الْبَيْتِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَفِيهِ بُعْدٌ. (الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ مَا تَرِدُ اسْمِيَّةً وَحَرْفِيَّةً) فَالِاسْمِيَّةُ تَرِدُ (مَوْصُولَةً) نَحْوُ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] أَيْ الَّذِي (وَنَكِرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنَّ كَوْنَ لَوْ لِلتَّمَنِّي فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ نِزَاعٌ وَلَا دَلِيلَ فِي نَصْبِ فَيَكُونُ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ النَّصْبَ بِالْعَطْفِ عَلَى كَرَّةٍ عَلَى حَدِّ وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي وَلَكِنَّ التَّمَنِّيَ هُوَ أَقْرَبُ وَأَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: فِي الْقِلَّةِ) قَدْ يَدَّعِي أَنَّ التَّعْلِيلَ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ مَدْخُولِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَفٌّ يُشْعِرُ بِالتَّقْلِيلِ (قَوْلُهُ: لِلْمُضَارِعِ) أَيْ لِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ فَالنَّصْبُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ وَالنَّفْيُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ التَّضَمُّنِيِّ وَهُوَ الْحَدَثُ وَالِاسْتِقْبَالُ بِاعْتِبَارِ زَمَانِهِ فَالْمُضَارِعُ مُرْتَبِطٌ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: وَالتَّأْبِيدُ نِهَايَةٌ) أَيْ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ) يَعْنِي أَنَّ التَّأْبِيدَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّفْيَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَنٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَافِي التَّأْبِيدَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلتَّأْبِيدِ قَطْعًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ لَكِنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّفْيَ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ نَفْيَ لَنْ بِالتَّأْبِيدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95] تَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ قَطْعًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُفِيدَ لِلتَّأْبِيدِ فِي الْآيَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّاجِحِ لَفْظُ أَبَدًا وَعِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ التَّأْبِيدُ مُسْتَفَادٌ مِنْ لَنْ وَلَفْظَةُ أَبَدًا تَأْكِيدٌ. (قَوْلُهُ: مُفَرِّقًا) بِالْكَسْرِ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي قَالَ (قَوْلُهُ: لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا) فَإِنَّ التَّأْبِيدَ يَلْزَمُهُ التَّأْكِيدُ. (قَوْلُهُ: يُنَافِي حَالِي) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّفْيَ بِلَنْ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ نَفْيِ الْوُقُوعِ بَلْ مَعَ نَفْيِ اللِّيَاقَةِ عَنْ غَيْرِ الزَّمَخْشَرِيِّ كَابْنِ عَطِيَّةَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] لَوْ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى هَذَا النَّفْيِ بِمُجَرَّدِهِ لَتَضَمَّنَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَرَاهُ أَبَدًا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اهـ. وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ التَّأْبِيدُ مَوْضُوعَهَا لُغَةً وَلَا يَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَيْ لَا يَقَعُ مِنْك رُؤْيَةٌ لِي فَيَعُمُّ النَّفْيُ كُلَّ رُؤْيَةٍ مَا لَمْ يَرِدْ مَا يُخَصِّصُهُ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءُ عَلَى الِاعْتِزَالِ مِنْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَنَّهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَخْصِيصِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بُعْدٌ) أَيْ مَعْنًى وَصِنَاعَةً أَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ مَجْهُولٌ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ

مَوْصُوفَةً) نَحْوُ مَرَرْت بِمَا مُعْجَبٍ لَك أَيْ بِشَيْءٍ (وَلِلتَّعَجُّبِ) نَحْوُ مَا أَحْسَنَ زَيْدًا فَمَا نَكِرَةٌ تَامَّةٌ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرُهُ (وَاسْتِفْهَامِيَّةً) نَحْوُ {فَمَا خَطْبُكُمْ} [الذاريات: 31] أَيْ شَأْنُكُمْ (وَشَرْطِيَّةً زَمَانِيَّةً) نَحْوُ {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7] أَيْ اسْتَقِيمُوا لَهُمْ مُدَّةَ اسْتِقَامَتِهِمْ لَكُمْ (وَغَيْرَ زَمَانِيَّةٍ) نَحْوُ {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197] (وَ) الْحَرْفِيَّةُ تَرِدُ (مَصْدَرِيَّةً كَذَلِكَ) أَيْ زَمَانِيَّةً نَحْوُ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ وَغَيْرَ زَمَانِيَّةٍ نَحْوُ {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ} [السجدة: 14] أَيْ بِنِسْيَانِكُمْ (وَنَافِيَةً) عَامِلَةً نَحْوُ {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] وَغَيْرَ عَامِلَةٍ نَحْوُ {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة: 272] (وَزَائِدَةً كَافَّةً) عَنْ عَمَلِ الرَّفْعِ نَحْوُ قَلَّمَا يَدُومُ الْوِصَالُ أَوْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ نَحْوُ {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] أَوْ الْجَرِّ نَحْوُ رُبَّمَا دَامَ الْوِصَالُ (وَغَيْرَ كَافَّةٍ) عِوَضًا نَحْوُ افْعَلْ هَذَا إمَّا لَا أَيْ إنْ كُنْت لَا تَفْعَلُ غَيْرَهُ فَمَا عِوَضٌ عَنْ كُنْت أُدْغِمَ فِيهَا النُّونُ لِلتَّقَارُبِ وَحُذِفَ الْمَنْفِيُّ لِلْعِلْمِ بِهِ وَغَيْرَهُ عِوَضٌ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159] وَالْأَصْلُ فَبِرَحْمَةٍ. (الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ) فِي الْمَكَانِ نَحْوُ {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] وَالزَّمَانِ نَحْوُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَحْوُ {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] (غَالِبًا) أَيْ وُرُودُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى أَكْثَرُ مِنْ وُرُودِهَا لِغَيْرِهِ (وَلِلتَّبْعِيضِ) نَحْوُ {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] أَيْ بَعْضَهُ (وَالتَّبْيِينِ) نَحْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِخْبَارُ بِهِ وَأَمَّا صِنَاعَةً فَلِلُزُومِ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجُمْلَةِ بِتَمَامِهَا لَا مِنْ لَنْ بَلْ هِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ الْإِنْشَاءُ (قَوْلُهُ: وَلِلتَّعَجُّبِ) جَعَلَهَا قِسْمًا بِرَأْسِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ عِنْدَهُ مِنْ أَيِّ الْأَقْسَامِ هِيَ فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَقِيلَ مَوْصُوفَةٌ وَقِيلَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَقِيلَ نَكِرَةٌ تَامَّةٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} [البقرة: 197] مَا مَفْعُولٌ بِهِ دَلِيلُ بَيَانِهَا بِقَوْلِهِ مِنْ خَيْرٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ) فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ نَائِبٌ عَنْ اسْمِ الزَّمَانِ الْمَحْذُوفِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْقَرِينَةِ وَلَيْسَ الدَّالُّ عَلَى الزَّمَانِ هِيَ وَإِلَّا كَانَتْ اسْمًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا غَيْرُ زَمَانِيَّةٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ تَقْوَى اسْتِطَاعَتِكُمْ. (قَوْلُهُ: قَلَّمَا يَدُومُ وِصَالٌ) فَمَا كَافَّةٌ لَا مَصْدَرِيَّةٌ بِدَلِيلِ وُقُوعِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ بَعْدَهَا فِي نَحْوِ وَقَلَّمَا وِصَالٌ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَدُومُ (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ كُنْت) قَالَ النَّاصِرُ فِي حَاشِيَةِ التَّوْضِيحِ لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ كَانَ وَجَعْلِ مَا عِوَضًا عَنْهَا بَلْ الْمَعْنَى أَنْ لَا تَفْعَلَ غَيْرَهُ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدَّلَالَةُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ وَالْجَزْمِ بِهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَكَانِ وَتَجِيءُ أَيْضًا بَعْدَ أَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِثَالُهُ أَمَّا أَنْتَ مُنْطَلِقًا أَيْ لَأَنْ كُنْت مُنْطَلِقًا انْطَلَقْت فَمَا عِوَضٌ عَنْ كَانَ وَاللَّامِ وَالْأَصْلُ انْطَلَقْت لِأَنَّ كُنْت مُنْطَلِقًا فَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ لَهُ لِلِاخْتِصَاصِ وَحَذَفَ الْجَارَّ وَكَانَ لِلِاخْتِصَارِ وَجِيءَ بِمَا لِلتَّعْوِيضِ وَأُدْغِمَتْ فِي النُّونِ لِلتَّقَارُبِ (قَوْلُهُ: لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ) أَيْ لِابْتِدَاءِ ذِي الْغَايَةِ أَوْ الْمُرَادُ بِهَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَسَافَةُ بِتَمَامِهَا أَوْ الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَإِلَّا فَالْغَايَةُ أَمْرٌ بَسِيطٌ لَا ابْتِدَاءَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَالزَّمَانُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الزَّمَانِ حَقِيقَةً وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَنَقَلَ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا مَجَازٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَقَالَ الرَّضِيُّ إنَّ مِنْ فِي الْآيَتَيْنِ بِمَعْنَى فِي. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) أَيْ لِمَحْضِ الِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ زَمَانٍ أَوْ مَكَان وَأَرْجَعَهُ بَعْضٌ لِلْمَكَانِ الْحُكْمِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْضُهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَلَامَةَ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ أَنْ يُسَدُّ بَعْضُ مَسَدِّهَا، وَالتَّبْعِيضُ فِيهَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالنِّصْفِ فَمَا دُونَهُ فَلَوْ قَالَ بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْت فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَهُمْ بَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ إلَّا وَاحِدًا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهَذَا يُنَاظِرُ الِاسْتِثْنَاءَ فَإِنَّ الْغَالِبَ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ وَاسْتِيفَاءُ الْأَكْثَرِ وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى عَشْرَةٍ إلَّا تِسْعَةً صَحَّ وَجُعِلَ مُقِرًّا بِدِرْهَمٍ قَالَهُ الْكَمَالُ. وَفِي بَعْضِ رَسَائِلِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا أَنَّ الْبَعْضِيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي مِنْ هِيَ الْبَعْضِيَّةُ فِي الْأَجْزَاءِ لَا الْبَعْضِيَّةُ فِي الْأَفْرَادِ عَلَى خِلَافِ التَّنْكِيرِ الَّذِي يَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هِيَ الْبَعْضِيَّةُ فِي الْأَفْرَادِ وَبِهِ تُفَارِقُ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةُ مِنْ الْبَيَانِيَّةَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ وَنَعْرِفُهَا أَيْ نَعْرِفُ مِنْ الْبَيَانِيَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ مِنْ أَوْ بَعْدَهَا مُبْهَمٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ بِمِنْ تَفْسِيرًا لَهُ وَيَقَعُ ذَلِكَ الْمَجْرُورُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبْهَمِ كَمَا يُقَالُ مَثَلًا لِلرِّجْسِ إنَّهُ

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ (وَالتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} [البقرة: 19] أَيْ لِأَجْلِهَا وَالصَّاعِقَةُ الصَّيْحَةُ الَّتِي يَمُوتُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَوْ يُغْشَى عَلَيْهِ (وَالْبَدَلِ) نَحْوُ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ أَيْ بَدَلَهَا (وَالْغَايَةِ) كَإِلَى نَحْوُ قَرُبْت مِنْهُ أَيْ إلَيْهِ (وَتَنْصِيصِ الْعُمُومِ) نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ فَهُوَ بِدُونِ مِنْ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ مُحْتَمِلٌ لِنَفْيِ الْوَاحِدِ فَقَطْ (وَالْفَصْلُ) بِالْمُهْمَلَةِ بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَى ثَانِي الْمُتَضَادَّيْنِ نَحْوُ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] ، {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179] (وَمُرَادِفُهُ الْبَاءُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لِمَعْنَاهَا نَحْوُ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ أَيْ بِهِ. (وَعَنْ) نَحْوُ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أَيْ عَنْهُ (وَفِي) نَحْوُ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] أَيْ فِيهِ (وَعِنْدَ) نَحْوُ {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: 10] أَيْ عِنْدَهُ (وَعَلَى) نَحْوُ وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ أَيْ عَلَيْهِمْ. (الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (شَرْطِيَّةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوْثَانُ وَلِعِشْرُونَ إنَّهَا الدَّرَاهِمُ وَلِلضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ إنَّهُ الْقَائِلُ بِخِلَافِ التَّبْعِيضِيَّةِ فَإِنَّ الْمَجْرُورَ بِهَا لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ بَعْضُ الْمَجْرُورِ وَاسْمُ الْكُلِّ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَعْضِ. فَإِنْ قُلْت عِشْرُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَشَرْت بِالدَّرَاهِمِ إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ بَعْضُهَا، وَإِنْ قَصَدْت بِالدَّرَاهِمِ جِنْسَ الدَّرَاهِمِ فَمِنْ مُبَيِّنَةٌ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْمَجْرُورِ عَلَى الْعِشْرِينَ اهـ ثُمَّ إنَّ الْبَعْضِيَّةَ الْمَدْلُولَةَ لِمَنْ هِيَ الْبَعْضِيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ الْمُنَافِيَةُ لِلْكُلِّيَّةِ الَّتِي يَنْتَظِمُ فِي ضِمْنِ الْكُلِّيَّةِ وَإِلَّا لَمَا تَحَقَّقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَلَمَا تَيَسَّرَ تَمْشِيَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ عِنْدَهُ وَلِلْبَيَانِ عِنْدَهُمَا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تُطَلِّقَ ثَلَاثًا عِنْدَهُ وَقَالَا تُطَلِّقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَكَلِمَةَ مِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمَيُّزِ فَتُحْمَلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ فِي التَّبْعِيضِ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا. وَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ مِنْ الْبَعْضِيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا الْبَعْضِيَّةُ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ أَوْ بِدُونِهِ اتِّفَاقُ النُّحَاةِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ احْتَاجُوا إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31] وَقَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] إلَى أَنْ قَالُوا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَغْفِرَ جَمِيعَ الذُّنُوبِ لِقَوْمٍ وَبَعْضَهَا لِقَوْمٍ أَوْ خِطَابُ الْبَعْضِ لِقَوْمِ نُوحٍ وَخِطَابُ الْجَمِيعِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ اهـ. مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] إنْ قَدَّرْنَا ضَمِيرًا كَانَتْ مَا مُبْتَدَأً وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ لِأَنَّهُ مَفْعُولُ بِهِ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ كَانَتْ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا لِلنَّسْخِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيلُ) وَيُعَبِّرُ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ بِالسَّبَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَتَنْصِيصُ الْعُمُومِ) هِيَ مِنْ فُرُوعِ الزَّائِدَةِ فَإِنَّ الْحَرْفَ الزَّائِدَ يَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ وَالْعُمُومُ مَتَى أُكِّدَ صَارَ نَصًّا. قَوْلُهُ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ} [البقرة: 220] نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ الْفَصْلَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعَامِلِ فَإِنْ مَازَ وَمَيَّزَ بِمَعْنَى فَصَلَ وَالْعِلْمُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ فِي الْآيَتَيْنِ لِلِابْتِدَاءِ أَوْ بِمَعْنَى عَنْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ اسْتِفَادَةَ الْفَصْلِ مِنْهَا فِي الْآيَتَيْنِ أَيْضًا غَايَتُهُ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعَامِلِ ذَاتًا وَمِنْهَا بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْحَرْفَ لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِهِ) عَلَى أَنَّ الطَّرَفَ آلَةٌ لِلنَّظَرِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ وَقَعَ ابْتِدَاءُ النَّظَرِ مِنْهُ فَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَتِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) فَإِنَّهَا حَرْفٌ وَعِنْدَ اسْمٌ (قَوْلُهُ: مَنْ شَرْطِيَّةٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ هِيَ إحْدَى صِيَغِ الْعُمُومِ إذَا وَقَعَتْ شَرْطًا وَتَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ ذَهَبَ إلَى هَذَا أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَرْبَابِ اللِّسَانِ وَالْأُصُولِ وَذَهَبَ شِرْذِمَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَاسْتَمْسَكُوا بِهَذَا الْمَسْلَكِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ الْمُرْتَدَّةِ فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» لَا يَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ وَإِنَّمَا غَرَّهُمْ مَا طَرَقَ مَسَامِعَهُمْ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ: مَنْ وَمَنَهْ وَمَنَانْ وَمَنُونْ وَمَنْتَانْ وَمَنَاتْ قَالَ الشَّاعِرُ

نَحْوُ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] (وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ) نَحْوُ {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52] (وَمَوْصُولَةٌ) نَحْوُ {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرعد: 15] . (وَنَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ) نَحْوُ مَرَرْت بِمَنْ مُعْجَبٌ لَك أَيْ بِإِنْسَانٍ (قَالَ أَبُو عَلِيٍّ) الْفَارِسِيُّ (وَنَكِرَةٌ تَامَّةٌ) كَقَوْلِهِ وَنِعْمَ مَنْ هُوَ فِي سِرٍّ وَإِعْلَانِ فَفَاعِلُ نِعْمَ مُسْتَتِرٌ وَمَنْ تَمْيِيزٌ بِمَعْنَى رَجُلًا وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ مَخْصُوصٌ بِالْمَدْحِ رَاجِعٌ إلَى بِشْرٍ مِنْ قَوْلِهِ وَكَيْفَ أَرْهَبُ أَمْرًا أَوْ أُرَاعُ لَهُ ... وَقَدْ زَكَأْتُ إلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ نِعْمَ مَزْكَأً مَنْ ضَاقَتْ مَذَاهِبُهُ وَنِعْمَ مَنْ إلَخْ وَفِي سِرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِنِعْمَ، وَغَيْرُ أَبِي عَلِيٍّ لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ وَقَالَ مَنْ مَوْصُولَةٌ فَاعِلُ نِعْمَ وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ رَاجِعٌ إلَيْهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ هُوَ مَحْذُوفٌ رَاجِعٌ إلَى بِشْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي سِرٍّ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفِعْلِ كَمَا سَيَظْهَرُ وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَنْ وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ أَيْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى بِشْرٍ أَيْضًا وَالتَّقْدِيرُ نِعْمَ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِشْرٌ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ. (السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ هَلْ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ الْإِيجَابِيِّ لَا لِلتَّصَوُّرِ وَلَا لِلتَّصْدِيقِ السَّلْبِيِّ) التَّقْيِيدُ بِالْإِيجَابِيِّ وَنَفْيُ السَّلْبِيِّ عَلَى مِنْوَالِهِ أَخْذًا مِنْ ابْنِ هِشَامٍ فَهُوَ يَرَى أَنَّ هَلْ لَا تَدْخُلُ عَلَى مَنْفِيٍّ فَهِيَ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ أَيْ الْحُكْمِ بِالثُّبُوتِ أَوْ الِانْتِفَاءِ كَمَا قَالَهُ السَّكَّاكِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ فِي جَوَابِ هَلْ قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا نَعَمْ أَوْ لَا وَتُشْرِكُهَا فِي هَذَا الْهَمْزَةُ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِطَلَبِ التَّصَوُّرِ نَحْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَتَوْا دَارِي فَقُلْت مَنُونَ أَنْتُمْ ... فَقَالُوا الْجِنُّ قُلْت عِمُوا ظَلَامًا هَذَا مِنْ قَوْلِ الْأَغْبِيَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَعْقِلُوا مِنْ حَقَائِقِ اللِّسَانِ وَالْأُصُولِ شَيْئًا وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ إذَا أُطْلِقَ بِهَا شَرْطًا لَمْ يَخْتَصَّ بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى جَمْعٍ أَوْ وُحْدَانَ وَهَذَا مُسْتَمِرٌّ فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَلْفَاظِ الْمُتَصَرِّفِينَ فِي الْحُلُولِ وَالْعُقُودِ وَالْأَيْمَانِ وَالتَّعْلِيقَاتِ وَهُوَ الْجَارِي فِي تَفَاهُمِ ذَوِي الْعَادَاتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ اللُّغَاتِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ مِنْ أَرِقَّائِي فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْعَبِيدِ الذُّكُورِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَوْ أَنَاطَ بِهَا تَوْكِيلًا أَوْ إذْنًا فِي قَضِيَّةٍ مِنْ الْقَضَايَا وَمَا اغْتَرَّ بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَنْ وَمَنَانْ إلَخْ فَهَذَا أَوَّلًا مِنْ شَوَاذِّ اللُّغَةِ وَلَيْسَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ الْحِكَايَةِ وَبَنَى الْجَوَابَ عَلَى مُحَاكَاةِ الْخِطَابِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ جَاءَ رَجُلٌ قُلْت مَنْ وَإِذَا قَالَ جَاءَ رَجُلَانِ قُلْت مَنَانْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ) وَقَدْ تُشْرَبُ مَعْنَى النَّفْيِ فَيَقَعُ بَعْدَهَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ نَحْوُ {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 135] وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ بِمَعْنَى النَّفْيِ. (قَوْلُهُ: فَفَاعِلُ نِعْمَ إلَخْ) هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَلِيٍّ وَسَيَأْتِي بِشَرْحِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ. (قَوْلُهُ: مُسْتَتِرٌ) يَعُودُ عَلَى بِشْرٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ تَمْيِيزٌ) فَهِيَ نَكِرَةٌ تَامَّةٌ إذْ لَمْ تُوصَفْ بِشَيْءٍ. (قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْهَاءِ) أَتَى بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُ هُوَ وَلَيْسَتْ ضَمِيرًا وَإِلَّا فَلَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ ضَمِّ الْهَاءِ. (قَوْلُهُ: خَبَرُهُ هُوَ مَحْذُوفٌ) لِأَنَّهُ صِلَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ) فَإِنْ جَعَلَ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفًا قَدَّرَ هُوَ رَابِعًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ نِعْمَ هُوَ هُوَ هُوَ هُوَ بِأَرْبَعَةِ ضَمَائِرَ أَحَدُهَا يَعُودُ إلَى بِشْرٍ وَالثَّانِي رَابِطٌ وَالثَّالِثُ مَخْصُوصٌ بِالْمَدْحِ وَالرَّابِعُ خَبَرٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ تَكَلُّفٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ) بَيَانٌ لِمَعْنَى هُوَ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْجَارُّ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مِنْوَالِهِ) حَالٌ أَيْ حَالَ كَوْنِ السَّلْبِيِّ عَلَى مِنْوَالِ الْإِيجَابِيِّ مُقْتَضَاهُ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِيجَابِيِّ يُفِيدُ نَفْيَ السَّلْبِيِّ مَفْهُومًا فَهُوَ عَلَى مِنْوَالِهِ فِي إعَادَةِ حُكْمِهِ (قَوْلُهُ: سَهْوٌ) مَنْشَؤُهُ الْتِبَاسُ مَدْخُولِهَا بِالْمَطْلُوبِ بِهَا فَتُوهِمُ اتِّحَادَهُمَا. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْفِيٍّ) أَيْ فَلَا يُقَالُ هَلْ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَلَا يَكُونُ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ السَّلْبِيِّ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ هِيَ لِطَلَبِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى مَنْفِيٍّ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي جَوَابِ هَلْ قَامَ زَيْدٌ لَا أَوْ لَمْ يَقُمْ كَمَا يُقَالُ نَعَمْ (قَوْلُهُ: فَهِيَ لِطَلَبِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّوَابِ دُونَ السَّهْوِ. (قَوْلُهُ: وَتَزِيدُ عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي مِثْلِ قَوْلِك: أَدِبْسٌ فِي الْإِنَاءِ أَمْ عَسَلٌ؟ لِطَلَبِ تَصَوُّرِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ أَوْ الْمُسْنَدِ أَوْ غَيْرِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى الظَّاهِرِ تَوَسُّعًا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ أَيْضًا فَإِنَّ السَّائِلَ قَدْ يَتَصَوَّرُ الدِّبْسَ وَالْعَسَلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَ الْجَوَابِ لَمْ يُزَدْ لَهُ فِي تَصَوُّرِهِمَا شَيْءٌ أَصْلًا

أَزَيْدٌ فِي الدَّارِ أَمْ عَمْرٌو أَوْ فِي الدَّارِ زَيْدٌ أَمْ فِي الْمَسْجِدِ فَتُجَابُ بِمُعَيَّنٍ مِمَّا ذُكِرَ وَبِالدُّخُولِ عَلَى مَنْفِيٍّ فَتَخْرُجُ عَنْ الِاسْتِفْهَامِ إلَى التَّقْرِيرِ أَيْ حَمْلِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ نَحْوُ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] فَيُجَابُ بِبَلَى كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُك عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك» . وَقَدْ تَبْقَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِك لِمَنْ قَالَ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا أَلَمْ تَفْعَلْهُ أَيْ أَحَقٌّ انْتِفَاءُ فِعْلِك لَهُ فَتُجَابُ بِنَعَمْ أَوْ لَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ: أَلَا اصْطِبَارٌ لِسَلْمَى أَمْ لَهَا جَلَدٌ ... إذَا أُلَاقِي الَّذِي لَاقَاهُ أَمْثَالِي فَتُجَابُ بِمُعَيَّنٍ مِنْهُمَا (السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْوَاوُ) مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ (لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ) بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمْعِ بِمَعِيَّةٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ تَقَدُّمٍ نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو إذَا جَاءَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ فَتُجْعَلُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَمْعِ حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَمْعٌ اسْتِعْمَالٌ حَقِيقِيٌّ (وَقِيلَ) هِيَ (لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ التَّأَخُّرِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ فَهِيَ فِي غَيْرِ مَجَازٍ (وَقِيلَ لِلْمَعِيَّةِ) لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَعِيَّةُ فَهِيَ فِي غَيْرِهَا مَجَازٌ فَإِذَا قِيلَ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْمَعِيَّةِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالتَّقَدُّمُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ وَالتَّأَخُّرُ عَلَى الثَّانِي وَفِي الْمَعِيَّةِ عَلَى الثَّالِثِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ يَبْقَى تَصَوُّرُهُمَا عَلَى مَا كَانَ - فَإِنْ قِيلَ التَّصْدِيقُ حَاصِلٌ لَهُ حَالَ السُّؤَالِ فَكَيْفَ يَطْلُبُهُ - أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَاصِلَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُطْلَقًا فِي الْإِنَاءِ مَثَلًا وَالْمَطْلُوبُ فِي السُّؤَالِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَيَّنًا كَالْعَسَلِ مَثَلًا فِي الْإِنَاءِ وَهَذَانِ التَّصْدِيقَانِ مُخْتَلِفَانِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الِاخْتِلَافُ اعْتِبَارَ تَعَيُّنِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فِي أَحَدِهِمَا وَعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي الْآخَرِ وَكَانَ أَصْلُ التَّصْدِيقِ حَاصِلًا تَوَسَّعُوا فَحَكَمُوا بِأَنَّ التَّصْدِيقَ حَاصِلٌ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ تَصَوُّرُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ أَوْ الْمُسْنَدِ أَوْ قَيْدٌ مِنْ قُيُودِهِ اهـ. ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْهَمْزَةَ تَزِيدُ عَلَى هَلْ بِطَلَبِ التَّصَوُّرِ مَبْنِيٌّ كَمَا قَالَ الدَّمَامِينِيُّ عَلَى أَنَّ هَلْ مَقْصُورَةٌ عَلَى طَلَبِ التَّصْدِيقِ لَكِنْ قَدْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ إنَّ هَلْ قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى الْهَمْزَةِ فَتُعَادِلُهَا أَمْ الْمُتَّصِلَةُ. (قَوْلُهُ: فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ) الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ ذَهَبٌ عَلَى صُورَةِ الْجَرَادِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَرَادِ الْكَثْرَةَ أَيْ جَرَادٌ كَثِيرٌ. (قَوْلُهُ: لَا غِنَى لِي إلَخْ) فَأَخْذُهُ إيَّاهُ إظْهَارًا لِلْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى الزِّيَادَةِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَالُ مَنْ أَخَذَ مِنْ الدُّنْيَا زَائِدًا عَلَى حَاجَتِهِ مِنْ الْأَكَابِرِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَبْقَى) أَيْ فِي حَالِ دُخُولِهَا عَلَى النَّفْيِ. (قَوْلُهُ: أَيْ أَحَقٌّ انْتِفَاءُ فِعْلِك) تَحْوِيلٌ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ بِلَا فَائِدَةٍ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ نَفَى الْفِعْلَ بِإِخْبَارِهِ بِلَا فَائِدَةٍ فِي الِاسْتِفْهَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ بِلَا فَائِدَةٍ (قَوْلُهُ: فَتُجَابُ) أَيْ الْهَمْزَةُ بِنَعَمْ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ تَصْدِيقٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ بَقَاءِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. (قَوْلُهُ: إذَا أُلَاقِي) قَالَ الْكَمَالُ يُنْشِدُهُ بَعْضُهُمْ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ صَوَابُهُ إذَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ ظَرْفُ مُسْتَقْبَلٍ. (قَوْلُهُ: لَاقَاهُ أَمْثَالِي) أَيْ مِنْ الْمَوْتِ عِشْقًا (قَوْلُهُ: مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْعَاطِفَةِ لَا فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقُ الْجَمْعُ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ اُشْتُهِرَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَصِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ وَذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهَا لِلْجَمْعِ. وَقَدْ زَلَّ الْفَرِيقَانِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا فَإِذًا مُقْتَضَى الْوَاوِ الْعَطْفُ وَالِاشْتِرَاكُ وَلَيْسَ فِيهِ إشْعَارٌ بِجَمْعٍ وَلَا تَرْتِيبٍ قَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ طَلَقَتْ وَاحِدَةً وَلَمْ تَلْحَقْهَا الثَّانِيَةُ وَلَوْ كَانَتْ الْوَاوُ تَقْتَضِي جَمْعًا لَلَحِقَتْهَا الثَّانِيَةُ كَمَا تَطْلُقُ تَطْلِيقَتَيْنِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ قُلْنَا السَّبَبُ فِي أَنَّ الثَّانِيَةَ لَا تَلْحَقُهَا أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِصَدْرِ الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ تَامٌّ فَبَانَتْ بِهِ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَالْقَوْلُ الْأَخِيرُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الْبَيَانِ لَهُ فَكَانَ الْكَلَامُ بِآخِرِهِ. (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ) إنْ قِيلَ بِوَضْعِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقَوْلُهُ وَالْمَجَازُ أَيْ إنْ قِيلَ بِالْوَضْعِ لِأَحَدِهَا. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَمْعٌ) فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْكُلِّيِّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ: قَالَ)

[الأمر]

لِإِيهَامِهِ تَقْيِيدَ الْجَمْعِ بِالْإِطْلَاقِ وَالْغَرَضُ نَفْيُ التَّقْيِيدِ. (الْأَمْرُ) أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُ وَهُوَ نَفْسِيٌّ وَلَفْظِيٌّ وَسَيَأْتِيَانِ (أم ر) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ الْمُنْتَظِمُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ. (قَوْلُهُ: لِإِيهَامِهِ تَقْيِيدَ الْجَمْعِ بِالْإِطْلَاقِ إلَخْ) فَإِنَّ الْجَمْعَ الْمُقَيَّدَ بِالْإِطْلَاقِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْجَمْعِ وَقَدْ سَرَى لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمَاءِ وَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ وَفِي اللُّغَةِ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْمَاءِ وَمُطْلَقَ الْجَمْعِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْقَيْدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُطْلَقِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعِ الْمُطْلَقِ سِوَى مَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ مِنْ نِسْبَةِ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَ. التَّوْصِيفُ مِنْ نِسْبَةِ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَهُوَ سَلْبُ الْقَيْدِ عَنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْوَاوِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْإِطْلَاقِ أَمْرٌ سَلْبِيٌّ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُفِيدُ إلَّا سَلْبَ الشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا وَلِهَذَا اسْتَعْمَلُوهُ فِي مَقَامِ السَّلْبِ فَقَالُوا الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ وَالْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ وَالْمَاهِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ [الْأَمْرُ] (قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَصْلِ التَّرْكِيبِ وَأَنَّ الْأَصْلَ هَذَا مَبْحَثُ الْأَمْرِ فَأَوْرَدَ الْمُسْنَدَ إلَيْهِ إشَارَةً رَمْزًا لِكَمَالِ تَعَيُّنِهِ وَمَزِيدِ اتِّضَاحِهِ وَأَنَّهُ بَلَغَ مِنْ الظُّهُورِ بِحَيْثُ إنَّهُ أُشِيرَ إلَيْهِ بِمَا هُوَ لِلْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرًا لِلْخَبَرِ وَأَنَّهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَالرَّابِطُ اسْمُ الْإِشَارَةِ وَالْمُحَدَّثُ عَنْهُ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ مَوْضُوعُ الْمَبَاحِثِ الْآتِيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعَ التَّرْجَمَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ وَالْمَبْحَثُ مَكَانُ الْبَحْثِ أَيْ إثْبَاتُ الْمَحْمُولَاتِ لِلْمَوْضُوعَاتِ وَمَكَانُهُ الْقَضِيَّةُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُفْرَدِ مَعَ أَنَّ مَا يَأْتِي مَبَاحِثُ مُتَعَدِّدَةٌ لِشِدَّةِ الِارْتِبَاطِ بِجِهَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا قَالُوا فِي الْمَنْطِقِ إنَّهُ آلَةٌ قَانُونِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا اللَّفْظُ الْمُنْتَظِمُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَفْسُ اللَّفْظِ لَا مُسَمَّاهُ وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَيُقْرَأُ عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَيُقْرَأُ مَاضِيًا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَاضِيًا حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ الْهَيْئَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ جُزْأَيْ الْفِعْلِ إذْ الْمَقْصُودُ الْمَادَّةُ وَهِيَ حُرُوفُ أم ر ثُمَّ إنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي قِرَاءَتِهِ مَاضِيًا وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ وَلَا قَوْلُ الشَّارِحِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ افْعَلْ إذْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرُ الْمُنْتَظِمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ أَيْ عَنْ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ بِصِيغَةِ افْعَلْ أَيْ حَيْثُ يُقَالُ افْعَلْ لِلْآمِرِ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ سم مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقْرَأُ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ مُقَلِّدًا لَهُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ أم ر يُقْرَأُ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَقِيقَةً لِأَنَّ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ إنَّمَا هُوَ أَمْرُ الْمَصْدَرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيُقْرَأُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي احْتِمَالٌ آخَرُ مَقْطُوعُ النَّظَرِ فِيهِ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُمَا كَيْفَ يَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذَا الِاحْتِمَالَ الَّذِي لَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُرِيدُهُ بِزَعْمِهِمَا وَيَتْرُكُ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ شَرْحِ كَلَامِهِ وَبَيَانِهِ إذْ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يَكُونُ الْمَعْنَى وَيُقْرَأُ لَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَا أَرَادَهُ بِهِ وَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَمَا هُوَ إلَّا صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ لِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ وَالسِّرُّ فِي تَفْكِيكِ حُرُوفِهِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ مَتَى تَحَقَّقَتْ فِي أَيِّ تَرْكِيبٍ مَحَلٌّ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ الْآتِي بِاعْتِبَارِ الْمَصْدَرِ الَّذِي مِنْهُ اشْتِقَاقُهَا وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا الْمَصْدَرَ وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ فَظَهَرَ اتِّجَاهُ قَوْلِ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ أَيْ اللَّفْظُ الْمُنْتَظِمُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ أَمْرًا أَوْ مَصْدَرًا، وَسُقُوطُ اسْتِظْهَارِ سم مَنْعَهُ، وَلِذَلِكَ أَخْلَاهُ عَنْ السَّنَدِ ثُمَّ إنَّ التَّفْكِيكَ فِي الْخَطِّ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي اللَّفْظِ فَبِاعْتِبَارِ قَصْدِ كُلِّ حَرْفٍ بِانْفِرَادِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ ارْتِبَاطِ الْحُرُوفِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَيُقْرَأُ ضُبِطَ بِالْفَوْقِيَّةِ وَبِالتَّحْتِيَّةِ مُضَارِعًا مَجْهُولًا فَضَمِيرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ لِحُرُوفِ أم ر وَعَلَى الثَّانِي لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أم ر وَالْمَآلُ

الْمُسَمَّاةِ بِأَلْفٍ مِيمٍ رَاءٍ وَيُقْرَأُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي مُفَكَّكًا (حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ) أَيْ الدَّالِّ عَلَى اقْتِضَاءِ فِعْلٍ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ افْعَلْ نَحْوُ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] أَيْ قُلْ لَهُمْ صَلُّوا (مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ) نَحْوُ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي تَعْزِمُ عَلَيْهِ لِتَبَادُرِ الْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ مِنْ لَفْظِ الْأَمْرِ إلَى الذِّهْنِ وَالتَّبَادُرُ عَلَامَةٌ لِلْحَقِيقَةِ (وَقِيلَ) هُوَ (لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا كَالشَّيْءِ حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: الْمُسَمَّاةُ) فَمُسَمَّى أم ر لَفْظَةٌ وَمُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ أَلْفَاظٌ أَيْضًا هِيَ صَلِّ وَصُمْ وَنَحْوُهَا وَمُسَمَّى هَذِهِ الْأَفْعَالِ طَلَبُ إحْدَاثِهَا الْمَشَقَّةَ مِنْهَا لَا الْوُجُوبُ أَوْ النَّدْبُ كَمَا قَالَ سم لِأَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِهَا وَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي إفَادَتِهَا مَا ذُكِرَ حَتَّى تَوَقَّفَ فِيهِ جَمَاعَةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ مُسَمَّاهَا مَثَلًا لَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ) فَمَدْلُولُ اللَّفْظِ لَفْظٌ كَمَا سَمِعْت. (قَوْلُهُ: اقْتِضَاءُ فِعْلٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ صِيغَةَ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهُ لِطَلَبِ الْفَهْمِ أَيْ الْعِلْمِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَاهُنَا قَيْدًا مُلَاحَظًا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ إلَخْ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اقْتِضَاءَ فِعْلٍ مُعَبَّرٍ عَنْهُ بِلَفْظِ افْعَلْ. (قَوْلُهُ: وَيُعَبَّرُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَإِنْ احْتَمَلَ رُجُوعُهُ لِلِاقْتِضَاءِ وَيَكُونُ الصِّيغَةُ مَدْلُولَ الْقَوْلِ لَكِنَّهُ خُرُوجٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْإِنْشَاءِ نَحْوُ أَوْجَبْت عَلَيْك كَذَا وَإِنْ تَرَكْته عَاقَبْتُك لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الطَّلَبِ غَيْرُ وَضْعِيَّةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَجَازٌ فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ أَمْرًا (قَوْلُهُ: بِصِيغَةِ افْعَلْ) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الطَّلَبِ فَيَدْخُلُ اسْمُ الْفِعْلِ كَصَهْ وَالْمُضَارِعُ الْمُقْتَرِنُ بِاللَّامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} [الطلاق: 7] . (قَوْلُهُ: أَيْ قُلْ لَهُمْ إلَخْ) فَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ صِيغَتُهُ. (قَوْلُهُ: مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ) مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الدَّالِّ فِي الْمَدْلُولِ بِعَلَاقَةِ التَّعَلُّقِ فَإِنْ قِيلَ هُوَ مَجَازٌ فِي غَيْرِ الْفِعْلِ كَالشَّأْنِ وَالصِّفَةِ وَالشَّيْءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَخَصُّصَ الْفِعْلِ بِالذِّكْرِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالْمَجَازِ فِيهِ. قَوْلُهُ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] إلَخْ قَدْ اُسْتُدِلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] إذْ الْقَوْلُ لَا يُوصَفُ بِالرُّشْدِ بَلْ بِالسَّدَادِ وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِي الْآيَتَيْنِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ مَجَازًا إذْ حَمْلُهُ عَلَى الشَّأْنِ فِي الثَّانِيَةِ أَشْمَلُ مِنْ الْفِعْلِ وَفِي الْأُولَى لَوْ أُرِيدَ الْفِعْلُ لَزِمَ اتِّحَادُ أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَحُدُوثُ الْكُلِّ دُفْعَةً كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وَهُوَ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا الْقَوْلُ لَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ التَّصْرِيحُ بِنِسْبَتِهِ إلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ الْآمِدِيُّ فِي مَعْرِضِ الْمَنْعِ. الدَّلِيلُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ قَالَ ثُمَّ أَوْرَدَ الْآمِدِيُّ عَلَى ذَلِكَ إيرَادَاتٍ وَأَجَابَ عَنْهَا فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَرْتَضِيهِ اهـ. وَأَقُولُ الْإِشْعَارُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمُنَاظِرَ لَا يَلْتَزِمُ طَرِيقَةً لِأَنَّ الْغَرَضَ إلْزَامُ الْخَصْمِ وَلَوْ بِمَا لَا يَقُولُ بِهِ الْمَلْزُومُ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى اعْتِرَافِ الْخَصْمِ بِالْمُقَدِّمَةِ وَقَوْلُ سم إنَّهُ يَكْفِي فِي حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ لَهُ ارْتِضَاءُ الْآمِدِيِّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَقَدْ تَكَرَّرَ مِثْلُ هَذَا وَنَبَّهْنَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَالشَّيْءِ) أَلْ عَهْدِيَّةٌ أَيْ الشَّيْءُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْفِعْلُ لِسَانِيًّا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ إنَّ الشَّيْءَ عَامٌّ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ أَخَصُّ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا كَالْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ لَا مُطْلَقُ الْجِسْمِ لِشُمُولِهِ الْجَمَادَ أَيْضًا ثُمَّ إنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوَضْعِهِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ يَكُونُ مُتَوَاطِئًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْأَمْرِ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ وَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا مَعْنًى لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ وَلَا شَكَّ فِي دَلَالَةِ هَذَا عَلَى نَفْيِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَيْضًا وَإِلَّا لَتَبَادَرَ الْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ أَوْ لَمْ يَتَبَادَرْ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ بِخُصُوصِهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَوْضُوعُ لَهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ) أَيْ إنْ قِيلَ بِوَضْعِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقَوْلُهُ

وَالْمَجَازِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقِيٌّ. (وَقِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قِيلَ وَبَيْنَ الشَّأْنِ وَالصِّفَةِ وَالشَّيْءِ) لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهَا أَيْضًا نَحْوُ {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} [النحل: 40] أَيْ شَأْنُنَا لِأَمْرٍ مَا يَسُودُ مَنْ يَسُودُ أَيْ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِأَمْرٍ مَا جَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ أَيْ لِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِيهَا مَجَازٌ إذْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَفْظَةُ قِيلَ بَعْدَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِهَا يُسْتَفَادُ حِكَايَةُ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ الْأَشْهَرُ مِنْهُ بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ حَقِيقَةٌ فِي كَذَا حَدُّ اللَّفْظِيِّ بِهِ. وَأَمَّا النَّفْسِيُّ وَهُوَ الْأَصْلُ أَيْ الْعُمْدَةُ فَقَالَ فِيهِ (وَحَدُّهُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكَفِّ (بِغَيْرِ) لَفْظِ (كَفٍّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَجَازِيُّ إنْ قِيلَ بِوَضْعِهِ لِأَحَدِهِمَا. وَقَدْ نُوقِشَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْوَضْعِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ مَجَازًا فِي الْفِعْلِ وَهُوَ تَبَادُرُ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ دُونَهُ وَلَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ لَأَدَّى إلَى ارْتِفَاعِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ كُلِّ لَفْظٍ يُطْلَقُ لِمَعْنَيَيْنِ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَضُدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الشَّارِحُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِسِيَاقِ هَذَا الْقَوْلِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِرَدِّهِ مِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ إلَخْ) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَإِلَّا كَانَ مَجَازًا. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الشَّأْنِ وَالصِّفَةِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الشَّأْنَ أَخَصُّ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ وَالصِّفَةَ أَعَمُّ مِنْهُ وَالشَّيْءَ أَعَمُّ مِنْهُمَا لِشُمُولِهِ الذَّاتَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهَا أَيْضًا) أَيْ كَمَا اُسْتُعْمِلَ فِي الِاثْنَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِأَمْرٍ مَا يَسُودُ) عَجُزُ بَيْتٍ، وَصَدْرُهُ عَزَمْت عَلَى إقَامَةِ ذِي صَلَاحٍ (قَوْلُهُ: أَيْ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّنْكِيرَ فِي أَمْرٍ لِلتَّعْظِيمِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهَا فَهُمَا مُقَدِّمَتَانِ مُنْتِجَتَانِ الْمَطْلُوبَ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ فِيهَا) أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ مَجَازٌ لِمَا مَرَّ مِنْ تَبَادُرِ الذِّهْنِ إلَى الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعَدُّدِ الْوَضْعِ فَمَحَلُّ كَوْنِ الْأَصْلِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ كَلُزُومِ الِاشْتِرَاكِ وَقَدْ عَارَضَهُ أَيْضًا الْبَتَّارُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي مَبْحَثِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْخَمْسَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْهَاءِ مِنْهُ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْفِعْلِ أَيْ الِاشْتِرَاكِ فَفِيهِ إعْمَالُ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ إلَخْ) تَمْهِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَدُّهُ اقْتِضَاءُ إلَخْ وَأَفَادَ بِهِ أَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ هُوَ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ مَجَازًا فِي الْفِعْلِ أَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا إلَخْ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيهِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ وَالْمَوْضُوعُ هُوَ اللَّفْظُ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَرُّضٌ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي التَّرْجَمَةِ وَهُوَ نَفْسِيٌّ وَلَفْظِيٌّ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ تَرْجَمَةً وَلَيْسَ هُوَ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ إذْ التَّرَاجِمُ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا وَإِلَّا لَأَتَى بَدَلَ أم ر بِالضَّمِيرِ. (قَوْلُهُ: حَدُّ اللَّفْظِيِّ بِهِ) أَيْ فَيُؤْخَذُ تَعْرِيفُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ مِنْهُ ضِمْنًا بِأَنَّهُ قَوْلٌ دَالٌّ إلَخْ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِذَلِكَ فِي حَدِّهِ دُونَ النَّفْسِيِّ فَصَرَّحَ بِتَعْرِيفِهِ اعْتِنَاءً بِشَأْنِهِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ إلَخْ فَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِتَعْرِيفِ اللَّفْظِيِّ دُونَ النَّفْسِيِّ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْعُمْدَةُ) أَيْ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّ التَّكَالِيفَ بِالْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَاللَّفْظِيِّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ. (قَوْلُهُ: وَحْدَهُ إلَخْ) صَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ حَدٌّ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ إذْ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ سَابِقًا هُوَ اللَّفْظِيُّ كَمَا عَلِمْت فَيُجَابُ بِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْدَامًا حَيْثُ ذَكَرَ الْأَمْرَ أَوَّلًا بِمَعْنَى اللَّفْظِيِّ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنَى النَّفْسِيِّ فَمَا وَقَعَ فِي سم وَتَابَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ اسْتِظْهَارُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيمَا سَبَقَ عَامٌّ لِلَّفْظِيِّ وَالنَّفْسِيِّ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَهُوَ لَفْظِيٌّ وَنَفْسِيٌّ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا سَبَقَ وَاحْتِمَالُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْأَمْرِ السَّابِقِ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فِعْلِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْقَوْلِيَّ وَالْجَنَانِيَّ وَالْأَرْكَانِيَّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا هُوَ مِنْ مَقُولَةِ

فَتَنَاوَلُ الِاقْتِضَاءِ أَيْ طَلَبُ الْجَازِمِ وَغَيْرِ الْجَازِمِ لِمَا لَيْسَ بِكَفٍّ وَلِمَا هُوَ كَفٌّ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِكُفَّ وَمِثْلُهُ مُرَادِفُهُ كَاتْرُكْ وَذَرْ بِخِلَافِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ لَا تَفْعَلْ فَلَيْسَ بِأَمْرٍ وَسُمِّيَ مَدْلُولُ كَفٍّ أَمْرًا لَا نَهْيًا مُوَافَقَةً لِلدَّالِّ فِي اسْمِهِ وَيُحَدُّ النَّفْسِيُّ أَيْضًا بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِفِعْلِ إلَخْ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلِ وَالْأَمْرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِعْلِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْأَمْرِ مَا يَكُونُ مَقْدُورًا تَحْصِيلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ أَوْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بَلْ مَا يَشْمَلُ الْمَوْجُودَ الذِّهْنِيَّ كَمَا فِي عَلِّمْنِي وَفَهِّمْنِي فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَحْصِيلُ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ لِلْآمِرِ أَيْ حُصُولُ صُورَةٍ فِي ذِهْنِهِ وَبِهَذَا يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ فِي نَحْوِ أَزَيْدٌ قَائِمٌ فَإِنَّهُ لِطَلَبِ الْفَهْمِ عَلَى النَّحْوِ الْمَذْكُورِ وَتَحْقِيقُ الْفَرْضِ أَنَّ الْغَرَضَ فِي الِاسْتِفْهَامِ وُجُودُ النِّسْبَةِ الْمُسْتَفْهَمَةِ بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلِاتِّصَافِ بِصُورَتِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَفْهِمَ لَيْسَ غَرَضُهُ مِنْ الْجُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِيَّة إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الْمُخَاطَبُ فِي ذِهْنِهِ تِلْكَ النِّسْبَةُ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا وَالْغَرَضُ مِنْ الْأَمْرِ اتِّصَافُ الْفَاعِلِ بِالْحَدَثِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ جَوْهَرِهِ وَوُقُوعُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ لَا حُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُهُ فِي بَعْضِ الْأَوَامِرِ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ أَثَرَ ذَلِكَ الْحَدَثِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ كَمَا فِي فَهِّمْنِي فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَطْلُبُ مِنْك تَفْهِيمًا وَاقِعًا كَمَا أَنَّ اضْرِبْنِي أَطْلُبُ مِنْك ضَرْبًا وَاقِعًا عَلَيَّ إلَّا أَنَّ التَّفْهِيمَ لَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا بِحُصُولِ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ اقْتَضَاهُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَثَرُ التَّفْهِيمِ كَمَا أَنَّ حُصُولَ الضَّرْبِ اقْتَضَى حُصُولَ أَثَرِهِ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ الْأَلَمُ فَحُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ مَقْصُودُ الْمُتَكَلِّمِ وَغَرَضُهُ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَثَرُ التَّفْهِيمِ أَفَادَهُ السَّيَالَكُوتِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّازِيّ عَلَى الشَّمْسِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَتَنَاوَلَ) أَيْ الْحَدُّ وَمَفْعُولُهُ الِاقْتِضَاءَ الْجَازِمَ وَغَيْرَ الْجَازِمِ نَعْتٌ وَضَبَطَ الِاقْتِضَاءَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ وَمَفْعُولُهُ الْجَازِمُ وَغَيْرُ الْجَازِمِ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ ظَاهِرٌ فِي النَّفْسِيِّ وَأَمَّا اللَّفْظِيُّ فَتَنَاوُلُهُ لِغَيْرِ الْجَازِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ لَيْسَ حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: لِمَا لَيْسَ بِكَفٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِالطَّلَبِ فَفِيهِ إعْمَالُ الْمَصْدَرِ بَعْدَ وَصْفِهِ. (قَوْلُهُ: مُوَافَقَةً لِلدَّالِّ) لَمَّا كَانَ مَدْلُولُ كُفَّ وَلَا تَفْعَلْ وَاحِدًا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَارَةً بِلَفْظٍ كُفَّ وَيُسَمَّى أَمْرًا وَتَارَةً بِلَفْظِ لَا تَفْعَلْ وَيُسَمَّى نَهْيًا نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى مُنَاسَبَةِ التَّسْمِيَةِ وَهِيَ تُوَافِقُ الدَّالَّ وَالْمَدْلُولَ فَقَوْلُهُ مُوَافَقَةً لِلدَّالِّ وَهُوَ لَفْظُ كُفَّ وَاسْمُهُ هُوَ الْأَمْرُ (قَوْلُهُ: وَيُحَدُّ النَّفْسِيُّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُحَدُّ بِالِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ بِمَعْنَى حَدَّ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الْقَوْلُ النَّفْسِيُّ وَاقْتِضَاؤُهُ تَعَلُّقُهُ وَالِاقْتِضَاءُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلِ وَالْأَمْرِ إلَخْ) نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مِنْ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِيِّ

عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْكَلَامِ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي مُسَمَّى الْأَمْرِ نَفْسِيًّا أَوْ لَفْظِيًّا حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي حَدِّهِ أَيْضًا (عُلُوٌّ) بِأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ عَالِيَ الرُّتْبَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ (وَلَا اسْتِعْلَاءٌ) بِأَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ بِعَظَمَةٍ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ دُونَهُمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي ... وَكَانَ مِنْ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمٍ هُوَ رَجُلُ بَنِي هَاشِمٍ خَرَجَ مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَمْسَكَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَمْرٌو بِقَتْلِهِ فَخَالَفَهُ وَأَطْلَقَهُ لِحِلْمِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَنْشَدَهُ عَمْرٌو الْبَيْتَ فَلَمْ يُرِدْ بِابْنِ هَاشِمٍ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُقَالُ أَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا بِرِفْقٍ وَلِينٍ (وَقِيلَ يُعْتَبَرَانِ) وَإِطْلَاقُ الْأَمْرِ دُونَهُمَا مَجَازِيٌّ (وَاعْتَبَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ) غَيْرُ أَبِي الْحُسَيْنِ (وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالسَّمْعَانِيُّ الْعُلُوَّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ (وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ الِاسْتِعْلَاءَ) وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ حَدَّ اللَّفْظِيَّ كَالْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ النَّفْسِيَّ كَالْآمِدِيِّ. (وَاعْتَبَرَ أَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ) أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ زِيَادَةً عَلَى الْعُلُوِّ (إرَادَةَ الدَّلَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّفْسِيُّ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُنَوَّعَ إلَى الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ حَقِيقَةٌ فِي النَّفْسِيِّ مَجَازٌ فِي اللَّفْظِيِّ قَالَهُ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: عَلَى قِيَاسِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اشْتِرَاكَ الْأَمْرِ بَيْنَ النَّفْسِيِّ وَاللَّفْظِيِّ لَيْسَ مَنْقُولًا مُصَرَّحًا بِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ بِنَقْلِهِ وَتَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فِي الْكَلَامِ) أَيْ الَّذِي الْأَمْرُ أَحَدُ أَقْسَامِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ) مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ الْجَوَابُ عَمَّا عَسَاهُ يُورَدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَهُ غَيْرُ مَانِعٍ إذْ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ وَهُوَ مَا انْتَفَى فِيهِ الْعُلُوُّ وَالِاسْتِعْلَاءُ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ لِاعْتِبَارِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فِيهِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ اعْتِبَارِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فِيهِ فَدُخُولُ مَا انْتَفَيَا أَوْ أَحَدِهِمَا فِيهِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مَرَّ إفْرَادُهُ وَلِهَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي حَدِّهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: نَفْسِيًّا أَوْ لَفْظِيًّا) لَا يَخْفَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُخَالِفِينَ الْمُعْتَزِلَةَ وَهُمْ يُنْكِرُونَ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ لِإِنْكَارِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَإِنَّمَا كَلَامُهُمْ فِي الْأَمْرِ اللَّفْظِيِّ وَاَلَّذِي أَحْوَجَهُ إلَى التَّعْمِيمِ ذَكَرَ الْمُعْتَزِلَةَ مَعَ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى تَخْصِيصِ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْأَمْرِ اللَّفْظِيِّ لِشُيُوعِ إنْكَارِهِمْ النَّفْسِيَّ قَالَ فِي فُصُولُ الْبَدَائِعِ وَمَنْ أَنْكَرَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ كَالْمُعْتَزِلَةِ لَمْ يُمْكِنْهُمْ تَعْرِيفُهُ بِالطَّلَبِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُلُوِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَمْرًا مِنْ أَتْبَاعِ مُعَاوِيَةَ فَلَيْسَ عِنْدَهُ عُلُوٌّ وَلَا اسْتِعْلَاءٌ وَقِيلَ فِيهِ اسْتِعْلَاءٌ مَجَازًا لِقَوْلِهِ فَعَصَيْتنِي وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا مَا حَكَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 35] مُخَاطِبًا قَوْمَهُ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْأَمْرَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ بِلَا عُلُوٍّ مِنْ الْقَائِلِينَ وَلَا اسْتِعْلَاءٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الطَّلَبَ عَلَى سَبِيلِ التَّضَرُّعِ أَوْ التَّسَاوِي لَا يُسَمَّى أَمْرًا وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ) أَيْ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الِاسْتِعْلَاءِ. (قَوْلُهُ: إرَادَةَ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ثُمَّ إنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ يَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَيَنْهَوْا بِهِ عَلَى أَمْثَالِهِ إنَّمَا يَكُونُ أَمْرًا بِثَلَاثٍ: إرَادَةُ اللَّافِظِ وُجُودَ اللَّفْظِ وَالْإِرَادَةُ الثَّانِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِجَعْلِ اللَّفْظِ أَمْرًا وَالثَّالِثَةُ تَتَعَلَّقُ بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورِ الْمُخَاطَبِ بِالْأَمْرِ قَالَ وَهَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ يَعْنِي بِهِمَا أَبَا عَلِيٍّ وَابْنَهُ، قَالَ الرَّضِيُّ وَيُحْتَرَزُ بِالْأُولَى عَنْ النَّائِمِ وَالثَّانِيَةِ عَنْ نَحْوِ التَّهْدِيدِ وَالثَّالِثَةِ عَنْ الصِّيغَةِ تَصْدُرُ عَنْ الْمُبَلِّغِ وَالْحَاكِي اهـ. ، وَفِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ اشْتِرَاطُ مَجْمُوعِ الْإِرَادَاتِ الثَّلَاثِ لِتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ الْأَمْرِ اهـ. فَلَعَلَّ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَ لِمَا قَالَهُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ إنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي إرَادَةِ الِامْتِثَالِ. وَأَمَّا إرَادَةُ الدَّلَالَةِ بِالصِّيغَةِ فَالنِّزَاعُ فِيهَا لَيْسَ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ بَلْ مَعَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَمَّا إرَادَةُ إحْدَاثِ الصِّيغَةِ فَهِيَ شَرْطٌ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَقَدْ حَكَى قَوْمٌ فِيهَا الِاتِّفَاقَ اهـ. وَبِمُقْتَضَى مَا قَرَّرَهُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ يَكُونُ كَلَامُهُ هُنَا غَيْرَ مُوَافِقٍ لَهُ وَلِمَا نُقِلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَوْ أَبْدَلَ قَوْلَهُ: إرَادَةَ

بِاللَّفْظِ عَلَى الطَّلَبِ) فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَمْرًا لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الطَّلَبِ كَالتَّهْدِيدِ وَلَا مُمَيِّزَ سِوَى الْإِرَادَةِ قُلْنَا اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الطَّلَبِ مَجَازِيٌّ بِخِلَافِ الطَّلَبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ إرَادَتِهِ (وَالطَّلَبُ بَدِيهِيٌّ) أَيْ مُتَصَوَّرٌ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يُفَرِّقُ بِالْبَدِيهَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْإِخْبَارِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِبَدَاهَتِهِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْأَمْرِ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ تَعْرِيفٌ بِالْأَخْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِطْرِيٌّ (وَالْأَمْرُ) الْمَحْدُودُ بِاقْتِضَاءِ فِعْلٍ إلَخْ (غَيْرُ الْإِرَادَةِ) لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ لِامْتِنَاعِهِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِيمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ إنْكَارُ الِاقْتِضَاءِ الْمَحْدُودِ بِهِ الْأَمْرُ قَالُوا إنَّهُ الْإِرَادَةُ (مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّلَالَةِ بِإِرَادَةِ الِامْتِثَالِ لَتَطَابَقَ الْكَلَامَانِ وَتَمَّ الِاعْتِذَارُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ قِيلَ مَا أَنْكَرْتُمُوهُ مِنْهُمْ يَلْزَمُكُمْ مِثْلُهُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ الْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ فَقَدْ يَلْفِظُ اللَّافِظُ بِقَوْلِهِ افْعَلْ وَهُوَ يَبْقَى حِكَايَةً. وَقَدْ يَلْفِظُ وَهُوَ يَنْتَحِي تَعْبِيرًا عَنْ الْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ فَكَيْفَ يَقَعُ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْ الْأَمْرِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ جَائِزَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِرَادَةٍ فَبِمَ يَصِيرُ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْ الْأَمْرِ قُلْنَا الْمَسْلَكُ الْحَقُّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَصْدٍ إلَى إيقَاعِ اللَّفْظِ مُشْعِرًا بِالْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلَّفْظِ فِيهِ صِيغَةٌ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْإِشْعَارُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ هُدِيَ الْمُعْتَزِلَةُ لِذَلِكَ لَمَا ارْتَبَكُوا فِي مَذَاهِبِهِمْ. (قَوْلُهُ: عَلَى الطَّلَبِ) أَيْ الْإِرَادَةِ وَإِلَّا فَهُمْ يُنْكِرُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَكْفِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِرَادَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَخْ) أَيْ يَكْفِي أَنَّ الصِّيغَةَ إذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الصِّيغَةِ فِي التَّهْدِيدِ مَجَازٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ بَدَاهَةَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إنَّمَا تُفِيدُ بَدَاهَةَ التَّصَوُّرِ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ بَدَاهَةَ الْحَقِيقَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْلُومًا بِكُنْهِ الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الطَّلَبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِلَفْظِهِ كَمَا فِي تَعْرِيفِ أَبِي عَلِيٍّ وَابْنِهِ أَوْ بِالِاقْتِضَاءِ كَمَا فِي تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ مَنْعُ كَوْنِ الطَّلَبِ أَخْفَى بَلْ مَنْعُ كَوْنِهِ نَظَرِيًّا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ بَدِيهِيٌّ. (قَوْلُهُ: تَعْرِيفُ بِالْأَخْفَى) فِيهِ أَنَّ النَّظَرِيَّةَ لَا تُفِيدُ كَوْنَهُ أَخْفَى مِنْ الْأَمْرِ إذْ غَايَةُ مَا تُفِيدُ خَفَاءَهُ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِالْخَفِيِّ أَوْ الْمَجْهُولِ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الطَّلَبَ نَظَرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَمْرُ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ) وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ لِإِظْهَارِ الشَّقَاوَةِ السَّابِقَةِ لَهُ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِهِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِامْتِنَاعِ الْعَدَمُ أَيْ وَلَوْ أَرَادَهُ لَوُجِدَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعَ الْحُصُولِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِرَادَةُ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ وَأَيْضًا قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ عَدَمِ إيمَانِ أَبِي لَهَبٍ فَيَكُونُ مَعْلُومَ اللَّا وُقُوعِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مَعَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ الطَّلَبُ عَيْنَ الْإِرَادَةِ لَكِنْ قَالَ الْفَنَارِيُّ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ وَإِبْطَالُ مَذْهَبِهِمْ بِلُزُومِ وُقُوعِ الْمَأْمُورَاتِ لَا يَلْزَمُهُمْ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَهُمْ مَيْلٌ يَتْبَعُ اعْتِقَادَ النَّفْعِ أَوْ دَفْعَ الضَّرَرِ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى لِسُوءِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ لَا الصِّفَةِ الْمُخَصَّصَةِ بِالْوُقُوعِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ فَسَادُ الِاسْتِدْلَالِ بِنَحْوِ إيمَانِ أَبِي لَهَبٍ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ مُرَادُ اللَّهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُؤْمِنُونَ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ فَكَيْفَ يُرِيدُهُ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ عَلَى مَا فَسَّرُوهُ لَا تُنَافِي الْعِلْمَ بِاللَّاوُقُوعِ. (قَوْلُهُ: قَالُوا إنَّهُ الْإِرَادَةُ) رُدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ افْعَلْ كَذَا بِحَضْرَةِ سُلْطَانٍ تَوَعَّدَهُ بِالْإِهْلَاكِ عَلَى ضَرْبِهِ لِيَعْصِيَهُ فَيَخْلُصُ أَمْرٌ وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ وَلَا يُرِيدُ مَا يُفْضِي إلَى هَلَاكِهِ لَكِنْ قَدْ يَطْلُبُ إذَا عَلِمَ أَنَّ طَلَبَهُ لَا يُفْضِي

[مسألة القائلون بالنفسي من الكلام اختلفوا هل للأمر النفسي صيغة تخصه]

مِنْ الْكَلَامِ وَمِنْهُمْ الْأَشَاعِرَةُ (اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ) النَّفْسِيِّ (صِيغَةٌ تَخُصُّهُ) بِأَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَقِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا (وَالنَّفْيُ عَنْ الشَّيْخِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى وُقُوعِهِ فَهَذَا يُبْطِلُ كَوْنَ الْإِرَادَةِ عَيْنَهُ أَوْ شَرْطَهُ كَذَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ. [مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ] (قَوْلُهُ: مِنْ الْكَلَامِ) أَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ النَّفْسِيَّ صِفَةً لِلْأَمْرِ مَعَ أَنَّهُ مَوْضُوعُ الْمَبْحَثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ فِي قَوْلِهِ هَلْ لِلْأَمْرِ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ وَعَادَةُ الْمُصَنِّفِ تَأْبَاهُ. (قَوْلُهُ: صِيغَةٌ تَخُصُّهُ) أَيْ تَكُونُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الِانْفِرَادَ وَإِلَّا لَقَالَ بِأَنْ لَا يُشَارِكَهَا غَيْرُهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي دَلَالَتَهَا عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا مَعَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ صِيغَةُ افْعَلْ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ أَمْ لَا وَإِلَّا فَالْأَمْرُ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ اتِّفَاقًا كَأَمَرْتُكَ وَأَلْزَمْتُك لَوْ فُرِضَ صُدُورُهَا مِنْ الشَّارِعِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ بَلْ إمَّا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ إلَخْ تَفْصِيلٌ لِمَا هُنَا فَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا أَوْ اكْتَفَى بِهِ كَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَالنَّفْيُ عَنْ الشَّيْخِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَمُتَّبِعِيهِ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ أَنَّ الْعَرَبَ مَا صَاغَتْ لِلْأَمْرِ الْحَقِّ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ عِبَارَةً فَرْدَةً وَقَوْلُ الْقَائِلِ افْعَلْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ نَظَرًا إلَى مَذْهَبِ الْوَعِيدِ وَإِنْ فُرِضَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ النَّهْيِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ رَفْعِ الْحَرَجِ عَلَى مَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَبَيْنَ الِاقْتِضَاءِ ثُمَّ هُوَ فِي مَسْلَكِ الِاقْتِضَاءِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْإِيجَابِ وَيَتَبَيَّنُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَرَدُّدُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْوَاقِفِيَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الْجِهَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَنْزِيلِ مَذْهَبِهِ فَقَالَ قَائِلُونَ اللَّفْظُ صَالِحٌ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَحَامِلِ صَلَاحَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِلْمَعَانِي الَّتِي هُيِّئَتْ اللَّفْظَةُ لَهَا وَقَالَ آخَرُ لَيْسَ الْوَقْفُ مَصِيرًا إلَى دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ وَضْعًا فِي اللِّسَانِ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى بِهِ أَنَّا لَا نَدْرِي عَلَى أَيِّ وَضْعٍ جَرَى قَوْلُ الْقَائِلِ افْعَلْ فِي اللِّسَانِ فَهُوَ إذًا مَشْكُوكٌ فِيهِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ ثُمَّ نَقَلَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْمَقَالَاتِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ مَعَ فَرْضِ الْقَرَائِنِ وَهَذَا زَلَلٌ بَيِّنٌ فِي النَّقْلِ وَالْوَجْهُ أَنْ يُوَرِّك بِالْغَلَطِ عَلَى النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْوَقْفَ مَعَ فَرْضِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ عَلَى نِهَايَةِ الْوُضُوحِ ذُو تَحْصِيلٍ وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ جَازِمًا بِهِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُنْكِرُ صِيغَةً مُشْعِرَةً بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْكَلَامِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ أَوْجَبْت أَوْ أَلْزَمْت أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الَّذِي تَرَدَّدَ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ مِنْ حَيْثُ أَلْفَاهُ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ مُتَرَدِّدًا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَا الظَّنُّ بِهِ إذَا اقْتَرَنَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ لَفْظٌ أَوْ أَلْفَاظٌ مِنْ الْقَبِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ افْعَلْ حَتْمًا أَوْ افْعَلْ وَاجِبًا نَعَمْ قَدْ يَتَرَدَّدُ الْمُتَرَدِّدُ فِي الصِّيغَةِ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَا مَا الْمُشْعِرُ بِالْأَمْرِ النَّفْسِيِّ الْأَلْفَاظُ الْمُقْتَرِنَةُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ أَمْ هِيَ فِي حُكْمِ التَّفْسِيرِ لِقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ وَهَذَا تَرَدُّدٌ قَرِيبٌ ثُمَّ مَا نَقَلَهُ النَّقْلَةُ يَخْتَصُّ بِقَرَائِنِ الْمَقَالِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْحَظِّ فَأَمَّا قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ فَلَا يُنْكِرُهَا أَحَدٌ فَهَذَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى سِرِّ مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَالْقَاضِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَطَبَقَةِ

أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ (فَقِيلَ) النَّفْيُ (لِلْوَقْفِ) بِمَعْنَى عَدَمِ الدِّرَايَةِ بِمَا وُضِعَتْ لَهُ حَقِيقَةً مِمَّا وَرَدَتْ لَهُ مِنْ أَمْرٍ وَتَهْدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا (وَقِيلَ) لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ مَا وَرَدَتْ لَهُ (وَالْخِلَافُ فِي صِيغَةِ أَفْعَلَ) وَالْمُرَادُ بِهَا كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ مِنْ صِيَغِهِ، فَلَا تَدُلُّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِخُصُوصِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ يُقَالَ صَلِّ لُزُومًا بِخِلَافِ أَلْزَمْتُك وَأَمَرْتُك. (وَتَرِدُ) لِسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ مَعْنًى (لِلْوُجُوبِ) {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] (وَالنَّدْبِ) {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (وَالْإِبَاحَةِ) {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] (وَالتَّهْدِيدِ) {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وَيَصْدُقُ مَعَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ (وَالْإِرْشَادِ) {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِفِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى عَدَمِ الدِّرَايَةِ إلَخْ) قَالُوا لَوْ تَعَيَّنَ مَا وُضِعَ لَهُ فَبِدَلِيلٍ وَلَيْسَ الْعَقْلُ إذْ لَا مَدْخَلَ لَهُ وَالنَّقْلُ آحَادًا لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَتَوَاتُرًا يُوجِبُ اسْتِوَاءَ طَبَقَاتِ الْبَاحِثِينَ وَالِاخْتِلَافُ يُنَافِيهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ الْحَصْرَ بَلْ الْأَدِلَّةُ الِاسْتِقْرَائِيَّة وَمَرْجِعُهَا تَتْبَعُ مَظَانَّ اسْتِعْمَالِهِ وَالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى مَقْصُودِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ. كَذَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) أَيْ مِنْ بَاقِي الْمَعَانِي وَخَصَّ بَعْضُهُمْ الْوَقْفَ بِالْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فَجَعَلَ الْخِلَافَ عَامًّا. (قَوْلُهُ: بَيْنَ مَا وَرَدَتْ لَهُ) مُفَادُ كَلَامِهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي الْقَوْلُ بِأَنَّ الصِّيغَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَعَانِي الْآتِيَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنَّ مِنْ الْمَعَانِي مَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ كَمَا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَغَايَةُ مَا قِيلَ أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُولَى عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ فِي خُصُوصِ الْوُجُوبِ النَّدْبُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَقَوْلُ سم لَعَلَّ الشَّارِحَ اطَّلَعَ عَلَى قَوْلٍ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْجَمِيعِ لَا يُسْمَعُ. (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ أَيْ مِنْ صِيَغِ افْعَلْ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَهُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: مِنْ صِيَغِهِ) أَيْ صِيَغِ الْأَمْرِ فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ فِعْلَ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى افْعَلْ كَقُمْ وَاسْتَخْرِجْ وَانْطَلِقْ، وَاسْمَ الْفِعْلِ كَصَهْ، وَالْمُضَارِعَ الْمَقْرُونَ بِاللَّامِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِافْعَلْ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالًا فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَلْزَمْتُك إلَخْ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزِ قَوْلِهِ وَالْخِلَافُ فِي صِيغَةِ افْعَلْ فَإِنَّ أَلْزَمْتُك تَدُلُّ بِجَوْهَرِهَا وَمَادَّتِهَا وَلَا تَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ إنْ قُلْت إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي خُصُوصِ صِيغَةِ افْعَلْ فَلِمَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ هَلْ لِلْأَمْرِ صِيغَةُ الْعَامِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَبِعَ فِي تَعْبِيرِهِ الْقَوْمَ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ قَوْلُهُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] إنْ كَانَ بِمَعْنَى دَاوِمُوا عَلَيْهَا كَانَ أَمْرًا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى رَاعُوا حُقُوقَهَا مِنْ شَرَائِطَ وَغَيْرِهَا كَانَ أَمْرًا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ. قَوْلُهُ {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] إنْ أُرِيدَ بِهَا الْحَلَالُ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَوْ الْمُسْتَلَذَّاتِ كَانَ لِلْإِبَاحَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ إلَخْ) وَجْهُ الصِّدْقِ أَنَّ التَّهْدِيدَ لِلْمَنْعِ، وَالْمَنْعَ يَكُونُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ كَذَا قِيلَ وَعِنْدِي أَنَّ

دُنْيَوِيَّةٌ بِخِلَافِ النَّدْبِ وَقَدَّمَهُ هُنَا بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ عَقِبَ التَّأْدِيبِ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَإِنَّهُ مِنْهَا (وَإِرَادَةُ الِامْتِثَالِ) كَقَوْلِك لِآخَرَ عِنْدَ الْعَطَشِ اسْقِنِي مَاءً (وَالْإِذْنِ) كَقَوْلِك لِمَنْ طَرَقَ الْبَابَ اُدْخُلْ (وَالتَّأْدِيبِ) «كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَيَدُهُ تَبْطِشُ فِي الصَّحْفَةِ كُلْ مِمَّا يَلِيك» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَمَّا أَكْلُ الْمُكَلَّفِ مِمَّا يَلِيهِ فَمَنْدُوبٌ وَمِمَّا يَلِي غَيْرَهُ فَمَكْرُوهٌ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى حُرْمَتِهِ لِلْعَالِمِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِيذَاءِ (وَالْإِنْذَارِ) {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم: 30] وَيُفَارِقُ التَّهْدِيدَ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ (وَالِامْتِنَانِ) {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 142] وَيُفَارِقُ الْإِبَاحَةَ بِذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَالْإِكْرَامِ) {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] (وَالتَّسْخِيرِ) أَيْ التَّذْلِيلِ وَالِامْتِهَانِ نَحْوُ {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] (وَالتَّكْوِينِ) أَيْ الْإِيجَادِ عَنْ الْعَدَمِ بِسُرْعَةٍ نَحْوُ كُنْ فَيَكُونُ (وَالتَّعْجِيزِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُهَدَّدَ عَلَيْهِ لَا يَكُون إلَّا حَرَامًا وَكَذَا الْإِنْذَارُ كَيْفَ وَهُوَ مُقْتَرِنٌ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ. (قَوْلُهُ: دُنْيَوِيَّةٌ) أَيْ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِامْتِثَالَ وَالِانْقِيَادَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَيْهِ لَكِنْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَكَذَا إنْ قَصَدَهَا لَكِنَّ ثَوَابَهُ فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّدْبِ) أَيْ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَتُهُ دِينِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ دُنْيَوِيَّةً. (قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ) أَيْ فِي نُسْخَةٍ رَجَعَ عَنْهَا إلَى هَذِهِ. (قَوْلُهُ: كَقَوْلِك لِآخَرَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ مِنْ الْأَمْرِ هُنَا إلَّا إرَادَةُ الِامْتِثَالِ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَائِلُ مِمَّنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ كَالسَّيِّدِ وَإِلَّا كَانَتْ الصِّيغَةُ لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ غَيْرِهِ لَا الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ وَتَحْرِيمُ الْمُخَالَفَةِ لِطَلَبِ الشَّارِعِ الِامْتِثَالَ. (قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ) فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ النَّدْبِ وَأَيْضًا الْإِذْنُ مَا سَبَقَهُ اسْتِئْذَانٌ وَبَعْضُهُمْ أَدْرَجَهُ فِي قِسْمِ الْإِبَاحَةِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّأْدِيبُ) هُوَ تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحُ الْعَادَاتِ بِخِلَافِ النَّدْبِ فَإِنَّهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ. (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافُهُ. وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَلَعَلَّ الْوَاقِعَةَ تَعَدَّدَتْ. قَوْلُهُ {قُلْ تَمَتَّعُوا} [إبراهيم: 30] إلَخْ فِيهِ أَنَّ الْإِنْذَارَ مِنْ الْقَرِينَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الْمَصِيرِ. (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ التَّهْدِيدَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوَعِيدَ خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ فَمَتَى وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ مَعَ كُلٍّ كَانَ تَهْدِيدًا وَإِنْذَارًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ الْوَعِيدُ فِي التَّهْدِيدِ. (قَوْلُهُ: يَذْكُرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ يَحْتَاجُ الْخَلْقُ إلَيْهِ كَالرِّزْقِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى تَحْصِيلِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذِكْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ الصِّيغَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ التَّذْلِيلُ وَالِامْتِهَانُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ اللَّائِقَ أَنْ يُسَمَّى سِخْرِيَّةً بِكَسْرِ السِّينِ لَا تَسْخِيرًا لِأَنَّ التَّسْخِيرَ النِّعْمَةُ وَالْإِكْرَامُ قَالَ تَعَالَى {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجاثية: 13] وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ التَّسْخِيرَ يُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّذْلِيلِ وَالِامْتِهَانِ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] وَيُقَالُ فُلَانٌ سَخَّرَهُ السُّلْطَانُ أَيْ امْتَهَنَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ بِلَا أَجْرٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: نَحْوُ {كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] تَلْمِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] قَالَ فِي التَّلْوِيحِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَجَازٌ عَنْ سُرْعَةِ الْإِيجَادِ وَسُهُولَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ تَمْثِيلًا لِلْغَائِبِ أَعْنِي تَأْثِيرَ قُدْرَتِهِ فِي الْمُرَادِ بِالشَّاهِدِ أَعْنِي أَمْرَ

أَيْ إظْهَارِ الْعَجْزِ نَحْوُ {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُطَاعِ لِلْمُطِيعِ فِي حُصُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَتَوَقُّفٍ وَلَا افْتِقَارٍ إلَى مُزَاوَلَةِ عَمَلٍ وَاسْتِعْمَالِ آلَةٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ وَلَا كَلَامٌ وَإِنَّمَا وُجُودُ الْأَشْيَاءِ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ مَقْرُونًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ فِي تَكْوِينِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ تَكْوِينُهَا بِغَيْرِهَا وَالْمَعْنَى يَقُولُ لَهُ اُحْدُثْ فَيَحْدُثُ عَقِيبَ هَذَا الْقَوْلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ الْأَزَلِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى لَا الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ لِأَنَّهُ حَادِثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى خِطَابٍ آخَرَ فَيَتَسَلْسَلُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ الصَّوْتِ وَالْحُرُوفِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ خِطَابُ التَّكْوِينِ عَلَى الْفَهْمِ وَاشْتَمَلَ عَلَى أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ وَهُوَ الْوُجُودُ جَازَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَعْدُومِ بَلْ خِطَابُ التَّكْلِيفِ أَيْضًا أَزَلِيٌّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَعْدُومِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي سَيُوجَدُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَزَلِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى مُخَاطَبٍ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ كَانَ أَمْرُ كُنْ لِطَلَبِ وُجُودِ الْحَادِثِ وَإِرَادَةِ تَكْوِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ وَتَرَاخٍ وَكَانَ أَزَلِيًّا يَلْزَمُ قِدَمُ الْحَادِثِ وَأَيْضًا إذَا كَانَ أَزَلِيًّا لَمْ يَصِحَّ تَرَتُّبُهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِوُجُودِ الشَّيْءِ عَلَى مَا تُنْبِئُ عَنْهُ الْآيَةُ فَالْأَوْلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَجَازٌ وَتَمْثِيلٌ لِسُرْعَةِ التَّكْوِينِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا كَلَامٍ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ خِطَابُ التَّكْوِينِ إلَخْ انْحَلَّ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَجَبِي مِنْ قَائِلٍ كُنْ لِعَدَمٍ ... وَاَلَّذِي قِيلَ لَهُ لَمْ يَكُ ثَمَّ إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ كَيْفَ لِلْقَوْلِ دَلِيلٌ وَاَلَّذِي ... قَدْ بَنَاهُ الْعَقْلُ بِالْكَشْفِ انْهَدَمَ وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ شُبِّهَتْ هَيْئَةُ حُصُولِ الْمُرَادِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِلَا مُهْمَلَةٍ وَامْتِنَاعٌ بِطَاعَةِ الْمَأْمُورِ الْمُطِيعِ عَقِيبَ أَمْرِ الْمُطَاعِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَإِبَاءُ تَصْوِيرِ الْحَالِ الْغَائِبِ فِي أَمْرِ الشَّاهِدِ فَلَا بُدَّ فِي كِلَا الطَّرَفَيْنِ مِنْ مُلَاحَظَةِ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ الْكَلَامُ الْمَوْضُوعُ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ اسْتِعَارَةٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ كَمَا شَبَّهَ هَيْئَةَ اسْتِقْرَارِهِمْ وَتَمَكُّنِهِمْ عَلَى الْهُدَى بِاسْتِعْلَاءِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَاسْتِقْرَارِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5] فَكَانَ أَصْلُ الْكَلَامِ هَكَذَا إذَا قَضَى أَمْرًا فَيَحْصُلُ عَقِيبَهُ دُفْعَةً فَكَأَنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ثُمَّ حَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَاسْتَعْمَلَ الْمُشَبَّهَ بِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ اسْتِعَارَةً تَحْقِيقِيَّةً مَبْنِيَّةً عَلَى تَشِبِّيهِ حَالٍ بِمَقَالٍ عَلَى مَا تُوُهِّمَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَشِبِّيهِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِقَوْلِ كُنْ كَيْفَ وَهُوَ مَذْكُورٌ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ إذَا قَضَى أَمْرًا وَالِاسْتِعَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا طَيُّ ذِكْرِ الْمُشَبَّهِ اهـ. 1 - وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ وَالتَّسْخِيرِيِّ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَقْصِدُ تَكْوِينَ الشَّيْءِ الْمَعْدُومِ وَفِي الثَّانِي صَيْرُورَتَهُ مُنْتَقِلًا مِنْ صُورَةٍ أَوْ صِفَةٍ إلَى أُخْرَى فَفِيهِ زِيَادَةُ اعْتِبَارٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ إظْهَارُ الْعَجْزِ) أَيْ لَا إيجَادُهُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ مَعْنَى التَّعْجِيزِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْإِفْحَامُ نَحْوَ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَقَدْ عَدَّهُ فِي فُصُول الْبَدَائِع نَوْعًا مُسْتَقِلًّا فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْجِيزِ بِاخْتِصَاصِهِ بِمَوْضِعِ الْمُنَاظَرَةِ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ. (قَوْلُهُ:

(وَالْإِهَانَةِ) {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] (وَالتَّسْوِيَةِ) فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا (وَالدُّعَاءِ) {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89] (وَالتَّمَنِّي) كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي ... بِصُبْحٍ وَمَا الْإِصْبَاحُ مِنْك بِأَمْثَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِهَانَةِ) وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ تَهَكُّمًا وَضَابِطُهُ أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرِيمِ وَيُرَادُ مِنْهُ ضِدُّهُ وَبِهَذَا فَارَقَ السُّخْرِيَّةَ وَأَيْضًا عَدَمُ ذِكْرِ الْمُهَانِ بِهِ فِيهَا بِخِلَافِ التَّسْخِيرِ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ مَعَهُ الْمُذَلَّلَ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الصِّيغَةِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّسْوِيَةِ) قَالَ الْقَرَافِيُّ قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ هُنَا فِي التَّسْوِيَةِ هُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ صِيغَتَيْنِ مِنْ الْأَمْرِ مَعَ صِيغَةِ أَوْ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّسْوِيَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّمَنِّي فَإِنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهِ هُوَ صِيغَةُ الْأَمْرِ مَعَ صِيغَةِ إلَّا لَا الصِّيغَةُ وَحْدَهَا اهـ. بِاخْتِصَارٍ وَأَجَابَ سم بِإِمْكَانِ إفَادَةِ التَّسْوِيَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الصِّيغَةِ أَوْ بِشَرْطِ مُصَاحَبَةِ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَعْلِ التَّسْوِيَةِ مِنْ مَعَانِي الصِّيغَةِ وَبِجَعْلِهَا مِنْ مَعَانِي أَوْ وَقَدْ يُمْنَعُ مَا قَالَهُ فِي التَّمَنِّي بِأَنَّ الصِّيغَةَ وَحْدَهَا تُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لَفْظَةٍ إلَّا وَإِنْ اتَّفَقَ وُجُودُهَا فِي هَذَا الْمِثَالِ اهـ. وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلِاعْتِرَافِ بِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَأَمَّا الثَّانِي فَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَكُلُّهُمْ قَدْ مَثَّلَ لِلتَّمَنِّي بِهَذَا الْمِثَالِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمَنِّي بِدُونِ لَفْظَةِ إلَّا لَذَكَرُوهُ تَأَمَّلْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْإِبَاحَةِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ فَأُبِيحَ لَهُ وَفِي التَّسْوِيَةِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ رُجْحَانَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَدَفَعَ بِالتَّسْوِيَةِ. (قَوْلُهُ: رَبَّنَا افْتَحْ) أَيْ اقْضِ

وَلِبُعْدِ انْجِلَائِهِ عِنْدَ الْمُحِبِّ حَتَّى كَأَنَّهُ لَا طَمَعَ فِيهِ كَانَ مُتَمَنِّيًا لَا مُتَرَجِّيًا (وَالِاحْتِقَارِ) {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [الشعراء: 43] إذْ مَا يُلْقُونَهُ مِنْ السِّحْرِ وَإِنْ عَظُمَ مُحْتَقَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُعْجِزَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَالْخَبَرِ) كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» أَيْ صَنَعْت. (وَالْإِنْعَامِ) بِمَعْنَى تَذْكِيرِ النِّعْمَةِ نَحْوُ {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57] (وَالتَّفْوِيضِ) {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] (وَالتَّعَجُّبِ) {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [الإسراء: 48] (وَالتَّكْذِيبِ) {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] (وَالْمَشُورَةِ) {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102] (وَالِاعْتِبَارِ) {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99] (وَالْجُمْهُورُ) قَالُوا هِيَ (حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلِبُعْدِ انْجِلَائِهِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ اللَّيْلَ وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا يُرْجَى انْجِلَاؤُهُ فَالْأَنْسَبُ الْحَمْلُ عَلَى التَّرَجِّي وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِلَوَاعِجِ الْأَشْوَاقِ وَشَدَائِدِ الْفِرَاقِ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَقَاسَاتِ الْهُمُومِ لَا تَنْقَطِعُ كَمَا قِيلَ: رَقَدْت وَلَمْ تَرْثِ لِلسَّاهِرِ قَوْلَهُ ... وَلَيْلُ الْمُحِبِّ بِلَا آخِرِ فَكَأَنَّهُ لَا يُرْتَقَبُ انْجِلَاؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ طَاعِيَةٌ فِيهِ فَلِذَا حُمِلَ عَلَى التَّمَنِّي وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ انْجِلَاؤُهُ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ انْجِلَاؤُهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فَمُحَالٌ. (قَوْلُهُ: مُتَمَنِّيًا) بِالْكَسْرِ اسْمُ فَاعِلٍ وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَظُمَ) أَيْ فِي نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَحْمَلُ {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] وَقَوْلُهُ: مُحْتَقَرٌ أَيْ بِالنَّظَرِ لِمُعْجِزَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِلتَّهْدِيدِ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بِأَنَّ التَّهْدِيدَ فِيهِ قَرِينَةٌ نَحْوُ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ لِاقْتِرَانِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ بِخِلَافِ هَذَا. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى تَذْكِيرِ النِّعْمَةِ) وَحَقِيقَتُهُ إسْدَاءُ النِّعْمَةِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَكَانَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ لِمُوَافَقَةِ غَرَضِ مَنْ عَدَّ الْإِنْعَامَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُهُ مَعَ الِامْتِنَانِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تَذْكِيرَ النِّعْمَةِ مُجَرَّدٌ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ مِنْ أَفْرَادِهَا وَلَا كَذَلِكَ الِامْتِنَانُ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِاخْتِصَاصِ الْإِنْعَامِ بِذِكْرِ إعْلَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ بِخِلَافِ الِامْتِنَانِ لَا يَظْهَرُ فِي جَمِيعِ الْمَوَارِدِ. قَوْلُهُ {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّحْقِيرِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِدَلِيلِ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّعَجُّبِ) الْأَوْلَى التَّعْجِيبُ لِمُوَازِنَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: قُلْ فَأْتُوا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْذِيبِ إنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنبياء: 38] وَالْمُرَادُ حَقِيقَةُ الطَّلَبِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَشُورَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا رَاجِعَةٌ لِلطَّلَبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ طَلَبُ النَّظَرِ فِي الَّذِي يَرَاهُ (قَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارِ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ طَلَبُهُ رَجَعَ لِلنَّدَبِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْلُو عَدُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ تَسَامُحٍ. (قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ إلَخْ) غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ لِذِكْرِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَهُوَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ النَّافِينَ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ. وَفِي الْبُرْهَانِ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ لِلْفُقَهَاءِ فَقَالَ. وَأَمَّا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ لِلْإِيجَابِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْقَرَائِنِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُجْمِعُونَ عَلَى اتِّبَاعِ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْوَقْفِ وَلَمْ يُسَاعِدْ الشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ إلَّا الْأُسْتَاذَ أَبُو إِسْحَاقَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَلَا أَرَى لَهُمْ كَلَامًا مَرَضِيًّا يُعَوَّلُ عَلَى مِثْلِهِ فِي انْتِفَاءِ الْقَطْعِ وَلَكِنْ مَنْ أَظْهَرَ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْمَاضِينَ وَالْأَئِمَّةَ الْمُتَقَدِّمِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - كَانُوا يَتَمَسَّكُونَ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ فِي طَلَبِ إثْبَاتِ الْإِيجَابِ وَلَا يَنْزِلُونَ عَنْهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَسْلَكُ لَا يَصْفُو عَنْ شَوَائِبِ النِّزَاعِ وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِيمَا اقْتَرَنَ بِهِ اقْتِضَاءُ الْإِيجَابِ وَكُلُّ مَسْلَكٍ فِي الْكَلَامِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ إمْكَانٌ لَمْ يُفْضِ إلَى الْقَطْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالُوا هِيَ إلَخْ) قَدَّرَهُ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ) احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]

فَقَطْ (لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا مَذَاهِبُ) وَجْهُ أَوَّلِهَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَحْكُمُونَ بِاسْتِحْقَاقِ مُخَالِفِ أَمْرِ سَيِّدِهِ مَثَلًا بِهَا لِلْعِقَابِ. وَالثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّهَا لُغَةٌ لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَإِنْ جَزَمَهُ الْمُحَقِّقُ لِلْوُجُوبِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الشَّرْعِ فِي أَمْرِهِ أَوْ أَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ طَاعَتَهُ أَجَابَ بِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ لِإِيجَابِهِ عَلَى الْعَبْدِ مَثَلًا طَاعَةَ سَيِّدِهِ. وَالثَّالِثُ قَالَ إنَّ مَا تُفِيدُهُ لُغَةً مِنْ الطَّلَبِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبَ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْبِ يُصَيِّرُ الْمَعْنَى افْعَلْ إنْ شِئْت وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مَذْكُورًا وَقُوبِلَ بِمِثْلِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يُصَيِّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ فَخَوْفُهُمْ وَحَذَرُهُمْ مِنْ إصَابَةِ الْفِتْنَةِ فِي الدُّنْيَا أَوْ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِمْ الْأَمْرَ وَهِيَ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أَنَّ مُوَافَقَةَ الْأَمْرِ الْإِتْيَانُ بِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ لَا عَدَمُ اعْتِقَادِ حَقِيقَتِهِ وَلَا حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ مَثَلًا فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَمِنْهَا انْتِفَاءُ الْخِيرَةِ عَنْ الْمَأْمُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا إتْمَامُ الشَّيْءِ قَوْلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ حُكْمًا لَا فِعْلًا كَمَا فِي قَوْلِهِ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] بِدَلَالَةِ عَطْفِ الرَّسُولِ وَكَذَا الْأَمْرُ هُوَ الْقَوْلُ مَصْدَرًا أَوْ تَمْيِيزًا أَوْ حَالًا لَا الْفِعْلُ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيرُ الْبَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمِنْهَا الذَّمُّ وَالتَّوْبِيخُ وَالْإِنْكَارُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فِي {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] عَلَى زِيَادَةِ لَا أَوْ بِمَعْنَى مَا دَعَاكَ إلَى أَنْ لَا تَسْجُدَ إذْ الْمَانِعُ مِنْ الشَّيْءِ دَاعٍ إلَى تَرْكِهِ وَالْمُرَادُ بِإِذْ أَمَرْتُك قَوْله تَعَالَى اُسْجُدُوا فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ مُطْلَقًا لِلْوُجُوبِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ مَا أَلْزَمْتنِي فَعَلَامَ الْإِنْكَارُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ جَارِيَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةً تَخُصُّهُ وَكَذَلِكَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي مَدْلُولِ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي وَمَا بَعْدَهُ مَا عَدَا قو وَعَبْدَ الْجَبَّارِ، وَالْمُخْتَارُ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ بَلْ تَتَجَاوَزُهُ فَهُوَ اخْتِلَافٌ فِيمَا تَتَجَاوَزُ إلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَدَخِيلٌ بَيْنَهُمَا لِابْتِنَائِهِ عَلَى إنْكَارِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الطَّلَبِ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ إذْ الْمَعْنَى عَلَى الْحَصْرِ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ وَكُلُّ ذِي وِلَايَةٍ كَالزَّوْجِ. (قَوْلُهُ: بِهَا) أَيْ بِصِيغَةِ افْعَلْ أَوْ بِاللُّغَةِ وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ وَعَلَى الثَّانِي بِتَحْكُمُونَ بِجَعْلِ الْبَاءِ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُدَّعَى اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْعِقَابِ) لَمْ يُرِدْ خُصُوصَ الْعِقَابِ الْأُخْرَوِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ بَلْ أَرَادَ مُطْلَقَ الِانْتِقَامِ وَاسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لَهَا عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَجَابَ. (قَوْلُهُ: لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ) أَيْ الطَّلَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ التَّحَتُّمِ فَالطَّلَبُ جِنْسٌ وَجَزْمُهُ الْفَصْلُ الْمُقَوِّمُ لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: الْمُحَقَّقِ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ الْعِقَابُ إلَخْ أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُحَقَّقِ، وَقَوْلُهُ إنَّمَا يُسْتَفَادُ خَبَرُ إنَّ فَقَوْلُهُ وَإِنَّ جَزْمَهُ أَيْ الطَّلَبِ، وَقَوْلُهُ الْمُحَقَّقَ بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِلْجَزْمِ. (قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ) لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ شَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَبْقِ اللُّغَةِ لَهُ. (قَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ) أَيْ عَقْلًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ فِي اللُّغَةِ وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ طَرِيقُهُ الْعَقْلُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ إلَخْ) أَيْ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْعَقْلِ عَدَمُ الْقَيْدِ

الْمَعْنَى افْعَلْ مِنْ غَيْرِ تَجْوِيزِ تَرْكٍ. (وَقِيلَ) هِيَ حَقِيقَةٌ (فِي النَّدْبِ) لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ قِسْمَيْ الطَّلَبِ (وَقَالَ) أَبُو مَنْصُورٍ (الْمَاتُرِيدِيُّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ مَوْضُوعَةٌ (لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَهُوَ الطَّلَبُ حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَاسْتِعْمَالُهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَلَبُ اسْتِعْمَالٍ حَقِيقِيٍّ وَالْوُجُوبُ الطَّلَبُ الْجَازِمُ كَالْإِيجَابِ تَقُولُ مِنْهُ وَجَبَ كَذَا أَيْ طُلِبَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ طَلَبًا جَازِمًا (وَقِيلَ) هِيَ (مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ فِيهَا) بِمَعْنَى لَمْ يَدْرُوا هِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ أَمْ فِي الْمَنْدُوبِ أَمْ فِيهِمَا. (وَقِيلَ) هِيَ (مُشْتَرَكَةٌ فِيهِمَا وَفِي الْإِبَاحَةِ وَقِيلَ فِي) هَذِهِ (الثَّلَاثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) أَيْ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّرْكِ الْمُخْتَصِّ بِالْوُجُوبِ أَمْرٌ زَائِدٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ إرَادَتُهُ وَعُورِضَ هَذَا مِنْ جَانِبِ الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلشَّيْءِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَامِلِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْكَمَالُ وَالْكَمَالُ مِنْ الطَّلَبِ مَا اقْتَضَى مَنْعَ التَّرْكِ وَهُوَ الْوُجُوبُ دُونَ النَّدْبِ وَأَيْضًا الْمُتَيَقَّنُ أَصْلُ الطَّلَبِ وَأَمَّا كَوْنُهُ لِلنَّدَبِ أَوْ الْوُجُوبِ فَأَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: وَالْوُجُوبُ الطَّلَبُ إلَخْ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِيجَابِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ أَنَّ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ إنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُهُ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى سُمِّيَ إيجَابًا وَإِنْ اُعْتُبِرَ إضَافَتُهُ لِلْفِعْلِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ سُمِّيَ وُجُوبًا فَيَصِحُّ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ فَلَا يُقَالُ الطَّلَبُ إنَّمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ لَا بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْوُجُوبُ غَيْرُ الْإِيجَادِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْمُكَلَّفِ وَالْإِيجَابَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَوْرَدَ سم أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوُجُوبُ هُوَ الطَّلَبَ الْجَازِمَ لَزِمَ مَنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ لُغَةً كَالْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لُغَوِيٌّ وَأَنَّ الْوُجُوبَ لُغَةٌ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ خَاصَّتِهِ مِنْ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ اللُّغَةِ لِأَنَّ خَاصَّةَ الشَّيْءِ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ هُوَ الطَّلَبَ الْجَازِمَ مُطْلَقًا بَلْ الطَّلَبُ الْجَازِمُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ وَصِيغَتِهِ تَرَتُّبُ الْعِقَابِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ مَدْلُولَ الصِّيغَةِ لُغَةً لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ تَرَتُّبَ الْعِقَابِ وَلَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي وَضْعِ الصِّيغَةِ اهـ. مُلَخَّصًا وَأَقُولُ حَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ كَوْنِ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ خَاصَّةً الْوُجُوبُ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ جُزْءَ الْمَاهِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَكُونُ الطَّلَبُ الْجَازِمُ فَقَطْ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ فَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي وَاسْتِفَادَةُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ تَصَوُّرَ كَوْنِ الشَّيْءِ لُغَوِيًّا دُونَ خَاصَّتِهِ عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ لِاسْتِلْزَامِهِ تَحَقُّقَ الشَّيْءِ بِدُونِ خَاصَّتِهِ فَلَا يَكُونُ خَاصَّةً لَهُ مَنْعُ فَسَادِهِ فِي نَفْسِهِ يَكُرُّ عَلَى جَوَابِهِ بِالْإِبْطَالِ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِكَوْنِ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ خَاصَّةً وَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ لُغَةً الطَّلَبَ الْجَازِمَ فَقَطْ لِأَنَّ خَاصَّةَ الشَّيْءِ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ مَعَ لُزُومِ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْجَوَابِ تَرَتُّبُ الْعِقَابِ لَيْسَ خَاصَّةً وَبِمُقْتَضَى هَذَا الْإِشْكَالِ هُوَ خَاصَّةٌ. وَأَمَّا بَيَانُ الْفَسَادِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِاسْتِلْزَامِهِ إلَخْ يَقْضِي بِأَنَّ تَحَقُّقَ الشَّيْءِ بِدُونِ خَاصَّتِهِ بَاطِلٌ وَهُوَ إنْ تَمَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ دُونَ الِاعْتِبَارِيَّةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الثَّانِي فَالتَّحَقُّقُ الْخَارِجِيُّ مُنْتَفٍ وَالذِّهْنِيُّ لَا خَاصَّةَ فِيهِ إذْ اللُّغَةُ اعْتَبَرَتْ الطَّلَبَ الْجَازِمَ وَحْدَهُ وَالشَّرْعُ اعْتَبَرَ انْضِمَامَ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ جَزَاءً وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ انْعَدَمَتْ الْخَاصَّةُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فِي صِيغَةِ افْعَلْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَدْرُوا) أَيْ فَلَا يَحْكُمُونَ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَأَمَّا بِدُونِهَا فَالصِّيغَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُجْمَلِ وَحُكْمُهُ التَّوَقُّفُ. (قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ فِي

وَالتَّهْدِيدِ) وَفِي الْمُخْتَصَرِ قَوْلٌ أَنَّهَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ لَا نَعْرِفُهُ فِي غَيْرِهِ (وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ هِيَ مَوْضُوعَةٌ (لِإِرَادَةِ الِامْتِثَالِ) وَتَصْدُقُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ. (وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ (الْأَبْهَرِيُّ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (أَمْرُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْوُجُوبِ وَأَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبْتَدَأُ) مِنْهُ (لِلنَّدَبِ) بِخِلَافِ الْمُوَافِقِ لِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ الْمُبَيِّنِ لَهُ فَلِلْوُجُوبِ أَيْضًا (وَقِيلَ) هِيَ (مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْإِرْشَادِ (وَقِيلَ بَيْنَ الْأَحْكَامِ) الْخَمْسَةِ أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ. (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ) الْإسْفَرايِينِيّ (وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) أَنَّهَا (حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ) لُغَةً فَلَا تَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِالْمَشِيئَةِ (فَإِنْ صَدَرَ) الطَّلَبُ بِهَا (مِنْ الشَّارِعِ أَوْجَبَ) صُدُورُهُ مِنْهُ (الْفِعْلَ) بِخِلَافِ صُدُورِهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مَنْ أَوْجَبَ هُوَ طَاعَتَهُ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ غَيْرَ الْقَوْلِ السَّابِقِ إنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ شَرْعًا لِأَنَّ جَزْمَ الطَّلَبِ عَلَى ذَلِكَ شَرْعِيٌّ وَعَلَى ذَا لُغَوِيٌّ وَاسْتِفَادَةُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِيبِ مِنْ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ هُوَ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي أَنَّ خَاصَّةَ الْوُجُوبِ مِنْ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الشَّرْعِ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ هِيَ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مَجَازٌ. (وَفِي وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ) فِي الْمَطْلُوبِ بِهَا (قَبْلَ الْبَحْثِ) عَمَّا يَصْرِفُهَا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ وَدَلَالَتِهَا عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: أَنَّهَا لِلْقَدْرِ) أَيْ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِأَمْرٍ كُلِّيٍّ فَقَوْلُهُ أَيْ الْإِذْنُ بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ. (قَوْلُهُ: الْمُبْتَدَأُ مِنْهُ) بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُجْتَهِدٌ. (قَوْلُهُ: وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا التَّهْدِيدُ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي الضِّدِّ وَإِلَّا فَهُمَا لَا طَلَبَ فِيهِمَا وَلَمْ تَرِدْ بِهِمَا الصِّيغَةُ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِالْمَشِيئَةِ) أَيْ كَمَا فِي النَّدْبِ. (قَوْلُهُ: أَوْجَبَ) لِأَنَّ جَزْمَ الشَّارِعِ هُوَ الْإِيجَابُ أَيْ أَثْبَتَ خَاصَّةَ الْوُجُوبِ وَهِيَ تَرَتُّبُ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ: غَيْرَ الْقَوْلِ السَّابِقِ) فَهُوَ غَيْرُ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُسْتَفَادٌ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ وَعَلَى الْمُخْتَارِ مِنْهَا وَمِنْ الشَّرْعِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ جَزْمَ الطَّلَبِ مِنْ اللُّغَةِ وَالْوُجُوبُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ الْعِقَابُ عَلَى التَّرْكِ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَزْمِ الطَّلَبِ الْوُجُوبُ قَالَ سم لَنَا إشْكَالٌ فِي مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالتَّرْكِيبِ الَّذِي ادَّعَاهُ أَنَّ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْوُجُوبِ الْمُرَكَّبِ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا أَسْتُفِيدَ مِنْ اللُّغَةِ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بَلْ كَمَا اُسْتُفِيدَ التَّوَعُّدُ مِنْ الشَّرْعِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَيْضًا الطَّلَبُ وَجَزْمُهُ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ إفَادَتُهُ التَّوَعُّدَ بِدُونِ إفَادَتِهِ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ التَّوَعُّدِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَيْضًا مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّرْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّرْكِيبِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهَا بَلْ الْوُجُوبُ بِقَلْبِهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّرْعِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ جَزْمَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللُّغَةِ أَيْضًا لَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ تَرْكِيبَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّلَبِ الْجَازِمِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهِ عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ فَإِفَادَتُهَا الطَّلَبَ الْجَازِمَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ وَلَا يَخْفَى إشْكَالُهُ أَيْضًا إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظٍ فِي مَعْنًى مُرَكَّبٍ مُسْتَنِدًا فِي اسْتِعْمَالِهِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضٍ مِنْهُ إلَى اللُّغَةِ وَالنِّسْبَةِ لِبَعْضِهِ الْآخَرِ إلَى الشَّرْعِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الصِّيغَةُ حَقِيقَةً فِي مَعْنَى الْوُجُوبِ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا أَوْ مَعْنَاهَا بِتَمَامِهِ لَيْسَ لُغَوِيًّا وَلَا شَرْعِيًّا تَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَوْجَهُ قَوْلُهُ لَا قَوْلُ غَيْرِهِ فَحَصَلَ بِمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ فِي صِيغَةِ افْعَلْ حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِي مَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّكَلُّفِ وَالْمُخْتَارُ أَوَّلُهَا وَهُوَ مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ هُوَ) بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْجَزْمِ وَالْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ مَجَازٌ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَعْنًى ذُكِرَ فِي قَوْلِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ تَكُونُ مَجَازًا فِي غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَإِنْ

إنْ كَانَ (خِلَافَ الْعَامِّ) هَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ الْأَصَحُّ نَعَمْ كَمَا سَيَأْتِي. (فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ) أَيْ افْعَلْ (بَعْدَ حَظْرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ يَكُونُ حَقِيقِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِ آخَرَ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ) هِيَ تَامَّةٌ وَفَاعِلُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الصَّارِفِ الْمَأْخُوذِ مِنْ يَصْرِفُ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً وَالتَّقْدِيرُ إنْ كَانَ أَيْ الصَّرْفُ مَوْجُودًا. (قَوْلُهُ: خِلَافُ الْعَامِّ) أَيْ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْعَامِّ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِي وُجُوبِ اعْتِقَادِ إلَخْ وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْبَحْثِ أَيْ بَحْثِ الْمُجْتَهِدِ وَقِيلَ ظَرْفُ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: هَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ) أَخَذَ ذَلِكَ الشَّارِحُ مِنْ جَعْلِ الْعَامِّ مُنَاظِرًا لِمَا هُنَا فَاقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قِيلَ إنَّ الْخِلَافَ فِي الْعَامِّ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إنْ تَنَاوَلَهُ حِينَئِذٍ ظَنِّيٌّ فَكَيْفَ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ وَكَذَلِكَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الصَّارِفِ عَنْهُ كَمَا هُوَ مِثَالُ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ ظَاهِرًا يُفِيدُ الظَّنَّ لَا الِاعْتِقَادَ وَإِنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَا يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ حَيْثُ قَالَ إذَا وَرَدَتْ الصِّيغَةُ الظَّاهِرَةُ فِي اقْتِضَاءِ الْعُمُومِ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ يَجِبُ عَلَى الْمُتَعَبِّدِينَ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ فِيهَا عَلَى جَزْمٍ ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ فَذَاكَ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْخُصُوصُ تَغَيَّرَ الْعَقْدُ لِأَنَّا نَقُولُ. وَقَدْ زَيَّفَ مَقَالَتَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ إنَّهُ قَوْلٌ صَدَرَ عَنْ غَبَاوَةٍ وَاسْتِمْرَارٍ فِي عِنَادٍ إلَخْ وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يُتَّبَعَ فَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ قَوِيٌّ وَإِنَّ مَا أَطَالَ بِهِ سم هُنَا لَا يُلَاقِيهِ وَإِنْ اشْتَمَلَ فِي نَفْسِهِ عَلَى فَوَائِدَ شَرِيفَةٍ نَقَلَهَا عَنْ الْقَوْمِ وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّ تَرْجِيحَ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَيَتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ إلَخْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ هُنَاكَ تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ فَرْعُ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ وَسَتَعْرِفُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي مَبَاحِثِ الْعَامِّ مَا فِي مَسْأَلَةِ التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ مِنْ قُوَّةِ الْخِلَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ آتٍ هُنَا اهـ. مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ فَرْعُ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ وَهُوَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ حُكْمُ الْعَامِّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَشَاعِرَةِ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى عُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ وَعِنْدَ الْبَلْخِيّ وَالْجُبَّائِيِّ الْجَزْمُ بِالْخُصُوصِ كَالْوَاحِدِ فِي الْجِنْسِ وَالثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ، وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ الْأَفْرَادِ قَطْعًا وَتَعْيِينًا عِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَعَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَظَنًّا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ حَتَّى يُفِيدَ وُجُوبَ الْعَمَلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَمَسَّكَ بِهِ) حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لِلتَّمَسُّكِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ فَرْعُ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ وَفِيهِ مَا قَدْ سَمِعْت (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ نَعَمْ) أَيْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فَكَذَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَرَدَ إلَخْ) مُقَابِلُ الْمَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ هَذَا أَيْ مَحِلُّ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ إذَا لَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ الِاسْتِئْذَانِ فَإِنْ وَرَدَ إلَخْ فَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْ مَحَلُّ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ وَارِدًا بَعْدَمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ آخَرُ عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ الْإِبَاحَةِ وَالْوُجُوبِ وَالْوَقْفِ وَحُكِيَ فِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ النَّدْبُ «كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُجْعَلَ بَيْنَكُمَا الْمَوَدَّةُ فَإِنَّهُ وَارِدٌ بَعْدَ الْحَظْرِ وَهُوَ تَحْرِيمُ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَقَوْلٌ خَامِسٌ وَهُوَ إسْقَاطُ الْحَظْرِ وَرُجُوعُ الْأَمْرِ إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ افْعَلْ) يَعْنِي مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرِينَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الطَّلَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْوُرُودِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْوُجُوبِ لِأَنَّ النَّفْسِيَّ الَّذِي هُوَ الِاقْتِضَاءُ لَا يَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ إذْ لَا اقْتِضَاءَ فِيهَا وَلَا لِلْوُجُوبِ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ الْمُغَايِرَةَ بَلْ هُوَ نَفْسُ الْوُجُوبِ إذْ الِاقْتِضَاءُ

لِمُتَعَلِّقِهِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (أَوْ الِاسْتِئْذَانُ) فِيهِ (فَلِلْإِبَاحَةِ) حَقِيقَةً لِتَبَادُرِهَا إلَى الذِّهْنِ فِي ذَلِكَ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا حِينَئِذٍ وَالتَّبَادُرُ عَلَامَةٌ لِلْحَقِيقَةِ (وَقَالَ) الْقَاضِي (أَبُو الطَّيِّبِ) وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ (الشِّيرَازِيُّ وَ) أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (لِلْوُجُوبِ) حَقِيقَةً كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَغَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْإِبَاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَارِدُ بَعْدَ الْحَظْرِ هُوَ نَفْسُ الْوُجُوبِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ الْكَمَالُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ إذَا حَلَلْتُمْ فَأَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِالِاصْطِيَادِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَلَا تَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ. (قَوْلُهُ: لِمُتَعَلِّقِهِ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَطْلُوبُ كَالِانْتِشَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] . (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِئْذَانٍ) لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْآتِي بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ مَا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ مَحَلَّ الْخِلَافِ فَمَقُولُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ اسْتِئْذَانٍ لَا لِلْإِبَاحَةِ. (قَوْلُهُ: فَلِلْإِبَاحَةِ حَقِيقَةً) أَيْ شَرْعًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ إلَخْ فَإِنَّ هَذِهِ الْغَلَبَةَ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ قَالُوا غُلِّبَ فِي الْإِبَاحَةِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بَعْدَ الْحَظْرِ نَحْوُ فَاصْطَادُوا فَانْتَشِرُوا إلَخْ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوُجُوبِ الَّذِي عَلَيْهِ اللُّغَةُ وَهَذَا قَوْلُ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ فُصُولِ الْبَدَائِعِ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ الْغَلَبَةَ لِوُرُودِهَا لِلْوُجُوبِ أَيْضًا كَمَا فِي {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} [التوبة: 5] وَكَالْأَمْرِ بِالصَّوْمِ بَعْدَ زَوَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَبِالْقَتْلِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِقَطْعٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ حَرْبٍ وَبِالْحُدُودِ لِلْجِنَايَاتِ، وَفَهْمُ الْإِبَاحَةِ مِمَّا ذَكَرُوا بِالنُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ أَوْ بِالْقَرَائِنِ اهـ. وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ مُعَارِضَةٌ لِأَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَهُنَاكَ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ سَالِمٌ عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ السَّابِقَةِ إفَادَةُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَوُرُودُهُ بَعْدَ الْحَظْرِ لَا يَدْفَعُهُ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحُرْمَةَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْعَامُّ لَا يُدَافِعُ الْخَاصَّ فَثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ لِوُجُوبِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الدَّافِعِ فَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ اهـ. وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ يُشْكِلُ كَمَا قَالَ سم لِقَاعِدَةِ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا إذَا جَازَ وَجَبَ لِشُمُولِ الْجِوَارِ بَعْدَ الْمَنْعِ لِلْأَمْرِ بَعْدَهُ وَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مَحِلُّهُ إذَا وَرَدَتْ صِيغَةُ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ إذَا وَرَدَ جَوَازُ شَيْءٍ هُوَ مَحْظُورٌ إذْ هَذَا لَا يَقْتَضِي مَعْنًى فَارِقًا بَيْنَهُمَا بَلْ قَدْ يُقَالُ وُرُودُ صِيغَةِ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ وُرُودِ الْجَوَازِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَى وُرُودُ الْجَوَازِ بَعْدَ الْحَظْرِ الْوُجُوبَ فَاقْتِضَاءُ الصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْوُجُوبِ أَوْلَى وَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ الْحَظْرُ السَّابِقُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَالْخِتَانِ فَإِنَّ قَطْعَ الْقُلْفَةِ لَمْ يَقَعْ نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِهِ بِعَيْنِهِ بَلْ دَخَلَ تَحْرِيمُهُ تَحْتَ تَحْرِيمِ قَطْعِ عُضْوِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِأَنَّ أَفْرَادَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ مَعَ أَنَّ حُرْمَتَهَا مَنْصُوصَةٌ بِعَيْنِهَا فَالْمُوَافِقُ لِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْجُمْهُورِ هَذَا. وَقَدْ نَقَضَ الْمُصَنِّفُ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ عِنْدَنَا وَسُجُودِ السَّهْوِ وَزِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي الْخُسُوفَيْنِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَخْطُوبَةِ وَالْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ وَإِنْ طَلَبَهَا الْعَبْدُ الْكَسُوبُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ قَبْلَهَا مَمْنُوعَةً لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُعَامِلُ عَبْدَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ يَرِدُ إشْكَالٌ آخَرُ عَلَى جَعْلِهَا حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ وَكَذَا فِي النَّدْبِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ بِأَنَّ جَوَازَ التَّرْكِ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِمَا فَيُبَايِنَانِ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى افْعَلْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَكَانَ الْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ مَأْمُورًا بِهِمَا حَقِيقَةً فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُمَا. وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ «إنِّي غَيْرُ مَأْمُورٍ بِصَلَاةِ الضُّحَى وَصَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ» بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَمِنْ ثَمَّ قِيلَ إنَّهُ فِيهِمَا مَجَازٌ وَلَكِنْ نَقَلَ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ لِأَنَّ مَعْنَاهَا بَعْضُ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَالشَّيْءُ فِي بَعْضِهِ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ كَالْإِنْسَانِ فِي الْأَعْمَى وَالْأَشَلِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُرُودِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ الِاسْتِئْذَانِ (قَوْلُهُ: السَّمْعَانِيُّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا. (قَوْلُهُ: لِلْوُجُوبِ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالْمُوَافِقُ لِقَاعِدَةِ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَالِاسْتِئْذَانِ. (قَوْلُهُ: وَغَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ إلَخْ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مَشْهُورًا فَلَا يُعَارِضُ الْوُجُوبَ الَّذِي هُوَ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ

[مسألة الأمر لطلب الماهية]

لَا تَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِيهَا (وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) فَلَمْ يَحْكُمْ بِإِبَاحَةٍ وَلَا وُجُوبٍ وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ فِي الْإِبَاحَةِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] وَفِي الْوُجُوبِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إذْ قِتَالُهُمْ الْمُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَمَّا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ فَكَأَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ أَأَفْعَلُ كَذَا افْعَلْهُ. (أَمَّا النَّهْيُ) أَيْ لَا تَفْعَلْ (بَعْدَ الْوُجُوبِ فَالْجُمْهُورُ) قَالُوا هُوَ (لِلتَّحْرِيمِ) كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ النَّهْيَ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَالْأَمْرَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِلَّفْظِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ وَهُوَ الْوُجُوبُ وَمَعْنًى مَجَازِيٌّ غَالِبٌ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ هُنَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي تَعَارُضِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ مُجْمَلٌ إلَخْ وَيُجَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ مَا سَبَقَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَعْنَى وَكَانَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقِيًّا وَفِي الْآخَرِ مَجَازِيًّا وَمَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَعْنَى وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي إيجَابِهِ حَقِيقِيًّا وَفِي إبَاحَتِهِ مَجَازِيًّا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَسْلِيمَ الْغَلَبَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ وَإِلَّا فَقَدْ مَنَعَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ تَبَادُرَ الْإِحَالَةِ مِنْ الصِّيغَةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ إذْ هُنَا الْمُتَبَادِرُ بِقَرِينَةٍ وَمِنْ شَأْنِ الْحَقِيقَةِ عَدَمُ الِافْتِقَارِ إلَى الْقَرَائِنِ. (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الرَّأْيُ الْحَقُّ عِنْدِيّ الْوَقْفُ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى مُطْلَقِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَظْرُ لَا بِالْإِيجَابِ وَلَا بِالْإِبَاحَةِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ فِي الْإِطْلَاقِ مَوْضُوعَةً لِلِاقْتِضَاءِ فَهِيَ مَعَ الْحَظْرِ الْمُتَقَدِّمِ مُشْكِلَةٌ فَيَتَعَيَّنُ الْوُقُوفُ إلَى الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ إلَخْ) وَالْقَائِلُ بِأَنَّهَا لِلْوُجُوبِ يَقُولُ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي الْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مَجَازٌ وَكَرَّرَ الْأَمْثِلَةَ إشَارَةً إلَى كَثْرَتِهَا كَمَا قَالَ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهَا وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ الْغَلَبَةَ مَمْنُوعَةٌ. قَوْلُهُ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] وَحَمَلَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ الْأَمْرَ فِيهِ لِلنَّدَبِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إذَا انْصَرَفْت عَنْ الْجُمُعَةِ فَسَاوِمْ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِهِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّ {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] لِلْإِيجَابِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «طَلَبُ الْكَسْبِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْفَرِيضَةُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] » الْآيَةَ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ. (قَوْلُهُ: إذْ قِتَالُهُمْ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ قَتْلَهُمْ وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ لَيْسَ فِي وُسْعِنَا حَتَّى نُكَلَّفَ بِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْقِتَالُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْقَتْلِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ يُقَالُ إلَخْ) قَالَهُ الْكَمَالُ يُمْكِنُ التَّمْثِيلُ لَهُ بِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَأُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ» فَإِنَّهُ بِمَعْنَى صَلِّ فِيهَا وَسَكَتَ عَنْ النَّهْيِ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَحُكْمُهُ التَّحْرِيمُ عَلَى قِيَاسِ وُقُوعِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَمِمَّا وَرَدَ مِنْهُ لِلتَّحْرِيمِ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ الْمِقْدَادِ قَالَ «أَرَأَيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْت لِلَّهِ أَفَأُقَاتِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ لَا» وَمِمَّا وَرَدَ مِنْ الْكَرَاهَةِ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَيْضًا «أَأُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قَالَ لَا» . [مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ] (قَوْلُهُ: أَيْ لَا تَفْعَلْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ اللَّفْظِيُّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِلتَّحْرِيمِ وَقَوْلِهِ لِلْكَرَاهَةِ وَإِلَّا لَقَالَ إنَّهُ التَّحْرِيمُ أَوْ الْكَرَاهَةُ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقِيلَ لِلْإِبَاحَةِ فَإِنَّ النَّهْيَ النَّفْسِيَّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْكَفِّ وَالطَّلَبُ لَا يَكُونُ إبَاحَةً (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْوُجُوبِ) قَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْوُجُوبِ بِأَنَّهُ بَعْدَ النَّدْبِ لِلتَّحْرِيمِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ اهـ. سم (قَوْلُهُ: كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوَارِدِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَهُوَ النَّهْيُ الْمُبْتَدَأُ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ وُجُوبٍ. (قَوْلُهُ: وَفَرَّقُوا إلَخْ) كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ مِنْ النَّهْيِ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ وَمِنْ الْأَمْرِ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ مُتَضَمِّنٌ

وَاعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِالْأَوَّلِ أَشَدُّ (وَقِيلَ لِلْكَرَاهَةِ) عَلَى قِيَاسِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ (وَقِيلَ لِلْإِبَاحَةِ) نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُوبِهِ يَرْفَعُ طَلَبَهُ فَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ فِيهِ (وَقِيلَ لِإِسْقَاطِ الْوُجُوبِ) وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ إبَاحَةٍ لِكَوْنِ الْفِعْلِ مَضَرَّةً أَوْ مَنْفَعَةً (وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى وَقْفِهِ) فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَحْكُمْ هُنَا بِشَيْءٍ كَمَا هُنَاكَ (مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ) أَيْ افْعَلْ (لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ لَا التَّكْرَارِ وَلَا مَرَّةَ وَالْمَرَّةُ ضَرُورِيَّةٌ) إذْ لَا تُوجَدُ الْمَاهِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا. (وَقِيلَ) الْمَرَّةُ (مَدْلُولَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ وَبِالْعَكْسِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَاعْتِنَاءُ الشَّارِعِ إلَخْ) وَمِنْ هُنَا كَانَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِلْكَرَاهَةِ عَلَى قِيَاسِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ حَقِيقَتَيْ افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِهِمَا إذْ الْكَرَاهَةُ أَدْنَى مَرْتَبَتَيْ صِيغَةِ لَا تَفْعَلْ كَمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ أَدْنَى مَرَاتِبِ افْعَلْ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ أَنْ لَا تَفْعَلْ يَأْتِي لِلْإِبَاحَةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَهِيَ أَدْنَى مَرَاتِبِهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ لَا تَفْعَلْ الْوَارِدَةُ ابْتِدَاءً أَيْ الَّتِي لَمْ تَرِدْ بَعْدَ وُجُوبٍ وَلَا شَكٍّ أَنَّ أَدْنَى مَرَاتِبِهَا الْكَرَاهَةُ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَخْ) وَبِهَذَا فَارَقَ الْإِبَاحَةَ وَلَا تَتَوَهَّمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بَلْ هُوَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ السَّادِسِ وَخَصُّوا ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَقَالُوا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ دَلِيلٌ مِنْ الشَّارِعِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ إذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَضَرَّةٍ كَانَ حَرَامًا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَانَ مُبَاحًا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ بَعْدَ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرِيمٍ) أَيْ أَوْ كَرَاهَةٍ أَوْ نَدْبٍ بِأَنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ خَفِيَّةً وَالْمَصْلَحَةُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَيْ افْعَلْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ إذْ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِطَلَبِهَا وَالْوَاضِعُ مِنْ خَاصِّيَّةِ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الطَّلَبِ. (قَوْلُهُ: لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ) لِأَنَّ مَدْلُولَ الصِّيغَةِ طَلَبُ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ وَالْمَرَّةُ وَالتَّكْرَارُ زَائِدٌ عَلَيْهَا فَيَحْصُلُ الِامْتِثَالُ بِالْحَقِيقَةِ مَعَ أَيِّهِمَا حَصَلَ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ اضْرِبْ مَثَلًا مُخْتَصَرٌ مِنْ أَطْلُبُ مِنْك ضَرْبًا أَوْ افْعَلْ ضَرْبًا وَالنَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرَ الْمَصْدَرُ مَعْرِفَةً بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ اهـ. وَتَقْدِيرُ الْمَصْدَرِ مَعْرِفَةً هُوَ مُتَمَسَّكُ الْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ بِهَذَا الدَّلِيلِ بِعَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَرَّةُ ضَرُورِيَّةٌ) أَيْ لَا يُمْكِنُ الِامْتِثَالُ بِدُونِهَا فَإِفَادَةُ الصِّيغَةِ لَهَا وَاجِبٌ فَدُخُولُهَا فِي مَدْلُولِ الصِّيغَةِ مَجْزُومٌ بِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَرَّةِ لَيْسَ لِكَوْنِهَا مَوْضُوعًا لَهَا بَلْ لِتَوَقُّفِ تَحَقُّقِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ فَهِيَ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَدْلُولُ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَرَّةُ مَدْلُولُهُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَدْلُولُهُ الْمَاهِيَّةُ بِقَيْدِ تَحَقُّقِهَا فِي الْمَرَّةِ فَقَطْ أَوْ أَنَّ مَدْلُولَهُ نَفْسُ الْمَرَّةِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ إنَّ النَّقَلَةَ لِهَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ يَعْنِي الْأَوَّلَ فَلَيْسَ غَرَضُهُمْ إلَّا نَفْيَ التَّكْرَارِ وَالْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمَرَّةِ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا لِذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُ عَلَى التَّكْرَارِ) لَكِنْ عَلَى الثَّانِي الْحَمْلُ مَجَازِيٌّ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى أَحَدِ

وَيُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِقَرِينَةٍ (وَقَالَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَ) أَبُو حَاتِمٍ (الْقَزْوِينِيُّ) فِي طَائِفَةٍ (لِلتَّكْرَارِ مُطْلَقًا) وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَرَّةِ بِقَرِينَةٍ (وَقِيلَ) لِلتَّكْرَارِ (إنْ عَلِقَ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ) أَيْ بِحَسَبِ تَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْدَيْهِ. (قَوْلُهُ: فِي طَائِفَةٍ) حَالٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَفِي بِمَعْنَى مَعَ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عُلِّقَ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَمْ لَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَهِمَ التَّكْرَارَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ فَسَأَلَ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ (لَا يُقَالُ لَوْ فَهِمَ لَمَا سَأَلَ) لِأَنَّا نَقُولُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي الدَّيْنِ وَأَنَّ فِي حَمْلِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ عَلَى مُوجِبِهِ مِنْ التَّكْرَارِ حَرَجًا عَظِيمًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فَهِمَ التَّكْرَارَ بَلْ إنَّمَا سَأَلَ لِاعْتِبَارِهِ الْحَجَّ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ حَيْثُ تَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ وَإِنَّمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ رَأَى الْحَجَّ مُتَعَلِّقًا بِالْوَقْتِ وَهُوَ مُتَكَرِّرٌ وَبِالسَّبَبِ أَعْنِي الْبَيْتَ وَلَيْسَ بِمُتَكَرِّرٍ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْبُدَخْشِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] عَلَى قِتَالِ مَانِعِيهَا بَعْدَ أَنْ أَدَّوْا مَرَّةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِفَهْمِهِمْ التَّكْرَارَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لِلصَّحَابَةِ التَّكْرَارَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بِأَنْ أَرْسَلَ الْعُمَّالَ كُلَّ حَوْلٍ إلَى الْمُلَّاكِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ لِذَلِكَ فَإِنْ قُلْت الْأَصْلُ عَدَمُ الْقَرِينَةِ قُلْنَا لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ التَّكْرَارِ صِرْنَا إلَى مَا قُلْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ اهـ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ إثْبَاتًا وَالنَّهْيَ اقْتِضَاءً انْكِفَافًا وَهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَصْلِ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِطْلَاقِ فَإِذَا تَضَمَّنَ أَحَدُهُمَا اسْتِيعَابَ الزَّمَانِ كَانَ الثَّانِي فِي مَعْنَاهُ وَرَدَّهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ قَضَايَا الْأَلْفَاظِ لَا تَثْبُتُ بِالْأَقْيِسَةِ. (قَوْلُهُ: عُلِّقَ بِشَرْطٍ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُؤَثِّرُ التَّعْلِيقُ فِي إثْبَاتِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ قُلْنَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ الْقَيْدَ رُبَّمَا يَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ مَدْلُولِهِ كَصِيَغِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ ضِدَّ الْإِطْلَاقِ يُوجِبُ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَإِذَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ. تَلْوِيحٌ (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ تَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ بِهِ) أَيْ مِنْ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ لَا التَّكْرَارِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ بِخِلَافِ التَّكْرَارِ حَيْثُ قِيلَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ مَا عَدَا أَوْقَاتِ الضَّرُورَةِ فَالتَّكْرَارُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْلِيقِ أَضْيَقُ مِنْهُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَمِنْ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ إجَابَةِ كُلِّ مُؤَذِّنٍ سَمِعَهُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ وَاسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ

نَحْوُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] تُكَرَّرُ الطَّهَارَةُ وَالْجَلْدُ بِتَكَرُّرِ الْجَنَابَةِ وَالزِّنَا وَيُحْمَلُ الْمُعَلَّقُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَرَّةِ بِقَرِينَةٍ كَمَا فِي أَمْرِ الْحَجِّ الْمُعَلَّقِ بِالِاسْتِطَاعَةِ فَإِنْ لَمْ يُعَلَّقْ الْأَمْرُ فَلِلْمَرَّةِ وَيُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ بِقَرِينَةٍ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) عَنْ الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا نَعْرِفُهُ قَوْلَانِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَأَمْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَمْرِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَلَا نَعْرِفُهُ أَوْ هُوَ لِلتَّكْرَارِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ أَوْ الْمَرَّةُ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ الْأَوَّلُ الرَّاجِحُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالتَّكْرَارِ فِي الْمُعَلَّقِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا ذُكِرَ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهِ وَالْحُكْمُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخْرِيجَهَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِيهِ مَرَّةً قَالَ الْكَمَالُ وَلَا نَقْلَ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ قَالَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْ هَذَا بِكَذَا فَبَاعَهُ فَرُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ قَالَ بِعْهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَفَعَلَ فَفُسِخَ بِالْخِيَارِ هَلْ لَهُ الْبَيْعُ ثَانِيًا وَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَفِي الرَّهْنِ لَكِنَّهُ جَزَمَ فِي الْوَكَالَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ ثَانِيًا اهـ. ثُمَّ إنَّ الْبَيْضَاوِيَّ فِي الْمِنْهَاجِ جَزَمَ بِمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمُعَلَّقِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَيَقْتَضِيهِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ الصِّفَةِ يُقَيِّدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّرْطَ وَتِلْكَ الصِّفَةَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَلْزَمُ تَكَرُّرُ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ لِتَكَرُّرِ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ دَالًّا عَلَى تَكْرَارِهِ بِالْقِيَاسِ لَكَانَ يَلْزَمُ تَكْرَارُ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الْقِيَامِ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الْقِيَامَ عِلَّةَ الطَّلَاقِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ تَعْلِيلُ الشَّارِعِ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَآحَادُ النَّاسِ لَا عِبْرَةَ بِتَعْلِيلِهِمْ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] الْآيَةَ مِثَالٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَمَا بَعْدَهُ لِلتَّعْلِيقِ بِالصِّفَةِ. (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ كَمَا فِي أَمْرِ الْحَجِّ) أَيْ الْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] إذْ التَّقْدِيرُ مِنْ اسْتَطَاعَ فَلْيَحُجَّ أَوْ لِيَحُجَّ الْمُسْتَطِيعُ فَالتَّعْلِيقُ هَاهُنَا بِشَرْطٍ وَهُوَ تَكْرَارُ الِاسْتِطَاعَةِ وَقَضِيَّتُهُ التَّكْرَارُ بِتَكَرُّرِهَا لَكِنْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَرَّةِ وَهِيَ حَدِيثُ «أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» . (قَوْلُهُ: فَلِلْمَرَّةِ) الْأُولَى أَنْ يَقُولَ فَلِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ فَلَيْسَ لِلتَّكْرَارِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِيمَا ذَكَرَ قَائِلٌ بِأَنَّ الْمَرَّةَ حِينَئِذٍ مَدْلُولُهُ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِجَعْلِ هَذَا مِنْ الْوَقْفِ وَكَانَ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْوَقْفُ عَنْ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ. (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا قَوْلَانِ أَوَّلُهُمَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا نَعْرِفُهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ أَوَّلِ الْمَبْحَثِ إلَى هُنَا. (قَوْلُهُ: فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْ الْوَقْفِ وَقَوْلُهُ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا إلَخْ هُوَ الثَّانِي مِنْ قَوْلَيْ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ لِلتَّكْرَارِ) أَيْ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ وَمَنْ مَعَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَرَّةُ) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الْمَرَّةُ مَدْلُولُهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الْمُصَدَّرُ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوَّلُ الرَّاجِحُ مِنْ أَدِلَّتِهِ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ التَّكْرَارِ خَاصَّةً أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلتَّكْرَارِ لَعَمَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَالتَّعْمِيمُ بَاطِلٌ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ الثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْسَخَهُ كُلُّ تَكْلِيفٍ يَأْتِي بَعْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَامِعَهُ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ الثَّابِتَ بِالْأَوَّلِ يَزُولُ بِالِاسْتِغْرَاقِ الثَّابِتِ بِالثَّانِي كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَامِعَهُ نَحْوُ الصَّوْمِ مَعَ الصَّلَاةِ وَاعْتُرِضَ كُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْأَوْقَاتَ

أَنَّ التَّكْرَارَ حِينَئِذٍ إنْ سَلِمَ مُطْلَقًا أَيْ فِيمَا إذَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّةُ الْمُعَلَّقِ بِهِ مِنْ خَارِجٍ أَوْ لَمْ تَثْبُتْ لَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ. ثُمَّ التَّكْرَارُ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ وَمُوَافِقِيهِ حَيْثُ لَا بَيَانَ لِأَمَدِهِ يَسْتَوْعِبُ مَا يُمْكِنُ مِنْ زَمَانِ الْعُمْرِ لِانْتِفَاءِ مُرَجِّحِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ فَهُمْ يَقُولُونَ بِالتَّكْرَارِ فِي الْمُعَلِّقِ بِتَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ بِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَبِالتَّكْرَارِ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْمُعَلَّقُ بِهِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى الْمَرَّةِ فَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُطْلَقًا (وَلَا لِفَوْرٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّرُورِيَّةَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ فِيهَا الِاشْتِغَالُ بِالْمَأْمُورِ خَارِجَةٌ عَنْ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فَلَا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ الثَّانِي أَيْضًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُخَصَّصٍ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَمِثْلُ هَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرْعِ أَصْلًا وَلَوْ وَقَعَ لَالْتَزَمَ الْخَصْمُ النَّسْخَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَمْرُ الثَّانِي مَخْصُوصًا بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يَلْزَمُ نَسْخُهُ لِلْأَوَّلِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَخْصِيصُهُ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ عَقْلًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَفْرُوضِ لَا فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي غَيْرِهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: أَنَّ التَّكْرَارَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ التَّعْلِيقِ وَقَوْلُهُ إنْ سَلِمَ مُطْلَقًا يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ أَوْ الصِّفَةِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ مُطْلَقًا بَلْ إنَّمَا يُشْعِرُ بِهَا إذَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّةُ الْمُعَلَّقِ بِهِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ مِثْلِ إنْ زَنَى فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِلِّيَّتُهُ مِثْلُ إذَا دَخَلَ الشَّهْرُ فَأَعْتِقْ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِتَكْرَارِ مَا عُلِّقَ بِهِ ثُمَّ إنْ سَلِمَ إشْعَارُ التَّعْلِيقِ بِذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْمُعَلَّقُ بِهِ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ الشَّرْطِ أَوْ الصِّفَةِ أَوْ لَمْ تَثْبُتْ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى فَهْمِهَا مِنْ التَّعْلِيقِ لَيْسَ التَّكْرَارُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْأَمْرِ بَلْ إمَّا مِنْ الْخَارِجِ أَوْ مِنْ التَّعْلِيقِ الْمُشْعِرِ بِالْعِلِّيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ كُلَّمَا وُجِدَتْ عِلَّتُهُ أَوْ مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ وَلِذَلِكَ يَتَكَرَّرُ الْحَجُّ وَإِنْ عُلِّقَ بِالِاسْتِطَاعَةِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ) ظَرْفُ التَّكْرَارِ وَقَوْلُهُ لَا بَيَانَ لِأَمَدِهِ أَيْ غَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ وَقَوْلُهُ يَسْتَوْعِبُ خَبَرُ التَّكْرَارِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مَا يُمْكِنُ عَنْ أَوْقَاتِ الضَّرُورَةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِهَا وَاسْمُ هَاهُنَا كَلَامٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَطَّرَ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ تَرْدِيدَاتٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُمُورٍ فَرْضِيَّةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْأَوَامِرِ الْوَاقِعَةِ مِنْ الشَّارِعِ بِالْفِعْلِ فَلَوْ فَتَحْنَا بَابَ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ لَطَالَ الْكَلَامُ بِلَا فَائِدَةٍ إذْ هَذِهِ أُمُورٌ مَا وَقَعَتْ وَلَمْ تَقَعْ فَمَا بَالُنَا نَفْرِضُ وُقُوعَهَا وَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: فَهُمْ يَقُولُونَ) أَيْ الْأُسْتَاذُ وَمَنْ مَعَهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الِاسْتِيعَابِ (قَوْلُهُ: وَبِالتَّكْرَارِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُعَلَّقِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَتَصَدَّقْ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا تَكْرَارُ التَّصَدُّقِ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الدُّخُولُ الَّذِي هُوَ الْمُعَلَّقُ بِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا قَالَ سم لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ وَلَمْ تَتَكَرَّرْ بَلْ عَجَزَ مُطْلَقًا فَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّكْرَارِ حِينَئِذٍ وَاسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ. (قَوْلُهُ: وَلَا لِفَوْرٍ) أَيْ وَلَا لِتَرَاخٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا لِتَكْرَارٍ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ إذَا قُيِّدَتْ بِوَقْتٍ مُضَيَّقٍ أَوْ مُوَسَّعٍ كَانَتْ بِحَسَبِ مَا قُيِّدَتْ بِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قُيِّدَتْ بِفَوْرٍ أَوْ تَرَاخٍ وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِفَوْرٍ وَلَا تَرَاخٍ وَهُوَ مَوْضِعُ الْكَلَامِ هُنَا فَهَلْ يَقْتَضِي الْفَوْرَ أَوْ لَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ الصِّيغَةُ الْمُطْلَقَةُ إنْ قِيلَ إنَّهَا تَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْأَوْقَاتِ بِالِامْتِثَالِ فَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ الْفَوْرُ وَالْبِدَارُ وَاسْتِعْقَابُ الصِّيغَةِ فِي مَوْرِدِهَا اقْتِضَاءُ مُبَادَرَةِ الِامْتِثَالِ وَإِذَا جَرَى التَّفْرِيعُ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الزَّمَانِ فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الصِّيغَةِ تَقْتَضِي الْفَوْرَ وَالْبِدَارَ إلَى الِامْتِثَالِ وَهَذَا مَعْزِيٌّ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُتَّبِعِيهِ وَذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهَا الِامْتِثَالُ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا وَهَذَا يُنْسَبُ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ اللَّائِقُ بِتَفْرِيعَاتِهِ فِي الْفِقْهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي مَجْمُوعَاتِهِ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا الْوَاقِفِيَّةُ فَقَدْ تَحَزَّبُوا حِزْبَيْنِ فَذَهَبَ غُلَاتُهُمْ فِي الْمَصِيرِ إلَى الْوَقْفِ إلَى أَنَّ الْفَوْرَ وَالتَّأْخِيرَ إذَا لَمْ

أَيْ الْمُبَادَرَةِ عَقِبَ وُرُودِهِ بِالْفِعْلِ وَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ لِلتَّكْرَارِ (وَقِيلَ لِلْفَوْرِ أَوْ الْعَزْمِ) فِي الْحَالِ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ (وَقِيلَ) هُوَ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَيْ التَّأْخِيرِ (وَالْمُبَادِرُ) بِالْفِعْلِ (مُمْتَثِلٌ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ) امْتِثَالَهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْأَمْرُ لِلتَّرَاخِي (وَمَنْ وَقَفَ) عَنْ الِامْتِثَالِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ أَوُضِعَ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ أَمْ لِلتَّرَاخِي وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَأَمْرِ الْإِيمَانِ وَأَمْرِ الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَبَيَّنْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِقَرِينَةٍ فَلَوْ أَوْقَعَ الْمُخَاطَبُ مَا خُوطِبَ بِهِ عَقِبَ فَهْمِ الصِّيغَةِ لَمْ يُقْطَعْ بِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ غَرَضُ الْآمِرِ فِيهِ أَنْ يُؤَخِّرَ وَهَذَا سَرَفٌ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ وَذَهَبَ الْمُقْتَصِدُونَ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ إلَى أَنَّ مَنْ بَادَرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَانَ مُمْتَثِلًا قَطْعًا فَإِنْ أَخَّرَ وَأَوْقَعَ الْفِعْلَ الْمُقْتَضَى فِي آخَرِ الْوَقْتِ فَلَا يُقْطَعُ بِخُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا. وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَا شُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ حَمْلِ الصِّيغَةِ عَلَى إيقَاعِ الِامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى وَقْتٍ مُقَدَّمٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ مَذْهَبِهِ مَعَ اسْتِمْسَاكِهِ بِالْوَقْفِ وَتَجْهِيلِهِ مَنْ لَا يَرَاهُ وَمِمَّا يَتَعَيَّنُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِتَهْذِيبِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُتَرْجَمَةٌ بِأَنَّ الصِّيغَةَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ فَهَذَا اللَّفْظُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي فَلَفْظُهُ مَدْخُولٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ حَتَّى لَوْ فُرِضَ الِامْتِثَالُ عَلَى الْبِدَارِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مُعْتَقَدَ أَحَدٍ فَالْوَجْهُ أَنْ نُعَبِّرَ عَنْ الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ الْمَعْزِيِّ إلَى الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنْ يُقَالَ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي الِامْتِثَالَ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَهَا وَقْتٌ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُبَادَرَةُ إلَخْ) قَالُوا إذَا اقْتَضَتْ الصِّيغَةُ إيجَابًا فَالْوَاجِبُ مَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إذْ لَوْ جَازَ تَرْكُهُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ لَمَا كَانَ مُتَّصِفًا بِالْوُجُوبِ فِيهِ وَفِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ يُنْسَبُ إلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَخَّرَ عَصَى اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْفِعْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبَادَرَةِ وَأَخَّرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْفِعْلِ لَوْ قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لِلتَّكْرَارِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَسْتَلْزِمُ الْفَوْرِيَّةَ لِأَنَّهُ الْإِيقَاعُ فِي جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ مِنْ أَزْمِنَةِ الْعُمُرِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الزَّمَانُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ ظَرْفٍ) لِلْفِعْلِ أَيْ يَعْزِمُ فِي الْحَالِ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْفِعْلَ بَعْدُ قَالَ سم وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَنَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمُ عَلَيْهِ بَعْدُ فِي الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: أَيْ التَّأْخِيرُ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنْ يُرَادَ بِالتَّرَاخِي مَدُّ الْفِعْلِ وَالِاسْتِمْرَارُ فِيهِ مَعَ الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّلَبُّسِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُبَادِرُ بِالْفِعْلِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْ بِوَقْتٍ وَلَا بِفَوْرٍ وَلَا تَرَاخٍ وَإِلَّا فَهُوَ بِحَسَبِ مَا قُيِّدَ بِهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ وَمَنْ وَقَفَ إلَخْ) أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِنَاءً فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُمَا الْقَوْلُ بِاقْتِضَائِهَا التَّرَاخِيَ وَالْقَوْلُ بِالْوَقْفِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ. وَقَدْ عَلِمْت مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُرْهَانِ سَابِقًا أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوَقْفِ فِرْقَتَانِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا إحْدَاهُمَا ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّرَاخِي يُوجِبُهُ حَتَّى تَكُونَ الْمُبَادَرَةُ مَمْنُوعَةً وَأَنَّ الِامْتِثَالَ عَلَى الْبِدَارِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ لِامْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَقَالُوا إنَّهُ لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ إلَى ذَلِكَ وَمَعْنَى كَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لَا أَنَّهُ يَجِبُ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْوَقْفِ فَإِنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ مُتَوَقِّفٌ عَنْ الْقَطْعِ بِكَوْنِ الْمُبَادِرِ مُمْتَثِلًا خَارِجًا عَنْ الْعُهْدَةِ لِجَوَازِ إرَادَةِ التَّرَاخِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ وَقَائِلُ هَذَا لَا يُجَوَّزُ فِعْلَهُ عَلَى الْفَوْرِ لَكِنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَمَّا الْمُبَادِرُ فَمُمْتَثِلٌ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا فَقَالَ وَيَتَوَقَّفُ فِي الْمُبَادِرِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ مُعْتَمَدُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ وَمَنْ وَقَفَ هُوَ هَذَانِ النَّقْلَانِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ مَنْعَ الْمُبَادَرَةِ بِالْفِعْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ عَنْ الْقَطْعِ بِكَوْنِ الْمُبَادِرِ مُمْتَثِلًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ لَا مُقَابِلَ لَهُ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَاللَّائِقُ أَنْ يُقَالَ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ الْمُبَادَرَةَ هُنَا عَلَى الْوَقْفِ أَيْ عَنْ الْقَطْعِ بِكَوْنِ الْمُبَادِرِ مُمْتَثِلًا اهـ. وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَك اتِّجَاهُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْكُورَانِيُّ قَائِلًا الْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ لَا وَجْهَ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لِلتَّرَاخِي لَمْ يَقُلْ بِهِ وُجُوبًا

[الأمر بشيء مؤقت يستلزم القضاء]

وَإِنْ كَانَ التَّرَاخِي فِيهِ غَيْرَ وَاجِبٍ فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَلَا نَعْرِفُهُ أَوْ هُوَ لِلْفَوْرِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ أَوْ التَّرَاخِي لِأَنَّهُ يَسُدُّ عَنْ الْفَوْرِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِامْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ الْأَوَّلُ الرَّاجِحُ أَيْ طَلَبُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِوَقْتٍ مِنْ فَوْرٍ أَوْ تَرَاخٍ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ (الرَّازِيّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَ) الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ (الشِّيرَازِيُّ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (وَعَبْدُ الْجَبَّارِ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (الْأَمْرُ) بِشَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ جَوَازًا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الِامْتِثَالِ يُلَائِمُ الْقَوْلَ بِالتَّوَقُّفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَقَفَ عَطْفًا عَلَى مَنْ مَنَعَ لَيْسَ عَلَى مَنْ يَنْبَغِي أَيْضًا إذْ الْوَاقِفِيَّةُ طَائِفَتَانِ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ وَحَاوَلَ سم رَدَّ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْكُورَانِيُّ مُفَرِّعًا عَلَى كَلَامٍ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِيهِ حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَنَّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ وَإِنْ كَانَ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ هُوَ قَوْلٌ ثَابِتٌ وَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ خَرْقُهُ لِلْإِجْمَاعِ وَلَا ثُبُوتُ الْقَوْلِ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ الِامْتِثَالِ وَعَدَمِهِ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْمُسْتَصْفَى وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا فَقَالَ يُتَوَقَّفُ فِي الْمُبَادِرِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ الَّذِي صَدَّرَ كَلَامَهُ بِعِبَارَتِهِ وَإِنْ بَادَرَ بِفِعْلِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ لَانْقَطَعَ بِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا مَعَ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ حَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ غُلَاةِ الْوَاقِفِيَّةِ إنَّا لَا نَقْطَعُ بِأَمْثَالِهِ بَلْ نَتَوَقَّفُ فِيهِ إلَخْ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَمَنْ وَقَفَ هَذَا زُبْدَةُ كَلَامِهِ الَّذِي أَطَالَهُ جِدًّا وَزَادَ مَا هُوَ دَيْدَنُهُ مِنْ الْحَطِيطَةِ عَلَى الْكُورَانِيِّ بِتَجْوِيزِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ آخَرَ يُوَافِقُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ مِمَّا قَدْ فَرَغْنَا مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ. ثُمَّ إنَّهُ قَدْ رَجَعَ الْأَمْرُ فِي كَلَامِهِ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى قَوْلَيْ الْوَقْفِ وَقَوْلُهُ إنَّ الْمَذْهَبَ الْخَارِقَ لِلْإِجْمَاعِ ثَابِتٌ نَحْنُ لَا نَمْنَعُ ثُبُوتَهُ وَلَا يُنْكِرُ ثُبُوتَهُ أَحَدٌ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَى خَرْقِهِ لِلْإِجْمَاعِ فَرُبَّمَا اعْتَقَدَ الْوَاقِفُ عَلَى الْكِتَابِ صِحَّتَهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ لِامْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ. وَمِنْ هُنَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّارِحِ مُؤَاخَذَةٌ فِي عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ سم اقْتَصَرَ عَلَى نَقْلِ عِبَارَةِ الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَقْنَعٌ وَغُنْيَةٌ عَنْ التَّطْوِيلِ قَالَ فِي نِهَايَتِهِ مَا نَصُّهُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ أَيْ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُعْظَمُ أَصْحَابِهِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَعَدَدٌ جَمْعًا مِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ إلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فَعَلَى هَذَا مَهْمَا فَعَلَ الْمُكَلَّفُ الْمَأْمُورَ بِهِ مُبَادِرًا أَوْ مُؤَخِّرًا كَانَ مُمْتَثِلًا وَذَهَبَ الْأَقَلُّونَ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّرَاخِي فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْمُبَادِرُ مُمْتَثِلًا. وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَنُسِبُوا فِيهِ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْوَاقِفِيَّةُ فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ تَوَقُّفَ الِاشْتِرَاكِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ تَوَقُّفَ اللَّا أَدْرِيَّةِ وَهَؤُلَاءِ انْقَسَمُوا إلَى غُلَاةٍ وَمُقْتَصِدَةٍ أَمَّا الْغُلَاةُ فَهُمْ الَّذِينَ تَوَقَّفُوا فِي الْمُبَادِرِ وَالْمُؤَخِّرِ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْ لَا وَنُسِبُوا أَيْضًا إلَى خَرْقِ إجْمَاعِ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَاطِعِينَ إلَى أَنَّ الْمُبَادِرَ مُسَارِعٌ فِي الِامْتِثَالِ وَمُبَالِغٌ فِي الطَّاعَةِ. وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُونَ فَهُمْ الَّذِينَ قَطَعُوا بِامْتِثَالِ الْمُبَادِرِ وَتَوَقَّفُوا فِي الْمُؤَخِّرِ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْ لَا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِتَأْثِيمِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤَثِّمْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَصْلَ الْمَطْلُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ) أَيْ لَوْ قِيلَ بِالْوَضْعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ) أَيْ الْأَحَدُ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ) فِيهِ نَظَرٌ مَعَ احْتِمَالِ التَّرَاخِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَسُدُّ إلَخْ) لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَنْهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ فَوْرٍ إلَخْ) أَيْ مِنْ ذِي فَوْرٍ إلَخْ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ هُوَ الْفَوْرُ وَالتَّرَاخِي لِأَنَّ الْفَوْرَ الْمُبَادَرَةُ وَالتَّرَاخِي التَّأْخِيرُ [الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ] (قَوْلُهُ: مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) يُوهِمُ كَلَامُهُ انْفِرَادَهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُهُ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي التَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لِجُمْهُورِهِمْ حَتَّى قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ. (قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِشَيْءٍ إلَخْ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّفْظِيِّ كَمَا فَعَلَ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَا هُنَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ

مُؤَقَّتٍ (يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ) لَهُ إذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي وَقْتِهِ لِإِشْعَارِ الْأَمْرِ بِطَلَبِ اسْتِدْرَاكِهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ) كَالْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQجَدِيدٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ يُوصَفُ بِالتَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ الْحَادِثُ. (قَوْلُهُ: مُؤَقَّتٌ) خَرَجَ بِالْمُؤَقَّتِ الْمُطْلَقُ وَذُو السَّبَبِ إذْ لَا قَضَاءَ فِيهِمَا اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ) أَيْ الْأَمْرَ بِهِ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَفْعَلْ) قَالَ النَّاصِرُ ظَرْفٌ يَسْتَلْزِمُ لَا لِلْقَضَاءِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَقَعْ فِي وَقْتِ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّ وَقْتَ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي مَضَى مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَالْقَضَاءُ فِي وَقْتٍ بَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالِاسْتِلْزَامِ فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِلْزَامَ ذَاتِيٌّ لِلْأَمْرِ لَا أَنَّهُ فِي وَقْتِ عَدَمِ الْفِعْلِ اللَّازِمِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضَاءِ وَفِي الظَّرْفِيَّةِ تَسَمُّحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَضَاءَ يَتَّصِلُ بِآخِرِ وَقْتِ عَدَمِ الْفِعْلِ أَوْ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ وَقْتُ الْحُكْمِ بِعَدَمِ الْفِعْلِ فِي وَقْتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَقْتَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْفِعْلِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ. (قَوْلُهُ: لِإِشْعَارِ الْأَمْرِ) أَيْ إعْلَامِهِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ إشْعَارًا أَنَّهُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى لَازِمِ مَعْنَاهُ وَفِيهَا خَفَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّلَالَةِ الْمُطَابِقِيَّةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ. (قَوْلُهُ: بِطَلَبِ اسْتِدْرَاكِهِ) أَيْ اسْتِدْرَاكِ الْفِعْلِ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي وَقْتِهِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيَقُولُ الْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ قَالَ سم وَشَرَحَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّ نَحْوَ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ مُقْتَضَاهُ أَمْرَانِ إلْزَامُ الصَّوْمِ وَكَوْنُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّانِي لِفَوَاتِهِ بَقِيَ اقْتِضَاءُ الصَّوْمِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْجَوَابِ بِمَنْعِ اقْتِضَاءِ الْأَمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأَكْثَرُ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَمْرٍ) جَدِيدٍ أَيْ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَا بِالْأَوَّلِ ثُمَّ إنَّ الْأَمْرَ يَكُونُ جَدِيدًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا إلَى عَدَمِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: كَالْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) ذَكَرَ حَدِيثَيْنِ أَوَّلُهُمَا دَالٌّ عَلَى حُكْمِ النِّسْيَانِ وَثَانِيهمَا عَلَى حُكْمِ الرُّقَادِ وَالْفَضْلَةُ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ النِّسْيَانِ وَيَبْقَى حُكْمُ التَّرْكِ عَمْدًا قَصْدًا وَلَعَلَّهُ مُسْتَفَادٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ مَعَ الْعُذْرِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى اهـ. سم. (قَوْلُهُ: فَلْيُصَلِّهَا) وَجْهُ

إذَا ذَكَرَهَا» . وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا وَالشِّيرَازِيُّ مُوَافِقٌ لِلْأَكْثَرِ كَمَا فِي لُمَعِهِ وَشَرْحِهِ فَذِكْرُهُ مِنْ الْأَقَلِّ سَهْوٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ) أَيْ بِالشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ (يَسْتَلْزِمُ الْإِجْزَاءَ) لِلْمَأْتِيِّ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ الْكِفَايَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّلَالَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فَلْيُصَلِّهَا أَمْرٌ جَدِيدٌ غَيْرُ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذَا الثَّانِي. (قَوْلُهُ: إذَا ذَكَرَهَا) فِيهِ اكْتِفَاءٌ أَيْ أَوْ اسْتَيْقَظَ أَوْ أَنَّ الذِّكْرَ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ وَالْمَعْنَى إذَا ذَكَرَهَا بَعْدَ النِّسْيَانِ أَوْ النَّوْمِ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا تَذَكُّرَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ) رَدٌّ لِقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ بِمَنْعِ كَوْنِ مُقْتَضَاهُ وُجُودَ الْفِعْلِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا) إذْ لَوْ كَانَ الْقَصْدُ الْفِعْلَ دُونَ كَوْنِهِ فِي الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ لَمْ يُفِدْ التَّحْدِيدُ بِالْوَقْتِ وَقَدْ يُقَالُ غَرَضُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفِعْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ لَا بِالذَّاتِ. وَأَمَّا الْوَقْتُ فَبِطَرِيقِ التَّبَعِ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ بَقِيَ الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْقَضَاءِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ قَصْدًا بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَالتَّتِمَّةِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ إلَخْ) أَحْوَجَهُ إلَى هَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ اسْمٌ لِذَاتِ الْفِعْلِ وَمُجَرَّدُ الْإِتْيَانِ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِالْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَأَفَادَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الذَّاتِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْقَيْدَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْنًى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ إلَّا إذَا أَتَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَوْقَعَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَمَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ يَقْضِي إلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهِ لَا بِالْفِعْلِ أَجَابَ عَنْهُ سم بِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْأَمْرِ بِالْوَجْهِ الْأَمْرُ بِذِي الْوَجْهِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْوَجْهِ بَلْ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ إلَّا أَنَّ الشَّيْءَ مَأْمُورٌ بِهِ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَمْرَهُ بِهِ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَمَعَهُ فَالْإِفْضَاءُ الَّذِي ادَّعَاهُ مَمْنُوعٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي ظَنِّهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ الْكِفَايَةُ) حَاصِلُهُ بِنَاءُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخِلَافِ

فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُسْقِطَ الْمَأْتِيُّ بِهِ الْقَضَاءَ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْفِعْلِ ثَانِيًا كَمَا فِي صَلَاةِ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْأَمْرَ) لِلْمُخَاطَبِ (بِالْأَمْرِ) لِغَيْرِهِ (بِالشَّيْءِ) نَحْوُ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] (لَيْسَ أَمْرًا) لِذَلِكَ الْغَيْرِ (بِهِ) أَيْ بِالشَّيْءِ وَقِيلَ هُوَ أَمْرٌ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ. وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْآمِرَ) بِالْمَدِّ (بِلَفْظٍ يَتَنَاوَلُهُ) كَمَا فِي قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ أَكْرِمْ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْك. وَقَدْ أَحْسَنَ هُوَ إلَيْهِ (دَاخِلٌ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ مَا أَمَرَ بِهِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْآمِرُ نَفْسَهُ وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَفْسِيرِ الْإِجْزَاءِ وَاَلَّذِي قَالَهُ غَيْرُهُ حَتَّى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ إنَّ الْخِلَافَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى تَفْسِيرِ الْإِجْزَاءِ بِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ أَمَّا إذَا فُسِّرَ بِالْكِفَايَةِ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَالْإِتْيَانُ يَسْتَلْزِمُ الْإِجْزَاءَ بِلَا خِلَافٍ فَالْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى ضَعِيفٍ كَذَا قِيلَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِلَا خِلَافٍ أَيْ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ كَمَا أَنَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ التَّفْسِيرِ فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةً عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهِمَا مَعًا كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ مَا فُعِلَ خَارِجَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ أَمْرٌ بِهِ) رُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ مُرْ عَبْدَك بِكَذَا مُتَعَدٍّ لِكَوْنِهِ أَمْرًا لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْعَبْدِ بَعْدَمَا ذَكَرَ لَا تَفْعَلْ يَكُونُ مُنَاقِضًا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْمُورًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهُ أَمَرَ وَلِيَّهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ وَبِالصَّوْمِ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا وَلَمْ يَقُلْ بِتَكْلِيفِهِ أَحَدٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ) أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيهِ امْتِثَالُ أَمْرِ الْمُخَاطَبِ لَا الْأَمْرِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لِهَذَا الْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالرَّجْعَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَمْرِ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ أَمْرُ نَدْبٍ فَالْأَمْرُ بِهَا مِثْلُهُ اهـ. قَالَ سم وَلَكَ مَنْعُ قَوْلِهِ لَا يَزِيدُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِسَاءَةُ بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُقْتَضِيَةً لِوُجُوبِ الرَّجْعَةِ جَبْرًا لِهَذِهِ الْإِسَاءَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّوَابِ الْمُعْتَمَدِ فِيمَا إذَا ظَلَمَ إحْدَى نِسَائِهِ بِإِعْطَاءِ نَوْبَتِهَا لِغَيْرِهَا مِنْهُنَّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ وَفَائِهَا حَقَّهَا. (قَوْلُهُ: مَنْ أَحْسَنَ إلَخْ) فَإِنَّ مَنْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ الْأَمْرَ وَجَعَلَ مَنْ مِنْ لَفْظِ الْأَمْرِ لِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهَا. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ إلَخْ) اعْتِذَارُهُ بِهَذَا عَنْ الِاعْتِرَاضِ بِالتَّنَاقُضِ يَأْبَاهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ مِنْ حَمْلِ مَا هُنَا عَلَى الْإِنْشَاءِ مُطْلَقًا وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَا يَعُمُّ الْإِنْشَاءَ وَالْخَبَرَ مِنْ غَيْرِ مُبَلِّغٍ بِخِلَافِ الْمُبَلِّغِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوَزِيرِ الْأَمْرَ عَنْ الْأَمِيرِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ مَعَ

بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ تَصَدَّقْ عَلَى مَنْ دَخَلَ دَارِي وَقَدْ دَخَلَهَا هُوَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ النِّيَابَةَ تُدْخِلُ الْمَأْمُورَ) بِهِ مَالِيًّا كَالزَّكَاةِ أَوْ بَدَنِيًّا كَالْحَجِّ بِشَرْطِهِ (إلَّا لِمَانِعٍ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ لَا تَدْخُلُ الْبَدَنِيَّ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِقَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِهَا بِفِعْلِهِ وَالنِّيَابَةُ تُنَافِي ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحَجِّ قُلْنَا لَا تُنَافِيهِ لِمَا فِيهَا مِنْ بَذْلِ الْمُؤْنَةِ أَوْ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ. (مَسْأَلَةٌ قَالَ الشَّيْخُ) أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ (وَالْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُرُودِهِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَجْتَمِعَانِ فِيهَا قَالَ وَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى خِطَابٍ شَامِلٍ لَهُ نَحْوِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنَا بِكَذَا وَحَمْلِ مَا هُنَاكَ عَلَى خِطَابٍ لَا يَشْمَلُهُ نَحْوِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] كَانَ أَوْلَى وَاسْتَشْكَلَهُ تِلْمِيذُهُ الْبِرْمَاوِيُّ بِأَنَّ الْخِطَابَ إذَا لَمْ يَكُنْ شَامِلًا لَهُ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَلِهَذَا سَلَّمَ الشَّارِحُ تُنَافِيَهُمَا وَاعْتُذِرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرَهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَشْهُورُ مَا هُنَاكَ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَالتَّصْحِيحَانِ كَائِنَانِ بِحَسَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَصَدَّقْ إلَخْ) فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يَقْصِدُ التَّصَدُّقَ مِنْ عَبْدِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لَهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّيَابَةَ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَالْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا لِبَيَانِ حُكْمِهَا الشَّرْعِيِّ وَذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ عَقْلًا فَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لَهُمْ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ جِهَةَ الْبَحْثِ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِ مَسْأَلَةٍ تَحْتَ عِلْمَيْنِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْبَحْثِ فَالْفَقِيهُ يَبْحَثُ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ وَالْأُصُولِيُّ مِنْ جِهَةِ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا لِمَانِعٍ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْفَقِيهَ دُونَ الْأُصُولِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ فِي الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ وَلَا يُقَالُ إنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَإِنْ كَانَ عَقْلِيًّا لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَانِعَ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْوُقُوعَ دُونَ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْحَجِّ بِشَرْطِهِ لِأَنَّ هَذَا الِاشْتِرَاطَ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْوُقُوعَ دُونَ مُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ الْعَقْلِيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا يَشْمَلُ الْجَوَازَ وَالْوُقُوعَ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُ الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَوُقُوعِهَا كَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَدَنِيَّةِ فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى جَوَازِهَا وَوُقُوعِهَا وَمَنَعَهُ غَيْرُهُمْ اهـ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ كَنَفْيِ الْمَانِعِ بِالنَّظَرِ لِشِقِّ الْوُقُوعِ. (قَوْلُهُ: مَالِيًّا كَالزَّكَاةِ إلَخْ) التَّصْحِيحُ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ مِنْ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ وَإِلَّا فَدُخُولُ النِّيَابَةِ فِي الْمَالِيِّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فَلَا يَرِدُ اعْتِرَاضُ الْكَمَالِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: الْمَأْمُورَ بِهِ أَعَمُّ فَتَتَنَاوَلُهُ الْمَالِيَّةُ وَلَيْسَتْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي أَمَالِيهِ الطَّاعَاتُ يَعْنِي الْبَدَنِيَّةَ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ إلَّا الْحَجَّ وَالصَّوْمَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا الْإِجْلَالُ وَالْإِثَابَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَكِيلِ تَعْظِيمُ الْمُوَكِّلِ اهـ. وَمَقْصُودُهُ بَيَانُ الْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ وَمَقْصُودُ شَيْخِهِ الْآمِدِيِّ بَيَانُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ فَلَيْسَ كَلَامُهُمَا مَعًا كَكَلَامِ شَيْخِهِ كَمَا فَهِمَهُ أَبُو زُرْعَةَ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ) أَيْ شَرْطِ قَبُولِهِ النِّيَابَةِ أَوْ بِشَرْطِ الِاسْتِنَابَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ أَوْ الْمَوْتُ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَانِعٍ) فَإِذَا انْتَفَى الْمَانِعُ جَازَتْ بِدُونِ ضَرُورَةٍ عِنْدَنَا دُونَ الْمُعْتَزِلَةِ فَنَحْنُ نَشْتَرِطُ لِلْجَوَازِ عَدَمَ الْمَانِعِ وَهُمْ يَشْتَرِطُونَ لَهُ الضَّرُورَةَ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الصَّلَاةِ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمَانِعَ فِيهَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُنَافَاةَ النِّيَابَةِ لِلْمَقْصُودِ مِنْ كَسْرِ النَّفْسِ وَقَهْرِهَا لِأَنَّ هَذَا هُوَ حُجَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْبَدَنِيِّ مُطْلَقًا وَقَدْ رَدَّهَا نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَانِعُ كَوْنَ الْمَقْصُودِ الْكَسْرَ وَالْقَهْرَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ النِّيَابَةِ وَإِنْ حَصَلَ مَعَهَا مُطْلَقُ الْكَسْرِ وَالْقَهْرِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: مِنْ بَذْلِ الْمُؤْنَةِ) إنْ كَانَتْ النِّيَابَةُ

[مسألة الأمر النفسي بشيء معين إيجابا أو ندبا نهي عن ضده الوجودي]

(الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ) إيجَابًا أَوْ نَدْبًا (نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ) تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً وَاحِدًا كَانَ الضِّدُّ كَضِدِّ السُّكُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعِوَضٍ وَقَوْلُهُ أَوْ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ أَيْ إنْ كَانَتْ بِلَا عِوَضٍ [مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ] (قَوْلُهُ: الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ اُسْتُشْكِلَ تَصَوُّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَكَلَامُهُ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ وَهُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلَّقِ وَحِينَئِذٍ فَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالشَّيْءِ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ بَلْ وَعَيْنُ النَّهْيِ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ فَكَيْفَ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلِذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى هَذَا لَا يُمْكِنُ فَرْضُهُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ وَاحِدٌ هُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ فَلَا تَتَطَرَّقُ الْغَيْرِيَّةُ إلَيْهِ فَلْيُفْرَضْ فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِ اهـ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَخْلُوقِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَيْنَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ مَعَ احْتِمَالِ ذُهُولِهِ عَنْ الضِّدِّ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ حُجَّةُ مَنْ قَالَ لَا عَيْنُهُ وَلَا يَتَضَمَّنُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّعَلُّقِ وَالْمَعْنَى هَلْ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هُوَ عَيْنُ تَعَلُّقِهِ بِالْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ إنْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ أَضْدَادِهِ إنْ تَعَدَّدَتْ بِمَعْنَى أَنَّ الطَّلَبَ لَهُ تَعَلُّقٌ وَاحِدٌ بِأَمْرَيْنِ هُمَا فِعْلُ الشَّيْءِ وَالْكَفُّ عَنْ الضِّدِّ فَبِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ هُوَ أَمْرٌ وَبِاعْتِبَارِ الثَّانِي هُوَ نَهْيٌ أَوْ أَنَّ مُتَعَلَّقَ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ الْوَاحِدِ هُوَ الْفِعْلُ وَلَكِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِتَعَلُّقِ الطَّلَبِ بِالْكَفِّ عَنْ الضِّدِّ كَالْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ كَيَمِينٍ وَشِمَالٍ وَفَوْقُ وَتَحْتُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَهُ بِالْآخَرِ اهـ. وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّ التَّعَلُّقَ التَّنْجِيزِيَّ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَبِهِ يَصِحُّ التَّعَدُّدُ فَحَاصِلُ أَصْلِ الْكَلَامِ هَلْ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ نَوْعَيْنِ تَعَلُّقَهُ بِالنَّهْيِ إلَخْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعَلُّقَ فِي الْأَمْرِ مُضَافٌ لِلْفِعْلِ وَفِي النَّهْيِ مُضَافٌ لِلتَّرْكِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ مَفْهُومًا فَكَيْفَ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْآخَرُ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُغَايِرَةِ إذْ مَبْنَاهَا عَلَى اعْتِبَارِ دُخُولِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فِي مَفْهُومِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الطَّلَبِ وَالتَّعَلُّقِ نَظِيرَ مَا حَقَّقَهُ السَّيِّدُ فِي قَوْلِهِمْ الْعَمَى عَدَمُ الْبَصَرِ بِأَنَّ حَقِيقَتَهُ الْعَدَمُ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْبَصَرِ مَعَ خُرُوجِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْبَصَرُ عَنْ الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَغَايُرِ مَفْهُومَيْ الْأَمْرِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ لِاخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ قَطْعًا وَلَا فِي لَفْظَيْهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ بَلْ فِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ إذَا أُمِرَ بِهِ فَهَلْ ذَلِكَ الْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمْرٌ نَفْسِيٌّ هَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ اهـ. . زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: إيجَابًا أَوْ نَدْبًا) أَخَذَهُ مِنْ الْمُقَابِلِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَقِيلَ أَمْرُ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ وَالْوُجُوبَ مُتَلَازِمَانِ كَمَا مَرَّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْإِيجَابِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصُّدُورِ مِنْ الْأَمْرِ لَا فِي التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ) أَيْ يَكُونُ عَيْنَ النَّهْيِ عَنْهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ عَرِيَ عَنْ تَحْصِيلٍ فَإِنَّ الْقَوْلَ الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِافْعَلْ يُغَايِرُ الْقَوْلَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَا تَفْعَلْ وَمَنْ جَحَدَ هَذَا سَقَطَتْ مُكَالَمَتُهُ وَعُدَّ مُبَاهِتًا اهـ. (قَوْلُهُ: الْوُجُودِيُّ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالضِّدِّ مُطْلَقَ الْمُنَافِي وَلَيْسَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ كَمَا قِيلَ قَالَ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالضِّدِّ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ النَّهْيُ أَوْ الْأَمْرُ الضِّمْنِيَّانِ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا ظُنَّ أَوْ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْإِبْصَارُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا وَيَلْزَمُ كَوْنُ النَّهْيِ نَوْعًا مِنْ الْأَمْرِ وَلَا مُطْلَقَ الضِّدِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بَلْ أَضْدَادُهُ

أَيْ التَّحَرُّكِ أَوْ أَكْثَرَ كَضِدِّ الْقِيَامِ أَيْ الْقُعُودِ وَغَيْرِهِ. (وَعَنْ الْقَاضِي) آخِرًا أَنَّهُ (يَتَضَمَّنُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّضَمُّنِ (عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ (وَالْآمِدِيُّ) فَالْأَمْرُ بِالسُّكُونِ مَثَلًا أَيْ طَلَبُهُ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحَرُّكِ أَيْ طَلَبِ الْكَفِّ عَنْهُ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ بِمَعْنَى أَنَّ الطَّلَبَ وَاحِدٌ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى السُّكُونِ أَمْرٌ وَإِلَى التَّحَرُّكِ نَهْيٌ كَمَا يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ قُرْبًا وَإِلَى آخَرَ بُعْدًا. وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا يَتَحَقَّقُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِدُونِ الْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْئِيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ كَأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ نَهْيًا عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَلَامِ الْبَشَرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ أَضْدَادُ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا أَوْ عُرْفًا. (قَوْلُهُ: أَيْ التَّحَرُّكُ) أَيْ الْحَرَكَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْقَاضِي) أَيْ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي وَالنَّاقِلُ لَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي آخِرًا مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ عَيْنَ النَّهْيِ وَلَكِنْ يَقْتَضِيهِ وَيَتَضَمَّنُهُ فَالْمَعْنَى بِالِاقْتِضَاءِ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ قِيَامَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ النَّفْسِيِّ يَقْتَضِي أَنْ يَقُومَ بِالنَّفْسِ مَعَهُ قَوْلٌ هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا يَقْتَضِي قِيَامَ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ قِيَامَ الْحَيَاةِ بِهَا وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ غَيْرُ هَذَا وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ الَّذِي يَأْمُرُ بِالشَّيْءِ قَدْ لَا يَخْطُرُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ إمَّا لِذُهُولٍ أَوْ إضْرَابٍ فَلَمْ يَسْتَقِمْ الْحُكْمُ بِأَنَّ قِيَامَ الْأَمْرِ بِالنَّفْسِ مَشْرُوطٌ بِقِيَامِ النَّهْيِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ طَلَبُهُ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ. (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ) أَيْ الْأَمْرُ بِالسُّكُوتِ نَفْسُهُ أَيْ نَفْسُ النَّهْيِ عَنْ التَّحَرُّكِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّ الطَّلَبَ إلَخْ) أَيْ لَا بِمَعْنَى اتِّحَادِ الصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِمَا أَوْ اتِّحَادِ مَفْهُومِهِمَا. (قَوْله قُرْبًا) أَيْ ذَا قُرْبٍ أَوْ قَرِيبًا وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ إمَّا عَلَى أَنَّهُ الصِّفَةُ وَهُوَ السُّكُونُ فِي حَيِّزِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنُ لَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يُوجَدْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَوَقُّفَ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ الْمُقْتَضِي لِلْغَيْرِيَّةِ لَا عَلَى الْعَيْنِيَّةِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَيْنِيَّةِ بَلْ عَلَى التَّضَمُّنِ بِمَعْنَى الِاسْتِلْزَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَخْ)

كَانَ طَلَبُهُ طَلَبًا لِلْكَفِّ أَوْ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِهِ وَلِكَوْنِ النَّفْسِيِّ هُوَ الطَّلَبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ سَاغَ لِلْمُصَنِّفِ نَقْلُ التَّضَمُّنِ فِيهِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ) هُوَ (لَا عَيْنُهُ وَلَا يَتَضَمَّنُهُ) وَالْمُلَازَمَةُ فِي الدَّلِيلِ مَمْنُوعَةٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْضُرَ الضِّدُّ حَالَ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ مَطْلُوبَ الْكَفِّ بِهِ (وَقِيلَ أَمْرُ الْوُجُوبِ يَتَضَمَّنُ فَقَطْ) أَيْ دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ فَلَا يَتَضَمَّنُ النَّهْيُ عَنْ الضِّدِّ لِأَنَّ الضِّدَّ فِيهِ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ بِخِلَافِ الضِّدِّ فِي أَمْرِ الْوُجُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا تَقْيِيدُ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ الْفَوْرِيِّ الَّذِي قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَتِهِ مِنْهُ لِيَكُونَ التَّلَبُّسُ بِضِدِّهِ مُفَوِّتًا لِلِامْتِثَالِ وَإِمَّا تَقْيِيدُ الضِّدِّ بِالْمُفَوَّتِ مَعَ إطْلَاقِ الْأَمْرِ عَنْ كَوْنِهِ فَوْرِيًّا وَإِلَّا فَلَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ لِجَوَازِ أَنْ يَفْعَلَ الضِّدَّ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِالْمَأْمُورِ. وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَأْمُورُ لَا دَائِمًا وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ فَالضِّدُّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَقَطْ فِي الْأَمْرِ وَبِفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَطْ فِي النَّهْيِ أَوْ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِارْتِكَابِ الضِّدِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَانَ طَلَبُهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْنِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِ النَّفْسِيِّ) أَيْ عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ: هُوَ الطَّلَبُ الْمُسْتَفَادُ) أَيْ وَهُوَ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ إنَّهُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ إنَّهُ الْإِرَادَةُ وَلَا أَمْرَ عِنْدَهُمْ إلَّا اللَّفْظِيَّ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ. (قَوْلُهُ: سَاغَ لِلْمُصَنِّفِ) لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَهُ لِلْإِرَادَةِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ اللَّفْظِيَّانِ وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَتْنِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَكَيْفَ يُحْكَى عَنْهُمَا مَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْآمِدِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ. قَالَ الْكَمَالُ: وَجَوَابُ الشَّارِحِ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي إثْبَاتِ النَّفْسِيِّ نِزَاعٌ فِي التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْأَمْرَ اللَّفْظِيَّ يُقَيَّدُ طَلَبًا وَذَلِكَ لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنَّ ذَلِكَ الطَّلَبَ هُوَ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِ الضِّدِّ لَكِنَّهُمَا لَا يُسَمِّيَانِ ذَلِكَ طَلَبًا نَفْسِيًّا وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ مَعَ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ لِرَدِّ كُلٍّ أَدِلَّةَ الْآخَرِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ تَابِعٌ لِلْخِلَافِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ مُطْلَقِ الطَّلَبِ إلَّا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ إنَّهُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ. وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ إنَّهُ الْإِرَادَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الصِّفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَانِ تَعَلُّقًا هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّارِحِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَطْلَقَ النَّفْسِيَّ وَأَرَادَ اللَّفْظِيَّ فَإِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ أَمَّا اللَّفْظِيُّ فَلَيْسَ إلَخْ (وَقَوْلُهُ وَالْمُلَازَمَةُ فِي الدَّلِيلِ) أَيْ دَلِيلِ الْقَوْلَيْنِ مَمْنُوعَةٌ أَيْ لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِدُونِ الْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ وَبَيْنَ كَوْنِ طَلَبِهِ طَلَبًا لِلْكَفِّ أَوْ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِهِ وَقَوْلُهُ لِجَوَازِ إلَخْ سَنَدٌ لِلْمَنْعِ فَهُوَ نَقْضٌ تَفْصِيلِيٌّ لِوُرُودِهِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ أَيْ يَجُوزُ عَدَمُ حُضُورِ الضِّدِّ بِذِهْنِ الْآمِرِ حَالَةَ الْأَمْرِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ لَهُ بِضِدِّهِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ طَالِبًا لِمَا لَا شُعُورَ لَهُ بِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُضُورِ مَا يَشْمَلُ حُضُورَ الِاعْتِبَارِ بِأَنْ لَا يَتَوَجَّهَ الطَّلَبُ لِلْمُخَاطَبِ. وَقَالَ سم إنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْعًا عَنْ مُلَاحَظَتِهِ وَيَسْتَحِيلُ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ مَطْلُوبًا بِالْقَصْدِ لَا بِالتَّبَعِيَّةِ كَمَا هُنَا فَطَلَبُ الْفِعْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُلَاحَظَتِهِ لِكَوْنِهِ قَصْدِيًّا وَلَا كَذَلِكَ تَرْكُ الضِّدِّ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُلَاحَظَةُ الْمَطْلُوبِ بِالْقَصْدِ. (قَوْلُهُ: مَطْلُوبُ الْكَفِّ بِهِ) أَيْ فِي الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) مَحِلُّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَيْ أَمْرِ الْوُجُوبِ فَقَطْ لَا أَمْرِ النَّدْبِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضِّدَّ فِيهِ) أَيْ فِي النَّدْبِ. (قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُ بِهِ) أَيْ بِالنَّدْبِ وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِهِ بِالْمَرَّةِ

لِاقْتِضَائِهِ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّضَمُّنِ كَالْآمِدِيِّ وَإِنْ شَمِلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْوُجُوبَ دُونَ النَّدْبِ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا أَخْذًا بِالْمُحَقَّقِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنٍ عَنْ الْمُبْهَمِ مِنْ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ الْأَمْرُ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَاصَدَقَهُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ مِنْهَا وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ قَطْعًا وَبِالْوُجُودِيِّ عَنْ الْعَدَمِيِّ أَيْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْهُ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ قَطْعًا وَالتَّضَمُّنُ هُنَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِلْزَامِ لِاسْتِلْزَامِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ. (أَمَّا) الْأَمْرُ (اللَّفْظِيُّ فَلَيْسَ عَيْنَ النَّهْيِ) اللَّفْظِيِّ قَطْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَيَخْرُجُ إلَى الْكَرَاهَةِ وَإِنْ أَرَادَ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ إلَى الْحُرْمَةِ فَهَذَا لَا يُخَلِّصُهُ فَإِنَّ النَّدْبَ اقْتَضَى مَرْجُوحِيَّةَ الضِّدِّ. (قَوْلُهُ: الْعَيْنَ) مَفْعُولُ شَمِلَ أَيْ عَيْنَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: أَخْذًا بِالْمُحَقَّقِ) لِاحْتِمَالِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالتَّضَمُّنِ مَنْ خَصَّ فَيُسَاوِي مَا هُنَا وَأَنَّ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ يَخُصُّ أَمْرَ الْوُجُوبِ بِهَذَا الْخِلَافِ فَيَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالتَّضَمُّنَ فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُحَقَّقِ قَالَهُ النَّاصِرُ قَالَ سم وَبَقِيَ احْتِمَالُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْعَيْنِ مَنْ يَخُصُّ الْوُجُوبَ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا الِاحْتِمَالُ مُطْلَقًا وَغَايَةُ مَا يَدَّعِي بَعْدَهُ لَكِنَّهُ يَمْنَعُ التَّحَقُّقَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّحَقُّقِ الظُّهُورُ ظُهُورًا قَوِيًّا أَوْ يَكُونُ قَدْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ مَا يَمْنَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ كَثُبُوتِ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ وَبَقِيَ بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ تَحَقُّقُ قَوْلِ التَّضَمُّنِ دُونَ الْعَيْنِ لَا يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّضَمُّنِ فَهَلَّا عَبَّرَ بِعِبَارَةٍ تَشْمَلُ الْعَيْنَ أَيْضًا كَابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ بِخِلَافِ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّضَمُّنِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ يَقِينًا عَنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ بَلْ يُوهِمُ تَحَقُّقَ انْتِفَاءِ قَوْلِ الْعَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَخْذًا بِالْمُحَقَّقِ عِنْدَ إيثَارِ طَرِيقِ التَّعْيِينِ اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ الْمُبْهَمِ إلَخْ) أَيْ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فَإِنَّ الْأَمْرَ عَلَى التَّخْيِيرِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ فَلَيْسَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ الْمُبْهَمِ مِنْ أَشْيَاءَ مِنْهَا ضِدَّانِ فَأَكْثَرُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ. (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَى مَاصَدَقَهُ) أَيْ فَرْدِهِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ النَّظَرِ إلَى مَفْهُومِهِ وَهُوَ الْأَحَدُ الدَّائِرُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّ الْأَمْرَ حِينَئِذٍ نَهْيٌ عَنْ الضِّدِّ الَّذِي هُوَ مَا عَدَا تِلْكَ الْأَشْيَاءَ اهـ. سم (قَوْلُهُ: وَبِالْوُجُودِيِّ عَنْ الْعَدَمِيِّ) أَيْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ تَرْكُ ذَلِكَ الشَّيْءِ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ مُسْتَدِلًّا عَلَيْهِ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّرْكِ جُزْءُ مَفْهُومِ الْإِيجَابِ فَالدَّالُّ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّضَمُّنِ وَأَوْرَدَهُ النَّاصِرُ أَنَّ النَّهْيَ لِكَوْنِهِ تَكْلِيفًا لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلٍ اهـ. أَيْ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الشَّارِحِ فَالْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْهُ أَيْ عَنْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ الْمُقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَدَمِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّارِحَ جَرَى عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى بَيَانِ الْمُعْتَمَدِ فِيمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ النَّهْيَ مُقْتَضَاهُ فِعْلٌ وَهُوَ الْكَفُّ أَوْ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالتَّرْكِ لِوُقُوعِهِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ كَالْمُصَنِّفِ وَالْإِسْنَوِيِّ فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِلْزَامِ) أَيْ فَيُقَالُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ بَدَلَ قَوْلِهِمْ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ وَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ لَهُ بِأَنَّ الْكُلَّ يَسْتَلْزِمُ الْجُزْءَ يُوهِمُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الضِّدِّ جُزْءُ مَعْنَى الْأَمْرِ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالِاسْتِلْزَامِ مَجَازٌ وَبِالتَّضَمُّنِ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ النَّهْيَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُ الْقَائِلِ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّضَمُّنِ تَنْزِيلًا لِمَا لَزِمَ الشَّيْءَ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ فِي ضِمْنِهِ تَوَسُّعًا هَذَا مَا قَرَّرَهُ الْحَوَاشِيُّ وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ سم فَحَاوَلَ رَدَّ هَذَا الْكَلَامِ وَتَصْحِيحَ الْجُزْئِيَّةِ بِمَا أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَالْمُنَاقَشَةُ

[مسألة الأمران غير متعاقبين أو بغير متماثلين غيران]

(وَلَا يَتَضَمَّنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَتَضَمَّنُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ اُسْكُنْ مَثَلًا فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَتَحَرَّكْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ السُّكُونُ بِدُونِ الْكَفِّ عَنْ التَّحَرُّكِ (وَأَمَّا النَّهْيُ) النَّفْسِيُّ عَنْ شَيْءٍ تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً (فَقِيلَ) هُوَ (أَمْرٌ بِالضِّدِّ) لَهُ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا قَطْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي النَّهْيِ فِعْلُ الضِّدِّ وَقِيلَ لَا قَطْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ انْتِفَاءُ الْفِعْلِ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ دُونَ الْأَوَّلِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ إنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ) فِي الْأَمْرِ أَيْ إنَّ النَّهْيَ أَمْرٌ بِالضِّدِّ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ أَوْ لَا أَوْ نَهْيُ التَّحْرِيمِ يَتَضَمَّنُهُ دُونَ نَهْيِ الْكَرَاهَةِ وَتَوْجِيهُهَا ظَاهِرٌ لِمَا سَبَقَ وَالضِّدُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا كَضِدِّ التَّحَرُّكِ فَوَاضِحٌ أَوْ أَكْثَرَ كَضِدِّ الْقُعُودِ أَيْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ فَالْكَلَامُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ أَيًّا كَانَ وَالنَّهْيُ اللَّفْظِيُّ يُقَاسُ بِالْأَمْرِ اللَّفْظِيِّ. (مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ) حَالَ كَوْنِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَمْثَالِ ذَلِكَ خُصُوصًا مَعَ التَّطْوِيلِ مِنْ ضِيقِ الْفِطَنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّ تَضَمُّنَ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ اللَّفْظِيَّ غَيْرُ النَّهْيِ اللَّفْظِيِّ وَأَمَّا الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ فَلَيْسَ عَلَى مَعْنَى الِاشْتِمَالِ بَلْ فِي قُوَّةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا وَلِذَا قَالَ فَكَأَنَّهُ وَفِيهِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُقَالُ بِالْكَأَنِّيَّةِ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا قَطْعًا) أَيْ لَيْسَ أَمْرًا بِالضِّدِّ قَطْعًا أَيْ اتِّفَاقًا فَهُمَا طَرِيقَانِ مُتَنَافِيَانِ فِي النَّقْلِ وَمِنْ شَأْنِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الشَّرْحِ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ الِاتِّفَاقِ بِالْقَطْعِ قَالَهُ النَّجَّارِيُّ وَإِنَّمَا جَرَى الْقَطْعُ فِي جَانِبِ النَّهْيِ دُونَ جَانِبِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ لِكَوْنِهِ دَفْعَ مَفْسَدَةٍ بِخِلَافِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ جَانِبُ مَصْلَحَةٍ لَا يُقَالُ الْأَمْرُ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ لِأَنَّا نَقُولُ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ فِي جَانِبِ الْأَمْرِ بِالذَّاتِ الْفِعْلُ دُونَ التَّرْكِ وَأَمَّا النَّهْيُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بِالذَّاتِ التَّرْكُ. (قَوْلُهُ: فَوَاضِحٌ) أَيْ ذَلِكَ الضِّدُّ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ أَمْرًا بِهِ أَوْ عَلَى الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: أَيًّا كَانَ) أَيْ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ فَهُوَ كَافٍ فِي تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ضِدٍّ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ كُلِّهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ إلَّا بِالْكَفِّ عَنْهَا كُلِّهَا. (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ اللَّفْظِيُّ يُقَاسُ إلَخْ) أَيْ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ [مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ] (قَوْلُهُ: حَالَ كَوْنِهِمَا إلَخْ) فَهُوَ حَالٌ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَا حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي غَيْرِ أَنَّ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مُغَيَّرَانِ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلضَّمِيرِ لِكَوْنِهِ صِفَةً مُشَبَّهَةً عَلَى أَنَّ مَنْعَ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُبْتَدَأُ فِي مَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْأَمْرَانِ هُنَا فِي مَعْنَى الْفَاعِلِ إذْ التَّقْدِيرُ تَغَايُرُ الْأَمْرَيْنِ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ ضَعِيفٌ فَلَا يَعْمَلُ الرَّفْعُ فِي الْمُبْتَدَأِ وَالنَّصْبُ فِي الْحَالِ

(غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ) بِأَنْ يَتَرَاخَى وُرُودُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ (أَوْ) مُتَعَاقِبَيْنِ (بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ) بِعِطْفٍ أَوْ دُونَهُ نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا وَأَعْطِهِ دِرْهَمًا (غَيْرَانِ) فَيُعْمَلُ بِهِمَا جَزْمًا (وَالْمُتَعَاقَبَانِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّكْرَارِ) فِي مُتَعَلَّقِهِمَا مِنْ عَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. (وَالثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ) نَحْوُ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ (قِيلَ مَعْمُولٌ بِهِمَا) نَظَرًا لِلْأَصْلِ أَيْ التَّأْسِيسِ (وَقِيلَ) الثَّانِي (تَأْكِيدٌ) نَظَرًا لِلظَّاهِرِ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) عَنْ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ لِاحْتِمَالِهِمَا. (وَفِي الْمَعْطُوفِ التَّأْسِيسُ أَرْجَحُ) لِظُهُورِ الْعَطْفِ فِيهِ (وَقِيلَ التَّأْكِيدُ) أَرْجَحُ لِتَمَاثُلِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ (فَإِنْ رَجَحَ التَّأْكِيدُ) عَلَى التَّأْسِيسِ (بِعَادِيٍّ) وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعَطْفِ نَحْوُ اسْقِنِي مَاءً اسْقِنِي مَاءً وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّ الْعَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ بِمُتَمَاثِلَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرَانِ وَأَوْ مُتَخَالِفَيْنِ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَأَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ عَطْفٌ عَلَى غَيْرِ مُتَعَاقِبَيْنِ وَقَوْلُهُ بِعَطْفٍ مُتَعَلِّقٍ بِمُتَعَاقِبَيْنِ وَقَوْلُهُ غَيْرَان خَبَرُ الْأَمْرَانِ. وَقَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ صُورَةً لِأَنَّ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِمُتَخَالِفَيْنِ أَوْ بِمُتَمَاثِلَيْنِ وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُمَا إمَّا مُتَعَاقِبَانِ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا بِعَطْفٍ أَوْ لَا وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي ثَمَانِيَةٌ لِأَنَّهُمَا إمَّا مُتَعَاقِبَانِ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا بِعَطْفٍ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ التَّكْرَارِ أَيْ التَّعَدُّدِ مَانِعٌ أَوْ لَا وَلَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُتَخَالِفَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا مُتَغَايِرِينَ فَقَوْلُهُ وَالْأَمْرَانِ إلَى قَوْلِهِ غَيْرَانِ يَشْمَلُ سِتَّ صُوَرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعَطْفٍ أَوْ لَا رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ وَالْمُتَعَاقَبَانِ إلَخْ أَرْبَعَ صُوَرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُتَعَاقَبَانِ إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ صُورَةً. وَقَوْلُهُ وَفِي الْمَعْطُوفِ إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ: التَّأْكِيدُ صُورَةً وَقَوْلُهُ فَإِنْ رَجَحَ التَّأْكِيدُ بِعَادِيٍّ قُدِّمَ وَإِلَّا فَالْوَقْفُ صُورَتَانِ وَبَقِيَ صُورَتَانِ لَمْ يَشْمَلْهُمَا كَلَامُهُ وَهُمَا إذَا مَنَعَ مِنْ التَّكْرَارِ مَانِعٌ وَالْأَمْرَانِ غَيْرُ مُتَعَاقِبَيْنِ وَحُكْمُهُمَا كَحُكْمِ الْمُتَعَاقِبَيْنِ فَيُقَالُ إنْ كَانَ الْمَانِعُ عَادِيًّا تَرَجَّحَ بِهِ التَّأْكِيدُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَطْفِ وَيَتَوَقَّفُ عِنْدَ الْعَطْفِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَحْوَ اضْرِبْ زَيْدًا وَأَعْطِهِ دِرْهَمًا) وَمِثَالُ مَا لَا عَطْفَ فِيهِ اضْرِبْ زَيْدًا أَعْطِهِ دِرْهَمًا. (قَوْلُهُ: وَلَا مَانِعَ إلَخْ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ التَّعَدُّدُ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهَا) مِنْ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَأَمَّا التَّعْرِيفُ فَمِنْ الْعَادَةِ كَمَا لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ وَيَأْتِي لِلشَّارِحِ الْمُرُورُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُرِدْ بِالْغَيْرِ هُنَا التَّعْرِيفُ حَتَّى يَكُونَ مُقَابِلًا لَهَا كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ كَمَا فَهِمَ الْكَمَالُ فَاعْتَرَضَ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّهُ خَلَطَ الطَّرِيقَتَيْنِ بِالْمُرُورِ أَوَّلًا عَلَى مَا لِلرَّازِيِّ وَثَانِيًا عَلَى مَا لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ مَعْمُولٌ بِهِمَا) أَيْ وَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ بِهِمَا أَرْبَعًا وَعَلَى الثَّانِي رَكْعَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلظَّاهِرِ) فَإِنَّ الظَّاهِرَ مَعَ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ التَّعَاقُبِ التَّأْكِيدُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) فَيُفِيدُ طَلَبَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمِثَالِ وَيَتَوَقَّفُ عَنْ الْآخَرَيْنِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. وَقَدْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا لَكِنْ لَا تَرْجِيحَ فِي مِثْلِهِ مِنْ النَّظَرِيَّاتِ إلَّا بِوَجْهٍ نَظَرِيٍّ لَا بِالنَّقْلِ عَنْ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ الْعَطْفِ فِيهِ) أَيْ فِي التَّأْسِيسِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْعَطْفِ بِالْحَرْفِ غَيْرِ الْمُرَتَّبِ وَإِلَّا فَهُمَا غَيْرَانِ يُعْمَلُ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ التَّأْكِيدُ أَرْجَحُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ هُنَا نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لِلتَّأْسِيسِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ. (قَوْلُهُ: لِتَمَاثُلِ الْمُتَعَلَّقَيْنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْأَصْلِ فِي الْعَطْفِ مِنْ الْمُغَايِرَةِ وَالتَّأْسِيسِ (قَوْلُهُ: بِعَادِيٍّ) أَيْ بِأَمْرٍ يَمْنَعُ عَادَةً مِنْ التَّكْرَارِ مِثْلَ التَّعْرِيفِ وَانْدِفَاعُ الْحَاجَةِ بِمَرَّةٍ كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ فَبَحْثُ الْعَادَةِ قِسْمَانِ الْعَادَةُ بِحَسَبِ

[النهي]

بِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِمَرَّةٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِالتَّعْرِيفِ فِي الثَّانِي تَرَجَّحَ التَّأْكِيدُ (قُدِّمَ) لِتَأْكِيدِ رُجْحَانِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَجَّحْ التَّأْكِيدُ بِالْعَادِيِّ وَذَلِكَ فِي الْعَطْفِ لِمُعَارَضَتِهِ لِلْعَادِيِّ بِنَاءً عَلَى أَرْجَحِيَّةِ التَّأْسِيسِ حَيْثُ لَا عَادِيَّ (فَالْوَقْفُ) عَنْ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ لِاحْتِمَالِهِمَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْ التَّكْرَارِ وَالنَّقْلِ نَحْوُ اُقْتُلْ زَيْدًا اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ الشَّرْعِ نَحْوُ اعْتِقْ عَبْدَك فَالثَّانِي تَأْكِيدٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ بِعَطْفٍ. (النَّهْيُ) النَّفْسِيُّ (اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ لَا يَقُولُ كُفَّ) وَنَحْوُهُ كَذَرْ وَدَعْ فَإِنَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ أَمْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَنَاوَلَ الِاقْتِضَاءُ الْجَازِمَ وَغَيْرَهُ وَيُحَدُّ أَيْضًا بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِكَفٍّ إلَخْ كَمَا يُحَدُّ اللَّفْظِيُّ بِالْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي مُسَمَّى النَّهْيِ مُطْلَقًا عُلُوٌّ وَلَا اسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّيِّ كَمَا فِي اسْقِنِي مَاءً فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِحُصُولِ الرِّيِّ فِي أَوَّلِ شَرْبَةٍ وَالْعَادَةُ بِحَسَبِ اللِّسَانِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ غَيْرًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مَانِعٌ عَادِيٌّ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِالْأَمْرِ الثَّانِي شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الْمَطْلُوبِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ مَطْلُوبًا بِهِ التَّكْرَارُ قُدِّمَ التَّأْكِيدُ فَقَوْلُهُ فَإِنْ رَجَحَ إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّكْرَارِ. (قَوْلُهُ: بِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ) وَهِيَ الْعَطَشُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَادَةِ بِمَعْنَى الِاعْتِيَادِ أَوْ بِمَحْذُوفٍ أَيْ الْجَارِيَةُ وَقَوْلُهُ تَرَجَّحَ خَبَرُ إنَّ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ وُجِدَ مَانِعٌ مِنْ التَّكْرَارِ عَادِيٌّ قُدِّمَ التَّأْكِيدُ لَكَانَ أَظْهَرَ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْمَانِعَ بِالْعَادِيِّ مَعَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ كَذَلِكَ مَعَ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ لِأَنَّ فِي التَّقْدِيمِ مَعَ الْمَانِعِ الْعَادِيِّ خِلَافًا وَأَمَّا فِي الْمَانِعِ الْقِيَاسِيِّ وَالشَّرْعِيِّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُرَجَّحْ التَّأْكِيدُ بِالْعَادِيِّ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْعَادِيُّ مَوْجُودًا فَمَحَطُّ النَّفْيِ التَّرْجِيحُ ثُمَّ إنَّ عَدَمَ رُجْحَانِهِ صَادِقٌ بِمُسَاوَاتِهِ لِلتَّأْسِيسِ وَبِأَنْ يَكُونَ التَّأْسِيسُ أَقْوَى مِنْهُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا لِأَجْلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِمُعَارَضَتِهِ لِلْعَادِيِّ. (قَوْلُهُ: لِمُعَارَضَتِهِ) أَيْ الْعَطْفُ لِلْعَادِيِّ فَإِنَّ وُرُودَ التَّأْكِيدِ بِوَاوِ الْعَطْفِ لَمْ يُعْهَدْ أَوْ هُوَ قَلِيلٌ جِدًّا. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَرْجَحِيَّةِ إلَخْ) أَمَّا عَلَى أَرْجَحِيَّةِ التَّأْكِيدِ فَالْعَادِيُّ مُؤَكِّدٌ لَهُ فَلَا يُعَارِضُهُ الْعَطْفُ إذْ لَا يَقْوَى قُوَّتَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَنَعَ مِنْ التَّكْرَارِ الْعَقْلُ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ رَجَحَ التَّأْكِيدُ لِيُتَمِّمَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّكْرَارِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا مَانِعَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: نَحْوَ اُقْتُلْ زَيْدًا) فَإِنَّ إزْهَاقَ الرُّوحِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِزْهَاقُهُ ثَانِيًا تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ. (قَوْلُهُ: اعْتِقْ عَبْدَك إلَخْ) فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْعِتْقِ ثَانِيًا هُوَ الشَّرْعُ وَأَوْرَدَ أَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ فَالْمَانِعُ مِنْ التَّكْرَارِ الْعَقْلُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُحَارِبَ وَيُسْتَرَقَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَكَرُّرُ الْعِتْقُ وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَأَيْضًا اُقْتُلْ زَيْدًا يُمْكِنُ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ الْعَقْلُ قَتْلَهُ ثَانِيًا فَالْأَوْلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّكْرَارُ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَالْعَقْلُ لَوْ خُلِّيَ وَنَفْسَهُ فِي اعْتِقْ عَبْدَك اعْتِقْ عَبْدَك لَا يَمْنَعُهُ بِخِلَافِ الشَّرْعِ [النَّهْيُ] (قَوْلُهُ: لَا يَقُولُ كَفٌّ) مُتَعَلِّقٌ بِاقْتِضَاءٍ وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالِاعْتِقَادَ وَنَحْوَهُمَا وَأَوْرَدَ عَدَمَ شُمُولِ التَّعْرِيفِ قَوْلُنَا لَا تُكَفَّ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لِطَلَبِ كَفٍّ عَنْ كَفٍّ لَا كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْكَفَّ فَدَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَلَكِنَّ مُقَابَلَةَ الْفِعْلِ بِالْكَفِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَشْمَلُ الْكَفَّ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْأَوْضَحَ أَنْ يَقُولَ فِي التَّعْرِيفِ لَا بِغَيْرِ نَحْوِ كُفَّ إلَّا أَنَّ زِيَادَتَهَا لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً لِوُضُوحِ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ كُفَّ بَلْ مِثْلُهَا مَا يُشَارِكُهَا فِيمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) مُقَدِّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَالتَّقْدِيرُ وَيُحَدُّ أَيْضًا بِالْقَوْلِ أَيْ النَّفْسِيِّ كَمَا يُحَدُّ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُحَدُّ إلَخْ) وَجْهُ الشَّبَهِ تَصْدِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ عَلَى الِاقْتِضَاءِ وَالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا)

(وَقَضِيَّةُ الدَّوَامِ) عَلَى الْكَفِّ (مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَرَّةِ) فَإِنْ قُيِّدَ بِهَا نَحْوُ لَا تُسَافِرْ الْيَوْمَ إذْ السَّفَرُ فِيهِ مَرَّةٌ مِنْ السَّفَرِ كَانَتْ قَضِيَّتُهُ (وَقِيلَ) قَضِيَّةُ الدَّوَامِ (مُطْلَقًا) وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَرَّةِ يَصْرِفُهُ عَنْ قَضِيَّتِهِ (وَتَرِدُ صِيغَتُهُ) أَيْ لَا تَفْعَلْ (لِلتَّحْرِيمِ) نَحْوُ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] (وَالْكَرَاهَةِ) {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (وَالْإِرْشَادِ) {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] (وَالدُّعَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ نَفْسِيًّا كَانَ أَوْ لَفْظِيًّا (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ مَعْنَاهُ أَوْ مَدْلُولُهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يُقَالُ إلَّا فِي اللَّفْظِيِّ وَالْكَلَامُ فِي النَّفْسِيِّ وَأَيْضًا الدَّوَامُ لَازِمٌ لَهُ لِلُزُومِهِ لِلِامْتِثَالِ وَإِنَّمَا كَانَ قَضِيَّتُهُ الدَّوَامَ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِامْتِنَاعَ عَنْ إدْخَالِ مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ فَوَجَبَ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ دَائِمًا إذْ لَوْ أَتَى بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّةً لَزِمَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْفَوْرُ وَلِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَرَّةِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِغَيْرِ الدَّوَامِ لِيَشْمَلَ الْمَرَّتَيْنِ وَالْأَكْثَرَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْمَرَّةِ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ. (قَوْلُهُ: نَحْوِ لَا تُسَافِرْ) أَيْ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَإِلَّا فَلَا يَقْتَضِي الْمَرَّةَ. (قَوْلُهُ: كَانَتْ قَضِيَّتَهُ) اسْمُ كَانَ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ لِلْمَرَّةِ وَقَضِيَّتَهُ نُصِبَ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ إنْ قَيَّدَ أَيْ كَانَتْ الْمَرَّةُ لَازِمَةً لَهُ نَظَرَ اللُّزُومِ الْعُرْفِيِّ وَلَا يَكُونُ الدَّوَامُ مُفَادَهُ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: يَصْرِفُهُ عَنْ قَضِيَّتِهِ) وَهُوَ الدَّوَامُ فَهُوَ مَجَازٌ لِلْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ. قَوْلُهُ {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] أَيْ الرَّدِيءَ فَيُكْرَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ إذَا قُصِدَ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ غَيْرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ الْخَبِيثُ بِمَعْنَى الْحَرَامِ كَمَا فِي آيَةِ {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَإِلَّا كَانَتْ الصِّيغَةُ لِلتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ: وَالْإِرْشَادُ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْمَطْلُوبَ دَرْؤُهَا فِيهِ دُنْيَوِيَّةٌ وَفِي الْكَرَاهَةِ دِينِيَّةٌ وَالْحَقُّ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ الصِّيغَةَ هُنَا لِلتَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَسُؤْكُمْ فِي دِينِكُمْ. (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ إلَخْ) الْغَرَضُ تَعْدِيدُ مَا يَأْتِي لَهُ النَّهْيُ مِنْ الْمَعَانِي الْمُسَمَّى بَعْضُهُ بِالدُّعَاءِ فِي بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ فَلَا

{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] (وَبَيَانِ الْعَاقِبَةِ) {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] أَيْ عَاقِبَةُ الْجِهَادِ الْحَيَاةُ لَا الْمَوْتُ (وَالتَّقْلِيلِ وَالِاحْتِقَارِ) {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه: 131] أَيْ فَهُوَ قَلِيلٌ حَقِيرٌ بِخِلَافِ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاحْتِقَارِ جَعَلَهُ الْمَقْصُودَ فِي الْآيَةِ وَكِتَابَةُ الْمُصَنِّفِ التَّقْلِيلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبُرْهَانِ بِالْعَيْنِ سَبْقُ قَلَمٍ (وَالْيَأْسِ) {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم: 7] (وَفِي الْإِرَادَةِ وَالتَّحْرِيمِ مَا) تَقَدَّمَ (فِي الْأَمْرِ) مِنْ الْخِلَافِ فَقِيلَ لَا تَدُلُّ الصِّيغَةُ عَلَى الطَّلَبِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الدَّلَالَةُ بِهَا عَلَيْهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَقِيلَ فِي الْكَرَاهَةِ وَقِيلَ فِيهِمَا وَقِيلَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا نَعْرِفُهُ. (وَقَدْ يَكُونُ) النَّهْيُ (عَنْ وَاحِدٍ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَ) عَنْ (مُتَعَدِّدٍ جَمْعًا كَالْحَرَامِ الْمُخَيَّرِ) نَحْوُ لَا تَفْعَلْ هَذَا أَوْ ذَاكَ فَعَلَيْهِ تَرْكُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا بِفِعْلِهِمَا فَالْمُحَرَّمُ جَمْعُهُمَا لَا فِعْلُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ (وَفُرِّقَا كَالنَّعْلَيْنِ تُلْبَسَانِ أَوْ تُنْزَعَانِ وَلَا يُفْرَقُ) بَيْنَهُمَا بِلُبْسِ أَوْ نَزْعِ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» فَيَصْدُقُ أَنَّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ إنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عُلُوٌّ وَلَا اسْتِعْلَاءٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَاقِبَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاتِ الصِّيغَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا اقْتَرَنَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَالتَّقْلِيلِ وَالِاحْتِقَارِ) الْأَوَّلُ يَرْجِعُ لِلْكَمِّ وَالثَّانِي لِلْكَيْفِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاحْتِقَارِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا سَلَكَهُ أَنَّهُ جَعَلَ التَّقْلِيلَ وَالِاحْتِقَارَ شَيْئًا وَاحِدًا بِنَاءً عَلَى تَلَازُمِهِمَا غَالِبًا لَكِنَّ شَيْخَهُ الْبِرْمَاوِيَّ غَايَرَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ التَّقْلِيلَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَثَّلَ لَهُ بِالْآيَةِ وَجَعَلَ الِاحْتِقَارَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَنْهِيِّ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة: 66] احْتِقَارًا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ يَجْعَلُهُمَا وَاحِدًا وَيُمَثِّلُ لَهُمَا بِالْآيَةِ كالأردبيلي وَشَيْخِنَا الْبَدْرِ الزَّرْكَشِيّ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالشَّارِحُ مَثَّلَ بِ {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم: 7] لِلْيَأْسِ فَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة: 66] أَوْ يُقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ لِكُلٍّ مَا يُنَاسِبُهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا بِالذَّاتِ مَعَ أَنَّ الْبِرْمَاوِيَّ تَرَكَ الْيَأْسَ مِنْ أَلْفِيَّتِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي شَرْحِهَا وَمَثَّلَ لَهُ بِلَا تَعْتَذِرُوا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ رَاجِعٌ لِلِاحْتِقَارِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبُرْهَانِ) جَزَمَ بِذَلِكَ لِمُسْتَنَدٍ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ نُقِلَ عَنْ غَيْرِ الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: سَبْقُ قَلَمٍ) لِأَنَّ الَّذِي فِي الْبُرْهَانِ التَّقْلِيلُ بِالْقَافِ فَرَسَمَهُ هُوَ بِالْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْيَأْسِ) أَيْ إيقَاعُ الْيَأْسِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْإِيَاسِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِرَادَةِ وَالتَّحْرِيمِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا تَقَدَّمَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَيْ وَفِي اشْتِرَاطِ الْإِرَادَةِ بِلَفْظِ النَّهْيِ وَدَلَالَةُ النَّهْيِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَأَشَارَ بِالْأَوَّلِ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ وَاعْتَبَرَ أَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ إرَادَةَ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ عَلَى الطَّلَبِ وَإِلَى الثَّانِي إلَى مَا ذَكَرَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ) أَيْ لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا كَمَا مَرَّ فِي الْأَمْرِ وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ فَهِيَ حَقِيقَةُ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ لُغَةً وَفِي التَّوَعُّدِ عَلَى الْفِعْلِ شَرْعًا ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ فِي الْأَمْرِ إذْ مِنْهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: جَمْعًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ أَيْ عَنْ جَمْعٍ مُتَعَدِّدٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَفُرِّقَا أَيْ وَقَدْ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ تَفْرِيقِ الْمُتَعَدِّدِ. (قَوْلُهُ: كَالْحَرَامِ الْمُخَيَّرِ) أَيْ الْمُخَيَّرِ فِي أَفْرَادِهِ فَيَخْرُجُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِفِعْلِهِمَا) إلَّا أَنْ تَقُومَ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ نَحْوِ {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] (قَوْلُهُ: تُلْبَسَانِ إلَخْ) اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْجَائِزِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُفْرَقُ بِالتَّخْفِيفِ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَجْسَامِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَيْثُ اللُّبْسُ وَعَدَمُهُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ لُبْسُ أَحَدِهِمَا أَوْ نَزْعُهُ. قَوْلُهُ «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» فِيهِ اكْتِفَاءٌ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَنْزِعُ نَعْلًا حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ مُتَعَدِّدٍ إذْ النَّعْلُ الْوَاحِدَةُ لَا تَعَدُّدَ فِيهَا وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ صَارَ مُتَعَدِّدًا مَعْنًى وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ التَّفْرِيقِ (قَوْلُهُ: لِيُنْعِلْهُمَا إلَخْ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ

مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا لُبْسًا أَوْ نَزْعًا مِنْ جِهَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ لَا الْجَمْعِ فِيهِ (وَجَمِيعًا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَصْدُقُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ مُتَعَدِّدٍ وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ النَّظَرُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ. (وَمُطْلَقُ نَهْيِ التَّحْرِيمِ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ (وَكَذَا التَّنْزِيهُ فِي الْأَظْهَرِ لِلْفَسَادِ) أَيْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذَا وَقَعَ (شَرْعًا) إذْ لَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الشَّرْعِ (وَقِيلَ لُغَةً) لِفَهْمِ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ (وَقِيلَ مَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا يَقْتَضِي فَسَادَهُ (فِيمَا عَدَا الْمُعَامَلَاتِ) مِنْ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ ثَمَرَةٌ كَصَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَكَذَا التَّنْزِيهُ فِي الصَّحِيحِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا فِي جُمْلَةِ الشُّمُولِ بِالْأَظْهَرِ وَكَالْوَطْءِ زِنًا فَلَا يُثْبِتُ النَّسَبَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رَجَعَ النَّهْيُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَحَّ قَوْلُهُ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ: لَا الْجَمْعِ فِيهِ) عَطْفٌ عَلَى الْفَرْقِ وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ لِلُّبْسِ وَالنَّزْعِ. (قَوْلُهُ: وَجَمِيعًا) أَيْ وَقَدْ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ مُتَعَدِّدِ جَمِيعًا سَوَاءٌ نَظَرَ لِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ أَوْ لَهُ مَعَ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: فَيَصْدُقُ بِالنَّظَرِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةَ مَنْهِيٌّ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ فَأَيْنَ النَّهْيُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّهْيَ لَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ نُظِرَ إلَيْهِمَا صَدَقَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ مُتَعَدِّدٍ وَإِنْ نُظِرَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ صَدَقَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَمُطْلَقُ نَهْيِ التَّحْرِيمِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادٍ أَوْ صِحَّةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: الْمُسْتَفَادِ) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِنَهْيِ التَّحْرِيمِ وَبِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمُطْلَقٍ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا التَّنْزِيهُ) أَيْ وَكَذَا مُطْلَقُ نَهْيِ التَّنْزِيهِ وَالتَّنْزِيهُ يُسْتَفَادُ مِنْ صِيغَةِ لَا تَفْعَلْ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ لَهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَوَجْهُ اقْتِضَائِهِ الْفَسَادَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَطْلُوبُ التَّرْكِ وَالْمَأْمُورَ بِهِ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ شَرْعًا فَيَتَنَافَيَانِ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ) فَسَّرَ الْفَسَادَ بِلَازِمِ تَفْسِيرِهِ السَّابِقِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ وُقُوعًا الشَّرْعَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسَادِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لِفَهْمِ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَلِكَ) الْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ يَمْنَعُهُ بِأَنَّ مَعْنَى صِيغَةِ النَّهْيِ لُغَةً إنَّمَا هُوَ الزَّجْرُ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا سَلْبُ أَحْكَامِهِ وَآثَارِهِ اهـ. زَكَرِيَّا لَا يُقَالُ إنَّ اللُّغَةَ لَيْسَ لَهَا بَحْثٌ فِي النَّهْيِ النَّفْسِيِّ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَمَّا كَانَ مَدْلُولُ اللَّفْظِيِّ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدًا وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْنًى) أَيْ عَقْلًا يَعْنِي بِحَسَبِ الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَيُحْكَمُ بِوَاسِطَتِهِ فَرَجَعَ إلَى أَنَّ الْفَسَادَ بِالْعَقْلِ. (قَوْلُهُ: إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا يَقْتَضِي إلَخْ) أَيْ وَإِذَا وُجِدَ مُقْتَضَى الْفَسَادِ لَزِمَ ثُبُوتُ الْفَسَادِ وَهُوَ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا) كَالْإِيقَاعَاتِ مِنْ وَقْفٍ وَهِبَةٍ وَالْوَطْءِ زِنًا. (قَوْلُهُ: مِمَّا لَهُ ثَمَرَةٌ) بَيَانُ الْغَيْرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَك أَنْ تَقُولَ مَا فَائِدَتُهُ إذْ كُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ لَهُ ثَمَرَةٌ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَرَةِ شَيْءٌ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيَمْتَنِعُ حُصُولُهُ مِنْهُ كَالْوَطْءِ حَيْثُ يُقْصَدُ بِهِ حُصُولُ النَّسَبِ فَيَنْتَفِي حُصُولُ ذَلِكَ مِنْ الْوَطْءِ زِنًا وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ وَنَحْوِ الْقَتْلِ فَمِثْلُ هَذِهِ لَا ثَمَرَةَ لَهَا إذْ لَمْ يُقْصَدْ مَعَهَا مَعْنًى يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: النَّفَلُ الْمُطْلَقُ) أَيْ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ بِسَبَبٍ. (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا التَّنْزِيهِ) كَذَا حَالٌ وَالتَّنْزِيهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى التَّحْرِيمِ أَيْ وَالتَّنْزِيهُ لِلْفَسَادِ حَالَةَ كَوْنِهِ كَذَا فِي الْأَظْهَرِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْحَالِ عَلَى صَاحِبِهَا فَالْأَوْلَى الرَّفْعُ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا أَيْ وَكَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ حَاقِبًا أَوْ حَاقِنًا أَوْ حَافِرًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ هُوَ شَامِلٌ لَهُ مُطْلَقُ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفَسَادِ وَعَدَمِهِ فَمُطْلَقُ نَهْيِ التَّنْزِيهِ يَشْمَلُ أَفْرَادًا كَثِيرَةً مِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذَكَرَ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِيهَا لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ. (قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ) مُرَادُهُ بِهِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ لَا أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِنَّ مُعْتَمَدَ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ فِيهَا. (قَوْلُهُ: الشُّمُولِ) أَيْ شُمُولِ مُطْلَقِ نَهْيِ التَّنْزِيهِ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ. (قَوْلُهُ: وَكَالْوَطْءِ زِنًا) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَا عَدَا الْمُعَامَلَاتِ. (قَوْلُهُ: أَيْ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا فُسِّرَ الْإِطْلَاقُ بِهَذَا كَانَ لَا فَرْقَ

فِيمَا ذُكِرَ إلَى نَفْسِهِ كَصَلَاةِ الْحَائِضِ وَصَوْمِهَا أَوْ لَازِمِهِ كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِفَسَادِ الْأَوْقَاتِ اللَّازِمَةِ لَهَا بِفِعْلِهَا فِيهَا. (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْمُعَامَلَاتِ (إنْ رَجَعَ) النَّهْيُ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ فِيهَا كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ أَيْ مَا فِي الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ الْمَبِيعِ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ الْمَبِيعِ (قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْ اُحْتُمِلَ رُجُوعَهُ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ) فِيهَا تَغْلِيبًا لَهُ عَلَى الْخَارِجِ (أَوْ) رَجَعَ إلَى أَمْرٍ (لَازِمٍ) كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ اللَّازِمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِهَا وَسَاوَى الْإِطْلَاقُ التَّفْصِيلَ الْآتِي فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالدَّاخِلِ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي نَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ جُزْءًا مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلْمُغَايِرَةِ بَيْنَهُمَا. وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَصَلَ الْمُعَامَلَاتِ لِمُخَالَفَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْآتِيَةِ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْإِفْرَازَ وَأَيْضًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَكَى الْكَلَامَ مُطْلَقًا وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَكَتُوا عَمَّا شَكَّ فِيهِ أَدَاخِلٌ أَوْ خَارِجٌ وَلَمْ يَقْصِرْ الْكَلَامَ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ فَفَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ ثُمَّ إنَّ مَعْنَى رُجُوعِ الشَّيْءِ إلَى كَذَا إفَادَةُ الْعِلِّيَّةِ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِلَّةٌ انْتَهَى. فَإِذَا قُلْنَا رَجَعَ النَّهْيُ إلَى النَّفْسِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّفْسَ عِلَّةُ النَّهْيِ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْجُزْءَ وَبِاللَّازِمِ اللَّازِمُ الْمُسَاوِي وَأَمَّا اللَّازِمُ الْأَعَمُّ فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مَا عَدَا الْمُعَامَلَاتِ وَفِيهَا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْحَائِضِ) أَيْ إنَّ ذَاتَ هَذِهِ الصَّلَاةِ اقْتَضَتْ الْحُرْمَةَ فَالنَّهْيُ عَنْهَا لِنَقْصِهَا أَيْ أَوْ جُزْأَيْهَا كَصَلَاةٍ بِدُونِ رُكُوعٍ (قَوْلُهُ: أَمْ لَازِمِهِ) أَيْ الْمُسَاوِي فَإِنَّ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِعْرَاضِ وَالْإِعْرَاضُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ مَعْنَاهُ أَنْ يَقْهَرَ نَفْسَهُ وَيُمْسِكَهَا بِسَبَبِ الصَّوْمِ فَلَا يُوجَدُ الْإِعْرَاضُ مَعَ الْإِمْسَاكِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ إعْرَاضٌ مَخْصُوصٌ. (قَوْلُهُ: وَكَالصَّلَاةِ) عَطْفٌ عَلَى كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَوْلُهُ لِفَسَادِ الْأَوْقَاتِ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْهَا أَيْ لِفَسَادِ الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَقَوْلُهُ: اللَّازِمَةِ نَعْتُ الْأَوْقَاتِ وَقَوْلُهُ لَهَا أَيْ لِلصَّلَاةِ فَكُلَّمَا وُجِدَتْ الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وُجِدَتْ الْأَوْقَاتُ وَكُلَّمَا وُجِدَتْ الْأَوْقَاتُ الْمَكْرُوهَةُ وُجِدَتْ الصَّلَاةُ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةَ لَا يُقَالُ لَهَا مَكْرُوهَةٌ بِالصَّلَاةِ فِيهَا لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْوَقْتِ مَكْرُوهًا أَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ فِيهِ فَإِسْنَادُ الْكَرَاهَةِ إلَى الْوَقْتِ مَجَازِيٌّ (قَوْلُهُ: دَاخِلٌ فِيهَا) أَيْ جُزْءٌ مِنْهَا أَوْ عَيْنُهَا فَفِي التَّعْبِيرِ بِالدُّخُولِ مُسَامَحَةٌ أَوْ فِيهِ تَغْلِيبُ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فَمِثَالُ الثَّانِي بَيْعُ الْحَصَاةِ وَهُوَ جَعْلُ الْإِصَابَةِ بِهَا بَيْعًا قَائِمًا مَقَامَ الصِّيغَةِ وَمِثَالُ الْأَوَّلِ بَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَأَمَّا اللَّازِمُ فَسَيَأْتِي مِثَالُهُ. (قَوْلُهُ: لِانْعِدَامِ الْمَبِيعِ) أَيْ عَدَمِ تَيَقُّنِ وُجُودِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْجُودٌ احْتِمَالًا وَفِيهِ أَنَّ الِانْعِدَامَ لَيْسَ دَاخِلًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِرُجُوعِ النَّهْيِ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى مُتَعَلِّقٍ بِهِ وَهَاهُنَا قَدْ رَجَعَ النَّهْيُ إلَى شَيْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَبِيعِ وَهُوَ انْعِدَامُهُ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَ فِي الدَّاخِلِ حَقِيقَةٌ وَأَمَّا الدَّاخِلُ احْتِمَالًا فَقَدْ أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (قَوْلُهُ: أَوْ اُحْتُمِلَ رُجُوعُهُ) عَطْفٌ عَلَى رَجَعَ وَقَوْلُهُ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ تُنَازِعُهُ رَجَعَ وَرُجُوعُهُ (قَوْلُهُ: تَغْلِيبًا لَهُ عَلَى الْخَارِجِ) أَيْ عَلَى احْتِمَالِ الْخَارِجِ احْتِيَاطًا وَلِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ لَفْظِ النَّهْيِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَمَثَّلُوا ذَلِكَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ دَاخِلٍ إنْ كَانَ الرُّكْنُ هُوَ الْمَبِيعَ الْمَقْبُوضَ فَإِذَا انْعَدَمَ صَارَ النَّهْيُ لِأَمْرٍ دَاخِلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ إنْ كَانَ الرُّكْنُ ذَاتَ الْمَبِيعِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ رَجَعَ إلَى أَمْرٍ لَازِمٍ إلَخْ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ قَبْلَ كَلَامِهِ أَيْ إنْ رَجَعَ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ فِيهَا أَوْ لَازِمٍ لَهَا وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الْإِطْلَاقَ فِيمَا تَقَدَّمَ لَا مَعْنَى لَهُ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الدِّرْهَمَانِ فَالزَّائِدُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ فَهُوَ لِأَمْرٍ دَاخِلٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدِّرْهَمَيْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِمَا صَالِحَانِ لِلْعَقْدِ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا جَاءَ الْفَسَادُ مِنْ حَيْثُ زِيَادَتُهُمَا عَلَى مُقَابِلِهِمَا الَّذِي هُوَ الدِّرْهَمُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا يُقَالُ إنَّ النَّهْيَ لِلزِّيَادَةِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَهُوَ مَعْنًى خَارِجٌ عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ

بِالشَّرْطِ (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ النَّهْيَ لِلْفَسَادِ فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا فِي الْعِبَادَةِ فَلِمُنَافَاةِ النَّهْيِ عَنْهُ لَأَنْ يَكُونَ عِبَادَةً أَيْ مَأْمُورًا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ. وَأَمَّا فِي الْمُعَامَلَةِ فَلِاسْتِدْلَالِ الْأَوَّلِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَى فَسَادِهَا بِالنَّهْيِ عَنْهَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ. (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ لِلْفَسَادِ (فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ فَفَسَادُهَا بِفَوَاتِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ عُرِفَ مِنْ خَارِجٍ عَنْ النَّهْيِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ اسْتَدَلُّوا بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ عَلَى فَسَادِهَا وَدُونَ غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَفَسَادُهُ مِنْ خَارِجٍ أَيْضًا (فَإِنْ كَانَ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (لِخَارِجٍ) عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ غَيْرِ لَازِمٍ لَهُ (كَالْوُضُوءِ بِمَغْصُوبٍ) لِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَكَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ لِتَفْوِيتِهَا الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ أَيْضًا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَغْصُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَمْ يُفِدْ) أَيْ الْفَسَادَ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْخَارِجُ. (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (يُفِيدُ) الْفَسَادَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً لَمْ يَكُنْ لِخَارِجٍ أَوْ كَانَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ فَيُفِيدُ الْفَسَادَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِلْخَارِجِ عِنْدَهُ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ اللَّازِمَةِ (قَوْلُهُ: بِالشَّرْطِ) أَيْ الْحَاصِلِ بِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ فَالْمُرَادُ الشَّرْطُ الضِّمْنِيُّ. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْعِبَادَةِ) أَيْ أَمَّا بَيَانُ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي الْعِبَادَاتِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: فَلِمُنَافَاةِ النَّهْيِ) أَيْ النَّهْيِ الْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لِدَاخِلٍ أَوْ لَازِمٍ. (قَوْلُهُ: الْأَوَّلِينَ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ السَّلَفُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ) أَيْ ظَاهِرٌ فَسَادُهُ لِعَدَمِ تَرَتُّبِ أَثَرِهِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ (قَوْلُهُ: فَفَسَادُهَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ عُرِفَ وَقَوْلُهُ بِفَوَاتِ رُكْنٍ أَيْ كَانْعِدَامِ الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَقَوْلُهُ: أَوْ شَرْطٍ كَانْعِدَامِ طَهَارَةِ الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا نُسَلِّمُ إلَخْ) هَذَا عَلَى لِسَانِ الْغَزَالِيِّ وَالْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ) أَيْ بَلْ مَعَ مُقْتَضَى الْفَسَادِ وَهُوَ رُجُوعُ النَّهْيِ إلَى دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ لَازِمٍ. (قَوْلُهُ: وَدُونَ غَيْرِهَا) عَطْفٌ عَلَى دُونَ الْمُعَامَلَاتِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُطْلَقُ النَّهْيِ إلَخْ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا فِيمَا عَدَا الْمُعَامَلَاتِ وَقَوْلُهُ لِخَارِجٍ أَيْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّمْثِيلُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ وَكَالصَّلَاةِ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ وَكَالْبَيْعِ إلَخْ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْعِبَادَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرِ لَازِمٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَارِجِ مَا لَيْسَ بِدَاخِلٍ وَلَا لَازِمٍ بِقَرِينَةِ جَعْلِهِ قَسِيمًا لَهُمَا وَالْمُرَادُ غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْخَارِجُ غَيْرَ لَازِمٍ أَصْلًا أَوْ لَازِمًا أَعَمَّ وَقَدْ مَثَّلَ الشَّارِحُ لِلِاثْنَيْنِ. (قَوْلُهُ: الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ أَيْضًا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّزُومِ الْمَنْفِيِّ اللُّزُومُ الْمُسَاوِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ لَازِمٌ لِلْوُضُوءِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِقَوْلِ الْكَمَالِ بِعَدَمِ التَّلَازُمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِوُجُودِ الْوُضُوءِ بِدُونِ إتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عَنْ مُطْلَقِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ) كَالْحَمَّامِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ. (قَوْلُهُ: لَانَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إلَخْ) أَيْ فَالصَّلَاةُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا ذَلِكَ النَّهْيُ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَجْرِي فِي اللَّازِمِ الْمُسَاوِي فَإِنَّهُ خَارِجٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْفَكَّ عَنْ الْمَلْزُومِ كَانَ طَلَبُ تَرْكِهِ طَلَبًا لِتَرْكِ ذَلِكَ الْمَلْزُومِ إذْ لَا يَتَأَتَّى تَرْكُهُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ الْخَارِجِ الْغَيْرِ اللَّازِمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِ الْمَلْزُومِ الْمَخْصُوصِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ لَمْ يَكُنْ طَلَبُ تَرْكِهِ طَلَبًا لِتَرْكِ الْمَلْزُومِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ الْمَلْزُومِ الْخَاصِّ فَكَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ سَوَاءٌ) أَيْ فِي الْكَفِّ وَالْفَسَادِ لَمْ يَكُنْ إلَخْ السِّرُّ فِي تَقْدِيمِ النَّفْيِ هُنَا وَتَأْخِيرِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآتِي تَقْدِيمًا لِلْأَقْوَى لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ أَصْلًا وَالْعَدَمُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ لِلْخَارِجِ لَا بِالدَّاخِلِ وَأَحْمَدُ قَالَ بِالْفَسَادِ وَهُوَ أَوْلَى بِالدَّاخِلِ وَاللَّازِمِ لَا بِالْخَارِجِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا كَانَ ظَاهِرًا يُجْعَلُ أَوَّلًا وَإِلَّا خَفِيَ ثَانِيًا لِأَنَّهُ كَالْمُبَالَغِ عَلَيْهِ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ أَنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْله تَعَالَى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] فَإِنَّ عَدَمَ إيمَانِهِمْ عَلَى عَدَمِ إنْذَارِهِمْ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَالْبَيْعُ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ: لِلْخَارِجِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ عِنْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَسَادِ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الْإِمَامُ

(وَلَفْظُهُ حَقِيقَةٌ وَإِنْ انْتَفَى الْفَسَادُ لِدَلِيلٍ) كَمَا فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ لِلْأَمْرِ بِمُرَاجَعَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ جَمِيعِ مُوجِبِهِ مِنْ الْكَفِّ وَالْفَسَادِ فَهُوَ كَالْعَامِّ الَّذِي خُصَّ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيمَا بَقِيَ كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) قَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (لَا يُفِيدُ) الْفَسَادَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ لِخَارِجٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ حَقِيقَةٌ) فِيهِ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِ مُوجِبِهِ وَهُوَ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعَ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ) فَإِنَّ الْأَمْرَ بِمُرَاجَعَتِهَا دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْفَسَادِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي حَالِ الْحَيْضِ فَهَذَا النَّهْيُ الْخَاصُّ لَا يُخْرِجُ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ عَنْ كَوْنِهِ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ. (قَوْلُهُ: عَنْ جَمِيعِ مُوجِبِهِ) أَيْ مُقْتَضَاهُ وَمَدْلُولُهُ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَالْعَامِّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْبَاقِيَ فِي الْعَامِّ جُزْئِيٌّ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ وَالْبَاقِي هُنَا جُزْءٌ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْكُلُّ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُرَكَّبِ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ وَأَيْضًا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مُسْتَعْمَلٌ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهِ غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَشْمَلُهَا كُلَّهَا فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي جَمِيعِ مَعْنَاهُ غَايَتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ شَامِلٍ لِلْجَمِيعِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَهُنَا قَدْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي بَعْضِ مَعْنَاهُ وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّا نَجْعَلُهُ مِثْلَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِأَنْ نَقُولَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكَفِّ وَفِي الْفَسَادِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ أَخْرَجَهُ حُكْمًا لَا تَنَاوُلًا وَعَنْ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلًّا انْدَرَجَ تَحْتَهُ شَيْءٌ فَالْعَامُّ يَنْدَرِجُ فِيهِ جُزْئِيَّاتُهُ وَالْكُلُّ تَنْدَرِجُ فِيهِ أَجْزَاؤُهُ وَبِهِ صَحَّ التَّنْظِيرُ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ إطْلَاقُ النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ وَبَعْضِ الْعُقُودِ خَاصَّةً كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَإِلَّا فَهُوَ مُوَافِقٌ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَفِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَإِرْسَالِ الثَّلَاثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ نَعَمْ إذَا قُلْنَا فِي هَذَا النَّوْعِ إنَّهُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ كَمَا يَقُولُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. فَقَامَ الدَّلِيلُ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ هَلْ يَكُونُ اللَّفْظُ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ جَمِيعِ مُوجِبِهِ فَيَصِيرُ كَالْعَامِّ الَّذِي خَرَجَ بَعْضُهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى حَقِيقَةً فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْمُرَجَّحِ أَوْ يَبْقَى مَجَازًا لِخُرُوجِهِ عَمَّا يَقْتَضِيهِ فِي الْأَصْلِ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ النَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ بِصِيغَتِهِ أَمَّا إذَا قُلْنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ شَرْعًا أَوْ مَعْنًى فَلَيْسَ فِيهِ إخْرَاجُ بَعْضِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ مَعْنًى اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) حَاصِلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ عِنْدَهُ

لِمَا سَيَأْتِي فِي إفَادَتِهِ الصِّحَّةَ قَالَ (نَعَمْ الْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (لِعَيْنِهِ) كَصَلَاةِ الْحَائِضِ وَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ (غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَفَسَادُهُ عَرَضِيٌّ) أَيْ عَرَضَ لِلنَّهْيِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ مَجَازًا عَنْ النَّفْيِ الَّذِي الْأَصْلُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِهِ لِانْعِدَامِ مَحِلِّهِ هَذَا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْرُوعِ أَمَّا غَيْرُهُ كَالزِّنَا بِالزَّايِ فَالنَّهْيُ فِيهِ عَلَى حَالِهِ وَفَسَادُهُ مِنْ خَارِجٍ. (ثُمَّ قَالَ وَالْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (لِوَصْفِهِ) كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِهِ عَنْ الضِّيَافَةِ وَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ (يُفِيدُ) النَّهْيُ فِيهِ (الصِّحَّةَ) لَهُ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي إمْكَانَ وُجُودِهِ وَإِلَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لَغْوًا كَقَوْلِك لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرْ فَيَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ عَنْ نَذْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُفِيدُ بِالْوَضْعِ فَسَادًا بَلْ يُفِيدُ الصِّحَّةَ إنْ رَجَعَ إلَى وَصْفِهِ وَلَا يُفِيدُ صِحَّةً وَلَا فَسَادًا لِذَاتِهِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَفَسَادُهُ عَرَضِيٌّ إنْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ وَصْفِهِ. (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي إمْكَانَ وُجُودِهِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ الْمَنْهِيُّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ النَّهْيَ لَا يُفِيدُ الْفَسَادَ مَعَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِالْفَسَادِ فِي صَلَاةِ الْحَائِضِ وَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ مِنْ النَّهْيِ بَلْ عَرَضَ لِلنَّهْيِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ مَجَازًا عَنْ النَّفْيِ فَقَوْلُنَا لَا تُصَلِّ الْحَائِضُ بِمَعْنَى لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ فَيَكُونُ النَّهْيُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ النَّفْيُ وَبِهَذَا خَرَجَ عَنْ حَقِيقَتِهِ. (قَوْلُهُ: لَعَيْنِهِ) أَيْ لِذَاتِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ) أَيْ النَّهْيُ بِمَعْنَى صِيغَتِهِ. (قَوْلُهُ: مَجَازًا) بِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مُقْتَضٍ لِعَدَمِ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ اقْتِضَاءُ النَّهْيِ الْعَدَمَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ وَاقْتِضَاءُ النَّفْيِ الْعَدَمَ مِنْ الْأَصْلِ هَكَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ يَكُونُ أَخَصَّ أَوْصَافِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إخْبَارًا) عِلَّةٌ لَاسْتُعْمِلَ إنْ جُعِلَ مَفْعُولًا لَهُ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ إنْ كَانَ تَمْيِيزًا (قَوْلُهُ: لِانْعِدَامِ مَحِلِّهِ) فَمَحِلُّ الصَّلَاةِ الْمُصَلَّى الطَّاهِرُ وَمَحِلُّ الْبَيْعِ الْمَبِيعُ الْمَوْجُودُ وَالْمُرَادُ الِانْعِدَامُ الشَّرْعِيُّ لَا الْحِسِّيُّ. (قَوْلُهُ: بِالزَّايِ) احْتِرَازٌ عَنْ الرِّبَا بِالرَّاءِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْعَقْدُ وَلَمْ يُجْعَلْ الزِّنَا مِمَّا هُوَ مَشْرُوعٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: عَلَى حَالِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مَجَازٍ. (قَوْلُهُ: يُفِيدُ الصِّحَّةَ لَهُ) أَيْ لِلْمَنْفِيِّ عَنْهُ بِدُونِ وَصْفِهِ لَا مَعَ وَصْفِهِ فَإِنَّهُ مَعَ وَصْفِهِ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَضُدُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ) أَيْ الْبَاقِي عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا يَرِدُ النَّهْيُ لِدَاخِلٍ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ بِمَعْنَى النَّفْيِ. (قَوْلُهُ: يَسْتَدْعِي إمْكَانَ وُجُودِهِ) أَيْ شَرْعًا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَكَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لَغْوًا) لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِلْمُمْتَنِعِ وَمَنْعُ الْمُمْتَنِعِ عَبَثٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِهَذَا الْمَنْعِ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مَنْعُ الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَنْعِ كَالْحَاصِلِ يَمْتَنِعُ تَحْصِيلُهُ إذَا كَانَ حَاصِلًا بِغَيْرِ هَذَا التَّحْصِيلِ. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ)

كَمَا تَقَدَّمَ لَا مُطْلَقًا لِفَسَادِهِ بِوَصْفِهِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَتَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لِخَارِجٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ إذَا أُسْقِطَتْ الزِّيَادَةُ لَا مُطْلَقًا لِفَسَادِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بِالْقَبْضِ الْمِلْكَ الْخَبِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمُطْلَقِ النَّهْيِ عَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ عَدَمِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقًا (وَقِيلَ إنْ نَفَى عَنْهُ الْقَبُولَ) أَيْ نَفْيُهُ عَنْ الشَّيْءِ يُفِيدُ الصِّحَّةَ لَهُ لِظُهُورِ النَّفْيِ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ دُونَ الِاعْتِدَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ يُفِيدُ الصِّحَّةَ وَقَوْلِهِ عَنْ نَذْرِهِ أَيْ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ النَّذْرَ أَخْرَجَهُ عَنْ وَصْفِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنُظِرَ لِمُجَرَّدِ الْعِبَادَةِ. (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا) أَيْ لَا مِنْ مُطْلَقِ النَّذْرِ فِيمَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقًا عَنْ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ عِنْدَهُمْ تَطَوُّعًا وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ بِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ فَيَصِحُّ وَبَيْنَ مَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ الْتَزَمَهُ نَاقِصًا فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَدَّى النَّاقِصُ عَنْ الْكَامِلِ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْحَوَاشِي هُنَا فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لِخَارِجٍ) فِيهِ أَنَّهُ لَازِمٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْجَوَابُ مَا أَفَادَهُ مِنْ التَّلْوِيحِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْوَقْتَ لِلصَّوْمِ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ لِكَوْنِهِ مِعْيَارًا لَهُ وَلِلصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ الْمُجَاوِرِ لِكَوْنِهِ ظَرْفًا لَهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ إلَخْ) أَيْ إنَّ الْمُفِيدَ لِلِاعْتِدَادِ هُوَ الْقَبْضُ لِلْمَبِيعِ فَلَا يُقَالُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَمَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ خَبِيثًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ فَيَجِبُ فَسْخُهُ وَرَأَيْت مَنْقُولًا عَنْ بَعْضِ أَفَاضِلِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ سَقَطَتْ الزِّيَادَةُ وَنَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: أَيْ نَفِيهِ) حَوَّلَ الْعِبَارَةَ لِأَنَّ هَذَا بَحْثٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ مُرْتَبِطٍ بِالنَّهْيِ لِأَنَّهُ فِي النَّفْيِ فَكَانَ الْأَوْلَى بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِمَا يُفِيدُهُ كَأَنْ يَقُولَ أَمَّا نَفْيُ الْقَبُولِ فَقِيلَ دَلِيلُ الصِّحَّةِ وَقِيلَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ النَّفْيِ) أَيْ نَفْيِ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ الثَّوَابِ) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الثَّوَابِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ. (قَوْلُهُ: دُونَ الِاعْتِدَادِ) كَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ «مَنْ أَتَى

[العام]

(وَقِيلَ بَلْ النَّفْيُ دَلِيلُ الْفَسَادِ) لِظُهُورِهِ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ (وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ كَنَفْيِ الْقَبُولِ) فِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْفَسَادَ أَوْ الصِّحَّةَ قَوْلَانِ بِنَاءً لِلْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِلثَّانِي عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ فَإِنَّ مَا لَا يُسْقِطُهُ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْفِعْلِ ثَانِيًا قَدْ يَصِحُّ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ. (وَقِيلَ) هُوَ (أَوْلَى بِالْفَسَادِ) مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ لِتَبَادُرِ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ مِنْهُ إلَى الذِّهْنِ وَعَلَى الْفَسَادِ فِي الْأَوَّلِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَفِي الثَّانِي حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ.» (الْعَامِّ) لَفْظٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» وَحَدِيثُ «إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ مَوَالِيهِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِمْ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَفْيَ الْقَبُولِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَنَحْوِهَا لِكَوْنِ إثْمِ الْمَعْصِيَةِ الْمُتَوَعَّدِ عَلَيْهَا يَعْدِلُ ثَوَابَ الصَّلَاةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَكَأَنَّهُ أَحْبَطَهُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الصَّلَاةِ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةً لِاسْتِجْمَاعِهَا الشَّرَائِطَ قَالَ الْكَمَالُ فَعُلِمَ أَنْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْقَبُولِ بَلْ الْقَبُولُ أَخَصُّ مِنْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ وَقِيلَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَكَافِئَانِ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ نَفْيَ الْقَبُولِ وَرَدَ تَارَةً فِي الشَّرْعِ بِمَعْنَى نَفْيِ الصِّحَّةِ وَأُخْرَى بِمَعْنَى نَفْيِ الْقَبُولِ مَعَ وُجُودِ الصِّحَّةِ وَبِعَدَمِ التَّرْجِيحِ يُشْعِرُ كَلَامُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بَلْ النَّفْيُ دَلِيلُ الْفَسَادِ) كَتَبَ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ الْغُنَيْمِيُّ اُنْظُرْ هَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ النَّفْيِ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ عِبَادَةً أَوْ غَيْرَهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ أَنَّهُ يَأْتِي جَمْعُ مَا سَبَقَ فِي النَّهْيِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ: لِلْأَوَّلِ) وَهُوَ إفَادَةُ الْفَسَادِ. (قَوْلُهُ: فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ) وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ. (قَوْلُهُ: وَلِلثَّانِي) وَهُوَ إفَادَةُ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ) أَيْ الْإِجْزَاءَ. (قَوْلُهُ: قَدْ يَصِحُّ) قَدْ يُقَالُ صِحَّتُهُ إنْ حَصَلَتْ فَمِنْ خَارِجٍ فَلَا يُفِيدُهَا نَفْيُ الْإِجْزَاءِ كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى اهـ. نَاصِرٌ قَالَ سم لَعَلَّ مُرَادَ هَذَا الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ الصِّحَّةَ أَيْ يُجَامِعُهَا وَلَا يُنَافِيهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّعْبِيرُ بِقَدْ يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الصِّحَّةَ قَدْ تُوجَدُ مَعَهُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِخُصُوصِهِ فَانْدَفَعَ الْإِيرَادُ الْمَذْكُورُ [الْعَامِّ] (قَوْلُهُ: الْعَامُّ لَفْظٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْعَامِّ تَرْجَمَةٌ أَيْ هَذَا مَبْحَثُ الْعَامِّ وَقَوْلُهُ لَفْظٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ لَفْظٌ وَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ الْعَامُّ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ لَفْظٌ إلَخْ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَمُخْتَارُ الْكَمَالِ فِي تَحْرِيرِهِ تَبَعًا لِطَائِفَةِ أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ فِي تَعْرِيفِهِ أَمْرٌ يَسْتَغْرِقُ. وَقَدْ فَرَّعَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ قَوْلَهُ فِيمَا سَيَأْتِي فَالْعُمُومُ شُمُولُ أَمْرٍ إلَخْ ثُمَّ إنَّ اللَّفْظَ شَامِلٌ لِلِاسْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِلْحَرْفِ فَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّ مَا الْحَرْفِيَّةَ إذَا كَانَتْ زَمَانِيَّةً أَفَادَتْ الْعُمُومَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] وَكَذَلِكَ الْمَصْدَرِيَّةُ إذَا وُصِلَتْ بِفِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ نَحْوِ يُعْجِبُنِي

(يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ) أَيْ يَتَنَاوَلُهُ دُفْعَةً خَرَجَ بِهِ النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ مُفْرَدَةً أَوْ مُثَنَّاةً أَوْ مَجْمُوعَةً أَوْ اسْمُ عَدَدٍ لَا مِنْ حَيْثُ الْآحَادُ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ مَا تَصْلُحُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا الِاسْتِغْرَاقِ نَحْوُ أَكْرِمْ رَجُلًا وَتَصَدَّقْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ (مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ) خَرَجَ بِهِ اسْمُ الْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ الْآحَادُ فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُهَا بِحَصْرٍ كَعَشْرَةٍ وَمِثْلُهُ النَّكِرَةُ الْمُثَنَّاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَصْنَعُ وَشَمِلَ الْفِعْلُ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: يَسْتَغْرِقُ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ وَإِنْ انْحَصَرَ فِي فَرْدٍ فِي الْخَارِجِ. (قَوْلُهُ: الصَّالِحُ لَهُ) قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَسْتَغْرِقُ إلَّا مَا يَصْلُحُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ نَعَمْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ شُمُولُ اللَّفْظِ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي كَالْعُقَلَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ وَغَيْرِهِمْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ شَيْءٍ وَقَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ أَرَادَ الِاحْتِرَازَ عَنْ تَنَاوُلِ كُلِّ شَيْءٍ لَا عَنْ تَنَاوُلِ غَيْرِ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ إذْ لَيْسَ لَنَا لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ فَأَلْ فِي الصَّالِحِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ الْمَعْنَى الصَّالِحُ وَفِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ فَالصِّلَةُ جَرَتْ عَلَى مَنْ هِيَ لَهُ وَمَعْنَى كَوْنِهِ صَالِحًا لِلَّفْظِ كَوْنِهِ مَقْصُودًا مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ أَوْ الْقَرِينَةِ فَيَشْمَلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ وَفِي عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى اللَّفْظِ لُزُومُ جَرَيَانِ الصِّلَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْكُوفِيِّينَ لِأَمْنِ اللَّبْسِ لَا يُقَالُ كَمَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ لِلَّفْظِ يَجُوزُ رُجُوعُهُ لِلْمَعْنَى فَاللَّبْسُ مَوْجُودٌ لِأَنَّا نَقُولُ احْتِمَالُ رُجُوعِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ لَبْسًا لِجَوَازِ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا اللَّبْسُ رُجُوعُهُ إلَى مَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الصَّلَاحِيَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَلَاحِيَةَ الْكُلِّ لِلْأَجْزَاءِ أَوْ الْكُلِّيِّ لِلْجُزْئِيَّاتِ وَهَذَا بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِهِ لِأَفْرَادِهِ وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَدْلُولَهُ كُلِّيَّةٌ فَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: دُفْعَةً) مِنْ تَمَامِ تَفْسِيرِ الِاسْتِغْرَاقِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِغْرَاقُ اللُّغَوِيُّ فَلَا يُقَالُ الِاسْتِغْرَاقُ يُرَادِفُهُ الْعُمُومُ فَلَا يُعْرَفُ بِهِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ بِهِ النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ) أَيْ غَيْرُ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ عُمُومًا كَالشَّرْطِ وَخَرَجَ أَيْضًا الْمُطْلَقُ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَفْرَادِ فَضْلًا عَنْ اسْتِغْرَاقِهَا (قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ الْآحَادُ) أَيْ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْجُزْئِيَّاتُ وَهُوَ قَيْدٌ فِي اسْمِ الْعَدَدِ وَالنَّكِرَةِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَعَشْرَةٍ وَمِثْلِهِ إلَخْ ثُمَّ إنَّ دُخُولَ اسْمِ الْعَدَدِ تَحْتَ النَّكِرَةِ نَظَرٌ لِلْمَعْنَى وَإِلَّا فَاسْمُ الْعَدَدِ مِنْ قَبِيلِ الْعَلَمِ. (قَوْلُهُ: تَتَنَاوَلُ إلَخْ) فَالْمُفْرَدَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ وَالْمُثَنَّاةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَالْمَجْمُوعَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ جَمْعٍ جَمْعٍ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ الْخَمْسَةُ. (قَوْلُهُ: لَا الِاسْتِغْرَاقُ) أَيْ الَّذِي هُوَ التَّنَاوُلُ دُفْعَةً. (قَوْلُهُ: أَكْرِمْ) رَجُلًا فِي شَرْحِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا كَانَتْ أَمْرًا نَحْوَ اضْرِبْ رَجُلًا نَعَمْ عُمُومُ بَدَلٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِنَحْوِ جَاءَنِي رَجُلٌ فَلَا تَعُمُّ اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ سِرَّ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ بِالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَكَانَتْ لِلِامْتِنَانِ عَمَّتْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَائِلِ تَعْلِيقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وَوَجْهُهُ أَنَّ الِامْتِنَانَ مَعَ الْعُمُومِ أَكْثَرُ إذْ لَوْ صَدَقَ بِالنَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ الْفَاكِهَةِ لَمْ يَكُنْ فِي الِامْتِنَانِ بِالْحَقِيرِ كَثِيرُ مَعْنًى وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَال عَلَى طَهُورِيَّةِ كُلِّ مَاءٍ سَوَاءٌ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ بِقَوْلِهِ {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] . (قَوْلُهُ: وَتَصَدَّقْ بِخَمْسَةٍ) فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِأَنْ يَكُونَ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً بَدَلَ الصِّحَاحِ وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْ بِخَمْسَةٍ بِدُونِ تَمْيِيزٍ كَانَ أَوْضَحَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِخَمْسَةٍ بَدَلَ خَمْسَةٍ مِنْ أَفْرَادِ الْخَمْسَاتِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ) أَيْ فِي اللَّفْظِ وَدَلَالَةُ الْعِبَارَةِ لَا فِي الْوَاقِعِ فَإِنَّ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ كُلُّ رَجُلٍ فِي الْبَلَدِ مَعَ أَنَّهُمْ مَحْصُورُونَ وَنَحْوُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ مَعَ أَنَّ السَّمَوَاتِ مَحْصُورَةٌ فِي الْوَاقِعِ وَلِذَلِكَ قَدْ يَكُونُ أَفْرَادُ الْخَاصِّ فِي الْوَاقِعِ أَكْثَرَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُهَا) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهَا عَشْرَةً مَعْنًى وَاسْتِغْرَاقُهُ عَلَى سَبِيلِ الْكُلِّ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ اسْمٌ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَإِخْرَاجُ اسْمِ الْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ الْآحَادُ بِمَا ذُكِرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِغْرَاقِ مَا يَعُمُّ اسْتِغْرَاقَ الْكُلِّ لِأَجْزَائِهِ وَالْكُلِّيِّ لِجُزْئِيَّاتِهِ كَمَا سَمِعْت مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مَعْنَاهُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الصَّلَاحِيَّةَ فِيهِ مُنْتَفِيَةٌ. (قَوْلُهُ: الْمُثَنَّاةُ) سَكَتَ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ لِأَنَّهُ

مِنْ حَيْثُ الْآحَادُ كَرَجُلَيْنِ وَمِنْ الْعَامِّ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي حَقِيقَتَيْهِ أَوْ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَوْ مَجَازَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي أَفْرَادِ مَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مَعَ قَرِينَةِ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ (وَالصَّحِيحُ دُخُولُ) الصُّورَةِ (النَّادِرَةِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودَةِ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَادِرَةً مِنْ صُوَرِ الْعَامِّ (تَحْتَهُ) فِي شُمُولِ الْحُكْمِ لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا حَصْرَ فِيهَا إذْ الْجَمْعُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ قَالَهُ سم وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ فِيهِ حَصْرٌ بِاعْتِبَارِ مَبْدَئِهِ فَظَهَرَ أَنَّ اسْمَ الْعَدَدِ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ سَوَاءٌ نُظِرَ إلَى آحَادِهِ أَمْ لَا وَكَذَا النَّكِرَةُ الْمُثَنَّاةُ وَأَمَّا النَّكِرَةُ الْمَجْمُوعَةُ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْعَامِّ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ أَفْرَادُ الْجَمْعِ لَا مِنْ حَيْثُ آحَادُ الْمَجْمُوعِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْعَامِّ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَجَازًا قَالَ الْكَمَالُ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا زَادَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ فِي الْحَدِّ مِنْ قَوْلِهِمْ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ مُخِلٌّ بِالْحَدِّ فَقَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ إنَّ زِيَادَتَهُ لِإِخْرَاجِ مَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: فِي حَقِيقَتَيْهِ) كَقَوْلِك رَأَيْت الْعَيْنَ مُرِيدًا بِهَا الْبَاصِرَةَ وَالْجَارِيَةَ وَالْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ كَجَاءَ الْأَسَدُ وَتُرِيدُ الْحَيَوَانَ الْمُفْتَرِسَ وَالرَّجُلَ الشُّجَاعَ وَالْمَجَازَيْنِ نَحْوُ رَأَيْت الْبَحْرَ وَتُرِيدُ الرَّجُلَ الْعَالِمَ وَالرَّجُلَ الْجَوَادَ. (قَوْلُهُ: الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَامَّ عَلَى قِسْمَيْنِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَالَ إنَّ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْعَامِّ وَلَيْسَ بِعَامٍّ لِأَنَّ الْعَامَّ غَيْرُ مُخْتَلِفِ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا مُخْتَلِفُهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا يَصْدُقُ إلَخْ) أَيْ فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ الْقَيْدِ لِإِدْخَالِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُشْتَرَكِ) نَحْوِ عِنْدِي عَيْنٌ أَنْفَقْتهَا فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيُقَالُ لَهُ عَامٌّ وَيَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: فِي أَفْرَادِ مَعْنًى وَاحِدٍ) التَّقْيِيدُ بِالْمَعْنَى الْوَاحِدِ لِأَجْلِ أَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ الَّذِي دَفَعَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَعَ قَرِينَةِ الْوَاحِدِ إلَخْ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ مَعَانِيهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ اسْتِغْرَاقِ مَفْهُومٍ فَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِهِ فِي مَحَلِّ الِاسْتِعْمَالِ سِوَى مَفْهُومٍ وَاحِدٍ كَانَ عَامًّا بِاعْتِبَارِهِ إنْ دَخَلَ مُوجِبُ الْعُمُومِ كَاللَّامِ مَثَلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومَانِ أَوْ الْمَفَاهِيمُ وَدَخَلَهُ الْمُوجِبُ عَمَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ الْمَفَاهِيمِ كُلِّهَا وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِك الْعَيْنُ شَيْءٌ يَجِبُ قَالَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعَ قَرِينَةٍ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ عَامًّا مَعَ أَنَّهُ كَمَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْمَعْنَى يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ لِذَلِكَ الْغَيْرِ الصَّالِحِ لَهُ فَلَا يَكُونُ عَامًّا وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّهُ مَعَ الْقَرِينَةِ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ وَقَصَدَ الشَّارِحُ بِهَذَا التَّوَرُّكِ عَلَى الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي زِيَادَتِهِمْ فِي التَّعْرِيفِ قَيْدٌ بِوَضْعِ وَاحِدٍ لِإِدْخَالِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي أَفْرَادِ مَعْنًى وَاحِدٍ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ وَاحِدٍ لَا بِاعْتِبَارِ أَوْضَاعِهِ وَحَاصِلُ رَدِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِزِيَادَتِهِ مَعَ الْقَرِينَةِ فَإِنَّ اللَّفْظَ مَعَ الْقَرِينَةِ غَيْرُ صَالِحٍ لِمَا عَدَا الْمَعْنَى الَّذِي نُصِبَتْ لَهُ الْقَرِينَةُ وَاعْتَرَضَهُ سم بِأَنَّ الْقَرِينَةَ غَايَةُ مَا تَمْنَعُ إرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا تَمْنَعُ صِدْقَ اللَّفْظِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمْ الصَّالِحُ مِنْ حَيْثُ الصِّدْقُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُعْدَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ الصَّالِحُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَسْتَغْرِقُ إلَّا مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ مَعَانِيهِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْمَقْصُودَةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُعْلَمْ قَصْدُهَا فِي الْوَاقِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَادِرَةً) قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا قَبْلَهَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِمَّا بَعْدَهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةٌ ثُمَّ إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَقْصُودِ أَعَمُّ مِنْ النَّادِرَةِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ اتِّحَادَهُمَا لِأَنَّ شَأْنَ النَّادِرِ أَنْ لَا يَقْصِدَهُ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ النَّادِرَةَ وَغَيْرَ الْمَقْصُودَةِ إنْ كَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لَهُمَا دَخَلَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا أَوْرَدَ الْكُورَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ بَلْ الْخِلَافُ مِنْ حَيْثُ الشُّمُولُ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ لَا مِنْ حَيْثُ مُجَرَّدُ التَّنَاوُلِ فِي اللَّفْظِ فَالْخِلَافُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ أَنَّ الْخِلَافَ مِنْ حَيْثُ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ فَلَهُ فَائِدَةٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ الصَّلَاحِيَّةُ لَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا) أَيْ لِلنَّادِرَةِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودَةِ الَّتِي لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا بِنَفْيٍ وَلَا بِإِثْبَاتٍ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ

نَظَرًا لِلْعُمُومِ. وَقِيلَ لَا نَظَرًا لِلْمَقْصُودِ مِثَالُ الْبَادِرَةِ الْفِيلُ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ فَإِنَّهُ ذُو خُفٍّ» وَالْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ نَادِرَةٌ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهَا عَلَيْهِ وَمِثَالُ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ وَتُدْرَكُ بِالْقَرِينَةِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبِيدِ فُلَانٍ وَفِيهِمْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الشِّرَاءِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ النَّادِرَةِ دَخَلَتْ قَطْعًا أَوْ قَصْدِ انْتِفَاءِ صُورَةٍ لَمْ تَدْخُلْ قَطْعًا. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (قَدْ يَكُونُ مَجَازًا) بِأَنْ يَقْتَرِنَ بِالْمَجَازِ أَدَاةُ عُمُومٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ وَجْهٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَكَذَلِكَ الْبِرْمَاوِيُّ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَقْصُودَةِ قَدْ تَكُونُ نَادِرَةً. وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ نَادِرَةٍ وَالنَّادِرَةُ قَدْ تَكُونُ مَقْصُودَةً وَغَيْرَ مَقْصُودَةٍ وَظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمَّمَ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُقَالَ حُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ دُخُولُ النَّادِرَةِ أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْعُمُومِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْمَقْصُودِ) أَيْ مَا يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَامِّ عَادَةً وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِقَصْدِ النَّادِرِ وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أَجْرَى الدَّلَالَةَ فِي مَوَارِدِ كَلَامِهِ عَلَى أُسْلُوبِ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا هُوَ مُحَالٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَعَادَةُ الْعَرَبِ لَا يُرِيدُونَ إدْخَالَ النَّارِ قَالَ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ دُخُولُ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فِي خِلَافٍ أُصُولِيٍّ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ لَا سِيَّمَا فِي كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكَانَ السِّرُّ فِيهِ عَدَمُ خُطُورِهَا بِالْبَالِ غَالِبًا فَهَذَا لَا يَتَمَشَّى فِي خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ قَطْعًا. وَأَمَّا فِي خِطَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِخْرَاجُهَا مِنْ صِيغَةِ الْعَامِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دَلَالَةَ الصِّيَغِ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرَادَةِ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ ثُمَّ خَرَّجَ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا كَثِيرَةً مِنْهَا مَسُّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْقُضُ نَظَرًا إلَى عُمُومِ اللَّفْظِ وَقِيلَ لَا نَظَرًا إلَى النُّدْرَةِ وَمِنْهَا مَسُّ الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ النَّقْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِعَدَمِ دُخُولِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَظِنَّةَ الشَّهْوَةِ وَلِذَلِكَ طَرَدُوا الْخِلَافَ فِي مَسِّ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ لِلْعُمُومِ وَوَجْهُ الثَّانِي نُدْرَةُ كَوْنِهِ مَحَلَّ الْفِتْنَةِ وَالْفَرْقُ عَسِرٌ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي التَّصْحِيحِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا سَبَقَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الْمُسَابَقَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمُسَابَقَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي خُفٍّ) أَيْ ذِي خُفٍّ يُشِيرُ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ ذُو خُفٍّ (قَوْلُهُ: وَالْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ نَادِرَةٌ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشُّمُولُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا مِنْ حَيْثُ مُجَرَّدُ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَأُورِدَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ عُمُومًا بَدَلِيًّا لَا شُمُولِيًّا وَالْكَلَامُ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُ الْفِيلِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ إلَّا إنْ كَانَ إلَخْ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ عُمُومًا شُمُولِيًّا كَالنَّفْيِ وَبَعِيدٌ قَوْلُ الْكَمَالِ إنَّهُ مِثَالٌ لِمُطْلَقِ الْعُمُومِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شُمُولِيًّا فَإِنَّهُ خُرُوجٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَكَذَا قَوْل سم إنَّهُ مِثَالٌ لِلنُّدُورِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهَا إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَصَحِّ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُقَابِلَ لَهُ صَحِيحٌ لَا فَاسِدٌ. (قَوْلُهُ: وَتُدْرَكُ بِالْقَرِينَةِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَأُورِدَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ كَيْفَ يَتَنَاوَلُهَا الْحُكْمُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُنَافِيهِ قَصْدُ الِانْتِفَاءِ بِأَنْ يَقْصِدَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ فُلَانٍ وَلَا يُنَافِي انْتِفَاءَ الْقَصْدِ أَنْ لَا يَقْصِدَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لَا بِإِثْبَاتٍ وَلَا بِنَفْيٍ فَهُوَ قَدْ تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ وَقُصِدَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِمْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) فَالْقَرِينَةُ هُنَا الْعِتْقُ وَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيْ الْمُوَكِّلُ عِلْمَ الْوَكِيلِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ غَيْرُ أَقْرَبَ مِنْ الْمَأْخُوذِ بَلْ الْأَمَدُ بِالْعَكْسِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَقْرَبَ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الضَّرَرُ فِيهِ أَشَدُّ فَإِنَّهُ فِي كُلِّ الصَّفْقَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَخْذَ كَمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْأَدْنَى يَكُونُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) بَيَّنَ بِذَلِكَ أَنْ مَحَلَّ الْخِلَافِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَصْدِ وَأَمَّا فِي قَصْدِ الِانْتِفَاءِ أَوْ الدُّخُولِ فَلَا خِلَافَ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقْتَرِنَ بِالْمَجَازِ) كَأَلْ الاستغراقية وَأُورِدَ أَنَّ هَذَا قَاصِرٌ عَلَى مَا يَحْتَاجُ لِلِاقْتِرَانِ وَلَا يَشْمَلُ نَحْوَ مَنْ وَمَا فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ

فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ كَعَكْسِهِ الْمُعَبَّرِ بِهِ أَيْضًا نَحْوُ جَاءَنِي الْأُسُودُ الرُّمَاةُ إلَّا زَيْدًا وَقِيلَ لَا يَكُونُ الْعَامُّ مَجَازًا فَلَا يَكُونُ الْمَجَازُ عَامًّا لِأَنَّ الْمَجَازَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ فِي الْمُقْتَرِنِ بِأَدَاةِ عُمُومٍ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُهَا لَا بِقَرِينَةٍ كَمَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَهَذَا أَيْ إنَّ الْمَجَازَ لَا يَعُمُّ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ كَالْمُقْتَضَى وَهُمْ نَقَلُوهُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى كَافِ التَّشْبِيهِ. (قَوْلُهُ: فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَجَازِ الْمُقْتَرِنِ بِهِ أَدَاةُ عُمُومٍ مَا ذَكَرَ أَيْ مِنْ قَوْلِنَا الْعَامُّ قَدْ يَكُونُ مَجَازًا كَعَكْسِهِ أَيْ كَمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عَكْسُهُ وَهُوَ قَوْلُنَا الْمَجَازُ قَدْ يَكُونُ عَامًّا وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ مَقْلُوبَةٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ وَالْمَجَازُ يَدْخُلُهُ الْعُمُومُ مَرْدُودٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ صَحِيحٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا زَيْدًا) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَكُونَ هَذَا مِثَالًا لِلْمَجَازِ الْمُخْتَلَفِ فِي عُمُومِهِ لِأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَهِيَ الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي عُمُومِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُرَدْ بِهِ جَمِيعُهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْأَلْفَاظِ لِلْإِفْهَامِ وَالْمَجَازُ مُخِلٌّ بِذَلِكَ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهُ. (قَوْلُهُ: لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ) إنْ أُرِيدَ حَاجَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَمْ يَظْهَرْ بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَإِنْ أُرِيدَ حَاجَةُ الْمُخَاطَبِ لَمْ يُنْتَجْ قَوْلُهُ وَهِيَ تَنْدَفِعُ إلَخْ وَلِذَلِكَ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ غَيْرَ مُرْضٍ. (قَوْلُهُ: فِي الْمُقْتَرِنِ بِأَدَاةِ عُمُومٍ) أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُفِيدَ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَجَازِ لَيْسَتْ لَهُ كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى. (قَوْلُهُ: بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ) فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَكِفَايَةُ الْبَعْضِ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ إنْ تَعَلَّقَ الْغَرَضُ بِمُطْلَقِ الْمَعْنَى أَمَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَى مَعْنًى مَخْصُوصٍ لَا يُفَادُ إلَّا بِالْعُمُومِ فَلَا مَعْنَى لِدَفْعِهَا بِالْبَعْضِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَهَذَا مُتَأَتٍّ فِي كُلِّ عَامٍّ لَوْ سَلِمَ فَيَلْزَمُ هَدْمُ قَاعِدَةِ الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: أَيْ إنَّ الْمَجَازَ لَا يَعُمُّ) هَذَا عَكْسُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ تَعْبِيرُ الْأَكْثَرِ. (قَوْلُهُ: كَالْمُقْتَضِي) ضَبْطُهُ فِيمَا

بَانِيًا عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ» أَيْ مَا يَحِلُّ ذَلِكَ أَيْ مَكِيلُ الصَّاعِ بِمَكِيلِ الصَّاعَيْنِ حَيْثُ قَالَ الْمُرَادُ بَعْضُ الْمَكِيلِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْمَطْعُومُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَنَا فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الطُّعْمُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَصُّ عُمُومُهُ بِمَا أَثْبَتَ عِلِّيَّةَ الطُّعْمِ فَيَسْقُطُ تَعَلُّقُ الْحَنَفِيَّةِ بِهِ فِي الرِّبَا فِي الْجَصِّ وَنَحْوِهِ وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ فَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ» (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQسَيَأْتِي بِكَسْرِ الضَّادِ تَبَعًا لِضَبْطِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخَطِّهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ وَهِيَ الَّتِي يَتَوَقَّفُ فِيهَا صِحَّةُ الْكَلَامِ عَلَى تَقْدِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَ فِيهِ فَتْحَهَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَيْ كَالْمَدْلُولِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ انْفِهَامِهِ عَلَى تَقْدِيرٍ وَذَكَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُرَجِّحًا وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ التَّشْبِيهَ فِي نَقْلِ الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْعُمُومِ فِيهِمَا عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِنَفْيِ عُمُومِ الْمُقْتَضِي قَدْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ جَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا إنَّمَا الْقَصْدُ التَّشْبِيهُ فِي نَفْيِ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي تَصْحِيحِ الْكَلَامِ تَنْدَفِعُ بِتَقْدِيرِ لَفْظٍ يَحْصُلُ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَفَرَقَ الصَّحِيحُ بِأَنَّ الْمُقْتَضِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَلِيلِ عُمُومٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَلْفُوظٍ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ لِصِحَّةِ الْمَلْفُوظِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْقَدْرِ الضَّرُورِيِّ بِخِلَافِ الْمَجَازِ الْمُقْتَرِنِ بِذَلِكَ إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْعُمُومِ لَزِمَ مِنْهُ إلْغَاءُ دَلِيلِ الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: بَانِيًا عَلَيْهِ) حَالٌ مِنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ مِمَّا لَمْ نَجِدْهُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ أَحَدٍ نِزَاعٌ فِي صِحَّةِ قَوْلِنَا جَاءَنِي الْأُسُودُ الرُّمَاةُ إلَّا زَيْدًا وَتَخْصِيصُهُمْ الصَّاعَ بِالْمَطْعُومِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلِّيَّةِ الطُّعْمِ فِي بَابِ الرِّبَا لَا عَلَى عَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا يَحُلُّ) بِضَمِّ الْحَاءِ مِنْ الْحُلُولِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحِلِّ عَلَى الْحَالِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَى أَنَّهُ مِثَالٌ لَلْمُقْتَضَيْ. (قَوْلُهُ: بَعْضُ الْمَكِيلِ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَ الْمَكِيلِ مَطْعُومًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجِصِّ مَثَلًا حَتَّى يَكُونَ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَعْضَ وَهُوَ الْمَطْعُومُ لِمَا ثَبَتَ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَانْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى عُمُومِ الْمَجَازِ بِإِرَادَةِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ مِنْهُ وَهُوَ الْمَطْعُومُ خَاصَّةً فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي التَّعْلِيلِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَجَازَ لَا يَكُونُ عَامًّا وَالتَّعْلِيلُ هُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِإِرَادَةِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ يَكُونُ عَامًّا. (قَوْلُهُ: بِمَا أَثْبَتَ) وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ بِدَلِيلٍ أَثْبَتَ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَهُوَ حَدِيثُ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» أَخْرَجَ مَعْنَاهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ مُرَادًا فَصَارَ الْمُرَادُ بِالصَّاعِ الطَّعَامُ فَسَلِمَ عُمُومُ الطَّعَامِ لِانْتِفَاءِ عِلِّيَّةِ الْكَيْلِ فِي الْحَدِيثِ وَتَعَيَّنَ الطُّعْمُ لِلْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ مِنْ الطُّعْمِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ مَأْخَذِهِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] . (قَوْلُهُ: فَيَسْقُطُ تَعَلُّقُ الْحَنَفِيَّةِ إلَخْ) الْمُقَرَّرُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَجَازَ يَعُمُّ فِيمَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الصَّاعُ بِالصَّاعَيْنِ يَعُمُّ فِيمَا يُكَالُ بِهِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي نَحْوِ الْجِصِّ مِمَّا لَيْسَ مَطْعُومًا وَيُفِيدُ مَنَاطَ الرِّبَا لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالْمَكِيلِ فَيُفِيدُ فِيهِ بِعِلِّيَّةِ الِاشْتِقَاقِ فَلَزِمَتْ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الطُّعْمِ وَكَوْنِهِ يُكَالُ وَتَرَجَّحَ الْأَعَمُّ كَوْنُهُ يُكَالُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الطُّعْمِ لِتَعَدِّيهِ إلَى مَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ تَرْجِيحِ الْوَصْفِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَيَسْقُطُ إلَخْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا حَتَّى أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ) أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَا رُوِيَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي مُسْلِمٍ) أَيْ أَصْلُهُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَاصٌّ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ. (قَوْلُهُ: الْجَمْعُ) أَيْ التَّمْرُ الرَّدِيءُ وَالشَّارِحُ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ لِذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ فِيهِ التَّمْرَ وَالْحِنْطَةَ وَذَاكَ فِيهِ عُمُومٌ وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعِلِّيَّةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا صَاعَيْ مَطْعُومٍ بِصَاعِ مَطْعُومٍ حَتَّى يُقَالَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ فَالْعِلِّيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَلَا صَاعَيْ تَمْرٍ إلَخْ) أَيْ لَا تَبِيعُوا صَاعَيْ تَمْرٍ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مَدْخُولُ

أَيْ الْعُمُومَ (مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ) دُونَ الْمَعَانِي (قِيلَ وَالْمَعَانِي) أَيْضًا حَقِيقَةٌ فَكَمَا يَصْدُقُ لَفْظٌ عَامٌّ يَصْدُقُ مَعْنًى عَامٌّ حَقِيقَةً ذِهْنِيًّا كَانَ كَمَعْنَى الْإِنْسَانِ أَوْ خَارِجِيًّا كَمَعْنَى الْمَطَرِ وَالْخَصْبِ لِمَا شَاعَ مِنْ نَحْوِ الْإِنْسَانِ يَعُمُّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَعَمَّ الْمَطَرُ وَالْخِصْبَ فَالْعُمُومُ شُمُولُ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ (وَقِيلَ بِهِ) أَيْ بِعُرُوضِ الْعُمُومِ (فِي الذِّهْنِيِّ) حَقِيقَةً لِوُجُودِ الشُّمُولِ لِمُتَعَدِّدٍ فِيهِ بِخِلَافِ الْخَارِجِيِّ وَالْمَطَرُ وَالْخِصْبُ مَثَلًا فِي مَحَلِّ غَيْرِهِمَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَاسْتِعْمَالُ الْعُمُومِ فِيهِ مَجَازِيٌّ وَعَلَى الْأَوَّلِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الذِّهْنِيِّ مَجَازِيٌّ أَيْضًا وَعَلَى الْآخَرَيْنِ الْحَدُّ السَّابِقُ لِلْعَامِّ مِنْ اللَّفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ وَيُقْرَأُ إنَّهُ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ مَدْخُولِ الصِّحَّةِ الْمُتَقَدِّمِ لَاقْتَضَى أَنَّ وَصْفَ الْأَلْفَاظِ بِالْعُمُومِ فِيهِ خِلَافٌ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَصَبَّ التَّصْحِيحِ هُوَ الْمَعَانِي بِقَوْلِهِ دُونَ الْمَعَانِي أَيْ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي أَيْضًا أَوْ لَا هَذَا. وَقَدْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ حُكِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ مِنْهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ قَادِحٌ فِي حِكَايَةِ كَثِيرٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْعُمُومَ) أَيْ الْمَأْخُوذَ مِنْ قَوْلِهِ الْعَامُّ لَفْظُ إلَخْ وَلَمْ يَقُلْ أَيْ الْعَامُّ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ لِأَنَّ الْعَامَّ لَفْظٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ الْعَامُّ مِنْ عَوَارِضِ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَهُوَ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ: دُونَ الْمَعَانِي) أَخَذَهُ مِنْ الْمُقَابِلِ فِي قَوْلِهِ قِيلَ وَالْمَعَانِي فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَخُصُّ اللَّفْظَ. (قَوْلُهُ: قِيلَ وَالْمَعَانِي) وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَيَكُونُ مَوْضُوعًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَعَانِيَ التَّابِعَةَ لِلْأَلْفَاظِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عُمُومِهَا لِعُمُومِ لَفْظِهَا بَلْ الْمَعَانِيَ الْمُسْتَقِلَّةَ كَالْمُقْتَضِي وَالْمَفْهُومِ اهـ. وَيُبْعِدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ كَمَعْنَى الْإِنْسَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) أَيْ اصْطِلَاحِيَّةً كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ فَإِنَّهُ لِلْبَحْثِ عَنْ الْأُمُورِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ وَقِيلَ لُغَوِيَّةً ثُمَّ هُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعُمُومِ بِمَعْنَى الْعَامِّ أَيْ حَالَ كَوْنِ اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْمَعْنَى حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: ذِهْنِيًّا) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْقَوْلِ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَقَدْ قَالَ بِهِ الْحُكَمَاءُ وَبَعْضُ مُحَقِّقِي الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَنْكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى. (قَوْلُهُ: كَمَعْنَى الْإِنْسَانِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ الْكُلِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ لَا وُجُودَ لَهُ خَارِجًا وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْخَبِيصِيِّ وَأُورِدَ أَنَّ مَعْنَى الْإِنْسَانِ لَهُ وُجُودٌ ذِهْنِيٌّ وَوُجُودٌ خَارِجِيٌّ وَهُوَ وُجُودُ أَفْرَادِهِ وَكَذَا الْمَطَرُ وَالْخَصِبُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عُمُومُ الْمَطَرِ وَالْخَصِبِ أَظْهَرَ بِحَسَبِ الْخَارِجِ خَصَّهُ بِالْخَارِجِ وَلَمَّا كَانَ عُمُومُ الْإِنْسَانِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ غَيْرَ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ يُلْتَفَتُ فِيهِ لِكُلِّ فَرْدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَهُوَ لَا عُمُومَ فِيهِ خَصَّهُ بِالذِّهْنِيِّ. (قَوْلُهُ: لِمَا شَاعَ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ الْإِنْسَانِ إلَخْ) أَيْ يُقَالُ الْإِنْسَانُ يَعُمُّ إلَخْ فَالْإِنْسَانُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَعَمَّ الْمَطَرُ إلَخْ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ فَالْمَطَرُ فَاعِلُ عَمَّ وَالْخَصِبُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَالْعُمُومُ شُمُولُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَقَوْلُهُ أَمَرَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ لَفْظِيًّا أَوْ مَعْنًى خَارِجِيًّا أَوْ ذِهْنِيًّا جَوْهَرًا كَالْمَطَرِ أَوْ عَرَضًا كَالْخَصِبِ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعُمُومِ بِمَعْنَى أَنَّ إطْلَاقَ الْعَامِّ عَلَى الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ حَقِيقَةً وَفِي جَعْلِهِ حَالًا مِنْ عُرُوضِ الْعُمُومِ مُسَامَحَةٌ إذْ الْعُرُوض لَا يُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمَطَرُ وَالْخَصِبُ) أَيْ فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ أَمْرٌ وَاحِدٌ شَامِلٌ لِمُتَعَدِّدٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُشَخَّصٌ لَا عُمُومَ فِيهِ وَالْعُمُومُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الذِّهْنِيِّ. (قَوْلُهُ: غَيْرُهُمَا فِي آخَرَ) فَالْمَعَانِي الْخَارِجِيَّةُ مُتَشَخِّصَةٌ لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ مُتَخَصِّصٌ بِمَحِلٍّ وَحَالٍ مَخْصُوصٍ فَيَسْتَحِيلُ شُمُولُهُ الْمُتَعَدِّدَ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ خَاصَّةً دُونَ الْمَعَانِي الَّذِي هُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْآخَرِينَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا

(وَيُقَالُ) اصْطِلَاحًا (لِلْمَعْنَى أَعَمُّ) وَأَخَصُّ (وَلِلَّفْظِ عَامٌّ) وَخَاصٌّ تَفْرِقَةً بَيْنَ الدَّالِّ وَالْمَدْلُولِ وَخُصَّ الْمَعْنَى بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ مِنْ اللَّفْظِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي الْمَعْنَى عَامٌّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَخَاصٌّ فَيُقَالُ لِمَعْنَى الْمُشْرِكِينَ عَامٌّ وَأَعَمُّ وَلِلَفْظِهِ عَامٌّ وَالْمَعْنَى زَيْدٌ خَاصٌّ وَأَخَصُّ وَلِلَفْظِهِ خَاصٌّ وَتُرِكَ الْأَخَصُّ وَالْخَاصُّ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ مُقَابِلِهِمَا وَلَمْ يُتْرَكْ وَلِلَفْظِ عَامٍّ الْمَعْلُومُ مِمَّا قَدَّمَهُ حِكَايَةً لِشِقَّيْ مَا قِيلَ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ. (وَمَدْلُولُهُ) أَيْ الْعَامِّ فِي التَّرْكِيبِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ (كُلِّيَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ الْحَدُّ الْمُتَقَدِّمُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمَعْنَى الْعَامَّ لِأَنَّهُ قَالَ الْعَامُّ لَفْظٌ إلَخْ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ لِلْعَامِّ مِنْ اللَّفْظِ لَا لِلْعَامِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى وَالتَّعْرِيفُ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ أَفْرَادَ وَضْعٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لِلْمَعْنَى) أَيْ فِي مَحَلِّ وَصْفِ الْمَعْنَى وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَلَيْسَتْ اللَّامُ لِلتَّبْلِيغِ كَمَا فِي قُلْت لَهُ مَثَلًا لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ غَيْرَ الْعَاقِلِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَامًّا أَوْ غَيْرَهُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَكَذَا قَوْلُهُ وَلِلَّفْظِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ أَعَمَّ وَأَخَصَّ عَلَى التَّوْزِيعِ أَيْ إنْ كَانَ الْمَعْنَى ذَا عُمُومٍ يُقَالُ لَهُ أَعَمُّ أَوْ إنْ كَانَ ذَا خُصُوصٍ يُقَالُ لَهُ أَخَصُّ وَكَذَا قَوْلُهُ عَامٌّ وَخَاصٌّ (قَوْلُهُ: اصْطِلَاحًا) زَادَهُ هُنَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَا مَرَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مُنَاسَبَةٍ لُغَوِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: أَعَمُّ وَأَخَصُّ) وَأُورِدَ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فَيَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي كُلٍّ وَذَلِكَ تَنَافٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَلَا ضَرَرَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا نَعَمْ لَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ الْإِنْسَانُ أَعَمُّ مِنْ زَيْدٍ فَإِنَّ زَيْدًا جُزْئِيٌّ لَا يُعْقَلُ فِيهِ عُمُومٌ وَالْجَوَابُ الشَّامِلُ أَنَّ أَفْعَلَ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَهَمُّ) فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ اللَّفْظِ وَأَفْعَلُ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فَخُصَّ بِالْأَشْرَفِ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ يُمْكِنُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِالْعَكْسِ. (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ قِيلَ وَالْمَعَانِي. (قَوْلُهُ: فَيُقَالُ لِمَعْنَى الْمُشْرِكِينَ) أَيْ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَلِلَفْظِهِ عَامٌّ) لَمْ يَقُلْ وَخَاصٌّ كَمَا قَالَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْكَلَامَ هُنَا فِي لَفْظِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ لَيْسَ بِخَاصٍّ وَفَرْضُهُ ثَمَّ فِي اللَّفْظِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتْرُكْ وَلِلَفْظٍ عَامٍّ) أَيْ لَمْ يَتْرُكْ قَوْلَهُ وَلِلَفْظٍ عَامٍّ فَهُوَ مَفْعُولُ يَتْرُكُ وَقَوْلُهُ الْمَعْلُومِ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ وَلِلَفْظٍ عَامٍّ. (قَوْلُهُ: مِمَّا قَدَّمَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ الْعَامُّ لَفْظٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِشِقَّيْ مَا قِيلَ) أَيْ مَا يُقَالُ اصْطِلَاحًا لِأَنَّهُ شِقٌّ لِلْمَعْنَى وَشِقٌّ لِلَّفْظِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ شِقَّ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُهُ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ أَيْ مُرَادُ هَذَا الْقَائِلِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: فِي التَّرْكِيبِ) عَائِدٌ لِلْمَدْلُولِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَاصَدَقَ وَهُوَ الْأَفْرَادُ فَالْمَعْنَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ الْوَاقِعَةِ فِي التَّرْكِيبِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَجَاءَ عَبِيدِي كُلِّيَّةً وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ فَإِنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ الْقَضِيَّةُ الْوَاقِعَةُ فِي التَّرْكِيبِ دُونَ اللَّفْظِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ بِمَعْنَى الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ الْمُفَادِ بِالتَّعْرِيفِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلِّيَّةً بَلْ هُوَ مَعْنًى بَسِيطٌ كُلِّيٌّ كَبَقِيَّةِ الْكُلِّيَّاتِ لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهِ. وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ لِلتَّقْيِيدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهُ مَعَ الْمَحْكُومِ بِهِ مَرْكَبًا لَا مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ وَأَنَّهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ غَيْرُ كُلِّيَّةٍ لِعَدَمِ الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ أَتَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي التَّرْكِيبِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِهَذَا عَنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ وَاقِعًا فِي التَّرْكِيبِ نَحْوَ الْعَامُّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَاصَدَقَاتِهِ وَهِيَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ فِي التَّرْكِيبِ وَالْمُرَادُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِهِ فَدَخَلَ نَحْوُ الْمَفْعُولِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ فِي {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ قَوْلِ الْمَتْنِ أَيْ مَحْكُومٌ فِيهِ وَإِلَّا

أَيْ مَحْكُومٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مُطَابَقَةً إثْبَاتًا) خَبَرًا أَوْ أَمْرًا (أَوْ سَلْبًا) نَفْيًا أَوْ نَهْيًا نَحْوُ جَاءَ عَبِيدِي وَمَا خَالَفُوا فَأَكْرِمْهُمْ وَلَا تُهِنْهُمْ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَضَايَا بِعَدَدِ أَفْرَادِهِ أَيْ جَاءَ فُلَانٌ وَجَاءَ فُلَانٌ وَهَكَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَخْ وَكُلٌّ مِنْهَا مَحْكُومٌ فِيهِ عَلَى فَرْدِهِ دَالٌّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً فَمَا هُوَ فِي قُوَّتِهَا مَحْكُومٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ دَالٌّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً (لَا كُلٌّ) أَيْ لَا مَحْكُومٌ فِيهِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ نَحْوُ كُلُّ رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمِثْلُهُ الْمَحْكُومُ بِهِ نَحْوُ السَّاكِنُ فِي الدَّارِ عَبِيدِي. (قَوْلُهُ: أَيْ مَحْكُومٌ فِيهِ) أَيْ الْمَدْلُولُ الْوَاقِعُ فِي التَّرْكِيبِ وَفِيهِ تَسَامُحٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَلْبًا) الْمُرَادُ بِالسَّلْبِ عُمُومُهُ نَحْوُ {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الإسراء: 33] أَمَّا سَلْبُ الْعُمُومِ نَحْوُ مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجًا فَلَا عُمُومَ لَهُ إذْ لَا يَرْتَفِعُ فِيهِ الْحُكْمُ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْعَدَدِ زَوْجٌ. (قَوْلُهُ: مُطَابَقَةً) حَالٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَا مُطَابَقَةٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ مَدْلُولِ الْعَامِّ مُطَابَقَةً. (قَوْلُهُ: وَجَاءَ فُلَانٌ) أَعَادَ الْعَامِلَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ جَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَإِنَّهُ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْأَمْثِلَةِ أَيْ وَمَا خَالَفَ فُلَانٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَى آخِرِ الْعَدَدِ. (قَوْلُهُ: عَلَى فَرْدِهِ) أَيْ فَرْدِ الْقَضِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مَحْكُومٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ) هُوَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ أَيْ فَرْدٍ فَفَرْدٍ وَهَكَذَا وَقِيلَ الثَّانِي صِفَةٌ لِلْأَوَّلِ بِتَأْوِيلِ مُنْفَرِدٍ أَيْ فَرْدٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: دَالٌّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً) فَلَفْظُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادٍ مُطَابَقَةٍ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفِعْلِ وَجَوَابُ الْأَصْفَهَانِيِّ عَنْ إشْكَالِ الْقَرَافِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّالَّ بِالْمُطَابِقَةِ عَلَى الْأَفْرَادِ إنَّمَا هُوَ تِلْكَ الْقَضَايَا الْمُنْدَرِجَةُ بِالْقُوَّةِ تَحْتَ ذَلِكَ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مَثَلًا وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالْمُطَابَقَةِ وَلَا بِغَيْرِ الْمُطَابَقَةِ مِنْ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ عَلَى تِلْكَ الْأَقْسَامِ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْفَهَانِيُّ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى الْعَامِّ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَلِذَلِكَ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْخَاصِّ عَلَى الْخُصُوصِ مَجَازًا وَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ تَضَمُّنِيَّةً لَا مُطَابِقَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي قُوَّةِ الشَّيْءِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ دَلَالَةَ النِّسْبَةِ الْجُزْئِيَّةِ عَلَى الْفَرْدِ قَطْعِيَّةٌ وَدَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَيْهِ ظَنِّيَّةٌ اهـ. وَهُوَ قَوِيٌّ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فَإِنَّهُ جَعَلَ دَلَالَتَهُ تَضَمُّنِيَّةً وَيُرَادُ بِالْجُزْءِ فِي دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ مُطْلَقُ الْبَعْضِ الصَّادِقِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا خُصُوصُ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ كُلٌّ. (قَوْلُهُ: لَا كُلٍّ) أَيْ لَا ذُو كُلٍّ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ لِصِدْقِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَجْمُوعِ بِكَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ كُلُّ رَجُلٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ الَّذِي حُكِمَ فِيهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]

فِي الْبَلَدِ يَحْمِلُ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ أَيْ مَجْمُوعُهُمْ وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَال فِي النَّهْيِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ لِأَنَّ نَهْيَ الْمَجْمُوعِ يُمْتَثَلُ بِانْتِهَاءِ بَعْضِهِمْ وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الإسراء: 33] وَنَحْوِهِ (وَلَا كُلِّيٌّ) أَيْ وَلَا مَحْكُومٌ فِيهِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَفْرَادِ نَحْوُ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْ حَقِيقَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ حَقِيقَتِهَا وَكَثِيرًا مَا يَفْضُلُ بَعْضُ أَفْرَادِهَا بَعْضَ أَفْرَادِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْعَامِّ إلَى الْأَفْرَادِ. (وَدَلَالَتُهُ) أَيْ الْعَامِّ (عَلَى أَصْلِ الْمَعْنَى) مِنْ الْوَاحِدِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ جَمْعٍ، وَالثَّلَاثَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فِيمَا هُوَ جَمْعٌ (قَطْعِيَّةٌ وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَعَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ ظَنِّيَّةٌ وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مَا مَجْمُوعُ الدَّوَابِّ وَمَجْمُوعُ الطُّيُورِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ لِيُطَابِقَ الْخَبَرُ الْمُبْتَدَأَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي النَّهْيِ كَلَا كَمَا فِي {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الإسراء: 33] فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى لَا يَقْتُلْ مَجْمُوعُكُمْ النَّفْسَ فَإِذَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْمُخَاطَبِينَ قَتْلَ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ الْإِثْمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ الْمَجْمُوعُ وَانْتِهَاءُ وَاحِدٍ عَنْ الْفِعْلِ دُونَ الْمَجْمُوعِ كَافٍ فِي تَحَقُّقِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ أَنَّ الْمَجْمُوعَ قَتَلَ وَهَذَا فَاسِدٌ ثُمَّ إنَّ تَخْصِيصَ الشَّارِحِ الْكَلَامَ بِالنَّهْيِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ فِي الْأَمْرِ كُلٌّ لَا كُلِّيَّةٌ لَا يَتَعَذَّرُ الِاسْتِدْلَال فَإِنْ قَوْلَهُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ لِتُقِمْ هَيْئَتُكُمْ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الصَّلَاةَ فَإِذَا لَمْ يُقِمْهَا وَاحِدٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَمْرُ لِأَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مِنْ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ لَمْ تُقِمْهَا لِخُرُوجِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَال (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِالْعَامِّ عَلَيْهِ أَيْ كُلُّ فَرْدٍ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ مَعْنَى نَهْيِ الْمَجْمُوعِ مَعْنَاهُ لَا تَجْتَمِعُوا عَنْ الْفِعْلِ لَا طَلَبَ الْكَفِّ مِنْ الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِكَفِّ الْكُلِّ كَالْأَمْرِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِطَلَبِ الْكَفِّ مِنْ الْمَجْمُوعِ إلَّا عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَعْنَاهُ طَلَبَ الْكَفِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْكَفِّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا يَحْصُلُ بِكَفِّ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ إذَا تَخَلَّفَ فَرْدٌ صَدَقَ عَدَمُ كَفِّ الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِنْ الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ الرَّجُلُ) مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَاحِدِ) بَيَانٌ لِأَصْلِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: فِيمَا هُوَ غَيْرُ جَمْعٍ) فِيهِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُثَنَّى مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْمَعْنَى فِيهِ اثْنَانِ لَا وَاحِدٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا يَشْمَلُ الْمُثَنَّى أَوْ أَنَّهُ قَطَعَ النَّظَرَ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي صِيَغِ الْعَامِّ ثُمَّ هُوَ شَامِلٌ أَيْضًا لِاسْمِ الْجَمْعِ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَأَمَّا اسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيُّ كَتَمْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوْ الِاثْنَيْنِ) عَلَى الْخِلَافِ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ فَأَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ جَمْعَ كَثْرَةٍ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِهِ مَعَ جَمْعِ الْقِلَّةِ فِي الْمَبْدَأِ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَإِنْ خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ أَصْلَ الْمَعْنَى فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ. وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا وَجَمْعَ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالَاتِ وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ اهـ. وَيَعْنِي الْمَقَامَ الْمُشَارَ إلَيْهِ مَقَامُ التَّعْرِيفِ بِمَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ فِي مَحَلٍّ مِنْ الْمَحَالِّ هَذَا مِمَّا اُسْتُعِيرَ فِيهِ جَمْعُ الْقِلَّةِ لِجَمْعِ الْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ: قَطْعِيَّةٌ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ خُرُوجَهُ بِالتَّخْصِيصِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ بَلْ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيِّ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخُصُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ ظَنِّيَّةٌ وَحَمَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَا عَدَا الْأَقَلَّ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ) أَيْ مِنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ فِيهَا أَصْلُ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: ظَنِّيَّةٌ) لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْمُفْرَدَ الْمُعَيَّنَ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ) عَزَاهُ لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ

لِاحْتِمَالِهِ لِلتَّخْصِيصِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مُخَصِّصٌ لِكَثْرَةِ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومَاتِ. (وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ قَطْعِيَّةٌ) لِلُزُومِ مَعْنَى اللَّفْظِ لَهُ قَطْعًا حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ مِنْ تَخْصِيصٍ فِي الْعَامِّ أَوْ تَجُوزُ فِي الْخَاصِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ التَّخْصِيصُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ التَّخْصِيصِ كَالْعَقْلِ فِي {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 284] كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةً اتِّفَاقًا. (وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ) لِأَنَّهَا لَا غِنَى لِلْأَشْخَاصِ عَنْهَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] أَيْ عَلَى أَيْ حَالٍ كَانَ وَفِي أَيْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ كَانَ وَخُصَّ مِنْهُ الْمُحْصَنُ فَيُرْجَمُ وَقَوْلُهُ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِهِ) أَيْ كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ مَا عَدَا الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ لِلتَّخْصِيصِ أَيْ الْإِخْرَاجِ مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ إلَخْ) وَأَيْضًا نَفْيُ الظُّهُورِ لَا يُنَافِي الْوُجُودَ مَعَ الْخَفَاءِ. (قَوْلُهُ: قَطْعِيَّةً) وَاحْتِمَالُ التَّخْصِيصِ لَا يُنَافِي الْقَطْعَ كَاحْتِمَالِ الْمَجَازِ فِي الْخَاصِّ وَالْحُكْمُ لِلْغَائِبِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْعَامِّ أَغْلَبُ مِنْ بَقَائِهِ عَلَى مَعْنَاهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِلُّزُومِ مَعْنَى اللَّفْظِ) أَيْ لِلُّزُومِ إرَادَةِ ذَلِكَ عَادَةً فَلَا يُنَافِي دَلَالَةَ اللَّفْظِ وَضْعِيَّةً لَا تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ اللُّزُومَ الْعَقْلِيَّ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ كَالتَّقْيِيدِ فِي الْمُطْلَقِ وَالنُّسَخُ فِي الْمُحْكَمِ. (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ التَّخْصِيصُ) أَيْ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا يُخَصَّصُ بِالظَّنِّيِّ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ ظَنِّيٌّ وَقَضِيَّةُ كَوْنِ دَلَالَةِ الْعَامِّ قَطْعِيَّةً امْتِنَاعُ تَخْصِيصِ الْآحَادِ أَيْضًا عِنْدَ هُمْ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ قَطْعِيَّةٌ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى حُصُولُ الْقَطْعِ بِالْمَعْنَى مَعَ ظَنِّيَّةِ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي وَأَرَادَ بِالْأَشْخَاصِ أَفْرَادَ الْعَامِّ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَوَاتًا أَوْ مَعَانِيَ كَأَفْرَادِ الضَّرْبِ إذَا وَقَعَ عَامًّا نَحْوُ كُلُّ ضَرْبٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ حَرَامٌ فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْأَفْرَادِ لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّخْصِ عَلَى الْمَعْنَى لَيْسَ حَقِيقِيًّا لِمَا قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ إنَّ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ إلَّا جِسْمًا مُؤَلَّفًا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ شُخُوصًا وَارْتِفَاعًا وَقَوْلُهُ يَسْتَلْزِمُ أَيْ إنَّهُ مَلْزُومٌ لِعُمُومِ الْأَحْوَالِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ لَازِمِهِ بِالْوَضْعِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ الْأُمُورُ الْعَارِضَةُ لِلذَّاتِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا مِنْ بَيَاضٍ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ مِنْ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ السُّكُونَ فِيهِمَا حَالٌ. (قَوْلُهُ: وَالْبِقَاعِ) زَادَ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ والْمُتَعَلَّقاتِ فَهُوَ عَامٌّ فِي الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ فِي بَابِ الْقِيَاسِ اهـ. وَأَقُولُ ذِكْرُ الْأَحْوَالِ يُغْنِي عَنْهَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا غِنَى إلَخْ) أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ مُلَازِمَةً لَهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ جُمْلَةَ الْأَشْخَاصِ لَا يَجْمَعُهَا حَالٌ وَاحِدٌ وَلَا زَمَانٌ وَاحِدٌ وَلَا مَكَانٌ وَاحِدٌ بَلْ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَيْهَا وَلَا عَنْ الْأَزْمِنَةِ كَذَلِكَ فَلَوْ

أَيْ لَا يَقْرَبْهُ كُلٌّ مِنْكُمْ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ كَانَ وَقَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] أَيْ كُلَّ مُشْرِكٍ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ كَانَ وَخُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ (الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَامُّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْمَذْكُورَاتِ لِانْتِفَاءِ صِيغَةِ الْعُمُومِ فِيهَا فَمَا خُصَّ بِهِ الْعَامُّ عَلَى الْأَوَّلِ مُبَيِّنٌ الْمُرَادَ بِمَا أُطْلِقَ فِيهِ عَلَى هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَسْتَلْزِمْ عُمُومُ الْأَشْخَاصِ عُمُومَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَتَحَقَّقْ عُمُومُهَا فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ إنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِلْزَامِ الْعُمُومِ لِلْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: وَخُصَّ مِنْهُ الْمُحْصَنُ) أُخْرِجَ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَقْرَبُهُ كُلٌّ مِنْكُمْ) وَهُوَ بَابُ عُمُومِ السَّلْبِ لَا سَلْبِ الْعُمُومِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَالِحَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَيْ حَالٍ) أَيْ فِي حَالِ الذِّمَّةِ أَوْ الْحِرَابَةِ وَقَوْلُهُ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ أَيْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: كَأَهْلِ الذِّمَّةِ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الْمُعَاهِدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَذْكُورَاتِ) أَيْ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ فَقَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُشْرِكٍ لَكِنْ لَا يَعُمُّ الْأَحْوَالَ حَتَّى يُقْتَلَ فِي حَالِ الذِّمَّةِ وَالْهُدْنَةِ وَلَا خُصُوصَ الْمَكَانِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي أَرْضِ الْهِنْدِ مَثَلًا وَلَا الزَّمَانَ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْقَتْلِ يَوْمَ الْأَحَدِ مَثَلًا كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي زُرْعَةَ الْعِرَاقِيِّ عَلَى الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ صِيغَةِ الْعُمُومِ) لِأَنَّ الْعَامَّ فِي شَيْءٍ بِلَفْظٍ لَا يَكُونُ عَامًّا فِي غَيْرِهِ إلَّا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ مُطْلَقٌ وَقَدْ يُقَالُ إنَّا لَمْ نَدَعْ الْعُمُومَ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ فَلَا يَحْتَاجُ لِصِيغَةٍ وَيَرُدُّ عَلَى جَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ لُزُومُ عَدَمِ الْعَمَلِ بِالْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ لِأَنَّهُ قَدْ عُمِلَ بِهَا فِي زَمَنٍ مَا فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يُكْتَفَى فِي الْعَمَلِ بِهِ بِمَرَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحِلَّ قَوْلِهِمْ يُكْتَفَى بِالْعَمَلِ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يُخَالِفْ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ مُقْتَضَى صِيغَةِ الْعُمُومِ فِي غَيْرِهِ وَإِلَّا قِيلَ بِالْعُمُومِ مُحَافَظَةً عَلَى الصِّيغَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ يَعُمُّ وَتَرْكُ بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ هُنَا مُخَالِفٌ لِلْعُمُومِ فِي الْأَشْخَاصِ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الْعَمَلِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَزِمَ عَدَمُ تَنَاوُلِ الْأَشْخَاصِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: بِمَا أَطْلَقَ فِيهِ) أَيْ بِأَحْوَالٍ أَوْ أَمْكِنَةٍ وَأَزْمِنَةٍ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ فِي فِيهِ الرَّاجِعَ إلَى مَا رِعَايَةً لِلَفْظِهَا وَالضَّمِيرُ فِي أَطْلَقَ رَاجِعٌ لِلْعَامِّ فَكَانَ الْأَوْلَى إبْرَازُهُ لِجَرَيَانِ الصِّيغَةِ أَوْ الصِّلَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ وَالْمَعْنَى مَا خُصَّ بِهِ الْعَامُّ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْأَحْوَالِ وَمَا مَعَهَا الَّتِي أُطْلِقَ الْعَامُّ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ عَامًّا فِي غَيْرِهِ إلَّا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقَدْ سَمِعْت جَوَابَهُ لَكِنْ قِيلَ إنَّ فِي آيَةِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي غَيْرِ الْأَشْخَاصِ لَا عَامٌّ لِقَوْلِهِ {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] إذْ لَوْ كَانَ عَامًّا لَكَانَ ذَكَرَ الْعُمُومَ فِي حَيْثُ الزَّمَانِيَّةِ تَكْرَارًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مُؤَلِّفُهَا تَاجُ زَمَانِهِ وَبَهْجَةُ أَوَانِهِ الْمُحَقِّقُ الذَّكِيُّ الْأَلْمَعِيُّ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ الْعَطَّارُ الشَّافِعِيُّ الْخَلْوَتِيُّ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إتْمَامِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ وَنَرْجُو مِنْهُ تَعَالَى الْإِعَانَةَ وَمَنْعَ الْمَوَانِعِ فِي تَمَامِ مَا نَشْرَعُ فِيهِ مِنْ الْجُزْءِ الثَّانِي فَإِنَّا نَكْتُبُ بِحَسَبِ الْإِقْرَاءِ مَعَ الْإِخْوَانِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ 1244 أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ أَحْسَنَ اللَّهُ خِتَامَهَا وَهِيَ سَنَةُ شُرُورٍ وَفِتَنٍ وَحُرُوبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَطَفَ اللَّهُ بِنَا وَبِالْمُسْلِمِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

[مسألة في صيغ العموم]

مَسْأَلَةٌ) فِي صِيَغِ الْعُمُومِ (وَكُلٌّ) وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (وَاَلَّذِي وَاَلَّتِي) نَحْوُ أَكْرِمْ الَّذِي يَأْتِيك وَاَلَّتِي تَأْتِيك أَيْ لِكُلَّ آتِ وَآتِيَةٍ لَك ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسْأَلَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ] قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ) أَيْ الْمُفِيدَةِ لَهُ وَالْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ أَوْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ الْأَدَاةُ لَا مَا قَابَلَ الْمَادَّةَ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ) بَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا أَقْوَى صِيغَةً قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَهِيَ كُلٌّ وَجَمِيعٌ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا كَأَجْمَعَ وَجَمْعَاءَ وَأَجْمَعِينَ وَتَوَابِعِهَا الْمُؤَكِّدَةِ لَهَا كَابْتَعْ وَأَخَوَاتِهِ وَسَائِرَ سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنَى الْبَاقِي أَوْ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ تَشْمَلُ جَمِيعَ الْبَاقِي حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ وَمَعْشَرٌ وَجَمْعُهُ وَهُوَ مَعَاشِرُ وَعَامَّةٌ وَكَافَّةٌ وَقَاطِبَةٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْخَمْسَةُ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهَا لِلْعُمُومِ اهـ. وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ قَاطِبَةً قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَيْ جَمِيعُهُمْ لَكِنْ مَعْشَرٌ وَمَعَاشِرُ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ بِخِلَافِ عَامَّةٍ وَقَاطِبَةٍ وَكَافَّةٍ وَفِي التَّمْهِيدِ إنَّ لَفَظَّةَ كُلٍّ تَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ أَيْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ بِقَرِينَةٍ قَالَ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ كُلُّ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ فَلَهُ دِينَارٌ فَسَبَقَ ثَلَاثَةٌ فَعَنْ الدَّارَكِيِّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّ دِينَارًا بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَنْ وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ كُلٌّ مِنْكُنَّ طَالِقٌ طَلْقَةً فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ ابْتِدَاءً وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ جُزْءٌ مِنْ طَلْقَةٍ ثُمَّ يَسْرِي وَفَائِدَةُ هَذَا مَا لَوْ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْخُلْعِ هَلْ يَكُونُ صَحِيحًا يَجِبُ بِهِ الْمُسَمَّى أَوْ فَاسِدًا يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الطَّلْقَةِ لَيْسَ مُعَارَضَةً صَحِيحَةً وَفِيهِ خِلَافٌ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ تَطْلُقُ كُلَّ يَوْمٍ طَلْقَةً حَتَّى تُكْمِلَ الثَّلَاثَ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي) فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَدِّ النُّحَاةِ الْمَوْصُولَ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْمَعْرِفَةُ مَا وُضِعَ لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا عُمُومَ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ الِاسْتِعْمَالُ فِي مُعَيَّنٍ بِاعْتِبَارِ الْعَهْدِ وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَهُ النُّحَاةُ وَالِاسْتِعْمَالُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ كُلِّ مَا يَصْلُحُ وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَهُ أَهْلُ الْأُصُولِ وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ

(وَأَيُّ وَمَا) الشَّرْطِيَّتَانِ وَالِاستِفْهامِيَّتانِ وَالْمَوْصُولَتَانِ وَتَقَدَّمَتَا وَأَطْلَقَهُمَا لِلْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْعُمُومِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ (وَمَتَى) لِلزَّمَانِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَوْ شَرْطِيَّةٌ نَحْوُ: مَتَى تَجِئْنِي مَتَى، جِئْتنِي أَكْرَمْتُك ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِح بِالنَّكِرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْغَرَضِ الْمُرَادِ مِنْ عُمُومِ الْأَفْرَادِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا يَقُولُ بِمَا قَالَ بِهِ الْآخَرُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الْعَهْدَ لَيْسَ فِي الْمَوْصُولِ بَلْ فِي صِلَتِهِ وَعَهْدِيَّتُهَا لَا تُنَافِي عُمُومَهُ اهـ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ عَهْدِيَّةَ الصِّلَةِ لَا يُنَافِي عُمُومَهَا فَإِنَّ قَوْلَك جَاءَ الَّذِي عِنْدَك شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَنْ كَانَ عِنْدَك ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] الْآيَةُ أَنَّ الْمَوْصُولَ بَعْدَ اعْتِبَارِ تَعْرِيفِهِ بِالصِّلَةِ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضٍ مِمَّا اتَّصَفَ بِالصِّلَةِ كَانَ كَالْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فَكَمَا أَنَّ الْمُعَرَّفَ الْمَذْكُورَ لِكَوْنِ التَّعْرِيفِ فِيهِ لِلْجِنْسِ مَعْرِفَةً بِالنَّظَرِ إلَى مَدْلُولِهِ وَفِي حُكْمِ النَّكِرَةِ بِالنَّظَرِ إلَى قَرِينَةِ الْبَعْضِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ فَلِذَلِكَ يُعَامَلُ مُعَامَلَتَهَا كَذَلِكَ الْمَوْصُولُ الْمَذْكُورُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّعْيِينِ الْجِنْسِيِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ مَفْهُومِ الصِّلَةِ مَعْرِفَةً وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ خَارِجٍ كَالنَّكِرَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ مُعَامَلَةَ النَّكِرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَيْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هِيَ عَامَّةٌ فِي أُولِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّكْرَارِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَيَّ وَقْتٍ ضَرَبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَتْ مِرَارًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى بِخِلَافِ كُلَّمَا وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ ثَلَاثَةً بِلَفْظٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَمْ يَعُدَّ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى صِيغَةَ أَيْ مَعَ مَا عَدَّهُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ. وَفِي شَرْحِ إصْلَاحِ التَّنْقِيحِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا إذَا قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ مَعًا، أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ عَتَقُوا جَمِيعًا وَإِنْ قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَتْهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ الْأَوَّلُ إذَا ضَرَبَهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِلَّا فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي الْأُولَى عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ مُسْنَدٌ إلَى عَامٍّ وَهُوَ ضَمِيرُ أَيْ وَفِي الثَّانِيَةِ خَاصٌّ؛ لِأَنَّهُ مُسْنَدٌ إلَى خَاصٍّ وَهُوَ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ وَالرَّاجِعُ فِيهِ إلَى " أَيَّ " ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِخِلَافِ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ فِعْلٍ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ اهـ. وَأَمَّا مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَدْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ فَتَاوَى الشَّاشِيِّ تَعْمِيمَ الْعِتْقِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلضَّارِبِينَ وَالْمَضْرُوبِينَ قَالَ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ يَعُمُّ الضَّارِبِينَ لَا الْمَضْرُوبِينَ بَلْ إنْ تَرَتَّبُوا عَتَقَ الْمَضْرُوبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ الضَّرْبُ دُفْعَةً وَاحِدَةً عُيِّنَ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ وَهَذَا رَأْيُ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَوَجْهُهُ بِنَحْوِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْإِصْلَاحِ (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّرْطِيَّتَانِ) وَقَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّ مَا الْحَرْفِيَّةَ إذَا كَانَتْ زَمَانِيَّةً أَفَادَتْ الْعُمُومَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَصْدَرِيَّةُ إذَا وُصِلَتْ بِفِعْلٍ مُسْتَقْبِلٍ نَحْوُ يُعْجِبنِي مَا تَصْنَعُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَرْفِ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْمَفْهُومِيَّةِ فَلَا يُوصَفُ بِعُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ كَمَا لَا يُوصَفُ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا الْحَرْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَهَا دَخْلٌ فِي الْعُمُومِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ مَا السِّرُّ فِي تَقْيِيدِ الْفِعْلِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَهَلَّا كَانَ الْمَاضِي كَذَلِكَ وَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ مَا دُونَ الْحُرُوفِ الْمَصْدَرِيَّةِ؟ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَهُمَا) أَيْ لَمْ يُقَيِّدْهُمَا بِمَا سَبَقَ لِيَحْتَرِزَ بِذَلِكَ عَنْ أَيْ إذَا كَانَتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، أَوْ حَالًا وَكَذَا عَنْ مَا إذَا كَانَتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً أَوْ تَعَجُّبِيَّةً مَثَلًا فَلَا يَكُونَانِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ظُهُورَ قَصْدِ التَّقْيِيدِ سَوَّغَ الْإِطْلَاقَ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ إذَا تَأَمَّلَ الْمَعْنَى أَدْنَى تَأَمُّلٍ عَلِمَ انْتِفَاءَ الْعُمُومِ فِي غَيْرِ الشَّرْطِيَّتَيْنِ وَالِاسْتِفْهَامِيَّتَيْ وَالْمَوْصُولِيَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: مَتَى لِلزَّمَانِ) قَيَّدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْمُبْهَمِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ مَتَى زَالَتْ الشَّمْسُ فَأْتِنِي (قَوْلُهُ: مَتَى جِئْتنِي إلَخْ) الْمَعْنَى فِي أَيِّ زَمَنٍ جِئْتنِي لَا كُلَّمَا جِئْتنِي أَكْرَمْتُك إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ لَيْسَتْ مَتَى الشَّرْطِيَّةُ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا تُفِيدُ التَّوْسِعَةَ فِي الزَّمَانِ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْعُمُومِ هَذَا فَظَاهِرٌ وَإِنْ أُرِيدَ الْعُمُومُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ

(وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا) لِلْمَكَانِ شَرْطِيَّتَيْنِ، نَحْوُ أَيْنَ أَوْ حَيْثُمَا كُنْت آتِك وَتَزِيدُ أَيْنَ بِالِاسْتِفْهَامِ، نَحْوُ أَيْنَ كُنْت (وَنَحْوُهَا) كَجَمْعِ الَّذِي وَاَلَّتِي وَكَمَنْ الِاسْتِفْهَامِيَّة وَالشَّرْطِيَّةِ وَالْمَوْصُولَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَجَمِيعٍ، نَحْوُ جَمِيعِ الْقَوْمِ جَاءُوا وَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِأَنَّهَا إنَّمَا تُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ فَالْعُمُومُ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ شَطَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ كَتَبَهَا عَقِبَ كُلٍّ هُنَا. وَقَوْلُهُ كَالْإِسْنَوِيِّ أَنَّ أَيًّا وَمَنْ الْمَوْصُولَتَيْنِ لَا يَعُمَّانِ، مِثْلُ مَرَرْت بِأَيِّهِمْ قَامَ وَمَرَرْت بِمَنْ قَامَ أَيْ بِاَلَّذِي قَامَ صَحِيحٌ فِي هَذَا التَّمْثِيلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا قَامَتْ فِيهِ قَرِينَةُ الْخُصُوصِ لَا مُطْلَقًا (لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً) لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ (وَقِيلَ لِلْخُصُوصِ) حَقِيقَةً أَيْ لِلْوَاحِدِ فِي غَيْرِ الْجَمْعِ وَالثَّلَاثَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فِي الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِفْهَامُ عَنْ جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْمَجِيءِ فَلَا يَدُلُّ، عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ طَلْقَةً فَإِذَا دَخَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ وَمَا قِيلَ إنَّ الْعُمُومَ فِي الَّتِي بَدَلِيٌّ لَا شُمُولِيٌّ وَالْكَلَامُ فِي الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ الْفَرْدِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَوَابِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنَّهُ سَارٍ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَجِيءِ فَإِنَّهُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: لِلْمَكَانِ) وَلَوْ اعْتِبَارِيًّا فَدَخَلَ قَوْلُ الشَّاعِرِ حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرُ لَك ... اللَّهُ نَجَاحًا فِي غَابِرِ الْأَزْمَانِ فَإِنَّ الْمَكَانَ فِيهِ اعْتِبَارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) عَطْفٌ عَلَى كُلٍّ. (قَوْلُهُ: كَجَمْعِ الَّذِي وَاَلَّتِي) أَيْ: وَبَقِيَّةِ الْجُمُوعِ كَاَلَّذِينَ وَاَللَّوَاتِي وَنَحْوِهَا وَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِأَلْ لِأَنَّ عُمُومَهَا لَيْسَ مِنْ أَلْ بَلْ مِنْ ذَاتِهَا ثُمَّ قَضِيَّةُ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَعْضِ صِيَغِ الْمَوْصُولِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَقِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ وَالرَّاجِحُ عُمُومُ الْمَوْصُولَاتِ كُلِّهَا سِوَى مَا اسْتَثْنَيْته فِي النَّظْمِ وَهُوَ أَيْ نَحْوَ يُعْجِبُنِي أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ فَلَا عُمُومَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَجَمِيعٌ) وَأُخِذَ مِنْهُ تَحْرِيمُ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ أَوْ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ النَّارَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْأَمَالِي وَالْقَرَافِيُّ آخِرَ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْبَارِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ. (قَوْلُهُ: وَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا) أَيْ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَالَ لَا أَدْرِي كَيْفَ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعٍ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمَعْرِفَةِ، تَقُولُ جَمِيعُ الْقَوْمِ وَجَمِيعُ قَوْمِك وَلَا تَقُولُ جَمِيعُ قَوْمٍ وَمَعَ التَّعْرِيفِ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ يَكُونُ التَّعْمِيمُ مُسْتَفَادًا مِنْهُمَا لَا مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعٍ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ جَمِيعٍ إذَا قُدِّرَتْ اللَّامُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْجِنْسِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ نَحْوَ جَمِيعِ غُلَامِ زَيْدٍ إذْ عُمُومُ أَجْزَائِهِ مِنْ جَمِيعِ لَا مِنْ تَعْرِيفِ غُلَامٍ بِالْإِضَافَةِ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ مَنْقُوضٌ بِنَحْوِ جَمِيعُ زَيْدٍ حَسَنٌ إذْ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةٌ وَلَا عُمُومَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ) أَيْ لِلتَّنْظِيرِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: شَطَبَ عَلَيْهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا شَطَبَ عَلَيْهَا لِدُخُولِهَا فِي وَنَحْوِهَا. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ كَالْإِسْنَوِيِّ إلَخْ) أَمَّا بِالنَّظَرِ لِأَيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْمُسْتَصْفَى وَأَمَّا مَا فَقَدْ قَالَ وَشَرْطُ كَوْنِهِمَا يَعْنِي مَنْ وَمَا لِلْعُمُومِ أَنْ يَكُونَا شَرْطِيَّتَيْنِ أَوْ اسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ فَأَمَّا النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ وَالْمَوْصُولَةُ فَإِنَّهُمَا لَا يَعُمَّانِ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمَوْصُولَةَ تَعُمُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ قَالَ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ مَنْ يَدْخُلْ الدَّارَ مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَيُنْظَرُ إنْ أَتَى بِالْفِعْلِ مَجْزُومًا وَمَكْسُورًا عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَمَّ الْعِتْقُ جَمِيعَ الدَّاخِلِينَ وَإِنْ أَتَى بِهِ مَرْفُوعًا عَتَقَ الْأَوَّلُ فَقَطْ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِيمَنْ يَعْرِفُ النَّحْوَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ سُئِلَ مُرَادَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُحَقَّقِ وَهِيَ الْمَوْصُولَةُ. (قَوْلُهُ: صَحِيحٌ فِي هَذَا التَّمْثِيلِ وَنَحْوِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى إرَادَتِهِ بِخِلَافِ الْخَالِي عَنْهَا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ، نَحْوُ أَحْسِنْ إلَى مَنْ يُمْكِنُك الْإِحْسَانُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: قَرِينَةٌ لِلْخُصُوصِ) وَهِيَ هُنَا الْمُرُورُ. (قَوْلُهُ: لِلْعُمُومِ) خَبَرٌ عَنْ كُلٍّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ حَقِيقَةً حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ مِنْ مُتَعَلَّقِهِ الْمَحْذُوفِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِلْخُصُوصِ) هُوَ بَعِيدٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) أَيْ الثَّابِتُ عَلَى كُلٍّ مِنْ احْتِمَالَيْ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

وَالْعُمُومِ مَجَازًا (وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) أَيْ لَا يُدْرَى أَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَمْ فِي الْخُصُوصِ أَمْ فِيهِمَا (وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ) ، نَحْوُ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] (أَوْ الْإِضَافَةِ) ، نَحْوُ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] (لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ) لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ (خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (مُطْلَقًا) فَهُوَ عِنْدَهُ لِلْجِنْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْعُمُومِ مَجَازًا) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مَجَازٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا لِلْبَعْضِ لِلْكُلِّ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مُشْتَرَكَةٌ) أَيْ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا. (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقِيلَ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. (قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ) وَكَذَا الْمُثَنَّى وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَشَفْعٍ وَمِثْلُ الْجَمْعِ اسْمُ الْجَمْعِ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَاسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ كَتَمْرٍ، وَفِي قَوْلِهِ الْمُعَرَّفُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ جَعْل جَمْعِ السَّلَامَةِ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ كَمَا مُثِّلَ بِهِ وَبَيْنَ قَوْلِ النُّحَاةِ إنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ جَمْعُ قِلَّةٍ وَمَدْلُولُ جَمْعِ الْقِلَّةِ عَشَرَةٌ فَأَقَلُّ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ وَكَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُعَرَّفِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَقَدْ وَافَقَ الْأُصُولِيُّونَ النُّحَاةَ فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْعَدَدِ فَإِنَّ رِجَالًا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِأَيِّ عَدَدٍ ثَبَتَ فَوْقَ الِاثْنَيْنِ كَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا وَقَالَ غَيْرُهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ وَضْعِهِ لِلْقِلَّةِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُمُومِ بِعُرْفٍ أَوْ شَرْعٍ فَنَظَرَ النُّحَاةُ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ وَالْأُصُولِيُّونَ إلَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهَلْ يَشْمَلُ أُلْ الْمَوْصُولَةَ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا نَفْسَهَا عَامَّةٌ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْرِ الْمَوْصُولِ فَالْقَوْلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعُمُومِ الْمَوْصُولِ عَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنَ الْأَخْفَشَ يَقُولُ فِي أَلْ الْمَوْصُولَةِ أَنَّهَا لِلتَّعْرِيفِ. (قَوْلُهُ: فِي أَوْلَادِكُمْ) أَيْ شَأْنِ أَوْلَادِكُمْ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ) . إلَّا أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْهُودِينَ خَاصَّةً فَيَكُونُ الْعُمُومُ فِيهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ تَحَقَّقَ عَهْدٌ أَمْ لَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ كَانَ مَحَلَّ اتِّفَاقٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ قَالَ أَبُو هَاشِمٍ إنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ بَلْ الْجِنْسَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اُحْتُمِلَ عَهْدٌ أَمْ لَا وَعَزَاهُ الْمَازِرِيُّ لِأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيِّ اهـ وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مُوَافِقٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مِثْلِ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَلْبَسُ الثِّيَابَ الْبِيضَ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى عَهْدٍ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعُمُومَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ قَطُّ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ ثُمَّ هَذَا الْجِنْسُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ تُخَصُّ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَرْكَبَنَّ الْخَيْلَ يَحْصُلُ الْبِرُّ بِرُكُوبٍ وَاحِدٍ وَيَعُمُّ فِي النَّفْيِ، مِثْلُ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] أَيْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ جِنْسَ الزَّكَاةِ لِجِنْسِ الْفُقَرَاءِ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِكُلِّ فَقِيرٍ لَا يُقَالُ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ لَا ثُبُوتَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذَا مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ فَالْمَطْلُوبُ حَاصِلٌ وَهُوَ جَوَازُ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ اهـ. وَفِي التَّوْضِيحِ لَوْ أُرِيدَ الْجَمْعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَكَانَ الْمُرَادُ جَمْعًا مُسْتَغْرَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٌ إجْمَاعًا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يُوَزِّعَ الصَّدَقَاتِ عَلَى جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِحَيْثُ لَا يُحْرِمُ وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا يَبْطُلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْجَمْعُ مُرَادًا كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ فَيُرَادُ أَنَّ جِنْسَ الصَّدَقَةِ لِجِنْسِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ

الصَّادِق بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي: تَزَوَّجْت النِّسَاءَ، وَمَلَكْت الْعَبِيدَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ (وَ) خِلَافًا (لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (إذَا احْتَمَلَ مَعْهُودًا) فَهُوَ عِنْدَهُ بِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ حَتَّى تَقُومَ قَرِينَةٌ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَعَلَى الْعُمُومِ قِيلَ: أَفْرَادُهُ جُمُوعٌ وَالْأَكْثَرُ آحَادٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ نَحْوُ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] أَيْ يُثِيبُ كُلَّ مُحْسِنٍ {: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] أَيْ كُلًّا مِنْهُمْ بِأَنْ يُعَاقِبَهُمْ {فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} [القلم: 8] أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَادَ الْأَفْرَادُ فَتَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ الَّذِي يُوجِبُ التَّوْزِيعَ عَلَى الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ بَعْدَ الْمَصَارِفِ اهـ. وَعِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ اللَّامَ لِلْمِلْكِ وَصَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ أَيْضًا وَبَنَوْا عَلَيْهِ وُجُوبَ التَّعْمِيمِ فِي الشَّرَفِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ إلَّا الْعَامِلُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا قَسَمَ الْمَالِكُ وَيَجُوزُ حَيْثُ كَانَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي الزَّكَاةِ يُفْتَى فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ وَاحِدٍ إلَى وَاحِدٍ وَدَفْعُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ اهـ. وَنِعْمَ مَا قَالَ وَمَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ أَئِمَّتِنَا لِمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَوْلُ الْعَلَّامَةِ سم الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْغَايَةِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ لَا يُسَلَّمُ لَهُ بِإِبْدَاءِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمِثَالِ وَالْآيَةِ لَا يَخْفَى وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّ دُخُولَ أَلْ الْجِنْسِيَّةِ يُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ قَاعِدَةٌ حَنَفِيَّةٌ. وَأَمَّا عُلَمَاءُ أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ إلَّا مَجَازًا وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ مَا ذَكَرْنَاهُ خِلَالَ الْمَبَاحِثِ وَمَا قَرَّرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ يَظْهَرُ لَهُ ضَعْفُ جَوَابِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الصَّادِقِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ) أَيْ وَبِالْكُلِّ (قَوْلُهُ: تَزَوَّجْت النِّسَاءَ) فِيهِ أَنَّ إرَادَةَ الْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ مِنْ قَرِينَةِ اسْتِحَالَةِ تَزَوُّجِ جَمِيعِ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الْجِنْسِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْعُمُومِ وَلَيْسَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ الْبَعْضُ (قَوْلُهُ: مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ مُحْمَلًا مُحْتَمِلًا لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ آحَادٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ مُرَجِّحًا لِهَذَا وَيَتَعَيَّنُ اعْتِقَادُ

وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْهُ نَحْوُ جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ جَاءَ كُلُّ جَمْعٍ مِنْ جُمُوعِ الرِّجَالِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا نَعَمْ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ نَحْوُ رِجَالُ الْبَلَدِ يَحْمِلُونَ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ أَيْ مَجْمُوعُهُمْ وَالْأَوَّلُ يَقُولُ قَامَتْ قَرِينَةُ الْآحَادِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَنَحْوِهَا. (وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِهَا فِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوَالِ الْجَمْعِيَّةِ وَيَصِيرُ كَالْمُفْرَدِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الصِّيغَةُ جَمْعًا، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرُبَّمَا نُقِلَ هَذَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِلَّا قَالَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَلِهَذَا شَرَطُوا فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ ثَلَاثَةً إلَّا لِلْعَامِلَيْنِ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمْعِ نَعَمْ فِي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ: لَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ أَوْ لَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْجَمْعِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ إثْبَاتِ الْجَمْعِ أَيْ مِنْ عُمُومِهِ قُلْت وَبِهَذَا تَسْتَفِيدُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا فِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ بِالْجَمْعِ لِتَعَذُّرِ تَعْمِيمِهِمْ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْأَصْلِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ اللَّامَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْجَمْعِ مُعْتَبَرَةٌ كَاسْمِ الْجِنْسِ أَيْ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَى الْوَاحِدِ لَكِنَّهُ يُشْكَلُ بِمَسْأَلَةِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ. اهـ. مَأْخُوذٌ مِنْ الْبِرْمَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ) لَمْ يَقُلْ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ كَمَا يَأْتِي أَوْ يُقَالُ يَكْفِي الدُّخُولُ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ وَزَيْدٌ دَاخِلٌ عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَخْرَجُ جُزْئِيًّا، أَوْ جُزْءًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا) أَيْ وَالِانْقِطَاعُ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ: صِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ وَمَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ وَلِذَلِكَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِلْعُمُومِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى الْعُمُومِ، أَوْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَالْأَوْلَى إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْقَائِلُ بِأَنَّ أَفْرَادَ الْجُمُوعِ جُمُوعٌ (تَذْيِيلٌ) مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ طَلَقَتْ زَوْجَتُهُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ هَذَا إذَا قَصَدَ تَعْذِيبَ أَحَدِهِمْ فَإِنْ قَصَدَ تَعْذِيبَ كُلِّهِمْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ يَخْتَصُّ بِبَعْضِهِمْ، وَمِنْهَا التَّلْقِيبُ بِشَاهٍ شَاهْ أَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ. وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبَغْدَادَ لَمَّا لُقِّبَ بِذَلِكَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ آخِرُ الْمُلُوكِ الدَّيَالِمَةِ وَخُطِبَ بِهِ عَلَى الْمَنَابِرِ فَأَفْتَى طَائِفَةٌ بِالْجَوَازِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ الْحَنَفِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْبَلِيُّ وَطَائِفَةٌ بِالتَّحْرِيمِ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجَوِّزِينَ مُنَاقَضَاتٌ فِي ذَلِكَ وَوَافَقَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَخْنَى رَجُلٍ، أَوْ أَخْنَعُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى» وَأَخْنَعُ وَأَخْنَى بِمَعْنَى أَذَلَّ وَأَوْضَعُ وَأَرْذَلُ أَقْوَالٌ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَاجَلَهُ بِالنِّقْمَةِ فَلَمْ يُفْلِحْ بَعْدَ هَذَا اللَّقَبِ وَبِهِ انْقَرَضَتْ دَوْلَتُهُمْ حِينَ ظَهَرَ بَنُو سَلْجُوقٍ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ التَّارِيخِ. (قَوْلُهُ: الْمُحَلَّى) شَبَّهَ التَّعْرِيفَ بِالتَّحْلِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ خِسَّةِ الْإِبْهَامِ وَشَمَلَتْ اللَّامُ الْمَوْصُولَةُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرَهُ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُثَنَّى وَفِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْقَرَافِيِّ أَنَّهُ كَالْجَمْعِ وَجَعَلَهُ وَارِدًا عَلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِاسْمِ الْجِنْسِ كَمَا عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ يُقَسِّمُ الْمُفْرَدَ إلَى اسْمِ جِنْسٍ وَغَيْرِهِ فَيَخُصُّ بِاسْمِ الْجِنْسِ مَا لَا يَتَغَيَّرُ لَفْظُهُ عِنْدَ تَكَثُّرِ مَدْلُولِهِ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ وَيَجْعَلُ مَا تَغَيَّرَ لَفْظُهُ عِنْدَ تَكَثُّرِ مَدْلُولِهِ قِسْمًا آخَرَ لَا يُسَمَّى اسْمَ جِنْسٍ فَكَأَنَّهُ بِالتَّعْبِيرِ بِالْمُفْرَدِ تَخَلَّصْ عَنْ إيهَامٍ أَرَادَ اسْمَ الْجِنْسِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَثَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمُومِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّحْلِيَةِ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ) فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَنَزَّهُوا عَنْ الْبَوْلِ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَلِذَلِكَ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ عِنْدَنَا وَمَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ كَالْإِمَامِ مَالِكٍ يَمْنَعُ الْعُمُومَ وَمِثْلُهُ مَا إذَا نَوَى الْجُنُبُ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَرْتَفِعُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ وَفَاءً بِالْقَاعِدَةِ وَلَمْ يُنَزِّلُوا

مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ، نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] أَيْ كُلَّ بَيْعٍ وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ كَالرِّبَا خِلَافًا (لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (مُطْلَقًا) فَهُوَ عِنْدَهُ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي لَبِسْت الثَّوْبَ وَشَرِبْت الْمَاءَ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 2 - 3] (وَ) خِلَافًا (لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ) فِي نَفْيِهِمَا الْعُمُومَ عَنْهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ) كَالْمَاءِ (زَادَ الْغَزَالِيُّ أَوْ تَمَيَّزَ) وَاحِدُهُ (بِالْوَحْدَةِ) كَالرَّجُلِ إذْ يُقَالُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ فِي ذَلِكَ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ، نَحْوُ شَرِبْت الْمَاءَ وَرَأَيْت الرَّجُلَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ، نَحْوُ الدِّينَارُ خَيْرٌ مِنْ الدِّرْهَمِ أَيْ كُلُّ دِينَارٍ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ دِرْهَمٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَتَمَيُّزٌ بِالْوَاوِ بَدَلٌ أَوْ لِيَكُونَ قَيْدًا فِيمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ قَسَمَ مَا لَيْسَ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ إلَى مَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَعُمُّ وَإِلَى مَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهَا كَالذَّهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظَ عَلَى أَضْعَفِ الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ الْأَصْغَرُ كَمَا نَزَّلُوهُ عَلَيْهِ مِنْ إقْرَارِ الْأَبِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكٌ لِوَلَدِهِ حَيْثُ نَزَّلُوهُ عَلَى الْهِبَةِ وَجَوَّزُوا الرُّجُوعَ وَخَرَجَ عَنْ الْقَاعِدَةِ مَا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَحَنِثَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُفْرَدٌ مُحَلًّى بِاللَّامِ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ، وَالْأَيْمَانُ قَدْ يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ الْعُرْفِ وَمِنْهَا مَا لَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ لِلصَّلَاةِ فَهَلْ يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَى النَّفْلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ إلَخْ) . فَإِنْ اُحْتُمِلَ الْعَهْدُ وَغَيْرُهُ حُمِلَ عَلَى الْعَهْدِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ حَتَّى يَحْنَثَ بِبَعْضِهِ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ بِالْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْبِطِّيخُ الْأَخْضَرُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاسْمُ لَا يُعْهَدُ فِي بِلَادِهِمْ إطْلَاقُهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ إلَّا مُقَيَّدًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْجَوْزَ لَا يَحْنَثُ بِالْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ كَمَا جُزِمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَفِي الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ وَجْهَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. (قَوْلُهُ: لِتَبَادُرِهِ) أَيْ الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ) فَتَكُونُ الْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَوْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَقِيلَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوْ هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ مَحْكِيَّةٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ تَحَقَّقَ عَهْدًا أَوْ لَا كَانَ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ أَوْ لَا تَمَيَّزَ بِالْوَحْدَةِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لِلْجِنْسِ) أَيْ الْمَاهِيَّةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْكُلِّيِّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ) كَالْآيَةِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا قَرِينَةُ إرَادَةِ الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ) نَحْوُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ لِعَدَمِ التَّمَيُّزِ الْمَذْكُورِ أَمَّا إنْ تَمَيَّزَ عَنْ جِنْسِهِ بِالتَّاءِ وَخَلَا عَنْهَا، نَحْوُ «لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِوَصْفِهِ بِالْوَحْدَةِ، نَحْوُ الذَّهَبِ لَا يُقَالُ ذَهَبٌ وَاحِدٌ فَهُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: كَالْمَاءِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَفِيهِ التَّاءُ وَلَكِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ بِالْوَحْدَةِ يُقَالُ مَاءٌ وَاحِدٌ وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ اللُّبِّ وَقِيلَ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ لَيْسَ لِلْعُمُومِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ وَتَمَيَّزَ بِالْوَحْدَةِ كَالْمَاءِ وَالرَّجُلِ إذْ يُقَالُ فِيهِمَا مَاءٌ وَاحِدٌ وَرَجُلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ فِي ذَلِكَ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ، نَحْوُ شَرِبْت الْمَاءَ وَرَأَيْت الرَّجُلَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْعَامُّ فِي ذَلِكَ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ أَوْ تَمَيَّزَ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ. (قَوْلُهُ: نَحْوُ الدِّينَارِ) فَإِنَّ الْقَرِينَةَ الْعَقْلِيَّةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الدِّينَارِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الدِّرْهَمِ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ يَنْبَغِي إلَخْ) .؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِأَوْ يُوهِمُ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِيَنْبَغِي مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ عَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِإِمْكَانِ التَّجَوُّزِ فِي كَلِمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ فَإِنَّ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ صَادِقٍ عَلَى الْوَاحِدِ الْمُتَمَيِّزِ بِالْوَحْدَةِ، نَحْوُ رَجُلٍ وَصَادِقٍ عَلَى الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ بِهَا، نَحْوُ الذَّهَبِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ وَغَرَضُهُ ذِكْرُ مَا لَا يَعُمُّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ بِقَوْلِهِ وَتَمَيَّزَ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ أَيْ بِشَرْطِ تَمَيُّزِ وَاحِدِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ) شَامِلٌ لِنَحْوِ {الزَّانِيَةُ} [النور: 2] وَالزَّانِي {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] فَإِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدُهُ مُتَمَيِّزًا عَنْ الْجِنْسِ بِالتَّاءِ بَلْ النَّافِيَةُ لِتَمْيِيزِ الْمُذَكَّرِ عَنْ الْمُؤَنَّثِ وَشَامِلٌ أَيْضًا لِاسْمِ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ الَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِالتَّاءِ فِي الْجَمْعِ كَكَمَا وَكَمَاتٍ وَاَلَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِيَاءِ النِّسْبَةِ وَهِيَ فِي

فَيَعُمُّ كَالْمُتَمَيِّزِ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ كَالتَّمْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَكَانَ مُرَادُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمَثِّلْ إلَّا بِمَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ لِلْعُمُومِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ يَعْنِي مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ نَحْوُ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] أَيْ كُلِّ أَمْرٍ لِلَّهِ وَخُصَّ مِنْهُ أَمْرُ النَّدْبِ. (وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ وَضْعًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفْرَدِ، نَحْوُ رُومٍ وَرُومِيٍّ. (قَوْلُهُ: فَيَعُمُّ) أَيْ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ مِنْ التَّاءِ. قَوْلُهُ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا» أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الذَّهَبِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الذَّهَبِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا هَاءَ وَهَاءَ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ كِنَايَةً عَنْ التَّقَابُضِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُلُولِ غَالِبًا قَالَ الشَّيْخُ الْغُنَيْمِيُّ وَيُتَأَمَّلُ فِي مَوْقِعِهِ مِنْ الْإِعْرَابِ فَإِنَّ اسْمَ الْفِعْلِ لَا يَتَأَثَّرُ بِالْعَوَامِلِ اللَّفْظِيَّةِ وَيَخْطِرُ بِالْبَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ فِعْلٍ لَكِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي التَّقَابُضِ عَلَى وَجْهِ التَّجَوُّزِ فَهُوَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ مُرَادُ إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ اقْتِصَارَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَى التَّمْثِيلِ بِمَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْغَزَالِيِّ أَفَادَتْ التَّفْصِيلَ الْمَقْصُودَ لَهُمَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَصْفَى الَّذِي هُوَ آخِرُ تَأْلِيفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْخُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوَّلِهَا. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَنْخُولِ بِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَعْلِيقِهِ يَعْنِي الْبُرْهَانَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْمَعْنَى أَوْ نَقْصٍ وَهُوَ أَدْرَى بِمَعْنَى كَلَامِ شَيْخِهِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُشَافِهُهُ بِمَعْنَاهُ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُمَثِّلْ) أَيْ فِيمَا لَا يَعُمُّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُفْرَدُ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ، نَحْوُ جَاءَنِي ضَارِبُ زَيْدٍ فَهَلْ يَعُمُّ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ فِي نِيَّةِ الِانْفِصَالِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ فِي النِّهَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قَضِيَّةِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَلَامِ التَّعْرِيفِ اهـ. وَأَقُولُ فِي التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا الْفَرْدُ الْمُضَافُ فَفِي الْمَحْصُولِ وَمُخْتَصَرَاتِهِ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ أَنَّهُ يَعُمُّ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْأُصُولِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ فُرُوعًا مِنْهَا إذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِوَلَدِ زَيْدٍ وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أَخَذُوا كُلُّهُمْ، ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْمَزَادَةَ أَوْ الْجُبِّ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِشُرْبِ الْجَمِيعِ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فِيمَا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ عَادَةً كَالْبَحْرِ وَكَالنَّهْرِ وَالْبِئْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ وَمِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ أَوْ بَغْدَادَ لَمْ يَحْنَثْ بِبَعْضِهِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ اهـ. وَأَمَّا مَنْ لَهُ زَوْجَاتٌ وَعَبِيدٌ فَقَالَ زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ وَتُعَيَّنُ وَلَا يَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ لِلتَّعْلِيلِ السَّابِقِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْعُمُومَ. (قَوْلُهُ: أَيْ كُلِّ أَمْرٍ إلَخْ) بُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْعُمُومَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّحْذِيرَ لِمَنْ خَالَفَ جَمِيعَ الْمَأْمُورَاتِ لَا مَنْ خَالَفَ الْبَعْضَ فَقَطْ وَأُجِيبَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ بِالسَّلْبِ الرَّافِعِ لِلْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ أَيْ لَا يَمْتَثِلُونَ كُلَّ أَمْرٍ لَهُ بَلْ بَعْضَ الْأُمُورِ فَقَطْ فَتُفِيدُ تَرَتُّبَ الْوَعِيدِ عَلَى الْبَعْضِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: فِي سِيَاقِ النَّفْيِ) وَمِثْلُهُ النَّهْيُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] إلَخْ {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] وَهَذَا مُنْدَرِجٌ فِي النَّفْيِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ إنَّ التَّعْبِيرَ بِالسِّيَاقِ يَشْمَلُ وُقُوعَ ضَمِيرِ النَّكِرَةِ بَعْدَ النَّفْيِ مَعَ تَقَدُّمِ النَّكِرَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْبَعْدِيَّةِ وُقُوعُ

بِأَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَامِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مُطَابَقَةٌ (وَقِيلَ لُزُومًا وَعَلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَالْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّفْيَ أَوَّلًا لِلْمَاهِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ نَفْيُ كُلِّ فَرْدٍ فَيُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. (نَصًّا إنْ بَنَيْت عَلَى الْفَتْحِ) نَحْوُ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ (وَظَاهِرًا إنْ لَمْ تَبْنِ) نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ فَيَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوَاحِدِ فَقَطْ وَلَوْ زِيدَ فِيهَا مِنْ كَانَتْ نَصًّا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرُوفِ أَنَّ مِنْ تَأْتِي لِتَنْصِيصِ الْعُمُومِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ لِلْعُمُومِ نَحْوُ مَنْ يَأْتِنِي بِمَالٍ أُجَازِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّكِرَةَ نَفْسَهَا بَعْدَ النَّفْيِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ النَّكِرَةَ الْمَجْمُوعَةَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ فَإِنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ عَلَى التَّحْقِيقِ وَإِنَّهُ مَعَ بِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ نَحْوَ لَا رِجَالَ لَيْسَ نَصًّا فِي الْعُمُومِ فَيُشْكِلُ كَلَامُهُ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَفْرَادَهُ جُمُوعٌ لَا إشْكَالَ وَخَرَجَ الْمُثَنَّاةُ وَالْمَجْمُوعَةُ جَمْعَ سَلَامَةٍ نَحْوُ لَا رَجُلَيْنِ وَلَا مُسْلِمَيْنِ إذْ بِنَاؤُهُمَا عَلَى الْيَاءِ لَا عَلَى الْفَتْحِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْفَتْحِ مَا يَشْمَلُ نَائِبَهُ كَالْيَاءِ هُنَا وَهَلْ تُعَمَّمُ مُتَعَلِّقَاتُ الْفِعْلِ قَالَ الْقَرَافِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا إنَّمَا تُعَمَّمُ فِي الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إذَا كَانَا مُتَعَلِّقَ الْفِعْلِ أَمَّا مَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ، أَوْ مَا جَاءَ فِي الْيَوْمِ أَحَدٌ فَلَيْسَ نَفْيًا لِلطَّرَفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ ضَاحِكًا، أَوْ إلَّا ضَاحِكًا لَيْسَ نَفْيًا لِلْأَحْوَالِ وَضَاحِكٌ مُثْبَتٌ مُسْتَثْنًى مِنْ أَحْوَالٍ مُثْبَتَةٍ وَنَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ إيجَابٍ اهـ. وَهُوَ نَقْلٌ عَزِيزٌ غَرِيبٌ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى إفَادَةِ النَّكِرَةِ لِلْعُمُومِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} [الأنعام: 91] فِي رَدِّ {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ: " مِنْ شَيْءٍ " لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ لَمَا اسْتَقَامَ رَدُّهُ بِالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ؛ إذْ الْإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ لَا يُنَافِي السَّلْبَ الْجُزْئِيَّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَدُلَّ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَقِيلَ لُزُومًا فَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَضْعِ وَضْعٌ خَاصٌّ وَهُوَ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ (قَوْلُهُ: فَيُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَبَيَانٌ لِفَائِدَةِ الْخِلَافِ وَحَاصِلُهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا: الدَّلَالَةُ وَضْعِيَّةٌ فَالتَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ مُعْتَبَرٌ لِعَدَمِ الْمُغَايَرَةِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَقْلِيَّةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ عَقْلِيٌّ فَتُنَافِي مَا حَكَمَ بِهِ الْعَقْلُ مِنْ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ فِي الْأَمْرِ الْمَلْفُوظِ بِهِ قَالَ الْكَمَالُ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّفْرِيعِ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت طَعَامًا وَنَوَى طَعَامًا خَاصًّا وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إنَّمَا الْمَعْرُوفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِمَا تَفْرِيعُ قَبُولِ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ وَنَفْيِهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي إذَا وَقَعَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَا أَكَلْت، أَوْ لَا آكُلُ دُونَ مَفْعُولٍ خَاصٍّ فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي مَفْعُولَاتِهِ فَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ، أَوْ: إنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى مَأْكُولًا خَاصًّا قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً (قَوْلُهُ: دُونَ الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ فِيهِ لِلْمَاهِيَّةِ فَإِذًا انْتَفَتْ الْأَفْرَادُ؛ إذْ لَوْ بَقِيَ فَرْدٌ لَمْ يَصْدُقْ انْتِفَاءُ الْمَاهِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِخْرَاجُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْأَفْرَادِ فِيهِ مُطَابَقَةٌ فَيُمْكِنُ نَفْيُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَإِبْقَاءُ بَعْضٍ وَقَدْ يُقَالُ: إذَا سَاغَ التَّخْصِيصُ بِاللَّفْظِ فَبِالنِّيَّةِ لَا مَانِعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرًا إلَخْ) وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ: إنَّ قِرَاءَةَ {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] بِالْفَتْحِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ وَبِالرَّفْعِ تُجَوِّزُهُ (قَوْلُهُ: فَيُحْتَمَلُ) أَيْ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: كَانَتْ نَصًّا) ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الزَّائِدَ لِلتَّأْكِيدِ وَالْعُمُومُ كَانَ ظَاهِرًا فَإِذَا أُكِّدَ صَارَ نَصًّا (قَوْلُهُ: فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّفْيِ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ الْوُقُوعَ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ الشَّرْطُ فِي مِثْلِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ لِلْيَمِينِ عَلَى تَحْقِيقٍ وَيَقْتَضِي مَضْمُونَ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مُثْبَتًا مِثْلُ: إنْ ضَرَبْت رَجُلًا فَكَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِلْمَنْعِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ رَجُلًا وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا مِثْلُ: إنْ لَمْ أَضْرِبْ رَجُلًا فَكَذَا يَمِينٌ لِلْحَمْلِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنِّ رَجُلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ خَاصٌّ يُفِيدُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِهِ النَّقِيضُ لِلْعُمُومِ وَالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ وَالنَّكِرَةُ فِي

مُرَادُهُ الْعُمُومُ الْبَدَلِيُّ لَا الشُّمُولِيُّ أَيْ بِقَرِينَةِ الْمِثَالِ أَقُولُ وَقَدْ تَكُونُ لِلشُّمُولِ نَحْوُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. (وَقَدْ يُعَمَّمُ اللَّفْظُ عُرْفًا كَالْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ نَحْوُ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء: 10] الْآيَةُ قَبْلَ نَقْلِهِمَا الْعُرْفُ إلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ الْإِيذَاءَاتِ وَالْإِتْلَافَاتِ وَإِطْلَاقُ الْفَحْوَى عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ عَامٌّ يُفِيدُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْخُصُوصِ وَالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ فَظَهَرَ أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْي اهـ. (قَوْلُهُ: مُرَادُهُ الْعُمُومُ الْبَدَلِيُّ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعُمُومَ ثَابِتٌ لِلنَّكِرَةِ أَصْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِالشَّرْطِ (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ الْمِثَالِ) أَيْ مَنْ يَأْتِنِي فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَهُ كُلُّ مَالٍ فِي الدُّنْيَا وَفِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَالتَّعْلِيقِ وَهُوَ فِي الْجَمِيعِ لَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ وَالتَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لِشَيْخِهِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ وَالْبَدَلِيِّ وَضْعًا وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا لِلشُّمُولِيِّ وَضْعًا وَالْبَدَلِيِّ بِقَرِينَةٍ كَمَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ سَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ الْعُمُومِ كَقَوْلِنَا مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجًا فَإِنْ هَذَا الْبَعْضَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ أَيْ لَيْسَ حُكْمًا بِالسَّلْبِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَدَدِ زَوْجٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بَلْ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ إبْطَالُ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكُلُّ عَدَدٌ زَوْجٌ فَأَبْطَلَ السَّامِعُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعُمُومِ وَقَدْ تَفَطَّنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ السُّهْرَوَرْدِيّ فَاسْتَدْرَكَهُ اهـ. قَوْلُهُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 6] فِيهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَجِيرَهُ كُلُّ مُشْرِكٍ فِي الْخَارِجِ فَقَرِينَةُ الْمِثَالِ تَمْنَعُ أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ الشُّمُولِيَّ كَمَا قَالَ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ فَإِنْ الْتَفَتَ لِلْحُكْمِ وَالتَّعْلِيقِ قِيلَ لَهُ كَذَلِكَ السَّابِقُ وَلَوْ قَالَ أَيَّ أَحَدٍ كَانَ أَلْيَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُمُومِ أَنْ يَقَعَ لَفْظَةُ كُلِّ مَوْضِعَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ بَيَانٌ لِلْمَعْنَى وَتَلَخَّصَ أَنَّ النَّكِرَةَ الْعَامَّةَ هِيَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا سَوَاءٌ حَلَّ كُلُّ فَرْدٍ مَحَلَّهَا، أَوْ لَا كَانَ التَّعَلُّقُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ أَوْ أَزْمِنَةٍ وَلَا يَتَقَيَّدُ الشُّمُولُ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا لَمَا وُجِدَ لَنَا عَامٌّ فِي الْإِثْبَاتِ إذْ لَا يَتَأَتَّى اجْتِمَاعُ الْمُشْرِكِينَ كُلُّهُمْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ عَلَى الِاسْتِجَارَةِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ وَالْبَدَلِيِّ عَسِرٌ جِدًّا خُصُوصًا فِي الْإِثْبَاتِ إذْ لَا يَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى فَرْقٌ وَبَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ النَّكِرَةِ الْعَامَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَالْمَوْصُوفَةُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ النَّكِرَةِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِمَا يَخُصُّ وَاحِدًا مِنْ الرِّجَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا يَدْخُلُ دَارِهِ وَحْدَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ: كَالْفَحْوَى) أَيْ كَاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْفَحْوَى لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ وَقَدْ يُعَمَّمُ اللَّفْظُ وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ وَكَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ فَالْعُمُومُ لِلَّفْظِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ لَفْظِيٌّ الْمُقْتَضَى أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي نَفْسِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ بِنَاءُ الْخِلَافِ فِي تَسْمِيَتِهِ عَامًّا إذْ اللَّفْظُ يُسَمَّى عَامًّا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ، أَوْ الْمَعَانِي. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَا يَأْتِي غَيْرُ مُرْتَبِطٌ بِمَا هُنَا بَلْ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَفْهُومِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ وَمَا هُنَا بِاعْتِبَارِ الْعُمُومِ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحِلِّ النُّطْقِ وَتَحْتَهُ قِسْمَانِ الْأَوْلَى وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَالْمُسَاوِي وَيُسَمَّى لَحْنَ

بِقِسْمَيْهِ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْأُولَى مِنْهُ صَحِيحٌ أَيْضًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ (وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) نَقَلَهُ الْعُرْفُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعَيْنِ إلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَسَيَأْتِي قَوْلٌ إنَّهُ مُجْمَلٌ (أَوْ عَقْلًا كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ) فَإِنَّهُ يُفِيدُ عَلَيْهِ الْوَصْفَ لِلْحُكْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِيَاسِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ بِالْعَقْلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْمَعْلُولُ مِثَالُهُ أُكْرِمَ الْعَالِمُ (إذَا لَمْ تُجْعَلْ اللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ وَلَا عَهْدَ) وَكَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِالْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِطَابِ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ) تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مُوَافَقَةٍ لَفْظِيَّةٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بُعُرْمًا وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ يُعَمَّمُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ لَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ الثَّانِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ لَفْظِيَّةٌ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا وَتَحْتَهُ قَوْلَانِ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ فُهِمَتْ الدَّلَالَةُ مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ مَجَازِيَّةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ فَأُطْلِقَ الْمَنْعُ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي الْآيَةِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَقَوْلُ بَعْضٍ نَقْلُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْأَعَمِّ عُرْفًا بَدَلًا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَخَصِّ لُغَةً فَتَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ مَثَلًا عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ بِقَرِينَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] أَيْ أَتَضَجَّرُ مِنْ قَوْلِكُمَا أَوْ فِعْلِكُمَا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَالْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى تَحْرِيمُ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ. قَوْلُهُ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ} [النساء: 10] مَفْهُومُهُ الْمُسَاوِي لِإِحْرَاقٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْإِتْلَافَاتِ. (قَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ) مُبْتَدَأٌ وَصَحِيحٌ خَبَرُهُ وَقَوْلُهُ خِلَافَ بِالنَّصْبِ حَالٌ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ) أَيْ الْفَحْوَى لِلْأُولَى وَإِنَّ غَيْرَ الْأَوَّلُ يُسَمَّى لَحْنَ الْخِطَابِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْأُولَى صَحِيحٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ) فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْفَحْوَى عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَجْعَلْ الْفَحْوَى قَاصِرَةً عَلَى مَفْهُومِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: وَحُرِّمَتْ عَطْفٌ عَلَى الْفَحْوَى) أَيْ وَكَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتٍ كَمَا فِي وَحُرِّمَتْ. (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الْعُرْفُ إلَخْ) أَيْ وَلَا إضْمَارَ وَلَا حَذْفَ وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنَّهُ مِنْ الْإِضْمَارِ الَّذِي خُصَّ الْعُرْفُ بِإِرَادَتِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ النَّقْلِ إلَّا أَنَّ الْمِثَالَ لَا يُنَاقَشُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: الْعَالِمَ) أَيْ لِأَجْلِ عِلْمِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِ كُلِّ عَالِمٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُولَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تُجْعَلْ اللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ) بِأَنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ فَإِنْ كَانَتْ اللَّامُ لِلْعُمُومِ كَانَ الْعُمُومُ فِيهِ بِالْوَضْعِ لَا بِالْعَقْلِ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ دَلَالَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْقَوْلِ أَيْ إنْ جَعَلَهُ مِثَالًا لِلدَّلَالَةِ بِالْعَقْلِ عَلَى قَوْلٍ إلَخْ وَالْأَصَحُّ أَنَّ دَلَالَتَهُ بِاللَّفْظِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَ مَنْطُوقًا إذَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ اللَّفْظُ وَلَا نَقَلَهُ الْعُرْفُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مَا عَدَا الْمَذْكُورَ) أَيْ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ وَعَدَا بِمَعْنَى تَجَاوَزَ وَلَيْسَتْ اسْتِثْنَائِيَّةً فَإِنَّهُ خَطَأٌ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ حُكْمِهِ خَبَرُ أَنَّ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ بِالْمَعْنَى خَبَرُ أَنَّ الْأُولَى وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ إلَخْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُلُوُّ أَنَّ الْأُولَى عَنْ الْخَبَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا مِنْ حَيْثُ

الْمُعَبَّرِ عَنْهُ هُنَا بِالْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِ الْمَذْكُورُ الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» أَيْ بِخِلَافِ مَطْلِ غَيْرِهِ (وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْهُومَ مُطْلَقًا (لَا عُمُومَ لَهُ لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ أَوْ التَّسْمِيَةِ أَيْ هَلْ يُسَمَّى عَامًّا أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي أَوْ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُرْفٍ وَإِنْ صَارَ بِهِ مَنْطُوقًا أَوْ عَقْلٍ (وَ) الْخِلَافُ (فِي أَنَّ الْفَحْوَى بِالْعُرْفِ وَالْمُخَالَفَةَ بِالْعَقْلِ تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ) نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمِثَالَيْنِ عَلَى قَوْلٍ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ هَذَا فِيهِمَا عَلَى قَوْلٍ كَمَا قُلْتُ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: الْمُعَبَّرِ عَنْهُ هُنَا بِالْعَقْلِ) يَعْنِي أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عُبِّرَ عَنْهَا تَارَةً بِالْمَعْنَى وَتَارَةً أُخْرَى بِالْعَقْلِ كَمَا هُنَا وَغَرَضُ الشَّارِحِ الرَّدُّ عَلَى الْعِرَاقِيِّ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَاكَ أَنَّهُ هَلْ يَدُلُّ بِاللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ الْمَعْنَى وَهُوَ الْعُرْفُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَقْلَ اهـ. فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّهُ) أَيْ الْحَالَ وَالشَّأْنَ. (قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ " يَنْفِ " وَ " الْحُكْمَ " مَفْعُولُهُ وَقَوْلُهُ عَمَّا عَدَاهُ أَيْ مَا عَدَا مَعْنَاهُ أَيْ مَعْنَى الْمَنْطُوقِ «فَفِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» الْمَذْكُورُ الَّذِي هُوَ السَّائِمَةُ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ الَّذِي هُوَ الْمَفْهُومُ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ السَّائِمَةِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ) فِيهِ أَنَّ الْفَائِدَةَ تَحْصُلُ وَلَوْ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَعْضِ فَأَيْنَ الْعُمُومُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَرَائِنِ فَوَجَبَ النَّفْيُ عَنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ الْعُمُومُ الْمُدَّعَى. (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ) أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْعَامِّ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ قِيلَ وَالْمَعَانِي إلَخْ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَمَنْ يَرَى أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي يُسَمِّي الْمَفْهُومَ عَامًّا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَمَنْ يَرَى أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَلَا يُسَمِّي. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى) بَيَانٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَوْنِهِ لَفْظِيًّا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مُنَافَاةُ هَذَا الِاتِّفَاقِ فِي الْمَعْنَى لِمَا سَبَقَ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ عُرُوضِهِ لِلْمَعَانِي وَهُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَبَقَ تَصْحِيحُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعُمُومِ حَقِيقَةً وَالْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمَفْهُومَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مَنْ أَجْمَلَ مَا تَقَدَّمَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَامِلٍ. وَقَوْلُهُ مِنْ عُرْفٍ بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ صَارَ بِهِ أَيْ صَارَ الْمَفْهُومُ بِسَبَبِ الْعُرْفِ مَنْطُوقًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَدْ نَقَلَهُ لِلْجَمِيعِ يَعْنِي أَنَّ تِلْكَ الصَّيْرُورَةَ لَا تَمْنَعُ كَوْنَ الْكَلَامِ فِي الْمَفْهُومِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ ثُمَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَقْلِ كَأَنَّهُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمَا وَإِلَّا فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَفْهُومَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ. (قَوْلُهُ: فِي أَنَّ الْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ الْمُسَمَّى بِالْفَحْوَى أَيْ الدَّلَالَةَ عَلَيْهَا بِالْعُرْفِ لَا عُمُومِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَقَوْلُهُ بِالْعُرْفِ أَيْ بِسَبَبِهِ لَا بِالْقِيَاسِ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخَالَفَةَ) أَيْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ أَيْ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْعَقْلِ لَا بِسَبَبِ الشَّرْعِ وَلَا بِسَبَبِ اللُّغَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمِثَالَيْنِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ كَالْفَحْوَى الثَّانِي قَوْلُهُ كَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَالْأَوَّلُ الْعُمُومُ فِيهِ بِسَبَبِ الْعُرْفِ وَالثَّانِي بِسَبَبِ الْعَقْلِ. (قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ) فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ دَلَالَتُهُ قِيَاسِيَّةٌ وَقِيلَ لَفْظِيَّةٌ وَقِيلَ نُقِلَ اللَّفْظُ عُرْفًا وَفِي الثَّانِي الْمَفَاهِيمُ إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةٌ لُغَةً وَقِيلَ شَرْعًا وَقِيلَ مَعْنًى. (قَوْلُهُ: بَدَلَ هَذَا) أَيْ قَوْلِهِ هُنَا وَفِي أَنَّ الْفَحْوَى بِالْعُرْفِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَأَوْضَحَ) لِدَلَالَتِهَا عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْمَرْجُوحِ لَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ عَلَى قَوْلٍ عَنْهُمَا لَتُوُهِّمَ رُجُوعُهُ لِلثَّانِي وَلَوْ ذَكَرَهُ

(وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءُ) فَكُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ لِلُزُومِ تَنَاوُلِهِ لِلْمُسْتَثْنَى وَقَدْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الصِّيَغِ نَحْوُ جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِيهَا يَجْعَلُ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا قَرِينَةً عَلَى الْعُمُومِ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّتَيْنِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَكَانَ فِيهِ طُولٌ (قَوْلُهُ: وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءُ) الْمِعْيَارُ كَالْمِفْتَاحِ آلَةُ الِاخْتِيَارِ اُسْتُعِيرَ هُنَا لِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ عُمُومُ اللَّفْظِ أَيْ دَلِيلُ تَحَقُّقِهِ فَيَكُونُ خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّهِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَ الْخَاصَّةِ الْإِطْرَادُ وَقَدْ يُوجَدُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا عُمُومَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْعَدَدِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ كُلُّ مُسْتَثْنًى مِنْهُ عَامٌّ بَلْ قُلْنَا كُلُّ عَامٍّ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَمِنْ أَيْنَ الْعَكْسُ وَرَدَّهُ الْكَمَالُ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ مِعْيَارَ الْعُمُومِ أَنَّ قَبُولَ اللَّفْظِ لِلِاسْتِثْنَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ وَيَنْحَلُّ إلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ قَبِلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَامٌّ وَهُوَ الْعَكْسُ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرَ مَرْضِيٍّ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى جَوَابٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا لَا حَصْرَ فِيهِ وَالْعَدَدُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَفِي الْعِبَارَةِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فَكُلُّ مَا صَحَّ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ فِي الْكَلَامِ دَوْرًا لِاقْتِضَائِهِ تَوَقُّفَ مَعْرِفَةِ الْعُمُومِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْرِفَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِالْفِعْلِ ثُمَّ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ظَاهِرٌ فِي جَمِيعِ أَدَوَاتِهِ حَتَّى الْأَفْعَالِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ الْمُنْقَطِعُ فِي الْمِعْيَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ) خَرَجَ أَسْمَاءُ الْعَدَدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا لِاسْتِغْرَاقِهَا لِلْأَفْرَادِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مَحْصُورَةً لَمْ تَكُنْ عَامَّةً عُمُومًا اصْطِلَاحِيًّا وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا اسْمَ عَدَدٍ نَحْو عِنْدِي عَشْرَةٌ إلَّا وَاحِدًا، أَوْ اسْمًا عَلَمًا نَحْوَ كَسَرْت زَيْدًا إلَّا رَأْسَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ نَحْوَ صُمْت هَذَا الشَّهْرَ إلَّا يَوْمَ كَذَا وَأَكْرَمْت هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ إلَّا زَيْدًا فَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ دَلِيلَ الْعُمُومِ أُجِيبَ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ صِيغَةَ عُمُومٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ جَمِيعٌ مُضَافٌ إلَى الْمَعْرِفَةِ أَيْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْعَشَرَةِ وَأَعْضَاءِ زَيْدٍ وَأَيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ وَآحَادِ هَذَا الْجَمْعِ الثَّانِي ذَكَرَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ مَا لَا حَصْرَ فِيهِ إلَخْ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِثْنَاءُ مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ لَا مَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهِ كَمَا هُوَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: لِلُزُومِ تَنَاوُلِهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ وُجُوبِ دُخُولِهِ قَطْعًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيُّ أَيْ لِلْقَطْعِ بِلُزُومِ تَنَاوُلِهِ لِلْمُسْتَثْنَى فَلَا يُكْتَفَى بِجَوَازِ التَّنَاوُلِ (قَوْلُهُ: جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا) أَتَى بِهِ مَعْرِفَةً لِيَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ نَكِرَةً غَيْرَ مُخَصَّصَةٍ نَحْوُ إلَّا رَجُلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِيهَا) أَيْ مِنْ نَفَى كَوْنَهَا لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً وَإِنَّ اسْتِعْمَالَهَا لِلْعُمُومِ مَجَازِيٌّ وَالْقَائِلَ بِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَالْقَائِلَ بِالْوَقْفِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لَا نَفْيَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْأَوَّلِ فَمَنْ قَالَ الِاشْتِرَاكُ يَجْعَلُ الِاسْتِثْنَاءَ قَرِينَةَ إرَادَةِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ الْعُمُومُ وَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ يَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّهُ مَجَازٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْهَمْعِ: إنَّ النَّكِرَةَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا فِي الْمُوجِبِ مَا لَمْ تُفِدْ فَلَا يُقَالُ جَاءَ قَوْمٌ إلَّا رَجُلًا وَلَا قَامَ رِجَالٌ إلَّا زَيْدًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَإِنْ أَفَادَ جَازَ نَحْوَ {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] الْآيَةُ وَقَامَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك إلَّا رَجُلًا وَالْفَائِدَةُ حَاصِلَةٌ فِي نَفْيِ الْعُمُومِ نَحْوُ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إلَّا رَجُلًا، أَوْ إلَّا زَيْدًا وَكَذَا لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْرِفَةِ النَّكِرَةُ الَّتِي لَمْ تُخَصَّصْ نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا رَجُلًا فَإِنْ تَخَصَّصَتْ جَازَ نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ اهـ. (قَوْله مِنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى كَذَلِكَ فَيُقَالُ جَاءَنِي رَجُلَانِ كَانَا فِي دَارِك إلَّا زَيْدًا مِنْهُمَا

إلَّا أَنْ تُخَصِّصَ فَيَعُمُّ فِيمَا يَتَخَصَّصُ بِهِ نَحْوُ قَامَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النُّحَاةِ وَيَصِحُّ جَاءَ رِجَالٌ إلَّا زَيْدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ إلَّا صِفَةٌ بِمَعْنَى غَيْرِ كَمَا فِي {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ) فِي الْإِثْبَاتِ نَحْوُ جَاءَ عَبِيدٌ لِزَيْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إلَّا إنْ تَخَصَّصَ إلَخْ) فَرِجَالٌ عَامٌّ فِي الْكَيْنُونَةِ فِي الدَّارِ وَلَيْسَ عَامًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ عُمُومًا عُرْفِيًّا (قَوْلُهُ: قَامَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك) قَدْ يُوَجَّهُ عُمُومُهُ فِيمَا يُخَصَّصُ بِهِ بِوُجُوبِ دُخُولِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لِكَوْنِ الدَّارِ حَاصِرَةً لِلْجَمِيعِ وَيُرَدُّ بِمَنْعِ وُجُوبِ ذَلِكَ وَأَنَّ الدَّارَ حَاصِرَةٌ لِلْجَمِيعِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ مِنْهُمْ وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ مِنْهُمْ مَعَ أَنَّ فِي عُمُومِ ذَلِكَ نَظَرًا إذْ مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا ذِكْرُهُ وَهُنَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِذِكْرِهِ وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّكِرَةِ فِي الْإِثْبَاتِ بِشَرْطِ الْفَائِدَةِ نَحْوَ جَاءَنِي قَوْمٌ صَالِحُونَ إلَّا زَيْدًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ إذْ الِاسْتِثْنَاءُ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ نَعَمْ إنْ زِيدَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ لَكِنْ فِيهِ مَا مَرَّ آنِفًا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَعَيُّنَ ذِكْرِ مِنْهُمْ فِي الْكَلَامِ قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ: إنَّ مِنْهُمْ حَالٌ مِنْ زَيْدٍ يَعْنِي لَا يُسْتَثْنَى زَيْدٌ مَثَلًا فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّجَالِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُمْ فَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ لَفْظَةِ مِنْهُمْ فِي التَّرْكِيبِ حِينَ الْإِخْبَارِ (قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَالَ النُّحَاةُ وَلَا تُسْتَثْنَى الْمَعْرِفَةُ مِنْ النَّكِرَةِ إلَّا إنْ عَمَّتْ نَحْوَ مَا قَامَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدًا وَتَخَصَّصَتْ نَحْوَ جَاءَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ. اهـ. وَهِيَ مُؤَيِّدَةٌ لِمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ لَذَكَرَ لَفْظَةَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي التَّرْكِيبِ بِأَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: إلَّا زَيْدٌ بِالرَّفْعِ) وَلَا يَصِحُّ النَّصْبُ فِيهِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى وَاجِبَ الدُّخُولِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُنَا لَا يَجِبُ دُخُولُ زَيْدٍ فِي الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا عُمُومَ لَهُ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الدُّخُولِ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُبَرَّدِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَكْتَفِي فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِصِحَّةِ الدُّخُولِ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَّا) أَيْ مَعَ مَدْخُولِهَا وَإِلَّا فَهِيَ حَرْفٌ لَا تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ صِفَةً وَحْدَهَا وَلَمْ يَجُزْ النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَافِيَتِهِ مِنْ أَنَّ إلَّا صِفَةٌ إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِجَمْعٍ مَنْكُورٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ؛ وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِثْنَاءِ اهـ. وَوَجَّهَهُ السَّيِّدُ الصَّفَوِيُّ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَيَجِبُ الْعُدُولُ عَنْ الْأَصْلِ وَجَعْلُهَا صِفَةً بِمَعْنَى غَيْرِ لِلْمُنَاسِبَةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُغَايَرَةِ فَإِنَّ إلَّا تَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ حُكْمِ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُتَّصِلِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَطْعًا وَمُخْرَجًا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُنْقَطِعِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهِ قَطْعًا وَإِذَا كَانَ الْمُتَعَدِّدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أُمُورٌ يَدْخُلُ فِيهَا الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ مُتَّصِلًا وَأَنْ يُرَادَ بِهِ أُمُورٌ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا، فَحَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُ وَلَا عَدَمُ دُخُولِهِ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ مُتَّصِلًا وَلَا مُنْقَطِعًا (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ، أَوْ كَثْرَةٍ (قَوْلُهُ: فِي الْإِثْبَاتِ) أَمَّا فِي النَّفْيِ فَيَعُمُّ (قَوْلُهُ: نَحْوَ جَاءَ عَبِيدُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّحَاةِ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا تَخَصَّصَتْ تَعُمُّ فِيمَا خُصِّصَتْ بِهِ وَهُوَ هُنَا مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُضِيفَ كَانَ عَامًّا وَهَذَا فِي مَعْنَى الْإِضَافَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ لِزَيْدٍ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَ وَلَيْسَ صِفَةً لِعَبِيدٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ نَحْوَ جَاءَ عَبِيدٌ لِزَيْدٍ لَيْسَ بِعَامٍّ أَيْ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَامٌّ فِيمَا تَخَصَّصَ بِهِ إنْ قِيلَ إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ إذَا خُصِّصَ يَعُمُّ فِيمَا خُصِّصَ بِهِ وَهُوَ هُنَا مُخَصَّصٌ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ فَلَوْ

(لَيْسَ بِعَامٍّ) فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً أَوْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ وَقِيلَ إنَّهُ عَامٌّ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْدُقُ بِمَا ذُكِرَ يَصْدُقُ بِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَبِمَا بَيْنَهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ كَمَا فِي رَأَيْت رِجَالًا فَعَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ قَطْعًا. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ أَقَلَّ مُسَمَّى الْجَمْعِ) كَرِجَالٍ وَمُسْلِمِينَ (ثَلَاثَةٌ لَا اثْنَانِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ وَأَقْوَى أَدِلَّتِهِ {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] أَيْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا قَلْبَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَنَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ مَا مَرَّ اهـ. وَاَلَّذِي مَرَّ لَهُ أَنَّ فِي عُمُومِهِ نَظَرًا إذْ مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا ذِكْرُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِعَامٍّ) وَجْهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ رَجُلًا مَثَلًا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِأَيِّ عَدَدٍ شِئْت فَوْقَ الِاثْنَيْنِ كَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا إذْ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْبَدَلِ لِكُلٍّ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَلَى أَنَّهُ تَمَامُ الْمُرَادِ لَا يَكُونُ مُسْتَغْرِقًا لِلْجَمِيعِ كَالنَّكِرَةِ الْمُفْرَدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ فَرْدٍ. (قَوْلُهُ: فَيُحْمَلُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ فِي جَوَابِ النَّفْيِ حَتَّى يَكُونَ مَنْصُوبًا بَعْدَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ) الْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ وَالثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَهُ الْكَمَالُ وَفِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّحَاةِ وَالْخِلَافُ فِي اللَّفْظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْجَمْعِ، نَحْوُ الزَّيْدَيْنِ وَرِجَالٍ لَا فِي لَفْظِ ج م ع فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَلَا فِي لَفْظِ الْجَمَاعَةِ أَيْضًا فَإِنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ عَامٌّ) هُوَ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَارْتَضَاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْجَبَّانِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْعَدَدِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ رِجَالٍ عَلَى كُلِّ عَدَدٍ فَوْقَ اثْنَيْنِ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ وَإِطْلَاقُ الْمُشْتَرَكِ بِلَا قَرِينَةٍ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى جَمِيعِ مَدْلُولَاتِهِ الْحَقِيقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَرَاتِبِ الِاشْتِرَاكُ لَفْظًا بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ مَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْأَفْرَادِ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي الْجَمْعِ الْمُسْتَغْرَقِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ يُحْمَلُ عَلَى الْكُلِّ لِرُجْحَانِهِ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَرَاتِبِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ كَمَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ أَوَّلِ الْجَمْعِ وَجَمِيعِ الْأَفْرَادِ. (قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ) إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى بَعْضِ مَرَاتِبِ الْجُمُوعِ كَانَ تَحَكُّمًا. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَخْ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ قَالَ الشَّيْخُ الْغُنَيْمِيُّ وَانْظُرْ إلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ هَلْ تَكُونُ أَفْرَادُهُ جُمُوعًا أَوْ آحَادًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُعَرَّفِ حَرِّرْهُ. (قَوْلُهُ: أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ) فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى وَبِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ قَدْ يَكُونُ فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَيْهَا كَمَا فِي التَّقَارِيرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبَاحَةُ مَالِ الْغَيْرِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْكَلَامُ فِي أَنَّ الْعُمُومَ مَفْهُومُ الْجَمْعِ الْمُنْكَرِ وَأَيْنَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ الْمُصَادَقَاتِ لِلِاحْتِيَاطِ مِنْ الْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ: رَأَيْت رِجَالًا) إذْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْجَمِيعِ فَالْمَانِعُ هُنَا عَقْلِيٌّ وَمِثْلُهُ اشْتَرَيْت عَبِيدًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِمْكَانِ صَارِفُهُ عَنْ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: إنَّ أَقَلَّ مُسَمَّى الْجَمْعِ) أُلْحِقَ بِهِ كَمَا قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ كُلَّمَا دَلَّ عَلَى جَمْعِيَّةِ دَلَالَةُ الْجُمُوعِ كَنَاسٍ وَجِيلٍ بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْمٍ وَرَهْطٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا الْجَمِيعِ قَالَ سم لَكِنَّ كَلَامَ التَّلْوِيحِ دَالٌّ عَلَى إلْحَاقِ نَحْوِ قَوْمٍ وَرَهْطٍ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَغَتْ) أَيْ مَالَتْ لِلْوَعْظِ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ) بِالرَّفْعِ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ فِي تَتُوبَا وَيَجُوزُ كَوْنُهُ بَيَانًا لِلْكَافِ الْمَجْرُورَةِ فِي قُلُوبُكُمَا فَيَكُونَانِ مَنْصُوبَيْنِ بِالْفَتْحَةِ نِيَابَةً عَنْ الْكِسْرَةِ

مَجَازٌ لِتَبَادُرِ الزَّائِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ دُونَهُمَا إلَى الذِّهْنِ وَالدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ فِي الْآيَةِ كَرَاهَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ تَثْنِيَتَيْنِ فِي الْمُضَافِ وَمُتَضَمِّنِهِ وَهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ نَحْوِ جَاءَ عَبْدَاكُمَا وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ لِزَيْدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةً لَكِنَّ مَا مَثَّلُوا بِهِ مِنْ جَمْعِ الْكَثْرَةِ مُخَالِفٌ لِإِطْبَاقِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ أَحَدَ عَشَرَ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافُ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ وَشَاعَ فِي الْعُرْفِ إطْلَاقُ دَرَاهِمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَمَا قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْخِلَافُ فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْجَمْعَ (يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَجَازٌ) مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ أَوْ يُشَبَّهُ الْوَاحِدُ بِالْكَثِيرِ فِي الْخَطَرِ وَالْعِظَمِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْمَيْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالتَّقْدِيرُ {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] بِدَلِيلِ أَنَّ الْجُرْمَ لَا يُوصَفُ بِالصَّغْوِ وَنَظَرَ فِيهِ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ الْمُيُولَ لَا تُوصَفُ بِالصَّغْوِ الَّذِي هُوَ الْمَيْلُ فَلَا يُقَالُ مَالَ إلَى فُلَانٍ مَيْلًا وَالْقَلْبُ يُوصَفُ بِهِ كَمَا قَالَ الْحَمَاسِيُّ: صَبَا قَلْبِي وَمَال إلَيْك مَيْلًا وَأَجَابَ الْبُدَخْشِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي جَهَدَ جَاهِدٌ وَجَدَّ جِدَّهُ وَالْقَلْبُ فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ النَّفْسُ. (قَوْلُهُ: لِتَبَادُرِ الزَّائِدِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْحَقِيقَةِ ثَلَاثَةً وَالْأَقَلُّ مَجَازًا. (قَوْلُهُ: وَمُتَضَمِّنِهِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ) أَيْ مُتَضَمِّنِ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ لِلْقَلْبِ أَيْ الْمُحْتَوِي عَلَيْهِ وَهُوَ الذَّاتُ وَدُفِعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ لَا يُكْرَهُ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ) أَيْ وَتَوَالِي التَّثْنِيَتَيْنِ كَمَا يُكْرَهُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يُكْرَهُ فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ. (قَوْلُهُ: جَاءَ عَبْدَاكُمَا) فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ غَيْرُ الْكَافِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَالِكَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةً) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ لَفْظُ الْمُقِرِّ الْمُوصِي مَحْمُولٌ عَلَى الْأَقَلِّ فَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ: قُبِلَ الْجَمْعُ وَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يُقْبَلْ التَّعْيِينُ بِاثْنَيْنِ وَمَا أَرَى الْفُقَهَاءَ يَسْمَحُونَ بِهَذَا اهـ. وَمِثْلُ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ أَوْ اشْتَرَيْتُ الْعَبِيدَ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِثَلَاثَةٍ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ كَانَ فِي كَفِّي دَرَاهِمُ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَانَ فِي كَفِّهِ أَرْبَعَةٌ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ فِي كَفِّهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ إنَّمَا هُوَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لَا دَرَاهِمُ. (قَوْلُهُ: فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَغَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ نَقْلِ كَلَامِهِ الْجَوَابَ عَمَّا يُقَالُ إنَّ دَرَاهِمَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَأَقَلُّ جَمْعِ الْكَثْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ إطْبَاقَ النُّحَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ وَتَفْسِيرَ الدَّرَاهِمِ بِثَلَاثَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى تَسْلِيمِ إطْبَاقِ النُّحَاةِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَك مَنْعُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَيْنِ مُتَّفِقَانِ فِي الْمَبْدَأِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمُنْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَشَاعَ إلَخْ) أَيْ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِدَرَاهِمَ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مِنْ مَقُولِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ) الْكَافُ لِلتَّنْظِيرِ أَيْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمْعَ الْقِلَّةِ كَمَا جَعَلَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا جَمْعَ الْكَثْرَةِ وَعِبَارَتُهُ الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي غَيْرِ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ بَعِيدٌ جِدًّا. (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ) وَقَوْلُهُ فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ أَيْ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ وَهُوَ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْخِلَافِ وَفِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ خَبَرٌ. (قَوْلُهُ: فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ) أَيْ وَأَمَّا جَمْعُ الْقِلَّةِ فَلَيْسَ بِعَامٍّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْجَمْعُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ وَسَوَاءٌ

لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، نَحْوُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ تَبَرَّجَتْ لِرَجُلٍ أَتَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ لِاسْتِوَاءِ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِي كَرَاهَةِ التَّبَرُّجِ لَهُ وَقِيلَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ وَالْجَمْعُ فِي هَذَا الْمِثَالِ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّ مَنْ بَرَزَتْ لِرَجُلٍ تَبْرُزُ لِغَيْرِهِ عَادَةً. (وَ) الْأَصَحُّ (تَعْمِيمُ الْعَامِّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ) بِأَنْ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا (إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ عَامٌّ آخَرُ) لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ إذْ مَا سِيقَ لَهُ لَا يُنَافِي تَعْمِيمَهُ فَإِنْ عَارَضَهُ الْعَامُّ الْمَذْكُورُ لَمْ يَعُمَّ فِيمَا عُورِضَ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ لَا يَعُمُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ (وَثَالِثُهَا يَعُمُّ مُطْلَقًا) كَغَيْرِهِ وَيُنْظَرُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ إلَى الْمُرَجَّحِ، مِثَالُهُ وَلَا مُعَارِضَ {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] وَمَعَ الْمُعَارِضِ {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] فَإِنَّهُ وَقَدْ سِيقَ لِلْمَدْحِ يَعُمُّ بِظَاهِرِهِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمْعًا وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَإِنَّهُ وَلَمْ يُسَقْ لِلْمَدْحِ شَامِلٌ لِجَمْعِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا وَهَلْ هَذَا الْخِلَافُ يَأْتِي فِي الْمُثَنَّى وَأَسْمَاءِ الْجُمُوعِ كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ اهـ. غُنَيْمِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْجَمْعِ فِي الْوَاحِدِ أَيْ فِيمَا يَصْدُقُ بِهِ فَإِنَّ أَلْ فِي الرِّجَالِ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِوَاحِدٍ وَقَوْلُهُ لِاسْتِوَاءِ إلَخْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا يَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ:، نَحْوُ قَوْلِ الرَّجُلِ) مَثَّلَ الشَّيْخُ خَالِدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (قَوْلُهُ: لِاسْتِوَاءِ إلَخْ) أَفَادَ بِهَذَا أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ بِجَامِعِ الْكَرَاهَةِ فِي كُلٍّ. (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْقَائِلِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَرَاهَةِ لَا بِالتَّبَرُّجِ إذْ لَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ لَقَالَ لَهُمَا أَيْ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. (قَوْلُهُ: عَلَى بَابِهِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ وَيَكُونُ التَّوْبِيخُ حِينَئِذٍ عَلَى اللَّازِمِ الْعَادِيِّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا التَّبَرُّجُ لِلرِّجَالِ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: تَعْمِيمُ الْعَامِّ) أَيْ بَقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَضْعًا، وَالِاخْتِلَافُ فِي بَقَائِهِ عَلَى عُمُومِهِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ) أَيْ الْوَارِدِ بِمَعْنَى وَالْمَعْنَى بِمَعْنَى الصِّفَةِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَذِكْرُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ سَوْقَ الْعَامِّ لِغَرَضٍ آخَرَ كَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ هَلْ يَنْصَرِفُ بِذَلِكَ عَنْ عُمُومِهِ أَمْ لَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي اللُّبِّ وَشَرْحِهِ وَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُ عَامٍّ سَيَقَ لِغَرَضٍ كَمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ إلَى أَنْ قَالَ وَقَوْلِي لِغَرَضٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى أَوْ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ إلَخْ) فَإِنْ عَارَضَهُ فَلَا يَعُمُّ إنْ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ وَإِلَّا عَمَّ لِاسْتِوَائِهِمَا وَيَرْجِعُ لِلْمُرَجِّحَاتِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَهَذَا الْقَيْدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَائِلِ فَذِكْرُهُ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: إذْ مَا سِيقَ لَهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الْأَصَحُّ تَعْمِيمُ الْعَامِّ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ مَا سِيقَ لَهُ لَا يُنَافِيهِ وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ الْعَامُّ لَهُ لَا يُنَافِي الْعُمُومَ فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعُمَّ) أَيْ يَرْتَفِعْ عُمُومُهُ بِالْكُلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعُمُّ) وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ التَّمَسُّكَ بِآيَةِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةُ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَارَضَهُ عَامٌّ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ) أَيْ وَإِنَّمَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاعْتُرِضَ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ دُخُولُ الصُّورَةِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ تَحْتَ الْعَامِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَرِينَةٌ مِنْ مَدْحٍ أَوْ غَيْرِهِ تَصْرِفُ عَنْ الْعُمُومِ بَلْ الْعُمُومُ ثَمَّ بَاقٍ فِي غَيْرِ الْمَقْصُودِ إجْمَاعًا أَيْ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَهُنَا يَرْتَفِعُ الْعُمُومُ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِبَعْضِ مَا يَصْدُقُ بِهِ اللَّفْظُ عِنْدَ مَنْ يَرَى بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) خَبَرُ إنَّ قَوْلُهُ يَعُمُّ، وَقَدْ سِيقَ لِلْمَدْحِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ

بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُرَدْ تَنَاوُلُهُ لَهُ أَوْ أُرِيدَ وَرُجِّحَ الثَّانِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ. (وَ) الْأَصَحُّ (تَعْمِيمُ نَحْوَ لَا يَسْتَوُونَ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] فَهُوَ لِنَفْيِ جَمِيعِ وُجُوهِ الِاسْتِوَاءِ الْمُمْكِنِ نَفْيُهَا لِتَضَمُّنِ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ لِمَصْدَرٍ مُنَكَّرٍ وَقِيلَ لَا يَعُمُّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَعَلَى التَّعْمِيمِ يُسْتَفَادُ مِنْ الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ وَمِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَخَالَفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَنَفِيَّةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يُسَقْ. (قَوْلُهُ: بِمِلْكِ الْيَمِينِ) وَكَذَا بِالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ: عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى إبَاحَةِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أُرِيدَ) أَيْ تَنَاوُلُهُ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ) أَيْ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَوُونَ) وَمِثْلُ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ التَّسَاوِي وَالْمُسَاوَاةِ وَالتَّمَاثُلِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيهِ نَفْيُهُ فِي فِعْلٍ مِثْلِ لَا يَسْتَوِي كَذَا وَكَذَا أَوْ فِي اسْمٍ مِثْلِ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا كَذَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ قَالَهُ الْغُنَيْمِيُّ وَانْظُرْ الْمُشَابَهَةَ وَأَقُولُ فِي التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ مُسَاوَاةُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ كَقَوْلِنَا اسْتَوَى زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَوْ تَمَاثَلَا أَوْ هُوَ كَهُوَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ اهـ. فَدَخَلَتْ الْمُشَابَهَةُ. (قَوْلُهُ: الْمُمْكِنِ نَفْيُهَا) قُيِّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوُجُوهِ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهَا وَأَقَلُّ ذَلِكَ مُغَايَرَتُهُمَا لِجَمِيعِ مَا عَدَاهُمَا وَكَالْوُجُودِ وَالشَّيْئِيَّةِ فَمَا عَدَا الْوُجُوهَ الْمُمْكِنَ نَفْيُهَا مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ. (قَوْلُهُ: لِتَضَمُّنِ الْفِعْلِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ دَلَالَةَ تَضَمُّنٍ وَالْمَصْدَرُ نَكِرَةٌ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَحَقَّقَ وُقُوعُ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِهِ فَتَعُمُّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِعُمُومِ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْتَجَ عُمُومَ كُلِّ فِعْلٍ وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى مِنْ أَفْرَادِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعُمُّ) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ مَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الْإِثْبَاتِ هَلْ هُوَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي اللُّغَةِ أَوْ مَدْلُولُهُ لُغَةً الِاسْتِوَاءُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنْ قُلْنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَنَفْيُهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ فَلَا يَكُونُ عَامًّا وَإِنْ قُلْنَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ سَلْبٌ جُزْئِيٌّ وَنَقِيضَ الْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ سَلْبٌ كُلِّيٌّ وَقَرَّرَهُ مِثْلَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ وَالشَّارِحُ عَوَّلَ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ بِتَضَمُّنِ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ لِمَصْدَرٍ مُنَكَّرٍ وَفِي الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ الْمَنْفِيَّ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَانَ النَّفْيُ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ السَّلْبِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ إيجَابٌ جُزْئِيٌّ وَرَفْعُهُ سَلْبٌ كُلِّيٌّ فَيُفِيدُ هَذَا التَّعْلِيلُ الْعُمُومَ لَا عَدَمَهُ وَقَدْ يُؤَوَّلُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَيَكُونُ سَلْبًا جُزْئِيًّا فَلَا يُفِيدُ الْعُمُومَ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ مُورِدَ السَّلْبِ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي) أُورِدَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْفَاسِقِ الْعَاصِي مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَافِرُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُؤْمِنِ وَإِرَادَة الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ فَمُقَابِلُهُ فَاسِقٌ يَرُدُّهُ مَا بَعْدَ الْآيَةِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَافِرُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَتَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا خُصَّ بِهَا نَظَرًا لِلْوَاقِعِ فِي الْخِلَافِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَخَالَفَ) فِي (الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ بِدَلِيلٍ آخَرَ فِقْهِيٍّ وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَظَرَ إلَى أَنَّ عِصْمَةَ الذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الَّذِي هُوَ حِلْفُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ دُونَ عِصْمَةِ الْمُسْلِمِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُقْتَلُ الْمُسَمَّى بِهِ وَأَبَا حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْعِصْمَةِ مُطْلَقُ كَوْنِ الْآدَمِيِّ مُكَلَّفًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّعَرُّضِ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ فَيَكُونُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ مُشْتَرِكَيْنِ فِي التَّكْلِيفِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي مُسَبِّبِهِ وَهُوَ الْعِصْمَةُ عَلَى السَّوَاءِ ثُمَّ التَّفَاوُتُ فِي التَّكْلِيفِ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا فِي الْفَقِيرِ الْغَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْغَنِيِّ الْمُكَلَّفِ بِهِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِدَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ الْمُخَالَفَةُ فِي عُمُومِ

(وَ) الْأَصَحُّ تَعْمِيمُ نَحْوَ (لَا أَكَلْت) مِنْ قَوْلِك وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَهُوَ لِنَفْيِ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ بِنَفْيِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأَكْلِ الْمُتَضَمِّنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا (قِيلَ وَإِنْ أَكَلْت) فَزَوْجَتِي طَالِقٌ مَثَلًا فَهُوَ لِلْمَنْعِ مِنْ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُ بَعْضِهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنِّيَّةِ وَيَصْدُقُ فِي إرَادَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَعْمِيمَ فِيهِمَا فَلَا يَصِحُّ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النَّفْيَ وَالْمَنْعَ لِحَقِيقَةِ الْأَكْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ إرَادَةِ الْعُمُومِ فِي نَفْسِ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ عُمُومُ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ الْمُخَصَّصِ بِمَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ قَاصِرٌ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ فَلَا يُعَارِضُ آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةَ وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمْ يَعُمُّ فِي الدَّارَيْنِ فَيُعَارِضُ آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَقَوْلُ الْجَارْبُرْدِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْآيَةَ تُفِيدُ عُمُومَ النَّفْيِ أَوْ لَا رَدَّهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَقَالَ الْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ صَرَّحُوا بِعُمُومِهَا فِي نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ إلَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الْعُمُومِ مَتْرُوكَةٌ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ بِعَدَمِ قَبُولِهِ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ اهـ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْجَارْبُرْدِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يُجْرُونَ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُجْرُونَهَا عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يَتَسَاوَى الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ أَصْلًا عِنْدَهُمْ فَلَا يُقْتَلُ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَيَا حَيْثُ لَمْ يُجْرُوا الْآيَةَ عَلَى الْعُمُومِ فَيَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ بَلْ يَجِبُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مُجْرَاةٌ عَلَى الْعُمُومِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُ إلَخْ) أَيْ تَعْمِيمُهُ فِي الْمَأْكُولَاتِ الْمَحْذُوفَةِ لَا فِي الْكُلِّ ثُمَّ وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِإِفْرَادِ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُدْرَكَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَضَمُّنُ الْفِعْلِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدْرَكَ فِيمَا قَبْلَهُ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ التَّضَمُّنِ الْمَذْكُورِ بَلْ مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ كَمَا قَرَّرْنَا. (قَوْلُهُ:، نَحْوُ لَا أَكَلْت) أَيْ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ وَقَعَ بَعْدَ نَفْيٍ وَلَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولُهُ ثُمَّ إنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَدَوَاتِ النَّفْيِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَكَذَا نَفْيُ كُلِّ فِعْلٍ وَتَصْوِيرُ الشَّارِحِ بِلَا أَكَلْت يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْفِعْلِ بِالْمُتَعَدِّي وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَفْعَالَ الْقَاصِرَةَ وَقَضِيَّةُ تَمْثِيلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي كِتَابِ الْإِفَادَةِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَقُومُ كَأَنَّا قُلْنَا لَا قِيَامَ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ نَفْيٌ لِمَصْدَرِهِ وَشُمُولِهِ الْقَاصِرِ أَيْضًا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ الْفِعْلُ بِالْمُتَعَدِّي. (قَوْلُهُ: الْمُتَضَمِّنِ بِالْكَسْرِ صِفَةٌ لِلْأَكْلِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَهُوَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ وَكِلَاهُمَا تَنَازَعَ قَوْلَهُ بِهَا وَأُعْمِلَ الثَّانِي وَضَمِيرُ بِهَا يَعُودُ لِلْمَأْكُولَاتِ وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ رُجُوعِهِ لِأَفْرَادِ الْمَأْكُولِ. (قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهِ) أَيْ التَّخْصِيصَ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِلْبَعْضِ أَيْ إرَادَةِ الْبَعْضِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُصَدِّقُ بَاطِنًا وَيَنْبَغِي حَمْلُ التَّقْيِيدِ بِالْبَاطِنِ عَلَى الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَقِّ آدَمِيٍّ اهـ. سم. (قَوْلِهِ لَا تَعْمِيمَ فِيهِمَا) أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَامًّا لَا لَفْظًا وَلَا حُكْمًا إذْ الْعُمُومُ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلَّقِهِ لِطَرِيقِ اللُّزُومِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ قَالَ الْكَمَالُ وَتَحْرِيرُ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ بِكُلِّ مَأْكُولٍ فَلَا نِزَاعَ عِنْدَهُ فِي عُمُومٍ، نَحْوُ لَا أَكَلْت وَإِنْ أَكَلْت بِهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا النِّزَاعُ فِي قَبُولِ هَذَا الْعُمُومِ لِلتَّخْصِيصِ لِأَنَّ عُمُومَ، نَحْوُ لَا أَكَلْت وَلَا وَإِنْ أَكَلْت عَقْلِيٌّ عِنْدَهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْإِرَادَةِ وَلَا يَتَجَزَّأُ بِحَسَبِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ وَالْمَنْعَ لِحَقِيقَةِ الْأَكْلِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ إلَخْ فَلَا يُدَيَّنُ فِي دَعْوَى إرَادَتِهِ مَأْكُولًا خَاصًّا وَعِنْدَنَا يُدَيَّن اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنْعُ لِحَقِيقَةِ الْأَكْلِ) أَيْ مَاهِيَّتِه وَهِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَوْ ذُكِرَ الْمَفْعُولُ بِهِ عَمَّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي النَّفْيِ هُوَ الْمَفْعُولُ فَكَانَ الْفِعْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ عَامًّا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ عِنْدَهُ بِالْعَقْلِ وَاللَّازِمُ عَقْلًا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْمَلْزُومِ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ

وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ النَّفْيُ وَالْمَنْعُ لِجَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ حَتَّى يَحْنَثَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّانِيَةِ بِقِيلِ عَلَى خِلَافِ تَسْوِيَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ بَيْنَهُمَا لِمَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ بَدَلِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا فُهِمَ دَائِمًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجِيئِهَا لِلشُّمُولِ (لَا الْمُقْتَضِي) بِكَسْرِ الضَّادِ وَهُوَ مَا لَا يَسْتَقِيمُ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا بِتَقْدِيرِ أَحَدِ أُمُورٍ يُسَمَّى مُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ جَمِيعًا لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِأَحَدِهَا وَيَكُونُ مُجْمَلًا بَيْنَهَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ وَقِيلَ يَعُمُّهَا حَذَرًا مِنْ الْإِجْمَالِ وَمِثَالُهُ حَدِيثُ مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ) أَيْ وَاللَّازِمُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ مَلْزُومِهِ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَالْعُمُومُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ التَّخْصِيصِ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ) أَيْ مُخَالَفَةِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقِيلِ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِعَبَّرَ. (قَوْلُهُ: كَمَا فُهِمَ) أَيْ عَلَى مَا فُهِمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ لِعَدَمِ الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ بَلْ أَيُّ أَكْلٍ وُجِدَ مِنْهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ لَا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ بِالْعَامِّ بَلْ يَجْرِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالنِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي لَا أَكَلْت إنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِ بَلْ مُطْلَقٌ وَالتَّخْصِيصُ فَرْعُ الْعُمُومِ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْيِيدًا لِلْمُطْلَقِ فَلَمْ يَمْنَعُوهُ. (قَوْلُهُ: لَا الْمُقْتَضِي) مَجْرُورٌ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ عَطْفٌ عَلَى الْعَامِّ كَذَا قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ قَوْلِهِ لَا يَسْتَوُونَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِإِضَافَتِهَا إلَى تَعْمِيمٍ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ تَفْسِيرٌ لَهُ بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ خَبَرًا عَنْهُ وَالْمُقْتَضِي مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَقْتَضِي لِصِحَّتِهِ شَيْئًا يُقَدَّرُ فِيهِ أَيْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعُمُومِ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُقَدَّرُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ) أَخَذَهُ مِنْ لَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ لِمَا بَعْدَهَا ضِدَّ مَا قَبْلَهَا وَهَذَا مَا وَعَدَ بِهِ الشَّارِحُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] . (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ الْمُقْتَضِي بِكَسْرِ الضَّادِ مُجْمَلًا أَيْ لَا يَكُونُ عَامًّا فِيهَا فَتُخَصَّصُ بِبَعْضِهَا بَلْ يَفْتَقِرُ لِبَيَانٍ وَيُقَدَّرُ شَيْءٌ يَتَّضِحُ بِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] مَعْنَاهُ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ نِكَاحُ أُمَّهَاتِكُمْ وَنَحْوُهُ كَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ) فِيهِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ بِالْقَرِينَةِ أَحَدُ تِلْكَ الْأُمُورِ أَيْ الْمُرَادَ مِنْهَا الَّذِي هُوَ الْمُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُقْتَضَى لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ حَيْثُ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا بِبَيَانِ الْأَحَدِ الْمُرَادِ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُقْتَضَى فَبَيَانُ ذَلِكَ الْأَحَدِ كَالْقَرِينَةِ عَلَى تَعْيِينِ الْمُقْتَضَى. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَعُمُّهَا) حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةُ فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ وَالْمُخْتَارُ لَا يَقَعُ طَلَاقُ النَّاسِي؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ عَامَّةٌ. اهـ. خَالِدٌ. (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ الْإِجْمَالِ) وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْإِجْمَالُ إلَّا إذَا دَامَ عَلَى إجْمَالِهِ وَهَذَا لَا يَدُومُ لِتَعَيُّنِهِ بِالْقَرِينَةِ. (قَوْلُهُ: مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ) بِالْإِضَافَةِ وَالْمُسْنَدُ اسْمٌ لِأَخِي عَاصِمٍ وَهُوَ الْفَضْلُ أَبُو الْقَاسِمِ أَحَدُ الْحُفَّاظِ وَلَيْسَ بِالتَّنْوِينِ اسْمُ رَجُلٍ وَأَخِي عَاصِمٌ بَدَلٌ مِنْهُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي هَذَا الْمُسْنَدِ بَعْدَ التَّفْتِيشِ التَّامِّ فَلِذَلِكَ أَسْنَدَهُ الشَّارِحُ لَهُ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْحَدِيثُ كَثُرَ ذِكْرُهُ عَنْ أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَقَدْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِيهِ قَدِيمًا بِدِمَشْقَ وَبِهَا الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْفِرْكَاحِ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ إذْ ذَاكَ وَبَالَغَ فِي التَّنْقِيبِ عَلَيْهِ وَسُؤَالِ الْمُحَدِّثِينَ وَذَكَرَ فِي تَعْلِيقَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا اللَّفْظَ مَعَ شُهْرَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي كَامِلِ ابْنِ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرِ بْنِ فَرْقَدٍ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَالْأَمْرَ

الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَلِوُقُوعِهِمَا لَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِدُونِ تَقْدِيرِ الْمُؤَاخَذَةِ أَوْ الضَّمَانِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدَّرْنَا الْمُؤَاخَذَةَ لِفَهْمِهَا عُرْفًا مِنْ مِثْلِهِ وَقِيلَ يُقَدَّرُ جَمِيعُهَا. (وَالْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ) فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ وَقِيلَ يَقْتَضِيهِ لِوُجُوبِ مُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكْرَهُونَ عَلَيْهِ» ، وَجَعْفَرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ قُلْت ثُمَّ وَجَدَ رَفِيقُنَا فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْهَادِي الْحَنْبَلِيُّ الْحَدِيثَ بِلَفْظِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيِّ الْمُؤَذِّنِ الْمَعْرُوفِ بِأَخِي عَاصِمٍ وَذَكَرَهُ إلَى أَنْ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَاتٍ فِيهِ وَطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّهَا تَنْتَهِي إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَلْفَاظُهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامَانِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ مَرْفُوعَانِ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا مَحَلَّ لِهَذَا الْكَلَامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ مَنْ زَعَمَ ارْتِفَاعَهُمَا عَلَى الْعُمُومِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابِ التَّكْلِيفِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: فَلِوُقُوعِهِمَا) أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الضَّمَانِ) فِيهِ أَنَّ الضَّمَانَ لَمْ يَرْتَفِعْ فَإِنَّ الْمُخْطِئَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ كَالْعُقُوبَةِ. (قَوْلُهُ: فَقَدَّرْنَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عُمُومِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى عُمُومِهِ. (قَوْلُهُ: يُقَدَّرُ جَمِيعُهَا) أَيْ نُقَدِّرُ أَمْرًا يَشْمَلُ الْكُلَّ كَسَبَبِ الْخَطَأِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَخْ) حُمِلَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ دُونَ الِاسْمِيِّ وَإِلَّا لَقَالَ لَا يَعُمُّ وَفِي الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُتَعَلِّقِهِمَا لَا فِيهِمَا نَفْسِهِمَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ حُرُوفِ الْعَطْفِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَحْرُفِ الْمُشْتَرَكَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ بَلْ وَلَكِنْ وَلَعَلَّهُ لِظُهُورِهِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَقْتَضِيهِ) قَائِلُهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فَنَحْنُ نُقَدِّرُ فِي الْحَدِيثِ بِحَرْبِيٍّ ابْتِدَاءً وَهُمْ يُعَدِّدُونَ بِكَافِرٍ ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنْهُ غَيْرَ الْحَرْبِيِّ بِدَلِيلٍ وَقَدْ قَرَّرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ وَهُوَ تَقْدِيرٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّابِعِ لِلْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: مُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ. (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ وَصِفَتِهِ) وَهِيَ الْعُمُومُ أَيْ عُمُومُ الْكَافِرِ لِلْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ مَا يَشْمَلُ، نَحْوَ الْحَال، ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِرْمَاوِيِّ الشُّمُولُ وَفِي الْقَرَافِيِّ عَلَى التَّنْقِيحِ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ إلَّا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ دُونَ غَيْرِهِمَا قَالَ، وَلِذَلِكَ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ ضَاحِكًا أَوْ لَا ضَاحِكًا لَيْسَ نَفْيًا لِلْأَحْوَالِ وَضَاحِكٌ مُثْبَتٌ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَحْوَالِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ إيجَابٍ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَاعِدَةِ أَنَّ النَّفْيَ إذَا دَخَلَ عَلَى كَلَامٍ مُقَيَّدٍ هَلْ يُنْصَبُ عَلَى الْقَيْدِ فَقَطْ أَوْ الْمُقَيَّدِ أَوْ هُمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوهُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ) أَيْ وَإِنَّمَا الْمُشَارَكَةُ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَعْطُوفِ بِتَقْدِيرِ حَرْبِيٍّ وَقَدْ حَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ لَا يَجِبُ أَنْ يُضْمَرَ فِيهِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِمَّا يُمْكِنُ إضْمَارُهُ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ وَقِيلَ إنْ قُيِّدَ بِقَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يُضْمَرُ فِيهِ وَإِنْ أُطْلِقَ أُضْمِرَ فِيهِ كَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْمَعْطُوفِ مِنْ الْخُصُوصِ إذَا كَانَ الْخُصُوصُ الْمَادَّةَ كَالْحَدِيثِ لَا، نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا وَعُمَرًا قَائِمًا فِي الدَّارِ لِأَجْلِ ذَلِكَ عُيِّبَ عَلَى مَنْ تَرْجَمَ الْمَسْأَلَةَ كَالْآمِدِيِّ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ هَلْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا لَا إطْلَاقَ فِيهِ وَهُوَ مَا لَوْ قَالَ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ فَلَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَقُولَ بِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ هُنَا الْعُمُومَ مَعَ كَوْنِ الْمَعْطُوفِ خَاصًّا وَلَا

«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» قِيلَ يَعْنِي بِكَافِرٍ وَخُصَّ مِنْهُ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ يُقَدَّرُ بِحَرْبِيٍّ. (وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ) بِدُونِ كَانَ (وَنَحْوُ كَانَ يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ) مِمَّا اقْتَرَنَ بَكَانِ فَلَا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَقِيلَ يَعُمُّهَا مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَعُمُّ الْأَوَّلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَلَا الثَّانِي جَمْعَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إذْ لَا يَشْهَدُ اللَّفْظُ بِأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَجَمْعٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَرْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا قُدِّرَ عَامٌّ أَنَّهُ خَاصٌّ بِلَا دَلِيلٍ خَصَّصَهُ إنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالْمَسْأَلَةِ أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ إذَا عُطِفَتْ عَلَى الْأُخْرَى وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي إضْمَارًا لِتَسْقِيمِ وَكَانَ نَظِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى عَامًّا هَلْ أَنْ يَجِبَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي عُمُومِهِ فَيُضْمَرَ عَامٌّ أَوْ لَا؟ إلَى أَنْ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ التَّرْجَمَةَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ بِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ اللَّقَبِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لَا لِمُرَاعَاةِ قُيُودِهَا اهـ. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ قَدْ سَلَكَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مَسْلَكًا آخَرَ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْ فَإِنَّ بِكَافِرٍ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِيِّ فَهَلْ يَكُونُ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ الْأَوَّلِ بِهِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ أَيْ بَلْ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يَقْدَحُ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ. وَالثَّانِي قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَكِنْ هَذَا يَشْمَلُ مَا لَوْ صُرِّحَ فِي الثَّانِيَةِ بِحَرْبِيٍّ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي التَّصْوِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمُقَدَّرِ هَلْ يُقَدَّرُ عَامًّا أَوْ خَاصًّا وَمِمَّا يُضْعِفُ قَوْلَهُمْ أَنَّ كَوْنَ الْحَرْبِيِّ مُهْدَرًا مِنْ الْمَعْلُومِ بِالدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِهِ فَحَمْلُ الْكَافِرِ فِي «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» عَلَيْهِ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. قَوْلُهُ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قِيلَ إنَّ فِي الْحَدِيثِ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ ذِي الْعَهْدِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ غِيلَةً أَوْ لَا وَعَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ يُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَهُ غِيلَةً نَظَرًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] إلَّا أَنْ يُجِيبَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرُ آحَادٍ فَلَا يُخَصِّصُ الْقَطْعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ) فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْكَلَامَ بِجُمْلَةٍ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِكَافِرٍ) أَيْ الْمُقَدَّرُ لَفْظَةُ بِكَافِرٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي مُتَعَلِّقِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] . (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) عَلَى أَنَّ الْمُعَاهَدَ لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ وَيُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ وَالذِّمِّيِّ قَالُوا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ الْعُمُومُ الْمَذْكُورُ وَلَا لِيَتَسَاوَيَا فَيَصِيرَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ. (قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى تَقْدِيرِهِ عَامًّا ثُمَّ يُخَصُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْحَرْبِيِّ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُقَدَّرُ بِحَرْبِيٍّ) فَفِيهِ كِفَايَةٌ لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِهِ عَامًّا فَإِنَّ السَّابِقَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيهِ حَذْفٌ مَعَ تَخْصِيصٍ وَهَذَا حَذْفٌ فَقَطْ وَقَدْ وَافَقَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى مُدَّعَاهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُمْ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ بِحَرْبِيٍّ خَرَجَ عَنْ تَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ أَوْ يَقْتَضِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ الْمُوَافِقُ لَهَا أَنْ يُقَالَ مَثَلًا أَهَنْت الْكَافِرَ وَفَاسِقًا فَهَلْ فَاسِقًا عَامٌّ كَالْكُفْرِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ . (قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ كَالنَّكِرَةِ وَهِيَ لَا تَعُمُّ عُمُومًا شُمُولِيًّا فِي الْإِثْبَاتِ. (قَوْلُهُ: بِدُونِ كَانَ) أَتَى بِهِ لِأَجْلِ عَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِعُمُومِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَا كَانَ مَعَ كَانَ لِلْعُمُومِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يَكُونُ لِلتَّكْرَارِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَعُمُّ) ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ فَعَلَ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ مَعْهُودٍ

وَنَفْلًا وَالْجَمْعُ الْوَاحِدُ فِي الْوَقْتَيْنِ وَقِيلَ يَعُمَّانِ مَا ذُكِرَ حُكْمًا لِصِدْقِهِمَا بِكُلٍّ مِنْ قِسْمَيْ الصَّلَاةِ وَالْجَمْعِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِلتَّكْرَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 55] وَقَوْلُهُمْ كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضَّيْفَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعُرْفُ (وَلَا الْمُعَلَّقُ بِعِلَّةٍ) فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ كُلَّ مَحَلٍّ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ (لَفْظًا لَكِنْ) يَعُمُّهُ (قِيَاسًا) وَقِيلَ يَعُمُّهُ لَفْظًا مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا فَلَا يَعُمُّ كُلَّ مُسْكِرٍ لَفْظًا وَقِيلَ يَعُمُّهُ لِذِكْرِ الْعِلَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَرَّمَتْ الْمُسْكِرَ (خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ) أَيْ الْعُمُومِ فِي الْمُقْتَضِي وَمَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ) فِي حِكَايَةِ الْحَالِ (يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ) فِي الْمَقَالِ كَمَا فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ تَزَوَّجَهُنَّ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاصٍّ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: فَرْضًا وَنَفْلًا) وَلَا يَرِدُ حُصُولُ التَّحِيَّةِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتَيْنِ) أَيْ وَقْتِ التَّقْدِيمِ وَوَقْتِ التَّأْخِيرِ فَالْعُمُومُ بَدَلِيٌّ. (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ حُكْمًا إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ الْعُمُومَ فِي الْحُكْمِ لَا فِي اللَّفْظِ أَيْ أَحَدُهُمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَالْآخَرُ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ لَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدُ لِصِدْقِهِمَا إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لِصِدْقِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ قِسْمَيْ الصَّلَاةِ) أَيْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَاضِي فَلَا تَدُلُّ مَعَهُ عَلَى تَكْرَارٍ وَأَشَارَ بِقَدْ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ قَلِيلٌ لُغَةً وَقَوْلُهُ آخِرًا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعُرْفُ يُنَبِّهُ عَلَى كَثْرَتِهِ عُرْفًا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لُغَةً مِنْ الْمُضَارِعِ لَا لِلتَّكْرَارِ كَقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ فَتُذْبَحُ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ» ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ مُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (قَوْلُهُ: لِلتَّكْرَارِ) فِيهِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُضَارِعِ لَا مِنْ كَانَ وَإِنَّمَا أُتِيَ بِهَا لِكَوْنِهِ أَمْرًا وَقَعَ فِيمَا مَضَى وَالتَّكْرَارُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ الْعُمُومُ هُنَا مِنْ قَرِينَةٍ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَهِيَ تُفِيدُهُ مَرَّةً فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّكْرَارِ مِنْ خَارِجٍ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: جَرَى الْعُرْفُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عُرْفُ اللُّغَةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ وَيُحْتَمَلُ عُرْفُ غَيْرِ اللُّغَةِ قِيلَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ إنْ كَانَ هَلْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ تَقْتَضِيهِ لُغَةً وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ إنَّ قَوْلَ الرَّاوِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ كَذَا يُفِيدُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ كَثِيرًا تَكْثِيرَ الْفِعْلِ وَتَكْرِيرَهُ قَالَ تَعَالَى {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} [مريم: 55] الْآيَةَ أَيْ يُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّكْرَارِ الْعُمُومُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقِيلَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ عُرْفًا لَا لُغَةً قَالَ الْهِنْدِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يُفِيدُهُ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَاخْتَارَهُ فِي الْمَحْصُولِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَجَعْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَانِعَ لِلْعُمُومِ يَنْفِي عُمُومَ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُثْبِتَ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ وَهُوَ إجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا اهـ. وَنُظِرَ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا وَرَدَ مِثْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ فَالْقَائِلُ بِالْعُمُومِ يُعَمِّمُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى مَجِيءِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَفْظًا لَكِنْ قِيَاسًا) كِلَاهُمَا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا تَعْمِيمَ لَفْظِ الْمُعَلَّقِ لَكِنْ تَعْمِيمَ قِيَاسِهِ أَيْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يُنَافِي تَسْمِيَتَهُ عَقْلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ عَقْلًا كَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا أَعَادَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ عُمُومَهُ وَضْعِيٌّ أَوْ قِيَاسِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِذِكْرِ الْعِلَّةِ) فَدَلَّ ذِكْرُ الْعِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي حَقِيقَتِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ

فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ لِامْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ فِي مَوْضِعِ التَّفْصِيلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ أَمْسِكْ بِابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فِي الْمَعِيَّةِ وَاسْتَمِرَّ عَلَى الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ فِي التَّرْتِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَلَهُ عِبَارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَظَاهِرُ الْعِبَارَتَيْنِ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَعُمُّ الِاحْتِمَالَاتِ وَالثَّانِيَةَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعُمُّهَا بَلْ هِيَ مِنْ الْمُجْمَلِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى عُمُومٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْقَرَافِيُّ بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا ضَعُفَ الِاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا قَوِيَ وَبِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الِاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي دَلِيلِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَا حَاصِلَ لِهَذَا الْجَمْعِ وَأَلْحَقَ حَمْلُ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ قَوْلٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَالُ عَلَيْهِ الْعُمُومُ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا عُمُومَ لَهُ فَمِنْ الْأَوَّلِ وَقَائِعُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الشَّرْحِ وَقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ الثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَأَنْ يَكُونَ جَمْعًا صُورِيًّا بِأَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَصَلَّى الثَّانِيَةَ عَقِبَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَافِيًا وَلَا عُمُومَ لَهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ تَرْكٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَمِثْلُهُ إضَافَةُ الْحَالِ أَيْ تَرْكُ الشَّارِعِ طَلَبَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الشَّخْصِ الْحَالَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِي صَاحِبَ الْحَالِ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْحِكَايَةُ الذِّكْرُ وَاللَّفْظُ كَقَوْلِ غَيْلَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَسْلَمْت عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ مُسْتَفْتِيًا فَلَفْظُهُ حَكَى بِهِ وَفِي حِكَايَةٍ مُتَعَلِّقٍ بِتَرْكٍ وَالْمَقَالُ الْقَوْلُ وَالتَّلَفُّظُ وَقَوْلُهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ إلَخْ الْعَامُّ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ جَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ أَمْسِكْ فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ وَأَنَّ الْجَوَابَ مَعَ تَرْكٍ إلَخْ وَفِي قَوْلِهِ يَنْزِلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ الْمُصْطَلَحِ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّهِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ) وَهُوَ إمْسَاكُ أَرْبَعٍ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ يَعُمُّ أَيْ عُمُومًا بَدَلِيًّا أَيْ أَمْسِكْ أَيَّ أَرْبَعٍ كَانَتْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اسْتِغْرَاقِيًّا عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَرْبَعٍ صَالِحَةٌ لِلِاخْتِيَارِ وَلَكِنَّ الَّذِي يُمْسَكُ أَرْبَعٌ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: لَمَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ) الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْكَلَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ لِلْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ التَّفْصِيلِ) أَيْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ إلَخْ) تَأْوِيلُهُمْ لَا يُنَافِي هَذَا الْعُمُومَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلُوا الْإِمْسَاكَ بِالِابْتِدَاءِ فِي الْمَعِيَّةِ لَا فِي التَّرْتِيبِ فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ اسْتَحْسَنَ مَقَالَةَ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ تَأْوِيلُ الْإِمْسَاكِ بِالِابْتِدَاءِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ سَرَفٌ وَمُجَاوَزَةُ حَدٍّ وَقِلَّةُ احْتِفَالٍ بِكَلَامِ الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ لَفْظَ الْإِمْسَاكِ أَوَّلًا مُوجِبُهُ الِاسْتِدَامَةُ وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ. وَالثَّانِي أَنَّ النَّقَلَةَ لَمْ يَنْقُلُوا تَجْدِيدَ الْعُقُودِ بَلْ رَوَوْا الْحِكَايَةَ رِوَايَةَ مَنْ يَسْتَرِيبُ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا فِي عَدَدِ الْإِسْلَامِ عَلَى مُنَاكَحَتِهِمْ فِيهِنَّ وَكَانَ الْمُخَاطَبُونَ عَلَى قُرْبِ عَهْدٍ وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخَاطِبُهُمْ إلَّا بِمَا يَقْرُبُ مِنْ أَفْهَامِهِمْ وَالتَّعْبِيرُ عَنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ بِالْإِمْسَاكِ بَعِيدٌ جِدًّا نَاءٍ عَنْ الْمَحَامِلِ الظَّاهِرَةِ وَفِي الْقَصَصِ أَنَّهُمْ جَاءُوا سَائِلِينَ عَنْ الْفِرَاقِ أَوْ الْإِمْسَاكِ فَانْطَبَقَ جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُؤَالِهِمْ وَأَمَّا أَمْرُ التَّرْتِيبِ فَيَدْفَعُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَسْلَمَ عَنْ أُخْتَيْنِ أَمْسِكْ أَيَّهُمَا شِئْت وَفَارِقْ

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] وَ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] (لَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ) مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِاخْتِصَاصِ الصِّيغَةِ بِهِ وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ لِأَنَّ أَمْرَ الْقُدْوَةِ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ مَعَهُ عُرْفًا كَمَا فِي أَمْرِ السُّلْطَانِ الْأَمِيرَ بِفَتْحِ بَلَدٍ أَوْ رَدِّ الْعَدُوِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا يَتَوَقَّفُ الْمَأْمُورُ بِهِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (نَحْوَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ يَشْمَلُ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ اقْتَرَنَ بِقُلْ) وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ لِلتَّبْلِيغِ لِغَيْرِهِ (وَثَالِثُهَا التَّفْصِيلُ) إنْ اقْتَرَنَ بِقُلْ فَلَا يَشْمَلُهُ لِظُهُورِهِ فِي التَّبْلِيغِ وَإِلَّا فَلَا يَشْمَلُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ نَحْوَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُخْرَى» «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَعْضِهِمْ وَكَانَ أَسْلَمَ عَنْ خَمْسٍ اخْتَرْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ وَاحِدَةً قَالَ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِمْ صُحْبَةً عِنْدِي فَفَارَقْتُهَا» اهـ. بِتَصَرُّفٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ نَحْوَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأحزاب: 1] إلَخْ) الْمُرَادُ بِنَحْوِهِ مَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الْأَئِمَّةِ مَعَهُ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِمْ وَلَا عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِمْ فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، نَحْوُ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67] فَلَا تَدْخُلُ قَطْعًا أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِنْ خَصَائِصِهِ بِدَلِيلٍ فَكَذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَ فِيهِ ذَلِكَ وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِمْ مَعَهُ، نَحْوُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ فَيَدْخُلُونَ مَعَهُ قَطْعًا فَإِنَّ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي طَلَّقْتُمْ وَطَلَّقْتُمُوهُنَّ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ مَعَهُ وَتَخْصِيصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّدَاءِ تَشْرِيفٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ إمَامُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ {اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] أَمْرٌ بِالتَّقْوَى مَعَ عِصْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَمْنَعُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعِصْمَةِ وَكَسْبِهَا بِاعْتِبَارِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّرَقِّي فِيهَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْخِطَابَ لَهُ وَالْمُرَادُ عِنْدَهُ عَلَى حَدِّ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] لَا يُنَاسِبُ مَا الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي التَّنَاوُلِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ أَمَّا اللَّفْظُ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَنَاوُلِهِ. (قَوْلُهُ: لِاخْتِصَاصِ الصِّيغَةِ بِهِ) ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ تَقْتَضِي أَنَّ خِطَابَ الْمُفْرَدِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ وَإِذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ خَاصَّةً كَانَ الْأَمْرُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا مُخْتَصًّا بِهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ) وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إنَّ الْأَئِمَّةَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْخِطَابِ شُرَّعٌ وَلِهَذَا تَعَلَّقُوا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] فَالْخِطَابُ مُخْتَصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُمْ وَالْأُمَّةُ مُتَّبِعُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُوجَبِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي أَمْرِ السُّلْطَانِ الْأَمِيرَ) فَإِنَّ أَتْبَاعَ الْأَمِيرِ يَدْخُلُونَ مَعَهُ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ هَذَا) أَيْ تَنَاوُلَ الْأَتْبَاعِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَوَقَّفُ الْمَأْمُورُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَعَلَى هَذَا فَنَحْوُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} [التوبة: 73] يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ (قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ) أَيْ مِمَّا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعُمُومَاتِ الْمُتَنَاوِلَةِ لَهُ لُغَةً فَيَخْرُجُ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ، نَحْوُ يَا أَيُّهَا الْأُمَّةُ فَلَا يَشْمَلُهُ بِلَا خِلَافٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: يَشْمَلُ الرَّسُولَ) لِتَنَاوُلِهِ لَهُ لُغَةً وَلِأَنَّهُ مُرْسَلٌ لِنَفْسِهِ أَيْضًا فَسَقَطَ تَنْظِيرُ سم فِي تُنَالُ، نَحْوُ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الأعراف: 158] إذْ لَا يُعَدُّ فِي إخْبَارِهِ بِأَنَّهُ رَسُولٌ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهُ مُطْلَقًا) فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصِّيغَةِ قَالَ ابْنُ الْبُرْهَانِ وَذَهَبَتْ شِرْذِمَةٌ لَا يُؤْبَهُ بِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْخِطَابِ وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ وَوَضْعُ اللِّسَانِ حَاكِمٌ بِاقْتِضَاءِ التَّعْمِيمِ وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ بِقَضَايَا التَّكْلِيفِ كَالْأُمَّةِ. (قَوْلُهُ: لِلتَّبْلِيغِ لِغَيْرِهِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِظُهُورِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَى لِسَانِهِ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ قُلْ فَيَلْزَمُ عَدَمُ التَّنَاوُلِ فِي الْكُلِّ وَأَجَابَ سم بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ كَالثَّابِتِ اهـ. وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ وَكَانَ

(يَعُمُّ الْعَبْدَ) وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ لِصَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى سَيِّدِهِ شَرْعًا قُلْنَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ ضِيقِ الْعِبَادَاتِ (وَالْكَافِرَ) وَقِيلَ لَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ (وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ) وَقْتَ وُرُودِهِ (دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ) وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ أَيْضًا لِمُسَاوَاتِهِمْ لِلْمَوْجُودِينَ فِي حُكْمِهِ إجْمَاعًا قُلْنَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَا مِنْهُ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ) وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ نَظَرَتْ امْرَأَةٌ فِي بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ جَازَ رَمْيُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْقِيقُ فِيهِ بَلَغَنِي مِنْ أَمْرِ رَبِّي كَذَا فَاسْمَعُوهُ وَعُوهُ وَاتَّبِعُوهُ. (قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْعَبْدَ) أَيْ شَرْعًا بِأَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْ الْخِطَابِ الْعَامِّ لِتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ لُغَةً. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ ضِيقِ الْعِبَادَاتِ) وَإِلَّا قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى عَدَمِ) وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذِكْرُهُ هُنَا لِجَمْعِ النَّظَائِرِ وَخَرَّجَ بِالْفُرُوعِ الْأُصُولُ، نَحْوُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ آمِنُوا فَيَدْخُلُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَعُمُّ فَهُوَ مِنْ مَحَالِّ الْخِلَافِ وَلَمْ يُنَبِّهْ الشَّارِحُ فِي الْحَلِّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَعَادَتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُتَنَاوَلُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ الْكَمَالُ وَلَعَلَّ الْعُذْرَ فِي عَدَمِ تَقْدِيرِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَوْ قُدِّرَتْ رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْمَوْجُودِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهُمْ دَاخِلُونَ قَطْعًا وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَقِيقَةِ تَنَاوُلُهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ وَتَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْخِطَابِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْجُودِينَ لِدُخُولِهِمْ لُغَةً فِي نَحْوِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَوْ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ تَوْجِيهَ الْخِطَابِ اللَّفْظِيِّ إلَى الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ لِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاهِمٍ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ فِي الْأَزَلِ يَدْخُلُهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالْكَلَامُ فِي خِطَابٍ لَفْظِيٍّ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْعَضُدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُتَّصِفَ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ الْمَوْجُودَيْنِ فَأَوْلَى عَدَمُ تَنَاوُلِهِ لِلْمَعْدُومِ بِالْكُلِّيَّةِ وَنَازَعَهُ السَّعْدُ بِأَنَّ عَدَمَ تَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِمَا بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ لَا يُنَافِي عُمُومَ الْخِطَابِ وَتَنَاوُلَهُ لَفْظًا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ) أَيْ لُغَةً؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَوْجُودِينَ وَالْمَعْدُومِينَ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيبِ سَائِغٌ فَصِيحٌ لُغَةً قَالَهُ السَّعْدُ وَفِيهِ أَنَّ التَّغْلِيبَ مَجَازٌ وَالْكَلَامُ فِي التَّنَاوُلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الْأَلْفَاظُ هِيَ الصُّوَرُ الذِّهْنِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْعَقْلِ وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَنِعْمَ مَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ لَا شَكَّ أَنَّ خِطَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ وَبِآحَادِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ الْكَافَّةَ يَلْتَزِمُونَ مِنْ مُقْتَضَاهُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُخَاطَبُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَا خُصَّ بِهِ أَهْلُ عَصْرِهِ وَكَوْنُ النَّاسِ شَرْعًا فِي الشَّرْعِ وَاسْتِبَانَةُ ذَلِكَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا شَكَّ فِيهِ وَكَوْنُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ مُخْتَصًّا بِالْمُخَاطَبِ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ لَا شَكَّ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِعَدِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْمُخْتَلِفَاتِ وَالشِّقَّانِ جَمِيعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: فِي حُكْمِهِ إجْمَاعًا) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي التَّنَاوُلِ لَفْظًا. (قَوْلُهُ: قُلْنَا بِدَلِيلٍ إلَخْ) أَيْ التَّسَاوِي بِدَلِيلٍ إلَخْ لَا التَّبَادُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ. (قَوْلُهُ: لَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا النَّصِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْخِطَابِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: مَنْ الشَّرْطِيَّةَ) يَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [النساء: 124] إذْ لَوْلَا تَنَاوُلُهَا لِلْأُنْثَى وَضْعًا لَمَا صَحَّ إنْ تَبَيَّنَ بِالْقِسْمَيْنِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَفَهِمَتْ دُخُولَ النِّسَاءِ فِي مَنْ الشَّرْطِيَّةِ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ فَدَخَلَهَا الْإِمَاءُ عَتَقْنَ إجْمَاعًا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَيُعْزَى لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَبُنِيَ عَلَيْهِ عَدَمُ قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ عِنْدَهُمْ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِيَّةِ

عَلَى الْأَصَحِّ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَنْ تَطَلَّعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُسْتَتَرُ مِنْهَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ) كَالْمُسْلِمِينَ (لَا يَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ ظَاهِرًا) وَإِنَّمَا يَدْخُلْنَ بِقَرِينَةٍ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ وَقِيلَ يَدْخُلْنَ فِيهِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي الشَّرْعِ مُشَارَكَتُهُنَّ لِلذُّكُورِ فِي الْأَحْكَامِ لَا يَقْصِدُ الشَّارِعُ بِخِطَابِ الذُّكُورِ قَصْرَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْصُولَةُ وَالِاسْتِفْهَامِيَّة فَتَخْصِيصُ مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِهَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ التَّنَاوُلِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَخْ أَيْ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَتَكُونُ مَنْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَلَوْ قَالَ هُنَا عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ عَلَى الثَّانِي كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ بِنَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ لَكِنَّهُ أَرَادَ بِهِمَا الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ فِي الْفِقْهِ وَلِهَذَا عَلَّلَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إلَخْ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمِ الْفِقْهِيِّ لِمَا لَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَبْحَثِ الْأُصُولِيِّ وَإِلَّا لَقَالَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَتَنَاوَلُهَا. (قَوْلُهُ: جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ) التَّقْيِيدُ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُكَسَّرِ فَقَدْ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُؤَنَّثُ وَأَمَّا مَا أُلْحِقَ بِالْجَمْعِ فَمِنْهُ مَا يَشْمَلُهَا قَطْعًا كَعِشْرِينَ وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنَاثُ قَطْعًا كَأَرَضِينَ وَسِنِينَ. (قَوْلُهُ: كَالْمُسْلِمِينَ) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي نَحْوِ الرِّجَالِ فِيمَا وُضِعَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً لِانْتِفَائِهِ اتِّفَاقًا وَلَا فِي نَحْوِ النَّاسِ وَلَا نَحْوِ مَنْ وَمَا مِمَّا هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَا يَعُمُّ الصِّنْفَيْنِ لِثُبُوتِهِ اتِّفَاقًا بَلْ فِيمَا مُيِّزَ فِيهِ بَيْنَ صِيغَةِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِعَلَامَةٍ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ فِيهِ الْمَذْكُورَ فَإِذَا أَرَادُوا الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُطْلِقُونَهُ وَيُرِيدُونَ الطَّائِفَتَيْنِ وَلَا يُفْرَدُ الْمُؤَنَّثُ بِالذِّكْرِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمُسْلِمِينَ وَفَعَلُوا وَافْعَلُوا فَهَذِهِ الصِّيَغُ إذَا أُطْلِقَتْ هَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِيهَا كَمَا تَدْخُلُ عِنْدَ التَّغْلِيبِ أَوْ لَا؟ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ ظَاهِرًا وَفِي التَّمْهِيدِ إذَا وَقَفَ عَلَى بَنِي زَيْدٍ أَوْ أَوْصَى إلَيْهِمْ لَا يَدْخُلُ بَنَاتُهُ بِخِلَافِ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي هَاشِمٍ وَنَحْوِهِمَا فَتَدْخُلُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ بَنِي تَمِيمٍ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ بِتَمَامِهَا وَلَوْ نِسَاءً فَالْمَقْصُودُ الْجِهَةُ وَفِيهِ أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَى نَحْوِ افْعَلُوا مَسْأَلَةُ الْوَاعِظِ الْمَشْهُورَةُ وَهِيَ أَنَّ وَاعِظًا طَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ طَلَّقْتُكُمْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ زَوْجَتَهُ كَانَتْ فِيهِمْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَفْتَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَالَ وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْتُكُمْ لَفْظٌ عَامٌّ وَهُوَ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنِّيَّةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ لَا يَحْنَثُ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ زَوْجَتَهُ فِي الْقَوْمِ كَانَ مَقْصُودُهُ غَيْرَهَا. (قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ) أَيْ تَبَعًا وَدَلِيلُهُ الْعَطْفُ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَإِنْ ادَّعَى الْخَصْمُ أَنَّ ذِكْرَهُنَّ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِنَّ قُلْنَا فَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى وَسَكَتُوا عَنْ الْخَنَاثَى وَالظَّاهِرُ مِنْ تَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ دُخُولُهُمْ فِي خِطَابِ النِّسَاءِ فِي التَّغْلِيظِ وَالرِّجَالِ فِي التَّخْفِيفِ وَرُبَّمَا أُخْرِجُوا عَنْ الْقِسْمَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَدْخُلْنَ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَيُنْسَبُ لِلْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ بَلْ بِالْعُرْفِ أَوْ بِعُمُومِ الْأَحْكَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَكَلَامُ الْعَضُدِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدُّخُولَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ حَقِيقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ اهـ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ وَهُوَ مَجَازٌ. (قَوْلُهُ: لَا يَقْصِدُ إلَخْ) إيقَاعُ الْمُضَارِعِ جَوَابًا لِلَمَّا يَتَمَشَّى عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عُصْفُورٍ أَوْ يُقَالُ إنَّهَا لَا جَوَابَ لَهَا إذْ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا التَّعْلِيقُ بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ فَلَا تَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ لَا يُقْصَدُ خَبَرُ أَنَّ وَلَمَّا مُتَعَلِّقٌ بِهِ. (قَوْلُهُ: قَصْرَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَذْكُورِ بَلْ يَقْصِدُ مُطْلَقَ الْجَمَاعَةِ الشَّامِلَةِ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَبَحَثَ فِيهِ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْقَصْرِ غَايَةُ الْأَمْرِ السُّكُوتُ عَنْهُنَّ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقَصْرُ لَفْظًا بِأَنْ لَا يُرِيدَ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لَهُنَّ وَلَا بَيَانَ حُكْمِهِنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُرِيدُ بِاللَّفْظِ إلَّا الرِّجَالَ لَا قَصْرَ الْحُكْمِ فِي الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ مَبْنَى بَحْثِ الشِّهَابِ

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ) بِحُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ (لَا يَتَعَدَّاهُ) إلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ يَعُمُّ) غَيْرَهُ (عَادَةً) لِجَرَيَانِ عَادَةِ النَّاسِ بِخِطَابِ الْوَاحِدِ وَإِرَادَةِ الْجَمْعِ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ قُلْنَا مَجَازٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِطَابَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِيَا أَهْلَ الْكِتَابِ) ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] (لَا يَشْمَلُ الْأُمَّةَ) وَقِيلَ يَشْمَلُهُمْ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُخَاطِبَ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (دَاخِلٌ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ إنْ كَانَ خَبَرًا) ، نَحْوُ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمٌ بِذَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ) أَيْ وَخِطَابَ الِاثْنَيْنِ أَوْ خِطَابَ الْجَمَاعَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَفْظُ الْوَاحِدِ لَا مَفْهُومَ لَهُ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ مُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظٍ يَخْتَصُّ بِهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَتَحْرِيرُ الْكَلَامِ أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ إنْ اقْتَرَنَ بِمَا يَخُصُّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ كَحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ فِي الْعَنَاقِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «يُجْزِيك وَلَنْ يُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَفِيهِ مَذَاهِبُ الْأَوَّلُ عَدَمُ التَّنَاوُلِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. الثَّانِي: وَيُعْزَى لِلْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ عَامٌّ بِنَفْسِهِ وَكَلَامُ الْقَاضِي هُوَ عَامٌّ بِالشَّرْعِ لَا بِاللُّغَةِ الثَّالِثُ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَة أَنَّهُ إنْ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ «كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ وَاقَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ أَعْتِقْ» كَانَ عَامًّا وَإِلَّا فَلَا، نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ. (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ بَلْ الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِالْقِيَاسِ وَبِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَمَّا حَدِيثُ «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» فَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَلَيْسَ لَفْظِيًّا كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَعُمُّ غَيْرَهُ) لَمْ يُرِدْ الْعُمُومَ الْمُصْطَلَحَ بَلْ مُطْلَقَ التَّنَاوُلِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ تَجُوزُ حَيْثُ جُعِلَ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْخِطَابِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَلَمْ يَقُلْ وَقِيلَ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَفْسِيرَ التَّعَدِّي هُنَا بِعُمُومِ غَيْرِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ إذْ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِهِ انْقِطَاعُهُ عَنْهُ وَتَعَلُّقُهُ بِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ) أَمَّا مَا لَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ فَلَا يَعُمُّ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: قُلْنَا مَجَازٌ) أَيْ وَإِرَادَةُ الْجَمِيعِ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ مَجَازٌ أَيْ وَالْكَلَامُ فِي التَّنَاوُلِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ وَالْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: خِطَابَ الْقُرْآنِ) أَيْ خِطَابَ الشَّارِعِ الْوَاقِعَ فِي الْقُرْآنِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ) بِخِلَافِ مَا لَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ فَلَا يَعُمُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى لِأَهْلِ بَدْرٍ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُسَوَّدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَلَفْظُهُ يَشْمَلُهُمْ إنْ شَرِكُوهُمْ فِي الْمَعْنَى وَإِلَّا فَلَا قَالَ ثُمَّ الشُّمُولُ هُوَ هُنَا هَلْ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ الْعُرْفِيَّةِ أَوْ الِاعْتِبَارِ الْعَقْلِيِّ فِيهِ الْخِلَافُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اسْتِدْلَالُ الْأَئِمَّةِ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: 44] الْآيَةَ فَإِنْ هَذِهِ الضَّمَائِرَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْخِطَابِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا خِطَابُهُمْ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِمْ فَهِيَ مَسْأَلَةُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا اهـ. (قَوْلُهُ: فِي عُمُومِ خِطَابِهِ) أَيْ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فِي هَذَا التَّمْثِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ هُوَ مَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِكَلَامٍ يَصْلُحُ لِشُمُولِهِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْ لَا سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ خِطَابٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفِيدَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطَبِ وَإِفَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ الرَّأْيُ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُلُ الْمُخَاطِبُ تَحْتَ قَوْلِهِ وَخِطَابِهِ إذَا كَانَ اللَّفْظُ فِي الْوَضْعِ صَالِحًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلَكِنَّ الْقَرَائِنَ هِيَ الْمُحَكَّمَةُ وَهِيَ غَالِبَةٌ جِدًّا فِي خُرُوجِ الْمُخَاطِبِ عَنْ حُكْمِ خِطَابِهِ وَاعْتَقَدَ بَعْضُ النَّاسِ خُرُوجَهُ عَنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْوَضْعِ وَذَلِكَ مِنْ

وَصِفَاتِهِ (لَا أَمْرًا) كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَقَدْ أَحْسَنَ إلَيْهِ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْك فَأَكْرِمْهُ لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْآمِرَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ وَقِيلَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ مُطْلَقًا لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْمُخَاطِبُ نَفْسَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الدُّخُولَ فِي الْأَمْرِ فِي مَبْحَثِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَ) الْأَصَحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمِ اطِّرَادِ الْقَرَائِنِ وَغَلَبَتِهَا فَإِنَّ مَنْ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِدَرَاهِمَ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ فِي تَقْيِيدِ مُرَادِهِ لِمَأْمُورِهِ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فَحَكَمَتْ الْقَرَائِنُ وَجَرَتْ عَلَى قَضِيَّتِهَا وَاللَّفْظُ صَالِحٌ وَلَوْ قَالَ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ مَنْ وَعَظَك فَاتَّعِظْ وَمَنْ نَصَحَك فَاقْبَلْ نَصِيحَتَهُ فَلَا قَرِينَةَ تُخْرِجَ الْمُخَاطِبَ فَلَا جَرَمَ إذَا نَصَحَهُ كَانَ مَأْمُورًا بِقَبُولِ نَصِيحَتِهِ بِحُكْمِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَصِفَاتِهِ) زَادَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ الذَّاتُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ غَيْرًا فَلَا يُقَالُ الْأَوْلَى حَذْفُهُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ سَكَتَا عَنْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْفَتْحِ هَلْ يَدْخُلُ فِي خِطَابِهِ أَوْ لَا وَلَا يَبْعُدُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَمْهِيدِهِ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الْمُخَاطَبِ بِفَتْحِ الطَّاءِ كَقَوْلِهِ أَعْطِ هَذَا مَنْ شِئْت أَوْ وَكَّلْتُك فِي إبْرَاءِ غُرَمَائِي وَكَانَ الْمُخَاطَبُ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُعْطِي نَفْسَهُ وَلَا يُبْرِئُهَا وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ لَهُ وَمِنْهَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ إيجَارُ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْت فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا أَمْ أَقَلُّ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا أَمْرًا) أَيْ وَلَا نَهْيًا. (قَوْلُهُ: لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْآمِرُ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَأَمَّا نَحْوُ مَنْ مَاتَ فَادْفِنْهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِقَرِينَةٍ) فَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) فَهِمَ الشَّارِحُ مِنْ ظَاهِرِهِ عَدَمَ دُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي خِطَابِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي الْإِنْشَاءِ بِقَرِينَةِ مَا عَلَّلَهُ بِهِ وَهُوَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَتَعَقَّبَهُ سم بِأَنَّ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ هُوَ ظَاهِرُهُ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْقَرِينَةِ لَيْسَ بِقَرِينَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ عَطْفًا عَلَى مَنْقُولَاتٍ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ مَا نَصُّهُ وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْخِطَابِ قُلْت الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَكَذَا الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَّا مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ اهـ. وَفِي الرَّافِعِيِّ إذَا قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي لَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى نِسْوَةٍ لَمْ يُطَلَّقْنَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ حَتَّى إذَا أَشَارَ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَقَالَ طَلَّقْت هَذِهِ وَزَوْجَتِي لَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ وَتَعَقَّبَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ بِقَوْلِ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ وَقَفَ بِئْرَ رُومَةَ دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ فَإِنَّ الرَّاجِحَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فَإِنَّهُ قَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَجَّحَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَدْخُلُ وَكَذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ أَوْلَادِ أَبِي أَوْ أَفْقَهِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَانَ الْوَاقِفُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ صَحَّ وَصُرِفَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنْ قُلْنَا يَدْخُلُ فَيُحْتَمَلُ الْقَوْلُ بِهِ هَاهُنَا أَيْضًا وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ الصِّحَّةُ وَيَكُونُ بُطْلَانُهُ فِي النَّفْسِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى إخْرَاجِهَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ الْعُمُومَ فَإِنْ أَرَادَ مَا عَدَا نَفْسَهُ صَحَّ وَكَانَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُفْتِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَعَمِلَ بِهِ فَإِنَّهُ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَفْقَهِ أَوْلَادِ أَبِيهِ وَبَقِيَ هُوَ يَتَنَاوَلُهُ، لِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ وَمَا صَدَرَ مِنْهُ

(أَنَّ نَحْوَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] يَقْتَضِي الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ) وَقِيلَ لَا بَلْ يَمْتَثِلُ بِالْأَخْذِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) عَنْ تَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَالثَّانِي إلَى أَنَّهُ مِنْ مَجْمُوعِهَا (التَّخْصِيصُ) مَصْدَرُ خَصَّصَ بِمَعْنَى خُصَّ (قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ) بِأَنْ لَا يُرَادَ مِنْهُ الْبَعْضُ الْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرْدُودٌ. (قَوْلُهُ: أَنَّ نَحْوَ خُذْ إلَخْ) الْكَلَامُ فِي اللَّفْظِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْآيَةُ قَامَتْ أَدِلَّةٌ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَنَظِيرُهُ مَا وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى فِيمَا لَوْ شُرِطَ عَلَى الْمُدَرِّسِ أَنْ يُلْقِيَ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ مِنْ عُلُومٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ التَّفْسِيرُ وَالْأُصُولُ وَالْفِقْهُ هَلْ يَجِبُ أَنْ يُلْقِيَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ يُلْقِيَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا اهـ. فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ أَنْ يُلْقِيَ الْمُدَرِّسُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ لَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّصْحِيحِ وَجَعَلَ مِنْ فُرُوعِهَا أَيْضًا صِحَّةَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ كَالْخَيْلِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) احْتِيجَ لَهُ بِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَهُوَ يَصْدُقُ بِبَعْضِ مَدْخُولِهَا وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْعَامِّ إنَّمَا يُكَوَّمُ بِاعْتِبَارِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ. (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُ مِنْ مَجْمُوعِهَا) الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ الْجَمْعِ كُلٌّ لَا كُلِّيَّةٌ (قَوْلُهُ: التَّخْصِيصُ) أَلْ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَعْلُومًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْجَمَةً فَيُعْرَبَ إعْرَابَهَا الْمَشْهُورَ أَوْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى خُصَّ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي صِيغَةِ التَّفْصِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الْفِعْلِ الصَّادِقِ بِمَرَّةٍ. (قَوْلُهُ: قَصْرُ الْعَامِّ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ قَصَرَ الشَّارِعُ الْعَامَّ وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمِ الْعَامِّ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدِ وَالْمُرَادُ قَصْرُهُ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ الشُّمُولِ لِيَشْمَلَ الْقِسْمَيْنِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ الشَّرْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ لَكِنْ قِيلَ كَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ أَفْرَادِهِ بِالْغَالِبَةِ لِيَخْرُجَ النَّادِرَةُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودَةِ فَإِنَّ الْقَصْرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ تَخْصِيصًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلِذَلِكَ ضَعُفَ تَأْوِيلُهُمْ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يُقْصَرُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْبِرْمَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَعَ نُدُورِهِ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِذَلِكَ وَفِي الْبُرْهَانِ قَالَ قَائِلُونَ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ لَهُمْ لَيْسَتْ الصَّغِيرَةُ امْرَأَةً فِي حُكْمِ اللِّسَانِ كَمَا لَيْسَ الصَّبِيُّ رَجُلًا وَالْتَزَمُوا سُقُوطَ التَّأْوِيلِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَبَقِيَ مَوْقُوفَ النَّفَاذِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثُمَّ أَكَّدَ الْبُطْلَانَ بِتَكَرُّرِ الْبَاطِلِ ثَلَاثًا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَمَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ تَسْمِيَةُ الْأَمَةِ امْرَأَةً وَرُدَّ ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّغِيرَةِ. الثَّانِي: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ» وَمَهْرُ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا وَزَعَمَ مَنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَالتَّحَذُّقَ مِنْ مُتَأَخِّرَيْهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتَفَادُوا بِأَكْمَلَ عَلَيْهَا عَلَى زَعْمِهِمْ اسْتِحْقَاقَهَا الْمَهْرَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَعَمَّ الْأَلْفَاظِ إذْ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ مِنْ أَعَمِّ الصِّيَغِ وَأَعَمُّهَا مَا وَأَيُّ فَإِذَا فُرِضَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ بَالِغًا فِي مُحَاوَلَةِ التَّعْمِيمِ إذَا ابْتَدَأَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمًا وَلَمْ يُجْرِهِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ وَلَمْ يُطَبِّقْهُ عَلَى حِكَايَةِ حَالٍ وَلَمْ يُصْدَرْ مِنْهُ حَلًّا لِلْإِعْضَالِ وَالْإِشْكَالِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ بَلْ قَالَ مُبْتَدِئًا أَيُّمَا امْرَأَةٍ إلَخْ فَانْتَحَى أَعَمَّ الصِّيَغِ وَظَهَرَ مِنْ حَالِهِ قَصْدُ تَأْسِيسِ الشَّرْعِ بِقَرَائِنَ بَيِّنَةٍ فَمَنْ ظَنَّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْمُكَاتَبَةَ عَلَى حِيَالِهَا دُونَ الْحَرَائِرِ اللَّوَاتِي هَذِهِ الْغَالِبَاتُ وَالْمَقْصُودَاتُ فَقَدْ قَالَ مُحَالًا اهـ. بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُرَادَ إلَخْ) صَادِقٌ بِأَنْ يُرَادَ عَدَمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْأُخَر وَصَادِقٌ بِحَالَةِ السُّكُوتِ عَنْ الْإِرَادَةِ وَمِنْ حَالَةِ إرَادَةِ الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ فَقَطْ وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هَلْ الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتٌ عَنْهُ أَوْ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالنَّقِيضِ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْإِرَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِئَلَّا يُخَالِفَ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ إلَخْ وَلِيُنَاسِبَ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ إلَخْ فَإِنْ قِيلَ التَّخْصِيصُ فِي

وَيَصْدُقُ هَذَا بِالْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَعَدَلَ كَمَا قَالَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُسَمَّيَاتِهِ لِأَنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ وَاحِدٌ وَهُوَ كُلُّ الْأَفْرَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِ الشَّارِعِ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الطَّلَبِيِّ يُوهِمُ الْبَدْءَ وَفِي الْخَبَرِيِّ الْكَذِبَ قُلْنَا يَنْدَفِعُ الْوَهْمُ بِالْمُخَصِّصِ أَيْ وُرُودِ الْمُخَصِّصِ الْمُبَيِّنِ لِلْمُرَادِ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ ابْتِدَاءً وَأَيْضًا مُعَارَضٌ بِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، مِثْلَ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] ، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] حَتَّى صَارَ كَالْمِثْلِ قَوْلُهُمْ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ مِنْهُ إلَّا، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ هَذَا بِالْعَامِّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَصْرُ الْعَامِّ إلَخْ صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَقَطْ أَوْ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْحُكْمُ مَعًا وَكَانَ الْأَوْلَى فَيُصَدَّقُ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِأَنْ لَا يُرَادَ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَ وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَصْرِ الْعَامِّ قَصْرُ حُكْمِهِ لَا قَصْرُ لَفْظِهِ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ فَيَخْرُجُ الْعَامُّ الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فَإِنَّهُ قَصْرُ دَلَالَةِ الْعَامِّ لَا قَصْرُ حُكْمِهِ فَقَطْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّارِحَ نَظَرَ إلَى الظَّاهِرِ وَالْبِرْمَاوِيِّ إلَى الْمَعْنَى فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ صَادِقٌ بِقَصْرِهِ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ أَنَّهُ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَالنَّسْخُ لَيْسَ بَيَانًا بَلْ ابْتِدَاءَ حُكْمٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ لَا يَخْفَاك أَنَّ بَعْضَ التَّعْرِيفِ إنَّمَا هُوَ بِبَعْضِ صُوَرِ النَّسْخِ وَهُوَ رَفْعُ الْحُكْمِ عَنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَمَّا رَفْعُهُ عَنْ الْكُلِّ فَلَا. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَقَدْ اخْتَلَفَ شَارِحُو الْمُخْتَصَرِ فِي تَأْوِيلِ الْمُسَمَّيَاتِ فِي عِبَارَتِهِ فَحَمَلَهَا جُمْهُورُهُمْ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُسَمَّى وَحَمَلَهَا الْعَضُدُ عَلَى جُزَيْئَاتِ الْمُسَمَّى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَوَاشِي الْمَوْلَى سَعْدِ الدِّينِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّعْبِيرِ بِالْأَفْرَادِ، وَأَفْرَادُ الْعَامِّ جُزَيْئَاتٌ فَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ قَالَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ تَضَمُّنٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُطَابَقَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّضَمُّنَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْتِجُ كَوْنُهُ مُطَابَقَةً، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَضَمُّنٌ. وَأُجِيبَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُسَمَّيَاتِ مَا صَحَّ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَهُوَ جُزْئِيَّاتُ الْمُسَمَّى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَامَّ يُحْمَلُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَسَاوَى تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ

(وَالْقَابِلُ لَهُ) أَيْ لِلتَّخْصِيصِ (حُكْمٌ ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ) لَفْظًا أَوْ مَعْنًى كَالْمَفْهُومِ نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ فِي الْحَقِيقَةِ الْحُكْمُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ بِمَا سَبَقَ فَالْمُتَعَدِّدُ لَفْظًا، نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَخُصَّ مِنْهُ الذِّمِّيُّ وَنَحْوُهُ وَمَعْنًى كَمَفْهُومِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ وَخُصَّ مِنْهُ حَبْسُ الْوَلَدِ بِدَيْنِ الْوَالِدِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (إلَى وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْعَامِّ جَمْعًا) كَمَنْ وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ (وَإِلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ) ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ اللَّفْظِ فَصُدِقَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَاَلَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَيَصْدُقُ بِالْعَامِّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ) أَيْ لَوْلَا التَّخْصِيصُ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَعْنًى) أَيْ لَمْ يُنْطَقْ بِدَالِّهِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ نَبَّهَ بِهَذَا إلَخْ فَبَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّنْبِيهِ الثَّانِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ لَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَشَارَ هُوَ إلَيْهِ آخِرَ اهـ. (قَوْلُهُ نُبِّهَ بِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ فِي الْحَقِيقَةِ الْحُكْمُ) يَعْنِي فَالْإِخْرَاجُ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ لَا مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْمُتَعَدِّدِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي التَّخْصِيصِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ إسْنَادَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَوْلَى وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ نَحْوِ عَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً هَلْ الْإِسْنَادُ إلَى السَّبْعَةِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ لِلثَّلَاثَةِ أَوْ أَنَّ مَجْمُوعَ اللَّفْظِ يَصِيرُ دَالًّا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ) حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِمُتَعَدِّدٍ وَلَمْ يَقُلْ لِعَامٍّ أَوْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ فَالْمُرَادُ بِالْعَامِّ هُنَا مُطْلَقُ الْأَمْرِ الشَّامِلِ لِمُتَعَدِّدٍ لَكِنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ السَّابِقِ شَامِلًا لِمَا لَيْسَ عَامًّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَفْهُومُ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ فَتَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ قَدْ يُطْلَقُ اصْطِلَاحًا عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا وَمَدْلُولِ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَا أَنَّ لَهُ آحَادًا يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ كَالْعَامِّ وَمَنَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَيْسَ كُلُّ إخْرَاجٍ تَخْصِيصًا اصْطِلَاحًا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ اصْطِلَاحًا فَرْعُ الْعُمُومِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً مَثَلًا لَا يُسَمَّى تَخْصِيصًا اصْطِلَاحًا اهـ. وَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْمُتَعَدِّدُ لَفْظًا) أَيْ فَالْمُتَعَدِّدُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَيْ بِالْمَنْطُوقِ وَقَوْلُهُ وَمَعْنًى أَيْ أَوْ الْمُتَعَدِّدُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى أَيْ الْمَفْهُومُ. قَوْلُهُ كَمَفْهُومِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] هَذَا مِثَالٌ لِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَمِثَالُ الْمُخَالَفَةِ قَصْرُ مَفْهُومِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ النَّجَسُ مَيْتَةً لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ وَفِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ تَخْصِيصُهُ بِالرَّاكِدِ فَعَلَّلَهُ شَارِحُهُ الْبُدَخْشِيُّ بِأَنَّ الْجَارِيَ وَإِنْ كَانَ دُونَهُمَا لَا يَنْجُسْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ» فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَكَانَتْ تَجْرِي فِي الْبَسَاتِينِ وَالْخَبَرُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ دَالًّا بِمَنْطُوقِهِ رَجَحَ عَلَى الْأَوَّلِ الدَّالِّ بِالْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ) الرَّاجِحُ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ الْحَبْسِ كَالْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ جَوَازُ انْتِهَائِهِ فَالْمُتَعَدِّي بِإِلَى هُوَ الْمُضَافُ الْمَحْذُوفُ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْمَخْصُوصُ وَأَمَّا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: أَيْ التَّخْصِيصِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَصِّصُ مُتَّصِلًا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: جَمْعًا) أَيْ نَصًّا فِي الْجَمْعِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ التَّمْثِيلُ بِمَنْ فَلَا يُقَالُ إنَّ مَنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِيهِ لَيْسَ نَصًّا. (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ) فِي مَعْنَى الْجَمْعِ اسْمُ الْجَمْعِ كَنِسَاءٍ وَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّحْوِ اسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ وَفِي اصْطِلَاحِ التَّوْضِيحِ وَشَرْحِهِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ الْجَمْعِ وَبَاقِي مَعْنَاهُ كَالرَّهْطِ وَالْقَوْمِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَالْمُفْرَدُ كَالرَّجُلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْجَمْعُ يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ كَالنِّسَاءِ فِي لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ إلَى الْوَاحِدِ وَالطَّائِفَةُ كَالْمُفْرَدِ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُهَا إلَى الْوَاحِدِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ

(إنْ كَانَ) جَمْعًا كَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ (وَقِيلَ) يَجُوزُ إلَى وَاحِدٍ (مُطْلَقًا) نَظَرًا فِي الْجَمْعِ إلَى أَنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ كَغَيْرِهِ (وَشَذَّ الْمَنْعُ) إلَى وَاحِدٍ (مُطْلَقًا) بِأَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا إلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ مُطْلَقًا (وَقِيلَ بِالْمَنْعِ إلَّا أَنْ يَبْقَى غَيْرُ مَحْصُورٍ) فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَبْقَى قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِهِ) أَيْ الْعَامِّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ وَالْأَخِيرَانِ مُتَقَارِبَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَمْلُهَا ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ جَمْعًا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ وَيَتَقَيَّدَ انْتِهَاءُ التَّخْصِيصِ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا فَرْقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ نَظَرًا لِمَا شَاعَ فِي الْعُرْفِ مِنْ إطْلَاقِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ امْتِنَاعُ الِانْتِهَاءِ إلَى مَا دُونَ أَقَلِّ الْجَمْعِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَفْرَادَ الْجَمْعِ الْعَامِّ آحَادٌ وَيُصَرَّحُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي نَظَرًا فِي الْجَمْعِ إلَى أَنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْجَمْعِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ جَمْعًا أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: نَظَرًا فِي الْجَمْعِ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ رِعَايَةً لِلْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَجُوزَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ وَشَذَّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ الْمَنْعُ إلَى وَاحِدٍ وَمَفْهُومَهُ الْجَوَازُ إلَى أَكْثَرَ وَقَدْ أَفَادَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْقَى غَيْرُ مَحْصُورٍ) غَيْرُ فَاعِلُ يَبْقَى فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَثْرَةٌ يَعْسَرُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهَا. (قَوْلُهُ: قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِهِ) قَدْ فَسَّرُوهُ بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ وَلَا خَفَاءَ فِي امْتِنَاعِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يُعْلَمُ عَدَدُ أَفْرَادِ الْعَامِّ قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ خَالِدٍ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا عَدَمُ صِحَّةِ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ أَوْ النِّصْفِ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مَحْصُورٍ وَمُقْتَضَى مَا قَبْلَهُ جَوَازُهُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَخِيرَانِ مُتَقَارِبَانِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُمَا مُتَبَايِنَانِ بِنَاءً عَلَى مَا أَصَّلَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ بِمَا سَبَقَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْقَى غَيْرُ مَحْصُورٍ يَخْرُجُ الْمَحْصُورُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَدْلُولِهِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَبْقَى قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَحْصُورًا فَالْمَحْصُورُ الْقَرِيبُ مِنْ الْمَدْلُولِ دَاخِلٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ خَارِجٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا فَإِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ أَيْ الدَّالِّ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فَإِنَّ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْمِائَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَبَايُنِهَا وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ فِي تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ هُوَ الْمُعَرَّفُ بِمَا سَبَقَ فَالْقَوْلَانِ مُتَّحِدَانِ وَعِبَارَتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ مَدْلُولِهِ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْصُورٍ فَإِنَّ الْعَامَّ هُوَ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَفِي سم أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ قَدْ يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِأَنْوَاعٍ كُلٌّ مِنْهَا لَا يَتَنَاهَى وَخُصَّ مِنْهُ إلَى أَنْ بَقِيَ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَامُّ لَفْظَ الْمَعْلُومَاتِ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الْمَوْجُودُ خَارِجًا وَغَيْرَهُ وَخُصَّ مِنْهُ إلَى أَنْ بَقِيَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ كَنَوْعِ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ االْمَوْجُودُ مِنْهُ وَغَيْرُهُ فَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ أَوَّلُهُمَا

(وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا) لِأَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ لَا يَشْمَلُهُ الْحُكْمُ نَظَرًا لِلْمُخَصِّصِ (وَ) الْعَامُّ (الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ لَيْسَ) عُمُومُهُ (مُرَادًا) لَا حُكْمًا وَلَا تَنَاوُلًا (بَلْ) هُوَ (كُلِّيٌّ) مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ أَفْرَادًا ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ ثَانِيهِمَا إذْ النَّوْعُ الْبَاقِي غَيْرُ مَحْصُورٍ وَلَيْسَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدْلُولِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ فِي الْوَاقِعِ مِائَةً وَخُصَّ إلَى أَنْ بَقِيَ تِسْعُونَ مَثَلًا صُدِّقَ ثَانِيهِمَا دُونَ أَوَّلِهِمَا إذْ الْبَاقِي قَرِيبٌ مِنْ الْمَدْلُولِ وَهُوَ مَحْصُورٌ وَلَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ فِي الْوَاقِعِ مِائَةَ أَلْفٍ وَخُصَّ إلَى أَنْ بَقِيَ ثَمَانُونَ أَلْفًا صُدِّقَا جَمِيعًا إذْ الْبَاقِي قَرِيبٌ مِنْ الْمَدْلُولِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَكَيْفَ يَكُونَانِ مُتَغَايِرَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى قَدْ يَتَقَارَبَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَامُّ إلَخْ) هَذَا الْمَبْحَثُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ لِلْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَأَنُّقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (قَوْلُهُ: عُمُومُهُ مُرَادٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّنَاوُلُ مُرَادًا مِنْ اللَّفْظِ كَانَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ قَطْعًا فَلَا يُنَاسِبُ حِكَايَةَ الْخِلَافِ بَعْدُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا هُنَا بِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ لَهُ وَمَا يَأْتِي حِكَايَةً لِمَا لِأَهْلِ الْأُصُولِ أَوْ أَنَّ مَنْ الْتَفَتَ إلَى تُنَاوِلْهُ اللَّفْظَ قَالَ إنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمَنْ الْتَفَتَ إلَى قَصْرِ الْحُكْمِ قَالَ مَجَازٌ. (قَوْلُهُ: تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ عُمُومُ تَنَاوُلِهِ مُرَادٌ أَوْ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ أَيْ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ. (قَوْلُهُ: لَا يَشْمَلُهُ حُكْمُ الْعَامِّ) وَإِنْ شَمِلَهُ اللَّفْظُ وَلِهَذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْعَامِّ مُتَّصِلًا. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْمُخَصِّصِ) أَيْ تَبْيِينِ الْمُخَصِّصِ أَنَّ الْعَامَّ لَمْ يَشْمَلْهُ فَإِخْرَاجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مِنْ إبَاحَةِ الْقَتْلِ لَا مِنْ دَلَالَةِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ حَقِيقَةً، مِثْلُ مَنْ أَجَازَ قَتْلَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ طَرَأَ لَهُمْ وَصْفُ الذِّمَّةِ فَمَنَعَ جَوَازَ قَتْلِهِمْ. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ صِيَغَ الْعَامِّ مِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ كَالْمَوْصُولَاتِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْفَرْدِ الْمُنْتَشِرِ كَالنَّكِرَةِ وَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَجْمُوعِ الْآحَادِ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ وَرِجَالٍ وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ لِجَمْعِ السَّالِمِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَقَوْلُ النُّحَاةِ أَنَّ مَعْنَى رِجَالٍ فُلَانٌ فُلَانٌ إلَى أَنْ يُسْتَوْعَبَ لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي وَضْعِهِ لَا أَنَّهُ مِثْلُ الْمُتَكَرِّرِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْعُمُومُ فِيهِ بِحَسَبِ

بِحَسَبِ الْأَصْلِ (اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ) أَيْ فَرْدٍ مِنْهَا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (كَانَ مَجَازًا قَطْعًا) نَظَرًا لِحَيْثِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] أَيْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَثِيرٍ فِي تَثْبِيطِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُلَاقَاةِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [النساء: 54] أَيْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَمْعِهِ مَا فِي النَّاسِ مِنْ الْخِصَالِ الْجَمِيلَةِ وَقِيلَ النَّاسُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَفْدٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْعَرَبُ وَتَسَمَّحَ فِي قَوْلِهِ كُلِّيٌّ عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ. (وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ (الْأَشْبَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضْعِهِ الشَّخْصِيِّ وَالثَّانِي بِحَسَبِ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ أَوْ الشَّرْطِ مَثَلًا فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ وَالثَّالِثُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِثُبُوتِ قَاعِدَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَكُونُ بِكَيْفِيَّةِ كَذَا فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلدَّلَالَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى مَعْنًى مَخْصُوصٍ يُفْهَمُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ تَعَيُّنِهِ لَهُ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ صِيَغُ الْعُمُومِ كُلُّهَا دَالَّةً عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ تَعْرِيفُهُ السَّابِقُ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْإِفْرَادِيُّ فَإِذَا عَرَضَ تَرْكِيبٌ كَجَاءَ عَبِيدِي كَانَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ عَلَى حِدَتِهِ إذْ هُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي الْمُرَكَّبِ الْخَبَرِيِّ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الْمُرَكَّبِ الْإِنْشَائِيِّ كَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ تَكُونُ الْكُلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ الْإِنْشَاءُ مِنْ الْخَبَرِ الْمُشْرِكُونَ مَطْلُوبٌ قَتْلُهُمْ مَثَلًا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَمَدْلُولُهُ كُلِّيَّةٌ نَظَرًا إلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَيْ الْعَامُّ فِي التَّرْكِيبِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ كُلِّيَّةً وَكَوْنُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ الْخَبَرِيِّ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ إلَخْ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ وُقُوعِهِ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً وَالْمَحْصُورَاتُ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مُرَادٌ مِنْهُ مَجْمُوعُ الْأَفْرَادِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ سَابِقًا إنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ وَاحِدٌ أَوْ هُوَ كُلُّ الْأَفْرَادِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ وَمَا حَقَّقَهُ النَّاصِرُ هُنَاكَ أَنَّهَا تَضَمُّنِيَّةٌ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ الْمُطَابِقِيَّةَ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ الْخَبَرِيِّ وَأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَضَايَا بِعَدَدِ أَفْرَادِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَالتَّضَمُّنِيَّةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمِيعُهَا لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَكُلٌّ مِنْهَا بَعْضُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا تَمَامُهُ فَيَكُونُ الْعَامُّ دَالًّا عَلَى الْفَرْدِ تَضَمُّنًا كَذَا وَجَّهَهُ النَّاصِرُ وَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ يَجِبُ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَامَّ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُطْلَقِ فَرْقٌ بَلْ هُوَ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ مِنْ قَبِيلِ الْكُلِّ وَبِالنَّظَرِ لِوُقُوعِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي فِي تَرْكِيبٍ جُزْئِيٍّ تَنْتَظِمُ مِنْهُ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ وَهَذَا الِاعْتِبَارُ مُتَأَتٍّ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَلَبًا كَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَا سَبَقَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ غَيْرُ كُلِّيٍّ إلَخْ أَيْ شَبِيهٌ بِالْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ أَفْرَادًا فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْكُلِّيِّ فِيهِ مَجَازَ اسْتِعَارَةٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمُسَامَحَةِ. (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْأَصْلِ) وَأَمَّا بَعْدَ إرَادَةِ الْخُصُوصِ فَلَا. (قَوْلُهُ: أَيْ فَرْدٍ مِنْهَا) صَرْفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّ مَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الْكُلِّيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَرْدَ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الْعَامُّ لِكَوْنِ مَدْلُولِهِ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْجُزْئِيُّ هُنَا مَجَازًا عَنْ الْفَرْدِ كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْكُلِّيِّ عَلَى مَدْلُولِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ كُلِّيَّةٌ مَجَازٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِحَيْثِيَّةِ إلَخْ) أَيْ بِمُلَاحَظَةِ الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْكُلِّيِّ فِيهِ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ حَقِيقَتُهُمَا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُلِّيَّةُ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّ الْكُلِّيَّةَ يُرَادُ بِهَا الْأَفْرَادُ وَكَانَ هَذَا الْقَائِلُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا شَاعَ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ إلَخْ بِالْعَامِّ هُنَا مَعَ أَنَّك إذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت الْعَامَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ مُخَالِفًا لِلْعَامِّ هُنَا فَإِنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ لَهُ بِنَحْوِ الْإِنْسَانِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي زَيْدٍ مَثَلًا وَهُوَ لَيْسَ بِعَامٍّ هُنَا؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْمَاهِيَّةُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ الْمَعْنَى الْعَامُّ أَيْ الْكُلِّيُّ الَّذِي لَهُ أَفْرَادٌ كَإِنْسَانٍ. (قَوْلُهُ: لِقِيَامِهِ إلَخْ) أَيْ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَامِّ لِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَفْرَادِ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ إلَخْ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مَارًّا عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَبْلَ التَّأْوِيلِ كَانَ تَنَاقُضًا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَتَسَمَّحَ إلَخْ) وَجْهُ

أَنَّهُ (حَقِيقَةٌ) فِي الْبَعْضِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ (وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (وَالْفُقَهَاءِ) الْحَنَابِلَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لِلْبَعْضِ الْبَاقِي فِي التَّخْصِيصِ كَتَنَاوُلِهِ لَهُ بِلَا تَخْصِيصٍ وَذَلِكَ التَّنَاوُلُ حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا فَلْيَكُنْ هَذَا التَّنَاوُلُ حَقِيقِيًّا أَيْضًا (وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ حَقِيقَةٌ (إنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مُنْحَصِرٍ) لِبَقَاءِ خَاصَّةِ الْعُمُومِ وَإِلَّا فَمَجَازٌ (وَقَوْمٌ) حَقِيقَةٌ (إنْ خُصَّ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ) كَصِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَقِلُّ جُزْءٌ مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ وَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ تَنَاوُلِهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ) أَيْ هُوَ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْبَعْضِ حَقِيقَةٌ وَبِاعْتِبَارِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ مَجَازٌ وَفِي نُسْخَةٍ بِاعْتِبَارِيٍّ بِلَا نُونٍ مُضَافًا وَهُوَ أَحْسَنُ (وَالْأَكْثَرُ مَجَازٌ مُطْلَقًا) لِاسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّسَمُّحِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ كُلِّيٌّ ثُمَّ أُخْرِجَ عَنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ قَبْلَ التَّرْكِيبِ جَمِيعُ الْأَفْرَادِ، وَفِي حَالَةِ التَّرْكِيبِ يَكُونُ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً وَقَوْلُ الْكَمَالِ وَتَبِعَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ كَوْنَ مَدْلُولِ الْعَامِّ كُلِّيَّةً إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ شُمُولِ الْحُكْمِ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ وَإِذَا انْتَفَى هَذَا الشُّمُولُ كَانَ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ لَا مِنْ قَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْكُلِّيَّةِ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِمَا سَمِعْت أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ لَيْسَ مِنْ الْكُلِّيِّ فِي شَيْءٍ فَتَدَبَّرْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (قَوْلُهُ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ) قَدَّرَ لَفْظَةَ إنَّهُ لِيَصِحَّ الْحَمْلُ أَيْ الْأَشْبَهُ اتِّصَافُهُ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ حَذْفُ الْمَوْصُولِ الْحَرْفِيِّ وَبَعْضِ صِلَتِهِ وَهُوَ الْهَاءُ؛ لِأَنَّ صِلَتَهُ هُوَ حَقِيقَةٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ. (قَوْلُهُ: لِلْبَعْضِ الْبَاقِي إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَأَمَّا اللَّفْظُ فَمُسْتَعْمَلٌ فِي الْجَمِيعِ كَمَا قَدَّمَهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَشْبَهِ. (قَوْلُهُ: فِي التَّخْصِيصِ) أَيْ بِالْحُكْمِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَنَاوُلِهِ. (قَوْلُهُ: كَتَنَاوُلِهِ لَهُ) أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ فِي أَنَّ اللَّفْظَ مُتَنَاوِلٌ لِلْجَمِيعِ وَعَامٌّ لَهَا فَيَرْجِعُ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكُلِّ وَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَخْ) تَبِعَ فِي هَذَا النَّقْلِ وَالِدَهُ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الرَّازِيّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي جَمْعًا فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ كَذَا نَقَلَ الْكَمَالُ فِي حَاشِيَتِهِ وَالشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ وَاَلَّذِي فِي التَّلْوِيحِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مُنْحَصِرٍ أَيْ لَهُ كَثْرَةٌ يَعْسَرُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهَا وَإِلَّا فَمَجَازٌ اهـ. فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلشَّارِحِ وَهُمَا أَدْرَى. (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ خَاصَّةِ الْعُمُومِ) وَهِيَ عَدَمُ الِانْحِصَارِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْعُمُومِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مَحْصُورٍ. (قَوْلُهُ: بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ) أَيْ بِمُخَصِّصٍ لَا يَسْتَقِلُّ فَإِنْ خُصَّ بِمَا يَسْتَقِلُّ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَمَجَازٌ، نَحْوُ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] وَنَحْوُ {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] قَالَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ أَنَّ الْعَامَّ الْمُقَيَّدَ بِالصِّفَةِ مَثَلًا لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ إذْ لَوْ تَنَاوَلَهُ لَضَاعَتْ فَائِدَةُ الصِّفَةِ وَإِذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ فَقَطْ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَامِّ الْمُخَصَّصِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ فَإِنَّ لَفْظَهُ يَتَنَاوَلُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِلَّا لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لَا يَسْتَقِلُّ) مَا وَافَقَهُ عَلَى مُخَصِّصٍ. (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ فَالْعُمُومُ فِي الْمُقَيَّدِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى مَا لَا يَسْتَقِلُّ وَأَمَّا مَا يَسْتَقِلُّ فَلَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ فَلَيْسَ الْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ فَالْعُمُومُ فِي قَوْلِك أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الْفُقَهَاءَ فِي الصِّفَةِ أَيْ أَكْرِمْ جَمِيعَ الْفُقَهَاءِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَفِي قَوْلِك أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوا فِي الشَّرْطِ أَيْ أَكْرِمْ جَمِيعَ الْجَائِعِينَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَفِي أَكْرِمْ الْقَوْمَ إلَّا زَيْدًا أَيْ أَكْرِمْ الْقَوْمَ الْمُخْرَجَ مِنْهُمْ زَيْدٌ. (قَوْلُهُ: تَنَاوُلِ الْبَعْضِ) أَيْ فِي ضِمْنِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: مَجَازٌ) أَيْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحْسَنُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الِاخْتِصَارِ فِيهِ اسْتِغْنَاءٌ عَنْ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَى التَّنَاوُلِ وَالِاقْتِصَارِ أَيْ اعْتِبَارِ تَنَاوُلِهِ وَاعْتِبَارِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ وَالِاقْتِصَارَ مُعْتَبَرَانِ لَا اعْتِبَارَانِ

وَالتَّنَاوُلُ لِهَذَا الْبَعْضِ حَيْثُ لَا تَخْصِيصَ إنَّمَا كَانَ حَقِيقِيًّا لِمُصَاحَبَتِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ (وَقِيلَ) مَجَازٌ (إنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ) لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ إخْرَاجُ مَا دَخَلَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى بِخِلَافِ غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُفْهَمُ ابْتِدَاءً أَنَّ الْعُمُومَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ (وَقِيلَ) مَجَازٌ (إنْ خُصَّ بِغَيْرِ لَفْظٍ) كَالْعَقْلِ بِخِلَافِ اللَّفْظِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ (وَ) الْعَامُّ (الْمُخَصِّصُ قَالَ الْأَكْثَرُ حُجَّةً) مُطْلَقًا لِاسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ بِهِ مِنْ نَكِيرٍ. (وَقِيلَ إنْ خُصَّ بِمُعَيَّنٍ) ، نَحْوُ أَنْ يُقَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ، نَحْوُ إلَّا بَعْضَهُمْ إذْ مَا مِنْ فَرْدٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْرَجَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى فَرْدٌ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُبْهَمِ غَيْرُ حُجَّةٍ مَدْفُوعٌ بِنَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ مَعَ تَرْجِيحِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ (وَقِيلَ) حُجَّةٌ إنْ خُصَّ (بِمُتَّصِلٍ) كَالصِّفَةِ لِمَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالتَّنَاوُلُ لِهَذَا الْبَعْضِ) رَدٌّ لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي. (قَوْلُهُ: لِمُصَاحَبَتِهِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ الْمُصَاحَبَةَ فِي الْحُكْمِ فَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا تَنَاوُلُ اللَّفْظِ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْ حَيْثُ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ لَهُ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَقُولُ بِهِ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: تَبَيَّنَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا اللَّفْظُ وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا. (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَيْ إلَى اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: حُجَّةً) أَيْ فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا الْإِطْلَاقُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ التَّفْصِيلِ اللَّاحِقِ فِي الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْقَوْلِ السَّادِسِ فِي مُقَابَلَةِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَهُوَ مَا فُسِّرَ بِهِ هُنَا الْإِطْلَاقُ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ) أَيْ بَعْضِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَدِلَّ فَهُوَ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ خُصَّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي التَّحْرِيرِ نَقَلَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْيِينُ بِالنَّوْعِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْضَهُمْ) إنْ قُلْت إنَّ لَفْظَةَ بَعْضٍ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إلَّا كُلَّ بَعْضٍ مِنْهُمْ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ. وَالْجَوَابُ مَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَخْصِيصُ ادِّعَاءِ ذَلِكَ مَا لَمْ تَدْعُ لِلْعُمُومِ ضَرُورَةٌ، نَحْوُ {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُفَضَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ فَتَفُوتُ الْأَفْضَلِيَّةُ لِلْبَعْضِ فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لِلْعُمُومِ فَهُوَ عَامٌّ، نَحْوُ {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت: 25] {فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} [سبأ: 42] {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 50] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَبْقَى) فَرْضُ هَذَا الْجَوَابِ غَيْرُ دَافِعٍ لِدَلِيلِ الْأَوَّلِ إذْ حَاصِلُ الدَّلِيلِ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ يَكُونُ هُوَ الْبَعْضَ الْمُخْرَجَ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ فِي فَرْدٍ وَاحِدٍ فَضْلًا عَنْ أَكْثَرَ لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ فَالِاحْتِمَالُ الْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْأَفْرَادِ لَا فِي كَمِّيَّتِهَا فَبَقَاءُ وَاحِدٍ بَلْ بَقَاءُ جَمِيعِهَا إلَّا وَاحِدًا لَا يَرْفَعُ الِاحْتِمَالَ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَهُ النَّاصِرُ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا لِبَعْضِهِمْ مَثَلًا دَلَّ قَطْعًا عَلَى خُرُوجِ الْبَعْضِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَاعْتِبَارُ خُصُوصِيَّةٍ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ ذَلِكَ فَخُرُوجُ بَعْضٍ مَا مُحَقَّقٌ وَكَوْنُ الْخَارِجِ مُتَعَدِّدًا أَوْ مَخْصُوصًا فِي الْوَاقِعِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَعَمِلْنَا بِالْمُحَقَّقِ وَأَلْغَيْنَا الْمُحْتَمَلَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْعَامِّ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْ ظُهُورِ الْعَامِّ فَعَمِلْنَا بِالْمُحَقَّقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ وَطَرَحْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، هَذَا مَقْصُودُ الْمُجِيبِ وَإِنْ أَجْمَلَ فِي الْعِبَارَةِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمُبْهَمِ) أَيْ مَعَ الْمُبْهَمِ أَيْ مَعَ التَّخْصِيصِ بِهِ فَفِي هُنَا وَفِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ وَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ فِي الْمُبْهَمِ مَا ضَرَّهُ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ حُجَّةٍ) كَأَنَّهُ لِسِرَايَةِ الْإِبْهَامِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِنَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا نُقِلَ عَنْ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: مَعَ تَرْجِيحِهِ) أَيْ ابْنِ بَرْهَانٍ قَالَ فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى فَرْدٍ شَكَكْنَا فِيهِ

فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ مِنْ أَنَّ الْعُمُومَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ بِهِ غَيْرُ مَا ظَهَرَ فَيُشَكُّ فِي الْبَاقِي (وَقِيلَ) هُوَ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي (إنْ أَنْبَأَ عَنْهُ الْعُمُومُ) ، نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَرْبِيِّ لِتَبَادُرِ الذِّهْنِ إلَيْهِ كَالذِّمِّيِّ الْمُخْرَجِ بِخِلَافِ مَا لَا يُنْبِئُ عَنْهُ الْعُمُومُ، نَحْوُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَإِنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ السَّارِقِ لِقَدْرِ رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا عَنْ حِرْزٍ مِثْلِهِ كَمَا لَا يُنْبِئُ عَنْ السَّارِقِ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمُخْرَجِ إذْ لَا يُعْرَفُ خُصُوصُ هَذَا التَّفْصِيلِ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ فَالْبَاقِي فِي نَحْوِ ذَلِكَ يُشَكُّ فِيهِ بِاحْتِمَالِ اعْتِبَارِ قَيْدٍ آخَرَ (وَقِيلَ) هُوَ حُجَّةٌ (فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ) ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ قَدْ تَقَدَّمَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ الْجَمْعِ مُطْلَقًا (وَقِيلَ غَيْرُ حُجَّةٍ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ بِغَيْرِ مَا ظَهَرَ يُشَكُّ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ فَلَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِقَرِينَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْخِلَافُ إنْ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فَإِنْ قُلْنَا ذَلِكَ اُحْتُجَّ بِهِ جَزْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQهَلْ هُوَ مِنْ الْمُخْرَجِ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَيُعْمَلُ بِهِ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى فَرْدٌ اهـ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ تَرْجِيحُهُ هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْ أَنْ الْمُخَصَّصَ بِمُعَيَّنٍ حُجَّةٌ وَالْمُخَصَّصَ بِمُبْهَمٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَا قُصِدَ مِنْهُ بِالتَّخْصِيصِ فَمَا مِنْ فَرْدٍ إلَّا وَهُوَ مُحْتَمَلُ الْإِرَادَةِ فَصَارَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمَا ذُكِرَ مُجْمَلًا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْبِرْمَاوِيُّ فِي النُّبْذَةِ وَالْأَلْفِيَّةِ وَشَرْحِهَا اهـ. مِنْ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا اُخْتُصَّ بِمُتَّصِلٍ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ فَإِنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ كَالْحِسِّ وَالْعَقْلِ فَهُوَ مُجْمَلٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ، نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ لَيْسَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِهَذَا الْمُنْفَصِلِ لِجَوَازِ أَنْ يُخَصَّ بِمُنْفَصِلٍ آخَرَ غَيْرَ هَذَا الْمُنْفَصِلِ الَّذِي ظَهَرَ وَهُوَ لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ وَالْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُ الْمُرَادَ فَلَوْ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ بِغَيْرِ مَا ظَهَرَ إلَخْ لَكَانَ أَوْضَحَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ الْعَائِدَ عَلَى الْمُنْفَصِلِ مُرَادٌ بِهِ جِنْسُ الْمُنْفَصِلِ لَا الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ أَيْ أُخْرِجَ بِمُنْفَصِلٍ آخَرَ غَيْرَ مَا أُخْرِجَ بِهَذَا الْمُنْفَصِلِ الْمَذْكُورِ أَوْ تُجْعَلَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ وَضَمِيرُ بِهِ لِلْعَامِّ وَالْمَعْنَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُخْرِجَ مِنْ الْعَامِّ غَيْرُ مَا ظَهَرَ. (قَوْلُهُ: فِي الْبَاقِي) قَدَّرَهُ لِيَعُودَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي أَنْبَأَ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: يُنْبِئُ عَنْ الْحَرْبِيِّ) بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا لِلْقِتَالِ وَالْمُحَارَبَةِ. (قَوْلُهُ: كَالذِّمِّيِّ الْمُخْرَجِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ الْإِنْبَاءِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَشَدَّ أَوْ الْمَعْنَى كَمَا يُنْبِئُ عَنْ الذِّمِّيِّ مِنْ حَيْثُ إخْرَاجُهُ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَالْبَاقِي فِي نَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ وَالسَّارِقَةُ مِمَّا لَا يُنْبِئُ الْعُمُومُ فِيهِ عَنْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ يُشَكُّ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَاقِي بَلْ هُوَ بِجُمْلَتِهِ بَاقٍ عَلَى الْحُكْمِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ أَوْ لَيْسَ بِجُمْلَتِهِ بَاقِيًا إذْ يُحْتَمَلُ عَقْلًا وُرُودُ مُخَصِّصٍ آخَرَ يُقَيِّدُ بِقَيْدٍ آخَرَ يَخْرُجُ بِهِ بَعْضٌ آخَرُ وَمَعَ هَذَا الشَّكِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْعَامُّ حُجَّةً فِي الْبَاقِي اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: قَيْدٍ آخَرَ) كَكَوْنِهِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِلسَّارِقِ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ) أَيْ يُحْتَجُّ بِهِ عَنْ أَقَلِّ الْجَمْعِ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ) فَلَا يَتَبَيَّنُ مَا يُرَادُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ جَمْعًا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يُشَكُّ الَّذِي هُوَ خَبَرٌ لِأَنَّ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ مَا ظَهَرَ) أَيْ مِنْ الْمُخَصَّصَاتِ. (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ) أَيْ ثَابِتٌ يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ مَجَازٌ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَهُوَ حُجَّةٌ جَزْمًا وَهَذَا فِي الْمُخَصَّصِ بِمُعَيَّنٍ لَا فِي الْمُخَصَّصِ بِمُبْهَمٍ كَمَا فُهِمَ مِمَّا مَرَّ اهـ. كَمَالٌ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ نَفَى الْحُجَّةَ مُطْلَقًا مَوْجُودٌ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَيْضًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ بَحْثِهِ كَمَا يُفْهِمُهُ تَعْبِيرُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ يُشْبِهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مَجَازٌ وَإِنَّ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ هُنَا لَا مَحَالَةَ

(وَيُتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ) وَمَنْ تَبِعَهُ فِي قَوْلِهِ لَا يُتَمَسَّكُ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ لِاحْتِمَالِ الْمُخَصِّصِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مُنْتَفٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ إذْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ مِنْ الْوَقَائِعِ وَهُوَ قَطْعِيُّ الدُّخُولِ لَكِنَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَمَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَدْفُوعٌ بِحِكَايَةِ الْأُسْتَاذِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ الْخِلَافَ فِيهِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ وَمَالَ إلَى التَّمَسُّكِ قَبْلَ الْبَحْثِ وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاخْتَصَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي النَّقْلِ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَلَى الْمُخَصِّصِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَوْ اقْتَضَى الْعَامُّ عَمَلًا مُؤَقَّتًا وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْبَحْثِ هَلْ يُعْمَلُ بِالْعُمُومِ احْتِيَاطًا أَوْ لَا خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَهُ هُنَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَثَالِثُهَا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ ثُمَّ تَرَكَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (ثُمَّ يَكْفِي فِي الْبَحْثِ) عَلَى قَوْلِ ابْنُ سُرَيْجٍ (الظَّنُّ) بِأَنْ لَا مُخَصِّصَ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَيُتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ) أَيْ يُعْمَلُ بِهِ وُجُوبًا أَوْ جَوَازًا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ حَتَّى لَوْ وَرَدَ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ مُخَصَّصٍ عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ دَاخِلَةٌ قَطْعًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ وَرَدَ لِأَجْلِهَا فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْعَامِّ أَوْ ظَنًّا عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيًّا يُحْتَمَلُ النَّسْخُ وَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ حَتَّى بِإِخْرَاجِ صُورَةِ السَّبَبِ فَيَكُونُ ظَنًّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْأَصْلَ) أَيْ الْمُسْتَصْحَبَ. (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْوَاقِعِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ مِنْ الْوَقَائِعِ. (قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ ثَابِتٌ وَقَوْلُهُ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ نَعْتٌ لِلتَّمَسُّكِ أَيْ الْآتِي بِحَسَبِ الْوَاقِعِ أَيْ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ لَا اعْتِبَارِ الْوَضْعِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى مَأْثَمَ لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ التَّمَسُّكِ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْوَقَائِعِ فِي حَيَاتِهِ وَدُونَ التَّمَسُّكِ بِمَا وَرَدَ لَا عَلَى وَاقِعَةٍ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ جَرَى إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ قَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ أَيْ فَهُوَ الْمُخَالِفُ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّ حِكَايَةَ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ أَيْ كَالْغَزَالِيِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَدْفُوعٌ بِحِكَايَةِ الْأُسْتَاذِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الْخِلَافَ فِيهِ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّهُمَا إنَّمَا حَكَيَاهُ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَمَنْ حَكَى الِاتِّفَاقَ لَمْ يَعْتَدَّ بِقَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُقَلَاءِ وَمُضْطَرِبِ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ صَدَرَ عَنْ غَبَاوَةٍ وَاسْتِمْرَارٍ فِي عِنَادٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا النَّقْلَ عَنْ الْبُرْهَانِ سَابِقًا فَقَوْلُ الْبِرْمَاوِيِّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ إنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَالَ إلَى قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ فِي التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصَّصِ سَهْوٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ) أَيْ وَلَمْ يَنْقُلُوا عَنْهُ الْقَوْلَ بِالتَّمَسُّكِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ هُنَا) أَيْ فِي نُسْخَةٍ رَجَعَ عَنْهَا بَعْدَ قَوْلِهِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ بِقَوْلِهِ وَثَالِثُهَا إلَخْ فَالثَّانِي الْمَطْوِيُّ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ

لَا بُدَّ مِنْ الْقَطْعِ قَالَ وَيَحْصُلُ بِتَكْرِيرِ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ وَاشْتِهَارِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُخَصِّصًا. (الْمُخَصِّصُ) أَيْ الْمُفِيدُ لِلتَّخْصِيصِ (قِسْمَانِ) (الْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ) أَيْ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ مِنْ اللَّفْظِ بِأَنْ يُقَارِنَ الْعَامَّ (وَهُوَ خَمْسَةٌ) أَحَدُهَا (الِاسْتِثْنَاءُ) بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْسُهُ (الْإِخْرَاجُ) مِنْ مُتَعَدِّدٍ (بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا) ، نَحْوُ خَلَا وَعَدَا وَسِوَى صَادِرًا ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ مَعَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ (مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا) فَقَوْلُ الْقَائِلِ إلَّا زَيْدًا عَقِبَ قَوْلِ غَيْرِهِ جَاءَ الرِّجَالُ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الثَّانِي لَغْوٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] كَانَ اسْتِثْنَاءً قَطْعًا لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا قُرْآنًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: بِتَكْرِيرِ النَّظَرِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ يُفِيدُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْقَطْعِ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَيَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنْ يُكْتَفَى بِأَصْلِ الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا بِخِلَافِ هَذَا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى الظَّنُّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادٍ جَازِمٍ وَسُكُونِ النَّفْسِ بِانْتِفَاءٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُفِيدُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إسْنَادَ التَّخْصِيصِ لِلَّفْظِ مَجَازٌ عَنْ إفَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ حَقِيقَةً هُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَالشَّرْطُ وَنَحْوُهُ مُفِيدٌ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُفِيدَ حَقِيقَةً هُوَ الْمُتَكَلِّمُ وَالْكَلَامُ آلَةٌ لِلْإِفَادَةِ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ إشَارَةٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُقْرَأُ الْمُخَصَّصُ بِالْفَتْحِ وَالْمُفِيدُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بِالشَّيْءِ وَلَا يُقَدَّرُ لَفْظًا؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ كَمَا يَكُونُ لَفْظًا يَكُونُ غَيْرَ لَفْظٍ كَالْفِعْلِ وَالْحِسِّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ تَفْسِيرَ الشَّارِحِ لِلْمُتَّصِلِ بِأَنَّهُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ اللَّفْظِ حَيْثُ أُخِذَ اللَّفْظُ فِي مَفْهُومِهِ وَالْمُقْسِمُ مُلَاحَظٌ فِي الْأَقْسَامِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَارِنَ) تَصْوِيرٌ لِلْإِتْيَانِ بِالْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِتْيَانُ بِهِ إلَّا مَعَ الْمُقَارَنَةِ فَالْمَعْنَى عَلَى الْحَصْرِ أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَّا مُقَارِنًا بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ خَمْسَةٌ) الصِّفَةُ وَالشَّرْطُ وَالْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَدَلَ الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ مُتَّصِلٌ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ وَهُوَ الْأَدَاةُ وَهِيَ مَعَ مَا بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْسُهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُتَعَدِّدٍ) أَيْ لَفْظٍ مُتَعَدِّدٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُتَعَدِّدُ مِنْ صُنْعِ الْعُمُومِ أَوْ لَا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مِنْ الْعَدَدِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَامِّ اصْطِلَاحًا وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِخْرَاجِ مَحْذُوفٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ حَالٌ وَلَيْسَ هُوَ مُتَعَلِّقَ الْإِخْرَاجِ كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِإِلَّا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، مِثْلُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] فَهَذَا إخْرَاجٌ لَكِنْ بِغَيْرِ إلَّا. (قَوْلُهُ: وَسِوَى) وَيُقَالُ سُوَى بِضَمِّ السِّينِ وَسَوَاءٌ بِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ أَوْ بِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ، ذَكَرَهَا الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: صَادِرًا إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ تَعَلُّقٍ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ بِالْإِخْرَاجِ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْمُتَكَلِّمُ مُخْرِجٌ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَا مُخْرَجٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ مَعَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ مَا تَصْدُقُ بِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ كَوْنِ الْإِخْرَاجِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَالْمُخْرَجِ مِنْهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ آخَرَ وَهُوَ عَكْسُ الْمَطْلُوبِ بِهَذَا الْقَيْدِ. (قَوْلُهُ: اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الثَّانِي) وَقَدْ يُقَالُ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ تَلْقِينِيٌّ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الزِّيَادِيِّ فِي غَيْرِ الْحَاشِيَةِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْغَيْرِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يَنْفَعُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ مَبْنَاهُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَشْيَاخِ مَشَايِخِنَا وَكَانَ الشَّيْخُ السِّجِّينِيُّ يَخُصُّهُ بِالْحَلِفِ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ وَمُبْلِغٌ يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَمُبَلَّغٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَعَلَى كُلٍّ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَكَلِّمِ الْوَاحِدِ وَلَوْ عَلَى اجْتِهَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ إيجَابِهِ لَهُ وَفِي كَلَامِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً بَلْ هُوَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ وَرَجَّحَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ إنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ شَرْطَ الْكَلَامِ صُدُورُهُ مِنْ نَاطِقٍ وَاحِدٍ وَقَدْ وَضَعَهُ ابْنُ مَالِكٍ اهـ. مُلَخَّصًا.

(وَيَجِبُ اتِّصَالُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (عَادَةً) فَلَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (إلَى شَهْرٍ وَقِيلَ سَنَةً وَقِيلَ أَبَدًا) رِوَايَاتٌ عَنْهُ (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (فِي الْمَجْلِسِ وَ) عَنْ (مُجَاهِدٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ إلَى (سَنَتَيْنِ وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلَامٍ آخَرَ وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (بِشَرْطِ أَنْ يُنْوَى فِي الْكَلَامِ) لِأَنَّهُ مُرَادٌ أَوَّلًا (وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (فِي كَلَامِ اللَّهِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ مُرَادٌ لَهُ أَوَّلًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ إنَّ ابْنَ مَالِكٍ رَدَّ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ التَّحْقِيقَ فِيهِ أَنَّ الْإِسْنَادَ إنْ صَدَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْقَائِلِ زَيْدٌ وَالْقَائِلِ قَائِمٌ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ ذَكَرَ بَعْضَهُ وَحَذَفَ الْآخَرَ لِقَرِينَةِ تَكَلُّمِ الْآخَرِ وَالْحَذْفُ لِلْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ فِي الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَفِي الْفِعْلِ وَمَرْفُوعِهِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا قَصْدٌ وَلَا إسْنَادٌ فَلَا كَلَامَ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا اهـ. فَتَأَمَّلْ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ رُبَّمَا اقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَاطِقَيْنِ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ فَمَعْنَى رَدِّ ابْنِ مَالِكٍ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَهُ أَنَّ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطَ مِنْ اللَّغْوِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ اتِّصَالُهُ) أَيْ فِي الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِصَاحِبِ الْكَلَامِ فِي إثْبَاتِهِ بِهِ وَأَمَّا اتِّصَالُهُ فِي الزَّمَانِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا إلَّا إذْ كَانَ مُتَّصِلًا (قَوْلُهُ: بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ) وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْخَفِيفِ عُرْفًا كَمَا قَيَّدَهُ بِذَلِكَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَكَذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ لِلْبِرْمَاوِيِّ وَكَذَا إذَا أَطَالَ الْكَلَامَ مُتَعَلِّقًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ إنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ التَّخْصِيصُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَذَلِكَ فِي فُرُوعٍ عَنْهُ لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى بَعْضَهُنَّ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ دَلِيلُنَا أَنَّهُ فَصْلٌ يَسِيرٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ يَا فُلَانُ إلَّا مِائَةً. (قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِطَلَاقٍ قَطُّ وَلَا بِإِقْرَارٍ وَلَا يُعْرَفُ الصِّدْقُ مِنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَثْنَى وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَلَمْ يَقُلْ فَلْيَسْتَثْنِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ وَالْوَجْهُ تَكْذِيبُ النَّاقِلِ فَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ اهـ. فَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا مِنْ مُتَأَخِّرِينَ مَذْهَبُنَا مُعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ رِوَايَاتِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ وَغَيْرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيمُهَا لِلْعَوَامِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهَا مِمَّا لَا يَنْبَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ خُصُوصًا فِي الطَّلَاقِ لِمَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَنْكِحَةِ، وَاضْطِرَابُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يَقْضِي بِعَدَمِ تَحْرِيرِ النَّقْلِ وَإِنْ فُرِضَ صِحَّتُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَى شَهْرٍ) أَيْ هِلَالِيٍّ فِيمَا يَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَنَةً) يَجُوزُ نَصْبُهُ لِمُنَاسَبَةِ مَا بَعْدَهُ وَيَجُوزُ زَجَّرَهُ لِمُنَاسَبَةِ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلَامٍ آخَرَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ طَالَ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ) أَيْ: يَنْوِيَ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ النِّيَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ فَلَا تَصِحُّ الْمُقَابَلَةُ فَإِنَّ النِّيَّةَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَوَّلًا وَبِهَذَا رُدَّ قَوْلُ ابْنِ يَعْقُوبَ إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُرَادٌ أَوَّلًا قَرِيبٌ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّاهِبِينَ إلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِهِ فَلَوْ لَمْ تَعْرِضْ لَهُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ثُمَّ قِيلَ يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَقِيلَ يُكْتَفَى بِوُجُودِهَا قَبْلَ فَرَاغِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ فِي كَلَامِ اللَّهِ) أَيْ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ خِلَافَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ تَرَاخِيهِ فِي الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِ وَضَعُفَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أُرِيدَ بِهِ الْقَدِيمُ فَلَا يُوصَفُ بِإِخْرَاجٍ وَلَا بِإِدْخَالٍ وَلَوْ أَرَادَ اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ وَلَوْ إلَى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَمَا قَالَ

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] نَزَلَ بَعْدَ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] إلَخْ فِي الْمَجْلِسِ وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَغَيْرُهُ بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرو وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَالْأَصْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23 - 24] أَيْ إذَا نَسِيت قَوْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَذَكَّرْتَ فَاذْكُرْهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا فَاخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنِسْيَانٍ تَوَسُّعًا فَقَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقْتَرِحُ فَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ مَا امْتَنَعَ فِيهِ مُمْتَنِعٌ فِيهِ وَمَا جَازَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلُغَتِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ كَأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِلْأَخِيرِ خَاصَّةً وَيَصْلُحُ أَيْضًا دَلِيلًا لِقَوْلِ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ اهـ. قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ أَيْضًا اهـ. وَنَظَرَ فِيهِ تِلْمِيذُ الْغُنَيْمِيِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِالْمَجْلِسِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ شَيْخِنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ عَلَى بَعْضِ مَا يُصَدَّقُ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنْ تُنَازَعَ فِي كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ دَلِيلًا مُطْلَقًا إذْ لَمْ يُنْتَجْ بَعْضُ الْمُدَّعَى. (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْآخِرِ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدُ فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ نَفْسِهَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ نَزَلَ بَعْدَ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ إلَخْ فَكَانَ يُؤَخِّرُ قَوْلَهُ إلَى آخِرِهِ عَنْ قَوْلِهِ وَالْمُجَاهِدُونَ لِيَخْرُجَ عَنْ الْآخَر {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] . (قَوْلُهُ: عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَإِلَّا فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ أَعْرَبُوا غَيْرَ الِاسْتِثْنَائِيَّة حَالًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو) وَجْهُ الشَّبَهِ وُجُودُ قِرَاءَةٍ لِأَبِي عَمْرٍو كَمَا وُجِدْت قِرَاءَةٌ لِنَافِعٍ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْرَأُ بِمَا قَرَأَهُ الْآخَرُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فَوَجْهُ الشَّبَهِ الْوُجُودُ أَوْ بِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَاتُرًا. (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى الصِّفَةِ) وَهِيَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ) أَيْ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) عَطْفٌ عَلَى مَا أَيْ نَحْوِ مَا رُوِيَ. (قَوْلُهُ: كَمَا رُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَوْلُهُ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] أَيْ لَا تَقُولَنَّ لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلَيْهِ إنِّي فَاعِلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَيْ مُلْتَبِسًا بِمَشِيئَتِهِ فَفِيهِ حَذْفُ بَاءِ الْمُلَابَسَةِ وَالْتِبَاسُهُ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ كَانَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ) جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الِاسْتِدْلَال قَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مُدْرَكَهُ فِي ذَلِكَ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] الْآيَةَ نَقَلَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَالشَّارِحُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْحَمْلِ فَلِذَا قَالَ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ أَدَاتِهِ فَإِنَّ الْوُجُودَ فِيهِ كَلِمَةُ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُمْ تَعَارَفُوا إطْلَاقَ اسْمِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18] أَيْ لَا يَقُولُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ: اسْتِثْنَاءُ تَحْصِيلٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاسْتِثْنَاءُ تَعْطِيلٍ وَهُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَعَطَّلُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَتَذَكَّرْت) قَدَّرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ لَا يَتَأَتَّى وَقْتَ النِّسْيَانِ وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَانَ إذَا نَسِيت ظَرْفًا لِلذِّكْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ اللَّهُ أَوْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقْتًا وَالْمُرَادُ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْآيَةِ فَلَا يُنَافِي تَعْيِينَهُ فِي الْأَثَرِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا حَلَفَ الرِّجَالُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَى سَنَةٍ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: فَاخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنِسْيَانٍ)

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [الكهف: 24] أَيْ مَشِيئَةَ رَبِّكَ. (أَمَّا) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُنْقَطِعُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَكْسَ الْمُتَّصِلِ السَّابِقِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إلَّا الْحِمَارَ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ (مُتَوَاطِئ) فِيهِ وَفِي الْمُتَّصِلِ أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَيْ الْمُخَالَفَةِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ الْآتِيَيْنِ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ لِتَبَادُرِ غَيْرِهِ أَيْ الْمُتَّصِلِ إلَى الذِّهْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ كَالْمُتَّصِلِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَيُحَدُّ بِالْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ وَهَذَا الْقَوْلِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ (وَالرَّابِعُ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُكَرَّرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَطْوِيِّ الثَّانِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُنْقَطِعِ مَجَازٌ فِي الْمُتَّصِلِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت (وَالْخَامِسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِدُونِ ذِكْرِ قَيْدِ النِّسْيَانِ لَفْظًا كَمَا فِي الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادًا لَهُمْ مَعْنًى. وَقَوْلُهُ تَوَسُّعًا أَيْ فِي الْكَلَامِ بِحَذْفِ الشَّرْطِ مَعَ أَدَاتِهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ التَّوَسُّعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ بِمَعْنَى زَوَالِ الْعُلُومِ عَنْ الْحَافِظَةِ أَوْ الْمُدْرِكَةِ لَا بِمَعْنَى التَّرْكِ أَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى التَّرْكِ فَلَا تَوَسُّعَ. قَوْلُهُ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [الكهف: 24] قَوْلُهُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ أَيْ مَشِيئَةُ رَبِّك خَبَرُهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ تَقُولُ فِي مَعْنَاهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُنْقَطِعُ) كَأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَّصِلِ أَمَّا الْمُنْقَطِعُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) وَلَوْ بِحَسَبِ مَا قَصَدَهُ الْمُتَكَلِّمُ بِقَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ الْقَتْلَ خَطَأً مِنْ أَفْرَادِ الْقَتْلِ إلَّا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ الْقَتْلَ عَمْدًا وقَوْله تَعَالَى {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان: 56] مُنْقَطِعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْجَنَّةِ وَالْأَوْلَى فِي غَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ إلَى أَنَّ فِي تَفْسِيرِ النُّحَاةِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْمُنْقَطِعَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ تَسَامُحًا، وَأَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ بَعْضَ الْقَوْمِ كَانَ مُتَّصِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ كَانَ مُنْقَطِعًا مَعَ أَنَّ زَيْدًا مِنْ الْجِنْسِ وَقَدْ يُقَالُ لَعَلَّ مُرَادَ النُّحَاةِ هَذَا. (قَوْلُهُ: الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) اعْتِذَارٌ عَنْ عَدَمِ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْقَيْدِ سَابِقًا مَعَ أَنَّ الَّذِي مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ دُونَ الْمُنْقَطِعِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إخْرَاجٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُتَّصِلِ. (قَوْلُهُ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ فِيهَا عَاقِلٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ إلَّا الْحِمَارَ، وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ اللُّبِّ مَا فِي الدَّارِ إنْسَانٌ إلَّا الْحِمَارَ وَهِيَ أَصْرَحُ. (قَوْلُهُ: لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) جَعَلَ الشَّارِعُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي التَّلْوِيحِ قَدْ اُشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ وَالْمُرَادُ صِيَغُ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَمَّا لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ فَحَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَوْلَهُ إنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ فَمَوْضِعُ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا صِيَغُ الِاسْتِثْنَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ وَأَقَرَّهُ وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى جَعْلِ الْخِلَافِ فِي لَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُ الْمَتْنِ فَثَالِثُهَا مُتَوَاطِئٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَجْرِي فِي صِيَغِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنْ السَّيِّدَ الشَّرِيفَ حَقَّقَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَنَّ التَّوَاطُؤَ وَالتَّشْكِيكَ مِنْ أَقْسَامِ الِاسْمِ كَالْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ كَلَامًا وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ صَالِحٌ لَأَنْ يَنْقَسِمَ إلَى الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ الْمُنْقَسِمِ إلَى الْمُتَوَاطِئِ وَالْمُشَكَّكِ بِخِلَافِ الْكَلِمَةِ وَالْأَدَاةِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُخَالَفَةِ إلَخْ) أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إخْرَاجٌ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: وَيُحَدُّ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ الشَّامِلُ لَهُمَا ولَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ضَبْطُهُمَا بِأَمْرٍ يَعُمُّهُمَا. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فَرْعُ الْإِدْخَالِ فَلَا يَشْمَلُ الْمُنْقَطِعَ؛ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ قَاصِرٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ وَعَلَى هَذَا فَحَدُّ الْمُصَنِّفُ خَاصٌّ بِالْمُتَّصِلِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ هَكَذَا يُفْهَمُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ حَدُّ الْمُنْقَطِعِ فَإِنَّهُ لَا عُلْقَةَ لَهُ بِالْخِلَافِ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ حَدَّهُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ

الْوَقْفُ) أَيْ لَا يُدْرَى أَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَمْ فِي أَحَدِهِمَا أَمْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَلَمَّا كَانَ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِثْنَائِيِّ شِبْهُ التَّنَاقُضِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْمُسْتَثْنَى فِي ضِمْنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ يُنْفَى صَرِيحًا وَكُلُّ ذَلِكَ أَظْهَرُ فِي الْعَدَدِ لِنُصُوصِيَّتِهِ فِي آحَادِهِ دَفَعَ ذَلِكَ فِيهِ بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِهِ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ وِفَاقًا لِابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَشَرَةٍ فِي قَوْلِك) مَثَلًا لِزَيْدٍ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ الْعَشَرَةُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ) أَيْ الْآحَادِ جَمِيعِهَا (ثُمَّ أُخْرِجَتْ ثَلَاثَةٌ) بِقَوْلِهِ إلَّا ثَلَاثَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَطْوِيِّ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ فَإِنْ قُرِّرَ بِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَانْدَفَعَ التَّكْرَارُ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً مَجَازًا وَالثَّانِي لَا يُسَمَّاهُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَالثَّالِثُ يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً بِجَعْلِهِ مُتَوَاطِئًا وَالرَّابِعُ مُشْتَرَكٌ وَقَدْ قَرَّرَ الْعِرَاقِيُّ الثَّانِيَ بِذَلِكَ احْتِمَالًا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنْ صَحَّ غَرِيبٌ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى الْعُدُولِ عَنْهُ غَرَابَتُهُ (قَوْلُهُ: الْوَقْفُ) هُوَ لَا يُعَدُّ قَوْلًا إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ فَإِنَّ الْمُتَوَقِّفَ لَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِشَيْءٍ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا) وَهُوَ الرَّابِعُ وَقَوْلُهُ أَمْ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَوَّلُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْمُنْفَصِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ أَوْ عَكْسِهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَمْ فِي أَحَدِهِمَا صَادِقٌ بِهَذَا الْعَكْسِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ أَمْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الثَّالِثُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ مُتَوَاطِئٌ. (قَوْلُهُ: شِبْهُ التَّنَاقُضِ) أَيْ وَلَا تَنَاقُضَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّوْجِيهَاتِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَثْبُتُ إلَخْ) هَذَا لَا يَشْمَلُ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ فَإِنَّهُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ يُنْفَى فِيهِ الْمُسْتَثْنَى فِي ضِمْنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ يَثْبُتُ صَرِيحًا فَهَلَّا زَادُوا أَوْ بِالْعَكْسِ مَثَلًا وَكَأَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى صُورَةِ الْإِثْبَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ اهـ. سم أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثُّبُوتِ الدُّخُولُ وَبِالنَّفْيِ الْإِخْرَاجُ فَشَمِلَ الْإِيجَابَ وَالسَّلْبَ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ شِبْهِ التَّنَاقُضِ. (قَوْلُهُ: لِنُصُوصِيَّتِهِ) أَيْ فَقَبُولُهُ لِلتَّخْصِيصِ أَضْعَفُ مِنْ قَبُولِ الْعَامِّ لَهُ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ لِلْأَفْرَادِ ظَنِّيٌّ لَا قَطْعِيٌّ. (قَوْلُهُ: دَفَعَ ذَلِكَ) أَيْ شِبْهَ التَّنَاقُضِ فِيهِ أَيْ فِي الْعَدَدِ وَبِدَفْعِهِ فِي الْعَدَدِ يُعْلَمُ دَفْعُهُ فِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى وَقَوْلُهُ بِبَيَانٍ مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعٍ وَقَوْلُهُ بِقَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِبَيَانٍ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ) أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّنَاقُضُ. (قَوْلُهُ: جَمِيعِهَا) أَيْ لَا الْبَاقِي كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْآتِي

(ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْبَاقِي) وَهُوَ سَبْعَةٌ (تَقْدِيرًا وَإِنْ كَانَ) الْإِسْنَادُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ (ذِكْرًا) فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ الْبَاقِي مِنْ عَشَرَةٍ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِثْبَاتُ وَلَا نَفْيَ أَصْلًا فَلَا تَنَاقُضَ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْمُرَادُ) بِعَشَرَةٍ فِيمَا ذُكِرَ (سَبْعَةٌ وَإِلَّا) ثَلَاثَةٌ (قَرِينَةٌ) لِذَلِكَ بَيَّنَتْ إرَادَةَ الْجُزْءِ بِاسْمِ الْكُلِّ مَجَازًا (وَقَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْبَاقِي) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ لَفْظًا وَضَمِيرُ أُسْنِدَ يَعُودُ لِلْمُسْنَدِ وَهُوَ لِزَيْدٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَيَصِحُّ كَوْنُ الْمَجْرُورِ وَهُوَ إلَى الْبَاقِي نَائِبَ فَاعِلِ أُسْنِدَ. (قَوْلُهُ: ذِكْرًا) أَيْ بِحَسَبِ الذِّكْرِ وَاللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ) صِفَةٌ لِعَشَرَةٍ أَيْ وَقَدْ كَانَ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ حَالَ الْإِسْنَادِ اللَّفْظِيِّ وَأَمَّا حَالَةُ الْإِسْنَادِ التَّقْدِيرِيِّ فَيُقَالُ لَهُ عَلَيَّ الْبَاقِي وَهُوَ السَّبْعَةُ لَا عَشَرَةٌ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةَ الْإِسْنَادِ اللَّفْظِيِّ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْإِثْبَاتُ) أَيْ إثْبَاتُ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِخْرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَلَا نَفْيَ أَصْلًا) أَيْ لِلثَّلَاثَةِ أَيْ وَلَا إخْرَاجَ أَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إثْبَاتٍ لِلْبَاقِي وَأُورِدَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا يَأْتِي بِحَسَبِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَالْوَاقِعِ اهـ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَا هُنَا عَلَى غَيْرِ مَا يَأْتِي مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَا هُنَا طَرِيقَةُ الْجَادَّةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَنَاقُضَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ أُسْنِدَ لَفْظًا إلَى عَشَرَةٍ وَمَعْنًى إلَى سَبْعَةٍ فَالثَّلَاثَةُ مُثْبَتَةٌ لَفْظًا مَنْفِيَّةٌ حُكْمًا وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ تَنَاقُضٌ إلَّا لَوْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ مَنْفِيَّةً لَفْظًا وَحُكْمًا أَوْ مُثْبَتَةً لَفْظًا وَحُكْمًا وَالْأَوْلَى فَلَا شِبْهَ تَنَاقُضٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ التَّنَاقُضِ رَفْعُ شِبْهِ التَّنَاقُضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ فَلَا شِبْهَ تَنَاقُضٍ. (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِعَشَرَةٍ) فَهُوَ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ (قَوْلُهُ: قَرِينَةٌ لِذَلِكَ) أَيْ فَلَمْ تَدْخُلْ ثَلَاثَةٌ حَتَّى تَخْرُجَ فَلَيْسَتْ لِلْإِخْرَاجِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَوَجْهُ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ زِيَادَةِ الشَّارِحِ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ أَنَّ الْمَجْمُوعَ قَرِينَةٌ وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ، نَحْوُ إلَّا قَرِينَةٌ عَلَى إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ مَجَازًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُوَضِّحٌ لِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ اهـ. وَقَدْ اسْتَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ الْأَكْثَرِ وَقَالَ إنَّهُ مُحَالٌ لَا يَعْتَقِدُهُ لَبِيبٌ

أَيْ مَعْنَاهُ بِإِزَاءِ (اسْمَيْنِ مُفْرَدٌ) وَهُوَ سَبْعَةٌ (وَمُرَكَّبٌ) وَهُوَ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً وَلَا نَفْيَ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَلَا تَنَاقُضَ وَوَجْهُ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ تَوْفِيَةً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ بِخِلَافِهِمَا. (وَلَا يَجُوزُ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُسْتَغْرِقُ) بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْمُسْتَثْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ (خِلَافًا لِشُذُوذٍ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعِ الْمُسْتَغْرَقِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ (قِيلَ وَلَا) يَجُوزُ (الْأَكْثَرُ) مِنْ الْبَاقِي، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا سِتَّةً فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَالْأَقَلِّ (وَقِيلَ) لَا الْأَكْثَرُ (وَلَا الْمُسَاوِي) بِخِلَافِ الْأَقَلِّ (وَقِيلَ) لَا الْأَكْثَرُ (إنْ كَانَ الْعَدَدُ) فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (صَرِيحًا) ، نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّرِيحِ، نَحْوُ خُذْ الدَّرَاهِمَ إلَّا الزُّيُوفَ وَهِيَ أَكْثَرُ كَذَا حَكَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَيْ مَعْنَاهُ) أَيْ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَالْمُرَادُ مُسَمَّاهَا وَهُوَ الْمَعْدُودُ أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي يُعَدُّ فَهَذَا مُسَمًّى تَارَةً بِلَفْظِ سَبْعَةٍ وَتَارَةً بِلَفْظِ عَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةَ فَقَوْلُهُ بِإِزَاءِ اسْمَيْنِ مُفْرَدٌ وَمُرَكَّبٌ مَعْنَاهُ بِإِزَاءِ مُفْرَدٍ تَارَةً وَبِإِزَاءِ مُرَكَّبٍ أُخْرَى فَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِذِكْرِ لَفْظِ مَعْنَاهُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ عَشَرَةٍ إلَخْ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ بِإِزَاءِ اسْمَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ لَفْظَ عَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً لَيْسَ بِإِزَاءِ اسْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً) أَيْ مَجْمُوعُ هَذَا اللَّفْظِ فَلَفْظُ إلَّا ثَلَاثَةً عَلَى هَذَا جُزْءُ الِاسْمِ فَلَا إخْرَاجَ فِيهِ وَلَا قَرِينَةَ ثُمَّ إنَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي إنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَ التَّرْكِيبِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا مَحِيصَ لَهُ عَنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي وَهُوَ حَقِيقَةٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِمَا) أَيْ فَإِنَّهُ لَا إخْرَاجَ فِيهِمَا وَأَمَّا أَنَّهُمَا مُخَصَّصَانِ فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا تَخْصِيصَ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُنَا لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ بَلْ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَعَلَى الثَّالِثِ مُحْتَمَلٌ؛ لَأَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الظَّاهِرِ لِلْعَامِّ وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ وَأَنْ لَا تَخْصِيصَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ تَمَامُ مُسَمَّاهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ) وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ لِاقْتِضَائِهِ إلَى اللَّغْوِ وَفِيهِ شَيْءٌ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَوَّلًا الْأَفْرَادَ وَكَانَ نَاسِيًا فَلَمَّا تَذَكَّرَ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَاسِيًا وَإِنَّمَا قَصَدَ السُّخْرِيَةَ فَلَا لَغْوَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ لَغْوًا عَدَمُ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ الْإِقْرَارِيِّ عَلَيْهِ وَكَوْنِهِ مُفِيدًا مَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ لَا يَقْدَحُ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ بِمَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ إلَخْ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُسْتَثْنَى سَبَبٌ فِي وَصْفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالِاسْتِغْرَاقِ ثُمَّ مَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يُعْقَبْ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ وَإِلَّا فَفِي جَوَازِهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي وَالشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ) إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْهَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِشُذُوذٍ) أَيْ لِقَوْلٍ ذِي شُذُوذٍ أَيْ شَاذٍّ. (قَوْلُهُ: لِابْنِ طَلْحَةَ) هُوَ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ إلَخْ) قَدْ ظَفِرَ بِهِ بَعْضُ مَنْ نَقَلَهُ كَالْقَرَافِيِّ وَأَنْكَرَهُ فَقَالَ الْأَقْرَبُ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ) فَقَدْ اُعْتُبِرَ الِاسْتِثْنَاءُ. (قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الشَّاذُّ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَيْ أَوْ ظَفِرَ بِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا الْأَكْثَرُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ الْمُسْتَغْرِقُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قِيلَ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرُ إلَخْ وَهَذَا الْقِيلُ وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْعَدَدُ) أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْدُودٍ لَا الْعَدَدُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَقْسِيمُهُ إلَى الْعَدَدِ الصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَكْثَرُ) أَيْ وَهِيَ فِي الْوَاقِعِ أَكْثَرُ. (قَوْلُهُ: عَقْدٌ صَحِيحُ) يَشْمَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ

الْقَوْلَ فِي شَرْحَيْهِ كَغَيْرِهِ فِي الْأَكْثَرِ وَإِنْ شَمِلَتْ الْعِبَارَةُ هُنَا حِكَايَتَهُ فِي الْمُسَاوِي (وَقِيلَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْعَدَدِ عَقْدٌ صَحِيحٌ) ، نَحْوُ لَهُ مِائَةٌ إلَّا عَشَرَةً بِخِلَافِ إلَّا تِسْعَةً (وَقِيلَ) لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ (مُطْلَقًا) وقَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] أَيْ زَمَنًا طَوِيلًا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يَسْتَعْجِلُك اصْبِرْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ قَائِلٍ بِحَسَبِ اسْتِقْرَائِهِ وَفَهْمِهِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْأَكْثَرِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ إذْ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً لَزِمَهُ وَاحِدٌ. (وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْوُ بِالصَّرِيحِ. (قَوْلُهُ: هَذَا الْقَوْلُ) أَيْ الْمُقَيَّدُ بِالْأَكْثَرِ. (قَوْلُهُ: عَقْدٌ صَحِيحٌ) يَشْمَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ، نَحْوُ عِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ وَخَرَجَ بِالْعَقْدِ غَيْرُهُ كَاثْنَيْ عَشَرَ وَبِالصَّحِيحِ الْكَسْرُ كَنِصْفٍ فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ عُقُودُ كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ كَالْآحَادِ وَالْعَشْرَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَتَّبَةِ الْمَفْرُوضَةِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَا يُقَالُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا وَاحِدًا وَلَا مِائَةٌ إلَّا عَشَرَةً وَلَا أَلْفٌ إلَّا مِائَةً وَيُقَالُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا نِصْفًا وَاحِدًا وَنَحْوُهُ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَمِائَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَنَحْوَهَا مِنْ الْآحَادِ وَلَوْ مَعَ الْعَشَرَاتِ وَأَلْفٌ إلَّا تِسْعِينَ أَوْ نَحْوُهَا مِنْ الْعَشَرَاتِ وَلَوْ مَعَ الْآحَادِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَوَجْهُ الِامْتِنَاعِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ عَدَدٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ جُزْءًا مِنْ غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ الْأَعْلَى مُتَضَمِّنٌ لِلنَّازِلِ عَنْهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا عَقْدَ بِقِسْمَيْهِ وَلَا غَيْرَ عَقْدٍ وَلَيْسَ الْإِطْلَاقُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ عَقْدٌ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا دُونَ أَنْ يَقُولَ عَدَدٌ مَعَ كَوْنِهِ أَخْصَرَ وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ وَالنُّصُوصُ لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ قَالَ إلَّا إذَا كَانَ الْعَدَدُ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَالسَّبْعِينَ فَيَجُوزُ رَفْعًا لِتَوَهُّمِ الْمُبَالَغَةِ مَجَازًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] الْآيَةَ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. (قَوْلُهُ: أَيْ زَمَانًا طَوِيلًا) أَيْ فَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى مَعْنَاهُ الْعَدَدِيِّ لَا إنْ كَانَ كِنَايَةً عَنْ الزَّمَنِ الطَّوِيلِ لِلُحُوقِهِ بِغَيْرِ الْعَدَدِ ثُمَّ إنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُضَيِّعُ ثَمَرَةَ قَوْلِهِ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ لَيْسَ نَصًّا فِي شُمُولِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْكِنَايَةِ قَوْلُهُ أَلْفَ سَنَةٍ فَهَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْأَكْثَرِ مُطْلَقًا إلَخْ) تَصْحِيحُهُ مَفْهُومٌ مِنْ حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ الْأَقْوَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنْ يَقُولَ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ غَيْرِهِ الْمُسْتَغْرِقِ مُطْلَقًا لِيَشْمَلَ الْأَكْثَرَ وَالْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْأَكْثَرِ مُطْلَقًا) قَالَ الْفَنَارِيُّ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ إنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ مِنْهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَا يُسَاوِيهِ مَفْهُومًا لَا وُجُودًا فَيَصِحُّ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ لِاحْتِمَالِ الْكَلَامِ مَقَامًا يَكُونُ عِبَارَةً عَنْهُ لَا إلَّا عَبِيدِي أَوْ مَمَالِيكِي وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَالْقَاضِي أَوَّلًا بِمَنْعِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ يَبْقَى أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ وَقَالَ ثَانِيًا بِمَنْعِهِ فِي الْأَكْثَرِ خَاصَّةً وَقِيلَ بِمَعْنِهَا فِي الْعَدَدِ الصَّرِيحِ لَا فِي نَحْوِ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَّا الْجُهَّالَ وَهُمْ أَلْفٌ وَالْعَالِمُ وَاحِدٌ لِكِفَايَةِ الِاحْتِمَالِ لَنَا وَإِلَّا وُقُوعُهُ، نَحْوُ {إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] وَهُمْ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وَكُلُّ غَيْرِ مُؤْمِنٍ غَاوٍ فَالْمُسَاوِي أَوْلَى وَثَانِيًا صِحَّةُ أَنْ يُقَالَ «كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» وَقَدْ أَطْعَمَ الْأَكْثَرَ كَيْفَ وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِكَوْنِهِ آحَادًا لَمْ يَتَمَسَّكْ بِوُقُوعِهِ وَثَالِثًا دَلَالَةُ إجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى إلْزَامِ الْوَاحِدِ لِمَنْ قَالَ لَهُ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً اهـ. (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ قَالَ مَا لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً مَدْلُولُهَا خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إلَخْ) الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ

خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِيهِمَا وَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ فَقَالَ إنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْعُولِ أَوْ الْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مِنْ ذِي النَّفْيِ ذُو إثْبَاتٍ أَيْ دَالٌّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ قُلْت يَوْمًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْفُقَهَاءَ الْتَزَمُوا قَاعِدَتَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَخَالَفُوهُمَا فِي الْفُرُوعِ فَقَالَ لِي مَا هُمَا قُلْت لَهُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ عِنْدَهُمْ وَلَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ وَالثَّانِيَةُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ فَقَعَدَ عُرْيَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَمُقْتَضَى قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ وَعَلَى لُبْسِ الْكَتَّانِ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَ وَقَدْ انْتَقَلَ اللَّامُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ الْجِنْسِ دُونَ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَلِذَا كَانَ الْحَالِفُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمَاهِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ فَلَا تَزِيدُ اللَّامُ لَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَانْتَقَلَ إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَلِفِ لِمَعْنَى الصِّفَةِ، مِثْلُ سِوَى وَغَيْرِ فَمَعْنَى حَلِفِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا سِوَى الْكَتَّانِ أَوْ غَيْرَ الْكَتَّانِ فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُغَايِرُ لِلْكَتَّانِ وَالْكَتَّانُ لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّهُ لُبْسُهُ وَلَا تَرْكُهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاتَّفَقَ الْبَحْثُ مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ فَالْتَزَمَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا وَأَنَّ إلَّا عَلَى بَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَأَرَانَا نَقْلًا فِي ذَلِكَ اهـ. كَلَامُ الْقَرَافِيِّ. وَأَقُولُ مَا قَالَهُ تَاجُ الدِّينِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّا نُبْقِي إلَّا عَلَى بَابِهَا وَنَلْتَزِمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ إثْبَاتٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَنْعَ مَا ذَكَرَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنْ النَّفْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا مِنْ النَّفْيِ هُوَ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِثْبَاتِ هُوَ إبَاحَةُ لُبْسِ الْكَتَّانِ لَا الْتِزَامُ نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالتَّرْكِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ دَقِيقٌ تَرَكَهُ الشَّيْخُ لَنَا ثُمَّ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ حَوَاشِي التَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْجَوَابَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَذَا كَتَبَهُ سم بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ وَفِي التَّمْهِيدِ لِلْإِسْنَوِيِّ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُعْطِيك إلَّا دِرْهَمًا أَوْ لَا آكُلُ إلَّا هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ لَا أَطَأُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ بِالْكُلِّيَّةِ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ ذَلِكَ وَهُوَ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ الثَّانِيَ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) الْقَوْلُ بِمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بَعِيدٌ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهُ فِي مِثْلِ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ يَكَادُ يَلْحَقُ بِإِنْكَارِ الضَّرُورِيَّاتِ. وَإِجْمَاعُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَنَفِيَّةُ أَوَّلُوا قَوْلَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ بِأَنَّهُ مَجَازٌ تَعْبِيرًا عَنْ عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْحُكْمِ بِالْعَدَمِ لِكَوْنِهِ لَازِمًا لَهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ)

فَنَحْوُ مَا قَامَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدًا وَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا يَدُلُّ الْأَوَّلُ عَلَى إثْبَاتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَالثَّانِي عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ وَقَالَ لَا وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْقِيَامُ وَعَدَمُهُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مُخْرَجٌ مِنْ الْمَحْكُومِ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ مِنْ قِيَامٍ وَعَدَمِهِ مَثَلًا أَوْ مُخْرَجٌ مِنْ الْحُكْمِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ أَيْ لَا حُكْمَ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ دَخَلَ فِي نَقِيضِهِ وَجُعِلَ الْإِثْبَاتُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ بِعُرْفِ الشَّرْعِ وَفِي الْمُفَرَّغِ، نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ. (وَ) الِاسْتِثْنَاءَاتُ (الْمُتَعَدِّدَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الذِّكْرُ فَإِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مَذْكُورٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْحَيْثِيَّاتِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَنَحْوَ مَا قَامَ إلَخْ) مُرَتَّبٌ عَلَى كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا إلَخْ وَعَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ) أَيْ لَيْسَ مُسْتَثْنًى مِنْ نَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. (قَوْلُهُ: وَمَبْنَى الْخِلَافِ إلَخْ) فِي حَاشِيَةِ الْفَتَاوَى عَلَى التَّلْوِيحِ نَقْلًا عَنْ السَّيِّدِ أَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ هُوَ أَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ لِلْأُمُورِ الذِّهْنِيَّةِ أَمْ لِلْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الثَّانِي وَعُلَمَاؤُنَا إلَى الْأَوَّلِ وَلَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْأُمُورِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ وَاسِطَةٌ بِالضَّرُورَةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِالْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَحْكُومِ بِهِ) أَيْ وَيَكُونُ الْمَعْنَى الْقَوْمُ قَائِمُونَ إلَّا زَيْدًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْقَوْمُ مَحْكُومًا بِقِيَامِهِمْ إلَّا زَيْدًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْقِيَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ قِيَامٍ أَوْ عَدَمِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ نَفْيَ الْقِيَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ الِانْتِفَاءُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النِّسْبَةَ الْكَلَامِيَّةَ وَاحِدَةٌ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ لَا الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: إذْ الْقَاعِدَةُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْمَبْنِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَجُعِلَ الْإِثْبَاتُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ) أَيْ إثْبَاتُ الْأُلُوهِيَّةِ وَقَوْلُهُ بِعُرْفِ الشَّرْعِ أَيْ لَا بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَرَدَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ خَاطَبَ النَّاسَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ عُمُومًا لِإِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَحَصَلَ الْفَهْمُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِأَمْرٍ زَائِدٍ وَلَوْ كَانَ وَضْعُ اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لَبَيَّنَ الشَّارِعُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَصْلِ وَضْعِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ عَلَيَّ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ التَّكَلُّمُ بِالْعَشَرَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الثَّلَاثَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَلَامِ بِجَعْلِهِ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ بِمَعْنَى أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ إيقَاعٌ لِلْكُلِّ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الدَّالُّ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْبَعْضِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ فَلَا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثَةُ لِلدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفًا فِي الْحُكْمِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةُ تَوْحِيدٍ أَيْ إقْرَارٌ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَوَحْدَتِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ وَإِثْبَاتُهُ حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدْرِ لَمَا لَزِمَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَاهُ، وَالتَّوْحِيدُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِهَا عَمَّا سِوَاهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ دَهْرِيٌّ مُنْكِرٌ لِصَانِعِ الْعَالَمِ لَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَرُجُوعِهِ عَنْ مُعْتَقَدِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلصَّدْرِ اهـ. مِنْ التَّلْوِيحِ

إنْ تَعَاطَفَتْ فَلِلْأَوَّلِ) أَيْ فَهِيَ عَائِدَةٌ لِلْأَوَّلِ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً وَإِلَّا ثَلَاثَةً وَإِلَّا اثْنَيْنِ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فَقَطْ (وَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَعَاطَفْ (فَكُلٌّ) مِنْهَا عَائِدٌ (لِمَا يَلِيهِ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ) ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً فَيَلْزَمُهُ سِتَّةٌ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى وَاحِدٌ يَخْرُجُ مِنْ الْخَمْسَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ يَخْرُجُ مِنْ الْعَشَرَةِ تَبْقَى سِتَّةٌ فَإِنْ اسْتَغْرَقَ كُلَّ مَا يَلِيهِ بَطَلَ الْكُلُّ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ غَيْرَ الْأَوَّلِ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً عَادَ الْكُلُّ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فَقَطْ وَإِنْ اُسْتُغْرِقَ الْأَوَّلُ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً قِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَبَعًا وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ اعْتِبَارًا لِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ وَقِيلَ سِتَّةٌ اعْتِبَارًا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. (وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْوَارِدُ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إنْ تَعَاطَفَتْ) أَيْ تَوَسَّطَ حَرْفُ الْعَطْفِ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ وَإِلَّا فَالْمُسْتَثْنَى الْأَوَّلُ لَا عَطْفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ عَائِدَةٌ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا لِلْأَوَّلِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءَاتِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ وَعَوْدُهَا لِلْأَوَّلِ يُصَدَّقُ بِالْمُسْتَغْرِقِ وَبِغَيْرِهِ فَيَصِحُّ فِي الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي مُثِّلَ لَهُ وَيَبْطُلُ فِي الْأَوَّلِ مُطْلَقًا إنْ قُلْنَا بِجَمْعِ مُفَرَّقِهِ وَإِلَّا فَفِيمَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ مَعَ مَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ. اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّ التَّفَاعُلَ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا حُكْمٌ بِحَسَبِ الْعَطْفِ. (قَوْلُهُ: لِمَا يَلِيهِ) الضَّمِيرُ الْبَارِزُ عَائِدٌ لِمَا وَالْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إلَى كُلٍّ فَالصِّلَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ إلَخْ) حَلَّ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمَتْنِ بِطَرِيقَةٍ لَا تُنَاسِبُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي نَفْسِهَا وَالْمُطَابِقُ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخَمْسَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْعَشَرَةِ ثُمَّ الْأَرْبَعَةَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمُخْرَجَةِ ثُمَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اُسْتُغْرِقَ كُلُّ مَا يَلِيهِ) ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا إحْدَى عَشَرَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ) هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصَحِّ فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْأَقْيَسُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءَاتِ إذَا أَمْكَنَ إخْرَاجُ كُلٍّ مِنْهَا مِمَّا قَبْلَهُ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ، نَحْوُهُ كَأَمْرِ رَبِّهِمْ إلَّا الْفَتَى إلَّا الْعُلَا إذْ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فَإِلَّا الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ بِخِلَافِ نَحْوِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا ثَلَاثَةً إذْ الثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ لَا عَيْنُهُ. اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي) أَيْ الْمُسْتَثْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً يَخْرُجُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ يَبْقَى سِتَّةٌ مُخْرَجَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ فَالْأَوَّلُ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الثَّانِي كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلِ) أَيْ فَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ وَكَأَنَّهُ قِيلَ ابْتِدَاءً لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ الْوَارِدُ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَنْخُولِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجُمَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ إذَا عُطِفَ الْبَعْضُ مِنْهَا عَلَى الْبَعْضِ بِالْوَاوِ التَّاسِعَةِ وَعُقِّبَ بِاسْتِثْنَاءٍ رَجَعَ إلَى الْجَمَلِ كُلِّهَا وَبُنِيَ عَلَيْهِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَقَالَ أَيْضًا لَوْ أَقَرَّ لِبَنِي عَمْرٍو وَبَنِي بَكْرٍ إلَّا الْفُسَّاقَ يُسْتَثْنَى الْفُسَّاقُ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ وَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّ الْجُمَلَ صَارَتْ كَجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلنَّسَقِ لَا لِلْجَمْعِ وَكَيْفَ تَجْتَمِعُ جُمَلٌ مُتَنَاقِضَةٌ كَقَوْلِك أَكْرَمْت بَنِي عَمْرٍو وَأَهَنْت بَنِي خَالِدٍ وَضَرَبْت بَنِي زَيْدٍ لَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ رَأَيْت زَيْدًا وَعَمْرًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَمْرًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَالْقَطْعُ بِانْعِطَافِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْكُلِّ تَحَكُّمٌ اهـ. فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُخْتَارُ عِنْدَ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُقَيَّدُ بِالْوَاوِ بَلْ الضَّابِطُ عِنْدَهُ الْعَاطِفُ الْجَامِعُ بِالْوَضْعِ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ بِخِلَافِ بَلْ وَلَكِنْ أَيْ وَنَحْوُهَا كَأَوْ وَلَا وَبَلْ قَالَ

عَائِدٌ (لِلْكُلِّ) حَيْثُ صَلَحَ لَهُ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مُطْلَقًا (وَقِيلَ إنْ سِيقَ الْكُلُّ لِغَرَضٍ) وَاحِدٍ عَادَ لِلْكُلِّ، نَحْوُ حَبَسْتُ دَارِي عَلَى أَعْمَامِي وَوَقَفْت بُسْتَانِي عَلَى أَخْوَالِي وَسَبَّلْت سِقَايَتِي لِجِيرَانِي إلَّا أَنْ يُسَافِرُوا وَإِلَّا عَادَ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ، نَحْوُ أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ وَاحْبِسْ دِيَارَك عَلَى أَقَارِبِك وَأَعْتِقْ عَبِيدَك إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ (وَقِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّرْكَشِيُّ التَّقْيِيدُ بِالْوَاوِ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِثُمَّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ تَضْعِيفِ الْقَوْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَسَكَتَ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْجُمَلِ وَقَدْ قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فِي بَحْثِ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ فَهَلْ هُوَ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَهُمَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ تَعَدِّي الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ إلَى الْجَمِيعِ أَنَّ الْعَطْفَ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ كَالْمُفْرَدِ وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ تَقَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ تَوَسَّطَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إلَّا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُخْرِجَ مِمَّا قَبْلَهَا لَا مِمَّا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ إلَّا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ فَلَا يَتَعَدَّى الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَةِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَأَخُّرُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَعًا وَقَدْ حَمَلُوا عَلَى الشُّذُوذِ قَوْلَ الشَّاعِرِ: خَلَا اللَّهَ لَا أَرْجُو سِوَاكَ وَإِنَّمَا ... أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا وَإِنْ قُلْنَا الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ مَا قَبْلَهَا أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلْيَعُدْ إلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّا حِينَئِذٍ لَمْ نُؤَخِّرْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَنْ الْمُسْتَثْنَى بَلْ نُقَدِّرُ اسْتِثْنَاءً آخَرَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ كَمَا نُقَدِّرُ اسْتِثْنَاءً عَقِبَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ إذَا تَأَخَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْهَا وَيَكُونُ حَذَفَ مِنْ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَلَا وَجْهَ لِعَوْدِ الْمُسْتَثْنَى الْمُتَأَخِّرِ لِلْجُمَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ مَا قَبْلَهَا إلَّا ذَلِكَ وَقَدْ انْحَلَّ لَنَا بِهَذَا إشْكَالٌ كَبِيرٌ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ إعَادَتَهُمْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْجُمَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَارُدُ عَوَامِلُ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَقَوْلُهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا لَا يُنَافِي وُجُودَهُ فِي الْوَاقِعِ وَقَدْ ظَفِرَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ فَقَالَ وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْآخَرِ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو مَنْصُورٍ، نَحْوُ أَعْطِ بَنِي زَيْدٍ إلَّا مَنْ عَصَاك وَأَعْطِ بَنِي عَمْرٍو وَحَكَيَا عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَجْهَيْنِ الرُّجُوعَ إلَيْهِمَا وَإِلَى مَا قَبْلَهُ دُونَ مَا بَعْدَهُ اهـ. ثُمَّ الشَّارِحُ لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُتَعَاطِفَةٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَعَاطِفَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ فَمِنْ قَائِلٍ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاتِّبَاعِهِ وَمِنْ قَائِلٍ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ وَقَدْ بَيَّنَهُ الْبِرْمَاوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيَانِيَّيْنِ ذَكَرُوا أَنَّ تَرْكَ الْعَطْفِ قَدْ يَكُونُ لِكَمَالِ الِارْتِبَاطِ، نَحْوُ {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] وَحِينَئِذٍ فَفِي مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ السُّبْكِيُّ لَا يَبْعُدُ مَجِيءُ الْخِلَافِ فِيهِ قَالَ وَلَدُهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمَّا صَارَا كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهُ يَعُودُ لِلْجَمِيعِ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: عَائِدٌ لِلْكُلِّ) أَيْ لِلْجُمَلِ الْكُلِّ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا حَالٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الظُّهُورِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ لَا نِزَاعَ فِي إمْكَانِ رَدِّهِ إلَى الْجَمِيعِ وَالْأَخِيرِ بَلْ فِي الظُّهُورِ فَعِنْدَنَا إلَى الْأَخِيرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى الْجَمِيعِ كَالشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ:، نَحْوُ حَبَسْت إلَخْ) فَإِنَّ الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَقْفُ. (قَوْلُهُ: سِقَايَتِي) أَيْ مَا يَسْتَقِي مِنْهَا فَإِنْ قَصَدَ الْعَيْنَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِنْ قَصَدَ عَيْنَ الْمَاءِ الْمَوْجُودَةَ بَطَلَ إنْ قَصَدَ بِسَبَّلْتُ الْوَقْفَ وَإِنْ قَصَدَ الصَّدَقَةَ لَا فَالْأَسْبِلَةُ الْمَوْجُودَةُ بِمِصْرَ لَيْسَ مَاؤُهَا هُوَ الْمَوْقُوفُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ بَلْ الْمَوْقُوفُ الْجِهَةُ الْمُعَيَّنُ مَصْرِفُهَا لِشِرَاءِ الْمَاءِ وَالْمَاءُ مَوْقُوفٌ تَبَعًا فَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ عَيْنِهِ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا عَادَ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ) هَلَّا قَالَ وَإِلَّا عَادَ لِلْأَخِيرَةِ وَلَمَّا اتَّفَقَ مَعَهَا فِي الْفَرْضِ فَقَطْ لِيُفِيدَ عَوْدَهُ فِي نَحْوِ قَوْلِك أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ

إنْ عُطِفَ بِالْوَاوِ) عَادَ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْفَاءِ وَثُمَّ مَثَلًا فَلِلْأَخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا الْآمِدِيُّ حَيْثُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ (لِلْأَخِيرَةِ) فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ (وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ عَوْدِهِ لِلْكُلِّ وَعَوْدِهِ لِلْأَخِيرَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) أَيْ لَا يُدْرَى مَا الْحَقِيقَةُ مِنْهُمَا وَيَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ بِالْقَرِينَةِ وَحَيْثُ وُجِدَتْ انْتَفَى الْخِلَافُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ قَالَ السُّهَيْلِيُّ بِلَا خِلَافٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَعْتِقْ عَبِيدَك وَاحْبِسْ دَارَك عَلَى أَعْمَامِك وَقِفْ بُسْتَانَك عَلَى إخْوَتِك وَسَبِّلْ بِئْرَك عَلَى جِيرَانِك إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ إلَى قَوْلِهِ وَاحْبِسْ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ قِيَاسُهُ الظَّاهِرُ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: إنْ عُطِفَ بِالْوَاوِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَالْمُتَبَادِرُ مِنْهَا اجْتِمَاعُ الْكُلِّ فِي التَّقْيِيدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلُهُ مَثَلًا أَدْخَلَ بِهِ حَتَّى فَإِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ أَيْضًا وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَدْ أَطْلَقُوا فِي عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ فَإِنْ كَانَ بِثُمَّ اُخْتُصَّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فَإِنْ تَخَلَّلَ كَقَوْلِهِ عَلَى أَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ فَنَصِيبُهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُعَقِّبْ فَنَصِيبُهُ لِلَّذِينَ فِي دَرَجَتِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهُوَ مَصْرُوفٌ إلَى إخْوَتِي إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ يَخْتَصُّ بِإِخْوَتِهِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَصَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَاسْتِدْلَالُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا اهـ. فَلْيُنْظَرْ هَذَا مَعَ مَا نُقِلَ سَابِقًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ فَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) أَوْ نَاقَضَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِبَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ إنْ شَاءَ رَجَعَ إلَى الْكُلِّ وَنَاقَضَ فِي الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ أَوْصَيْتُ لِبَنِي فُلَانٍ وَلِبَنِي بَكْرٍ الْمَسَاكِينِ مِنْهُمْ قَالَ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا، وَالتَّحَكُّمُ أَيْضًا بِالِانْحِصَارِ بَاطِلٌ إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَوْصَيْت لِبَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ إلَّا الْفُسَّاقَ وَيَعْنِي بِهِ اسْتِثْنَاءَهُمْ عَنْ الْكُلِّ قَالَهُ فِي الْمَنْخُولِ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ مُطْلَقًا أَيْ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا عَطَفَ بِالْوَاوِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) لِكَوْنِهِ بِلَصْقِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) قَالَ بِهِ الْغَزَالِيُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمَنْخُولِ فَالْوَجْهُ التَّرَدُّدُ وَإِبْطَالُ التَّحَكُّمِ بِكِلَا الْجَانِبَيْنِ. (قَوْلُهُ: لَا يُدْرَى مَا الْحَقِيقَةُ مِنْهُمَا) أَيْ أَوْ هُمَا فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْوَقْفِ لَمْ يُجْزَمْ فِيهِ بِشَيْءٍ. (قَوْلُهُ: الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ الِاشْتِرَاكِ وَالْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: انْتَفَى الْخِلَافُ) أَيْ ثَمَرَتُهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْوَقْفِ مَوْجُودٌ بَلْ وَيُوجَدُ مَعَ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ يُعْدَلُ عَنْهَا لِلْقَرِينَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى) أَيْ كَالْقَرِينَةِ فِي قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ إلَخْ وَالْقَرِينَةُ فِيهَا وَفِي آيَةِ الْحِرَابَةِ بَعْدَهُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِيهَا عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ إذْ لَا مُخَصِّصَ لِبَعْضٍ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ وَالْقَرِينَةُ فِي آيَةِ الْقَتْلِ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي يَصَّدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْقَتِيلِ وَهُمْ مَذْكُورُونَ فِي الدِّيَةِ لَا فِي التَّحْرِيرِ مَعَ أَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ بِخِلَافِ التَّحْرِيرِ اهـ. زَكَرِيَّا وَقَالَ الْكَمَالُ الْقَرِينَةُ فِي آيَةِ الْحِرَابَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ {الَّذِينَ} [المائدة: 33] فِي قَوْلِهِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ دَفْعَةً لِأَنْوَاعِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْعُقُوبَاتُ بِاخْتِلَافِهَا لَا تَرْتِيبَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِهِ لَهَا لِيَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ} [الفرقان: 68] وَمَا بَعْدَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ عَائِدٌ إلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] وَهُوَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَلَامُ فِي جُمَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَفَادَهُ النَّاصِرُ وَمُحَصَّلُ جَوَابِ سم بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: 68] مُنْطَبِقًا عَلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ كَانَ عَائِدًا لَهَا

{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إجْمَاعًا وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] إلَى قَوْلِهِ {إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ أَيْ الدِّيَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَطْعًا أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى الْأَوَّلِ أَيْ الْجَلْدِ قَطْعًا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَفِي عَوْدِهِ إلَى الثَّانِيَةِ أَيْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْخِلَافُ فَعِنْدَنَا نَعَمْ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا. (وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْوَارِدُ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ) نَحْوُ تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ (أَوْلَى بِالْكُلِّ) أَيْ بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ مِنْ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْمُفْرَدَاتِ (أَمَّا الْقِرَانُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ لَفْظًا) بِأَنْ تُعْطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) بَيْنَهُمَا (فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ حُكْمًا) أَيْ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ لِإِحْدَاهُمَا مِنْ خَارِجٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ قَوْلِهِ {أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: 33] وَمَا بَعْدَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ مُفْرَدَاتٌ لَا جُمَلٌ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةَ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ وَهُوَ مُفْرَدٌ قَالَهُ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ تَسَمَّحُوا فِي عَدِّ مِثْلِ هَذِهِ جُمَلًا نَظَرًا إلَى أَصْلِهَا قَبْلَ دُخُولِ أَنْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى الْعَوْدِ لِجَمِيعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ وَالتَّسَمُّحُ بِنَحْوِ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ. (قَوْلُهُ: عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: 92] وَقَوْلُهُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] مُفْرَدٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ مُبْتَدَأً مُقَدَّرَ الْخَبَرِ أَيْ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَعَلَيْهِ دِيَةٌ فَيَكُونُ عَلَى عَطْفِ الْجُمَلِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور: 4] إلَخْ) هَذَا الصَّنِيعُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَاجْلِدُوهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَغَيْرِهِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ جُمْلَةَ وَلَا تَقْبَلُوا مُنْقَطِعَةً عَنْ جُمْلَةِ فَاجْلِدُوهُمْ مَعَ أَنَّ كَوْنَهَا مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَمُنْشَأُ هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَبِلَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْفِسْقِ وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ الْجَلْدَ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَخِيرَتَيْنِ وَقُطِعَ لَا تَقْبَلُوا عَنْ اجْلِدُوا إذْ لَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَيْهِ لَسَقَطَ الْجَلْدُ عَنْ التَّائِبِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ مِنْ صَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: قَطْعًا) أَيْ اتِّفَاقًا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ إلَخْ بَيَانٌ لِقَرِينَةِ عَدَمِ عَوْدِهِ إلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: الْخِلَافُ) أَيْ السَّابِقُ وَقَوْلُهُ فَعِنْدَنَا نَعَمْ أَيْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فِي بَعْضِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّهُ بِالْأَخِيرَةِ فَعَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَهُوَ لَا يُصَدَّقُ بِالتَّوْبَةِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ أَنَّهُ قَذَفَ بِلِسَانِهِ فَجَزَاؤُهُ قَطْعُهُ. (قَوْلُهُ: مُفْرَدَاتٍ) أَيْ مَعْنًى وَلَفْظًا، فَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ جُمْلَةً، وَفِي الْمَعْنَى مُفْرَدًا وَرَدَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّ الْجُمَلَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي آيَةِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ} [المائدة: 33] الْآيَةَ فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدَاتِ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنْ لَا خِلَافَ، وَقَدْ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْجُمَلِ قَدْ وَقَعَ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُفْرَدَاتِ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إذَا قَالَ: حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَتَانِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِبَ الْجُمَلِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْمُفْرَدَاتِ) أَيْ فَكَأَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْقِرَانُ) بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي بِالْوَصْلِ قَالَ سم: وَمُنَاسَبَةُ هَذَا لِمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِلْأُخْرَى نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي رُجُوعِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: لَفْظًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ عَنْ النِّسْبَةِ أَوْ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ حُكْمًا وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَتَبَيَّنَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} [الأنعام: 141] فَعَطَفَ وَاجِبًا عَلَى مُبَاحٍ قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: حُكْمًا) أَيْ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ

مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَالْمُزَنِيِّ) مُنَافِي قَوْلِهِمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَالْبَوْلُ فِيهِ يُنَجِّسُهُ بِشَرْطِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَذَلِكَ حِكْمَةُ النَّهْيِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَكَذَا الِاغْتِسَالُ فِيهِ لِلْقِرَانِ بَيْنَهُمَا وَوَافَقَهُ أَصْحَابُهُ فِي الْحُكْمِ لِدَلِيلِ غَيْرِ الْقِرَانِ وَخَالَفَهُ الْمُزَنِيّ فِيهِ لِمَا تَرَجَّحَ عَلَى الْقِرَانِ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدِيثِ طَاهِرٌ لَا نَجِسٌ وَيَكْفِي فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ ذَهَابُ الطَّهُورِيَّةِ. (الثَّانِي) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (الشَّرْطُ) بِمَعْنَى صِيغَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ نَفْسُهُ (مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ) احْتَرَزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْجُمَلِ النَّاقِصَةِ كَقَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] فَالْجُمْلَتَانِ كَجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْإِشْهَادُ فِي الْمُفَارَقَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَقْتَضِي بِثُبُوتِ حُكْمٍ فِي إحْدَاهُمَا ثُبُوتُهُ فِي الْأُخْرَى أَيْ فَلَا يُقَالُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِلْقِرَانِ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْجُمَلِ النَّاقِصَةِ غَيْرُ الْمُسْتَقِلَّةِ كَالْوَاقِعَةِ جَزَاءً لِلشَّرْطِ كَمَا مُثِّلَ بِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ تَمْثِيلُ الشَّارِحِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ جُمْلَتَيْهِ مُسْتَقِلَّةٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَنَفِيَّةُ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ قَيَّدَتْ، وَفِرْقَةٌ أَطْلَقَتْ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ (قَوْلُهُ: مِثَالُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ النَّهْيُ فَتَشَارَكَا فِيهِ وَاَلَّذِي لَمْ يُذْكَرْ هُوَ التَّنْجِيسُ بِهِمَا (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ) وَهُوَ كَوْنُ الْمَاءِ قَلِيلًا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ بَلَغَهُمَا وَتَغَيَّرَ عِنْدَنَا - مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَدَارُ التَّنْجِيسِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى التَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِقِلَّةِ الْمَاءِ أَوْ كَثْرَتِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ) أَيْ التَّنْجِيسُ مَعْلُومٌ أَيْ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ الْآيَةِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ التَّنْجِيسُ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَهُ الْمُزَنِيّ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي مِثَالِهِ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْقِرَانُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ الْقِرَانَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي حُكْمِهِ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الْقِرَانِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِمَا تَرَجَّحَ) أَيْ لِدَلِيلٍ تَرَجَّحَ، وَقَوْلُهُ: فِي أَنَّ الْمَاءَ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَاءَ إلَخْ (قَوْلُهُ: ذَهَابُ الطَّهُورِيَّةِ) لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَيْرَ طَهُورٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ فَلَعَلَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ تَقْذِيرُهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُسْتَبْحَرُ إلَّا أَنْ يُلْتَزَمَ فِيهِ عَدَمُ النَّهْيِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى صِيغَتِهِ) لِأَنَّهَا الْمَوْصُوفَةُ بِالِاتِّصَالِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ وَهُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ، وَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ هُنَا الْجُمْلَةُ الْأُولَى مِنْ جُمْلَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا الْأَدَاةُ، وَإِطْلَاقُ الشَّرْطِ عَلَى الصِّيغَةِ لُغَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُقُوعِ الْجَزَاءِ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ لُغَةً مُحَقِّقٌ ذَلِكَ نَعَمْ تَسْمِيَتُهَا شَرْطًا اصْطِلَاحِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّرْطُ نَفْسُهُ إلَخْ) فَفِي عِبَارَتِهِ اسْتِخْدَامٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ نَفْسِهِ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ بِمَا ذُكِرَ الشَّرْطُ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُشْتَرَطِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ إلَخْ فَفِي عِبَارَتِهِ تَسَمُّحٌ (قَوْلُهُ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ) مَا وَاقِعَةٌ عَلَى شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ الْمَاهِيَّةِ لِمَا اُشْتُهِرَ أَنَّ الشَّرْطَ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَاهِيَّةِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِلرُّكْنِ (قَوْلُهُ: بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ إلَخْ) الْقَيْدُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ. وَالْقَيْدُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ، وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ: لِذَاتِهِ، وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَلَا عَدَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ الْمَانِعُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الْعَدَمُ، وَإِخْرَاجُهُ فِيمَا سَبَقَ

فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ، وَبِالثَّانِي مِنْ السَّبَبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَبِالثَّالِثِ مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ لِلسَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ كَمَوْجُودِ الْحَوْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ النِّصَابِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ، وَمِنْ مُقَارَنَتِهِ لِلْمَانِعِ كَالدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ فَلُزُومُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فِي ذَلِكَ لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَالْمَانِعُ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ ثُمَّ هُوَ عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ وَشَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَعَادِيٌّ كَنَصْبِ السُّلَّمِ لِصُعُودِ السَّطْحِ وَلُغَوِيٌّ وَهُوَ الْمُخَصَّصُ كَمَا فِي أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوا أَيْ الْجَائِينَ مِنْهُمْ فَيَنْعَدِمُ الْإِكْرَامُ الْمَأْمُورُ بِانْعِدَامِ الْمَجِيءِ وَيُوجَدُ بِوُجُودِهِ إذَا اُمْتُثِلَ الْأَمْرُ (وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ الْمُخَصِّصُ (كَالِاسْتِثْنَاءِ اتِّصَالًا) فَفِي وُجُوبِهِ هُنَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِ عَدَمِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ اعْتِبَارَانِ خَرَجَ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْعَدَمُ، وَخَرَجَ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْآخَرِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَلَا عَدَمٌ، ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَيْدَ الثَّالِثَ مُخْتَصٌّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ إلَخْ وَلَا يَرْجِعُ لِمَا قَبْلَهُ أَيْضًا أَعْنِي قَوْلَهُ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَالْوَجْهُ رُجُوعُهُ لَهُ أَيْضًا لِإِخْرَاجِ الْمَانِعِ إذَا قَارَنَهُ عَدَمُ الشَّرْطِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ الْعَدَمُ الشَّرْطُ الَّذِي قَارَنَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ (قَوْلُهُ: مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: التَّعْبِيرُ بِالْمُقَارَنَةِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ الْمَدْخَلَ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ لِذَلِكَ لَا الْمُقَارَنَةُ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدُ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَيْدِ لِذَاتِهِ؛ وَلِذَا حَذَفَ بَعْضَهُمْ؛ إذْ الْمُقْتَضِي لِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ الْمُقَارِنُ لَهُ مِنْ السَّبَبِ أَوْ الْمَانِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَوُجُودِ الْحَوْلِ إلَخْ) لَمْ يُفْرَضْ الْكَلَامُ فِي الْوُضُوءِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْوُضُوءَ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ سَبَبٌ فِي الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ مُقَارَنَتِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَلُزُومُ الْوُجُودِ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُقَارَنَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ السَّبَبِ) أَيْ فِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَالْمَانِعُ) أَيْ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ) فَقَوْلُهُ: لِذَاتِهِ رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَكَانَ الْقَيْدُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا لِلْإِيضَاحِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عَدَمِ الشَّرْطِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ الشَّرْطُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الشَّرْطُ الْمُخَصَّصُ بِقَرِينَةٍ آخِرَ كَلَامِهِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابِ أَشَارَ بِهَا إلَى أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَكُونُ شَرْطًا فِيمَا لَيْسَ مُؤَثِّرًا فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مُؤَثِّرًا، وَكَذَا الْعِلْمُ شَرْطٌ فِي الْإِرَادَةِ، وَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لَا مُؤَثِّرَةٌ خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْمَحْصُولِ فِي ضَابِطِهِ: إنَّهُ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلُغَوِيٌّ) إدْخَالُهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، وَهُوَ الصِّيغَةُ؛ لِأَنَّهَا لَفْظٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا التَّعْرِيفُ الْمُتَقَدِّمُ وَالصِّيغَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّ الْمُلْتَفَتَ إلَيْهِ فِي التَّخْصِيصِ كَوْنُهَا وَارِدَةً عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِينَ مِنْهُمْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ يَرْجِعُ إلَى الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: فَيَنْعَدِمُ الْإِكْرَامُ إلَخْ) وَهُوَ الْمَشْرُوطُ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ هُوَ الْإِكْرَامُ الْمَأْمُورُ بِهِ لَا مُطْلَقًا فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: هَذَا الْمِثَالُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ الْإِكْرَامِ مِنْ عَدَمِ الْمَجِيءِ (قَوْلُهُ: إذَا اُمْتُثِلَ) أَيْ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لِذَاتِهِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّهُ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ جَعْلِيٌّ أَيْ يَجْعَلُ الْمُتَكَلِّمَ وَاعْتِبَارُهُ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ إلَخْ فَلَا يَصِحُّ إدْرَاجُهُ هُنَا لِعَدَمِ انْطِبَاقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْغَالِبِ، وَالْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ (قَوْلُهُ: اتِّصَالًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمُضَافِ، وَالْأَصْلُ اتِّصَالُهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ صِفَةُ شَرْطٍ وَقِيلَ يَجِبُ اتِّصَالُ الشَّرْطِ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ حَيْثُ قَالَ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا (وَأَوْلَى) مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَحْسِنْ إلَى رَبِيعَةَ وَاخْلَعْ عَلَى مُضَرَ إنْ جَاءُوك (عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ: يَعُودُ إلَى الْكُلِّ اتِّفَاقًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرًا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ فَقَطْ (وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَكْثَرِ بِهِ وِفَاقًا) نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ، وَيَكُونُ جُهَّالُهُمْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَفِي إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ بِهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ، وَفِي حِكَايَةِ الْوِفَاقِ تَسَمُّحٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْقَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِهِ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْأَصْفَهَانِيِّ قَالَ الْمَازِرِيُّ: التَّوَابِعُ هِيَ النَّعْتُ وَالْعَطْفُ وَالتَّأْكِيدُ وَالْبَدَلُ وَالشَّرْطُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ اتِّصَالِهَا وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَفِيهِ الْخِلَافُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَائِدٌ لِمَا هُنَا أَيْضًا، وَهُوَ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ، وَيُقَيِّدُ مَا فِي النَّاصِرِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى الْأَصَحِّ رَاجِعٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ، وَهُوَ يَصْدُقُ بِالِاتِّفَاقِ فَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مِنْ الِاتِّفَاقِ لَا يُنَافِي التَّصْحِيحَ كَمَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] الْآيَةَ فَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ حَيْثُ جَرَى فِيهَا الْخِلَافُ، وَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ إرَادَتَهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ يُعْرَفُ مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ بُعَيْدَهُ وَلِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ وَبِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قَبْلَهُ فَقَطْ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: أَيْ كُلُّ الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ أَيْ كُلُّ الْمُتَعَاطِفَاتِ كَانَ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْمُفْرَدَاتِ وَتَقَدَّمَ الشَّرْطُ اهـ. زَكَرِيَّا. وَقَدْ يُقَالُ: الْعُذْرُ فِي اقْتِصَارِ الشَّارِحِ عَلَى الْجُمَلِ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُفْرَدَاتُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْفُرُوعِ وَاسْتِدْلَالُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِي الْمُفْرَدَاتِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَقَدُّمَ الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى يُحِيلَ عَلَيْهِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَعُودُ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ الْعَوْدِ مَعَ أَنَّ التَّصْحِيحَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْأَوْلَوِيَّةِ لَا لِلْعُودِ، وَمُقَابِلُهُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَأَمَّا الْعَوْدُ اتِّفَاقًا فَهُوَ مَصْدُوقُ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَحَقِّقَةٌ فِيهِ كَذَا اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُتَبَادَرِ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَوْدِ لِلْكُلِّ، وَالتَّرْجِيحُ عَلَيْهِ تَصِحُّ الْمُقَابَلَةُ، وَلَوْ جُعِلَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ مُتَحَقِّقَةً فِي الِاتِّفَاقِ كَانَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مُتَقَدِّمٌ تَقْدِيرًا) لِتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى تَحَقُّقِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِي التَّقْدِيرِ أَيْضًا التَّوَقُّفُ الْإِخْرَاجُ عَلَى وُجُودِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَوْدِ الشَّرْطِ إلَى الْجَمِيعِ لِتَقَدُّمِهِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِ مَعَ تَأَخُّرِهِ؛ لِأَنَّ لِلتَّقَدُّمِ أَثَرًا فِي عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا يَكُونُ مَا عَدَا الْأُولَى مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةٍ تُقَرِّرَ لَهَا الْجَزَائِيَّةَ، وَالْعَطْفُ لِلْمُشَارَكَةِ، فَيُنَاسِبُ أَنْ تُشَارِكَهَا فِي الْعَطْفِ بِخِلَافِ الْأَخِيرَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُعْطَفْ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُذْكَرُ بَعْدَهَا، فَلَوْ عَادَ إلَى الْكُلِّ لَصَارَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُشْرِكًا لِلْمَعْطُوفِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ، وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ) أَيْ الَّذِي قَصَدَ تَقْيِيدَهُ بِهِ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ قَيْدًا لِبَعْضِ الْجُمَلِ لَا لِكُلِّهَا (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ جُهَّالُهُمْ إلَخْ) فِيهِ وُقُوعُ الْمُضَارِعِ الْمُثْبَتِ حَالًا بِالْوَاوِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالْمَاضِي أَيْ وَإِنْ كَانَ حَالُهُمْ (قَوْلُهُ: تَسَمُّحٌ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّسَمُّحِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوِفَاقِ قَوْلَ الْأَكْثَرِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْوِفَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّهُ عَلَى التَّسَمُّحِ لَمْ يُرِدْ مَعْنَى الْوِفَاقِ بَلْ مَعْنَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ كَقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَكَانَ الْمَعْنَى عَلَى

بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ وِفَاقَ مَنْ خَالَفَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ. (الثَّالِثُ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (الصِّفَةُ) نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الْفُقَهَاءُ غَيْرُهُمْ، وَهِيَ (كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ) فَتَعُودُ إلَى كُلِّ الْمُتَعَدِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَوْ تَقَدَّمَتْ) نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ الْمُحْتَاجِينَ، وَوَقَفْت عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَيَعُودُ الْوَصْفُ فِي الْأَوَّلِ إلَى الْأَوَّلِ مَعَ أَوْلَادِهِمْ، وَفِي الثَّانِي إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مَعَ الْأَوْلَادِ وَقِيلَ: لَا (أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ) نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلَادِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا نَعْلَمُ فِيهَا نَقْلًا (فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَعُودُ إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا. (الرَّابِعُ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (الْغَايَةُ) نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَنْ يَعْصُوا خَرَجَ حَالُ عِصْيَانِهِمْ فَلَا يُكْرَمُونَ فِيهِ، وَهِيَ (كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ) فَتَعُودُ إلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَهَا عَلَى الْأَصَحِّ نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَحْسِنْ إلَى رَبِيعَةَ وَتَعَطَّفْ عَلَى مُضَرَ إلَى أَنْ يَرْحَلُوا (وَالْمُرَادُ) بِالْغَايَةِ (غَايَةٌ تَقَدَّمَهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا لَوْ لَمْ تَأْتِ مِثْلُ) مَا تَقَدَّمَ، وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تَأْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّشْبِيهِ أَيْ كَالْوِفَاقِ وَعَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ وِفَاقٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ) أَيْ لَا بُدَّ فِي التَّخْصِيصِ الشَّامِلِ لِلتَّخْصِيصِ بِالشَّرْطِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ) أَيْ: وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: تَسَمُّحٌ فَهُوَ جَوَابٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وِفَاقَ مَنْ خَالَفَ) أَيْ فَيَكُونُ وِفَاقًا خَاصًّا لَا عَامًّا (قَوْلُهُ: فِي الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ إخْرَاجُ الْأَكْثَرِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: الصِّفَةُ) أَيْ الْمَعْنَوِيَّةُ لَا خُصُوصُ النَّحْوِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي الْأَمْثِلَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْعَوْدِ) أَيْ وَفِي الِاتِّصَالِ، وَصِحَّةُ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي الْعَوْدِ لَكَانَ أَعَمَّ (قَوْلُهُ: وَوُقِفَتْ عَلَى مُحْتَاجِي إلَخْ) مِثَالٌ لِمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: مَعَ أَوْلَادِهِمْ) أَدْخَلَ مَعَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ، وَأَدْخَلَهَا فِي الثَّانِي عَلَى الْأَوْلَادِ لِانْعِكَاسِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) الْعَطْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ) ذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُهَا إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا بَلْ قِيلَ إنَّ عَوْدَهَا إلَيْهِمَا أَوْلَى مِمَّا إذَا تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُ الْمُتَعَاطِفَاتِ فِي الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ ابْنِهِ خَضِرٍ الْمَذْكُورِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ خَضِرٌ وَأَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْوَاقِفِ وَبَقِيَ ابْنُ بِنْتِ ابْنِ خَضِرٍ وَبِنْتُ ابْنِ خَضِرٍ هَلْ تَدْخُلُ الْبِنْتُ أَوْ لَا عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَقَالَ: إنَّ الْبِنْتَ لَا تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ مِنْ الْمَذْكُورِ قَالَ وَهَذَا الشَّرْطُ مُسْتَمِرٌّ فِي بَطْنٍ وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَصَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّ الطَّعَامَ يَتَعَلَّقُ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ فِي الْهَدْيِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَجَعَلَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَوَّلِ يَجْرِي فِيمَا بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: خَرَجَ حَالٌ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّهُ تَخْصِيصٌ فِي الْأَحْوَالِ مَعَ أَنَّ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ لِلْعُمُومِ فِي الْأَشْخَاصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ خَرَجُوا مِنْ هَذِهِ الْحَالِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: فَلَا يُكْرَمُوا (قَوْلُهُ: فِي الْعَوْدِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ الِاتِّصَالُ فِيهَا، وَجَوَازُ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ بِهَا كَمَا ذُكِرَ فِي الشَّرْطِ، وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: الْغَايَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الِاتِّصَالُ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَكَذَا إذَا وَلِيَتْ مُتَعَدِّدًا تَعُودُ لِلْكُلِّ نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي إلَى أَنْ يَسْتَغْنُوا وَكَذَا فِي إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَجَمْعِ الْجَوَامِعِ إنَّهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْقَصْرَ عَلَى الْعَوْدِ فَقَطْ بَلْ تَعَرُّضًا لِكَوْنِهِ أَهَمَّ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمُخَصِّصَةَ لِلْعَامِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ شَامِلًا لَهَا لَوْ لَمْ تَأْتِ، كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مُخَصَّصٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَأَمَّا مِثْلُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: تَقَدُّمِهَا) أَيْ تَقَدُّمًا رُتْبِيًّا فَيَشْمَلُ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ فِي اللَّفْظِ أَوْ تَوَسَّطَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ

لَقَاتَلْنَاهُمْ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أَمْ لَا (وَأَمَّا مِثْلُ) قَوْله تَعَالَى {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] مِنْ غَايَةٍ لَمْ يَشْمَلْهَا عُمُومُ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلَةِ حَتَّى تَشْمَلَهُ (فَلِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ) فِيمَا قَبْلَهَا كَعُمُومِ اللَّيْلَةِ لِأَجْزَائِهَا فِي الْآيَةِ لَا لِلتَّخْصِيصِ (وَكَذَا) قَوْلُهُمْ (قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ مِنْ الْخِنْصِرِ إلَى الْبِنْصِرِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَثَالِثِهِمَا فَإِنَّ الْغَايَةَ فِيهِ لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ أَيْ أَصَابِعُهُ جَمِيعُهَا بِأَنْ قُطِعَ مَا عَدَا الْمَذْكُورَيْنِ بَيْنَ قَطْعَيْهِمَا وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْخِنْصِرِ إلَى الْإِبْهَامِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحَيْ الْمُخْتَصَرِ وَالْمِنْهَاجِ وَعَدَلَ عَنْهُ إلَى مَا هُنَا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّجْعِ مَعَ الْبَلَاغَةِ الْمُحَوِّجِ إلَى التَّدْقِيقِ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ، وَذَكَرَ مِثَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِي الثَّانِي مِنْ الْمُغَيَّا بِخِلَافِهِمَا فِي الْأَوَّلِ. (الْخَامِسُ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (بَدَلُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ نَحْوُ أَكْرِمْ النَّاسَ الْعُلَمَاءَ (وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ، وَصَوَّبَهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ فَلَا تَحَقُّقَ فِيهِ لِمَحَلٍّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا تَخْصِيصَ بِهِ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْمُخَصَّصِ (الْمُنْفَصِلُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَقَتَلْنَاهُمْ) أَيْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِقِتَالِهِمْ لَكِنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبِعَ الشَّيْخَ السُّبْكِيَّ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ عِبَارَةُ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنَّ اللَّازِمَ الْأَمْرُ بِالْمُقَاتَلَةِ لِأَنْفُسِهَا (قَوْلُهُ: أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أَمْ لَا) عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ فِي الْأَحْوَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى لَقَاتَلْنَا الْأَفْرَادَ الَّذِينَ أَعْطَوْا، وَاَلَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا عَلَى أَنَّ الْمُلَاحَظَ الْعُمُومُ فِي الْأَشْخَاصِ (قَوْلُهُ: كَعُمُومِ اللَّيْلَةِ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا) فِيهِ رَدٌّ لِمَا فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ مِنْ التَّنْظِيرِ مِنْ الْمِثَالِ قَالَ: لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْسَتْ بِعَامَّةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَرَدَتْ فِي صِيغَةِ عُمُومٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيُؤَيِّدُ الرَّدَّ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَالْقَاتِلُ لَهُ حُكْمٌ ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ، وَزَادَ الشَّارِحُ الْكَافَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِثْلُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا لِلتَّخْصِيصِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ فَلِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ قَطْعَيْهِمَا) أَيْ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ بِأَنْ بَدَأَ بِأَحَدِهِمَا، وَخَتَمَ بِالْآخَرِ، وَفِي نُسْخَةٍ قَطْعِهِمَا، وَهِيَ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْغَايَةَ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْبَلَاغَةِ) وَهِيَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ، وَالْحَالُ هُوَ اخْتِبَارُ السَّامِعِ هَلْ يُدْرِكُ الْمَعَانِيَ الدَّقِيقَةَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ مِثَالَيْنِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا لَوْ كَانَا فِي مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فِي كَوْنِ الْغَايَةِ فِيهِ لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ فَلَوْ قَالَ: وَفَصَّلَهُ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ إلَخْ لَكَانَ أَحْسَنَ. (قَوْلُهُ: بَدَلُ الْبَعْضِ) وَكَذَا بَدَلُ الِاشْتِمَالِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا مُعَبَّرٌ بِهِ عَنْ الذَّاتِ بِأَوْصَافِهَا مِنْ عِلْمٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قِيلَ: عِلْمُهُ خَصَّصَ الْعُمُومَ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُمُومِ مُطْلَقُ الشُّمُولِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الذَّاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ إشْعَارَهُ بِالصِّفَاتِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّفْعَ مَثَلًا إنَّمَا يَكُونُ أَثَرَ الصِّفَةِ مِنْ صِفَاتِهِ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ كَرْمُهُ أَوْ عِلْمُهُ أَوْ جَاهُهُ مَثَلًا فَصَارَ الْعِلْمُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُشْعِرًا بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْبَدَلِ أَيْضًا مِنْ الِاتِّصَالِ كَسَائِرِ التَّوَابِعِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الصِّفَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَيَبْقَى الْأَوَّلُ وَأَمَّا تَعْقِيبُهُ لِمُتَعَدِّدٍ حَيْثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الْكُلِّ وَمِنْ الْأَخِيرِ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي أَرْشَدِهِمْ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: أَكْرِمْ النَّاسَ الْعُلَمَاءَ) عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ بَدَلٌ لَا نَعْتٌ وَالْأَرْجَحُ لِلصِّفَةِ، وَالْمِثَالُ يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَالُ (قَوْلُهُ: فَلَا تَخْصِيصَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ لِكَوْنِهِ إخْرَاجًا يَسْتَدْعِي مُخْرَجًا مِنْهُ، وَلَا مُخْرَجَ مِنْهُ فِي الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، وَكَأَنَّ الْبَدَلَ ذُكِرَ ابْتِدَاءً حَتَّى كَأَنَّك قُلْت: ابْتِدَاءً أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ أَنَّهُ مَطْرُوحٌ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي اللَّفْظِ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ ذِكْرِ الْبَدَلِ، وَالْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ

مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَدَأَ بِالْغَيْرِ لِقِلَّتِهِ فَقَالَ (يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْحِسِّ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى عَادٍ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] أَيْ تُهْلِكُهُ فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْحِسِّ أَيْ الْمُشَاهَدَةِ مَا لَا تَدْمِيرَ فِيهِ كَالسَّمَاءِ (وَالْعَقْلُ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْعَقْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ (خِلَافًا لِشُذُوذٍ) مِنْ النَّاسِ فِي مَنْعِهِمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ قَائِلِينَ إنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَلْفَاظِ فَالْمَنْظُورُ لَهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَصْوِيبِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَطْفَ الْبَيَانِ، وَقَدْ أَدْخَلَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي الصِّفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِالْوَصْفِ مَا أَشْعَرَ بِمَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ أَفْرَادُ الْعَامِّ سَوَاءٌ كَانَ نَعْتًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ أَوْ حَالًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ جُمْلَةً أَوْ شِبْهَهَا، وَهُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَالظَّرْفُ اهـ. بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْغُنَيْمِيِّ تِلْمِيذِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ التَّوْكِيدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَجْمَعِينَ مَثَلًا يَقْتَضِي الِاتِّحَادَ فِي الْوَقْتِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا، وَنَقَلَ لَنَا بَعْضُ الْأَفَاضِلِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَنْفُسِهِمْ اخْتَصَّ بِأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَلَا يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ. (قَوْلُهُ: مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْعَامِّ مَعَهُ (قَوْلُهُ: لَقُلْته) أَيْ لِيَتَفَرَّغَ لِمَا يَطُولُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْحِسِّ) قَدَّمَهُ عَلَى الْعَقْلِ لِمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي أَوَّلِ الْبُرْهَانِ إنَّ اخْتِيَارَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْمُدْرَكَ بِالْحَوَاسِّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَأَنَّ الْقَلَانِسِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدَّمَ الْمَعْقُولَاتِ اهـ. فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ فِي لَفْظٍ عَامٍّ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا بِالْعَقْلِ أَوْ بِالْحِسِّ أَيُّهُمَا يَكُونُ هُوَ الْمُخَصَّصَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَنَازَعَ فِي هَذَا الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ بِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَخْصُوصِ بِالْحِسِّ فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الرِّيحِ) الْأَوْضَحُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالسِّيَاقِ فَإِنَّ الْمَأْلُوفَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا أُرِيدَ تَدْمِيرُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْحِسِّ) الْمُرَادُ أَيَّ حِسٍّ كَانَ قِيلَ: وَمِنْهُ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُدْرَكٌ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الْحِسُّ نَفْسُهُ مَانِعًا مِنْ التَّنَاوُلِ وَالسَّمْعُ لَوْ خُلِّيَ، وَنَفْسُهُ لَا يَمْنَعُ فَالْحَقُّ أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مِنْ الْمُخَصِّصِ بِاللَّفْظِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُشَاهَدَةُ) تَفْسِيرُ الْحِسِّ بِالْمُشَاهَدَةِ نَظَرًا لِلْآيَةِ، وَإِلَّا فَالْحِسُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلْحَوَاسِّ الْخَمْسَةِ الظَّاهِرَةِ مَعَ أَنَّ الْحَاكِمَ فِيهَا هُوَ الْعَقْلُ بِوَاسِطَتِهَا فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْعَقْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ) أَيْ بِدُونِ وَاسِطَةٍ وَإِلَّا فَالْمَانِعُ فِي الْحِسِّ الْعَقْلُ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِخُرُوجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِوَاسِطَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْعَقْلِ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَيُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ مَا كَانَ بِدُونِ وَاسِطَةٍ ثُمَّ إنَّ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ تَارَةً يَكُونُ ضَرُورِيًّا كَمَا مُثِّلَ أَوْ نَظَرِيًّا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَإِنَّ الْعَقْلَ بِنَظَرِهِ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فِي التَّكْلِيفِ بِالْحَجِّ لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا بَلْ هُمَا فِي جُمْلَةِ الْغَافِلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ، وَلَمْ يَجُزْ النَّسْخُ بِهِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ، أَوْ يَتَضَمَّنُهُ، وَالْعَقْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَاتِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: النَّسْخُ بَيَانٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) التَّمْثِيلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَعَلَى أَنَّ لَفْظَ شَيْءٍ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَفِي كِلَيْهِمَا خِلَافٌ (قَوْلُهُ: ضَرُورَةً جَعَلَهُ) ضَرُورَةً بَعْدَ اتِّضَاحِهِ الْآتِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَهُ نَظَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِشُذُوذِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: فِي مَنْعِهِمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ) لَمْ يَذْكُرْ الْحِسَّ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفُ تَشْمَلُهُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِهِ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ بِوَاسِطَةٍ كَمَا مَرَّ

مَا نَفَى الْعَقْلُ حُكْمَ الْعَامِّ عَنْهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ (وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (تَسْمِيَتَهُ تَخْصِيصًا) نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا تَخَصَّصَ بِالْعَقْلِ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِالْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ، وَالتَّسْمِيَةُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْعَقْلِ فِيمَا نَفَى عَنْهُ حُكْمَ الْعَامِّ وَهَلْ يُسَمَّى نَفْيُهُ لِذَلِكَ تَخْصِيصًا فَعِنْدَنَا نَعَمْ، وَعِنْدَهُمْ لَا وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْحِسِّ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَوَّضَ الْبَيَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّخْصِيصُ بَيَانٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ لَنَا الْوُقُوعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَا نَفَى الْعَقْلُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ نَفَى وَمَصْدُوقُ مَا كَالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ مَثَلًا فِي الْآيَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَامُّ) أَيْ حَتَّى يَصِحَّ إخْرَاجُهُ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ، وَفُرِّقَ بَيْنَ عَدَمِ دُخُولِهِ وَبَيْنَ خُرُوجِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَامِّ لَهُ عَدَمَ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَإِنْ أُرِيدَ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَغَيْرُ مُضِرٍّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُخَصِّصَاتِ التَّنَاوُلُ الْحُكْمِيُّ فِيهَا مَنْفِيٌّ. وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى عَلَى الْكَائِنَةِ أَيْ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ لِمَنْعِ الْعَقْلِ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ) فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَخْصِيصٍ كَذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِالْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ مَا اسْتَنَدَ لِشَيْءٍ تَصِحُّ إرَادَتُهُ (قَوْلُهُ: تَسْمِيَتُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ بِالْعَقْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلِ الشُّذُوذِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَمْنَعُ التَّسْمِيَةَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعَامِّ شَامِلٌ لِمَا نَفَاهُ الْعَقْلُ، وَالشُّذُوذُ يَمْنَعُونَ التَّنَاوُلَ لِمَا نَفَاهُ الْعَقْلُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ التَّسْمِيَةِ فَمَا عَلَّلَ بِهِ الشُّذُوذُ عَدَمَ تَنَاوُلِ الْعَامِّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ خِلَافًا لِشُذُوذٍ وَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ) الْمُتَبَادَرِ إلَى أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ خِلَافٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمْ لَا) مُسَلَّمَ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّذُوذِ فَالْحَلِفُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجُمْهُورِ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ التَّنَاوُلَ لَفْظًا وَحُكْمًا (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ إلَخْ) فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْحِسِّ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْمُخَصِّصِ النَّقْلِيِّ قِيلَ: كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَالصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُقَابِلَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ لِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ وَأَنْزَلْنَا إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ) أَيْ أَوْ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ: لَنَا الْوُقُوعُ) وَهُوَ مِنْ أَقْوَى أَدِلَّةِ الْجَوَازِ

كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] الشَّامِلُ لِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَإِنْ قَالَ الْمَانِعُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ قُلْنَا: الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَبَيَانُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْدُقُ بِالْبَيَانِ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] (وَالسُّنَّةُ بِهَا) أَيْ بِالسُّنَّةِ وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَقَصَرَ بَيَانَهُ عَلَى الْقُرْآنِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» بِحَدِيثِهِمَا «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» (وَ) السُّنَّةُ (بِالْكِتَابِ) وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] جَعَلَهُ مُبَيِّنًا لِلْقُرْآنِ فَلَا يَكُونُ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ قُلْنَا: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] ، وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَإِنْ خَصَّ مِنْ عُمُومِهِ مَا خَصَّ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ (وَالْكِتَابُ بِالْمُتَوَاتِرَةِ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي إنَّ فِعْلَ الرَّسُولِ لَا يُخَصِّصُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] إلَخْ) هَذَا مَخْصُوصٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ بِقَوْلِهِ {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ) أَيْ الْعَامَّةُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، وَفِيهِ الْعَطْفُ لِمَعْمُولَيْنِ عَلَى مَعْمُولَيْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: لِتُبَيِّنَ) أَيْ بِسُنَّتِك، فَالْبَيَانُ بِالسُّنَّةِ مَقْصُورٌ عَلَى الْقُرْآنِ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ السُّنَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ السُّنَّةُ مُبَيِّنَةً ثُمَّ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُنَا لَا يُنَافِي الِاسْتِدْلَالَ بِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ كُلًّا اسْتَدَلَّ بِهَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْهَا، وَالْآيَةُ الْوَاحِدَةُ تَحْتَمِلُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً أَوْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44] أَيْ بِالسُّنَّةِ وَهَذَا نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] حَيْثُ جَعَلَهُ خَاصًّا بِالْقُرْآنِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ نَاظِرٌ إلَى الْفَاعِلِ أَيْ تُبَيِّنَ أَنْتَ وَالثَّانِي نَاظِرٌ إلَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا نَاظِرٌ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مَعًا (قَوْلُهُ: قَصَرَ بَيَانَهُ عَلَى الْقُرْآنِ) أَيْ قَصَرَ بَيَانَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبَيَّنٌ بِالْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ: " مَا نُزِّلَ " فَلَا يُبَيَّنُ بِسُنَّةٍ إلَّا الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى بَيَانُ النَّبِيِّ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقُرْآنَ مُبَيِّنٌ بِالْكَسْرِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ} [النحل: 44] أَيْ الَّذِي يُبَيِّنُ بِهِ الْقُرْآنُ لَا السُّنَّةُ ثُمَّ إنَّ الْقَصْرَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْمَفْهُومِ؛ إذْ الْمَعْنَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ لَا غَيْرُهُ ثُمَّ إنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ دَاوُد وَطَائِفَةٌ حَيْثُ قَالُوا: يَتَعَارَضَانِ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْمُتَوَاتِرَةَ بِالْمُتَوَاتِرَةِ وَالْآحَادَ بِالْآحَادِ وَتَصَوُّرُ الْأَوَّلِ فِي زَمَانِنَا عُسْرٌ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ لِفَقْدِ التَّوَاتُرِ قَالَ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي عَصْرَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ كَانَتْ فِي زَمَانِهِمْ مُتَوَاتِرَةً لِقُرْبِ الْعَهْدِ وَشِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِالرُّوَاةِ (قَوْلُهُ: قُلْنَا: لَا مَانِعَ إلَخْ) فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْكِتَابِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ فَنَظَرَ هَاهُنَا لِلْفَاعِلِ وَلِلْمَفْعُولِ قَوْلُهُ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] لَوْ قَالَ الْآيَةَ أَوْلَى فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إلَخْ) لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى الْوُقُوعِ كَمَا فَعَلَ فِي الَّذِينَ قَبْلَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} [النحل: 80] الْآيَةَ قَوْلُهُ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَالسُّنَّةُ مِنْ الْأَشْيَاءِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْقُرْآنِ) أَيْ كَالْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ يَأْتِي لِلشَّارِحِ قَوْلٌ إنَّ فِعْلَهُ يُنْسَخُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا بِطَرِيقِ التَّأَسِّي.

(وَكَذَا) يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَتَرَكَ الْقَطْعِيَّ بِالظَّنِّيِّ، قُلْنَا: مَحَلُّ التَّخْصِيصِ دَلَالَةُ الْعَامِّ، وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنَّيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا (وَثَالِثُهَا) قَالَ ابْنُ أَبَانَ يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنْ قِيلَ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا رُوِيَ عَنِّي حَدِيثٌ فَأَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ وَافَقَهُ فَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ فَرُدُّوهُ» وَخَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُعَارِضُ لِلْكِتَابِ مُخَالِفٌ لَهُ فَيُرَدُّ، وَلَا يُخَصَّصُ بِهِ فَيَمْتَنِعُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِجَرَيَانِهِ فِي الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذُكِرَ لَمَا خُصَّ الْكِتَابُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْوَاجِبِ عَرْضُهُ عَلَى الْكِتَابِ هُوَ مَا لَمْ يُقْطَعْ بِأَنَّهُ حَدِيثُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا ظَنِّيٌّ وَالْكِتَابُ قَطْعِيٌّ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ مَقْطُوعُ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ لِثُبُوتِهِمَا بِالتَّوَاتُرِ، لَكِنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ، وَالْخَاصُّ مَقْطُوعُ الدَّلَالَةِ مَظْنُونُ السَّنَدِ فَتَعَادَلَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعِيًّا مِنْ وَجْهٍ ظَنِّيًّا مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا، وَالْقَوْلُ بِالتَّخْصِيصِ الْمُقْتَضِي لِرُجْحَانِ الْخَاصِّ لَا يُنَافِي التَّعَادُلَ؛ إذْ هُوَ بِحَسَبِ الذَّاتِ وَالرَّاجِحُ بِزَائِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ إعْمَالُ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) خُصَّ بِقَاطِعٍ أَوَّلًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْخِلَافُ مَوْضِعُهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَنَهْيُهُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا» فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى رِوَايَتِهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُخَصِّصَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ، وَكَلَامُنَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا اُحْتُفَّ بِالْقَرَائِنِ أَفَادَ الْعِلْمَ كَالْمُتَوَاتِرِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ، وَفِي التَّحْرِيرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّخْصِيصِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِلْكِتَابِ بَعْدَ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْقَطْعِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَارِدَةٌ عَنْ ظَاهِرِ الْمَتْنِ (وَقَوْلُهُ: وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ) وَالْقَطْعِيُّ إنَّمَا هُوَ الْمَتْنُ (قَوْلُهُ: بِالظَّنِّيَّيْنِ) وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: ابْنُ أَبَانَ) اسْمُهُ عِيسَى مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَمَّا أَبَانُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الصَّرْفُ، وَعَدَمُهُ فَمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا، وَالْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ فَيَكُونُ أَفْعَلَ، وَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَ الْهَمْزَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ فَعَالًا، وَصَرْفُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ اهـ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ الْمُحَدِّثُونَ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صَرْفِ أَبَانَ هَذَا، وَكَذَلِكَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

(إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ) كَالْعَقْلِ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ، أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا خُصَّ بِاللَّفْظِ حَقِيقَةٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (: وَعِنْدِي عَكْسُهُ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ فُرِّقَ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ: يَجُوزُ إنْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُخَرَّجَ بِالْقَطْعِيِّ لَمَّا لَمْ تَصِحَّ إرَادَتُهُ كَانَ الْعَامُّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فَيُلْحَقُ بِمَا لَمْ يُخَصَّ (وَقَالَ الْكَرْخِيُّ) يَجُوزُ إنْ خُصَّ (بِمُنْفَصِلٍ) قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ فَالْعُمُومُ فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ حَقِيقَةٌ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] إلَخْ الشَّامِلِ لِلْوَلَدِ الْكَافِرِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ) أَيْ قَبْلَ تَخْصِيصِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ الْعَقْلَ خَصَّ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ لَهُمَا فَيَصِحُّ تَخْصِيصُ هَذَا حِينَئِذٍ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ بَابَ التَّخْصِيصِ بِالْقَاطِعِ انْجَرَّ الِاحْتِمَالُ إلَى التَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ: إنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عِنْدَهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ قَطْعِيَّةٌ، فَإِذَا خُصَّ بِهِ صَارَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ) أَوْرَدَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ ابْنِ أَبَانَ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِظَنِّيٍّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَصَّصُ بِهِ إلَّا إذَا خُصَّ بِقَاطِعٍ أَوْ لَا. وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا مَعْنًى لِبِنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ظَنِّيٌّ غَيْرُ خَبَرِ الْآحَادِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ خَبَرِ الْآحَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا خُصَّ بِقَاطِعٍ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْآحَادِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ صَارَتْ ضَعِيفَةً؛ لِأَنَّهَا مَجَازِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ، أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْمِنْهَاجِ لِوَالِدِهِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ أَبَانَ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِهِ حُجَّةً، قُلْت: إنَّمَا مَنَعَ ابْنُ أَبَانَ حُجِّيَّةَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا، وَلَيْسَ بَعْضُ الْمَحَامِلِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَيَبْقَى مُجْمَلًا، فَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مُخَصِّصٌ جَزَمْنَا بِإِخْرَاجِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجْمَالِ لَا يُجْزَمُ بِإِرَادَتِهِ، وَلَا بِعَدَمِهَا (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ) تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ: مَجَازٌ إنْ خُصَّ بِغَيْرِ لَفْظٍ كَالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: إنَّ مَا خُصَّ بِاللَّفْظِ حَقِيقَةٌ) فِيهِ قُصُورٌ؛ إذْ اللَّفْظُ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا كَمَا يَكُونُ ظَنِّيًّا، وَالْفَرْضُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ لَفْظًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مُتَعَقِّبًا عَلَى ابْنِ أَبَانَ (قَوْلُهُ: وَعِنْدِي عَكْسُهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُخْتَارُ الْعَكْسُ، وَإِلَّا لَنَافَاهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجُمْهُورِ بَلْ لَوْ سَلِمَ كَلَامُ ابْنِ أَبَانَ لَكَانَ الْأَوْلَى الْعَكْسَ، وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ عَنْ ظَاهِرِهَا، وَقَالَ أَيْ يَنْبَغِي فَمَحَلُّ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ مَعَ ابْنِ أَبَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهِ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ خِلَافًا لِمَا حَلَّ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُ الْمَتْنِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلٌ مُسْتَقِلٌّ ارْتَكَبَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَجَّهَهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي ذَلِكَ التَّوْجِيهِ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَيُلْحَقُ بِمَا لَمْ يُخَصَّ) أَيْ فِي قُوَّةِ دَلَالَتِهِ بِخِلَافِ مَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ عَلَى أَفْرَادِهِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَصَّ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ:

وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيِّ زِيَادَةً عَلَى إمَامِهِ. (وَ) يَجُوزُ التَّخْصِيصُ لِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (بِالْقِيَاسِ) الْمُسْتَنِدِ إلَى نَصٍّ خَاصٍّ وَلَوْ كَانَ خَبَرَ وَاحِدٍ (خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ (مُطْلَقًا) بَعْدَ أَنْ جَوَّزَهُ حَذَرًا مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَلِلْجُبَّائِيِّ) أَبِي عَلِيٍّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (خَفِيًّا) لِضَعْفِهِ بِخِلَافِ الْجَلِيِّ وَسَيَأْتِيَانِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْجُبَّائِيُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحَيْهِ (وَلِابْنِ أَبَانَ إنْ لَمْ يُخَصَّ مُطْلَقًا) بِخِلَافِ مَا خُصَّ فَيَجُوزُ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ هُنَا، وَقَيَّدَهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْقَاطِعِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَكُنْ رَاوِيهِ فَقِيهًا (وَ) خِلَافًا (لِقَوْمٍ) فِي مَنْعِهِمْ (إنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ الْقِيَاسِ وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (مُخَصَّصًا) بِفَتْحِ الصَّادِ (مِنْ الْعُمُومِ) أَيْ مُخْرَجًا مِنْهُ (بِنَصٍّ) بِأَنْ لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ مِنْهُ غَيْرُ أَصْلِ الْقِيَاسِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ فَكَأَنَّ التَّخْصِيصَ بِنَصِّهِ (وَلِلْكَرْخِيِّ) فِي مَنْعِهِ (إنْ لَمْ يُخَصَّ بِمُنْفَصِلٍ) بِأَنْ لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْعَامِّ حِينَئِذٍ (وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَامِسُ يَعْنِي مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ لَكِنْ مَا وَقَعَ حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الْقَرِيبِ وَحَكَى قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الدَّلِيلَ قَامَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْآحَادِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا السَّادِسُ الْوَقْفُ إمَّا عَلَى مَعْنَى لَا نَدْرِي، وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى تَعَارُضِ أَمْرَيْنِ دَلَالَةً لِلْعُمُومِ عَلَى إثْبَاتِهِ وَالْخُصُوصِ عَلَى نَفْيِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَتْنَ الْكِتَابِ قَطْعِيٌّ، وَفَحْوَاهُ مَظْنُونٌ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ بِالْعَكْسِ فَتَعَارَضَا، وَلَا مُرَجِّحَ فَالْوَقْفُ اهـ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْعَضُدُ عَنْ الْقَاضِي الْوَقْفُ بِمَعْنَى لَا أَدْرِي فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ كَمَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي الْخِلَافُ) أَيْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْخِلَافِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالسُّنَّةِ بِهَا اهـ. زي. مِنْ إطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي تَنَاوُلِ تَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْآحَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَفْرُوضًا فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: عَلَى إمَامِهِ) أَيْ الرَّازِيّ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ كَثِيرًا وَيَخْتَصِرُ كَلَامَهُ فِي الْمَحْصُولِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سُنَّةً) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا مُتَوَاتِرَةً أَوْ لَا وَقَيَّدَهَا الْقَرَافِيُّ بِالْمُتَوَاتِرَةِ، وَكَذَا الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ نَظْمِ وَالِدِهِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: إلَى نَصٍّ خَاصٍّ) بِأَنْ كَانَ حُكْمُ أَصْلِهِ مُخْرَجًا مِنْ الْعُمُومِ بِنَصٍّ خَاصٍّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ أَمَّا الْمَقْطُوعُ فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ قَطْعًا، وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ مُحَقَّقَةً، أَوْ قُطِعَ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ، وَانْتَفَى الْفَارِقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَطْعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّخْصِيصَ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِهِ لَا بِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) إذْ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنَّ كُلَّ نَصٍّ أَصْلٌ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّا لَمْ نُقَدِّمْ الْقِيَاسَ عَلَى أَصْلِهِ بَلْ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ لَيْسَ فَرْعًا دَلِيلُهُ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ) أَيْ جَوَازَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُخَصِّصَ لِلْعَامِّ بِالْقَطْعِيِّ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ لِنَظْمِ وَالِدِهِ لِلْمِنْهَاجِ مَا نَصُّهُ: رَابِعُهَا الْجَوَازُ إنْ خُصَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَقْطُوعٍ بِهِ لَا بِمَظْنُونٍ، وَأَطْلَقَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَشَرَطَ ابْنُ أَبَانَ التَّخْصِيصَ اعْتِمَادًا عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْمَقْطُوعِ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ اهـ. فَلْيُحَرَّرْ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ أَبَانَ (قَوْلُهُ: أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ) أَيْ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ التَّخْصِيصَ بِهِ (قَوْلُهُ: فَقِيهًا) أَيْ مُجْتَهِدًا كَمَا هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَصْلِهِ) أَيْ تَخْصِيصِ أَصْلِهِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا إذَا قِيلَ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ وَفُرِضَ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْبُرَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَى هَذَا الْبُرِّ الذُّرَةُ (قَوْلُهُ: بِنَصِّهِ) أَيْ بِنَصِّ ذَلِكَ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْعَامِّ) ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَجَازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِهِ فَكَأَنْ لَا تَخْصِيصَ

لَنَا أَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ خُصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] الْأَمَةُ فَعَلَيْهَا نِصْفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْعَبْدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ النِّصْفُ أَيْضًا. (وَ) يَجُوزُ التَّخْصِيصُ (بِالْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَإِنْ قُلْنَا: الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قِيَاسِيَّةٌ بِأَنْ يُقَالَ: مَنْ أَسَاءَ إلَيْك فَعَاقِبْهُ، ثُمَّ يُقَالَ: إنْ أَسَاءَ لَك زَيْدٌ فَلَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ (وَكَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ (فِي الْأَرْجَحِ) وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْطُوقٌ خَاصٌّ لَا مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَالْمَفْهُومُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ خَصَّ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُنَا: لَنَا أَنَّ إعْمَالَ إلَخْ) تَمَامُ تَقْرِيرِهِ أَنْ يُقَالَ: لَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَارَضَ مِثْلَهُ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِهِ إعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْقَاءِ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ خُصَّ مِنْ قَوْلِهِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] إلَخْ قَالَ سم هَذَا لَا يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى ابْنِ أَبَانَ وَالْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ إذَا خُصَّ الْعَامُّ بِتَخْصِيصٍ آخَرَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ نَعَمْ يَصْلُحُ التَّخْصِيصُ فِي الْآيَةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ الرَّازِيّ حَيْثُ مَنَعَ مُطْلَقًا وَعَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ تَوَقَّفَ قَوْلُهُ: {مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ الْأَبْكَارِ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ) لَعَلَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلِّمُ ذَلِكَ، وَثَبَتَ حُكْمُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ هَذَا الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَبِالْفَحْوَى) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ نَفْسِ الْفَحْوَى إذَا لَمْ يَعُدْ التَّخْصِيصُ فِيهِ بِالنَّقْضِ عَلَى الْمَلْفُوظِ مِثْلَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيُخَصُّ بِمَا إذَا لَمْ تَفْجُرْ الْأُمُّ مَثَلًا، وَيَرْتَدَّ الْأَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ عَلَى أَصْلِهِ بِالنَّقْضِ فَلَا يَجُوزُ مِثْلُ أَنْ يُبَاحَ ضَرْبُ الْوَالِدَيْنِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مَعَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، وَكَذَا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى ثُبُوتِ مِثْلِ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ كَمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ إلَخْ) لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ قِيَاسِيَّةٍ، وَإِلَّا تَكَرَّرَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ فِي الْأَرْجَحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْفَحْوَى، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ دَلِيلَ مُقَابِلِ الْأَرْجَحِ فِي دَلِيلِ الْخِطَابِ جَارٍ هُنَا فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ ذَلِكَ الْمُقَابِلِ هُنَا وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ الْفَحْوَى أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَرَى فِيهَا قَوْلٌ: إنَّهَا مَنْطُوقٌ كَمَا سَبَقَ فَهِيَ إمَّا مَنْطُوقٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ لِفَوْتِهَا؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجْرِ فِيهَا هَذَا الْمُقَابِلُ تَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ) أَيْ عَلَى الْفَرْدِ، وَهُوَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومٌ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ) أَيْ بِأَنَّ الْمَنْطُوقَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ، وَهُمَا الْمَفْهُومُ وَالْعَامُّ) أَيْ مَفْهُومُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَالْعَامُّ، وَهُوَ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْمَفْهُومُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ خَصَّ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ) أَيْ خَصَّ عُمُومَ الْمَاءِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ كَذَا مَثَّلَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا أَنَّ الْكُلَّ مَثَّلُوا بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَارٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ عَامٌّ عَلَى وَجْهٍ وَخَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَالْأَوَّلُ عَامٌّ مِنْ جِهَةِ حَمْلِ الْخَبَثِ، وَهُوَ التَّنَجُّسُ فِيمَا تَغَيَّرَ وَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَخَاصٌّ مِنْ جِهَةِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَالثَّانِي عَامٌّ مِنْ حَيْثُ الْقُلَّتَانِ وَدُونَهُمَا، وَخَاصٌّ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ بِالتَّغَيُّرِ، وَلَيْسَ تَخْصِيصُ عُمُومِ أَحَدِهِمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَيُوقَفُ حَتَّى يُرَجَّحَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِدَلِيلٍ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ هُوَ الثَّانِي هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى

إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» بِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . (وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ وَتَقْرِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: الْوِصَالُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ثُمَّ فَعَلَهُ أَوْ أَقَرَّ مَنْ فَعَلَهُ وَقِيلَ: لَا يُخَصِّصَانِ بَلْ يَنْسَخَانِ حُكْمَ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَسَاوِي النَّاسِ فِي الْحُكْمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ النُّسَخِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْمَال الدَّلِيلَيْنِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَطْفَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ) وَعَكْسَهُ الْمَشْهُورُ (لَا يُخَصِّصُ) الْعَامَّ وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ إلَخْ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ رِيحٌ وَلَوْنٌ، وَالْحُكَمَاءُ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ؛ إذْ هُوَ عُنْصُرٌ بَسِيطٌ، وَالْبَسَائِطُ لَا لَوْنَ لَهَا وَلَا رِيحَ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ رِيحُهُ الْعَارِضُ عَلَيْهِ إلَخْ وَقَدْ دَلَّ بَسْطُنَا ذَلِكَ عَلَى حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فِي وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ) أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا فَهُوَ عَامٌّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَعْنَى إذَا بَلَغَ فِي الِانْتِقَاصِ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ أَيْ فَيُنَجَّسُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ) أَيْ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (قَوْلُهُ: بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) إنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ بِالسُّنَّةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا بِالْفَتْحِ؛ إذْ لَا عُمُومَ لَهُ بَلْ مُخَصِّصًا بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ: وَتَقْرِيرُهُ) وَهَلْ التَّخْصِيصُ بِنَفْسِ تَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ سَبْقِ قَوْلٍ بِهِ فَيُسْتَدَلُّ بِتَقْرِيرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خُصَّ بِقَوْلٍ سَابِقٍ؛ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْعَامِّ إلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ، فَتَقْرِيرُهُ دَلِيلُ ذَلِكَ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَإِلْكِيَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَالطَّبَرِيُّ إنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ أَفَادَهُ الْبِرْمَاوِيُّ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الْوِصَالُ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ مَحَلُّ كَوْنِهِ تَخْصِيصًا إذَا كَانَ الْعُمُومُ شَامِلًا لَهُ وَلِلْأُمَّةِ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مَثَلًا ثُمَّ يَفْعَلُ الْفِعْلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا أَوْجَبْنَا التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ عَنْ الْكُلِّ، وَذَلِكَ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُمُومُ لِلْأُمَّةِ دُونَهُ فَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ، وَقَدْ مُثِّلَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَاسْتِدْبَارِهَا ثُمَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ شَامِلٌ لِلصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ فَيَحْرُمُ فِيهِمَا، وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُصَّ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ فَالتَّخْصِيصُ لِلْبَيَانِ مِنْ الْعُمُومِ سَوَاءٌ هُوَ وَالْأُمَّةُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَلْ يَنْسَخَانِ حُكْمَ الْعَامِّ) أَيْ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ مَنْسُوخَةً عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ ثُمَّ إنَّ هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهُ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فَتَقْرِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدًا مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَامِّ فَهَلْ يَكُونُ تَخْصِيصًا إذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ التَّقْرِيرِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ مُسَاوَاةُ الَّذِي قَرَّرَهُ لِغَيْرِهِ كَانَ تَخْصِيصًا، وَإِنْ ثَبَتَ الْمُسَاوَاةُ لِجَمِيعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ أَوْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ كَانَ نَاسِخًا، وَمَثَّلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مَا يَكُونُ تَخْصِيصًا «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ، وَكَذَا تَقْرِيرُهُ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ لِمَنْ نَامَ قَاعِدًا» اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ تَسَاوِي النَّاسِ فِي الْحُكْمِ) لَعَلَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إنْ اُشْتُهِرَ كَوْنُ الْفِعْلِ مِنْ خَصَائِصِهِ

أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ مِثَالُ الْعَكْسِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» يَعْنِي كَافِرٌ حَرْبِيٌّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ بِغَيْرِ الْحَرْبِيِّ فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: يُقَدَّرُ الْحَرْبِيُّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي صِفَةِ الْحُكْمِ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَ بِهِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِكَافِرٍ وَلَا الْمُسْلِمُ بِكَافِرٍ فَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْأَوَّلِ الْحَرْبِيُّ فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الثَّانِي الْحَرْبِيُّ أَيْضًا لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّمْثِيلُ بِالْحَدِيثِ لِمَسْأَلَةِ: إنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (رُجُوعَ الضَّمِيرِ أَوْ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ حَذَرًا مِنْ مُخَالَفَةِ الضَّمِيرِ لِمَرْجِعِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي الْمُخَالَفَةِ لِقَرِينَةٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] فَضَمِيرُ بُعُولَتِهِنَّ لِلرَّجْعِيَّاتِ وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ وَالْمُطَلَّقَاتُ مَعَهُنَّ الْبَوَائِنَ وَقِيلَ لَا وَيُؤْخَذُ حُكْمُ الْبَوَائِنِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (مَذْهَبَ الرَّاوِي) لِلْعَامِّ بِخِلَافِهِ لَا يُخَصِّصُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُخَصَّ بِهِ، وَإِلَّا خُصَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ إلْكِيَا: إنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ: وَلِهَذَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُحْرِمٌ» عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) يُحْتَمَلُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ كَذَلِكَ، وَالنَّصْبُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ عَطْفَ، وَقَوْلُهُ الْمَشْهُورُ أَيْ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي عَكْسِهِ أَيْضًا الِاتِّحَادُ الْمُدْرَكُ وَفِيهِ إيمَاءٌ لِعُذْرِ الْمُصَنِّفِ فِي تَرْكِهِ الْعَكْسَ (قَوْلُهُ: أَيْ يَقْصُرُهُ إلَخْ) هَذَا مَعْنًى آخَرَ لِلتَّخْصِيصِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمَ قَصْرُهُ عَلَى مَا عَدَا الْخَاصَّ (قَوْلُهُ: وَصِفَتُهُ) وَمِنْهَا الْخُصُوصُ وَتَعْمِيمُ الْخَاصِّ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَمْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْعَكْسِ) قَدَّمَهُ لِوُرُودِ مِثَالِهِ وَلِأَنَّهُ الَّذِي اُشْتُهِرَ فِيهِ الْخِلَافُ فَقَدَّمَهُ اعْتِنَاءً بِهِ قَوْلُهُ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قَالَ الشِّهَابُ الْعَامُّ الْكَافِرُ الْأَوَّلُ وَالْخَاصُّ الْكَافِرُ الْمُقَدَّرُ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِرِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ مَعْطُوفٌ بِالْوَاوِ الدَّاخِلَةِ عَلَى: وَلَا ذُو عَهْدٍ فَإِنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ عَطَفَ ذُو عَلَى مُسْلِمٍ وَبِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ عَلَى بِكَافِرٍ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَوْ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ الْمُعَاهَدِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِتَقْدِيرِ الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ (قَوْلُهُ: فِي صِفَةِ الْحُكْمِ) وَهِيَ الْحِرَابَةُ، وَهِيَ صِفَةٌ خَاصَّةٌ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا صِفَةً لِلْحُكْمِ أَنَّهَا صِفَةٌ لِمُتَعَلِّقِهِ، وَهُوَ الشَّخْصُ الْكَافِرُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ صِحَّةَ التَّمْثِيلِ بِهِ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ فَالتَّمْثِيلُ بِهِ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ أَيْ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ، وَالتَّمْثِيلُ بِهِ هُنَاكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ (قَوْلُهُ: وَرُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَخْ) قَدْ يُعَبَّرُ بَدَلَ الضَّمِيرِ بِمَا يَعُمُّهُ وَغَيْرُهُ؛ لَأَنْ يُقَالَ: تَعْقِيبُ الْعَامِّ بِمَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِهِ لَا يُخَصِّصُهُ فِي الْأَصَحِّ وَالْغَيْرُ كَالْمُحَلَّى بِأَلْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ كَأَنْ يُقَالَ بَدَلَ: " وَبُعُولَتُهُنَّ " إلَخْ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِقَوْلِهِ: " الْمُطَلَّقَاتُ " أَوْ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ اهـ. ز (قَوْلُهُ: لَا مَحْذُورَ) بَلْ فِيهِ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الِاسْتِخْدَامُ (قَوْلُهُ: وَالْمُطَلَّقَاتُ) أَيْ مِنْ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ غَيْرِ الْحَوَامِلِ وَغَيْرُهُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ وَكُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَكُنَّ أَحْرَارًا فَفِي الْآيَةِ تَخْصِيصَاتٌ (قَوْلُهُ: أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَقَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ أَيْ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ (قَوْلُهُ: وَيَشْمَلُ) أَيْ فَالْمُطَلَّقَاتُ عَامٌّ فِي الْبَائِنَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ فَلَا يَخْتَصُّ التَّرَبُّصُ بِالرَّجْعِيَّاتِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ وَبِالْبَائِنَاتِ (قَوْلُهُ: مَعَهُنَّ) حَالٌ مِنْ الْبَوَائِنِ أَيْ يَشْمَلُ الْبَوَائِنَ حَالَ كَوْنِهِنَّ مَعَ الرَّجْعِيَّاتِ فِي الشُّمُولِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَشْمَلُ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ الْمُتَضَمَّنُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الرَّجْعِيَّاتُ مَدْلُولًا تَضْمِينًا لِلْمُتَضَمِّنِ عَلَى صِفَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ مُرَادًا بِهِنَّ الرَّجْعِيَّاتُ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ، وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ، وَوُجُوبُ تَرَبُّصِ غَيْرِ الرَّجْعِيَّاتِ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: لِلْعَامِّ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّاوِي وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ وَبِخِلَافِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَذْهَبٍ أَوْ حَالٌ مِنْهُ

(وَلَوْ) كَانَ (صَحَابِيًّا) وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ كَانَ صَحَابِيًّا وَقِيلَ إنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ غَيْرُ الرَّاوِي لِلْعَامِّ بِخِلَافِهِ يُخَصِّصُهُ أَيْضًا أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا مَحَلَّ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ دَلِيلٍ، قُلْنَا: فِي ظَنِّ الْمُخَالِفِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا كَمَا سَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَعَ قَوْلِهِ: إنْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ كَمَا هُوَ قَوْلٌ تَقَدَّمَ. (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ) بِحُكْمِ الْعَامِّ (لَا يُخَصِّصُ) الْعَامَّ، وَقِيلَ: يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ بِمَفْهُومِهِ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا ذَلِكَ قُلْنَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْبَعْضِ نَفْيُ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» مَعَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ صَحَابِيًّا) لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالْعَامُّ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ صَحَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ مَذْهَبَ إلَخْ) خَارِجٌ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الرَّاوِي (قَوْلُهُ: يُخَصِّصُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُخَصِّصُهُ مَذْهَبُ الرَّاوِي، وَهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: مَا عَدَا إلَخْ) وَهِيَ الْأَفْرَادُ الَّتِي أُخْرِجَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلُ الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَيْ وَإِذَا صَدَرَتْ عَنْ دَلِيلٍ جَازَ أَنْ تَكُونَ مُخَصِّصَةً (قَوْلُهُ: فِي ظَنِّ الْمُخَالِفِ) أَيْ الْمُخَالَفَةِ أَيْ هُوَ دَلِيلٌ فِي ظَنِّهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ أَخَصُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّاوِي الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ) عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ عَنْهُ) وَإِلَّا فَقَدْ طَعَنَ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ بِالْوَضْعِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُرْتَدَّةِ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ لِعُمُومِ مَرْوِيِّهِ اهـ ز (قَوْلُهُ: أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ إلَخْ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمِثَالُ لَا يُخَصِّصُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَخُصُّ) كَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْمَتْنِ وَشَرَحَ عَلَيْهَا الْعِرَاقِيُّ قَالَ: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ بِأَخُصُّ مِنْ حُكْمِ الْعُمُومِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ لِذَلِكَ الْفَرْدِ جَمِيعَ الْحُكْمِ الْعَامِّ، أَوْ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ حَدِيثِ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ إلَّا فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِذِكْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحُكْمِ الْعَامِّ) وَأَمَّا بِغَيْرِ حُكْمِهِ فَيُخَصِّصُهُ مِنْ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: لَا يُخَصِّصُ) خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدَّرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ لِبَيَانِ الْمَعْنَى، وَأُفْرِدَ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا عُطِفَ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ نَحْوُ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] هَلْ يَدُلُّ الْعَطْفُ عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: لَا يَدْخُلُ، وَلَوْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِفْرَادِ فَائِدَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَدْخُلُ، وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ، وَكَأَنَّهُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: إلَّا ذَلِكَ) أَيْ التَّخْصِيصُ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) أَيْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِهِ فَيُخَصِّصُ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الْمَذْكُورُ لَقَبًا فَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا بِمَفْهُومِهِ، وَبِهِ قَالَ الْعَضُدُ وَالْحَقُّ عَدَمُ التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَنْطُوقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ) أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْهُ وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ: إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَيْتَةٍ) بِالتَّشْدِيدِ، وَالتَّخْفِيفُ فِي الْمَيِّتِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا مَا سَيَمُوتُ فَبِالتَّشْدِيدِ لَا غَيْرُ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] قَوْلُهُ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا» لَا يَتَأَتَّى دَعْوَى التَّخْصِيصِ إلَّا إذَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: إنَّهَا مَيْتَةٌ؛ إذْ لَوْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ لَمْ يَقْوَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ الْحُكْمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيُّمَا إهَابٍ إلَخْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ تَأْخِيرُ الْمُخَصَّصِ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ تَأَمَّلْ

فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» . وَرَوَى مُسْلِمٌ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَالْبُخَارِيُّ الثَّانِيَ بِلَفْظِ «هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا» إلَخْ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَادَةَ بِتَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورِ) بِهِ أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ (تُخَصِّصُ) الْعَامَّ أَيْ تَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا الْمَتْرُوكَ أَوْ الْمَفْعُولَ (إنْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِأَنْ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ وَعَلِمَ بِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا (أَوْ الْإِجْمَاعُ) بِأَنْ فَعَلَهَا النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ) أَيْ وَالِانْتِفَاعُ يَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ، وَقَدْ يَمْنَعُ الِاسْتِلْزَامَ بِأَنَّ الْجِلْدَ النَّجِسَ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ؛ إذْ مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ، وَإِرَادَةُ بَعْضِ الِانْتِفَاعَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَوْلُهُ: «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» أَيْ لَا الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا (قَوْلُهُ: وَرَوَى مُسْلِمٌ) بَيَانٌ لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الرِّوَايَتَيْنِ وَتَفْوِيتِهَا اهـ. زَكَرِيَّا. وَبِخَطِّ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الْغُنَيْمِيِّ أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا بِأَنَّ مَنْ نَسَبَهَا فِي الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى مُسْلِمٍ فَقَدْ وَهَمَ (قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَادَةَ بِتَرْكِ إلَخْ) أَيْ الْجَارِيَةِ بِتَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَأَنْ قِيلَ: فِي النَّعَمِ زَكَاةٌ وَاعْتَادُوا تَرْكَهَا فِي الْغَنَمِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِفِعْلِ إلَخْ كَأَنْ قِيلَ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا ثُمَّ اعْتَادُوا بَيْعَ الْبُرِّ بِمِثْلِهِ مُتَفَاضِلًا، وَالْمُرَادُ الْعَادَةُ اللَّاحِقَةُ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي الْعَادَةُ السَّابِقَةُ (قَوْلُهُ: الْمَأْمُورِ بِهِ) أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَرْكَهُ يُخَصِّصُ؛ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْرَ نَدْبٍ لَا يُنَافِي تَرْكَهُ كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ تَحْرِيمًا؛ إذْ هُوَ الَّذِي يُنَافِي فِعْلَهُ كَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِعْلَهُ تَخْصِيصٌ كَذَا قَالُوا هُنَا، وَفِيهِ تَوَقُّفٌ فَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ النَّظْمِ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْهُ أَنَّ تَقْرِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْمُجَرَّدَةِ، أَوْ يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ أَيْضًا قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا أَسْتَحْضِرُ فِيهِ نَقْلًا، وَمَالَ إلَى الْإِبَاحَةِ، وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ أَبِي نَصْرِ بْنِ الْقُشَيْرِيِّ وَحَكَى التَّوَقُّفَ فِيهَا عَنْ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَّحَ الْحَمْلَ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ اهـ. وَحَيْثُ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَا قَالُوا، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالُ: وَلَوْ كَانَ أَمْرَ نَدْبٍ وَنَهْيَ كَرَاهَةٍ يَحْصُلُ التَّخْصِيصُ بِهَا، وَتُسْتَفَادُ الْإِبَاحَةُ الْمُجَرَّدَةُ تَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: بِصِيغَةِ الْعُمُومِ) يَتَنَازَعُهُ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْإِجْمَاعُ) بِأَنْ عَلِمَ جَرَيَانَهَا مِنْ بَعْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِهِ مُحَالٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ فَعَلَهَا النَّاسُ) أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ

مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ، وَالْمُخَصِّصُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّقْرِيرُ أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ بِخِلَافِ مَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا تَوَسُّطٌ لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بَيْنَ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ التَّخْصِيصَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا إجْمَاعٌ فِعْلِيٌّ، وَبَعْضِهِمْ عَدَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَا عَلَى مَا وَرَاءَهُ) أَيْ وَرَاءَ الْمُعْتَادِ (بَلْ تُطْرَحُ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِّ فِي الثَّانِي. (الْعَادَةُ السَّابِقَةُ) عَلَيْهِ فَيَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَقِيلَ: يُقْصَرُ عَلَى مَا ذُكِرَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ تَنَاوُلَ الْبُرِّ ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ بَيْعَ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالْأَصَحُّ لَا فِيهِمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ) قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ لَفْظٌ لَا يُعْرَفُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجِوَارِ» وَهُوَ مُرْسَلٌ (لَا يَعُمُّ) كُلَّ جَارٍ وَنَحْوَهُ (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) وَقِيلَ: يَعُمُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى فَلَوْلَا ظُهُورُ عُمُومِ الْحُكْمِ مِمَّا صَدَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْتَهِدِينَ؛ إذْ لَوْ فَعَلَهَا جَمِيعُ النَّاسِ، أَوْ الْمُجْتَهِدُونَ كَانَ إجْمَاعًا بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِالتَّقْرِيرِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى لَا الْمُقَابِلَ لِلْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ كُلُّهُمْ (قَوْلُهُ: وَالْمُخَصِّصُ فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ فَفِي إسْنَادِ التَّخْصِيصِ إلَى الْعِدَّةِ تَسَمُّحٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَصِّصَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ فَقَوْلُهُ: أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِشُمُولِ التَّقْرِيرِ لَهُ؛ إذْ الْمُرَادُ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَقْرِيرُ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ عَلِمَ بِهَا وَأَنْكَرَهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا) أَيْ بَعْدَ زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: تَوَسُّطٌ لِلْإِمَامِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ يَنْزِلَانِ عَلَى تَفْصِيلِ الْإِمَامِ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا. (قَوْلُهُ: إنَّ الْعَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى الْمُعْتَادِ) هَذِهِ غَيْرُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْعَادَةِ السَّابِقَةِ عَلَى وُرُودِ الْعَامِّ، وَتِلْكَ فِي الْعِدَّةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. اهـ ز. (قَوْلُهُ: بَلْ تُطْرَحُ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِّ فِي الثَّانِي الْعَادَةُ السَّابِقَةُ قَيَّدَ بِالثَّانِي مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِثْلُهُ فِي أَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْأَوَّلِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَامِّ حَتَّى تُطْرَحَ مِنْهُ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ فِي مِثَالِهِ تَنَاوَلَ الْبُرَّ، وَالْعَامُّ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي فِي مِثَالِهِ فَإِنَّهَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ يَنْدَرِجُ فِي حُكْمِ الْعَامِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَهَى إلَخْ) أَتَى بِثُمَّ أَخْذًا مِنْ الْمَتْنِ حَيْثُ قَالَ السَّابِقَةُ فَعُلِمَ أَنَّ وُرُودَ الْعَامِّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ) أَيْ مُجَرَّدَةً عَنْ تَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ؛ إذْ لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُتَّجَهْ إلَّا التَّخْصِيصُ، وَقَصْرُ الْعَامِّ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ: بِالْجَوَازِ) أَيْ بِحَقِّهِ، وَمِنْهُ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ: لَا يَعُمُّ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ حُكْمٌ فِي جُزْئِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) بِنَصْبِهِ عَطْفًا عَلَى " كُلَّ " أَيْ فَيُقَالُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ نَحْوِ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» لَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعِ غَرَرٍ فَاسْتِدْلَالُ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ نَظَرُوا فِيهِ لِلْإِطْلَاقِ لَا لِلْعُمُومِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْعُمُومِ: الْفِعْلُ الْمُثْبَتُ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِعْلَ لَا صِيغَةَ لَهُ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ صِيغَةٍ، وَقَدْ يَفْهَمُ الرَّاوِي مِنْهَا الْعُمُومَ لِيَرْوِيَهُ كَذَلِكَ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: عَارِفٌ بِاللُّغَةِ) أَيْ بِقَرَائِنِهَا

[مسألة جواب السائل غير المستقل دونه]

لَمْ يَأْتِ هُوَ فِي الْحِكَايَةِ لَهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ كَالْجَارِ قُلْنَا: ظُهُورُ عُمُومِ الْحُكْمِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ، وَلَا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ، وَنَحْوُ قَضَى إلَخْ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَقِيلَ يَعُمُّ كُلَّ غَرَرٍ. (مَسْأَلَةٌ جَوَابُ السَّائِلِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ دُونَهُ) أَيْ دُونَ السُّؤَالِ (تَابِعٌ لِلسُّؤَالِ فِي عُمُومِهِ) وَخُصُوصِهِ، الْعُمُومُ كَحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يَأْتِ هُوَ) أَيْ مَعَ كَوْنِ الْقَضَاءِ حُكْمًا فِي جُزْئِيَّةٍ لَا يَعُمُّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَيْسَ لَنَا اتِّبَاعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا اتِّبَاعُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَعُمُّ كُلَّ غَرَرٍ) وَإِلَّا لَزِمَ بُطْلَانُ كُلِّ مَا فِيهِ غَرَرٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ صَحَّحُوا كَثِيرًا مِمَّا فِيهِ غَرَرٌ كَبَيْعِ الرَّقِيقِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ نَحْوِ عَوْرَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِهَا مَا يُنْقِصُ قِيمَتَهَا وَيُنَفِّرُ عَنْهُ، وَبَيْعُ الْكِرْبَاسِ مَعَ رُؤْيَةِ أَحَدِ وَجْهَيْهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ مَا ذُكِرَ وَبَيْعُ الصُّبْرَةُ مَعَ رُؤْيَةِ ظَاهِرِهَا فَقَطْ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِبَاطِنِهَا مَا ذُكِرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى، فَإِنْ قُلْت: عَدَمُ حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ يُنَافِي الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَعْضِ بُيُوعِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُطْلَقٌ فَيَكْفِي صُورَةً، وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ اسْتِدْلَالُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ كَثِيرٍ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ، قُلْت: لَا نُسَلِّمُ الْمُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَهِمَ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ الْغَرَرُ صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ غَرَرٌ لَكِنْ لَمَّا أَفَادَتْ الْأَدِلَّةُ صِحَّةَ كَثِيرٍ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ عَلِمْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَ فِيهَا مُطْلَقُ الْغَرَرِ بَلْ الْغَرَرُ الشَّدِيدُ، وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ انْدِفَاعُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَمَالُ تَأَمَّلْ سم. [مَسْأَلَةٌ جَوَابُ السَّائِلِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ دُونَهُ] (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ) وَهُوَ مَا لَا يُفِيدُ بِدُونِ السُّؤَالِ كَنَعَمْ وَبَلَى أَيْ لَوْ اُبْتُدِئَ بِهِ لَمْ يُفِدْ، وَغَيْرُ مَرْفُوعٌ صِفَةٌ لِ " جَوَابٌ " (قَوْلُهُ: أَيْ دُونَ السُّؤَالِ) أَيْ الْمَفْهُومِ مِنْ السَّائِلِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ السَّائِلِ بِالسُّؤَالِ وَبَدَلَ السُّؤَالِ بَدَلَهُ كَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ لِيَكُونَ الضَّمِيرُ لَهُ مَرْجِعٌ ثُمَّ إنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ السُّؤَالِ أَوْ أَخَصَّ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لَكِنْ يَتَعَطَّلُ مِنْهَا صُورَتَانِ، وَهُمَا كَوْنُ الْجَوَابِ أَعَمَّ مِنْ السُّؤَالِ، أَوْ أَخَصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ الصُّوَرُ السِّتَّةُ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ (قَوْلُهُ: تَابِعٌ لِلسُّؤَالِ فِي عُمُومِهِ) اُخْتُلِفَ فِي جِهَةِ عُمُومِهِ فَقِيلَ لِعَدَمِ اسْتِفْصَالِهِ عَنْ حَالِهِ وَقِيلَ لِعُمُومِ عِلَّةِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلسَّائِلِ وَغَيْرِهِ وَجُعِلَ مِنْ هَذَا حَدِيثُ «أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ مُفَسِّرٍ فَلَمْ يَسْتَقِلَّ الْجَوَابُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ هُوَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ فَيَكُونَ الْجَوَابُ مُسْتَقِلًّا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ (قَوْلُهُ: سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ) الظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ بِنَحْوِ هَلْ يُبَاعُ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ لَا بِنَحْوِ هَلْ أَبِيعُ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ، وَإِلَّا كَانَ السُّؤَالُ خَاصًّا

فَلَا إذَنْ» فَيَعُمُّ كُلَّ بَيْعٍ لِلرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَالْخُصُوصُ كَمَا «قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِلٌ: تَوَضَّأْت مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ يُجْزِيكَ» فَلَا يَعُمُّ غَيْرَهُ (وَالْمُسْتَقِلُّ) دُونَ السُّؤَالِ (الْأَخَصُّ) مِنْهُ (جَائِزٌ إذَا أَمْكَنَتْ مَعْرِفَةُ الْمَسْكُوتِ) مِنْهُ كَأَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ» كَالْمُظَاهِرِ فِي جَوَابِ مَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مَاذَا عَلَيْهِ فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: جَامَعَ أَنَّ الْإِفْطَارَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ تُمْكِنْ مَعْرِفَةُ الْمَسْكُوتِ مِنْ الْجَوَابِ فَلَا يَجُوزُ لِتَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (وَالْمُسَاوِي وَاضِحٌ) كَأَنْ يُقَالَ: مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ كَالظِّهَارِ فِي جَوَابِ مَاذَا عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَكَأَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ: جَامَعْت فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مَاذَا عَلَيَّ: عَلَيْك كَفَّارَةٌ كَالظِّهَارِ. وَالْأَعَمُّ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَالْعَامُّ) الْوَارِدُ عَلَى (سَبَبٍ خَاصٍّ) فِي سُؤَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (مُعْتَبَرٌ عُمُومُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ) نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ: هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّبَبِ لِوُرُودِهِ فِيهِ، مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلَا إذْنَ) هُوَ الْجَوَابُ وَهُوَ عَامٌّ لِكُلِّ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ صَدَرَ مِنْ السَّائِلِ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِدُونِ السُّؤَالِ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: فَيَعُمُّ كُلَّ بَيْعٍ) صَدَرَ مِنْ السَّائِلِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: يُجْزِيك) مِثَالٌ لِكَوْنِ الْجَوَابِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ وَخَاصٍّ بِالسَّائِلِ عَنْ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَا يَعُمُّ غَيْرَ السَّائِلِ فَالضَّمِيرُ فِي لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لِلسَّائِلِ، وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ لِلْوُضُوءِ وَالْمَعْنَى يُجْزِيك أَيْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ فَلَا يَعُمُّ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الْوُضُوءِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَقِلُّ) وَهُوَ بِحَيْثُ لَوْ اُبْتُدِئَ بِهِ كَانَ مُفِيدًا لِلْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: الْأَخَصُّ) أَيْ بِحَسَبِ مَنْطُوقِهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ مُسَاوِيًا (قَوْلُهُ: جَائِزٌ) أَيْ الْإِجَابَةُ بِهِ جَائِزَةٌ صَحِيحَةٌ، أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى جَائِزُ الْوُقُوعِ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِهِ لُغَةً وَلَا شَرْعًا (قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ الْمَسْكُوتِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَسْكُوتِ، وَمِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِ " مَعْرِفَةُ " وَضَمِيرُهُ يَرْجِعُ لِلْجَوَابِ لَا يُقَالُ: إذَا كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ مُمْكِنَةً كَانَ مُسَاوِيًا لَا أَخَصَّ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَخَصِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْمَنْطُوقِ، وَالْمُسَاوَاةُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ، وَإِمْكَانُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَوَابِ تَنْبِيهٌ عَلَى حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ السَّائِلُ أَهْلًا لِلتَّنْبِيهِ لِذَلِكَ، وَأَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْعَمَلِ زَمَنٌ يَسَعُ التَّأَمُّلَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّنْبِيهُ (قَوْلُهُ: كَالْمُظَاهِرِ) التَّشْبِيهُ تَامٌّ عَلَى مَذْهَبِنَا - مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ - فَإِنَّ كَفَّارَةَ الصَّوْمِ عِنْدَنَا مُرَتَّبَةٌ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ مُخَيَّرَةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ أَفْطَرَ إلَخْ) عَامٌّ يَشْمَلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ جَامَعَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَنْ جَامَعَ إلَخْ فِي قُوَّةِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ الْمُؤْذِنِ بِالْعِلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ إلَخْ) مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ فِي ضِمْنِ الْعَامِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَالْعَامُّ إلَخْ غَيْرُ قَاصِرٍ عَلَى الْجَوَابِ وَالسُّؤَالِ (قَوْلُهُ وَالْمُسَاوِي وَاضِحٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا أَمْ لَا؛ وَلِهَذَا مَثَّلَ الشَّارِحُ لَهُ بِمِثَالَيْنِ أَوَّلُهُمَا لِلْمُسْتَقِلِّ، وَالثَّانِي لِغَيْرِهِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَطْفِ الْمُسَاوِي عَلَى الْمُسْتَقِلِّ، وَفِيهِ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَالْأَوْجَهُ عَطْفُهُ عَلَى الْأَخَصِّ، وَالْمُسَاوِي صَادِقٌ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْعُمُومِ، وَفِي الْخُصُوصِ فَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِلْعُمُومِ، وَالثَّانِي لِلْخُصُوصِ لَكِنْ بِزِيَادَةِ إنْ جَامَعْت فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بَعْدُ عَلَيْك قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: فِي سُؤَالٍ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ السُّؤَالُ عَامًّا، أَوْ لَا وَفِي سُؤَالٍ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِسَبَبٍ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: الْوَارِدُ أَوْ فِي شَأْنِ سُؤَالٍ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ وَالْعَامُّ إلَخْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ جَوَابُ السَّائِلِ إلَخْ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ) إذْ الْحُجَّةُ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَالسَّبَبُ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: هُوَ مَقْصُودٌ إلَخْ) نَسَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ تِلْمِيذُهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ (قَوْلُهُ: أَتَتَوَضَّأُ) بِتَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: بُضَاعَةَ) فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ أَهْلُ اللُّغَةِ يَضُمُّونَ الْبَاءَ وَيَكْسِرُونَهَا وَالْمَحْفُوظُ الضَّمُّ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ حَكَى بَعْضُهُمْ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ بَعْضُ حَوَاشِي التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ: الْحِيَضُ) جَمْعُ حِيضَةٍ كَكِسْرَةٍ وَكِسَرٍ وَدِيمَةٍ وَدِيَمٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ حَيْضَةٍ بِالْفَتْحِ كَضِيَعِ جَمْعُ ضَيْعَةٍ، وَالْمُرَادُ إلْقَاءُ خِرَقِ الْحِيَضِ

وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَيْ مِمَّا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: مِمَّا ذُكِرَ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ وُجِدَتْ (قَرِينَةُ التَّعْمِيمِ فَأَجْدَرُ) أَيْ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْعُمُومِ مِمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَسَبَبُ نُزُولِهِ عَلَى مَا قِيلَ رَجُلٌ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ فَذَكَرَ السَّارِقَةَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالسَّارِقِ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَقَطْ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] نَزَلَ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي شَأْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ لَمَّا أَخَذَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ قَهْرًا بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَخَرَجَ فَسَأَلَهُ الْعَبَّاسُ الْمِفْتَاحَ لِيَضُمَّ السِّدَانَةَ إلَى السِّقَايَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَرَدَّهُ عَلَى عُثْمَانَ بِلُطْفٍ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِذَلِكَ فَتَعَجَّبَ عُثْمَانُ مِنْ ذَلِكَ فَقَرَأَ لَهُ عَلِيٌّ الْآيَةَ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ فَذِكْرُ الْأَمَانَاتِ بِالْجَمْعِ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ. (وَصُورَةُ السَّبَبِ) الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَامُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالنَّتْنُ) فِي الْقَامُوسِ النَّتْنُ ضِدُّ الْفَوْحِ نَتُنَ كَكَرُمَ وَضَرَبَ نَتَانَةً وَأَنْتَنَ فَهُوَ مُنْتِنٌ اهـ. (قَوْلُهُ: شَيْءٌ) هَذَا هُوَ الْعَامُّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَضِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ التَّنَجُّسِ بِهِ ثَابِتًا بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: أَيْ وُجِدَتْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ أَيْ أَوْلَى إلَخْ وَهَلْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ، أَوْ يُقْطَعُ بِالتَّعْمِيمِ لِلْقَرِينَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى قَصْرِهِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ تَعْمِيمِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ) وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِزِيَادَةِ لَوْ وَيَرِدُ عَلَيْهَا أَنَّ لَوْ لِلنَّفْيِ، وَلَمْ لِلنَّفْيِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَتَكُونُ الْقَرِينَةُ مَوْجُودَةً، وَهُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَنُسْخَةُ حَذْفِهَا أَوْلَى (قَوْلُهُ: عَلَى مَا قِيلَ) عَبَّرَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْبَيْهَقِيّ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لَكِنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقٍ مِنْهَا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ صَفْوَانَ وَرَجَّحَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اهـ. ز. وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ابْنِ بَيْرَقٍ وَسَارِقِ الدِّرْعِ الْمَذْكُورِ وَقِصَّتُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فِي آيَةِ {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} [النساء: 108] (قَوْلُهُ: قَهْرًا) لِامْتِنَاعِهِ مِنْ دَفْعِ الْمِفْتَاحِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْلًا، وَقَالَ: لَمْ تُفْتَحْ الْكَعْبَةُ لَيْلًا أَبَدًا فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُسَمِّيهِ اللَّهُ أَمَانَةً مَعَ أَخْذِهِ قَهْرًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَصْبًا إلَّا إذَا كَانَ الْآخِذُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَالْآخِذُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُسْتَحِقٌّ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: السِّدَانَةَ) أَيْ خِدْمَةَ الْبَيْتِ وَالسِّقَايَةَ أَيْ سِقَايَةَ زَمْزَمَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَعَ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: فَأَسْلَمَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ فَأَظْهَرَ إسْلَامَهُ؛ إذْ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالْمُزَنِيُّ وَالذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: فَذَكَرَ الْأَمَانَاتِ بِالْجَمْعِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ قَرِينَةُ التَّعْمِيمِ أَمْ لَا نَعَمْ لَوْ وُجِدَتْ قَرِينَةُ الْخُصُوصِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ كَالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَإِنَّ سَبَبَهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى امْرَأَةً حَرْبِيَّةً فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ مَقْتُولَةً» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْحَرْبِيَّاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُرْتَدَّةَ، وَإِنَّمَا قُتِلَتْ لِخَبَرِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» اهـ. ز. (قَوْلُهُ: وَصُورَةُ السَّبَبِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا) أَيْ

(قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ) فِيهِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ لِوُرُودِهِ فِيهَا (فَلَا يُخَصُّ) مِنْهُ (بِالِاجْتِهَادِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ: هِيَ (ظَنِّيَّةٌ) كَغَيْرِهَا فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا لَزِمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُسْتَفْرَشَةِ لَا يَلْحَقُ سَيِّدَهَا مَا لَمْ يَقْرَبْهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّحَاقِ الْإِقْرَارُ إخْرَاجُهُ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» الْوَارِدِ فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ الْمُخْتَصِمِ فِيهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَك يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ (قَالَ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَجْلِهَا وَهَذَا كَالتَّوْضِيحِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا (قَوْلُهُ: قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهَا سَبَبًا مَعْنًى، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قَطْعِيَّةِ الدُّخُولِ وَمُحَصِّلُهُ كَمَا قَالَ سم هَلْ كَوْنُهَا سَبَبًا قَرِينَةٌ عَلَى دُخُولِهَا قَطْعًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَلَا تَخْتَصُّ مِنْهُ بِالِاجْتِهَادِ) خَصَّ الِاجْتِهَادَ بِالذِّكْرِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِمُقَابِلِهِ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ لَا يُخَصِّصُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَنْسَخُهُ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ) رُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ؛ وَلِذَلِكَ اُنْتُقِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ " الْأَكْثَرِ " وَمَا يَأْتِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَازِمٌ لِمَذْهَبِهِ وَلَيْسَ قَائِلًا بِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَزِمَ) أَيْ كَلُزُومِ الْإِخْرَاجِ فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ (قَوْلُهُ: نَظَرًا) أَيْ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّ الْأَصْلَ) أَيْ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: إخْرَاجُهُ) فَاعِلُ لَزِمَ الضَّمِيرُ لِلْوَلَدِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّ الْفُرُشَ عِنْدَهُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ، وَالْأَمَةُ فِي الْحَدِيثِ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَالِاحْتِيَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ عِنْدَهُ فِي غَيْرِهَا فَلَمْ تَكُنْ صُورَةُ السَّبَبِ خَارِجَةً عِنْدَهُ، وَلَا يُخَالِفُ فِيهَا؛ إذْ كَيْفَ بِخُرُوجِهَا مَعَ وُرُودِ الْحَدِيثِ فِيهَا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ لِزَمْعَةَ كَذَا حَقِيقَةُ الْكَمَالِ بْنِ الْهَمَّامِ قَوْلُهُ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» أَيْ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ أَمْ لَمْ يُقِرَّ فَهَذَا وَجْهُ عُمُومِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْهُ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ فَلَمْ يُثْبِتْ نَسَبَهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ (قَوْلُهُ: الْمُخْتَصَمِ فِيهِ) نَعْتٌ سَبَبِيٌّ لِابْنِ وَزَمْعَةَ اسْمُ سَيِّدِ الْأَمَةِ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ اللَّفْظِيِّ (قَوْلُهُ: عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ) هُوَ سَيِّدُ الْأَمَةِ بَعْدَ أَبِيهِ زَمْعَةَ (قَوْلُهُ: وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) يَدَّعِي أَنَّهُ وَلَدُ عُتْبَةَ عَهِدَ إلَيْهِ فِي خَلَاصِهِ، وَحَاصِلُ الْقِصَّةِ أَنَّ جَارِيَةَ زَمْعَةَ زَنَى بِهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخُو سَعْدٍ وَأَوْصَى عُتْبَةُ الْمَذْكُورُ أَخَاهُ سَعْدًا أَنَّ أَمَةَ زَمْعَةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ لَك أَيْ مَنْسُوبٌ لَك بِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيك فَادَّعِهِ ثُمَّ مَاتَ عُتْبَةُ وَكَذَلِكَ زَمْعَةُ أَوْصَى ابْنَهُ عَبْدًا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعِهِ فَإِنَّهُ لَك أَيْ أَخُوك وَمَاتَ زَمْعَةُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَمَةِ اخْتَصَمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ مَعَ سَعْدٍ أَخِي عُتْبَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ «ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ» لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَحِقَ اللَّهَ - تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُبَيِّنَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ: إنَّهَا مُعَارِضَةٌ لَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: هُوَ لَك أَيْ مِيرَاثٌ مِنْ أَبِيك، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَقُدِّمَتْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» هُوَ قَضَاءٌ بِالْمَلْكِ لِعَبْدٍ لِكَوْنِهِ وَلَدَ أَمَةِ أَبِيهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ بِنَسَبِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبِنْتِ زَمْعَةَ أَمَّا أَنْتِ يَا سَوْدَةُ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَخٍ لَك» وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» لِتَحْقِيقِ نَفْيِ النَّسَبِ عَنْ عُتْبَةَ لَا لِإِلْحَاقِهِ بِزَمْعَةَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ إقْرَارَ الْوَرَثَةِ بِبُنُوَّةِ وَلَدِ الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ مِنْ الْأَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَ السَّبَبَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ (غَرِيبَةٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِيهِ بِسَبَبِ تَصْحِيفٍ أَوْ تَحْرِيفٍ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ هَذَا أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ حَرْفُ

(وَيَقْرُبُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ صُورَةِ السَّبَبِ حَتَّى يَكُونَ قَطْعِيَّ الدُّخُولِ أَوْ ظَنِّيَّهُ (خَاصٌّ فِي الْقُرْآنِ تَلَاهُ فِي الرَّسْمِ) أَيْ رَسْمِ الْقُرْآنِ بِمَعْنَى وَضَعَهُ مَوَاضِعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتْلُهُ فِي النُّزُولِ (عَامٌّ لِلْمُنَاسِبَةِ) بَيْنَ التَّالِي وَالْمَتْلُوِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] إلَخْ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: إشَارَةٌ إلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَنَحْوِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ لَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ وَشَاهَدُوا قَتْلَى بَدْرٍ حَرَّضُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِمْ وَمُحَارَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُمْ مَنْ أَهْدَى سَبِيلًا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَمْ نَحْنُ؟ فَقَالُوا: أَنْتُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ نَعْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنْطَبِقِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ الْمَوَاثِيقِ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً لَازِمَةً لَهُمْ وَلَمْ يُؤَدُّوهَا حَيْثُ قَالُوا لِلْكُفَّارِ: أَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا حَسَدًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ التَّوَعُّدَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِلْأَمْرِ بِمُقَابِلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى إرَادَةِ الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ بَيَانُ صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِفَادَتِهِ أَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي كِتَابِهِمْ، وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ، وَذَلِكَ خَاصٌّ بِأَمَانَةٍ هِيَ بَيَانُ صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّدَاءِ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ لَك يَا عَبْدٌ ثُمَّ نَوَّنَ عَبْدٌ أَوْ جَعَلَهُ خَبَرَ هُوَ وَقَالَ إنَّمَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَك عَبْدٌ» فَأَيْنَ لُحُوقُ النَّسَبِ وَاتَّخَذَ الْحَدِيثَ حُجَّةً لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَانْظُرْ هَذِهِ الْعَجَائِبَ وَالْغَرَائِبَ (قَوْلُهُ: وَيَقْرُبُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ النَّصَّ عَلَى الْخَاصِّ بِخُصُوصِهِ يُغْنِي عَنْ إلْحَاقِهِ بِصُورَةِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ كَوْنَ صُورَةِ السَّبَبِ مَانِعٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ إخْرَاجِهِ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الْعُمُومِ فَالنَّصُّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ مَانِعٌ مِنْ الْغَايَةِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا حَتَّى يُقَدِّمَ ذَلِكَ الْخَاصَّ عَلَى خَاصٍّ آخَرَ عَارَضَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ الْعَامِّ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُّ تَالِيًا لَهُ فِي الرَّسْمِ اهـ سم (قَوْلُهُ: فِي الْقُرْآنِ) وَكَذَا فِي السُّنَّةِ عَلَى مَا بَحَثَهُ سم قَوْلُهُ: {بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] هُمَا ضَمَانٌ لِقُرَيْشٍ (قَوْلُهُ: إشَارَةٌ إلَى كَعْبٍ إلَخْ) أَيْ إلَى حَالِهِمْ (قَوْلُهُ: لَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَطَنَ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا مُتَوَطِّنِينَ بِالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَةَ كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: وَشَاهَدُوا أَيْ وَقَدْ شَاهَدُوا فِيمَا سَبَقَ قَتْلَى بَدْرٍ فَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ قَالَ سم: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً، وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمُشَاهَدَةِ سَابِقَةً عَلَى الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا (قَوْلُهُ: فَسَأَلُوهُمْ) أَيْ سَأَلَ الْمُشْرِكُونَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَنَحْوَهُ لِكَوْنِهِمْ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَمُرَادُ الْمُشْرِكِينَ بِالسُّؤَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَهْدَى سَبِيلًا فَلَا يُقَاتِلُونَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا هُمْ أَهْدَى يُقَاتِلُونَهُمْ (قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ) أَيْ أَمُحَمَّدٌ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ: فَقَالُوا أَنْتُمْ) هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {هَؤُلاءِ أَهْدَى} [النساء: 51] إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ - تَعَالَى - حِكَايَةٌ لِقِصَّتِهِمْ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ اكْتِفَاءٌ أَيْ أَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا (قَوْلُهُ: الْمُنْطَبِقِ عَلَيْهِ) نَعْتٌ لِنَعْتٍ أَيْ مَا وُجِدَ فِي كِتَابِهِمْ الدَّالِّ عَلَى النَّعْتِ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ الْكِتْمَانِ لَمَّا عَلِمُوهُ وَقَوْلُهُ: أَمَانَةً أَيْ لَازِمَةً لَهُمْ مِنْ حَيْثُ التَّأْدِيَةُ وَالْإِظْهَارُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالُوا إلَخْ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ (قَوْلُهُ: مَعَ هَذَا الْقَوْلِ) أَيْ مَعَ تَضَمُّنِهَا مَعَ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَغَرَضُهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ تَضَمَّنَهُ إلَخْ تَطْبِيقُ الشَّاهِدِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالتِّلْوِ وَالْمُنَاسَبَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، وَقَوْلُهُ: الْآيَةُ عِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ: الْآيَاتُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّهَا آيَةٌ، وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ، وَقَوْلُهُ: الْمُفِيدَ لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّ التَّوَعُّدَ يَقْتَضِي النَّهْيَ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَقَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلِ بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِلْمُقَابِلِ، وَالْمُقَابِلُ هُوَ قَوْلُهُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَهْدَى سَبِيلًا (قَوْلُهُ: بِإِفَادَتِهِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاشْتِمَالِ أَيْ اشْتِمَالِ مُقَابِلِ مَا ذُكِرَ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ يَكُونُ بِإِفَادَتِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمَوْصُوفُ فِي كِتَابِهِمْ فَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُشْتَمِلِ، وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِأَدَاءِ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ إلَخْ) أَيْ الْأَمْرُ بِالْمُقَابِلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ (قَوْلُهُ: فَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: أَيْ الْأَمْرُ بِالْمُقَابِلِ وَقَوْلُهُ: خَاصٌّ بِأَمَانَةٍ أَيْ بِأَدَائِهَا وَقَوْلُهُ: بِالطَّرِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِ " بَيَانٌ " (قَوْلُهُ: وَالْعَامُّ) أَيْ وَالْآيَةُ الَّتِي فِيهَا الْعَامُّ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ وَيَقْرُبُ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ وَمِنْهَا كَذَا

[مسألة إن تأخر الخاص عن العمل بالعام المعارض له أي عن وقته]

وَالْعَامُّ تَالٍ لِلْخَاصِّ فِي الرَّسْمِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ فِي النُّزُولِ بِسِتِّ سِنِينَ مُدَّةُ مَا بَيْنَ بَدْرٍ فِي رَمَضَانَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ مِنْ الثَّامِنَةِ وَإِنَّمَا قَالَ وَيَقْرُبُ مِنْهَا كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْعَامَّ بِسَبَبِهِ بِخِلَافِهَا. (مَسْأَلَةٌ إنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ عَنْ الْعَمَلِ) بِالْعَامِّ الْمُعَارِضِ لَهُ أَيْ عَنْ وَقْتِهِ (نَسَخَ) الْخَاصُّ (الْعَامَّ) بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَعَارَضَا فِيهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ عَنْ الْخِطَابِ بِالْعَامِّ دُونَ الْعَمَلِ أَوْ تَأَخَّرَ الْعَامُّ عَنْ الْخَاصِّ مُطْلَقًا أَوْ تَقَارَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يَرُدَّ الْعَامُ) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ وَقَوْلُهُ: بِسَبَبِهِ أَيْ الْخَاصِّ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا أَيْ صُورَةِ السَّبَبِ. [مَسْأَلَةٌ إنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ عَنْ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ الْمُعَارِضِ لَهُ أَيْ عَنْ وَقْتِهِ] (قَوْلُهُ: إنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ) أَيْ دَلِيلُ الْخُصُوصِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْكِتَابِ أَوْ مِنْ السُّنَّةِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْكِتَابِ وَالْآخَرُ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْخِيرِ التَّرَاخِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ أَيْ تَرَاخَى يَقِينًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا، فَقَوْلُهُ: عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: عَنْ الْعَمَلِ وَقَوْلُهُ: لَوْ تَأَخَّرَ الْعَامُّ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَقَارَنَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ تَأَخَّرَ وَقَوْلُهُ: أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا مُحْتَرَزُ يَقِينًا الْمُقَدَّرَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَمَا بَعْدُ إلَّا صُوَرٌ أَرْبَعٌ وَقَبْلَهَا صُورَةٌ مُجْمَلَةٌ الصُّوَرُ خَمْسٌ، وَالصُّورَةُ الْأُولَى مِمَّا بَعْدَ إلَّا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ غَيْرِنَا وَأَشَارَ إلَى ذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: إنْ قَارَنَّا إلَخْ (قَوْلُهُ: الْمُعَارِضِ) أَيْ وَإِلَّا فَلَا يُخَصِّصُ (قَوْلُهُ: أَيْ عَنْ وَقْتِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ عَنْ نَفْسِ الْعَمَلِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى تَأَخُّرِهِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَمَلٌ اهـ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ الْعَمَلَ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ إذَا وُجِدَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ بِالْفَرْدِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْخَاصِّ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: نَسَخَ) إذْ لَوْ كَانَ تَخْصِيصًا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَصْرٌ لِلْعَامِّ عَلَى بَعْضِ إفْرَادِهِ فَيَكُونُ تَخْصِيصًا فَلَا تَظْهَرُ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَخَصُّ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَعَارَضَا فِيهِ) أَيْ وَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ وَالْعِرَاقِيُّ وَنَبَّهَ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَهُ لِدَفْعِ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ يَنْسَخُ جُمْلَةَ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ) أَيْ تَرَاخَى عَنْهُ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ بِقَوْلِهِ أَوْ تَقَارَنَا (قَوْلُهُ: دُونَ الْعَمَلِ إلَخْ) بِأَنْ وَرَدَ الْخَاصُّ بَعْدَ الْخِطَابِ (قَوْلُهُ: بِالْعَامِّ) وَقَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ وَقْتِ

بِأَنْ عَقِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا (خَصَّصَ) الْخَاصُّ الْعَامَّ (وَقِيلَ إنْ تَقَارَنَا تَعَارَضَا فِي قَدْرِ الْخَاصِّ كَالنَّصَّيْنِ) أَيْ كَالْمُخْتَلِفِينَ بِالنُّصُوصِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَا خَاصَّيْنِ فَيَحْتَاجُ الْعَمَلُ بِالْخَاصِّ إلَى مُرَجِّحٍ لَهُ قُلْنَا الْخَاصُّ أَقْوَى مِنْ الْعَامِّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يُرَادَ مِنْ الْعَامِّ بِخِلَافِ الْخَاصِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُرَجِّحٍ لَهُ. (وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُتَأَخِّرُ) عَنْ الْخَاصِّ (نَاسِخٌ) لَهُ كَعَكْسِهِ بِجَامِعِ التَّأَخُّرِ قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْخَاصِّ الْمُتَأَخِّرِ لَا يُلْغِي الْعَامَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَالْخَاصُّ أَقْوَى مِنْ الْعَامِّ فِي الدَّلَالَةِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ قَالُوا (فَإِنْ جُهِلَ) التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا (فَالْوَقْفُ) عَنْ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ التَّسَاقُطُ) لَهُمَا قَوْلَانِ لَهُمْ مُتَقَارِبَانِ لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَهُمْ لَأَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْآخَرِ مِثَالُ الْعَامِّ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَالْخَاصُّ أَنْ يُقَالَ: لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِطَابِ بِالْخَاصِّ أَوْ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ عَقِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) أَيْ بِأَنْ وَرَدَ الْخَاصُّ بَعْدَ الْخِطَابِ بِالْعَامِّ وَقَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وَبَيَّنَ الشَّارِحِ بِذَلِكَ أَنَّ التَّقَارُنَ مَجَازِيٌّ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا التَّقَارُنُ الْحَقِيقِيُّ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَيَقُولَ عَقِبَهُ «لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ» أَوْ بِالْعَكْسِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ تَأَخُّرِ الْخَاصِّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَيَكُونَ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ، وَبَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا بَقِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ هُوَ الْمُرَادُ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْمُرَجَّحِ فِي تَأَخُّرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ فَأَمَّا إنْ قِيلَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي كَوْنِهِ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَسُلَيْمٌ قَالَ: وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ يَخْتَصُّ بِهَا، وَإِنَّمَا هُمَا الْقَوْلَانِ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ وَنَفْيِهِ، وَيُنْقَلُ كَوْنُهُ نَسْخًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنْ مُعْظَمِ الْحَنَفِيَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَرَاخَى الْخَاصُّ عَنْ الْعَامِّ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ قَالُوا: لِأَنَّهُمَا دَلِيلَانِ وَبَيْنَ حُكْمَيْهِمَا تَنَافٍ فَيُجْعَلُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَقَلُّ مَفْسَدَةً مِنْ النَّسْخِ اهـ. (قَوْلُهُ: خَصَّصَ الْخَاصُّ الْعَامَّ) أَيْ قَصَرَهُ عَلَى مَا عَدَا الْخَاصَّ فِي كُلِّ الصُّوَرِ، وَلَوْ مَعَ تَقَدُّمِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فِيهِ تَعْجِيلُ الْفَائِدَةِ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ كَالْمُخْتَلِفِينَ) أَيْ كَاللَّفْظَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِسَبَبِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَصٌّ فِي مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَا خَاصَّيْنِ إلَخْ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ مَا يَعُمُّ الظَّاهِرَ لَا مَا يُقَابِلُهُ فَالْمُرَادُ بِخُصُوصِهِمَا خُصُوصُهُمَا بِمَوْرِدٍ وَاحِدٍ لَا خُصُوصُهُمَا الْمُقَابِلُ لِعُمُومِهِمَا فَيَشْمَلَانِ الْعَامَّيْنِ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: إلَى مُرَجِّحٍ) أَيْ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: الْخَاصُّ أَقْوَى) ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يُرَادَ) أَيْ ذَلِكَ الْخَاصُّ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ ظَنِّيَّةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخَاصِّ) أَيْ إذَا كَانَا خَاصَّيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُرَجِّحٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ بِالصَّرَاحَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: الْخَاصُّ أَقْوَى مِنْ الْعَامِّ إلَخْ فَالْقِيَاسُ عَلَى النَّصَّيْنِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ. (قَوْلُهُ: كَعَكْسِهِ) أَيْ الْخَاصِّ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَامِّ أَيْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: جَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ الْخَاصَّ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْخِطَابِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لَا يُلْغِي الْعَامَّ) أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا ذَلِكَ الْخَاصِّ، وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَيْ فَإِنَّهُ يُلْغِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْعَامُّ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ بَلْ الْخَاصُّ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَالْوَقْفُ) أَيْ إلَى أَنْ يَظْهَرَ التَّارِيخُ أَوْ مَا يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا، أَوْ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: مُتَقَارِبَانِ) لِاتِّحَادِ ثَمَرَتِهِمَا، وَهِيَ عَدَمُ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمْ بِالْمُتَأَخِّرِ (قَوْلُهُ: لَأَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا) لَمْ يَقُلْ: وَنَاسِخًا اقْتِصَارًا

[المطلق والمقيد]

(وَإِنْ كَانَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (عَامًّا عَلَى وَجْهٍ) خَاصًّا مِنْ وَجْهٍ (فَالتَّرْجِيحُ) بَيْنَهُمَا مِنْ خَارِجٍ وَاجِبٌ لِتَعَادُلِهِمَا تَقَارَنَا أَوْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا (وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِثَالُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . ، وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» فَالْأَوَّلُ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ خَاصٌّ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ وَالثَّانِي خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ عَامٌّ فِي الْحَرْبِيَّاتِ وَالْمُرْتَدَّاتِ. (الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ) أَنَّ هَذَا مَبْحَثُهُمَا (الْمُطْلَقُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ) مِنْ وَحْدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَزَعَمَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ دَلَالَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الِاحْتِمَالِ الْمُلَائِمِ لِلْغَرَضِ، وَهُوَ عَدَمُ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا) يَعْنِي مِنْ الْمُتَعَارِضَيْنِ لَا مِنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ لَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ اهـ ز أَيْ؛ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ كَوْنِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ خَاصًّا وَالْآخَرِ عَامًّا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ الْمُطْلَقَ (قَوْلُهُ: فَالتَّرْجِيحُ) قَالَ سم: أَطْلَقَ اعْتِبَارَ التَّرْجِيحِ هُنَا لَكِنَّ الَّذِي فِي الْوَرَقَاتِ، وَشَرْحِهَا لِلشَّارِحِ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِتَخْصِيصِ عُمُومِ كُلٍّ بِخُصُوصِ الْآخَرِ وَجَبَ وَإِلَّا اُحْتِيجَ إلَى التَّرْجِيحِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْحُكْمُ التَّخْيِيرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: مِنْ خَارِجٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الدَّاخِلُ كَوَصْفِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَاجِبٌ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا وَقَعَ فِيهِ التَّعَارُضُ (قَوْلُهُ: تَقَارَنَا) أَيْ اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا لِيَشْمَلَ مَا إذَا جُهِلَ تَارِيخُهُمَا (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ) أَيْ لِمَا تَعَارَضَا فِيهِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلُوهُ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ فِي الْمُخَصِّصِ الْمُقَارَنَةَ اهـ. ز. ثُمَّ قَضِيَّةُ هَذَا الصُّنْعِ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَكُونُ نَاسِخًا مُطْلَقًا وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ دُخُولِهِ وَقْتَ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ وَبَحَثَ سم فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ بِأَنَّ قِيَاسَ سم أَيْ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ الْخَاصُّ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ كَانَ نَاسِخًا مِنْهُ لِمَا تَعَارَضَا فِيهِ إنَّ خَبَرَ إنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِمَّا بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْآخَرِ نَاسِخٌ لِلْآخَرِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَارَضَهُ فِيهِ وَقَالَ: وَلَمْ أَرَهُ اهـ. وَكَتَبَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ الْغُنَيْمِيُّ أَنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ أَنْ يَكُونَ خُصُوصُ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخًا، وَعُمُومُهُ مَخْصُوصٌ بِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مَنْسُوخًا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ وَمُخَصَّصًا بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ بِالْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِثَالُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ إلَخْ) قَدْ تَرَجَّحَ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ بِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الثَّانِي بِسَبَبِهِ، وَهُوَ الْحَرْبِيَّاتُ اهـ. ز (قَوْلُهُ: عَامٌّ فِي الْحَرْبِيَّاتِ وَالْمُرْتَدَّاتِ) فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ تَعَارَضَا بِالنِّسْبَةِ لِلنِّسَاءِ الْمُرْتَدَّاتِ فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِقَتْلِهِنَّ وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ. [الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ] (قَوْلُهُ: بِلَا قَيْدٍ) أَيْ بِلَا اعْتِبَارِ قَيْدٍ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْمَاهِيَّةَ لَا تُوجَدُ إلَّا مُقَيَّدَةً فَإِنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا إلَّا بِوُجُودِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْقَيْدِ صَادِقٌ بِأَنْ يُوجَدَ، وَلَا يُعْتَبَرَ، وَأَنْ يُوجَدَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَدَمِ، فَإِنَّ لِلْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ الْمَاهِيَّةُ اعْتِبَارَاتٍ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَأْخُوذٌ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ أَوْ بِشَرْطِ شَيْءٍ أَوْ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ، وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ يُسَمَّى مُطْلَقًا وَبِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي يُسَمَّى مُقَيَّدًا. وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ الثَّالِثُ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي عِلْمِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأَفْرَادِ الْخَارِجَةِ، وَهِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا تَصْلُحُ لَأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهَا) يَدْخُلُ فِيهِ التَّعَيُّنُ فَيَقْتَضِي أَنَّ عِلْمَ الْجِنْسِ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ التَّعَيُّنُ الذِّهْنِيُّ؛ وَلِذَا كَانَ مَعْرِفَةً

أَيْ دَلَالَةَ الْمُسَمَّى بِالْمُطْلَقِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ وَنَحْوِهَا (عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ) حَيْثُ عَرَّفَاهُ بِمَا يَأْتِي عَنْهُمَا (تَوَهَّمَاهُ النَّكِرَةَ) أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِمَا أَيْ فِي ذِهْنِهِمَا أَنَّهُ هِيَ؛ لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ حَيْثُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ الْإِفْرَادِ إلَى التَّثْنِيَةِ أَوْ الْجَمْعِ، وَالْمُطْلَقُ عِنْدَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا؛ إذْ عَرَّفَهُ الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَيْ دَلَالَةَ الْمُسَمَّى) الْمُرَادُ بِهِ الْمَاصَدَقَاتُ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمِيرِ فِي دَلَالَتِهِ هُوَ الْمُطْلَقَ الْمُعَرَّفَ فِيمَا سَبَقَ فَفِي الْكَلَامِ اسْتِخْدَامُ (قَوْلِهِ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ) أَيْ الْمَاهِيَّةِ مَعَ وَحْدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا وَتُسَمَّى فَرْدًا مُنْتَشِرًا فَخَرَجَ جَمِيعُ الْمَعَارِفِ لِاعْتِبَارِ التَّعَيُّنِ فِيهَا إمَّا شَخْصًا نَحْوُ زَيْدٍ وَهَذَا أَوْ حَقِيقَةً نَحْوُ الرَّجُلِ وَأُسَامَةَ أَوْ حِصَّةً نَحْوُ {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَوْ اسْتِغْرَاقًا نَحْوُ الرِّجَالِ أَوْ عَهْدًا ذِهْنِيًّا نَحْوُ اُدْخُلْ السُّوقَ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ الذِّهْنِيَّ قَيْدٌ مَانِعٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْبُدَخْشِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: إنَّهُ مُطْلَقٌ وَكَذَلِكَ خَرَجَ الْعَامُّ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً نَحْوَ: كُلُّ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ كُلٍّ وَالنَّفْيِ صَارَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّعْيِينِ وَالِاسْتِغْرَاقِ قَيْدٌ مِنْ الْقُيُودِ فَيُنَافِي الْإِطْلَاقَ (قَوْلُهُ: حَيْثُ عَرَّفَاهُ) تَعْلِيلٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَازِمُ قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَتَوَهَّمَاهُ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا سَبَبُ هَذَا الزَّعْمِ فَقَالَ: تَوَهَّمَاهُ إلَخْ ثُمَّ إنَّ الزَّعْمَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ؛ وَلِذَلِكَ تَعَدَّى إلَى وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَاهُ تَعَدَّى لِاثْنَيْنِ كَمَا تَقُولُ: زَعَمْت الْبَاطِلَ حَقًّا (قَوْلُهُ: أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهَا إلَخْ) فَسَّرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَهْمَ بِمَعْنَى الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَذْهَبٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ تَوَهَّمَاهُ النَّكِرَةَ بَلْ تَحَقَّقَاهُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ هِيَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا قَالَا بِتَرَادُفِهِمَا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا تَوَهَّمَاهُ مِنْ أَفْرَادِهَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَوَهَّمَاهُ النَّكِرَةَ أَيْ تَوَهَّمَاهُ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهَا؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهَا تَصْدُقُ عَلَى الْعَامِّ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ تَخْرُجْ إلَخْ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا خَرَجَتْ إلَى التَّثْنِيَةِ أَوْ الْجَمْعِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ دَالَّةً عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ بَلْ عَلَى اثْنَيْنِ شَائِعَيْنِ فِي الْجِنْسِ أَوْ عَلَى جَمْعٍ شَائِعٍ مِنْ الْجِنْسِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَكِرَةٌ أَيْضًا، وَدَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا دَلَّ عَلَى الشَّائِعِ، وَفِي تَعْرِيفِ الْآمِدِيِّ بِالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ اعْتِبَارَهُمَا الْوَحْدَةَ الشَّائِعَةَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي دَلَالَةِ النَّكِرَةِ، وَهُوَ الْإِفْرَادُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، وَالْحَقُّ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيَّ لَمْ يُقَيِّدَا بِالْوَحْدَةِ، وَإِنَّمَا نَظَرُهُمَا إلَى الشُّيُوعِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ مَعْنَاهُ مَا دَلَّ عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الْجِنْسِ مُمْكِنَةِ الصِّدْقِ عَلَى كُلٍّ مِنْ حِصَصٍ كَثِيرَةٍ مُنْدَرِجَةٍ تَحْتَ مَفْهُومٍ

بِالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَالثَّانِي بِمَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ وَخَرَجَ الدَّالُّ عَلَى شَائِعٍ فِي نَوْعِهِ نَحْوُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ أُسْلُوبٌ الْمَنْطِقِيِّينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَكَذَا الْفُقَهَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّيٍّ، وَقَوْلُ الْآمِدِيِّ: إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ بِنَحْوِ مَعْنَاهُ لَا أَنَّ مُرَادَهُ النَّكِرَةُ الْمَحْضَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ: إنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: نَكِرَةً عَنْ الْمَعَارِفِ، وَعَمَّا مَدْلُولُهُ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ أَوْ عَامٌّ مُسْتَغْرِقٌ ثُمَّ تَصْرِيحُهُ بِأَنَّ النَّكِرَةَ تَخْرُجُ بِالِاسْتِغْرَاقِ عَنْ التَّنْكِيرِ؛ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهَا إنَّمَا تَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهَا نَكِرَةً مَحْضَةً لَا أَنَّهَا تَصِيرُ مَعْرِفَةً (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ الدَّالُّ عَلَى شَائِعٍ فِي نَوْعِهِ نَحْوُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أَيْ فَلَيْسَ بِمُطْلَقٍ فَلَا يَكُونُ نَكِرَةً يَعْنِي مَحْضَةً، وَإِلَّا فَهِيَ نَكِرَةٌ مُقَيَّدَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: أُسْلُوبُ الْمَنْطِقِيِّينَ) فِيهِ أَنَّ الْمَنَاطِقَةَ لَا بَحْثَ لَهُمْ عَنْ الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ، وَإِنَّمَا غَايَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي مَبْحَثِ الْقَضَايَا: إنَّ مَوْضُوعَ الْقَضِيَّةِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَانَتْ طَبِيعِيَّةً، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهَا فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ كَانَتْ جُزْئِيَّةً، وَلَا بَحْثَ لَهُمْ عَنْ مَدْلُولِ النَّكِرَةِ مَا هُوَ، وَلَا الْمُطْلَقِ مَا هُوَ وَأُسْلُوبُهُمْ هَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيُّ وَالْأُصُولِيُّونَ فَإِنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيَّ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِكَلَامِ غَيْرِهِمَا عَلَى أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ وَقَعَ الِاصْطِلَاحُ مِنْهُمْ عَلَى كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَقَامَ الْعَلَّامَةُ طَاشْ كُبْرَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي أَلَّفَهَا فِي بَيَانِ أَقْسَامِ النَّظْمِ: إنَّ الْمُطْلَقَ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْحِصَّةُ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ كَوْنَهُ حِصَّةً مُحْتَمَلَةً عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لِحِصَصٍ كَثِيرَةٍ مِنْ غَيْرِ شُمُولٍ، وَلَا تَعْيِينٍ وَأَرَادُوا بِالِاحْتِمَالِ إمْكَانَ صِدْقِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْحِصَصِ وَمَا يُقَالُ: إنَّ فِي إطْلَاقِ الْحِصَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى رَدِّ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْرَادِ دُونَ الْمَفْهُومَاتِ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ هُوَ حَالَةُ اعْتِبَارِ الْوَضْعِ، وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ وُجُودِهِ فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ لِتُرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ، وَالْفَائِدَةُ فِي وَضْعِهِ لِمُطْلَقِ الْحَقِيقَةِ هِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْوَارِدَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْبَعْضِ وَلَا عَامٍّ لِلْكُلِّ، وَحَاصِلَةُ تَمَكُّنُ الْمَأْمُورِ مِنْ الْإِتْيَانِ لِفَرْدٍ مِنْهَا

حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَ ذَكَرَيْنِ، قِيلَ: لَا تَطْلُقُ نَظَرًا لِلتَّنْكِيرِ الْمُشْعِرِ بِالتَّوْحِيدِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ اهـ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ إنْ اُعْتُبِرَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ سُمِّيَ مُطْلَقًا وَاسْمَ جِنْسٍ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ يُنَكِّرَانِ الْأَوَّلَ فِي مُسَمَّى الْمُطْلَقِ مِنْ أَمْثِلَتِهِ الْآتِيَةِ وَنَحْوِهَا وَيَجْعَلَانِهِ الثَّانِيَ فَيَدُلُّ عِنْدَهُمَا عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ، وَالْوَحْدَةُ ضَرُورِيَّةٌ؛ إذْ لَا وُجُودَ لِلْمَاهِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ بِأَقَلَّ مِنْ وَاحِدٍ وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالتَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ بِالْمُطْلَقِ لِمُقَابَلَةِ الْمُقَيَّدِ وَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَمَّا قَالَاهُ مِنْ التَّعْرِيفِ إلَى لَازِمِهِ السَّابِقِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِلْبِنَاءِ. (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ وَمِنْ هُنَا، وَهُوَ مَا زَعَمَاهُ مِنْ دَلَالَةِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالَا: الْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيِّ فَرْدٍ كَانَ، وَإِنْ حَصَلَ التَّعْيِينُ وَالشُّرُوعُ مِنْ خَارِجٍ مَثَلًا الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي فِي نَفْسِهِ وُجُوبَ الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ، وَلَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَالْفَوْرَ وَالتَّرَاخِيَ إلَّا مِنْ خَارِجٍ، وَقَدْ يُعَرَّفُ الْمُطْلَقُ بِمَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَأَرَادُوا بِالْأَمْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمَفْهُومَ الْمُطْلَقَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ بِمَا يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْحِصَصُ الْمَذْكُورَةُ اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ تَرْجِيحَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيُّ وَإِنْ قَالَاهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِأُسْلُوبِ الْأُصُولِيِّينَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي قَوَاعِدِ اسْتِنْبَاطِ أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالتَّكْلِيفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَفْرَادِ دُونَ الْمَفْهُومَاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ أُمُورٌ عَقْلِيَّةٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: حَيْثُ اخْتَلَفُوا) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ (قَوْلُهُ: حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْحَمْلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ عَلَى احْتِمَالَيْنِ فِي الْفَتْوَى لَا يُعَيِّنُ أَنَّ مَدْلُولَ الْمُطْلَقِ مَا هُوَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ هُنَا) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ (قَوْلُهُ: وَاحِدٌ) أَيْ إنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ وَالْفَرْدِ فَلَا يَتَمَيَّزَانِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُعْتَبَرِ وَاسْتِعْمَالِهِ (قَوْلُهُ: إنْ اُعْتُبِرَ إلَخْ) أَيْ اعْتَبَرَهُ الْوَاضِعُ كَذَا قَالَ النَّاصِرُ: وَقَدْ يُقَالُ: اعْتِبَارُ الْوَاضِعِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَلَا دَلِيلَ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ النَّكِرَةِ وَالْمُطْلَقِ فَالْأَوْفَقُ بِالنَّظَرِ مَذْهَبُهُمَا (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِقَاقِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ وَرَجُلٍ وُضِعَ لِفَرْدٍ كَمَا يُؤْخَذُ مَعَ تَضْعِيفِهِ مِمَّا سَيَأْتِي إنَّ الْمُطْلَقَ الدَّالَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ، وَأَنَّ مَنْ زَعَمَ دَلَالَتَهُ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ تَوَهَّمَهُ النَّكِرَةَ فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِاسْمِ الْجِنْسِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالْمُطْلَقِ نَظَرًا لِلْمُقَابِلِ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارُ الْأَوَّلِ) بِالْإِضَافَةِ أَيْ اعْتِبَارُ الْمَاهِيَّةِ، وَفِي نُسْخَةٍ الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ، وَهِيَ أَحْسَنُ بِدَلِيلِ وَيَجْعَلَانِهِ الثَّانِيَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ (قَوْلُهُ: وَيَجْعَلَانِهِ الثَّانِيَ) أَيْ ذَا الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَالْوَحْدَةُ ضَرُورِيَّةٌ) فِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مُوجِبَ لِاعْتِبَارِ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَوَّلًا، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: وَالْوَحْدَةُ ضَرُورِيَّةٌ، وَتَفْرِيعُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ،. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْوَحْدَةَ ضَرُورِيَّةٌ عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَى الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ (قَوْلُهُ: الْمَطْلُوبَةِ) قَيَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْكَلَامِ السَّابِقِ أَعَمُّ لِلدُّخُولِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ كَوْنُ الْمُطْلَقِ يَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ (قَوْلُهُ: مُوَافِقٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ) إذْ لَا دَلِيلَ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ بِالْمُطْلَقِ) أَيْ مَعَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ (قَوْلُهُ: لِمُقَابَلَةِ الْمُقَيَّدِ) وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْوَحْدَةِ مِنْ كَثْرَةٍ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: إلَى لَازِمِهِ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي عَدَلَ إلَيْهِ الدَّلَالَةُ، وَهِيَ خَارِجَةٌ فَلَا لُزُومَ نَعَمْ الْوَحْدَةُ لَازِمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ لَازِمٌ لِلْكُلِّ، وَالْوَحْدَةُ الشَّائِعَةُ بَعْضُ مَعْنَى النَّكِرَةِ وَبَعْضُ مَعْنَى الشَّائِعِ (قَوْلُهُ: لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ) أَيْ بِنَاءً وَاضِحًا وَإِلَّا فَالتَّعْرِيفُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا) جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ أَيْ وَعَدَمُ تَعَرُّضِهِمَا لَهُ فِي الذِّكْرِ لَا يُنَافِي أَنَّهُمَا ارْتَكَبَاهُ فِي الْوَاقِعِ بِمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُمَا مَا ذَكَرَهُ مَنْشَؤُهُ زَعْمُهُمَا الْمَذْكُورُ. (قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَالْأَمْرُ بِالْمُطْلَقِ أَمْرٌ بِجُزْئِيٍّ مِنْ

كَالضَّرْبِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ (أَمْرٌ بِجُزْئِيٍّ) مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا كَالضَّرْبِ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوُجُودُ، وَلَا وُجُودَ لِلْمَاهِيَّةِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ جُزْئِيَّاتُهَا فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهَا أَمْرًا بِجُزْئِيٍّ لَهَا (وَلَيْسَ) قَوْلُهُمَا ذَلِكَ (بِشَيْءٍ) لِوُجُودِ الْمَاهِيَّةِ بِوُجُودِ جُزْئِيَّاتِهَا؛ لِأَنَّهَا جُزْؤُهُ وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ (وَقِيلَ) أَمْرٌ (بِكُلِّ جُزْئِيٍّ) لَهَا لِإِشْعَارِ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالتَّعْمِيمِ (وَقِيلَ: إذَنْ فِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ أَنْ يَفْعَلَ وَيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجُزْئِيَّاتِ الْمَاهِيَّةِ لَا بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ فَالْمَطْلُوبُ بِاضْرِبْ مَثَلًا فِعْلٌ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الضَّرْبِ مِنْ حَيْثُ مُطَابِقًا لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا فِي الْأَعْيَانِ، وَضُعِّفَ ذَلِكَ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَبِشَرْطِ لَا شَيْءَ، وَلَا بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَطْلُوبُ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ، وَلَا بِقَيْدِ الْكُلِّيَّةِ، وَاسْتِحَالَةُ وُجُودِهَا فِي الْخَارِجِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ تَجَرُّدُهَا إلَّا فِي ضِمْنٍ جُزْئِيٍّ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ نَعَمْ ابْنُ الْحَاجِبِ يَقُولُ: إنَّ الْمَاهِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا بِالْمُطَابَقَةِ، وَلَمَّا تَوَقَّفَ وُجُودُهَا عَلَى جُزْئِيٍّ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْئِيُّ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ وُجُودِهَا عَلَيْهِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْمُطْلَقِ جُزْئِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمُطَابَقَةِ اهـ. وَفِيهِ إيضَاحٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ لَا يُنْكِرُ كَوْنَ الْمَاهِيَّةِ مَطْلُوبَةً أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْجُزْئِيَّاتِ الْخَارِجِيَّةِ لَا بِالْمَاهِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ كَالْكَمَالِ بْنِ الْهَمَّامِ فِي تَحْرِيرِهِ مَنَعَ الْوَضْعَ بِالْكُلِّيَّةِ لِلْمَاهِيَّاتِ، وَقَالَ: إنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ إنَّمَا هُوَ الْأَفْرَادُ إلَّا فِي عِلْمِ الْجِنْسِ عَلَى رَأْيٍ فِيهِ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَصْدًا هُوَ الْجُزْئِيُّ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْكَمَالِ بْنِ الْهَمَّامِ فَالْمَطْلُوبُ أَوَّلًا هُوَ الْجُزْئِيُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوُجُودُ) أَيْ وُجُودُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ لِهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْوَحْدَةِ دُونَ الْمَاهِيَّةِ فَالْمَقْصُودُ الْوَحْدَةُ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْمَاهِيَّةِ. . . إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ: الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَالسَّيِّدِ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكُلِّيَّ مُطَابِقًا لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ مِنْ الْخَارِجِ؛ إذْ كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُعَيَّنٌ مُشَخَّصٌ لَا يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَالْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمَاهِيَّةِ، وَهَمٌ صِرْفٌ اهـ. أَقُولُ: الْإِنْصَافُ أَنَّ هَذَا اعْتِسَافٌ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ حَتَّى قِيلَ بِوُجُودٍ مَا اسْتِقْلَالًا، وَقَدْ نَقَلَ الْفَاضِلُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ عِبَارَةَ ابْنِ سِينَا فِي الْإِشَارَاتِ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ، فَلَا يَلِيقُ أَنْ تُذْكَرَ هُنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ وَحَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: أَمْرٌ بِكُلِّ جُزْئِيٍّ لَهَا) أَيْ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِكُلٍّ مِنْهَا بَلْ مَعْنَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ خِصَالِهِ كُلِّهَا لَا يُقَالُ فَيَتَّحِدُ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ وَاحِدُهُ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ؛ إذْ الْوَاجِبُ ثَمَّ الْأَحَدُ الْمُبْهَمُ الصَّادِقُ بِكُلِّ جُزْئِيٍّ عَلَى الْبَدَلِ، وَهُنَا الْوَاجِبُ كُلٌّ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ لَكِنْ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا اهـ. ز. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَنْ إلَخْ) هُوَ كَمَا قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ احْتِمَالٌ

[المطلق والمقيد كالعام والخاص]

(مَسْأَلَةٌ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ كَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ) فَمَا جَازَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِهِ وَمَا لَا فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ وَالسُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَبِالْكِتَابِ، وَتَقْيِيدِهِمَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَفْهُومَيْنِ وَفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَقْرِيرِهِ بِخِلَافِ مَذْهَبِ الرَّاوِي، وَذَكَرَ بَعْضَ جُزْئِيَّاتِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ (وَ) يَزِيدُ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ (أَنَّهُمَا إنْ اتَّحَدَ حُكْمُهُمَا وَمُوجِبُهُمَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ سَبَبُهُمَا (وَكَانَا مُثْبَتَيْنِ) كَأَنْ يُقَالَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً (وَتَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبْدَاهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فِي بَابِ الْقِيَاسِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُجِّيَّةِ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] أَنَّهُ إذَنْ فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَاهِيَّةِ حَيْثُ اعْتَرَضَ الْخَصْمُ بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجُزْئِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ جُزْئِيٌّ مِنْ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الِاعْتِبَارِ فَقَالَ الْهِنْدِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ الْأَمْرُ بِجُزْئِيَّاتِهَا لَكِنْ يَقْتَضِي تَخْيِيرَ الْمُكَلَّفِ فِي الْإِتْيَانِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ الْمُعَيِّنَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ بِجَمِيعِهَا ثُمَّ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي جَوَازَ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: أَنْ يَفْعَلَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ (قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. [الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ كَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ] (قَوْلُهُ: فَمَا جَازَ إلَخْ) هَذَا هُوَ وَجْهُ الشَّبَهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ أُولَى، قَوْلُهُ: وَمَا لَا فَلَا قَاعِدَةٌ ثَانِيَةٌ، وَفَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى تِسْعَةَ أَمْثِلَةٍ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ مِثَالَيْنِ فَقَطْ، وَهُمَا قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَذْهَبِ الرَّاوِي إلَخْ الْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا إحْدَى عَشَرَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ يَرْجِعُ إلَيْهَا كُلِّهَا لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ كَمَا سَنَنْقُلُهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ بَعْضَ جُزْئِيَّاتِ إلَخْ) يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ ذِكْرِ الْقَيْدِ مِنْ وَصْفٍ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا قُيِّدَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَرْقُ الشَّارِحُ الْآتِي (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ) يَعْنِي فِي غَيْرِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ؛ إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي التَّخْصِيصِ بِهِ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ إلَخْ) أَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: أَنَّهُمَا إلَخْ) يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ نَظَرًا لِمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ عَلَى حَذْفِ الْجَارِّ أَيْ لِأَنَّهُ وَبِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ (قَوْلُهُ: أَيْ سَبَبُهُمَا) أَيْ سَبَبُ حُكْمِهِمَا، وَفِي جَعْلِ الظِّهَارِ سَبَبًا مُسَامَحَةٌ؛ إذْ السَّبَبُ إنَّمَا هُوَ الْعَوْدُ (قَوْلُهُ: وَكَانَا مُثْبَتَيْنِ) أَيْ أَمْرَيْنِ كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ أَوْ خَبَرَيْنِ نَحْوَ تُجْزِئُ رَقَبَةٌ تُجْزِئُ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَوْ أَحَدُهُمَا أَمْرًا وَالْآخَرُ خَبَرًا نَحْوَ أَعْتِقْ رَقَبَةً تُجْزِئُ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً تُجْزِي رَقَبَةٌ اهـ. ز ثُمَّ إنَّهُ أَرَادَ بِالْإِثْبَاتِ مَا قَابَلَ النَّفْيَ وَالنَّهْيَ (قَوْلُهُ: وَتَأَخَّرَ) أَيْ مَعَ تَرَاخٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: الْآتِي أَوْ تَقَارَنَا، وَالْمُرَادُ عَلِمَ تَأَخُّرَهُ كَمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا (قَوْلُهُ: عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ) أَيْ عَنْ دُخُولِ وَقْتِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْخَاصَّ مَعَ الْعَامِّ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الزِّيَادَةِ قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَ حُكْمُهُمَا فَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي انْفَرَدَتْ بِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ

فَهُوَ) أَيْ الْمُقَيَّدُ (نَاسِخٌ) لِلْمُطْلَقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِدْقِهِ بِغَيْرِ الْمُقَيَّدِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالْمُطْلَقِ دُونَ الْعَمَلِ أَوْ تَأَخَّرَ الْمُطْلَقُ عَنْ الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا أَوْ تَقَارَنَا أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا (حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقَيَّدِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (وَقِيلَ: الْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ) لِلْمُطْلَقِ (إنْ تَأَخَّرَ) عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِهِ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ بِجَامِعِ التَّأْخِيرِ (وَقِيلَ: يُحْمَلُ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ) بِأَنْ يُلْغِيَ الْقَيْدَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُقَيَّدِ ذِكْرٌ لِجُزْئِيٍّ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَيِّدُهُ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَفْهُومَ الْقَيْدِ حُجَّةٌ بِخِلَافِ مَفْهُومِ " الْقَيْدُ حُجَّةٌ " بِخِلَافِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ فَرْدٌ مِنْ الْعَامِّ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ) يَعْنِي غَيْرَ مُثْبَتَيْنِ مَنْفِيَّيْنِ أَوْ مُنْهَيَّيْنِ نَحْوَ: لَا يُجْزِئُ عِتْقُ مُكَاتَبٍ لَا يُجْزِئُ عِتْقُ مُكَاتَبٍ كَافِرٍ لَا تُعْتِقْ مُكَاتَبًا لَا تُعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا (فَقَائِلٌ الْمَفْهُومَ) أَيْ الْقَائِلُ بِحُجِّيَّةِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ (يُقَيِّدُهُ بِهِ) أَيْ يُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ بِالْمُقَيَّدِ فِي ذَلِكَ (وَهِيَ) أَيْ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهُوَ نَاسِخٌ) فَلَا يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ اللَّازِمِ عَلَى جَعْلِهِ مُقَيَّدًا، وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ تَأَخَّرَ إلَخْ) جَعَلَ الشَّارِحُ إلَّا رَاجِعَةً لِلْقَيْدِ الْأَخِيرِ فَقَطْ مِنْ الْقُيُودِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَأْتِي يَأْخُذُ مُحْتَرَزَ الثَّلَاثَةِ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ مَعَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا إلَخْ مُحْتَرَزُ الْقَيْدِ الثَّالِثِ، وَقَوْلُهُ: إنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ مُحْتَرَزُ الْقَيْدِ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ: وَمُوجِبُهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُوجِبُ إلَخْ مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ فَقَدْ سَلَكَ فِي أَخْذِ الْمُحْتَرَزَاتِ اللَّفَّ وَالنَّشْرَ الْمُشَوَّشَ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالْمُقَيَّدِ، أَوْ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقَارَنَا) أَيْ بِأَنْ عَقِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (قَوْلُهُ: حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْمُقَيَّدُ (قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ جُزْءٌ مِنْ الْمُقَيَّدِ فَإِذَا أَعْمَلْنَا الْمُقَيَّدَ فَقَدْ عَمِلْنَا بِهِمَا، وَإِذَا لَمْ نَعْمَلْ بِهِ فَقَدْ أَلْغَيْنَا أَحَدَهُمَا (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ التَّأَخُّرِ) يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ إذْ التَّأَخُّرُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ يَسْتَلْزِمُ تَأَخُّرَ الْبَيَانِ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ دُونَ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُحْمَلُ الْمُقَيَّدُ) أَيْ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الْمُطْلَقِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ دَلِيلُ الشَّارِحِ الْمَقِيسِ عَلَى دَلِيلِ عَدَمِ تَخْصِيصِ ذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عَدَمِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا ذُكِرَ الْفَرْدُ بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ ذِكْرَ أَفْرَادِ الْعَامِّ) أَيْ بِحُكْمِ الْعَامِّ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُقَيِّدَةٌ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْدَ لَقَبٌ أَمَّا لَوْ كَانَ مُشْتَقًّا فَيُعْمَلُ بِمَفْهُومِهِ وَيُخَصَّصُ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَيْدَ حُجَّةٌ بِخِلَافِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنَّ مَفْهُومَ الْقَيْدِ حُجَّةٌ) لِأَنَّهُ صِفَةٌ (قَوْلُهُ: مَفْهُومُ الْقَيْدِ) أَيْ الْمُشْتَقِّ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّ ذِكْرَ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُطْلَقِ بِحُكْمِ الْمُطْلَقِ لَا يُقَيِّدُهُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَا مَرَّ مُقَيَّدٌ بِأَنَّ الْفَرْدَ مِنْ الْعَامِّ لَقَبٌ أَمَّا لَوْ كَانَ صِفَةً فَإِنَّا نُوَافِقُ أَبَا ثَوْرٍ فِي الْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ وَحَمْلِ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ اللَّقَبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ ذِكْرُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ صِفَةً، وَيَكُونُ مُخَصِّصًا، وَضَمِيرُ مِنْهُ يَعُودُ لِلَّقَبِ، وَلَوْ حُذِفَ ذِكْرٌ، وَاقْتُصِرَ عَلَى الْبَاقِي كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ اللَّقَبِ فَرْدُ الْعَامِّ لَا ذِكْرُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَذِكْرُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَفْهُومٍ، وَيُجْعَلُ الْمَفْهُومُ لِلذِّكْرِ لَا لِلْمَذْكُورِ فِي نَفْسِهِ؛ إذْ الْفَهْمُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الذِّكْرِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا الصَّرْفِ إلَى دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمَتْنِ وَهُوَ أَنَّ الْمُقَابَلَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْهِيَّيْنِ) أَيْ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُ عِتْقُ مُكَاتَبٍ) أَيْ عَنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَا مَنْفِيَّيْنِ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ

(خَاصٌّ وَعَامٌّ) لِعُمُومِ الْمُطْلَقِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَنَافِي الْمَفْهُومِ يُلْغِي الْقَيْدَ وَيُجْرِي الْمُطْلَقَ عَلَى إطْلَاقِهِ. (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا، وَالْآخَرُ نَهْيًا) نَحْوُ أَعْتِقْ رَقَبَةً، لَا تُعْتِقْ رَقَبَةً كَافِرَةً، أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، لَا تُعْتِقْ رَقَبَةً (فَالْمُطْلَقُ مُقَيَّدٌ بِضِدِّ الصِّفَةِ) فِي الْمُقَيَّدِ لِيَجْتَمِعَا فَالْمُطْلَقُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مُقَيَّدٌ بِالْإِيمَانِ، وَفِي الثَّانِي مُقَيَّدٌ بِالْكُفْرِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ) مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَفِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْمَلُ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَيَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ (وَقِيلَ: يُحْمَلُ) عَلَيْهِ (لَفْظًا) أَيْ بِمُجَرَّدِ وُرُودِ اللَّفْظِ الْمُقَيَّدِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى جَامِعٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحْمَلُ عَلَيْهِ (قِيَاسًا) فَلَا بُدَّ مِنْ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ حُرْمَةُ سَبَبِهِمَا أَيْ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ (وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُوجِبُ) فِيهِمَا (وَاخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] وَفِي الْوُضُوءِ فَاغْسِلُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ، وَالْمُوجِبُ لَهُمَا الْحَدَثُ، وَاخْتِلَافُ الْحُكْمِ مِنْ مَسْحِ الْمُطْلَقِ وَغَسْلِ الْمُقَيَّدِ الْمَرَافِقِ وَاضِحٌ (فَعَلَى الْخِلَافِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ لَفْظًا أَوْ قِيَاسًا، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ اشْتِرَاكُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: خَاصٌّ وَعَامٌّ) أَيْ وَلَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَإِنْ عَبَّرَ بِهِمَا فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاصْطِلَاحِ مَجَازٌ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ؛ إذْ كَانَ مَفْهُومَ لَقَبٍ، وَهُوَ هُنَا مَفْهُومُ صِفَةٍ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّمْثِيلُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى إطْلَاقِهِ) إلَّا أَنَّهُ يَطْرُقُهُ هُنَا مَا سَبَقَ مَا أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ هَلْ يُخَصِّصُ أَوَّلًا إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي بِالْكُفْرِ) ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْإِيمَانِ، قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْحَمْلُ فِي ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ وَاضِحٌ، وَتَسْمِيَتُهُمَا بِذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِمَا عَامًّا وَخَاصًّا مَجَازٌ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: اتَّحَدَ مُوجِبُهُمَا، وَلَوْ قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ أَوْ الْحُكْمُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَعَبَّرَ هَاهُنَا بِالسَّبَبِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ بِالْمُوجِبِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ السَّبَبُ (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ) ، وَهُوَ وُجُوبُ الْإِعْتَاقِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ) وَمَا إذَا اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ وَكَانَا مُثْبَتَيْنِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ وَأَبُو الْمَنْصُورِ الْمَاتُرِيدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ: لَفْظًا) أَيْ يَدُلُّ بِلَفْظِهِ عَلَى تَقْيِيدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قُيِّدَتْ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَالَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأُطْلِقَتْ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ عَدَمُ مُعَارَضَةِ مُقْتَضَى نَصٍّ فِي الْمُقْتَبَسِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى إجْزَاءِ الْمُقَيَّدِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ عَدَمُ إجْزَاءِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ لِانْتِفَاءِ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ: قِيَاسًا) وَمِثْلُ الْقِيَاسِ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَالْمُطْلَقُ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ (قَوْلُهُ: حُرْمَةُ سَبَبِهِمَا) أَيْ فِي ذَاتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ آيَةَ الْقَتْلِ وَرَدَتْ فِي الْخَطَأِ وَلَا حُرْمَةَ عَلَى الْمُخْطِئِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُوجِبُ إلَخْ) وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ فِي الْحُكْمِ وَالْمُوجِبِ فَهُمَا أَمْرَانِ مُتَبَايِنَانِ لَا عَلَاقَةَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَلْ مُتَعَارِضَانِ (قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُ الْحُكْمِ) قَدْ يُقَالُ: الْحُكْمُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ أَيْ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَوُجُوبُ الْمَسْحِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مُخْتَلِفًا جُعِلَ الْحُكْمُ كَأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ (قَوْلُهُ: مِنْ مَسْحِ الْمُطْلَقِ إلَخْ) أَيْ الْعُضْوِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الْأَيْدِي أَيْ الْمُطْلَقِ بِالنَّظَرِ إلَى أَجْزَائِهِمَا فَإِنَّ الْأَيْدِيَ تَصْدُقُ بِالْمُقَيَّدِ بِالْمَرَافِقِ كَغَيْرِهِمَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ عَامٌّ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ جَمْعًا مُضَافًا إلَى مَعْرِفَةٍ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْخِلَافِ)

[الظاهر والمؤول]

فِي سَبَبِ حُكْمِهَا (وَالْمُقَيَّدُ) فِي مَوْضِعَيْنِ (بِمُتَنَافِيَيْنِ) وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قَضَاءِ أَيَّامِ رَمَضَانَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وَفِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] (يَسْتَغْنِي) فِيمَا أَطْلَقَ فِيهِ (عَنْهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ قِيَاسًا) كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ بَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِامْتِنَاعِ تَقْيِيدِهِ بِهِمَا لِتَنَافِيهِمَا وَبِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ مُرَجِّحِهِ فَلَا يَجِبُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ تَتَابُعٌ وَلَا تَفْرِيقٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ كَأَنْ وُجِدَ الْجَامِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَيَّدِهِ دُونَ الْآخَرِ قُيِّدَ بِهِ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ قِيَاسِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: لَفْظِيٌّ فَلَا. (الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ) أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُمَا (الظَّاهِرُ مَا دَلَّ) عَلَى الْمَعْنَى (دَلَالَةً ظَنِّيَّةً) أَيْ رَاجِحَةً فَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَرْجُوحًا كَالْأَسَدِ رَاجِحٌ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ مَرْجُوحٌ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَفِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِيهَا عَيْنُ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهَا، فَهَلَّا جَمَعَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ: إنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ أَوْ عُكِسَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَا غَيْرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقِ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي سَبَبِ حُكْمِهِمَا) وَهُوَ الْحَدَثُ وَالْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ (قَوْلُهُ: وَالْمُقَيَّدُ بِمُتَنَافِيَيْنِ إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ أَيْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ، وَاتَّحَدَ الْحُكْمُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُقَيَّدٌ بِمُتَنَافِيَيْنِ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ، وَإِلَّا فَلَا تَقْيِيدَ يَرْجِعُ إلَى الْخِلَافِ قَالَ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَالْمُقَيَّدُ بِمُتَنَافِيَيْنِ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا إلَخْ شَامِلًا لِمَا إذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ كَمَا فِي رِوَايَاتِ غَسَلَاتِ الْكَلْبِ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِغْنَاءِ إلْغَاءُ الْقَيْدَيْنِ لِتَعَارُضِهِمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَمُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ، وَلِمَا إذَا لَمْ يَتَّحِدَا كَمَا فِي مِثَالِ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا يُعْمَلُ بِالْإِطْلَاقِ فِي مَحَلِّهِ كَمَا يُعْمَلُ بِكُلِّ قَيْدٍ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ فَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَالْحُكْمِ الْمُوجِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمُطْلَقَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ فَلَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْلِهِ) أَيْ كَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى إلَخْ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ (قَوْلُهُ: يُسْتَغْنَى) أَيْ الْمُقَيَّدُ بِمُتَنَافِيَيْنِ الَّذِي أُطْلِقَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ يُقَالُ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَبَعْضُهُمْ ضَبَطَ يُسْتَغْنَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُطْلَقُ أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْآخَرِ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْآخَرِ أَيْ مِنْهُ بِالْآخِرِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ) مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] وَفِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فَحَمْلُ الْمُطْلَقِ فِيهِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّتَابُعِ أَوْلَى عَلَى قَوْلٍ قَدِيمٍ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى صَوْمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّفْرِيقِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَيَّدِهِ) أَيْ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ الْمُقَيَّدِ بِأَحَدِ الْقَيْدَيْنِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَضَمِيرُهُ لِأَحَدِ الْقَيْدَيْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ لَفْظِيٌّ) أَيْ فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ لَفْظِيٌّ فَلَا تَقْيِيدَ وَإِنْ وُجِدَ الْجَامِعُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ لِتَعَارُضِهِمَا بِخِلَافِهِ عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ فَإِنَّ الْجَامِعَ مُرَجِّحٌ. [الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ] (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى الظُّهُورِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: دَلَالَةً ظَنِّيَّةً) وَلَا فَرْقَ فِي تِلْكَ الدَّلَالَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لُغَوِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً وَقَدْ مَثَّلَ لِلْأَوَّلَيْنِ، وَمِثَالُ الثَّالِثِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا رَاجِحَةٌ فِي ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَرْجُوحَةٌ فِي الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: رَاجِحٌ فِي الْحَيَوَانِ إلَخْ) وَهَذَا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ دَلِيلٍ عَبَثٌ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ

وَالْغَائِطِ رَاجِحٌ فِي الْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ لِلْعُرْفِ مَرْجُوحٌ فِي الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ الْمَوْضُوعِ لَهُ لُغَةً أَوَّلًا وَخَرَجَ النَّصُّ كَزَيْدٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ (وَالتَّأْوِيلُ حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ فَإِنْ حُمِلَ) عَلَيْهِ (لِدَلِيلٍ فَصَحِيحٌ، أَوْ لِمَا يُظَنُّ دَلِيلًا) وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي الْوَاقِعِ (فَفَاسِدٌ أَوْ لَا لِشَيْءٍ فَلَعِبٌ لَا تَأْوِيلٌ) هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ ثُمَّ التَّأْوِيلُ قَرِيبٌ بِتَرْجِيحٍ عَلَى الظَّاهِرِ بِأَدْنَى دَلِيلٍ نَحْوُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] أَيْ عَزَمْتُمْ عَلَى الْقِيَامِ إلَيْهَا وَبَعِيدٌ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا بِأَقْوَى مِنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ كَثِيرًا فَقَالَ (وَمِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ أَمْسِكْ) أَرْبَعًا (عَلَى ابْتَدِئْ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْغَائِطُ رَاجِحٌ فِي الْخَارِجِ) وَإِنْ كَانَ مَجَازًا إلَّا أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، وَهِيَ رَاجِحَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ، بَلْ الْمَجَازُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: لِلْعُرْفِ) وَلَوْ شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُرْفُ اللُّغَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ النَّصُّ) قَالَ شَارِحُ التَّحْرِيرِ فَيَخْرُجُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ أَيْ الشَّافِعِيَّةِ النَّصُّ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُمَا مُتَسَاوِيَةٌ وَالْمُؤَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَرْجُوحَةٌ اهـ. وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ بِمَعْنَى وَاضِحِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ) أَيْ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُؤَكَّدُ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ فِي التَّرْكِيبِ فَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي فَائِدَةِ التَّأْكِيدِ إلَّا أَنَّ رَفْعَ التَّوَهُّمِ مِنْ حَيْثُ الْكَلَامُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُتَجَوَّزُ فِيهَا، وَإِلَّا كَانَتْ دَلَالَتُهُ ظَنِّيَّةً لِاحْتِمَالِ التَّجَوُّزِ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ أَيْضًا فِيمَا لَمْ يَشْتَهِرْ مِنْ الْأَعْلَامِ كَ حَاتِمٍ، وَإِلَّا فَهُوَ نَصٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حَمْلُ الظَّاهِرِ) أَيْ صَرْفُهُ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَالْمُرَادُ الْحَمْلُ لِدَلِيلٍ أَوْ شُبْهَةٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الصَّدْرَ دُونَ الْمُشْتَقِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّرْجَمَةِ نَظِيرُ مَا سَلَكَهُ فِي الظَّاهِرِ لِيُنَاسِبَ أَقْسَامَهُ الْآتِيَةَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنْ الْمُشْتَقِّ عَكْسُ الظَّاهِرِ وَالظُّهُورِ، وَخَرَجَ بِحَمْلِ الظَّاهِرِ حَمْلُ النَّصِّ عَلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ لِدَلِيلٍ وَحَمْلُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فَلَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا اصْطِلَاحًا (قَوْلُهُ: فَصَحِيحٌ) أَيْ فَتَأْوِيلٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: فَلَعِبَ) فِيهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لَهُ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ لِإِخْرَاجِهِ قَيْدًا بِأَنْ يَقُولَ: لِدَلِيلٍ وَنَحْوِهِ كَمَا بَيَّنَّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حُذِفَ الْقَيْدُ لِعِلْمِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَعْدُ، وَالْحَذْفُ فِي التَّعَارِيفِ لِقَرِينَةٍ جَائِزٌ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّ التَّعَارِيفَ تُعْتَبَرُ مُسْتَقِلَّةً عَلَى حِيَالِهَا، وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ (قَوْلُهُ: نَحْوُ إذَا قُمْتُمْ) وَجْهُ قُرْبِ تَأْوِيلِهِ بِمَا قَالَهُ إنَّ ظَاهِرَهُ، وَهُوَ تَقْيِيدُ الْوُضُوءِ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا فَتَرَجَّحَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ وَنَظِيرُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] ، وَمِنْ الْقَرِيبِ أَيْضًا تَأْوِيلُ خَبَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» عَلَى أَمْرِ الْإِيجَابِ؛ إذْ الْأَمْرُ وَرَدَ فِي خَبَرِ اسْتَاكُوا فَلَا يُنَافِي نَفْيُهُ الْمُفَادَ بِالْخَبَرِ؛ إذْ مَعْنَاهُ لَوْلَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ لَأَمَرْتُهُمْ لَكِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فَلَمْ آمُرْهُمْ اهـ. ز. وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ وَجْهُ قُرْبِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اللَّفْظَ صَارَ ظَاهِرًا فِي الْعَزْمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ: وَبَعِيدٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الدَّلِيلِ الْأَقْوَى وَقِيلَ مَعَهُ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَكَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَرَجَّحُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَرْجُوحُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا بِأَقْوَى مِنْهُ أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِحَيْثُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَوْ عَارَضَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا بِأَقْوَى) أَيْ فَلَا يَكْفِي الْمُسَاوَاةُ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُ) أَيْ حَمْلٌ أَشَارَ بِالتَّفْسِيرِ

تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ عَلَى ابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعَةٍ مِنْهُنَّ فِيمَا إذَا كَانَ نَكَحَهُنَّ مَعًا لِبُطْلَانِهِ كَالْمُسْلِمِ بِخِلَافِ نِكَاحِهِنَّ مُرَتَّبًا فَيُمْسِكُ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِمَحَلِّهِ قَرِيبُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ بَيَانُ شُرُوطِ النِّكَاحِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدُ نِكَاحٍ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَتَوَفُّرِ دَوَاعِي حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ عَلَى نَقْلِهِ لَوْ وَقَعَ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (عَلَى سِتِّينَ مُدًّا) بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ أَيْ طَعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَهُوَ سِتُّونَ مُدًّا، فَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَمَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِإِعْطَائِهِ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَدَفْعُ حَاجَةِ الْوَاحِدِ فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَدَفْعِ حَاجَةِ السِّتِّينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْمُضَافِ وَأُلْغِيَ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ الظَّاهِرِ قَصْدُهُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَبَرَكَتِهِمْ وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ إلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ ضُمِّنَ مَعْنَى الْحَمْلِ فَعُدِّيَ بِعَلَى وَكَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَالتَّأْوِيلُ يُعَدَّى بِالْبَاءِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ) قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهَمَّامِ: فَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ شَارِحُهُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. فَالْمُرَادُ مُعْظَمُ الْحَنَفِيَّةِ لَا كُلُّهُمْ (قَوْلُهُ: لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ الثَّقَفِيِّ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَوَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ ابْنُ غَيْلَانَ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ طُغْيَانِ الْقَلَمِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ الْغُنَيْمِيِّ (قَوْلُهُ: ابْتَدِئْ نِكَاحَ) أَيْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا كَانَ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي اللُّبِّ وَشَرْحِهِ كَتَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ: أَمْسِكْ بِابْتَدِئْ إنْكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي فِي الْمَعِيَّةِ أَيْ فِيمَا إذَا نَكَحَهُنَّ مَعًا لِبُطْلَانِهِ كَالْمُسْلِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَحَلِّهِ) أَيْ مَحَلِّ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَمْسِكْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَسْبِقْ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ عَلَى التَّفْصِيلِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ يُبَيِّنُ لَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ يُفَصِّلْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ذَلِكَ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنْقَلْ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنَّهُ تَرَكَ الْبَيَانَ لِقِيَامِ قَرَائِنَ دَلَّتْ عَلَى التَّفْصِيلِ وَلَوْ أَتَى بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْعِلَاوَةِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: مَعَ كَثْرَتِهِمْ) أَيْ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ الَّذِي أَسْلَمُوا، وَهُمْ مُتَزَوِّجُونَ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَعَ) فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْلِ عَدَمُ الْوُقُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا مَا لَمْ تَتَوَفَّرْ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ إذَا قُدِّرَ مُضَافٌ لَمْ يَكُنْ فِي سِتِّينَ مِسْكِينًا تَأْوِيلٌ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالتَّأْوِيلُ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ، وَهُوَ خِلَافُ مُفَادِ أَوَّلِ عِبَارَتِهِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَوِي عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إطْلَاقُ الْمِسْكِينِ عَلَى الْمُدِّ الثَّانِي: تَقْدِيرُ الْمُضَافِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: أَيْ طَعَامُ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الطَّعَامِ غَيْرَ الْفُقَرَاءِ؛ إذْ الْمَعْنَى إطْعَامُ طَعَامٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي سِتِّينَ يَوْمًا) اقْتِصَارٌ عَلَى مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ، وَإِلَّا فَجَوَازُ الْإِعْطَاءِ لِوَاحِدٍ يَصْدُقُ بِالْإِعْطَاءِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَأُلْغِيَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ لِلْمَسَاكِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ لِلْإِمْدَادِ فَلَا يُقَالُ: الْعَدَدُ لَمْ يُلْغَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السِّتِّينَ مُدًّا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَا ذُكِرَ وَبِالْجَرِّ صِفَةٌ لِعَدَدٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَلِأَنَّ طَعِمَ يَتَعَدَّى إلَى مَعْمُولَيْنِ، وَالْمُهِمُّ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ، وَغَيْرُ الْمُهِمِّ هُوَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ، وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الطَّعَامِ فَاعْتَبَرُوا الْمَسْكُوتَ وَتَرَكُوا الْمَذْكُورَ، وَهُوَ عَكْسُ الْحَقِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ) صَوَابُهُ تَضَافُرُ بِالضَّادِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ تَضَافَرُوا عَلَى الشَّيْءِ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ اهـ. ز. يُقَالُ: إنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنْ الظَّفَرِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ (قَوْلُهُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ) أَيْ مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بِالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ شَرْطِيَّةٌ وَمَا مَزِيدَةٌ فِيهَا لِلتَّوْكِيدِ، وَامْرَأَةٍ مُضَافٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ

بِمَا أَصَابَ مِنْهَا (عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ حَمَلَهُ أَوَّلًا بَعْضُهُمْ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْكَبِيرَةِ نَفْسَهَا عِنْدَهُمْ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَيْسَتْ امْرَأَةً فِي حُكْمِ اللِّسَانِ فَحَمَلَهُ بَعْضٌ آخَرُ عَلَى الْأَمَةِ فَاعْتُرِضَ بِقَوْلِهِ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا فَحَمَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّ الْمَهْرَ لَهَا وَوَجْهُ بُعْدِهِ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ قَصْرٌ لِلْعَامِّ الْمُؤَكَّدِ عُمُومُهُ بِمَا عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ مَعَ ظُهُورِ قَصْدِ الشَّارِحِ عُمُومَهُ بِأَنْ تُمْنَعَ الْمَرْأَةُ مُطْلَقًا مِنْ اسْتِقْلَالِهَا بِالنِّكَاحِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ اسْتِقْلَالُهَا بِهِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ» أَيْ لِلصِّيَامِ مِنْ اللَّيْلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ» (عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ) لِصِحَّةِ غَيْرِهِمَا بِنَذْرٍ مِنْ النَّهَارِ عِنْدَهُمْ وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ قَصَرَ لِلْعَامِّ النَّصَّ فِي الْعُمُومِ عَلَى نَادِرٍ لِنُدْرَةِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّوْمِ بِالْمُكَلَّفِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثَ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ مِثْلَ ذَكَاتِهَا أَوْ كَذَكَاتِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينُ الْحَيُّ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمْ وَأَحَلَّهُ صَاحِبَاهُ كَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ وَهِيَ الْمَحْفُوظَةُ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَمَلَةِ الْحَدِيثِ فَبِأَنْ يُعْرِبَ ذَكَاةَ الْجَنِينِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَهُ أَيْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ إنْ ثَبَتَتْ فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا فِي جِئْتُك طُلُوعَ الشَّمْسِ أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهَا، وَالْمَعْنَى ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا لِسَيِّدِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَخْلُفُهَا سَيِّدُهَا فِيهِ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لِكَوْنِ السَّيِّدِ خَلَفَهَا عَنْهُ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ، قِيلَ إنَّمَا أَحْوَجَهُمْ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَعَ بُعْدِهِ مُعَارَضَةُ الْحَدِيثِ بِأَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا، وَإِذَا عُورِضَ بِأَقْوَى مِنْهُ أُوِّلَ، وَالتَّأْوِيلُ خَيْرٌ مِنْ الْإِبْطَالِ (قَوْلُهُ: بِمَا أَصَابَ) أَيْ بِسَبَبِ مَا أَصَابَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: أَيْ حَمَلَهُ أَوَّلًا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُوَزَّعٌ، فَإِنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ عَلَى الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: تَزْوِيجُ الْكَبِيرَةِ) بَلْ وَالصَّغِيرَةِ، وَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إنْ أَجَازَ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا فَقَرَارُهُ مِنْ الصَّغِيرَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا) تَشْبِيهٌ فِي الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: فَحَمَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ الصَّغِيرَةَ وَالْأَمَةَ مِنْ شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. ز. قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بُعْدِهِ) أَيْ زِيَادَةُ بُعْدِهِ (قَوْلُهُ: الْمُؤَكَّدُ عُمُومُهُ) يَنْبَغِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِبَيَانِ زِيَادَةِ الْبُعْدِ، وَأَنَّ أَصْلَ الْبُعْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي النَّصُّ فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: مِنْ اللَّيْلِ) مِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى فِي (قَوْلُهُ: وَالنَّذْرُ) أَيْ الْمُطْلَقُ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ كَالْفَرْضِ (قَوْلُهُ: قَصْرٌ لِلْعَامِّ) لِأَنَّ لَا صِيَامَ فِي قَوْلِهِ لَا صِيَامَ نَكِرَةٌ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ وَإِذَا بُنِيَتْ عَلَى الْفَتْحِ كَانَتْ نَصًّا فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ الصَّاحِبَيْنِ لَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِثْلُ ذَكَاتِهَا إلَخْ) فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَرِوَايَةُ الرَّفْعِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَرِوَايَةُ النَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُذَكَّى (قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ إلَخْ) أَيْ مَا وَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ (قَوْلُهُ: فَبِأَنْ يُعْرِبَ " ذَكَاةٌ " إلَخْ) إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الْعَكْسِ لِكَوْنِ كُلِّ مَعْرِفَةٍ لِكَوْنِ ذَكَاةِ الْأُمِّ مُتَقَرِّرَةً فَتُجْعَلُ هِيَ الْأَصْلَ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّارِحُ لَمْ يَدَّعِ تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَهُوَ مَا جَعَلَهُ ذَكَاةَ الْجَنِينِ مُبْتَدَأً وَذَكَاةَ أُمِّهِ خَبَرًا أَيْ إنْ كَانَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ هِيَ ذَكَاةَ أُمِّهِ لَا زَائِدَ عَلَيْهِمْ فِي الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ) مِنْ نِيَابَةِ الْمَصْدَرِ عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ) فَيَكُونُ ذَكَاةُ أُمِّهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الظَّرْفِ الْمَحْذُوفِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ حَاصِلُهُ أُورِدَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ غَيْرُ ذَكَاةِ أُمِّهِ مَعَ أَنَّهَا هِيَ لَا زَائِدَةٌ عَلَيْهَا فِي الْحِسِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُغَايَرَةَ اعْتِبَارِيَّةٌ فَإِنَّهَا مِنْ حَيْثُ

رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينَ الْمَيِّتَ، وَأَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهَا تَبَعًا لَهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ «قَوْلِ السَّائِلِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَفَنُلْقِيهِ، أَوْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» فَظَاهِرٌ أَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُمْكِنِ الذَّبْحِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْ الْمَيِّتِ لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ (وَ) مِنْ الْبُعْدِ تَأْوِيلُهُمْ كَمَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] إلَخْ (عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ) أَيْ مَحَلِّ الصَّرْفِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] إلَخْ ذَمَّهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى تَعَرُّضِهِمْ لَهَا لِخُلُوِّهِمْ عَنْ أَهْلِيَّتِهَا ثُمَّ بَيَّنَ أَهْلَهَا بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَخْ أَيْ هِيَ لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ دُونَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا فَيَكْفِي الصَّرْفُ لِأَيِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ لِغَيْرِ مُنَافٍ لَهُ؛ إذْ بَيَانُ الْمَصْرِفِ لَا يُنَافِيهِ فَلْيَكُونَا مُرَادَيْنِ فَلَا يَكْفِي الصَّرْفُ لِبَعْضِ الْأَصْنَافِ إلَّا إذَا فُقِدَ الْبَاقِي لِلضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا حَدِيثَ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ) مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ عَتَقَ عَلَيْهِ (عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ) لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ مَا ذُكِرَ، وَوَجْهُ بُعْدِ مَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ الْعَامِّ عَنْ الْعُمُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإضَافَتُهَا لِلْجَنِينِ غَيْرُ نَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ لِلْأُمِّ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُرَادُ) أَيْ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ الْجَنِينِ الَّذِي وَجَدْتُمُوهُ فِي بَطْنِهَا كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ. وَالْجَوَابُ بِالْأَكْلِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: ذَكَاةُ أُمِّهِ يَعْنِي كَمَا أَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ أُمَّهُ فَهُوَ كَذَلِكَ، إنَّ هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ الْإِعْرَابَ الثَّانِيَ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ " أَنَّ " عَلَى ذَكَاةَ الْجَنِينِ، وَهِيَ إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ) بَعِيدٌ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ هُنَا: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ بِالْعُمُومِ لِلْمَيِّتِ وَالْحَيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ يَكُونُ الْجَوَابُ خَاصًّا بِالْحَيِّ وَلَا يَشْمَلُ الْمَيِّتَ فَلَا عُمُومَ وَلَا مُطَابَقَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَالِكٍ) أَيْ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: عَلَى بَيَانِ الصَّرْفِ) أَيْ دُونَ إرَادَةِ الِاسْتِيعَابِ لِلْأَصْنَافِ فِي الْإِعْطَاءِ (قَوْلُهُ: مَنْ يَلْمِزُكَ) أَيْ يَعِيبُكَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ أَهْلَهَا إلَخْ) أَيْ رَدًّا عَلَى مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ (قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِمْ) فَهُوَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بُعْدِهِ إلَخْ) فَإِنَّ مُقْتَضَى التَّشْرِيكِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ اللَّامِ ظَاهِرٌ فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ الرَّازِيّ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَعْمِيمِ الْخُمُسِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْنَافِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ عَدَمَ التَّعْمِيمِ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمُتَوَلِّي لِلتَّفْرِقَةِ الْإِمَامُ، وَنَقُولُ بِذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَحِينَئِذٍ فَآيَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِيهِ) أَيْ لَا يُنَافِي فِي الِاسْتِيعَابِ، وَفِيهِ أَنَّ الْبَلَاغَةَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِحَالِ الْمُخَاطَبِ، وَمُقْتَضَى السِّيَاقِ نَفْيُ صَرْفِهَا عَنْ الْمُخَاطَبِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يُقْتَضَى تَعْمِيمٌ، فَالتَّأْوِيلُ غَيْرُ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ: فَهُوَ حُرٌّ) الْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَهُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ أَيْ عَتِيقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ) زَادَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَوَاشِيَ الْقَرِيبَةَ (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ (قَوْلُهُ: مِنْ صَرْفِ الْعَامِّ) لِأَنَّ ذَا رَحِمٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ مُتَّبِعِي الشَّافِعِيِّ إذَا حَاوَلُوا حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الَّذِينَ هُمْ عُمُومُ النَّسَبِ، وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُصُولُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّعْمِيمِ لَائِحٌ وَاضِحٌ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» فَإِنَّ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْهُ ابْتِدَاءً لَا فِي حِكَايَةِ حَالٍ وَلَا جَوَابًا لِسُؤَالٍ وَلَا فِي قَصْدِ حَلِّ إعْضَالٍ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتَادُ تَأْسِيسُ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَإِذَا قَالَ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ» تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحَارِمَ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ أَجْمَعِينَ وَلَوْ أَرَادَ الْآبَاءَ

لِغَيْرِ صَارِفٍ وَتَوْجِيهُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ نَفْيَ الْعِتْقِ عَنْ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِلْأَصْلِ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ إعْتَاقٍ خُولِفَ هَذَا الْأَصْلُ فِي الْأُصُولِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى صِيغَةِ الْإِعْتَاقِ، وَفِي الْفُرُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ، وَالْحَدِيثُ - قَالَ النَّسَائِيّ - مُنْكَرٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ لَا يُتَابَعُ ضَمُرَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ خَطَّاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ نَعَمْ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ضَمُرَةَ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَنَحْتَاجُ نَحْنُ حِينَئِذٍ إلَى بَيَانِ مُخَصِّصٍ لَهُ بِخِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ: يُخَصِّصُهُ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفَقَةِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَنَا لِغَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ (وَالسَّارِقُ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ) أَيْ وَمِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَغَيْرِهِ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» (عَلَى) بَيْضَةٍ (الْحَدِيدُ) أَيْ الَّتِي فَوْقَ رَأْسِ الْمُقَاتِلِ، وَعَلَى حَبْلِ السَّفِينَةِ لِيُوَافِقَ أَحَادِيثَ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي الْقَطْعِ وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ اللَّفْظِ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَبْلِ الْمَعْهُودِ غَالِبًا الْمُؤَيَّدِ إرَادَتُهُ بِالتَّوْبِيخِ بِاللَّعْنِ لِجَرَيَانِ عُرْفِ النَّاسِ بِتَوْبِيخِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ وَتَرْتِيبِ الْقَطْعِ عَلَى سَرِقَةِ ذَلِكَ لِجَرِّهَا إلَى سَرِقَةِ غَيْرِهَا مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ (وَبِلَالٌ يَشْفَعُ الْأَذَانَ) أَيْ وَمِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ بَعْضِ السَّلَفِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرَ بِلَالٌ أَيْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» كَمَا فِي النَّسَائِيّ «أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» (عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ شَفْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنِينَ وَعَلِمَ تَخْصِيصَهُمْ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ لَنَصَّ عَلَيْهِمْ اهـ. بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ: لِلْأَصْلِ) أَيْ لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْقُولَةِ الْمَعْنَى وَالْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: مَا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ غَيْرُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: فَيُعْتِقُهُ) أَيْ بِالشِّرَاءِ قَدْ يُقَالُ: اللَّفْظُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُسْتَفَادٌ بِوَاسِطَةِ قَرَائِنَ خَارِجِيَّةٍ كَحَدِيثِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَرِوَايَةِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفُرُوعِ) أَيْ وَقَوْلِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ إلَخْ) أَيْ عَلَى نَفْيِ اسْتِمْرَارِ اجْتِمَاعِ إلَخْ وَإِلَّا فَاجْتِمَاعُ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ مَوْجُودٌ فِي شِرَاءِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فَرْعُ الْمِلْكِ وَأُورِدَ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَى عَدَمِ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْوَلَدِيَّةِ عَبْدِيَّةُ الْإِيجَادِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اجْتِمَاعِ عَبْدِيَّةِ الرِّقِّ مَعَ الْوَلَدِيَّةِ، فَالدَّلِيلُ إقْنَاعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» إلَخْ (قَوْلُهُ: مُنْكَرٌ) أَيْ مِنْ طَرِيقِ ضَمُرَةَ وَقَوْلُهُ: وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ (قَوْلُهُ: لَا يُتَابَعُ ضَمُرَةُ عَلَيْهِ) أَيْ فِي طَرِيقِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ طَرِيقِ ضَمُرَةَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ خَطَّاءٌ) أَيْ ضَمُرَةُ خَطَّاءٌ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ كَثِيرُ الْخَطَأِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ: لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمَا كَانَ عَنْهُ مُخَلِّصٌ، وَلَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَنَحْتَاجُ نَحْنُ) هَذَا رُجُوعٌ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى عِتْقِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ عُمُومُ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُخَصِّصٍ، وَهَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى النَّفَقَةِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا حَقٌّ لِلْقَرَابَةِ (قَوْلُهُ: السَّارِقُ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالرَّفْعِ؛ وَلِهَذَا غُيِّرَ الْأُسْلُوبُ فَلَمْ يُقَدَّمْ فِيهَا قَوْلُهُ: وَمِنْ الْبَعِيدِ لَكِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: وَمِنْ الْبُعْدِ تَأْوِيلُ بَعْضِهِمْ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَالسَّارِقُ وَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَبِلَالٌ إلَخْ اهـ. ز. وَيَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْحِكَايَةِ (قَوْلُهُ: أَكْثَمُ) بِالْمُثَلَّثَةِ مِنْ عُلَمَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَرُزِقَ حَظْوَةً عِنْدَهُمْ كَانَ دَمِثَ الْأَخْلَاقِ نَدِيمًا مُسَامِرًا لَهُ نَوَادِرُ كَثِيرَةٌ مَعَ الْمَأْمُونِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: الْمُؤَيِّدُ) صِفَةٌ لِمَا يُتَبَادَرُ (قَوْلُهُ: لِجَرَيَانِ عُرْفٍ) عِلَّةٌ لِلتَّأْيِيدِ (قَوْلُهُ: وَتَرْتِيبُ الْقَطْعِ) هُوَ بِالرَّفْعِ وَأَشَارَ بِالْجُمْلَةِ إلَى التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ مُتَضَمِّنًا لِرَدِّ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، وَلَمَّا حَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ التَّأْوِيلَ الْبَعِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ قَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ قَالَ وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ أُورِدَ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ ثُمَّ أَعْلَمَ اللَّهُ بَعْدُ أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِصَابٍ (قَوْلُهُ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ) أَيْ الْحَمْلُ عَلَى الْقَطْعِ بِسَبَبِ الْجَرِّ (قَوْلُهُ: أَمْرَ بِلَالٍ أَيْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْآمِرَ لَهُ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

[المجمل]

لِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) بِأَنْ يُؤَذِّنَ قَبْلَهُ لِلصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى إقَامَتِهِ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ إفْرَادِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ اللَّفْظِ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ تَثْنِيَةِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَإِفْرَادِ كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ أَيْ الْمُعَظَّمِ فِيهِمَا الْمُؤَيَّدِ إرَادَتُهُ بِمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ زِيَادَةٍ إلَّا الْإِقَامَةَ أَيْ كَلِمَاتِهَا فَإِنَّهَا تُثَنَّى. (الْمُجْمَلُ) (مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَخَرَجَ الْمُهْمَلُ؛ إذْ لَا دَلَالَةَ لَهُ، وَالْمُبَيَّنُ لِاتِّضَاحِ دَلَالَتِهِ (فَلَا إجْمَالَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ) وَهِيَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] لَا فِي الْيَدِ، وَلَا فِي الْقَطْعِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: لِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَضُدِ إلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبَانَةِ، وَعَلَى الْجُرْحِ يُقَالُ لِمَنْ جَرَحَ يَدَهُ بِالسِّكِّينِ فَقَطَعَهَا وَلَا ظُهُورَ لِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِبَانَةُ الشَّارِعِ مِنْ الْكُوعِ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الظُّهُورِ لِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ فِي الْعُضْوِ إلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعُ ظَاهِرٌ فِي الْإِبَانَةِ، وَإِبَانَةُ الشَّارِعِ مِنْ الْكُوعِ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكُلِّ ذَلِكَ الْبَعْضُ (وَنَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] كَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] أَيْ لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْكَرْخِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا: إسْنَادُ التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأُمُورٍ لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا فَكَانَ مُجْمَلًا قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِوَطْءٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الثَّانِي تَحْرِيمُ الْأَكْلِ، وَنَحْوُهُ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى يَأْمُرَهُ نُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ شُيُوخِنَا السَّيِّدِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَذَانِ) أَيْ مَعَ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُؤَذِّنَ) أَيْ بِلَالٌ (قَوْلُهُ: مِنْ اللَّيْلِ) أَيْ فِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى إقَامَتِهِ) أَيْ إقَامَةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَمَعْنَى وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ أَنْ يَجْعَلُ إقَامَةَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وِتْرًا بِأَنْ لَا يُقِيمَ بِلَالٌ إقَامَةً ثَانِيَةً وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِبِلَالٍ أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَى إقَامَةِ نَفْسِهِ بَلْ يُوتِرُهَا، وَلَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ أَذَانُ بِلَالٍ، وَإِقَامَتُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُعَظَّمُ إلَخْ) فَإِنَّ بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ مُفْرَدٌ كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ آخِرَهُ، وَبَعْضُ كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ مُثَنًّى كَالتَّكْبِيرِ (قَوْلُهُ: الْمُؤَيِّدُ) صِفَةٌ أَوْ لِلْمُعَظَّمِ (قَوْلُهُ: إرَادَتُهُ) أَيْ مَا يُتَبَادَرُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ كَلِمَاتُهَا) هَذَا مَذْهَبُنَا - مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ: وَالْمَعْنِيُّ بِهِ أَنَّهَا لَا تُثَنَّى. [الْمُجْمَلُ] (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ) دَلَالَةٌ سَالِبَةٌ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ فَهُوَ صَادِقٌ بِمَا لَا دَلَالَةَ لَهُ أَصْلًا كَالْمُهْمَلِ أَوْ لَهُ دَلَالَةٌ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَّضِحْ قَالَهُ النَّاصِرُ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى دَالٍّ بِقَرِينَةِ إضَافَةِ دَلَالَتِهِ إلَى ضَمِيرِهِ؛ وَلِذَلِكَ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَا وُرُودَ لَهُ؛ إذْ التَّعْرِيفَاتُ لَا حَمْلَ فِيهَا حَقِيقِيٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ صُورِيٌّ فَكَيْفَ يُنْتَظَمُ مِنْ حَمْلِ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمُعَرَّفِ قَضِيَّةٌ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَالْمُرَادُ بِالدَّلَالَةِ الْمَدْلُولُ، كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي قَالَ سم: وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ بَقَاءُ الدَّلَالَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِنْ كَانَ اتِّضَاحُهَا بِاتِّضَاحِ الْمَدْلُولِ وَسُهُولَةِ فَهْمِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا يَأْتِي مَا يُعَيِّنُ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلٍ) أَيْ كَقِيَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا تَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعَمْدَ فَلَا يَكُونُ التَّشَهُّدُ وَاجِبًا وَالسَّهْوُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَرْكَ الْعَوْدِ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ تَرْكَ الْعَوْدِ إلَيْهِ بَيَانٌ لِإِجْمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فِعْلٌ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ كَمَا مَرَّ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْجَرْحِ إلَخْ) وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31] فَإِنَّهُنَّ لَمْ يُبِنَّ أَيْدِيَهُنَّ (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْقَطْعَ) بِالنَّصْبِ وَلَا يَصِحُّ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ النُّحَاةِ: إنَّهُ يُرَاعَى الْمَحَلُّ إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ يَحِلُّ مَحَلَّ جُمْلَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] فَإِذَا أُوِّلَ بِالْمُفْرَدِ كَانَ النَّصْبُ مُتَعَيِّنًا (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الْإِبَانَةِ) فَانْتَفَى احْتِمَالُ الْجَرْحِ، وَقَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ أَيْ فَلَا إجْمَالَ فِيهِ فَتَكُونُ الْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَعَلَهُ الشَّارِحُ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ فَقَدَّرَ

لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: التَّرَدُّدُ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَمَسْحِ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ تَرَدُّدَهُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمُطْلَقِ الْمَسْحِ الصَّادِقِ بِأَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَبِغَيْرِهِ، وَمَسْحُ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مِنْ ذَلِكَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ) صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِنِكَاحٍ بِدُونِ وَلِيٍّ مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَلَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ مُجْمَلًا قُلْنَا: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ الْمُرَجِّحُ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ قُرْبُهُ مِنْ نَفْيِ الذَّاتِ، فَإِنَّ مَا انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ مَا انْتَفَى كَمَالُهُ فَقَدْ يُعْتَدُّ بِهِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْبَصْرِيَّانِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا: لَا يَصِحُّ رَفْعُ الْمَذْكُورَاتِ مَعَ وُجُودِهَا حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أُمُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ خَبَرًا، وَلَوْ جَعَلَهُ مَجْرُورًا صَحَّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا إجْمَالَ فِيهِ) يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلُهُ: وَنَحْوُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، وَكَانَ الشَّارِحُ اعْتَمَدَ فِيهِ ضَبْطَ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: آيَةُ السَّرِقَةِ لَكَانَ طَرِيقُ إدْرَاجِهِ أَنْ يُقَالَ: وَلَا إجْمَالَ فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: لَا إجْمَالَ فِيهِ) أَيْ عِنْدَنَا وَكَذَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا إنَّهُمْ أَوْجَبُوا مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ قَالُوا: إنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَتُوجِبُ التَّصَادُقَ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ وَالرَّأْسَ الْمَجْمُوعَ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تُجْزِئُ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ عِنْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ) أَيْ الْفِعْلِ بِمَعْنَى مَاصَدَقَاتِهِ لَا الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَاضٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ إنَّمَا تُرَادُ عُرْفًا لِلِاسْتِمْتَاعِ (قَوْلُهُ: وَبِغَيْرِهِ) الشَّامِلِ لِلْكُلِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ، وَلَيْسَ مَبْنِيًّا لِلْمُرَادِ هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسْحَ حَقِيقَةٌ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ؛ إذْ هُوَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُمَاسَّةِ الْيَدِ كُلَّ الْمَمْسُوحِ اجْتِمَاعًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُمَاسَّتِهَا الْبَعْضَ كَمَا فِي مَسَحْت يَدَيَّ بِالْمِنْدِيلِ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُ الْمَجَازُ فَيُجْعَلُ لِلْمُشْتَرَكِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَحِينَئِذٍ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ مَسْحُ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ يُقَالُ فِي نَفْيِ الْإِجْمَالِ إنَّهُ لُغَةً لِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَهُوَ الْكُلُّ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي مِثْلِهِ عُرْفٌ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْبَعْضِ اتَّضَحَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْكُلِّ لِلْمُقْتَضَى، وَعَدَمِ الْمَانِعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّي فَلَا إجْمَالَ، وَإِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ لِلْبَعْضِ اتَّضَحَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَعْضِ لِلْعُرْفِ الطَّارِئِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيِّ فَلَا إجْمَالَ أَيْضًا لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَأَمَّا دَلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ تَبَيَّنَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ فَهُوَ أَنَّ الْبَاءَ مَتَى دَخَلَتْ فِي الْآلَةِ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَوْعِبُهُ دُونَ الْآلَةِ نَحْوُ مَسَحْت رَأْسَ الْيَتِيمِ بِيَدِي وَمَتَى دَخَلَتْ فِي الْمَحَلِّ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا يَسْتَوْعِبُهُ كَمَا فِي الْآيَةِ فَيَقْتَضِي مَمْسُوحِيَّةَ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَعْضِ لِحُصُولِهِ فِي ضِمْنِ غَسْلِ الْوَجْهِ فَيَكُونُ مُجْمَلًا لِاحْتِمَالِ السُّدُسِ وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعُ غَيْرُهُمَا كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ وَهُوَ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ نَفَوْا صِحَّتَهُ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَا صِحَّةَ لِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا هَذَا، وَثَانِيهَا «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَثَالِثُهُمَا «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا) فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ الْمَنْفِيَّ فِي الْحَدِيثِ النِّكَاحُ الشَّرْعِيُّ، وَالنِّكَاحُ الْمَوْجُودُ حِسًّا بِدُونِ وَلِيٍّ لَا يُقَالُ لَهُ: نِكَاحٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تَنْصَرِفُ لِلصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِهَذَا الْبَحْثِ بِقَوْلِهِ: قُلْنَا: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ إلَخْ. وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاسِدِ مِنْ النِّكَاحِ نِكَاحًا (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نَفْيِ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ أَيْ بَلْ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ إنَّمَا هُوَ النِّكَاحُ الشَّرْعِيُّ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: فَقَدْ يَعْتَدِيهِ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا

لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا فَكَانَ مُجْمَلًا، قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَفْعُ الْمُؤَاخِذِ، وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ التَّيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَخِي عَاصِمٍ فِي سَنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ إنَّ اللَّهَ وَضَعَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ) لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (لِوُضُوحِ دَلَالَةِ الْكُلِّ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَخَالَفَ قَوْمٌ) فِي الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ فِي مِثْلِ الْقَرْءِ) مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ لِاشْتِرَاكِهِ بَيْنَهُمَا (وَالنُّورُ) صَالِحٌ لِلْعَقْلِ، وَنُورُ الشَّمْسِ لِتَشَابُهِهِمَا بِوَجْهٍ (وَالْجِسْمُ) صَالِحٌ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِتَمَاثُلِهِمَا (وَمِثْلُ الْمُخْتَارِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ) بِإِعْلَالِهِ بِقَلْبِ يَائِهِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ الْمَفْتُوحَةِ أَلِفًا (وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيلُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِأَنَّ الْكَمَالَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَمَعَ انْتِفَاءِ الْكَمَالِ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا بُدَّ إلَّا أَنْ يُوَجَّهَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الْكَمَالِ صَادِقٌ مَعَ انْتِفَاءِ بَعْضِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ اهـ. سم (قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا) لِمَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ بِكَسْرِ الضَّادِ لَيْسَ عَامًّا، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ مُجْمَلًا، وَزَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَا اضْطِرَابَ؛ إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ نَفْيِ الْعُمُومِ وَنَفْيِ الْإِجْمَالِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُتَّضِحَ الدَّلَالَةِ ابْتِدَاءً دُونَ عُمُومٍ وَدُونَ تَقَدُّمِ إجْمَالٍ، وَنَحْوُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْقَلِيلِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا إجْمَالَ إلَخْ مَعَ أَخْبَارِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: لَا إجْمَالَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ لَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِإِنَّمَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ، وَلَا حَصْرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَدْفَعُهُ التَّعْبِيرُ بِمِثْلِ (قَوْلُهُ: مِثْلِ الْقَرْءِ) حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الطَّهُورِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْحَيْضِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: وَالنُّورُ) لَيْسَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا وَلَا مَعْنَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْعَقْلِ، وَلَا لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ يَتَنَاوَلُ لَهُمَا بَلْ اسْتِعْمَالُهُ فِي النُّورِ الْمَعْهُودِ حَقِيقَةٌ، وَفِي الْعَقْلِ مَجَازٌ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِتَشَابُهِهِمَا بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ أَشَارَ لِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَقْلِ مَجَازًا مَشْهُورًا، وَالْمَجَازُ الْمَشْهُورُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ: صَالِحٌ لِلْعَقْلِ إلَخْ) أَيْ وَصَالِحٌ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا كَالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَنُورِ الْقَمَرِ (قَوْلُهُ: وَالْجِسْمُ) وَمِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ جَوْهَرَيْنِ فَرْدَيْنِ فَصَاعِدًا، وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ مَا تَرَكَّبَ مِنْ الْهَيُولَى وَالصُّورَةِ وَقَوْلُهُ: لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْبَرُ جِسْمٍ مُشَاهَدٍ لَنَا، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْوَاقِعِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا قَالَ تَعَالَى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] فَقَوْلُهُ: صَالِحٌ لِلسَّمَاءِ إلَخْ أَيْ وَلِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ (قَوْلُهُ: لِتَمَاثُلِهِمَا) أَيْ سَعَةً وَعَدَدًا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْمُخْتَارِ) إنَّمَا كَرَّرَ لَفْظَ " مِثْلُ " فِي هَذَا لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ لَفْظُ الْمُخْتَارِ وَنَحْوِهِ لَا خُصُوصُ لَفْظٍ مُخْتَارٍ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ تَرَدَّدَ بَيْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ كَمُنْقَادٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَالْإِجْمَالُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لِلِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَضْعًا فِي آخِرِهَا لَهُ عُرُوضًا، وَمَا بَيْنَهُمَا لِلِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَالْإِجْمَالُ فِي جَمِيعِهَا فِي مُفْرَدٍ، وَفِيمَا يَأْتِي فِي مُرَكَّبٍ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النُّورَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا وَلَا مَعْنَوِيًّا مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ مَا يَعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، الْإِجْمَالُ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَةِ الْكَلَامِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُفْرَدَاتِ اُعْتُبِرَ فِي الْمَوْصُولِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الزَّوْجِ) وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ؛ إذْ التَّقْدِيرُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ أَيْ النِّسْوَةُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيُسَلَّمُ كُلُّ الْعِوَضِ لِلزَّوْجِ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيُسَلَّمَ كُلُّ الْعِوَضِ لَهُنَّ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيُّ الْجَدِيدُ وَأَمَّا الْقَدِيمُ فَهُوَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَبًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُوَلِّيَةُ صَغِيرَةً وَيَعْفُونَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ الَّذِي عَلَى الْوَاوِ وَنُونُ النِّسْوَةِ فَاعِلٌ

وَالْوَلِيِّ قَدْ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الزَّوْجِ وَمَالِكٌ عَلَى الْوَلِيِّ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمَا {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] لِلْجَهْلِ بِمَعْنَاهُ قَبْلَ نُزُولِ مُبَيِّنِهِ أَيْ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَخْ وَيَسْرِي الْإِجْمَالُ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] لِتَرَدُّدِ لَفْظِ " الرَّاسِخُونَ " بَيْنَ الْعَطْفِ وَالِابْتِدَاءِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْمُوضَعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ (وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» ) لِتَرَدُّدِ ضَمِيرِ جِدَارِهِ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَارِ، وَإِلَى الْأَحَدِ وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنْعِ لِذَلِكَ، وَالْجَدِيدُ الْمَنْعُ لِحَدِيثِ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ وَخَشَبَةً فِي الْأَوَّلِ رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ مُنَوَّنًا، وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا (وَقَوْلُك زَيْدٌ طَبِيبٌ مَاهِرٌ) لِتَرَدُّدِ مَاهِرٍ بَيْنَ رُجُوعِهِ إلَى طَبِيبٍ وَإِلَى زَيْدٍ وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِهِمَا (الثَّلَاثَةُ زَوْجٌ وَفَرْدٌ) لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْوَلِيِّ) فَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَإِنْ رُوعِيَتْ كَانَ الْوَلِيُّ أَظْهَرَ، وَإِنْ رَوْعِي قَوْلُهُ: بِيَدِهِ كَانَ الزَّوْجُ أَظْهَرَ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) أَيْ وَإِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِعَاطِفٍ مُقَدَّرٍ فِي الْمَتْنِ أَيْ يُتْلَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمُهُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ نُزُولِ مُبَيِّنِهِ) أَيْ وَأَمَّا بَعْدَ مُبَيِّنِهِ فَهُوَ مُتَّضِحٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْرِي الْإِجْمَالُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولَ مِنْ مَعْلُومٍ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا لَكِنَّ الْإِجْمَالَ فِي الْمُسْتَثْنَى أَصَالَةً وَفِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ سِرَايَةً (قَوْلُهُ: أَيْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ: لَفْظِ الرَّاسِخُونَ) أَيْ فَالْإِجْمَالُ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَاوِ إجْمَالٌ لِتَرَدُّدِ مَا بَيْنَ كَوْنِهِمَا عَاطِفَةً أَوْ اسْتِئْنَافِيَّةً (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ) لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ مَا قَدَّمَهُ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا قَدَّمَهُ وَقَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْفِيَائِهِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الِابْتِدَاءِ أَنَّ أَحَدًا غَيْرَهُ - تَعَالَى لَا يَعْلَمُهُ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ فِيهِ وَقَدْ يَطَّلِعُ إلَخْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَنْفِيُّ بِمُقْتَضَى مَا هُنَا الْعِلْمُ الْمُعْتَادُ لِغَيْرِهِ - تَعَالَى، بِأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ - تَعَالَى - طَرِيقٌ مُعْتَادٌ فِي اسْتِعْلَامِهِ وَالْمُثْبَتُ بِمُقْتَضَى مَا هُنَاكَ الْعِلْمُ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ فَلَا مُنَافَاةَ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لِتَرَدُّدِ ضَمِيرِ جِدَارِهِ) أَيْ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا قُرْبَ الْمَرْجِعِ قَرِينَةً (قَوْلُهُ: وَالْجَدِيدُ الْمَنْعُ) أَيْ مَنْعُ وَضْعِ خَشَبِ الشَّخْصِ فِي جِدَارِ جَارِهِ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ خُطْبَةِ إلَخْ) أَيْ وَلِمُوَافَقَتِهِ لِلْغَالِبِ مِنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْأَقْرَبِ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْجَارُ اهـ. ز (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ مُسْلِمٍ فِيمَا شَرَطَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمُعَاصَرَةِ وَاللُّقَى اللَّذَيْنِ هُمَا شَرْطُ الْبُخَارِيِّ وُجُودُ الْمُعَاصَرَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ مُسْلِمٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَكُلُّ إلَخْ وَمُسْلِمٌ مُنْفَرِدٌ إلَخْ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ هُنَا الرِّجَالُ لَا الشَّرْطُ الْمَعْرُوفُ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ) فَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الشَّيْنِ، أَوْ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالشِّينِ وَالْهَاءِ (قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى) فَإِنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى زَيْدٍ كَانَ مَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ طِبًّا وَغَيْرَهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى طَبِيبٍ كَانَ مَاهِرًا فِي الطِّبِّ فَقَطْ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ قِيَاسُ مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَا قَبْلَهُ رُجُوعُ مَاهِرٍ إلَى طَبِيبٍ (قَوْلُهُ: لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ أَجْزَاءٌ ثَلَاثَةٌ زَوْجٌ وَفَرْدٌ أَيْ جُزْءَاهَا، وَهُمَا اثْنَانِ وَوَاحِدٌ فَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ صِفَاتُ الثَّلَاثَةِ زَوْجٌ وَفَرْدٌ فَالثَّلَاثَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِهَذَا الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَلْزَمُ اتِّصَافُهَا بِالصِّفَتَيْنِ بَلْ اتِّصَافُ أَجْزَائِهَا أَيْ جُزْأَيْهَا بِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ صِفَاتِهَا فَيَلْزَمُ اتِّصَافُهَا بِالصِّفَتَيْنِ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ فَالْمُدَّعَى إجْمَالُهُ لَفْظُ الثَّلَاثَةِ وَلَا مَعْنَى لِإِجْمَالِهِ إلَّا تَرَدُّدُهُ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَجْزَاءُ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الصِّفَاتُ، وَأَمَّا تَرَدُّدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ اتِّصَافِهَا

جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَجَمِيعِ صِفَاتِهَا، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَى صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ؛ إذْ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي يُوجِبُ كَذِبَهُ (وَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ) أَيْ الْمُجْمَلِ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) لِلْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مِنْهُمَا وَنَفَاهُ دَاوُد وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلنِّكَاحِ، وَالثَّانِي مُقْتَرِنٌ بِمُفَسَّرِهِ. وَالثَّالِثُ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّابِعُ ظَاهِرٌ فِي عَوْدِهِ إلَى الْأَحَدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَطُّ الْكَلَامِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ) اللَّفْظَ (أَوْضَحُ مِنْ) الْمُسَمَّى (اللُّغَوِيِّ) لَهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِ وَقِيلَ: لَا فِي النَّهْيِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ مُجْمَلٌ وَالْآمِدِيُّ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ (وَقَدْ تَقَدَّمَ) ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ: اللَّفْظُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ، وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمُسَمَّى الشَّرْعِيُّ لِلَّفْظِ (حَقِيقَةً فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ) مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاتِّصَافِ أَجْزَائِهَا فَهُوَ فَرْعٌ فِي هَذَا التَّرَدُّدِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الثَّلَاثَةَ مُتَرَدِّدَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ بَيْنَ أَنْ تَتَّصِفَ أَجْزَاؤُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ فَتَكُونَ الْقَضِيَّةُ صَادِقَةً، وَأَنْ تَتَّصِفَ هِيَ بِهِمَا فَتَكُونَ الْقَضِيَّةُ كَاذِبَةً، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَى مَاصَدَق الْقَضِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ الْإِجْمَالِ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ بَيْنَ اتِّصَافِهَا بِصِفَتَيْهَا وَاتِّصَافِ أَجْزَائِهَا بِهِمَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمَّا لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْمَعْنَى قَالَ: فِي عَدِّ هَذَا مِنْ الْمُجْمَلِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ. (قَوْلُهُ: جَمِيعُ أَجْزَائِهَا) أَيْ جُزْأَيْهَا فَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) قَدْ يُقَالُ: هَلَّا كَانَتْ اسْتِحَالَةُ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لَهَا، وَبَدَاهَةُ ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهَا قَرِينَةَ مُقَارَنَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَانِعَةٍ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَيَنْتَفِي الْإِجْمَالُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجِ) هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ هُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْقَرْءُ فَإِنَّهُ أَوَّلُ أَمْثِلَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] . وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ بِمَعْرِضِ كَوْنِهِ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لَهُ، وَهَذَا يَرِدُ عَلَى دَاوُد إلَّا أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ أَوْ يَجْعَلَهُ ظَاهِرًا فِي الدَّمِ لِكَوْنِ الطُّهْرَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ) أَيْ الْمُلْتَقَى صِحَّتُهُ أَوْ فَسَادُهُ مِنْ الشَّرْعِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَوْضُوعَةٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: أَوْضَحُ مِنْ اللُّغَوِيِّ) أَيْ فَلَا إجْمَالَ فِي لَفْظٍ لَهُ مُسَمًّى شَرْعِيٌّ، وَمُسَمًّى لُغَوِيٌّ، وَكَذَلِكَ لَا إجْمَالَ فِي لَفْظٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَمَ شَخْصٍ مَعَ اسْتِعْمَالِهِ اسْمَ جِنْسٍ، وَمِنْ عِبَارَةِ بَعْضِ الشِّيعَةِ مَا اتَّفَقَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِمَامَةً تُسَمَّى السَّحَابَ فَاجْتَازَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَمَتِّعًا بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ مَعَهُ أَمَا رَأَيْتُمْ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ» أَوْ نَحْوَ هَذَا اللَّفْظِ فَبَلَغَ ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَشَيِّعِينَ فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ يُرِيدُ سَحَابَ السَّمَاءِ، وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: بَرِئْت مِنْ الْخَوَارِجِ لَسْت مِنْهُمْ ... مِنْ الْغَزَالِ مِنْهُمْ وَالرَّبَابِ وَمِنْ قَوْمٍ إذَا ذَكَرُوا عَلِيًّا ... يَرُدُّونَ السَّلَامَ عَلَى السَّحَابِ وَالْغَزَالِيُّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ رَئِيسُ الْمُعْتَزِلَةِ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالْغَزَلِ عَلَى النِّسَاءِ وَالرَّبَابِ بِبَاءَيْنِ هُوَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مِنْ غُلَاةِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، وَالْأَصْلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فِيهِ إلَخْ وَفِيهِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ هُوَ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْمٌ لِلَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّفْظُ لَا يَتَعَذَّرُ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنْ تَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ مِنْ حَيْثُ مَدْلُولُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذَّرَ إنَّمَا هُوَ الْمَدْلُولُ (قَوْلُهُ: فَيُرَدُّ) أَيْ اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ الْحَقِيقِيِّ

مَا أَمْكَنَ (أَوْ) هُوَ (مُجْمَلٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ وَالْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ (أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ) تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ (أَقْوَالٌ) اخْتَارَ مِنْهَا الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَغَيْرِهِ الْأَوَّلَ، مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ» تَعَذَّرَ فِيهِ مُسَمَّى الصَّلَاةِ شَرْعًا فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ بِأَنْ يُقَالَ: كَالصَّلَاةِ فِي اعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِ الطَّوَافِ عَلَيْهِ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا ذِكْرًا، وَهُوَ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَحَدَهُمَا) تَارَةً أُخْرَى عَلَى السَّوَاءِ، وَقَدْ أُطْلِقَ (مُجْمَلٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ، وَقِيلَ: يَتَرَجَّحُ الْمَعْنَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً (فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى (أَحَدَهُمَا فَيُعْمَلُ بِهِ) جَزْمًا لِوُجُودِهِ فِي الِاسْتِعْمَالَيْنِ (وَيُوقَفُ الْآخَرُ) لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ وَقَالَ يُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ إلَخْ مِمَّا ظَهَرَ لَهُ كَمَا قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَا أَمْكَنَ) أَيْ مُدَّةَ الْإِمْكَانِ فَهُوَ مَعْمُولٌ مُحَافَظَةً أَوْ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَيَكُونُ الْمَعْنَى مُحَافَظَتَهُ إمْكَانًا أَيْ وَقْتَ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ) أَيْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: الطَّوَافُ دُعَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ: الْحَجُّ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ مَا فِيهِ الْأَقْوَالُ، وَهُوَ الَّذِي تَعَذَّرَ فِيهِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ حَقِيقَةً، وَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ) هَذَا هُوَ الْقَرِينَةُ، وَفِي كَوْنِ الْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ هُنَا مُطْلَقُ التَّوَسُّعِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ عَلَى طَرِيقَةِ السَّعْدِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ: أُطْلِقَتْ الصَّلَاةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأُرِيدَ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ) لَيْسَ مُرَادُهُ التَّشْبِيهَ بَلْ بَيَانَ وَجْهِ الْعَلَاقَةِ (قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ) أَيْ الْخَاصَّةُ بِهِ إنْ كَانَ نَفْلًا أَوْ طَوَافَ وَدَاعٍ، وَنِيَّةُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الشَّامِلَةُ إنْ كَانَ طَوَافَ رُكْنٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الدُّعَاءُ) وَمَعْنَى كَوْنِ الطَّوَافِ صَلَاةً بِمَعْنَى الدُّعَاءِ أَنَّهُ يُصَاحِبُهَا، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُجْعَلُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذُو صَلَاةٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُصَاحِبٌ لَهَا فَلَمْ تَخْرُجْ الصَّلَاةُ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِي حَمْلِهَا عَلَى الطَّوَافِ مُسَامَحَةٌ، وَقَدْ يَبْعُدُ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، وَأَيْضًا احْتَاجَهُ لِلْقَرِينَةِ، وَلَوْ سُلِّمَ وُجُودُهَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي فُسِّرَتْ بِهِ الصَّلَاةُ لَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْكَلَامُ حَتَّى يُسْتَثْنَى مِنْهُ حَمْلُ الْكَلَامِ، وَاقْتِضَاءُ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ وَاجِبٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ (قَوْلُهُ: لِاشْتِمَالِ إلَخْ) أَيْ فَشَبَّهْنَا الْمُشْتَمِلَ بِكَسْرِ الْمِيمِ بِاسْمِ الْمُشْتَمَلِ بِفَتْحِهَا، وَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَلَا طَهُرَ بِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَنْ الشَّارِعِ لَهُ مَعْنًى مُفْرَدٌ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مُجْمَلٌ قَالَ النَّاصِرُ إذَا تَأَمَّلْت تَقْرِيرَ الشَّارِحِ لِمَعْنَى الْكَلَامِ ظَهَرَ لَك أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْمُتَرَدِّدَ بَيْنَ مَعْنًى تَارَةً وَمَعْنَيَيْنِ إلَخْ إذْ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ سَبْقُ اسْتِعْمَالٍ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ اهـ. قَالَ سم: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَعْنًى إلَخْ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الِاسْتِعْمَالِ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِهِ قَوْلُهُ: وَيُوقَفُ الْآخَرُ

مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَطَأُ، وَلَا يُوطَأُ أَيْ لَا يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي حَدِيثُ مُسْلِمٍ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» أَيْ بِأَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فَيَعْقِدَ لَهَا وَلَا يُجْبِرَهَا، وَقَدْ قَالَ بِعَقْدِهَا لِنَفْسِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَكِنْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان لَا وَلِيَّ فِيهِ وَلَا حَاكِمَ وَنَقَلَهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ: كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَقِيلَ يُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ قَالَ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْجَزْمَ بِتَقْيِيدِهِ ذَلِكَ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِمَّا ظَهَرَ لَهُ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ الْقَوْمِ فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ كَلَامًا يُخَالِفُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ النِّكَاحِ فِيهِ عَلَى الْوَطْءِ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَمِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مَعْنَيَانِ تَحَكُّمٌ؛ إذْ فِي الْأَوَّلِ مَعْنَيَانِ أَيْضًا، وَهُوَ الْوَطْءُ، وَإِلَّا يَطَأْ فَهُوَ نَظِيرُ الثَّانِي فَلِمَ اُعْتُبِرَ الْمَعْنَيَانِ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الْأَمْثِلَةِ وَبِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوَطْءِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ وَاطِئٌ أَوْ مَوْطُوءٌ فَالْوَطْءُ وَاقِعٌ مِنْ الْمُحْرِمِ أَوْ فِيهِ، وَمُتَعَلِّقُ الْعَقْدِ مُتَعَدِّدٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُتَزَوِّجٌ أَوْ مُزَوِّجٌ، فَالتَّزَوُّجُ لَهُ وَالتَّزْوِيجُ لِغَيْرِهِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُوطِئُ بِكَسْرِ الطَّاءِ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ الْمُسْتَفَادُ هُوَ الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْمُحْرِمِ فِعْلًا أَوْ تَمْكِينًا، وَالْمَعْنَيَانِ هُمَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ، وَعَقْدُهُ لِغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ الْعَقْدِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ: وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَعْنَيَيْنِ لَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ لِلَّفْظِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ يُونُسُ إلَخْ) الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَأْذَنُ لِرَجُلٍ يَعْقِدُ لَهَا فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهَا تَعْقِدُ بِنَفْسِهَا فِيهِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا وَقَالَ: إنَّهُ تَحْكِيمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَوْلَى عَدَمُ إثْبَاتِهَا لِإِطْلَاقِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ بِخِلَافِهَا وَلِجَلْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ فِي ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَحْكِيمٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ رِضَاهُمَا بِمَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا، وَالتَّزْوِيجُ يَفْتَقِرُ إلَى وِلَايَةٍ مِنْ الشَّرْعِ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ اخْتَارَ جَوَازَ التَّحْكِيمِ، وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ الَّذِي نَقَلَهُ يُونُسُ وَهُوَ ثِقَةٌ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ بِمَعْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ حَمْلُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ يُونُسَ عَلَى أَنَّهَا عَقَدَتْ لِنَفْسِهَا بِوَاسِطَةِ إذْنِهَا

(الْبَيَانُ) بِمَعْنَى التَّبْيِينِ (إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي) أَيْ الِاتِّضَاحِ فَالْإِتْيَانُ بِالظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ إشْكَالٍ لَا يُسَمَّى بَيَانًا (وَإِنَّمَا يَجِبُ) الْبَيَانُ (لِمَنْ أُرِيدَ فَهْمُهُ) الْمُشْكِلَ (اتِّفَاقًا لِحَاجَتِهِ) إلَيْهِ بِأَنْ يَعْمَلَ بِهِ أَوْ يُفْتِيَ بِهِ خِلَافُ غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْبَيَانَ (قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ) كَالْقَوْلِ، وَقِيلَ: لَا لِطُولِ زَمَنِ الْفِعْلِ فَيَتَأَخَّرُ الْبَيَانُ بِهِ مَعَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَهُ (وَ) الْأَصَحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِرَجُلٍ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: الْبَيَانُ) يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمُبَيَّنِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْمَدْلُولُ، وَبِمَعْنَى مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيَانُ، وَأَخَذَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ بِمَعْنَى التَّبْيِينِ أَيْ فِعْلِ الْفَاعِلِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إخْرَاجُ الشَّيْءِ إلَخْ فَإِنَّ الْإِخْرَاجَ فِعْلُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ) أَيْ مِنْ مَكَان هُوَ الْإِشْكَالُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَكَذَا قَوْلُهُ: حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْمَكَانُ هُنَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى بَيَانًا) أَيْ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسَمَّى بَيَانًا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَكَلَامُنَا فِي الِاصْطِلَاحِيَّاتِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ كَمَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْحَيِّزِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ كَالْحَقِيقَةِ، وَلَعَلَّ الْقَرِينَةَ ذِكْرُ الْإِشْكَالِ، وَالْجَامِعُ الِاشْتِمَالُ فِي كُلٍّ، فَإِنَّ الصِّفَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مَوْصُوفِهَا كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَالِّ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَيَانُ) أَيْ عَقْلًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَنْ أُرِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ يَفْهَمُ الْمُشْكِلَ لِيَعْمَلَ بِهِ، أَوْ يُفْتِي؛ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ بِدُونِ بَيَانٍ، وَالْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إلَى عَدَمِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ اهـ. كَمَالٌ. أَيْ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ لِعَدَمِ الْفَهْمِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَكْلِيفِهِ لَمَا أَوْجَبَ هَاهُنَا الْبَيَانَ لِأَجْلِ الْفَهْمِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَعْمَلَ) أَيْ كَمَا فِي أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ يُفْتِيَ أَيْ كَمَا فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ أَوْ يَعْمَلَ، وَيُفْتِيَ فَيُعَمِّمَ فِي مِنْ فَيَشْمَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ (قَوْلُهُ: لِطُولِ زَمَنِ الْفِعْلِ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُعَلِّقْ الْبَيَانَ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ: الْقَصْدُ بِمَا كُلِّفْتُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا أَفْعَلُهُ ثُمَّ فَعَلَهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ بَيَانٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَقْرِيبِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالْكِتَابَةَ كَالْفِعْلِ بَلْ قَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِهِمَا اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: مُمْتَنِعٌ) أَيْ عَقْلًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَقْلِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَهُ) أَيْ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتِ الْفِعْلِ، وَتَأْخِيرُهُ لِغَرَضٍ، وَمِنْهُ سُلُوكُ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ، وَهُوَ الْفِعْلُ لِكَوْنِهِ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ وَلَوْ سَلَّمْنَا

(أَنَّ الْمَظْنُونَ يُبَيِّنُ الْمَعْلُومَ) وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ فِي مَحَلِّهِ حَتَّى كَأَنَّهُ الْمَذْكُورُ بَدَلَهُ، قُلْنَا لِوُضُوحِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ، وَإِنْ جَهِلْنَا عَيْنَهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْبَيَانِ (وَهُوَ الْبَيَانُ) أَيْ الْمُبَيِّنُ، وَالْآخَرُ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُؤَكَّدُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، قُلْنَا: هَذَا فِي التَّأْكِيدِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُمْلَةَ تُؤَكَّدُ بِجُمْلَةٍ دُونَهَا (وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْبَيَانَانِ) الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ كَأَنْ زَادَ الْفِعْلُ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوْلِ (كَمَا لَوْ طَافَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بَعْدَ) نُزُولِ آيَةِ (الْحَجِّ) الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الطَّوَافِ (طَوَافَيْنِ، وَأُمِرَ بِوَاحِدٍ فَالْقَوْلُ) أَيْ فَالْبَيَانُ الْقَوْلُ (وَفِعْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّائِدُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ (نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ) فِي حَقِّهِ دُونَ أَمَتِهِ (مُتَقَدِّمًا) كَانَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ (أَوْ مُتَأَخِّرًا) جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيُّ الْبَيَانُ هُوَ (الْمُتَقَدِّمُ) مِنْهُمَا كَمَا فِي قِسْمِ اتِّفَاقِهِمَا أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ الْقَوْلَ فَحُكْمُ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ الْفِعْلَ فَالْقَوْلُ نَاسِخٌ لِلزَّائِدِ مِنْهُ، قُلْنَا: عَدَمُ النُّسَخِ بِمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى، وَلَوْ نَقَصَ الْفِعْلُ عَنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ كَأَنْ طَافَ وَاحِدٌ، وَأُمِرَ بِاثْنَيْنِ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ الْبَيَانَ الْقَوْلُ، وَنَقْصُ الْفِعْلِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتِنَاعَهُ فَتَعْجِيلُ الْبَيَانِ حَاصِلٌ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ طُولُهُ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْبَيَانِ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَطُولُ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَظْنُونَ) أَيْ الْمَتْنَ دُونَ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ الْمَعْلُومَ) أَيْ مَا مَتْنُهُ قَطْعِيٌّ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ (قَوْلُهُ: قُلْنَا لِوُضُوحِهِ) أَيْ إنَّمَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ لِوُضُوحِهِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ مِنْ الْمَعْلُومِ وَلَيْسَ مُعَارِضًا لَهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَتَهُ إذْ التَّسَاوِي إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إلْغَاءُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ) أَيْ وَالْمُقَارِنَ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنَّمَا تَرَكُوهُ لِقِلَّتِهِ وَخَفَاءِ تَصْوِيرِهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) أَيْ الْوَارِدَيْنِ عَقِبَ مُجْمَلِ تَقَدُّمِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْبَيَانِ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْبَيَانِ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْبَيَانَانِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً بِجَعْلِ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ: الْمُتَّفِقَيْنِ) بِأَنْ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُبَيِّنُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ أَوْ الْفِعْلَ مُبَيِّنٌ أَيْ دَالٌّ عَلَى الْبَيَانِ لَا نَفْسُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ الْبَيَانُ) فَوُقُوعُ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْقَوْلِ يَكُونُ لِمُبَادَرَةِ الِامْتِثَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ الشَّيْءِ لَا يُؤَكَّدُ بِمَا هُوَ دُونَهُ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ) كَالتَّأْكِيدِ بِلَفْظِ كُلٍّ مَثَلًا فِي جَاءَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ فَإِنَّهُ فِي الشُّمُولِ وَالْإِحَاطَةِ أَقْوَى مِنْ لَفْظِ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ: أَمَّا بِالْمُسْتَقِلِّ) كَالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَإِنَّ الْفِعْلَ مُسْتَقِلٌّ، وَكَذَا الْقَوْلُ فَيَصِحُّ تَأْكِيدُ الْفِعْلِ الْأَقْوَى بِالْقَوْلِ الْأَدْوَنِ (قَوْلُهُ: تُؤَكَّدُ بِجُمْلَةٍ دُونَهَا) كَقَوْلِك: إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، زَيْدٌ قَائِمٌ (قَوْلُهُ: كَأَنْ زَادَ) أَيْ أَوْ نَقَصَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الزِّيَادَةِ رِعَايَةً لِمِثَالِ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا مَثَّلَ لَهَا، وَهُوَ مَثَلٌ لِلنَّقْصِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي مَثَّلَ لَهَا الْمَتْنُ (قَوْلُهُ: آيَةِ الْحَجِّ) أَيْ الْآمِرَةِ بِهِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] إلَخْ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الطَّوَافِ فِي قَوْلِهِ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ ذَلِكَ آيَةُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: عَلَى الزَّائِدِ) صَادِقٌ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَكِنْ الْأَلْيَقُ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِيَكُونَ الْأَوَّلُ هُوَ رُكْنَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْأَلْيَقُ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَةِ الْمُلْتَبَسِ بِهَا (قَوْلُهُ: نُدِبَ) أَيْ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ أُمَّتِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي حَقِّهِ دُونَ أُمَّتِهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ وَاجِبٌ فَقَطْ وَعَبَّرَ بِنُدِبَ لَا بِمَنْدُوبٍ الْمُنَاسِبِ لِوَاجِبٍ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُتَأَخِّرًا) أَيْ مُقَارِنًا أَوْ جُهِلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) هُمَا الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ؛ إذْ لَوْ جُعِلَ الْبَيَانُ هُوَ الْفِعْلَ لَلَزِمَ إلْغَاءُ الْقَوْلِ لِزِيَادَةِ الْفِعْلِ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَإِعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ (قَوْلُهُ: كَمَا سَبَقَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: بِمَا قُلْنَاهُ) أَيْ بِسَبَبِ مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. سم فِيهِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ الْمَتْنُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ

[مسألة تأخير البيان]

تَخْفِيفٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَخَّرَ الْفِعْلُ أَوْ تَقَدَّمَ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي الْحُسَيْنِ أَنَّ الْبَيَانَ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلَ فَحُكْمُ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ الْفِعْلَ فَمَا زَادَهُ الْقَوْلُ عَلَيْهِ مَطْلُوبٌ بِالْقَوْلِ. (مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ) لِمُجْمَلٍ أَوْ ظَاهِرٍ لَمْ يَرِدْ ظَاهِرُهُ بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي (عَنْ وَقْتِ الْفِعْلِ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَإِنْ جَازَ) وُقُوعُهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الْمُجَوِّزِينَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَقَوْلُهُ: الْفِعْلُ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ لَائِقَةٌ بِالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ بِالْمُؤْمِنِينَ حَاجَةً إلَى التَّكْلِيفِ لِيَسْتَحِقُّوا الثَّوَابَ بِالِامْتِثَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِامْتِزَاجِ الشَّرْحِ بِالْمَتْنِ نُزِّلَا مَنْزِلَةَ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ قَائِلُهُ أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ بِمَا قُلْنَا: هُوَ قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (قَوْلُهُ: تَخْفِيفٌ) أَيْ رُخْصَةٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: أَوْ تَقَدَّمَ) أَيْ أَوْ قَارَنَهُ، أَوْ جُهِلَ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: كَمَا سَبَقَ) أَيْ فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ. . [مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ] (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ دَلِيلُ مَا هُوَ سَيَأْتِي مِنْ التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُبَيَّنِ ظَاهِرٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: عَنْ وَقْتِ الْفِعْلِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ أَيْ الزَّمَنِ الَّذِي وَقَّتَهُ الشَّارِعُ لِفِعْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ اهـ. وَأَقُولُ الْمَفْهُومُ مِنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ تَأْخِيرُهُ إلَى خُرُوجِهِ وَلَا يَبْعُدُ ضَبْطُ التَّأْخِيرِ الْغَيْرِ الْوَاقِعِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى حَدٍّ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبَيَانِ مِنْ وَقْتِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ مَعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ وَاقِعٍ) لَا يُقَالُ: بَلْ وَقَعَ كَمَا فِي صُبْحِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ: صُبْحُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا إمَّا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا كَانَ مَشْرُوطًا بِالْبَيَانِ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُمَا لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا كَانَ لِظُهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَمَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْوُجُوبِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْبَيَانِ أَمَّا هُوَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْفِعْلِ اهـ. سم. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ الْفَجْرِ فَكَانَ أَحَدُنَا إذَا أَرَادَ الصَّوْمَ رَفَعَ عِقَالَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ وَكَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَا فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ فِي الصَّوْمِ، وَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إنَّمَا هُوَ صَوْمُ الْفَرْضِ اهـ. أَوْ أَنَّهُ اكْتَفَى أَوَّلًا بِإِشْهَارِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ صَرَّحَ بِالْبَيَانِ لَمَّا الْتَبَسَ عَلَى بَعْضِهِمْ لِقِلَّةِ فَطِنْتِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَهُ بِعَرْضِ الْقَفَا حِين أُخْبِرَ بِذَلِكَ، وَعَرْضُ الْقَفَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْفِطْنَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ) أَيْ عَقْلًا وَشَرْعًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا خَاطَبَ الْمُكَلَّفِينَ بِخِطَابٍ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بَيَّنَهُ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهَذِهِ عِلَّةُ عَدَمِ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَئِمَّتِنَا إلَخْ) هَذَا فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ، وَأَمَّا فِي بَيَانِ الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يُرَدْ ظَاهِرُهُ فَهُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا يُطَاقُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: الْفِعْلُ أَحْسَنُ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْحَاجَةِ الْقَوْلُ بِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى حَاجَةِ الْمُكَلَّفِ إلَى بَيَانِ مَا كُلِّفَ بِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْأَحْسَنِيَّةَ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: بِأَنَّ بِالْمُؤْمِنِينَ حَاجَةً إلَخْ) هَذَا لَيْسَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ التَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ الْعَقْلِيَّانِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ الْحَاجَةَ كَثِيرًا، وَسَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَحِينَئِذٍ فَالْعَقْلُ وَالْحَاجَةُ سِيَّانِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَنْ عَبَّرَ بِهَا وَلِذَلِكَ تَبَرَّأَ الشَّارِحُ وَقَالَ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ)

(وَ) تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ (إلَى وَقْتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ جَائِزٌ (وَاقِعٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سَوَاءٌ كَانَ لَلْمُبَيَّنِ ظَاهِرٌ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُجْمَلِ كَعَامٍّ يُبَيِّنُ تَخْصِيصَهُ، وَمُطْلَقٍ يُبَيِّنُ تَقْيِيدَهُ، وَدَالٍ عَلَى حُكْمٍ يُبَيِّنُ نَسْخَهُ (أَمْ لَا) وَهُوَ الْمُجْمَلُ كَمُشْتَرَكٍ يُبَيِّنُ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا، وَمُتَوَاطِئٍ يُبَيِّنُ أَحَدَ مَا صَدَقَاتِهِ مَثَلًا، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُهُ مُطْلَقًا لِإِخْلَالِهِ بِفَهْمِ الْمُرَادِ عِنْدَ الْخِطَابِ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (يَمْتَنِعُ) التَّأْخِيرُ (فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ، وَهُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ) لِإِيقَاعِهِ الْمُخَاطَبَ فِي فَهْمِ غَيْرِ الْمُرَادِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُجْمَلِ (وَرَابِعُهَا يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ) مِثْلُ هَذَا الْعَامُّ مَخْصُوصٌ وَهَذَا الْمُطْلَقُ مُقَيَّدٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مَنْسُوخٌ يَدُلُّ الْوُجُودُ الْمَحْذُورُ قَبْلَهُ فِي تَأْخِيرِ الْإِجْمَالِيِّ دُونَ التَّفْصِيلِيِّ لِمُقَارَنَةِ الْإِجْمَالِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ صُورَتُهَا أَنْ يُخَاطِبَنَا الرَّسُولُ بِمُجْمَلٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ حَتَّى جَاءَ وَقْتُ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: لِلْمُبَيَّنِ ظَاهِرٌ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: سَوَاءٌ كَانَ الْمُبَيَّنُ ظَاهِرًا بِحَذْفِ اللَّامِ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُبَيَّنِ إلَخْ) الْمُبَيَّنُ هُوَ الْعَامُّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْمُبَيَّنُ الْمُخَصَّصُ الْمَأْخُوذُ مِنْ التَّخْصِيصِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَتَمْثِيلُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ كَعَامٍّ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَيَّنِ اللَّفْظُ وَهُوَ نَفْسُهُ ظَاهِرٌ لَا أَنَّ لَهُ ظَاهِرًا وَلَوْ أُرِيدَ بِالْمُبَيَّنِ الْحُكْمُ كَانَتْ عِبَارَتُهُ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: كَعَامٍّ إلَخْ) الْأَوَّلُ كَآيَةِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] وَالثَّانِي: كَآيَةِ الْبَقَرَةِ وَالثَّالِثُ كَمَا فِي قَضِيَّةِ الذَّبِيحِ الْآتِيَةِ وَقَوْلُهُ: يُبَيَّنُ هُوَ فِي مَوَاضِعِهِ الْمَذْكُورَةِ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ) عَبَّرَ فِيهِ بِالْمُثَنَّى وَفِي الْمُتَوَاطِئُ عَقِبَهُ بِالْجَمْعِ نَظَرًا إلَى الْمَعْهُودِ فِيهِمَا أَوْ إلَى الْغَالِبِ، وَفِي سم مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ: لِيَنْظُرَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَوَاطِئِ وَالْمُطْلَقِ مِنْ النَّسَبِ عَلَى مُقْتَضَى صَنِيعِهِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ، وَالْمُتَوَاطِئُ كَذَلِكَ فَأَيْنَ التَّغَايُرُ اهـ. وَأَقُولُ: أَرَادَ بِصَنِيعِهِ جَعْلَهُ الْمُطْلَقَ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمَلِ الَّذِي لَهُ ظَاهِرٌ، وَالْمُتَوَاطِئُ مِنْ الْمُجْمَلِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ ثُمَّ أَقُولُ: أَمَّا أَوَّلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَوَاطِئَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَشْمَلُ الدَّالَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ يَشْمَلُ غَيْرَهُ أَيْضًا كَالدَّالِّ عَلَى الْفَرْدِ الْمُنْتَشِرِ الَّذِي هُوَ النَّكِرَةُ الَّتِي قَابَلَ بِهَا الْمُصَنِّفُ الْمُطْلَقَ حَيْثُ قَالَ: وَزَعَمَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ دَلَالَتَهُ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ تَوَهَّمَاهُ النَّكِرَةَ، فَالْمُطْلَقُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَهُ ظَاهِرٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُجْمَلِ، وَأَنَّ الْمُتَوَاطِئَ لَا ظَاهِرَ لَهُ وَأَنَّهُ مِنْ الْمُجْمَلِ إنَّمَا هُوَ بِالِاعْتِبَارِ بِأَنْ يَكُونَ ظُهُورُ الْمُطْلَقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَعَدَمِ ظُهُورِ الْمُتَوَاطِئِ الَّذِي مِنْ أَفْرَادِهِ الْمُطْلَقُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَفْرَادِ الْمُعَيَّنَةِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمُطْلَقِ الْأَفْرَادِ فَظَاهِرٌ، وَبِذَلِكَ يُشْعِرُ قَوْلُ الشَّارِحِ يَعْنِي أَحَدَ مَاصَدَقَاتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُهُ مُطْلَقًا) نَسَبَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إلَى الصَّيْرَفِيِّ وَالْحَنَابِلَةِ (قَوْلُهُ: لِإِخْلَالِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَلَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ الْمُرَادِ هَذَا فِي غَيْرِ الْبَيَانِ بِالنَّسْخِ وَمَا فِيهِ فَفُهِمَ دَوَامُ الْحُكْمِ هَذَا، وَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِ هَذَا الْقَائِلِ مُقَارَنَةُ التَّخْصِيصِ مَعَ جَوَازِ تَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْخِطَابِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَهْمِ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ) الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي الْمُجْمَلِ) لِأَنَّا نَقِفُ حَتَّى يُبَيَّنَ فَلَا مَحْذُورَ (قَوْلُهُ: وَرَابِعُهَا إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ كَانَ الظَّاهِرُ الْمُبَيَّنُ بِهِ مُجْمَلًا، وَالْمُجْمَلُ يَجُوزُ فِيهِ التَّأْخِيرُ (قَوْلُهُ: مِثْلُ هَذَا الْعَامُّ مَخْصُوصٌ) بَيَانٌ لِلْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمِثَالَانِ بَعْدَهُ، وَأَمَّا الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ فَكَأَنْ يُقَالَ: مَخْصُوصٌ بِكَذَا وَمُقَيَّدٌ بِكَذَا وَسَيُنْسَخُ فِي وَقْتِ كَذَا (قَوْلُهُ: يُبْدَلُ) مِثَالٌ لَا قَيْدٌ بِدَلِيلِ كَوْنِهِ فِي حَيِّزِ التَّمْثِيلِ فَلَا يُقَالُ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ؛ إذْ يَجُوزُ النَّسْخُ بِلَا بَدَلٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْمَحْذُورِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِمُقَارَنَةِ الْإِجْمَالِيِّ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ دُونَ التَّفْصِيلِيِّ

(بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُتَوَاطِئِ) مِمَّا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِهِمَا الْإِجْمَالِيِّ كَالتَّفْصِيلِيِّ كَأَنْ يَقُولَ: الْمُرَادُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ مَثَلًا فِي الْمُشْتَرَكِ وَأَحَدُ الْمَاصَادَقَاتِ مَثَلًا فِي الْمُتَوَاطِئِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ (وَخَامِسُهَا) يَمْتَنِعُ التَّأْخِيرُ (فِي غَيْرِ النَّسْخِ) لِإِخْلَالِهِ بِفَهْمِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ بِخِلَافِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْحُكْمِ أَوْ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ أَمَدِهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَقِيلَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ) الْبَيَانِ فِي (النَّسْخِ اتِّفَاقًا) لِانْتِفَاءِ الْإِخْلَالِ بِالْفَهْمِ عَنْهُ لِمَا ذُكِرَ (وَسَادِسُهَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَعْضٍ) مِنْ الْبَيَانِ (دُونَ بَعْضٍ) ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ يُوقِعُ الْمُخَاطَبَ فِي فَهْمِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ جَمِيعُ الْبَيَانِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُرَادِ وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْكُلِّ أَيْ قِيلَ: عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فِي الْبَعْضِ لِمَا ذُكِرَ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَالْوُقُوعُ وَمِمَّا يَدُلُّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوُقُوعِ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] إلَخْ فَإِنَّهُ عَامٌّ فِيمَا يُغْنَمُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ نُزُولِ الْآيَةِ لِنَقْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَأَنَّ الْآيَةَ قَبْلَهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] فَإِنَّهَا مُطْلَقَةٌ ثُمَّ بَيَّنَ تَقْيِيدَهَا بِمَا فِي أَجْوِبَةِ أَسْئِلَتِهِمْ، وَفِيهِ تَأْخِيرُ بَعْضِ الْبَيَانِ عَنْ بَعْضٍ أَيْضًا وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّ الْبَيَانَ الْإِجْمَالِيَّ لَمَّا قَارَنَ وُرُودَ الْخِطَابِ لَمْ يَمْتَنِعْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ التَّفْصِيلِيِّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ، وَهُوَ إيقَاعُ الْمُخَاطَبِ فِي فَهْمِ غَيْرِ الْمُرَادِ بِمُقَارَنَةِ الْإِجْمَالِيِّ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ) وَهُوَ الْإِيقَاعُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْحُكْمِ إلَخْ) أَيْ فَغَايَةُ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْخِطَابِ عِنْدَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْهُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ، وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْفِعْلِ رَفَعَهُ النَّاسِخُ أَوْ بَيَّنَ آخِرَ مُدَّتِهِ فَلَا إخْلَالَ بِوَجْهٍ (قَوْلُهُ: فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي الْمُجْمَلِ وَمَا لَهُ ظَاهِرُ النَّسْخِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ تَدْرِيجًا بِأَنْ يُؤْتَى بِبَعْضٍ مِنْهُ كَبَعْضِ مُخَصَّصَاتِ الْعَامِّ وَبَعْضِ مُقَيَّدَاتِ الْمُطْلَقِ مُقَارَنًا لِلْخِطَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْبَعْضِ الْآخَرِ بَعْدَ مُدَّةٍ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَى وَقْتِهِ وَاقِعٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَقَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ رُجُوعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَدُلُّ فِي الْمَسْأَلَةِ) أَيْ الَّتِي فِيهَا الْأَقْوَالُ السِّتَّةُ، وَهِيَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ: وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إلَخْ فَلَيْسَ رَاجِعًا لِلْقَوْلِ السَّادِسِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الْوُقُوعِ أَيْ فِي الْكُلِّ وَالْبَعْضِ قَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] جَعْلُ هَذِهِ الْآيَةِ لِلْوُقُوعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فِي الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: لِنَقْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَخْ) قَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَأَخُّرَ الْخَاصِّ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ نَسْخٌ أَنَّ الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِلْآيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ السَّلْبِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَقِسْمَةُ غَنِيمَتِهَا وَأَمَّا مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِسَلْبِ أَبِي جَهْلٍ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ فَهِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا وَالْمَقْصُودُ بِالتَّمْثِيلِ تَخْصِيصُ الْآيَةِ بِمُخَصَّصٍ عَامٍّ لِكُلِّ سَلَبٍ فَلَا يَرِدُ. (قَوْلُهُ: عَنْ بَعْضٍ أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِيهِ تَأْخِيرُ الْكُلِّ فَإِنْ قِيلَ: مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْخِيرِ بَيَانِ الْبَقَرَةِ عَنْ الْخِطَابِ الْأَمْرُ بِالذَّبْحِ يُوجِبُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى ذَبْحِهَا حِين أُمِرُوا بِالذَّبْحِ أُجِيبَ بِمَنْعِ احْتِيَاجِهِمْ إلَى الذَّبْحِ عِنْدَ وُرُودِ الْخِطَابِ كَيْفَ وَالْأَمْرُ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ فَلَا يَكُونُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَّا تَأْخِيرًا عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ، وَأُورِدَ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بَقَرَةٌ مَا لَا الْمُعَيَّنَةُ فَلَا نَحْتَاجُ لِبَيَانٍ فَتَأَخَّرَ فَإِنَّ بَقَرَةً نَكِرَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي بَقَرَةٍ مَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَوْ ذَبَحُوا أَيَّةَ بَقَرَةٍ لَأَجْزَأَتْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ

إلَخْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِذَبْحِ ابْنِهِ ثُمَّ بَيَّنَ نَسْخَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (وَعَلَى الْمَنْعِ) مِنْ التَّأْخِيرِ (الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْخِيرُ التَّبْلِيغِ) لِمَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى وَقْتِ (الْحَاجَةِ) إلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ عَنْهُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] أَيْ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ ضَرُورَةً فَلَا فَائِدَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ إلَّا الْفَوْرُ قُلْنَا: فَائِدَتُهُ تَأْيِيدٌ لِلْعَقْلِ بِالنَّقْلِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِي الْقُرْآنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِتِلَاوَتِهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبْلِيغَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ الْحُكْمِ فَيُجِيبُ تَارَةً مِمَّا عِنْدَهُ وَيَقِفُ أُخْرَى إلَى أَنْ يَنْزِلَ الْوَحْيُ (وَ) الْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ) الْمُكَلَّفُ (الْمَوْجُودَ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُخَصِّصِ بِالْمُخَصَّصِ وَلَا بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ أَيْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِذَاتِ الْمُخَصَّصِ، وَلَا بِوَصْفِ أَنَّهُ مُخَصَّصٌ مَعَ مُخَصَّصٍ مَعَ عِلْمِهِ بِذَاتِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ لَهُ الْعَقْلَ بِأَنْ يُسَبِّبَ اللَّهُ لَهُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَيْسَ شَرْعُنَا، وَلَوْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ قَوْلُهُ: {إِنِّي أَرَى} [الصافات: 102] أَيْ رَأَيْت، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْوَحْيِ فَقَوْلُهُ: {أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] أَيْ أُمِرْت وَكُلِّفْت بِذَبْحِك لِقَوْلِهِ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ نَسْخَهُ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وُجِدَ نَاسِخٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّ قَوْلَهُ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] هُوَ النَّاسِخُ بَلْ النَّاسِخُ هُوَ نُزُولُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ) وَهُوَ الْإِخْلَالُ بِفَهْمٍ غَيْرِ الْمُرَادِ، وَقَوْلُهُ: عَنْهُ أَيْ عَنْ تَأْخِيرِ التَّبْلِيغِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالِانْتِفَاءِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْفَوْرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ أَوْ لِقِيَامِ قَرِينَةٍ دَلَّتْ عَلَى الْفَوْرِ (قَوْلُهُ: مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ إلَخْ) ذَكَرَهُ عَلَى لِسَانِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ، وَفِيهِ مَيْلٌ إلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا إنَّمَا يُعْلَمُ بِالشَّرْعِ، وَعَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ عِلْمٌ بِالْعَقْلِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَفَائِدَتُهُ تَأَيُّدُ الْعَقْلِ بِالنَّقْلِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ إلَخْ) وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَا اسْتِدْلَالَ الْمَانِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67] وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ أَجَابَا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِلْفَوْرِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا لَكَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ اهـ. كَمَالٌ. ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: يَقْتَضِي أَيْ مَنْعُ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِتِلَاوَتِهِ إلَخْ إنَّمَا يُنْتِجُ نَفْيَ الْوُقُوعِ لَا نَفْيَ الْجِوَازِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِمَا عُلِمَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَنْ اجْتِهَادِهِ أَوْ مُصَادَفَةِ الْوَحْيِ الْجَوَابَ (قَوْلُهُ: فَيُجِيبُ) أَيْ بِلَا مُهْلَةٍ، فَجَوَابُهُ كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ، وَأَخَّرَ تَبْلِيغَهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ) أَيْ مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ، وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فَمَنْ أَجَازَ أَجَازَ وَمَنْ لَا فَلَا، وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَارَّ فِي وُجُودِ الْبَيَانِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَوْضُوعُهُ بَعْدَ الْوُجُودِ هَلْ يَجُوزُ الْعِلْمُ بِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَعْلَمَ) أَيْ لِكَوْنِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَمْ يُسَبِّبْ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِالْمُخَصِّصِ) أَيْ غَيْرِ الْعَقْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ أَمَّا الْمُخَصِّصُ الْعَقْلِيُّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ حَتَّى يَشْمَلَهُ قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي أَمَّا الْعَقْلِيُّ فَاتَّفَقُوا إلَخْ وَلَكِنْ يَرُدُّ هَذَا تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ الْعَقْلِيُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ عَامٌّ فِي الْمُخَصِّصِ السَّمْعِيِّ وَالْعَقْلِيِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: أَمَّا الْعَقْلِيُّ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمُخَصِّصِ السَّمْعِيِّ وَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ طَرِيقَةٌ حَاكِيَةٌ لِلْخِلَافِ فِي السَّمْعِيِّ وَالْعَقْلِيِّ، وَطَرِيقَةٌ حَاكِيَةٌ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي السَّمْعِيِّ، وَالِاتِّفَاقُ فِي الْعَقْلِيِّ عَلَى الْجَوَازِ تَأَمَّلْ، وَاقْتَصِرْ عَلَى الْمُخَصِّصِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ وَالْمُبَيَّنَ وَالنَّاسِخَ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ) بِكَسْرِ الصَّادِ كَالْأَوَّلِ وَضَبَطَهُ الْعِرَاقِيُّ بِفَتْحِهَا مَعَ ضَبْطِهِ الْأَوَّلِ بِكَسْرِهَا وَبَنَى عَلَيْهِ شَيْئًا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُسَبِّبَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِالْوَصْفِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُخَصِّصًا

[النسخ]

وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمُخَصَّصِ السَّمْعِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ إعْلَامِهِ بِالْبَيَانِ قُلْنَا الْمَحْذُورُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَعَدَمُ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِالْمُخَصَّصِ بِأَنْ لَمْ يَبْحَثْ عَنْهُ تَقْصِيرٌ أَمَّا الْعَقْلِيُّ فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ أَنْ يُسْمِعَ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ الْعَامَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّ فِي الْعَقْلِ مَا يُخَصِّصُهُ وُكُولًا إلَى نَظَرِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْمَعْ الْمُخَصَّصَ السَّمْعِيَّ إلَّا بَعْدَ حِينٍ مِنْهُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَتْ مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] فَاحْتَجَّ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا رَوَاهُ لَهَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَمِنْهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْمَعْ مُخَصَّصَ الْمَجُوسِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] حَيْثُ ذَكَرَهُمْ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ أَيْ فِيهِمْ فَرَوَى لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. (النَّسْخُ) (اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ رَفْعٌ) لِلْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّأْخِيرُ مُنْتَفٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ قَدْ وُجِدَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهُمْ فَلِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُكَلَّفُ إلَخْ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ لَا مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهُ) ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ حَاصِلٌ فِي الْفِطْرَةِ، وَإِنَّمَا التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَةِ السَّامِعِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ إلَخْ) إنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى الْمُخَصِّصِ السَّمْعِيِّ دُونَ الْعَقْلِيِّ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ وِفَاقٍ (قَوْلُهُ: مُخَصِّصُ الْمَجُوسِ) أَيْ مُخْرِجُهُمْ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] . [النَّسْخُ] (قَوْلُهُ: النَّسْخُ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرْجَمَةٌ فَقَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ أَيْ النَّسْخَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّسْخِ مَا يَشْمَلُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْضًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْوَاقِعَةَ فِي الْعُلُومِ تُحْمَلُ عَلَى مَعَانِيهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ فَلَا اسْتِخْدَامَ وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ إلَخْ اسْتِئْنَافٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرَ النُّسَخِ فَلَا يَكُونُ تَرْجَمَةً، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ جَاءَ لِمَعْنَيَيْنِ لِلْإِزَالَةِ يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَنَسَخَتْ الرِّيحُ أَثَرَ الْقَدَمِ أَيْ أَزَالَتْهُ، وَلِلنَّقْلِ يُقَالُ: نَسَخْت الْكِتَابَ أَيْ نَقَلْت مَا فِيهِ إلَى الْآخَرِ، وَمِنْهُ الْمُنَاسَخَاتُ فِي الْمَوَارِيثِ لِانْتِقَالِ الْمَالِ مِنْ وَارِثٍ إلَى وَارِثٍ، وَالتَّنَاسُخُ فِي الْأَرْوَاحِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ مِنْ بَدَنٍ إلَى بَدَنٍ وَنَسَخْت النَّحْلَ أَيْ نَقَلْتهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، وَالْمَنْقُولُ النَّحْلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي النَّسْخِ أَنْ يُحَوَّلَ مَا فِي الْخَلِيَّةِ مِنْ النَّحْلِ وَالْعَسَلِ إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْقَفَّالُ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي النَّقْلِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْإِزَالَةِ وَالْإِعْدَامِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ، وَذَهَبَ الْبَصْرِيُّ إلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْقُرْآنُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ نُسِخَ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ (قَوْلُهُ: رَفْعٌ لِلْحُكْمِ)

(أَوْ بَيَانٌ) لِانْتِهَاءِ أَمَدِهِ (وَالْمُخْتَارُ) الْأَوَّلُ لِشُمُولِهِ النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَسَيَأْتِي جَوَازُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رَفَعَ (الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقَالُ: مَا ثَبَتَ فِي الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَطْعًا وَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَثْبُتْ فَكَيْفَ يُرْفَعُ وَأَيًّا كَانَ فَلَا رَفْعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ الْبُطْلَانَ بَلْ زَوَالَ مَا يُظَنُّ مِنْ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا النَّاسِخُ لَكَانَ فِي عُقُولِنَا ظَنُّ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَبِالنَّاسِخِ زَالَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ الْمَظْنُونُ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِشُمُولِهِ) أَيْ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ صَارَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْحُكْمُ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ انْتَهَى أَمَدُهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ حَتَّى يَكُونَ لَهُ امْتِدَادٌ وَفِيهِ أَنَّ الرَّفْعَ فَرْعُ الثُّبُوتِ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَمْ يَحْصُلْ الْحُكْمُ فَلَا يَشْمَلُهُ الْأَوَّلُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ نَعَمْ الْحُكْمُ فِي الْأَوَّلِ إزَالَةُ النَّاسِخِ وَفِي الثَّانِي انْتَهَى بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ مُغَيَّا بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالنَّاسِخُ مُبَيِّنٌ لَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا قِيلَ: إنَّهُ رَفْعٌ يَكُونُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَمَدٍ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ مُطْلَقٌ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ فَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا إنْ قُلْت إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا كَانَ الثَّانِي مُنَاقِضًا لَهُ، وَيَكُونُ الْإِطْلَاقُ عَبَثًا فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ افْعَلُوا مَا لَمْ أَنْهَكُمْ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّ الْمَعْنَى افْعَلُوا الْأَمَدَ عَلَيْهِ مَقْصُودٌ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مَعَ تَكَلُّفِهِ إذَا سُلِّمَ، غَايَتُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يُدْفَعُ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ الشُّمُولِ هَذَا وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّسْخَ أَبَدًا مَا يُنَافِي فِي شَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ فَنَقُولُ: قَوْلُ الشَّارِعِ: افْعَلُوا الشَّرْطَ اسْتِمْرَارُهُ أَنْ لَا يَنْهَى، وَهَذَا شَرْطٌ تَضَمَّنَهُ الْأَمْرُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ كَمَا أَنَّ شَرْطَ اسْتِمْرَارِهِ الْقُدْرَةُ، وَلَوْ قَدْرَ عَجْزِ الْمَأْمُورِ تَبَيَّنَ بِهِ بُطْلَانُ شَرْطِ الِاسْتِمْرَارِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ قُلْنَا نُفَارِقُهُمْ فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إنَّا نُجَوِّزَ نَسْخَ الْأَمْرِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ افْعَلُوا أَبَدًا جَوَّزْنَا نَسْخَهُ؛ لِأَنَّا تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ اللَّفْظِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: افْعَلُوا أَبَدًا إنْ لَمْ أَنْهَكُمْ عَنْهُ؛ إذْ شَرْطُ اسْتِمْرَارِهِ عَدَمُ النَّهْيِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَوَّلِ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا الدَّفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ الْمَتْنِ أَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ فَإِنْ قُلْت: هَذَا لَا يَشْمَلُ نَسْخَ بَعْضِ الْقُرْآنِ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا إذْ لَيْسَ رَفْعًا لِحُكْمٍ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَسْخَ التِّلَاوَةِ فَقَطْ مَعْنَاهُ نَسْخُ حُرْمَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْمَسِّ عَلَى الْمُحْدِثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ أَحْكَامُ نَسْخِ التِّلَاوَةِ فَنَسْخُ التِّلَاوَةِ فِي الْحَقِيقَةِ نَسْخٌ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: نَسْخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْمَنْفِيِّ حُكْمٌ خَاصٌّ، وَهُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْفِعْلِ) أَيْ مَثَلًا أَوْ أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ فِعْلَ اللِّسَانِ وَهُوَ اللَّفْظُ وَفِعْلَ الْقَلْبِ كَالِاعْتِقَادِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ لِرَدِّ مَا يُقَالُ، أَوْ الْخِطَابُ قَدِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ فَأَجَابَ بِأَنَّ إضَافَةَ الرَّفْعِ إلَى الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ فَالرَّفْعُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ الْحَادِثِ لَا لِلْخِطَابِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ النَّسْخُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ رَفْعًا لِلتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ؛ إذْ لَا تَعَلُّقَ تَنْجِيزِيًّا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَلُّقِ الْمَرْفُوعِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّنْجِيزِيِّ فَيَشْمَلُ الْإِعْلَامِيَّ الثَّابِتَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ يُرَادُ بِرَفْعِ التَّنْجِيزِيِّ مَا يَشْمَلُ الْمَنْعَ مِنْ حُصُولِهِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالرَّفْعِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَأَوْرَدَ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ أَيْضًا أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ لَكِنَّ قَوْلَهُ فَخَرَجَ بِالشَّرْعِيِّ رَفْعُ الْإِبَاحَةِ إلَخْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ أَدْرَجَ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ فِي الْحُكْمِ وَأَخْرَجَهَا بِالشَّرْعِيِّ اهـ. وَأَجَابَ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ نُسْخَةِ الْكَمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ هُنَا الْمَعْنَى الْأَعَمُّ الشَّامِلُ لِخِطَابِ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَلِنَحْوِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَبِقَيْدِ الشَّرْعِيِّ خَرَجَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إلَخْ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ اهـ. وَأَقُولُ بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْحُكْمِ بِهَذَا الْمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَحْدَثَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَغَيْرُ مَأْلُوفٍ وَلَا مَعْرُوفٍ؛ إذْ حَيْثُ

بِالْفِعْلِ (بِخِطَابٍ) فَخَرَجَ بِالشَّرْعِيِّ أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ الشَّرْعِ رَفْعُ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْعَقْلِ، وَبِخِطَابٍ الرَّفْعُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَالْغَفْلَةِ، وَكَذَا بِالْعَقْلِ وَالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَهُمَا لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهِمَا بِقَوْلِهِ (فَلَا نَسْخَ بِالْعَقْلِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ) الرَّازِيّ (مَنْ نُسِخَ رِجْلَاهُ نُسِخَ غَسْلُهُمَا) فِي طَهَارَتِهِ (مَدْخُولٌ) أَيْ فِيهِ دَخْلٌ أَيْ عَيْبٌ حَيْثُ جَعَلَ رَفْعَ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْعَقْلِ لِسُقُوطِ مَحَلِّهِ نَسْخًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلِاصْطِلَاحِ وَكَوْنُهُ تَوَسَّعَ فِيهِ (وَلَا) نَسْخَ (بِالْإِجْمَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي؛ إذْ فِي حَيَاتِهِ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ: دُونَهُمْ وَلَا نَسْخَ بَعْدَ وَفَاتِهِ (وَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأُطْلِقَ الْحُكْمُ فِي كَلَامِهِمْ فَالْمُرَادُ بِهِ خِطَابُ اللَّهِ فَالْأَحْسَنُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِالشَّرْعِيِّ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخِطَابُ وَأَنَّهُ غَيْرُ شَامِلٍ لِلْإِبَاحَةِ وَهُوَ مَعْنَى إخْرَاجِهَا بِهِ فَإِنَّ الْقُيُودَ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَيَّدِ مَا عَدَا مَا انْتَفَتْ عَنْهُ تِلْكَ الْقُيُودُ فَإِنْ أَرَادَ بِكَوْنِهِ أَدْرَجَهَا الْحُكْمُ وَأَخْرَجَهَا بِالشَّرْعِيِّ أَنَّهَا مَعَ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْعِيِّ مُرَادَةٌ مِنْهُ أَيْضًا فَهُوَ وَهَمٌ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي التَّقْيِيدَ بِالشَّرْعِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ وَلَوْلَاهُ لَفُهِمَ إرَادَتُهَا مِنْهُ فَقَوْلُهُ: يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: بِالْفِعْلِ) أَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ أَوْ الْمُرَادُ التَّعْلِيقُ التَّنْجِيزِيُّ (قَوْلُهُ: بِخِطَابٍ إلَخْ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالنَّسْخِ بِالْفِعْلِ كَنَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ بِأَكْلِ الشَّاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ نَفْسَهُ غَيْرُ نَاسِخٍ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخٍ سَابِقٍ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُحَقِّقَ التَّفْتَازَانِيَّ وَجَمَاعَةً جَعَلُوهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ النَّاسِخَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ فَإِنَّهُ قَالَ وَذَكَرَ الدَّلِيلَ لِيَشْمَلَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَوْلًا وَفِعْلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مِنْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ النَّسْخَ الْمُعَرَّفَ بِالْخِطَابِ هُوَ بِمَعْنَى النَّاسِخِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الرَّفْعُ وَالْمُرَادُ بِالْخِطَابِ أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا فَيَشْمَلُ الْفِعْلَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَأْخُوذِ إلَخْ) تَوْجِيهٌ لِلنِّسْبَةِ (قَوْلُهُ: رَفْعُ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ) كَرَفْعِ إبَاحَةِ فِطْرِ رَمَضَانَ بِإِيجَابِ صَوْمِهِ (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَقْلِ) أَيْ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا أَوْ مِنْ الْعَقْلِ الْمُسْتَنِدِ لِلشَّرْعِ لَا اسْتِقْلَالًا حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِالْعَقْلِ) أَيْ فِيمَا عُلِمَ سُقُوطُهُ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا فَصَّلَهُ بِكَذَا لِقَوْلِهِ وَذَكَرَهُمَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُمَا) أَيْ الْعَقْلَ وَالْإِجْمَاعَ أَيْ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِمَّا خَرَجَ بِقَوْلِهِ: خِطَابٍ، وَقَوْلُهُ بِقَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرٍ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَدْخُولٌ وَقَوْلُهُ سَقَطَ رِجْلَاهُ أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فِيهِ دَخْلٌ) بِسُكُونِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا الْعَيْبُ وَالرِّيبَةُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ} [النحل: 94] أَيْ مَكْرًا وَخَدِيعَةً اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ إلَخْ) الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ حَيْثِيَّةِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ تَوَسَّعَ فِيهِ) أَيْ فِي النَّسْخِ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الرَّفْعِ وَهُوَ اعْتِذَارٌ عَنْ الْإِمَامِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِمَا يُفِيدُ الْجَزْمَ؛ لِأَنَّ مَقَامَ الْإِمَامِ يَنْبُو عَنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ فَالْفَاسِدُ هُوَ الْمُسْتَنَدُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَوَّى ذَلِكَ الْمُسْتَنَدَ بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ الظَّنِّ إلَى الْيَقِينِ (قَوْلُهُ: دُونَهُمْ) أَيْ دُونَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَلَا نَسْخَ بَعْدَ وَفَاتِهِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ فَإِنْ قُلْت: قَدْ سَقَطَ نَصِيبُ الْمُؤَلَّفَةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَجْبُ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْأَخَوَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهَا تُحْجَبُ بِالْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَيْنِ، قُلْنَا: نَصِيبُ الْمُؤَلَّفَةِ سَقَطَ بِسُقُوطِ سَبَبِهِ لَا لِوُرُودِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ عَلَى ارْتِفَاعِهِ، وَدَلَالَةُ النَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْحَجْبِ بِالْأَخَوَيْنِ يَنْبَنِي عَلَى كَوْنِ الْمَفْهُومِ حُجَّةً وَكَوْنِ أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً، وَلَا قَطْعَ بِذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ

لَكِنَّ (مُخَالَفَتَهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ لِلنَّصِّ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ (تَتَضَمَّنُ نَاسِخًا) لَهُ وَهُوَ مُسْتَنَدُ إجْمَاعِهِمْ. (وَيَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ نَسْخُ بَعْضِ الْقُرْآنِ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَطْ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِي الْبَعْضِ نَسْخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ وَالْعَكْسُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَإِذَا قُدِّرَ انْتِفَاءُ أَحَدِهِمَا لَزِمَ انْتِفَاءُ الْآخَرِ قُلْنَا: إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا رُوعِيَ وَصْفُ الدَّلَالَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُرَاعَ فِيهِ ذَلِكَ فَإِنَّ بَقَاءَ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ لَيْسَ يُوصَفُ كَوْنُهُ مَدْلُولًا لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ لِمَا دَلَّ عَلَى بَقَائِهِ وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ لَيْسَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَدْلُولًا، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ وَضْعِيَّةٌ لَا تَزُولُ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ النَّاسِخُ الْعَمَلَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمُخَالَفَةَ أَيْ فِي حُكْمٍ دَلَّ النَّصُّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ مُطْلَقُ الدَّلِيلِ لَا مَا قَابَلَ الظَّاهِرَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُسْتَنَدُ إجْمَاعِهِمْ) فَهُوَ النَّاسِخُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَأْتِي لَهُ جَعْلُ الْقِيَاسِ نَاسِخًا لِذَلِكَ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُسْتَنَدَ الْقِيَاسِ لَمَّا كَانَ أَشَدَّ ارْتِبَاطًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ كَأَنَّهُ مَعَهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَكَأَنَّ النَّسْخَ بِهِ. (قَوْلُهُ: تِلَاوَةً وَحُكْمًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ، وَالتَّقْدِيرُ وَيَجُوزُ نَسْخُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَحُكْمِهِ، وَأُورِدَ أَنَّ التِّلَاوَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَحْسُنُ التَّقَابُلُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ الْخَاصُّ الْمَدْلُولُ لَهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْحُكْمُ هُوَ التَّعَبُّدُ بِالتِّلَاوَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَطْ) أَيْ الْحُكْمِ أَوْ التِّلَاوَةِ لَا يُقَالُ: نَسْخُ التِّلَاوَةِ فَقَطْ لَا يَتَنَاوَلُهُ التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ نَسْخَ حُكْمٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالتِّلَاوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَسْخُ الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُ بَعْضِهِ) أَيْ لَا تِلَاوَةً، وَلَا حُكْمًا، وَلَا أَحَدَهُمَا فَقَطْ (قَوْلُهُ: كَكُلِّهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ نَسْخُ كُلِّهِ شَرْعًا، وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ نَسْخِ كُلِّ الشَّرِيعَةِ بِحَمْلِهِ عَلَى جَوَازِهِ عَقْلًا وَظَاهِرٌ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ جَمِيعِ السُّنَّةِ كَحُكْمِ نَسْخِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِمَا سَيَأْتِي لِقَوْلِ الشَّارِحِ عَقِبَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنَّ كُلَّ شَرْعِيٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ مَا نَصُّهُ فَيَجُوزُ نَسْخُ كُلِّ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحُكْمَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ) وَهُوَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَدْلُولًا لَا يَنْفُك عَنْ الدَّلِيلِ وَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ: لَزِمَ انْتِفَاءُ الْآخَرِ) ظَاهِرُهُ عَقْلًا مَعَ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ الْمَنْعُ شَرْعًا فَإِنْ أَرَادَ شَرْعًا فَغَيْرُ لَازِمٍ (قَوْلُهُ: وَصْفُ الدَّلَالَةِ) إذْ الْمَدْلُولُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَدْلُولًا لَا يُوجَدُ بِدُونِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ قَالَ سم وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا انْتِفَاءُ حَقِيقَةٍ فَإِنَّ نَسْخَ اللَّفْظِ لَيْسَ مَعْنَاهُ انْعِدَامَهُ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ بَاقٍ، وَإِنَّمَا انْتَفَى عَنْهُ أَحْكَامُ التِّلَاوَةِ كَحُرْمَةِ قِرَاءَتِهِ عَلَى الْجُنُبِ وَمَسِّهِ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَعْنَاهُ أَمْرٌ وَضْعِيٌّ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِبَقَاءِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَعَ نَسْخِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَاهُ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ لَيْسَ مَعْنَاهُ انْعِدَامَهُ فَإِنَّهُ مَعْنَى ثَابِتٌ مَفْهُومٌ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ مَعْنَاهُ عَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَنَّهُ إذَا رُوعِيَ وَصْفُهُ الدَّلَالَةَ لَزِمَ مِنْ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْآخَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ انْتِفَاءَ أَحَدِهِمَا بِمَعْنَى نَسْخِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْآخَرِ فَإِنَّهُ إذَا نُسِخَ اللَّفْظُ فَدَلَالَتُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مَدْلُولِهَا (قَوْلُهُ: لِمَا دَلَّ عَلَى بَقَائِهِ) أَيْ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ كَالْإِجْمَاعِ «وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ مَاعِزٍ» وَغَيْرِهِ الدَّالَّيْنِ عَلَى حُكْمِ الرَّجْمِ فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} [فصلت: 42] يَمْنَعُ النَّسْخَ فِي الْقُرْآنِ قُلْنَا الضَّمِيرُ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ إبْطَالٌ إنَّمَا هُوَ رَفْعُ تَعَلُّقِ حُكْمٍ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لِفَائِدَةٍ كَتَخْفِيفٍ أَوْ ابْتِلَاءٍ لِلْعَزْمِ أَوْ وُجُوبِ اعْتِقَادٍ أَوْ ثَوَابِ تِلَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَقَدْ حَرَّرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فَقَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ الْبُطْلَانَ بَلْ زَوَالَ مَا يُظَنُّ مِنْ التَّعَلُّقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا النَّاسِخُ لَكَانَ فِي عُقُولِنَا ظَنُّ التَّعَلُّقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَبِالنَّسْخِ زَالَ ذَلِكَ الظَّنُّ اهـ. وَبِمَا قَرَّرْته عُرِفَ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ مَا فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ مَعَ رَفْعِهِ فِي قَوْلِهِمْ الْآتِي يَجُوزُ نَسْخُ الْفِعْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ مَبْنِيٌّ عَلَى رِعَايَةِ ظُهُورِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِلْعَقْلِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَمَمْنُوعٌ كَمَا عُرِفَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ وَضْعِيَّةٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي الدَّلَالَةِ الذَّاتِيَّةِ

وَقَدْ وَقَعَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَهَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا فَهَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ الْمُحْصَنَيْنِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُمَا الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ، وَمَنْسُوخُ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ كَثِيرٌ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] لِتَأَخُّرِهِ فِي النُّزُولِ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ، وَإِنْ تَقَدَّمَهُ فِي التِّلَاوَةِ. (وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ (نَسْخُ الْفِعْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ أَوْ دَخَلَ وَلَمْ يَمْضِ مِنْهُ مَا يَسْعَهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ التَّكْلِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَلَامُ فِي الْقَصْدِيَّةِ، وَهِيَ تَزُولُ كَمَا هُوَ مُفَادُ قَوْمٍ فَإِنَّ بَقَاءَ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ زَالَتْ، وَالْوَضْعِيَّةُ لَا تَزُولُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: جَعَلَ - أَوَّلًا - الدَّلَالَةَ زَائِلَةً لِزَوَالِ دَالِّهَا وَهُوَ اللَّفْظُ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ لِدَلِيلٍ آخَرَ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الدَّالَّ لَمْ يَزُلْ فَقِيلَ بِعَدَمِ زَوَالِ الدَّلَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ) أَيْ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ) مُبْتَدًّا خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يُحَرِّمْنَ وَقَوْلُهُ: بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ أَيْ يُحَرِّمْنَ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْضًا ثُمَّ نُسِخَتْ الْخَمْسُ أَيْضًا لَكِنْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَنُسِخَتْ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُ عِنْدَهُ، وَلَوْ مَصَّةً (قَوْلُهُ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ: النَّاسُ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ إنْ جَازَ كِتَابَتُهَا فَهِيَ قُرْآنٌ فَتَجِبُ مُبَادَرَةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَكَتَبْتُهَا مِنْهَا عَلَى أَنَّ تِلَاوَتَهَا نُسِخَتْ لِيَكُونَ فِي كِتَابَتِهَا فِي حَمْلِهَا الْأَمْنُ مِنْ نِسْيَانِهَا لَكِنْ قَدْ تُكْتَبُ بِلَا تَنْبِيهٍ فَيَقُولُ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَتُرِكَتْ كِتَابَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ دَفْعِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا اهـ زَكَرِيَّا قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] الْآيَةُ قَالَ الْبِقَاعِيُّ وَفَائِدَةُ بَقَائِهَا مَعَ نَسْخِ حُكْمِهِمَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَفَّفَ عَلَيْنَا. (قَوْلُهُ: قَبْلَ التَّمَكُّنِ) خَرَجَ بِهِ مَا بَعْدَهُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ أَوْ دَخَلَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ الْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَرْبَعَةٌ إحْدَاهُنَّ أَنْ يُوَقَّتَ الْفِعْلُ بِزَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ فَيُنْسَخُ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَثَانِيَتُهُنَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَيُنْسَخُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَثَالِثَتُهُنَّ أَنْ يُشْرَعَ فِيهِ فَيُنْسَخَ قَبْلَ كَمَالِهِ، وَأَرْبَعَتُهُنَّ إذَا كَانَ الْفِعْلُ يَتَكَرَّرُ فَيُفْعَلُ مِرَارًا ثُمَّ يُنْسَخُ وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ غَيْرِ الْمُتَكَرِّرِ أَمَّا الرَّابِعَةُ فَوَافَقُونَا عَلَيْهَا الْمُعْتَزِلَةُ لِحُصُولِ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ بِتِلْكَ الْمَرَّاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَمِنْهُ نَسْخُ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا وَمَنَعُوا قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ الْفِعْلِ، وَتَرْكُ الْمَصْلَحَةِ عِنْدَهُمْ يَمْنَعُهُ قَاعِدَةُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَالنَّقْلُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَدْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ وَقَبْلَ الْكَمَالِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا جَوَازُ النَّسْخِ مُطْلَقًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ قَالَهُ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ التَّكْلِيفِ) اسْتِقْرَارُهُ هُوَ حُصُولُ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ، وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَارَ يَتَحَقَّقُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ فَالدَّلِيلُ لَا يَشْمَلُ الْمُدَّعَى بِقِسْمَيْهِ. وَأَجَابَ عَنْهُ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ بِأَنَّ اسْتِقْرَارَ التَّكْلِيفِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ التَّكْلِيفِ فَلَا بُدَّ لِحُصُولِهِ مِنْ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ التَّكْلِيفِ، وَلَوْ صَحَّ الِاسْتِقْرَارُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ فِيمَا إذَا حَصَلَ أَصْلُ التَّكْلِيفِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ التَّكْلِيفُ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُ الْفِعْلَ، وَرَفْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ رَفْعٌ لِمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فَلَا يَجُوزُ عَقْلًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ تَوَقُّفِ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ عَلَى

قُلْنَا: يَكْفِي لِلنَّسْخِ وُجُودُ أَصْلِ التَّكْلِيفِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فِي قِصَّةِ الذَّبِيحِ، فَإِنَّ الْخَلِيلَ أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] إلَخْ ثُمَّ نُسِخَ ذَبْحُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ فِيهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِ الْأَنْبِيَاءِ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ مِنْ مُبَادَرَتِهِمْ إلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُوَسَّعًا. (وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ (النَّسْخُ بِقُرْآنٍ لِقُرْآنٍ وَسُنَّةٍ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] جَعَلَهُ مُبَيِّنًا لِلْقُرْآنِ فَلَا يَكُونُ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ، قُلْنَا: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِقْرَارِ التَّكْلِيفِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ أَصْلِ التَّكْلِيفِ فَإِنْ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ لِلتَّكْلِيفِ مَعَ رَفْعِهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ قُلْنَا: فَائِدَتُهُ الِابْتِدَاءُ لِلْعَزْمِ، وَوُجُوبُ الِاعْتِقَادِ حَيْثُ اعْتَبَرْنَا التَّمَكُّنَ مِنْهُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ اعْتِبَارِ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ مَبْنِيٌّ عَلَى رِعَايَةِ ظُهُورِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِلْفِعْلِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْجَوَابِ يُشِيرُ إلَيْهِ نَعَمْ يَرِدُ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ أَصْلِ التَّكْلِيفِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِأَصْلِ التَّكْلِيفِ مَا يَشْمَلُ التَّعْلِيقَ الْإِعْلَامِيَّ، وَيُرَادُ بِأَصَالَتِهِ لَهُ سَبْقُهُ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ قَوْلُهُ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ} [الصافات: 102] إلَخْ أَيْ وَمَنَامُ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَحَيٌّ مَعْمُولٌ بِهِ قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: وَأَكْثَرُ وَحْيِ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَنَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ وَحَيَّهُ كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِالْمَنَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» فَكَانَتْ نِسْبَةُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ نُبُوَّتِهِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ} الْآيَةُ) هَذَا دَلِيلُ النَّسْخِ، وَالْمَنْسُوخُ بِهِ هُوَ الْفِدَاءُ فَصِلَةُ النَّسْخِ مَحْذُوفَةٌ، وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ ثُمَّ نُسِخَ ذَبْحُهُ بِالْفِدَاءِ بِسَبَبِ قَوْله تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ} إلَخْ وَمَا يُقَالُ: إنَّهُ وُجِدَ الذَّبْحُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ ذُبِحَ، وَكَانَ كُلَّمَا قَطَعَ شَيْئًا يَلْتَحِمُ عَقِيبَ الْقَطْعِ أَجَابَ عَنْهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ وَالظَّاهِرِ، وَلَمْ يَنْقُلْ نَقْلًا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَوْ كَانَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْفِدَاءِ قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ إذْ لَا رَفْعَ هُنَا، وَلَا بَيَانَ لِلِانْتِهَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِخْلَافٌ وَجُعِلَ لِذَبْحِ الشَّاةِ بَدَلًا عَنْ ذَبْحِ الْوَلَدِ؛ إذْ الْفِدَاءُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّيْءِ فِي قَبُولِ مَا يُتَوَجَّهُ إلَيْهِ مِنْ الْمَكْرُوهِ يُقَالُ: فَدَتْك نَفْسِي أَيْ قَبِلَتْ مَا يَتَوَجَّهُ إلَيْك مِنْ الْمَكْرُوهِ وَلَوْ كَانَ ذَبْحُ الْوَلَدِ مُرْتَفِعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى قِيَامِ شَيْءٍ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ: خِلَافُ الظَّاهِرِ) فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ كَمَا فِي نَسْخِ الصَّلَوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِمَانِعٍ مِنْ الْخَارِجِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَبْلَ الْفِعْلِ فَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ مَاضٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: كُلُّ نَسْخٍ وَاقِعٍ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا كَانَ يُقَدَّرُ وُقُوعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَنْعَطِفُ عَلَى مُتَقَدِّمٍ سَابِقٍ بَلْ الْغَرَضُ أَنَّهُ إذَا فُرِضَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِشَيْءٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ وَقْتِ اتِّصَالِ الْأَمْرِ بِهِ مَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: مِنْ مُبَادَرَتِهِمْ إلَخْ) بَيَانٌ لِحَالِ الْأَنْبِيَاءِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ إلَخْ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِنَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَخْ، وَأَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَالتَّصْحِيحُ مَحَطُّهُ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ، قَالَ فِي الْمَنْخُولِ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ، وَنَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي زُمْرَةِ الْفُقَهَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: مُبَيِّنًا لِلْقُرْآنِ) أَيْ بِسُنَّةٍ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُبَيِّنَةً (قَوْلُهُ: مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ، وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةً لِلْقُرْآنِ لَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَيِّنًا لِلْآخَرِ وَهُوَ دَوْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى) فَالذِّكْرُ الْمُنَزَّلُ أَعَمُّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ سُلِّمَ اخْتِصَاصُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ السُّنَّةِ أَيْضًا مُنَزَّلَةً؛ إذْ لَا حَصْرَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْكِتَابَ مُنَزَّلٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَالسُّنَّةُ مُنَزَّلَةٌ مَعْنًى قَالَ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]

وَإِنْ خُصَّ مِنْ عُمُومِهِ مَا نُسِخَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ. (وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ النَّسْخُ (بِالسُّنَّةِ) مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا (لِلْقُرْآنِ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] وَالنَّسْخُ بِالسُّنَّةِ تَبْدِيلٌ مِنْهُ قُلْنَا لَيْسَ تَبْدِيلًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] (وَقِيلَ يَمْتَنِعُ) نَسْخُ الْقُرْآنِ (بِالْآحَادِ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَقْطُوعٌ، وَالْآحَادُ مَظْنُونٌ قُلْنَا مَحَلُّ النَّسْخِ الْحُكْمُ وَدَلَالَةُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ظَنِّيَّةٌ (وَالْحَقُّ لَمْ يَقَعَ) نَسْخُ الْقُرْآنِ (إلَّا بِالْمُتَوَاتِرَةِ) وَقِيلَ وَقَعَ بِالْآحَادِ كَحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» فَإِنَّهُ نَاسِخُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَوَاتُرِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ لِلْمُجْتَهِدِينَ الْحَاكِمِينَ بِالنَّسْخِ لِقُرْبِهِمْ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَحَيْثُ وَقَعَ) نَسْخُ الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ خُصَّ مِنْ عُمُومِهِ إلَخْ) لِأَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي كَمَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ التَّخْصِيصِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ تَبْدِيلًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ) أَيْ بَلْ بِالْوَحْيِ كَمَا قَالَ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] الْآيَةَ فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادٍ، قُلْت: هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْوَحْيِ حَيْثُ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى الْخَطَأِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مَحَلُّ النَّسْخِ الْحُكْمُ) وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ يَرْجِعُ لِنَسْخِ الْحُكْمِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ (قَوْلُهُ: وَدَلَالَةُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ظَنِّيَّةٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الدَّلَالَةُ قَطْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ مَحَلُّ النَّسْخِ اسْتِمْرَارُ الْحُكْمِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ ظَنِّيَّةٌ قَطْعًا، وَهُوَ أَوْفَقُ أَيْضًا بِالنَّسْخِ فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ حَيْثُ جَوَّزُوا تَخْصِيصَ الْقَطْعِيِّ بِالْأَحَادِ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا نَسْخَهُ بِهِ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ أَنَّ الْمُخْرَجَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَفْعٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِهِ، وَالنَّسْخُ رَفْعٌ وَإِبْطَالٌ لِمَا كَانَ ثَابِتًا وَالْوِجْدَانُ حَاكِمٌ بِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَا بُدَّ، وَأَنْ يَكُونَ أَقْوَى أَوْ مُسَاوِيًا بِخِلَافِ الدَّفْعِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِأَدْنَى مَانِعٍ (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ لَمْ يَقَعْ) هَذَا فِي الْوُقُوعِ، وَمَا قَبْلَهُ فِي الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَقَعَ بِالْآحَادِ) هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ وَكَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ فَلِذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَفْيِ وُقُوعِهِ بِالْآحَادِ اهـ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لِقُرْبِهِمْ إلَخْ) أَيْ وَالْقُرْبُ مَظِنَّةُ الْكَثْرَةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّوَاتُرِ (قَوْلُهُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي الرِّسَالَةِ وَهِيَ تَأْلِيفُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُصُولِ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْأُمِّ بَيَّنَ فِيهَا الْقَوَاعِدَ الْأُصُولِيَّةَ، وَشَرَحَهَا مِنْ أَعْلَامِ مَذْهَبِهِ جَمَاعَةٌ، وَهِيَ سَهْلَةُ الْعِبَارَةِ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِمِلْكِهَا مَعَ قِطْعَةٍ مِنْ الْأُمِّ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَنَصُّ عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبَانَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنْ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لَا نَاسِخَةٌ لِلْكِتَابِ وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ بِمِثْلِ مَا نَزَلَ بِهِ فَصَارَتْ مُفَسِّرَةً مَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْهُ جُمَلًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] وَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ وَتَأْخِيرَ إنْزَالِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ قَالَ {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} [النحل: 101] وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرٍ سَنَّ فِيهِ غَيْرَ مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسَنَّ فِيمَا أَحْدَثَ اللَّهُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِلَّتِي قَبْلَهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. فَصَدْرُ عِبَارَةِ الرِّسَالَةِ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ إلَخْ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْدَثَ إلَخْ فَهُوَ مَأْخَذُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ إذَا كَانَ مَعَهُ عَاضِدٌ مِنْ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْفَهْمِ وَالْوُجُودِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ مَعَهَا قُرْآنٌ عَاضِدٌ لَهَا فَمَقِيسٌ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ إلَخْ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْحَمْلِ نَظَرًا لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ

(بِالسُّنَّةِ فَمَعَهَا قُرْآنٌ) عَاضِدٌ لَهَا يُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (أَوْ) نَسْخُ السُّنَّةِ (بِالْقُرْآنِ فَمَعَهُ سُنَّةٌ عَاضِدَةٌ لَهُ تُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) هَذَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَنُهُ، وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِي أَمْرٍ غَيْرَ مَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُهُ لَسَنَّ رَسُولُهُ مَا أَحْدَثَ اللَّهُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِسُنَّتِهِ أَيْ مُوَافَقَةً لِلْكِتَابِ النَّاسِخِ لَهَا؛ إذْ لَا شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ لَهُ كَمَا فِي نَسْخِ التَّوَجُّهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ الثَّابِتِ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْقِسْمُ ظَاهِرٌ فِي الْفَهْمِ وَالْوُجُودِ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فِي الْفَهْمِ مُحْتَاجٌ إلَى بَيَانِ وُجُودِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ نَسْخُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْكِتَابِ إلَخْ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لَهُ وَقَدْ فَسَّرَ التَّبَعِيَّةَ بِالتَّفْسِيرِ كَانَ النَّاسِخُ حَقِيقَةً، وَهُوَ الْقُرْآنُ وَحْدَهُ وَلَيْسَتْ السُّنَّةُ عَاضِدَةً كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ صَدْرُ عِبَارَةِ الْإِمَامِ بِمُقْتَضَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهُ أَرَادَ الشَّارِحُ أَنْ يُؤَوِّلَهُ لِتَرْتَفِعَ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ فَقَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَيَكُونُ الْمُرَادُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ الْمَقَامَ، وَعَلَيْك السَّلَامُ (قَوْلُهُ: بِالسُّنَّةِ) بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: تُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ) أَيْ تُوَافِقْهُمَا فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ كَوْنُ الْكَلَامِ فِي الْوُقُوعِ، وَأَنَّ مَا مَعَ النَّاسِخَ عَاضِدٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا فَهِمَهُ إلَخْ إلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَيْسَتْ لَفْظَ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا هِيَ تَعْبِيرٌ مِنْ عِنْدِ الْمُصَنِّفِ عَنْ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَآخِرُهُ لِسُنَّتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْدَاثِ هُنَا إحْدَاثُ نُزُولِ قُرْآنٍ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي رَفْعَ مَا تَقَدَّمَ ثُبُوتُهُ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ: لَسَنَّ رَسُولُهُ أَيْ بَيَّنَ بِسُنَّتِهِ مَا أَحْدَثَ اللَّهُ أَيْ مَا أَنْزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ (قَوْلُهُ: إذْ لَا شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ) أَيْ مُوَافَقَةِ الرَّسُولِ مِنْ إسْنَادِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ أَيْ مُوَافَقَةِ الرَّسُولِ لِلَّهِ أَوْ مُوَافَقَةِ مَا سَنَّهُ الرَّسُولُ لِلْكِتَابِ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّاسِخِ مَا يَشْمَلُ الْعَاضِدَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَوْ أَحْدَثَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَمْرٍ إلَخْ لَأَحْدَثَ اللَّهُ مَا فَعَلَ لِبَشَاعَةِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الثَّابِتُ بِفِعْلِهِ) أَيْ ابْتِدَاءً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ} [البقرة: 143] الْآيَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ كَانَ يَتَوَجَّهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ كَانَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ تَوَجَّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَلَيْسَ هَذَا بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] اهـ. قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِي أَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ مُجَرَّدُ إخْبَارِ الرَّاوِيِّ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ حَدِيثٍ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا حَتَّى أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ بِالْكِتَابِ حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] اهـ. وَأَجَابَ الْفَنَارِيُّ بِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَخْبَرَتْ بِأَنَّ الْآيَةَ نُسِخَتْ وَنَسْخُهُ بِالسَّنَةِ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ نَسْخِهِ بِالْكِتَابِ مَحَلُّ شُبْهَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْقِسْمُ) أَيْ نَسْخُ السُّنَّةِ بِقُرْآنٍ مَعَهُ عَاضِدٌ مِنْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الْفَهْمِ) أَيْ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ أَيْ لَا خَفَاءَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْوُجُودُ) أَيْ وَظَاهِرٌ فِي الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ لَهُ نَظِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ مَعَهَا عَاضِدٌ مِنْ الْقُرْآنِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الثَّانِي فِي الْفَهْمِ لِكَوْنِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِيهِ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مِثَالٍ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْسَخَ خَبَرُ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ} [البقرة: 180] الْمُعْتَضَدُ لَك بِآيَةِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعَاضِدَ هُوَ الْحَدِيثُ، وَالنَّسْخُ بِالْآيَةِ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ الْمُرَادُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مُخَالِفًا لِصَدْرِ كَلَامِهِ أَوَّلَ صَدْرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَخْ) الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْكِتَابِ

الْكِتَابِ إلَّا بِالْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ سُنَّةٌ نَاسِخَةٌ لَهُ وَلَا نَسْخُ السُّنَّةِ إلَّا بِالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ كِتَابٌ نَاسِخٌ لَهَا أَيْ لَمْ يَقَعْ النَّسْخُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا، وَمَعَهُ مِثْلُ الْمَنْسُوخِ عَاضِدٌ لَهُ، وَلَمْ يُبَالِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ، وَحَكَاهُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ خِلَافَ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْكِتَابِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَا الْكِتَابُ بِالسُّنَّةِ، قِيلَ جَزْمًا، وَقِيلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ فَلَمْ يَقَعْ، أَوْ بِالْعَقْلِ فَلَمْ يَجُزْ؟ وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضٌ وَبَعْضٌ اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ مِنْهُ لِوُقُوعِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ دَافِعٌ لِمَحَلِّ الِاسْتِعْظَامِ وَسَكَتَ عَنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ فَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرَةِ بِمِثْلِهَا وَالْآحَادِ بِمِثْلِهَا وَبِالْمُتَوَاتِرَةِ وَكَذَا الْمُتَوَاتِرَةُ بِالْآحَادِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْآحَادِ وَمِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ نَسْخُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ الرَّجُلُ يَعْجَلُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» لِتَأَخُّرِ هَذَا عَنْ الْأَوَّلِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ بَعْدَهَا» وَمِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَسْخِ قَوْله تَعَالَى {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . (وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَاسِخًا لِلْكِتَابِ كَوْنُهُ عَاضِدًا لِنَاسِخِهِ بِدَلِيلِ تَفْسِيرِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ أَيْ لَمْ يَقَعْ إلَخْ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا نَسْخُ السُّنَّةِ إلَخْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا، وَكَلَامِ الْمَتْنِ حَيْثُ صَرَّحَ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِأَنَّ الْمُجَانِسَ نَاسِخٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَتْنَ أَنَّهُ عَاضِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ كَوْنِهِ نَاسِخًا؛ إذْ النَّاسِخُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الرَّفْعِ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَبَقَهُ دَالٌّ آخَرُ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: إلَّا بِالْكِتَابِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى أَيْ إلَّا مَعَ الْكِتَابِ، وَيَكُونُ الْكِتَابُ عَاضِدًا، وَكَذَا الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِالسُّنَّةِ أَيْ إلَّا مَعَ السُّنَّةِ، وَتَكُونُ السُّنَّةُ عَاضِدَةً وَالْوَاوُ فِي وَإِنْ كَانَ ثَمَّ سُنَّةٌ، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ كِتَابٌ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: مِثْلُ الْمَنْسُوخِ) أَيْ فِي تَسْمِيَتِهِ قُرْآنًا أَوْ سُنَّةً (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ لَا تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْكِتَابِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ اخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا فَهِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَمْ يُبَالِ بِمَا يُقَالُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي جَعْلِ السُّنَّةِ نَاسِخَةً لِلْقُرْآنِ وَالْقُرْآنِ عَاضِدًا لَهَا وَهَلَّا عُكِسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَقْوَى إذْ الْجَمْعُ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ مُرْتَكَبٌ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ. اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: هَلْ ذَلِكَ) أَيْ نَفْيُ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجُزْ) أَيْ عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ بَعْضٌ أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَإِنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ) أَيْ مَا حَكَاهُ الْأَصْحَابُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ، وَقَوْلُهُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْوُقُوعِ دُونَ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِخِ مَا يَشْمَلُ الْعَاضِدَ (قَوْلُهُ: لِمَحَلِّ الِاسْتِعْظَامِ) وَمَحَلُّ الِاسْتِعْظَامِ هُوَ إنْكَارُ الْأَصْحَابِ نَسْخَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَسَكَتَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: بِمِثْلِهَا بِالْمُتَوَاتِرَةِ) فَالْأَقْسَامُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ إمَّا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ أَوْ آحَادٌ، وَالنَّاسِخُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: يُعْجَلُ عَنْ امْرَأَتِهِ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ يُجَامِعُ وَيَعْزِلُ وَضَمَّنَهُ مَعْنَى الْعَزْلِ فَعَدَّاهُ بِعَنْ وَإِنْ أَغْنَى عَنْهُ وَلَمْ يُمْنِ (قَوْلُهُ: شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ) الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقِيلَ الرِّجْلَانِ وَالْفَخْذَانِ، وَقِيلَ الشَّفْرَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ جَهَدَهَا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ أَيْ جَامَعَهَا، وَأَصْلُهُ الْمَشَقَّةُ، وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْجِمَاعِ عَادَةً مِنْ الْحَرَكَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَشُقَّ، وَالْمُرَادُ بِالْجِمَاعِ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ (قَوْلُهُ: الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ) أَيْ يَقُولُونَهَا أَيْ تَقُولُهَا الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِيهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ، وَالْقَوْلُ بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ أَوْ بِمَعْنَى اللَّفْظِ، وَقَوْلُهُ الْمَاءُ إلَخْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهِيَ الْمَاءُ إلَخْ، أَوْ بَدَلٌ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَاءِ الْأَوَّلِ الْمُطَهِّرُ وَبِالثَّانِي الْمَاءُ الْمَعْهُودُ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ، أَيْ إنَّمَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ الْمَعْهُودِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ

النَّسْخُ لِلنَّصِّ (بِالْقِيَاسِ) لِاسْتِنَادِهِ إلَى النَّصِّ فَكَأَنَّهُ النَّاسِخُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ حَذَرًا مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ (إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (جَلِيًّا) بِخِلَافِ الْخَفِيِّ لِضَعْفِهِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ (إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَامُ وَالْعِلَّةُ مَنْصُوصَةٌ) بِخِلَافِ مَا عِلَّتُهُ مُسْتَنْبَطَةٌ لِضَعْفِهِ وَمَا وُجِدَ بِعُذْرٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِانْتِفَاءِ النَّسْخِ حِينَئِذٍ قُلْنَا تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ مُخَالِفَهُ كَانَ مَنْسُوخًا. (وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ (نَسْخُ الْقِيَاسِ) الْمَوْجُودِ (فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى نَصٍّ فَيَدُومُ بِدَوَامِهِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ دَوَامِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ دَوَامُ حُكْمِ النَّصِّ بِأَنْ يُنْسَخَ (وَشَرْطُ نَاسِخِهِ إنْ كَانَ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ أَجْلَى) مِنْهُ (وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ وَخِلَافًا لِلْآمِدِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْمُسَاوِي فَلَا يَكْفِي الْأَدْوَنُ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ الْمُقَاوَمَةِ، وَلَا الْمُسَاوِي لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْآمِدِيُّ: تَأَخُّرُ نَصِّهِ مُرَجَّحٌ؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَأَخُّرِ نَصِّ الْقِيَاسِ النَّاسِخِ عَنْ نَصِّ الْقِيَاسِ الْمَنْسُوخِ بِهِ وَعَنْ النَّصِّ الْمَنْسُوخِ بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَ) يَجُوزُ (نَسْخُ الْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَازَ الْعَقْلِيَّ فَهُوَ قَلِيلُ الْجَدْوَى، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ شَرْعًا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ عَدَمُ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِنَادِهِ إلَى النَّصِّ إلَخْ) وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ارْتِبَاطَ الْقِيَاسِ بِمُسْتَنَدِهِ أَشَدُّ فَإِنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِعِلَّتِهِ حَتَّى كَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا (قَوْلُهُ: فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ مِنْ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: لِضَعْفِهِ) بِإِمْكَانِ أَنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُهَا (قَوْلُهُ: قُلْنَا) أَيْ مِنْ طَرَفِ الْمُجَوِّزِ (قَوْلُهُ: يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ مُخَالَفَةَ إلَخْ) هَذَا رُجُوعٌ لِنَظِيرِ الْكَلَامِ السَّابِقِ فِي الْإِجْمَاعِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: إنَّ الْقِيَاسَ لَمَّا اسْتَنَدَ إلَى النَّاسِخِ اسْتِنَادًا قَوِيًّا صَارَ كَأَنَّهُ هُوَ (قَوْلُهُ: كَانَ مَنْسُوخًا) لَا أَنَّ النَّسْخَ وُجِدَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: الْمَوْجُودُ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنَصٍّ) مِثَالُ نَسْخِ الْقِيَاسِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّصِّ مَا لَوْ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُفَاضَلَةُ فِي الْبُرِّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ فَقِسْنَا عَلَيْهِ حُرْمَةَ بَيْعِ الْأَرُزِّ بِالْأَرُزِّ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ أَيْضًا، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: بِيعُوا الْأَرُزَّ بِالْأَرُزِّ مُتَفَاضِلًا كَانَ هَذَا النَّصُّ نَاسِخًا لِقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرّ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ السَّابِقِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ قِيَاسٌ مِثَالُهُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ الْقِيَاسِ الْمُسْتَنِدِ إلَى النَّصِّ الْأَوَّلِ نَصٌّ بِجَوَازِ بَيْعِ الذُّرَةِ بِالذُّرَةِ مُتَفَاضِلًا فَيُقَاسُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْأَرُزِّ بِالْأَرُزِّ مُتَفَاضِلًا فَهَذَا الْقِيَاسُ نَاسِخٌ لِذَلِكَ الْقِيَاسِ، وَتَوْضِيحُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: الْمُفَاضَلَةُ فِي الْبُرِّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ ثُمَّ قِسْنَا عَلَى هَذَا النَّصِّ حُرْمَةَ بَيْعِ الْأَرُزِّ بِالْأَرُزِّ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ أَيْضًا ثُمَّ أَتَى نَصٌّ آخَرُ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُ الذُّرَةِ مُتَفَاضِلًا فَقِسْنَا عَلَيْهِ جَوَازَ بَيْعِ الْأَرُزِّ بِالْأَرُزِّ مُتَفَاضِلًا فَهَذَا الْقِيَاسُ الثَّانِي نَاسِخُ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْأَمْثِلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ دَوَامِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ بِدَوَامِ النَّصِّ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ نَاسِخِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الْمَوْجُودِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ أَيْ نَاسِخُهُ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ أَجْلَى مِنْهُ أَيْ مِنْ الْقِيَاسِ الْمَنْسُوخِ بِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا بُدَّ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ مَوْجُودٌ

الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوَّلِيِّ وَالْمُسَاوِي (دُونَ أَصْلِهِ) أَيْ الْمَنْطُوقِ (كَعَكْسِهِ) أَيْ نَسْخِ أَصْلِ الْفَحْوَى دُونَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَحْوَى وَأَصْلَهُ مَدْلُولَانِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ كَنَسْخِ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ دُونَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ وَالْعَكْسِ، وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ فَلَا يُنْسَخُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ يَمْتَنِعُ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ بَقَاءِ الْمَلْزُومِ مَعَ نَفْيِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الثَّانِي لِجَوَازِ بَقَاءِ اللَّازِمِ مَعَ نَفْي الْمَلْزُومِ، وَلِقُوَّةِ جَوَازِ الثَّانِي أَتَى فِيهِ الْمُصَنِّفُ بِكَافٍ التَّشْبِيهِ دُونَ وَاوِ الْعَطْفِ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي حِكَايَةُ قَوْلٍ بِعَكْسِ الثَّالِثِ أَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ أَصْلِهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا. (وَ) يَجُوزُ (النَّسْخُ بِهِ) أَيْ بِالْفَحْوَى قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ اتِّفَاقًا، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - الْمَنْعَ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا (وَالْأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفَحْوَى وَأَصْلِهِ أَيًّا كَانَ (يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ) أَيْ نَسْخَهُ؛ لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ وَتَابِعٌ لَهُ وَرَفْعُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْمَلْزُومِ، وَرَفْعُ الْمَتْبُوعِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ التَّابِعِ وَقِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ التَّابِعِ لَا يَلْزَمُ رَفْعَ الْمَتْبُوعِ، وَرَفْعُ الْمَلْزُومِ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ اللَّازِمِ، وَقِيلَ: نَسْخُ الْفَحْوَى لَا يَسْتَلْزِمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ تَابِعٌ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: دُونَ أَصْلِهِ) كَأَنْ يُقَالَ لَا تَشْتُمْ زَيْدًا وَلَكِنْ اضْرِبْهُ وَهُوَ حَالٌ مِنْ الْفَحْوَى أَيْ حَالَ كَوْنِ الْفَحْوَى مُتَجَاوِزًا أَصْلُهُ (قَوْلُهُ: مَدْلُولَانِ) أَيْ لِلَّفْظِ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ، وَالْآخَرُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا فِيهِمَا) أَيْ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ وَعَكْسِهِ أَيْ لَا يَجُوزُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُمَا مَعًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ) أَيْ مُسَاوٍ (قَوْلُهُ: لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلُّزُومِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْي وَلِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَازِمٌ لَا يُوجَدُ بِدُونِ مَلْزُومِهِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ بَقَاءِ اللَّازِمِ إلَخْ) بِأَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَعَمَّ، وَالْتَفَتَ فِي هَذَا إلَى مُجَرَّدِ وَصْفِ اللُّزُومِ دُونَ التَّبَعِيَّةِ فَلَا يَرِدُ الْبَحْثُ بِأَنَّ جَوَازَ بَقَاءِ اللَّازِمِ بِدُونِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ الْعَقْلِيِّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّابِعُ، وَالتَّابِعُ يَسْتَحِيلُ بَقَاؤُهُ بِدُونِ مَتْبُوعِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلِقُوَّةٍ إلَخْ) حَقُّهُ التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قُوَّتَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ مُسْتَبْعَدًا عِنْدَ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: أَتَى فِيهِ الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ) أَيْ الَّتِي تَقْتَضِي قُوَّةَ مَدْخُولِهَا (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُؤْخَذُ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ لِقُوَّةٍ إلَخْ وَقَضِيَّةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ الْمُعَارَضَةُ أَيْ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ مَحْكِيٌّ فَسَيَأْتِي قَوْلٌ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: بِعَكْسِ الثَّالِثِ) أَيْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِنَاءً عَلَى مُلَاحَظَةِ وَصْفِ التَّبَعِيَّةِ، وَالتَّابِعُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ لَا يُوجَدُ بِدُونِ مَتْبُوعِهِ بِخِلَافِ الْمَتْبُوعِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِ تَابِعِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي التَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا يَكُونُ إلَّا تَابِعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ دُونَ أَصْلِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ) أَيْ لِلْمَفْهُومِ عَلَى الْمَنْطُوقِ فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ إلَخْ) هَذَا مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ نَسْخُ الْفَحْوَى لَا الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ النَّسْخُ بِالْفَحْوَى فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ قَوْلِهِ: وَالْأَكْثَرُ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ: وَالنَّسْخُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَعَلُّقَاتِهِ كَمَا عَرَفْت إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى النَّسْخِ بِهِ أَيْ الْفَحْوَى أَخَّرَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْفَحْوَى وَأَصْلُهُ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ فِي أَحَدِهِمَا وَلِذَلِكَ عَطَفَ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَرَفْعُ اللَّازِمِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَرَفْعُ التَّابِعِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْمَتْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَوْلُهُ: وَرَفْعُ الْمَتْبُوعِ إلَخْ لَمْ يَقُلْ الْمَلْزُومُ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ اللَّازِمِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ قَدْ يَكُونُ أَعَمَّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ الْمَلْزُومِ رَفْعُهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُ) وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَنَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْمَتْنِ هُنَا وَالْأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالِامْتِنَاعِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ وَقِيلَ لَا فِيهِمَا فَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ لَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ هُنَا وَالْأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ نَسْخُ الْفَحْوَى) هَذَا هُوَ الرَّابِعُ

نَسْخِ الْأَصْلِ، وَقِيلَ: نَسْخُ الْأَصْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَمَلْزُومٍ بِخِلَافِ نَسْخِ الْفَحْوَى، وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِلْزَامَ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ، وَالْجَوَازُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِهِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ وَالْبَيْضَاوِيُّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْآمِدِيِّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى، وَالْفَحْوَى دُونَ الْأَصْلِ غَيْرَ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ يُفِيدُ نَسْخَ الْفَحْوَى إلَخْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعَكْسِ أَيْضًا فَكَأَنَّهُ سَرَى إلَى ذِهْنِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلِ أَنَّ الْخِلَافَ الثَّانِيَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ الْمُفِيدِ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَ) يَجُوزُ (نَسْخُ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ أَصْلِهَا) أَيْ يَجُوزُ نَسْخُهَا مَعَ أَصْلِهَا وَبِدُونِهِ (لَا) نَسْخُ (الْأَصْلِ دُونَهَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا قَالَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مِنْ احْتِمَالَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ فَتَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَبَعِيَّتُهَا لَهُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مِثَالُ نَسْخِهَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَسْخِ حَدِيثِ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ وَهُوَ مَفْهُومُهُ وَهُوَ أَنْ لَا غُسْلَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ، وَمِثَالُ نَسْخِهِمَا مَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي وَعَدَ بِهِ وَهُوَ عَكْسُ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ) أَيْ يَا مَنْ يَأْتِي مِنْهُ الْعِلْمُ، وَغَرَضُ الشَّارِحِ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَلْزَمَ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ كَلَامُ الْأَكْثَرِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَا مُنَافَاةَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ) أَيْ امْتِنَاعَ نَسْخِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ: عَلَى الِاسْتِلْزَامِ أَيْ اسْتِلْزَامِ نَسْخِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَالْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ نَسْخِ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى عَدَمِهِ أَيْ عَدَمِ اسْتِلْزَامِ نَسْخِ أَحَدِهِمَا نَسْخَ الْآخَرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى الْوُقُوعِ دُونَ الْجَوَازِ خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِمْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِاسْتِلْزَامِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارُهُ جَوَازَ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ قَبْلُ (قَوْلُهُ: وَجَمْعُ الْمُصَنِّفِ) مُبْتَدَأٌ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ خَبَرٌ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلَ) بِالنَّصْبِ نَعْتٌ لِنَسْخِ الْأَصْلِ أَوْ بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِقَوْلِ الْآمِدِيِّ وَهُوَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْعَكْسِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْقَضِيَّةِ الْأُولَى، وَهِيَ أَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ يُفِيدُ نَسْخَ الْفَحْوَى (قَوْلُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ إلَخْ) فَاعِلُ سَرَى، وَالْخِلَافُ الثَّانِي هُوَ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا هَلْ يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الْآخَرِ أَوْ لَا، وَالْخِلَافُ الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ كَعَكْسِهِ أَوْ يَمْتَنِعُ، وَالِامْتِنَاعُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَالْجَوَازُ الَّذِي رَجَّحَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافُ قَوْلِ الْأَكْثَرِ هَذَا وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ مَا اخْتَارَهُ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا نَصَّ مَعَ نَسْخِ أَحَدِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْآخَرِ، وَالثَّانِي فِيمَا إذَا أَطْلَقَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ إلَخْ) أَيْ بَلْ الْخِلَافُ الثَّانِي فِي اسْتِلْزَامِ نَسْخِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ وَعَدَمِهِ بَيَانٌ لِمَأْخَذِ الْخِلَافِ الْأَوَّلِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ كَعَكْسِهِ وَامْتِنَاعِهِ، وَالِامْتِنَاعُ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ الْمَحْكِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَالْجَوَازُ عَلَى عَدَمِهِ (قَوْلُهُ: الْمُقَيَّدُ) نَعْتٌ لِلْمَأْخَذِ (قَوْلُهُ: فَلْيُتَأَمَّلْ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِلْزَامِ عَلَى وَجْهِ التَّفْرِيعِ عَلَى الْجَوَازِ بَلْ سَاقَ قَوْلَ الْأَكْثَرِ بَعْدَ أَنْ مَشَى عَلَى تَصْحِيحِ الْجَوَازِ؛ إذْ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَفْرِيعًا فَتَأَمَّلْ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْمُخَالَفَةُ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَجَرَّدَتْ أَيْ نُسِخَتْ دُونَ أَصْلِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِدُونِهِ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْغَايَةِ وَقَوْلُهُ أَيْ يَجُوزُ نَسْخُهَا مَعَ أَصْلِهَا بَيَانٌ لِلْمُغَيَّا (قَوْلُهُ: فِي الْأَظْهَرِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا الْأَصْلِ دُونَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُخَالَفَةَ تَابِعَةٌ أَيْ فِي الْوُجُودِ لِأَصْلِهَا وَهُوَ الْمَنْطُوقُ فَتَتَبَّعْهُ فِي الِارْتِفَاعِ، وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا؛ إذْ رَفْعُ التَّابِعِ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْمَتْبُوعِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ) وَالنَّاسِخُ إنَّمَا يَرْفَعُ ذَاتَ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي رَفْعِ الدَّلَالَةِ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى

أَنْ يَنْسَخَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ وَنَفْيَهُ فِي الْمَعْلُوفَةِ الدَّالِ عَلَيْهِمَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْمَفْهُومِ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ فِي الْمَعْلُوفَةِ إلَى مَا كَانَ قَبْلُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَامُّ بَعْدَ الشَّرْعِ مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ إنْ كَانَ مَضَرَّةً أَوْ إبَاحَةً لَهُ إنْ كَانَ مَنْفَعَةً كَمَا يَرْجِعُ فِي السَّائِمَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ إلَخْ. (وَلَا) يَجُوزُ (النَّسْخُ بِهَا) أَيْ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ لِضَعْفِهَا مِنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: الصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النُّطْقِ. (وَ) يَجُوزُ (نَسْخُ الْإِنْشَاءِ وَلَوْ) كَانَ (بِلَفْظِ الْقَضَاءِ) وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ: إنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ نَحْوُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ أَمَرَ (أَوْ) بِلَفْظِ (الْخَبَرِ) نَحْوُ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] أَيْ لِيَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ، وَخَالَفَ الدَّقَّاقُ فِي ذَلِكَ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ (أَوْ قَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ، وَغَيْرِهِ مِثْلَ صُومُوا أَبَدًا صُومُوا حَتْمًا) وَقِيلَ لَا لِمُنَافَاةِ النَّسْخِ لِلتَّأْبِيدِ وَالتَّحْتِيمِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَيَتَبَيَّنُ بِوُرُودِ النَّاسِخِ أَنَّ الْمُرَادَ افْعَلُوا إلَى وُجُودِهِ كَمَا يُقَالُ لَازِمْ غَرِيمَك أَبَدًا أَيْ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْحَقَّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ إلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَكَذَا الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا إذَا قَالَهُ إنْشَاءً) فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ (خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ) فِي مَنْعِهِ نَسْخَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ صُومُوا أَبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمِ الْمَنْطُوقِ لَمْ تَرْتَفِعْ وَإِنْ ارْتَفَعَ الْحُكْمُ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ تَعَلُّقُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ سَقَطَ اعْتِبَارُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَسَقَطَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اعْتِبَارِهَا مِنْ حُكْمِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْسَخَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ) أَيْ بِرَفْعٍ وَيُزَالُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ: وَنَفْيُهُ) أَيْ وَيَنْسَخُ نَفْيُهُ بِمَعْنَى يُزَالُ (قَوْلُهُ: إلَى مَا كَانَ قَبْلُ) أَيْ قَبْلَ وُرُودِ الدَّلِيلِ الْمَنْسُوخِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَنْفَعَةً) وَفِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مَنْفَعَةٌ (قَوْلُهُ: الْجَوَازُ) أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةَ الشَّرْعِيَّةَ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ) أَيْ الَّذِي نُسِخَ مَدْلُولُهُ بِهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَنْسُوخُ نَصًّا، وَانْظُرْ إذَا كَانَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّيْخُ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ جَزْمَ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ مُنْتَقَدٌ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ نَسْخُ الْإِنْشَاءِ) ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَكَلَامُهُ السَّابِقُ فِيهِ؛ إذْ لَا يَقَعُ النَّسْخُ فِي غَيْرِ الْإِنْشَاءِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ الْإِنْشَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مُقْتَرِنًا بِلَفْظِ الْقَضَاءِ؛ إذْ الْإِنْشَاءُ هُنَا أَلَا تَعْبُدُوا، وَأَمَّا قَضَى فَإِنَّهُ إخْبَارٌ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِنْشَاءِ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ) حَكَى تَعْلِيلَهُ إشَارَةً لِعَدَمِ ارْتِضَائِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ) وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا فَمُخَالَفَةُ الدَّقَّاقِ بَعِيدَةٌ (قَوْلُهُ: نَظَرُ اللَّفْظِ) أَيْ فَإِنَّهُ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ الْمَعْنَى فَإِنْ قَالَ مَا عُدِلَ عَنْ صِيغَةِ الْإِنْشَاءِ إلَى لَفْظِ الْخَبَرِ إلَّا لِنُكْتَةٍ، وَهِيَ عَدَمُ نَسْخِ الْخَبَرِ قُلْنَا بِجَوْزِ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ لِسُرْعَةِ امْتِثَالِ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْإِنْشَاءُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ كَانَ أَدْعَى لِلْمُكَلَّفِ فِي قَبُولِ الِامْتِثَالِ (قَوْلُهُ: بِالتَّأْبِيدِ وَغَيْرِهِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ: لِمُنَافَاةِ النَّسْخِ لِلتَّأْبِيدِ إلَخْ) مُنَافَاةُ النَّسْخِ لِلتَّأْبِيدِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ التَّأْبِيدَ يَقْتَضِي الِاسْتِمْرَارَ وَالنَّسْخَ يُنَافِيهِ، وَأَمَّا مُنَافَاتُهُ لِلتَّحَتُّمِ فَلَيْسَتْ ظَاهِرَةً؛ إذْ الْوَاجِبُ قَبْلَ نَسْخِهِ كَانَ مُتَحَتِّمًا (قَوْلُهُ: إلَى وُجُودِهِ) أَيْ وُجُودِ النَّاسِخِ لِعِلْمِ اللَّهِ بِهِ، وَهَذَا عَلَى النَّسْخِ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرَ فَالْأَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ مَا لَوْ لَمْ أَنْهَكُمْ، وَأَوْرَدَ أَنَّ حَمْلَ صُومُوا أَبَدًا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صُومُوا إلَى وُرُودِ النَّاسِخِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ شَيْئًا فِي رَفْعِ الْمُنَافَاةِ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ ذَلِكَ بَلْ يُفِيدُ إذْ احْتِمَالُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى يَمْنَعُ الْمُنَافَاةَ، وَالْقَرِينَةُ ظُهُورُ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلَى مَشِيئَةِ الشَّارِعِ، وَأَنَّ لَهُ رَفْعَهُ مَتَى أَرَادَ حَيْثُ ثَبَتَ إمْكَانُ رَفْعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى قَرِينَةٍ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ مُطَالَبٌ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ مُطْلَقًا إلَى أَنْ يَعْلَمَ سُقُوطَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَأُجِيب مُسْتَمِرٌّ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا اهـ. أَيْ فَيَتَأَتَّى مُخَالَفَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ أَحَدِهِمَا اهـ. سم. (قَوْلُهُ: إذَا قَالَهُ إنْشَاءً) وَأَمَّا إذَا قَالَهُ خَبَرًا

وَالْفَرْقُ بِأَنَّ التَّأْبِيدَ فِيمَا قَبْلَهُ لِلْفِعْلِ، وَفِيهِ لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِمْرَارِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ غَيْرُهُ بِمَا قَالَهُ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِالْإِنْشَاءِ هُوَ مُرَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِذِكْرِهِ مَنْعَ نَسْخِ الْخَبَرِ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَ) وَيَجُوزُ (نَسْخُ) إيجَابِ الْإِخْبَارِ بِشَيْءٍ (بِإِيجَابِ الْإِخْبَارِ بِنَقِيضِهِ) كَأَنْ يُوجِبَ الْإِخْبَارَ بِقِيَامِ زَيْدٍ ثُمَّ بَعْدَ قِيَامِهِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ بِقِيَامِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى عَدَمِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبَرُ بِهِ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ فَمَنَعَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَا ذُكِرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِالْكَذِبِ فَيُنَزَّهُ الْبَارِي عَنْهُ، قُلْنَا: قَدْ يَدْعُو إلَى الْكَذِبِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ فِيهِ نَقْصًا وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَمَاكِنَ يَجِبُ فِيهَا الْكَذِبُ مِنْهَا إذَا طَالَبَهُ ظَالِمٌ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِمَظْلُومٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ عَنْ مَاضٍ فَلَا يَتَأَتَّى نَسْخُهُ وَإِنْ كَانَ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ) أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ بِأَنَّ التَّأْبِيدَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْمَنْعِ وَقَوْلُهُ: وَالِاسْتِمْرَارُ لَا أَثَرَ لَهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَرْقَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ وَالِاسْتِمْرَارُ عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: لَا أَثَرَ لَهُ خَبَرٌ أَيْ لَا أَثَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: قَيْدٌ لِلْفِعْلِ) أَيْ لِلْفِعْلِ الْوَاجِبِ فَجَازَ نَسْخُ حُكْمِهِ، وَقَوْلُهُ: قَيْدٌ لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِمْرَارِ أَيْ لِلْحُكْمِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ عِنْدَ الْفَارِقِ وَقَوْلُهُ: لَا أَثَرَ لَهُ أَيْ وَالْفَرْقُ بِمَا ذُكِرَ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الصَّوْمُ وَاجِبُ الْفِعْلِ كَالْأَوَّلِ لَا فِي الْوُجُوبِ وَكَالتَّأْبِيدِ غَيْرُهُ فِيمَا ذُكِرَ اهـ. زَكَرِيَّا. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الْفَرْقِ بِكَوْنِ التَّأْبِيدِ قَيْدًا لِلْوُجُوبِ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرَ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مَحَلُّ وِفَاقٍ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَيْسَ إلَخْ) أَيْ الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرًّا أَبَدًا (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ لَهُ) أَيْ لِقَوْلِهِ الصَّوْمُ وَاجِبٌ إلَخْ بِالْإِنْشَاءِ هُوَ مُرَادُهُ أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: لَذَكَرَهُ) أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْ فَلَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْإِنْشَاءِ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ لِانْدِرَاجِ هَذَا حِينَئِذٍ فِي الْإِخْبَارِ. (قَوْلُهُ: إيجَابُ الْإِخْبَارِ إلَخْ) الْإِيجَابُ إنْشَاءٌ فَذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِكَوْنِ الْخَبَرِ لَا يُنْسَخُ أَوْ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِإِيجَابِ الْإِخْبَارِ بِنَقِيضِهِ) خَرَجَ مُجَرَّدُ نَسْخِهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابِ الْإِخْبَارِ بِنَقِيضِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَخْبِرُوا عَنْ الْعَالَمِ بِأَنَّهُ حَادِثٌ قَالَ لَا تُخْبِرُوا عَنْهُ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذُكِرَ لِمَكَانِ الْخِلَافِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِعَدَمِ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ يُوجِبُ الْإِخْبَارَ بِعَدَمِ قِيَامِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِخْبَارِ بِقِيَامِهِ) وَإِلَّا كَانَ حُكْمًا آخَرَ وَلَا نَسْخَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَمَّ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَتَأَخَّرَ حَالُهُ) أَيْ وَالْإِخْبَارُ تَابِعٌ لِتَغَيُّرِ حَالِهِ وَمُرَادُهُ تَصْحِيحُ أَنَّ الْقَضِيَّتَيْنِ صَادِقَتَانِ كَأَنْ يَقُولَ أَوْجَبْت عَلَيْك أَنْ تُخْبِرَ بِأَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ ثُمَّ إنَّهُ يَجُوز أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ قَبْلَ الْإِخْبَارِ فَتَقُولُ: أَوْجَبْت عَلَيْك أَنْ تُخْبِرَ بِأَنَّ زَيْدًا غَيْرُ قَائِمٍ لَا بِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ؛ إذْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقُمْ فِيمَا مَضَى، وَمِنْ جُمْلَتِهِ حَالَ الْإِخْبَارِ بِإِيجَابِ الْقِيَامِ فَيَتَنَاقَضُ الْكَلَامَانِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِالْكَذِبِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْإِخْبَارَ الْمَذْكُورَ كَذِبٌ، وَالتَّكْلِيفُ بِالْكَذِبِ قَبِيحٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا اهـ. سم. وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَالتَّكْلِيفُ بِالْكَذِبِ قَبِيحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فَيُنَزِّهُ الْبَارِئُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ نَتِيجَةُ قِيَاسٍ طُوِيَتْ كُبْرَاهُ وَهِيَ وَالتَّكْلِيفُ بِالْكَذِبِ قَبِيحٌ (قَوْلُهُ: قَدْ يَدْعُو الْكَذِبُ إلَخْ) هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ وَإِرْخَاءِ الْعِنَانِ، وَإِلَّا فَالْحَقُّ - سُبْحَانَهُ - لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ (قَوْلُهُ: غَرَضٌ صَحِيحٌ) أَيْ يَعُودُ إلَى الْخَلْقِ، وَإِلَّا فَاَللَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْرَاضِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ بِهِ نَقْصًا) أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ

خَبَّأَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ ذَلِكَ، وَجَازَ لَهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكَذِبِ، وَجَبَ (لَا) نَسْخُ (الْخَبَرِ) أَيْ مَدْلُولِهِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْكَذِبَ أَيْ يُوقِعُهُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ حَيْثُ يُخْبِرُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ بِنَقِيضِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَقِيلَ) فِي الْمُتَغَيِّرِ (يَجُوزُ إنْ كَانَ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ) لِجَوَازِ الْمَحْوِ لِلَّهِ فِيمَا يُقَدِّرُهُ قَالَ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] وَالْأَخْبَارُ يَتْبَعُهُ بِخِلَافِ الْخَبَرِ عَنْ مَاضٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْبَيْضَاوِيُّ وَقِيلَ: يَجُوزُ عَنْ الْمَاضِي أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ لَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ يَقُولُ: لَبِثَ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ مُبَيَّضَةِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةُ، وَقِيلَ بَعْدُ: يَجُوزُ الْمُفِيدُ مَا قَبْلَهَا حِينَئِذٍ لِحِكَايَتِهِ. (وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِبَدَلٍ أَثْقَلَ) وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَضَمِّنٌ لِلْكَذِبِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: خَبَّأَهُ) أَيْ سَتَرَهُ وَبَابُهُ قَطَعَ (قَوْلُهُ: أَيْ مَدْلُولِهِ) وَأَمَّا نَفْسُ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ فَيَجُوزُ نَسْخُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَوَازِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ وَأَيْضًا الْخَبَرُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْأَخْبَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ نَسْخِهِ (قَوْلُهُ: يُوهِمُ الْكَذِبَ) أَيْ يُحَقِّقُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَيْ يُوقِعُهُ إلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ضِدَّ التَّحْقِيقِ، وَأَوْرَدَ أَنَّ نَسْخَ الْإِنْشَاءِ يُوهِمُ الْبَدَاءَ أَيْ ظُهُورَ الْأَمْرِ بَعْدَ خَفَائِهِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَيْهِ - تَعَالَى، فَلَوْ كَانَ الْإِيهَامُ مُعْتَبَرَ الْمَنْعِ مِنْ نَسْخِ الْإِنْشَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ فِي الْخَبَرِ أَشَدُّ، وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِخْبَارِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ كَدُخُولِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ وَالْكَافِرِينَ النَّارَ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْأُصُولِ: لَا يُحْتَمَلُ النَّسْخُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَلْفِ فِي الْخَبَرِ وَتَحَقُّقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي خَبَرِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ وَالْخَلْفُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، وَالنَّسْخُ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْجَائِزَاتِ فَلَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي مَفْهُومِ الْخَبَرِ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْخَبَرِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ حُكْمًا شَرْعِيًّا وقَوْله تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] قِيلَ يَمْحُو مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ مَا لَيْسَ بِحَسَنَةٍ، وَلَا سَيِّئَةٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ الْمَحْضِ، وَإِنَّمَا جَازَ النَّسْخُ فِي الْخَبَرِ مِنْ جِهَةِ التِّلَاوَةِ دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الْمَحْوِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِيمَا يُقَدِّرُهُ) أَيْ مِنْ الْمُعَلَّقَاتِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] لَا الْمُحْتَمَّاتِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] أَيْ عِلْمُهُ تَعَالَى الْأَزَلِيُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ أَوْ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صُورَةُ مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ مِنْ الْمُبْرَمَاتِ وَلِذَا سُمِّيَ مَحْفُوظًا أَيْ مِنْ الْمَحْوِ بِخِلَافِ أَلْوَاحِ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ الْمَكْتُوبِ فِيهَا الْمُعَلَّقَاتُ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ لَوْحًا أَفَادَهُ بَعْضُ الْأَكَابِرِ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا فِي عِبَارَاتِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ بِصَحَائِفِ الْحَفَظَةِ (قَوْلُهُ يَتْبَعُهُ) أَيْ الْمَحْوُ أَيْ إذَا مَحَى اللَّهُ شَيْئًا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُخْبِرَ بِمَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَالْمُسْتَقْبَلِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) إنْ أَرَادَ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِأَلْفِ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا لَا يُنَافِي أَنَّهُ لَبِثَ أَلْفَ سَنَةً؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْأَقَلِّ لَا يُنَافِي الْأَكْثَرَ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ فِي كَوْنِهِ نَسْخًا نَظَرٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَلْبَثْ إلَّا الْأَقَلَّ بَعْدَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ لَبِثَ أَلْفَ سَنَةٍ فَفِيهِ إشْكَالٌ لَا يَخْفَى لِتَنَزُّهِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا وَجْهُ الضَّعْفِ فِي هَذَا الْقَوْلِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ سَقَطَ إلَخْ) فَكَأَنَّ صُورَةَ الْعِبَارَةِ قَبْلَ سُقُوطِ اللَّفْظَةِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ وَالْمَعْنَى، وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ إنْ كَانَ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِهِ حِكَايَةُ الْجَوَازِ فِي الْأَوَّلِ وَتَقْيِيدُهَا بِالْمُسْتَقْبَلِ فِي الثَّانِي حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلِ الْمَزِيدِ فِي الشَّارِحِ فَقَوْلُهُ: الْمُفِيدُ مَا قَبْلَهَا حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ ثُبُوتِ لَفْظَةٍ، وَقِيلَ بَعْدَ قَوْلِهِ يَجُوزُ اهـ. نَجَّارِيٌّ. وَالْمُبْيَضَّةُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ اللَّازِمِ وَهُوَ أَبْيَضُ يُقَالُ ابْيَضَّ الشَّيْءُ فَهُوَ مُبَيَّضٌ، وَاللَّازِمُ يَأْتِي مِنْهُ اسْمُ الْمَفْعُولِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الصِّلَةِ وَهِيَ هُنَا الْمُضَافُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُتَعَدِّي وَهُوَ بَيَّضْت، وَإِلَّا لَقِيلَ مُبَيَّضَةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالضَّادِ الْمُخَفَّفَةِ (قَوْلُهُ: الْمُفِيدُ) نَعْتٌ سَبَبِيٌّ لِيَجُوزَ. (قَوْلُهُ: بِبَدَلٍ) الْبَاءُ بِمَعْنَى إلَى أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ (قَوْلُهُ: أَثْقَلُ) فَالْمُسَاوِي، وَالْأَخَفُّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِثَالُ الْأَوَّلِ نَسْخُ تَوَجُّهِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

[مسألة النسخ واقع عند كل المسلمين]

لَا؛ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ سَهْلٍ إلَى عُسْرٍ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ وَقَعَ كَنَسْخِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] إلَخْ. (وَ) يَجُوزُ النَّسْخُ (بِلَا بَدَلٍ) وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لَكِنْ لَمْ يَقَعْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِيلَ وَقَعَ كَنَسْخِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} [المجادلة: 12] إلَخْ إذْ لَا بَدَلَ لِوُجُوبِهِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَامُّ مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ إنْ كَانَ مَضَرَّةً أَوْ إبَاحَةً لَهُ إنْ كَانَ مَنْفَعَةً، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلْوُجُوبِ بَلْ بَدَلُهُ الْجَوَازُ الصَّادِقُ هُنَا بِالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ. (مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ) وَخَالَفَتْ الْيَهُودُ غَيْرَ الْعِيسَوِيَّةِ بَعْضَهُمْ فِي الْجَوَازِ، وَبَعْضَهُمْ فِي الْوُقُوعِ وَاعْتَرَفَ بِهِمَا الْعِيسَوِيَّةُ وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْمُعْتَرِفُونَ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَوَجُّهِ الْكَعْبَةِ وَمِثَالُ الثَّانِي نَسْخُ الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِالْعِدَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الِانْتِقَالِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا لَا يُنَافِي مَا اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ فِي الْوَصْفِ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الثَّقِيلَ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَثْقَلِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِعَدَدِ تَسْلِيمِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ؛ إذْ الْحَقُّ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ سَلَّمْنَا رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا فِي الْحِكْمَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ أَوْ تَفْصِيلًا إنْ رُوعِيَتْ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ فَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَهَا؛ إذْ يَكْفِي فِي رِعَايَتِهَا زِيَادَةُ الثَّوَابِ فِي الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. قَوْلُهُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] إلَخْ أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ - بِدُونِ تَقْدِيرِ لَا فِيهَا قَبْلَ يُطِيقُونَهُ لِكَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ - مَنْسُوخَةٌ بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَّا الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ بِلَا نَسْخٍ فِي حَقِّهِمَا كَمَا قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً فِي حَقِّ الشَّيْخِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَيْنِ عَلَى قِرَاءَةِ يَطُوقُونَهُ أَيْ: يُكَلَّفُونَ بِهِ فَلَا يُطِيقُونَهُ اهـ. زَكَرِيَّا. وَمَا أَوَّلَ بِهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُعَارِضُهُ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ يُفْطِرُ وَيَفْدِي» حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ الْمَصْلَحَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً، وَهِيَ التَّخْفِيفُ. (قَوْلُهُ: إذَا نَاجَيْتُمْ) أَيْ الدَّالُّ عَلَيْهِ إذَا نَاجَيْتُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ) وَالْفِعْلُ هُنَا هُوَ التَّصْدِيقُ (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَخْ) وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ النَّسْخِ بِلَا بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَدَلٌ لِذَاتِ النَّسْخِ (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ هُنَا) إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ فِي غَيْرِ مَا هُنَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْوُجُوبَ نَسْخٌ. [مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ] (قَوْلُهُ: وَاقِعٌ) أَيْ وَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْوُقُوعِ الْجَوَازُ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَتْ الْيَهُودُ) نَبَّهَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى أَنَّ حِكَايَةَ خِلَافِ الْيَهُودِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا لَا يَلِيقُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِيمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي اخْتِلَافِ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَمَّا حِكَايَةُ خِلَافِ الْكُفَّارِ فَالْمُنَاسِبُ لِذِكْرِهَا أُصُولُ الدِّينِ اهـ. كَمَالٌ وَمُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَوَصَّلُوا إلَى أَنَّ شَرِيعَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَيِّدِنَا عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لَيْسَا نَاسِخَيْنِ لِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي كُلِّيَّاتِهِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ فِرْقَتَانِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ نَقْلًا تَمَسُّكًا بِأَنَّهُمْ وُجِدُوا فِي التَّوْرَاةِ تَمَسَّكُوا بِالسَّبْتِ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لَا تُنْسَخُ شَرِيعَتِي وَمِنْهُمْ مِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَقْلًا مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ دَلِيلُ حُسْنِهِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ دَلِيلُ قُبْحِهِ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ النَّسْخِ يُؤَدِّي إلَى الْبَذَاءِ وَالْجَهْلِ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ أَنَّ أَحَدًا لَا يُنْكِرُ اسْتِحْلَالَ الْأَخَوَاتِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَجَوَازَ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَنْ هُوَ بَعْضٌ مِنْ الْمَرْءِ فَإِنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحَلَّتْ لَهُ وَالْيَوْمَ حُرِّمَ نِكَاحُ الْجُزْءِ كَنِكَاحِ الْبِنْتِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَجَوَازَ اسْتِرْقَاقِ

لَكِنْ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً، وَهُمْ الْعَرَبُ (وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ) الْأَصْفَهَانِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (تَخْصِيصًا) ؛ لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ فِي الْأَزْمَانِ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَشْخَاصِ (فَقِيلَ: خَالَفَ) فِي وُجُودِهِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِهِ الْمَشْهُورِ (فَالْخُلْفُ) الَّذِي حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ نَفْيِهِ وُقُوعَهُ (لَفْظِيٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ الْمُتَضَمِّنُ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ إذْ لَا يَلِيقُ بِهِ إنْكَارُهُ كَيْفَ وَشَرِيعَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَالِفَةٌ فِي كَثِيرٍ لِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ فَهِيَ عِنْدَهُ مُغَيَّاةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُرِّ فِي عَهْدِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ نُسِخَ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ إبَاحَةُ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ قَبْلَ زَمَانِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالتَّحْرِيمُ فِي شَرِيعَتِهِ فَإِنَّهُمْ مُوَافِقُونَ فِي أَنَّ حُرْمَةَ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عِنْدَنَا تَحْرِيفُ التَّوْرَاةِ وَأُرْسِلَتْ رُسُلٌ مِنْ بَعْدِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَيْنَ تَأْيِيدُ شَرِيعَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْيَهُودِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِي زَمَنِ بُخْتَنَصَّرَ وَرَوَى أَحْبَارُهُمْ أَنَّ الْعُزَيْرَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَدَفَعَهَا إلَى تِلْمِيذٍ لَهُ لِيَقْرَأَهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَخَذُوهَا عَنْ ذَلِكَ التِّلْمِيذِ، وَبِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا تَثْبُتُ التَّوْرَاةُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ التِّلْمِيذَ قَدْ زَادَ فِيهَا شَيْئًا، وَحَذَفَ مِنْهَا شَيْئًا فَكَيْفَ يُوثَقُ بِمَنْ هَذَا سَبِيلُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ نُسَخَ التَّوْرَاةِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ، وَفِي النُّسَخِ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّصَارَى الْوَعْدُ بِخُرُوجِ الْمَسِيحِ وَبِخُرُوجِ الْعَرَبِيِّ صَاحِبِ الْجَمَلِ، وَارْتِفَاعُ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا فَمَا نَقَلُوهُ مِنْ تَأْبِيدِ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَأْبِيدِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ افْتِرَاءٌ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَقْرَبُ قَاطِعٍ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ لَمْ يَحْتَجَّ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى رَدِّ قَوْلِهِ، وَلَوْ احْتَجُّوا لَاشْتُهِرَ عَنْهُمْ كَسَائِرِ أُمُورِهِمْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ) إذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُمْ مَبْعُوثًا إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً لَا مَعْنَى لِجَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ؛ إذْ شَرِيعَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَتْ عَامَّةً؛ وَإِنَّمَا هِيَ خَاصَّةٌ بِبَنِي إسْرَائِيلَ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ عَامَّةً، أَوْ خَاصَّةً بِالْعَرَبِ تَأَتَّى النَّسْخُ (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرْنَا عَنْهُ بِالنَّسْخِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: كَيْفَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَةِ أَبِي مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ خَالَفَ فِي وُجُودِهِ) لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ ظَاهِرُهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَخْ فَالْحَيْثِيَّةُ لِلتَّعْلِيلِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُنْتَسَخُ عَدَمُ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: خَالَفَ فِي وُجُودِهِ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفَ قَوْلِهِ: فِي وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّفْرِيعِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْوُجُودِ لَمْ يَتَأَتَّ جَعْلُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ خَالَفَ هُوَ الْآمِدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ خِلَافَهُ فِي الْوُجُودِ (قَوْلُهُ: فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ - تَخْصِيصًا - الْمُتَضَمِّنَ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ: فَقِيلَ خَالَفَ إلَخْ الْبَيَانُ مُقَابِلُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُنَاسِبْ التَّرْتِيبَ، وَأُورِدَ أَنَّ الْخُلْفَ الَّذِي هُوَ نَفْيُ الْوُقُوعِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظِيًّا لِلْقَطْعِ بِمُبَايَنَةِ نَفْيِ الْوُقُوعِ لِلْوُقُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْهُ مِنْ نَفْيِ الْوُقُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِحَيْثُ يَعُودُ لَفْظِيًّا لِيُوَافِقَ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ تَسْمِيَةِ تَخْصِيصِهِ الْمُتَضَمِّنِ ذَلِكَ الِاعْتِرَافَ بِوُجُودِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْيِهِ وُقُوعَهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِنَفْيِ الْوُقُوعِ الثُّبُوتُ، وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيَّةٌ فَلَا يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْخِلَافُ فِي الْوُقُوعِ وَالْوُجُودِ بِاعْتِبَارِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَتِهِ وَكَوْنِهِ لَفْظِيًّا بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: الْمُتَضَمِّنُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَخْذُ هَذَا مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَلِيقُ إنْكَارُهُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: إنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ النَّسْخِ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَقَدْ وَرَدَ التَّنْزِيلُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي وُرُودِ نَصٍّ يَقْتَضِي حُكْمًا مُخَالِفًا لِمَا يَقْتَضِيهِ نَصٌّ سَابِقٌ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى تَوْقِيتٍ بَلْ جَازَ عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ التَّأْبِيدُ؛ وَلِذَا كَانَ تَفَصِّي الْمُخَالِفَ عَنْ ارْتِفَاعِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً إلَى ظُهُورِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مُطْلَقَةً يُفْهَمُ مِنْهَا لَا التَّأْبِيدُ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] الْآيَةَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَهِيَ)

إلَى مَجِيءِ شَرِيعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا كُلُّ مَنْسُوخٍ فِيهَا مُغَيًّا عِنْدَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى وُرُودِ نَاسِخِهِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ فَنَشَأَ مِنْ هُنَا تَسْمِيَةُ النَّسْخِ تَخْصِيصًا وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي وُجُودِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ) لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا بِانْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يَبْقَى؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لَهُ لَا مُثْبِتٌ وَسُلِّمَ فِي قَوْلِهِ لَا يَبْقَى مِنْ التَّسَمُّحِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ نَسْخٌ لِحُكْمِ الْفَرْعِ. (وَ) الْمُخْتَارُ (أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ) فَيَجُوزُ نَسْخُ كُلِّ الْأَحْكَامِ وَبَعْضِهَا أَيَّ بَعْضٍ كَانَ (وَمَنَعَ الْغَزَالِيُّ) كَالْمُعْتَزِلَةِ (نَسْخَ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ) لِتَوَقُّفِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ وَهِيَ مِنْ التَّكْلِيفِ وَلَا يَتَأَتَّى نَسْخُهَا قُلْنَا مُسَلَّمٌ ذَلِكَ لَكِنْ بِحُصُولِهَا يَنْتَهِي التَّكْلِيفُ بِهَا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَكْلِيفٌ وَهُوَ الْقَصْدُ بِنَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى (وَ) مَنَعَتْ (الْمُعْتَزِلَةُ نَسْخَ وُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ) أَيْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ حَسَنَةٌ لِذَاتِهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ فَلَا يَقْبَلُ حُكْمُهُمَا النَّسْخَ قُلْنَا الْحَسَنُ الذَّاتِيُّ بَاطِلٌ (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَهُ وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا فَإِنْ قُلْت التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: عِنْدَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُغَيَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ مَا ذُكِرَ مُغَيَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ إلَى مَا ذُكِرَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الِاخْتِلَافُ فِيهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ فَاَلَّذِي يَخُصُّهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُغَيَّا فِي الْعِلْمِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ حَتَّى جَعَلَهُمَا تَخْصِيصًا (قَوْلُهُ: كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ) أَيْ وَهُوَ يُسَمَّى تَخْصِيصًا فَانْفَصَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِهَذَا الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: فَنَشَأَ مِنْ هُنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: كَالْمُغَيَّا إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ) أَيْ اعْتِبَارِهَا فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً (قَوْلُهُ: لَا يَبْقَى إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ جَوَازُ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى كَمَا تَقَدَّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قِيَاسِيَّةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَحْوَى أَقْوَى مِنْ ثُبُوتِهِ هُنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ (قَوْلُهُ: الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا) أَيْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: لَا مُثْبِتَ) فَلَا لَزِمَ مِنْ انْتِفَائِهِ حُكْمُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ) أَيْ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّسَمُّحِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ) لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّسْخَ وَرَدَ عَلَى الْفَرْعِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ وَارِدٌ عَلَى الْفَرْعِ بِالتَّبَعِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ نَسْخُ كُلِّ الْأَحْكَامِ) أَيْ وَتَبْقَى الْأَشْيَاءُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّسْخِ صِفَةً لِلْعِلْمِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ أَنْ يَعْلَمَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ مَعْرِفَةُ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّكَالِيفِ) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْمُكَلَّفِ بِهَا لِتَوَقُّفِ الْعِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِهِ عَلَيْهَا وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: وَيَتَأَتَّى نَسْخُهَا إلَخْ) وَإِلَّا ضَاعَتْ الثَّمَرَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ النَّسْخِ وَهُوَ الْعِلْمُ (قَوْلُهُ: مُسَلَّمٌ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْعِلْمَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي النَّسْخِ (قَوْلُهُ: بِحُصُولِهَا) أَيْ الْمَعْرِفَةِ التَّكْلِيفِيَّةِ (قَوْلُهُ: يَنْتَهِي التَّكْلِيفُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَمْ تُقَيَّدْ بِدَوَامٍ فَيَصْدُقُ بِوُقُوعِهَا مَرَّةً ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَسْخَ الْجَمِيعِ بِخِطَابٍ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْ التَّكَالِيفِ فَيَحْتَاجُ نَسْخُهُ لِخِطَابٍ، وَهَكَذَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَصْدُ بِنَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ) أَيْ فَفِي دَعْوَى نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ تَغَلُّبٌ فَإِنَّ بَعْضَهَا نُسِخَ وَبَعْضُهَا لَمْ يَبْقَ التَّكْلِيفُ بِهِ فَيُسَمَّى الْكُلُّ نَسْخًا تَغْلِيبًا فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الْقَائِلَ نَسَخَ جَمِيعَ التَّكَالِيفِ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ لَا يَبْقَى تَكْلِيفٌ مِنْ التَّكَالِيفِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا الْمَعْرِفَتَيْنِ بِطَرِيقِ النَّسْخِ، وَفِيهِمَا بِطَرِيقِ الِانْتِهَاءِ وَالِانْقِطَاعِ، وَمُرَادُ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْلًا ارْتِفَاعُهَا كُلُّهَا بِطَرِيقِ النَّسْخِ، وَإِنْ جَازَ انْقِطَاعُ التَّكْلِيفِ فِي الْبَعْضِ بِانْتِهَائِهِ وَانْقِضَائِهِ اهـ. نَجَّارٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَجَمِيعِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ (قَوْلُهُ: الْحُسْنُ الذَّاتِيُّ بَاطِلٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ

لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ قَبْلَ تَبْلِيغِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمَّةَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ) لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ (وَقِيلَ يَثْبُتُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ لَا) بِمَعْنَى (الِامْتِثَالِ) كَالنَّائِمِ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ التَّبْلِيغِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَهُ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِمَّنْ تَمَكَّنَ مِنْ عِلْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَعَلَى الْخِلَافِ (أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ) كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ صِفَةٍ فِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ كَالْإِيمَانِ أَوْ جَلْدَاتٍ فِي جَلْدِ حَدٍّ فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِالْوُقُوعِ فَلَامُهُ مُقَوِّيَةٌ لَا تَعْلِيلِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَبْلِيغِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ لِلنَّاسِخِ وَبَعْدَ بُلُوغِهِ لِجِبْرِيلَ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ بُلُوغِ النَّاسِخِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ لَهُ وَقَبْلَ نُزُولِهِ إلَى الْأَرْضِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مِنْ رَفْعِ فَرْضِيَّةِ خَمْسِينَ صَلَاةً بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَبِمَا بَعْدَ نُزُولِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَقَبْلَ تَبْلِيغِهِ لِلْأُمَّةِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْخَمْسَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ نَاسِخَةٌ لِلْخَمْسِينَ هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ لِبُلُوغِهِ لَهُ، وَكَلَامُنَا فِي النَّسْخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي سم حِكَايَةُ قَوْلٍ بِأَنَّهُ نَسْخٌ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حُكْمُ الْمَنْسُوخِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ نَسْخِ الْخَمْسِينَ إلَى الْخَمْسِ يُحْتَمَلُ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَفْعَ التَّعَلُّقِ بِالْجُمْلَةِ مَعَ إثْبَاتِ التَّعَلُّقِ بِبَعْضِهَا فَيَكُونُ الْمَنْسُوخُ فِي الْحَقِيقَةِ مَا عَدَا الْخَمْسَ مِنْ الْخَمْسِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَفْعَ التَّعَلُّقِ بِجَمِيعِ الْخَمْسِينَ، وَإِثْبَاتَ تَعَلُّقٍ جَدِيدٍ بِالْخَمْسِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَثْبُتُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا قَبْلَ بُلُوغِ النَّاسِخِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ صَحَّ إرَادَةُ هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ؛ إذْ لَا يَسَعُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ) أَيْ تَقْرِيرِ الْمَطْلُوبِ وَثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي النَّائِمِ) فِيهِ أَنَّ النَّائِمَ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي نَعْتِهِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْخِلَافِ) أَيْ السَّابِقِ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ (قَوْلُهُ: أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ إلَخْ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: الزِّيَادَةُ إنْ كَانَتْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً كَزِيَادَةِ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ مَثَلًا فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ نَسْخًا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ وَمَثَّلُوا لَهُ بِزِيَادَةِ جُزْءٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ زِيَادَةِ مَا يَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ نَسْخٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ الثَّالِثُ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فَنَسْخٌ وَإِلَّا لَا الرَّابِعُ: إنْ غَيَّرَتْ الزِّيَادَةُ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ صَارَ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ شَرْعًا فَنَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْمُعْتَزِلَةُ الْخَامِسُ: إنْ اتَّحَدَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ التَّعَدُّدُ وَالِانْفِصَالُ بَيْنَهُمَا فَنَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا السَّادِسُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ رَفَعَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَنَسْخٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا ذُكِرَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: رَفَعْت أَوْ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ الْوَاقِعَةَ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا تَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَكَذَا ثُبُوتُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْلُحُ نَاسِخًا هَذَا تَفْصِيلُ الْمَذَاهِبِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ زِيَادَةَ عِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَانِسَةً كَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ أَوْ غَيْرَ مُجَانِسَةٍ كَزِيَادَةِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ نَسْخًا فِي الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا، وَلَا فِي الْأُولَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: هِيَ نَسْخٌ؛ لِأَنَّهَا تُغَيِّرُ الْوَسَطَ فَتُغَيِّرُ الصَّلَاةَ الْمَأْمُورَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي أَنَّهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُسْطَى فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ مِنْ الْوَسَطِ فِي الْعَدَدِ بَلْ هِيَ عَلَمٌ عَلَى صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ مِنْ الْوَسَطِ بِمَعْنَى الْخِيَارِ، وَالْفَاضِلُ لَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ صَلَاةٍ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَنْ دَلِيلِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَا عَنْ مُدَّعِي الْخَصْمِ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ

لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهَا نَسْخٌ (وَمَثَارُهُ) أَيْ الْمَحَلُّ الَّذِي ثَارَ مِنْهُ الْخِلَافُ مَا يُقَالُ (هَلْ رَفَعَتْ) الزِّيَادَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَعِنْدَنَا لَا فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ وَعِنْدَهُمْ نَعَمْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمَا دُونَهَا اقْتَضَى تَرْكَهَا فَهِيَ رَافِعَةٌ لِذَلِكَ الْمُقْتَضَى قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اقْتِضَاءَ تَرْكِهَا وَالْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ غَيْرُهُ وَبَنَوْا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّ مُدَّعَاهُ نَسْخُ الزِّيَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي زِيَادَةِ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ فَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ. وَأُجِيبَ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُبْطِلُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْوُسْطَى، وَإِنَّمَا تُبْطِلُ كَوْنَهَا وُسْطَى وَلَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا اهـ. (قَوْلُهُ: مَا يُقَالُ) قَدْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَقَعُ خَبَرًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَعِنْدَنَا لَا) لِأَنَّ مَزِيدًا عَلَيْهِ مَا زَالَ مَشْرُوعًا وَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ رَافِعَةٌ) أَيْ النَّصُّ الْمُثْبِتُ لَهَا رَافِعٌ لِذَلِكَ الْمُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ أَيْ لِحُكْمِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ غَيْرُهُ) أَيْ كَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ إذْ الْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْقَدْرِ الزَّائِدِ وَكَعُمُومِ تَحْرِيمِ الْإِيذَاءِ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ

[خاتمة للنسخ]

عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي زِيَادَتِهَا عَلَى الْقُرْآنِ كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَزِيَادَةِ اعْتِبَارِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ لَا يُنْسَخُ بِالْآحَادِ (وَإِلَى الْمَأْخَذِ) الْمَذْكُورِ (عَوْدُ الْأَقْوَالِ الْمُفَصَّلَةِ وَالْفُرُوعِ الْمُبَيَّنَةِ) أَيْ الَّتِي بَيَّنَهَا الْعُلَمَاءُ حَاكِمِينَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا نَسْخٌ، أَوْ لَا مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُفَصَّلَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ غَيَّرَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْمَغْرِبِ فَهِيَ نَسْخٌ، وَإِلَّا كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَلَا وَمِنْهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ اتِّصَالَ اتِّحَادٍ كَزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي الصُّبْحِ فَهِيَ نَسْخٌ، وَإِلَّا كَزِيَادَةِ عِشْرِينَ جَلْدَةً فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا (وَكَذَا الْخِلَافُ فِي) نَقْصِ (جُزْءِ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطِهَا) كَنَقْصِ رَكْعَةٍ أَوْ نَقْصِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ نَسْخٌ لَهَا فَقِيلَ: نَعَمْ إلَى ذَلِكَ النَّاقِصِ لِجَوَازِهِ أَوْ وُجُوبِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: لَا وَالنَّسْخُ لِلْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتْرَكُ، وَقِيلَ: نَقْصُ الْجَزَاءِ نَسْخٌ بِخِلَافِ نَقْصِ الشَّرْطِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّصِلِهِ وَمُنْفَصِلِهِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَالْوُضُوءِ وَقِيلَ نَقْصُ الْمُنْفَصِلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا. (خَاتِمَةٌ لِلنَّسْخِ) يَتَعَيَّنُ النَّاسِخُ لِلشَّيْءِ (بِتَأَخُّرِهِ) عَنْهُ (وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِهِ الْإِجْمَاعُ) بِأَنْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ عَلَى تَأَخُّرِهِ أَوْ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا نَاسِخٌ) لِذَلِكَ (أَوْ) هَذَا (بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ كُنْت نَهَيْت عَنْ كَذَا فَافْعَلُوهُ) كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» (أَوْ النَّصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا ضِرَارَ» بِالنَّظَرِ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِأَخْبَارِ الْآحَادِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُنْسَخُ بِالْآحَادِ (قَوْلُهُ: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ) أَيْ عُقُوبَةُ زِنَا الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ، وَالْبِكْرُ الثَّانِيَةُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ إذَا زَنَى بِكْرٌ بِثَيِّبٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ نَظَرًا لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَّحِدُ حُكْمُهُمَا إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهِ بِكْرًا (قَوْلُهُ: وَإِلَى الْمَأْخَذِ) أَيْ مَحَلِّ أَخْذِ الْخِلَافِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ بِالْمِثَالِ (قَوْلُهُ الْأَقْوَالُ الْمُفَصِّلَةُ وَالْفُرُوعُ الْمُبَيَّنَةُ) الْأَوَّلُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالثَّانِي بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: مِنْهَا) مِنْ الْفُرُوعِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْخِلَافُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَهُوَ مُقَابِلٌ لَهُ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَأْخَذِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ النَّقْصِ نَسْخًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْمَنْسُوخِ بِهِ هُوَ الْعِبَادَةَ بِجُمْلَتِهَا نُسِخَتْ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الْقَدْرُ النَّاقِصُ، أَوْ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي نَقَصَ فَقَطْ مَثَلًا إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَغْرِبَ نَقَصَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الِاثْنَانِ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْمُرْتَفِعَ هُوَ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ شَرْطُهَا) ذَكَرَهُ وَمَا قَبْلَهُ فَرْضُ تَمْثِيلٍ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ كَنَقْصِ الْجَلْدَاتِ فِي حَدِّ الْجَلْدِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَى ذَلِكَ النَّاقِصِ) أَيْ نَعَمْ هُوَ نَسْخٌ لِتِلْكَ الْعِبَارَةِ إلَى بَدَلٍ هُوَ ذَلِكَ النَّاقِصُ فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِنَسْخٍ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْعُدُولِ وَيُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِنَعَمْ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْمَحْذُوفِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ: وَالنَّسْخُ لِلْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ) أَيْ كَمَا يَقُولُونَ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ فَهُمْ يَقُولُونَ بِنَسْخِ الْكُلِّ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَأَمَّا نَسْخُ الْجَزَاءِ أَوْ الشَّرْطِ فَمَحَلُّ وِفَاقٍ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّصِلِهِ وَمُنْفَصِلِهِ) أَشَارَ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَّصِلِ مِنْ الشَّرْطِ الْمُقَارِنُ لِجَمِيعِ الْعِبَادَةِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَبِالْمُنْفَصِلِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا كَالْوُضُوءِ. [خَاتِمَةٌ لِلنَّسْخِ] (قَوْلُهُ: لِلنَّسْخِ) أَيْ لِمَسَائِلِ النَّسْخِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَقَوْلُهُ: وَطَرِيقُ الْعِلْمِ إلَخْ حَاصِلًا لِلطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَشَرَةٌ سِتَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا (قَوْلُهُ: لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ) وَلَا يَلْزَمُنَا الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ حُجَّةٌ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ لَهُ مُسْتَنَدًا (قَوْلُهُ: أَوْ النَّصُّ إلَخْ) الْمُرَادُ النَّصُّ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ فِي هَذَا النَّصِّ لِلْأَوَّلِ فَيُغَايِرُ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ كُنْت نَهَيْتُكُمْ إلَخْ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالْخِلَافِ هُنَا خِلَافٌ يَقْتَضِي الْمُنَافَاةَ حَتَّى

عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَوَّلًا (أَوْ قَوْلُ الرَّاوِيِّ هَذَا سَابِقٌ) عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَأَخِّرًا (وَلَا نَظَرَ لِمُوَافَقَةِ أَحَدِ النَّصَّيْنِ لِلْأَصْلِ) أَيْ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمُخَالِفِ لَهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا فَيَكُونُ الْمُخَالِفُ هُوَ السَّابِقَ عَلَى الْمُوَافِقِ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِجَوَازِ الْعَكْسِ (وَثُبُوتُ إحْدَى الْآيَتَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ بَعْدَ الْأُخْرَى) أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَأَخُّرِ نُزُولِهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُوَافَقَةُ الْوَضْعِ لِلنُّزُولِ، قُلْنَا: لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَتَيْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ (وَتَأَخُّرِ إسْلَامِ الرَّاوِي) أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَأَخُّرِ مَرْوِيِّهِ عَمَّا رَوَاهُ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ قُلْنَا لَكِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْعَكْسِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الرَّاوِي (هَذَا نَاسِخٌ) أَيْ لَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ فِي ثُبُوتِ النَّسْخِ بِهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قُلْنَا: ثُبُوتُهُ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِحَّ النَّسْخُ كَأَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ: إنَّهُ مُبَاحٌ ثُمَّ يَقُولَ فِيهِ: أَنَّهُ حَرَامٌ، وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْخِلَافِ لَا يَقْتَضِي الْمُنَافَاةَ الْمُصَحِّحَةِ لِلنَّسْخِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ قَالَ فِي شَيْءٍ: إنَّهُ جَائِزٌ ثُمَّ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ وَاجِبٌ فَإِنَّ الْوُجُوبَ خِلَافُ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُهُ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ يَصْدُقُ فِي الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: خِلَافُ الْأَوَّلِ) أَيْ الثَّابِتِ أَوْلَيْتُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِأَنْ يَذْكُرَ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَا كَانَ سَابِقًا بِأَنْ يَأْمُرَ بِالثَّانِي مُجَرَّدًا عَنْ التَّنْبِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَغَايَرَ مَا قَبْلَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا طَرِيقٌ لِلنَّسْخِ لَا لِلْعِلْمِ فِي التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوَلِيَّتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَالنَّصُّ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْ التَّأَخُّرِ وَقَدْ يُقَالُ: صِحَّةُ الثَّانِي مَعَ الْعِلْمِ بِتَقَرُّرِ الْأَوَّلِ الْمُتَقَرِّرِ أَوَّلِيَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ فَكَانَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ طَرِيقًا لِلْعِلْمِ بِتَأَخُّرِهِ؛ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى مُصَاحَبَةِ الْأَوَّلِ لَنَاقَضَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ قَوْلُ الرَّاوِي إلَخْ) قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَبُولِ ذَلِكَ وَعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ: هَذَا نَاسِخٌ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّحَقُّقِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ دَعْوَى السَّبْقِ لَا تَكُونُ عِدَّةً إلَّا عَنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسْخِ يَكْثُرُ كَوْنُهَا عَنْ اجْتِهَادٍ وَاعْتِمَادِ قُرَّاءٍ قَدْ تَخَطَّى، وَقَدْ لَا يَقُولُهُ بِهَا غَيْرُ الرَّاوِيِّ (قَوْلُهُ: هَذَا سَابِقٌ) أَيْ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ كَقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» (قَوْلُهُ: مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا) أَيْ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُخَالِفُ هُوَ السَّابِقَ) أَيْ فَيَكُونُ الْمُوَافِقُ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ هُوَ النَّاسِخَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ؛ إذْ لَوْ تَقَدَّمَ لِيَكُونَ مَنْسُوخًا لَمْ يُفِدْ إلَّا مَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَهُ فَيَعْرَى عَنْ الْفَائِدَةِ، وَزَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ النَّاسِخَ هُوَ الْمُخَالِفُ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْبَرَاءَةِ إلَى إشْغَالِ الذِّمَّةِ يَقِينٌ، وَالْعَوْدُ إلَى الْإِبَاحَةِ ثَانِيًا شَكٌّ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمِثْلِهِ؛ إذْ عَوْدُ الْمُوَافِقِ إلَى الْإِبَاحَةِ يَقِينٌ، وَتَأَخُّرُ الْمُخَالِفِ شَكٌّ مَعَ أَنَّ مَا قَالُوهُ يَسْتَلْزِمُ عُرُوَّ الْمُوَافِقِ عَنْ الْفَائِدَةِ كَمَا مَرَّ مِنْ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ) بَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ - هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُوَافِقُ هُوَ الْمُتَأَخِّرَ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ تَارَةً يُوَافِقُ، وَتَارَةً يُخَالِفُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْأُخْرَى) إنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ يُسْتَفَادُ هَذَا التَّقْدِيرُ، قُلْت: مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ إحْدَى الْآيَتَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لِكُلِّ آيَةٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي مُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُهَا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَكَوْنُهَا بَعْدَ الْأُخْرَى اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لَا أَثَرَ) أَيْ لَا تَأْثِيرَ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ) عَدَمُ اللُّزُومِ لَا يُنَافِي الْجَرَيَانَ عَلَى الْأَصْلِ فَنَتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَتَأَخُّرِ إسْلَامِ الرَّاوِيِّ إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ تَقَدُّمَ إسْلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى إسْلَامِ الثَّانِي لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ الَّتِي يَرْوِيَهَا الثَّانِي، وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ) أَيْ تَسْلِيمِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ أَيْ وَإِلَّا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَنَّهُ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: فِي ثُبُوتِ النَّسْخِ) الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي ثُبُوتِ التَّأْخِيرِ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِاللَّازِمِ

[الكتاب الثاني في السنة]

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادٍ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ (لَا النَّاسِخُ) أَيْ لَا قَوْلُ الرَّاوِيِّ هَذَا النَّاسِخُ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يَعْلَمْ نَاسِخُهُ فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ (خِلَافًا لِزَاعِمِيهَا) أَيْ زَاعِمِي الْآثَارِ لِمَا عَدَا الْأَخِيرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ. (الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ) (وَهِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ) وَمِنْهَا تَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ عَنْ الْإِنْكَارِ وَالْكَفُّ فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبَاحِثُ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَشْرَكُ السُّنَّةُ فِيهَا الْكِتَابَ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْي وَغَيْرِهِمَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِتَوَقُّفِ حُجِّيَّةِ السُّنَّةِ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِهَا ذَاكِرًا جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ فَقَالَ (الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ هَذَا سَابِقٌ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَثَرٌ (قَوْلُهُ: لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إلَخْ) تَوْضِيحٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُورَتَيْ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ التَّنْكِيرِ فِيهَا إفَادَةٌ لِأَصْلِ النَّسْخِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّعْرِيفِ، فَإِنَّ النَّسْخَ فِيهَا مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ النَّاسِخِ فَيَضْعُفُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّنْكِيرِ فَإِنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهَا يَقْوَى لِمَا مَرَّ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا) لَا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِالنَّقْلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالِاجْتِهَادِ تَقَوَّى بِعِلْمِ النَّسْخِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعَطْفُ بِلَا فِي حَيِّزِ النَّفْي وَهُوَ شَاذٌّ وَقَدْ انْتَهَى بِحَمْدِ اللَّهِ الْكَلَامُ عَلَى الْكِتَابِ الْأَوَّلِ. [الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ] أَخَّرَهُ عَنْ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ السُّنَّةِ فِي الْوُجُودِ عَنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ وَالْعَادَةُ وَاصْطِلَاحًا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ هِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْإِعْجَازِ كَتَكْلِيمِهِ لِلضَّبِّ، وَيَدَاهُ لَك بَحْرٌ وَغَوْصُ قَدَمِهِ فِي الْحَجَرِ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ (قَوْلُهُ: وَأَفْعَالُهُ) أَيْ غَيْرُ الْأَقْوَالِ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَفْعَالِ اللِّسَانِ عَلَى أَنَّهَا لَا يُقَالُ لَهَا فِعْلٌ عُرْفًا وَلَمْ يَذْكُرْ الصِّفَاتِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الصِّفَاتُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا تَقْرِيرُهُ) وَمِنْهَا إشَارَاتُهُ كَإِشَارَتِهِ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنْ يَضَعَ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَهَمُّهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَلَا يَهُمُّ إلَّا بِمَطْلُوبٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَهُمُّ إلَّا بِحَقٍّ وَقَدْ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ كَمَا هَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِجَعْلِ أَسْفَلِ الرِّدَاءِ أَعْلَاهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَدْبِ ذَلِكَ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْهَمِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: الْهَمُّ إنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا دَلَّ مِنْهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ ابْنِ قَاسِمٍ بِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ بِغَيْرِهِمَا كَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَالِاسْتِدْلَالُ حِينَئِذٍ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ إفْرَادِ السُّنَّةِ وَصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهَا الْقَلْبِيَّةُ كَالِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَفٌّ) وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ مُطْلَقًا، كَمَا لَا يُقِرُّ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَأَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَشْرَكُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالرَّاءِ مَاضِيهِ شَرِكَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ عَلِمَ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) كَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ: الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومُونَ) أَيْ مَحْفُوظُونَ عَنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ فَقَوْلُهُ: لَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: مَعْصُومُونَ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إنَّ التَّوْبَةَ فِي خَبَرِ «إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» تَوْبَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَهِيَ مُجَرَّدُ الرُّجُوعِ لِرُجُوعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَامِلٍ إلَى أَكْمَلَ بِسَبَبِ تَزَايُدِ فَوَاضِلِهِ وَفَضَائِلِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلُ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا زَالَ يَتَرَقَّى فِي الْفَوَاضِلِ وَالْفَضَائِلِ

لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَلَوْ سَهْوًا) أَيْ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ أَصْلًا لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا (وِفَاقًا لِلْأُسْتَاذِ) أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيِّ (وَ) أَبِي الْفَتْحِ (الشِّهْرِسْتَانِيّ) (وَ) الْقَاضِي (عِيَاضٌ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ؛ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ صُدُورِ الصَّغِيرَةِ عَنْهُمْ سَهْوًا لَا الدَّالَّةِ عَلَى الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ وَيُنَبَّهُونَ عَلَيْهَا وَتَفَرَّعَ عَلَى عِصْمَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِذَنْ لَا يُقِرُّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ وَسُكُوتُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَبْشِرٍ عَلَى الْفِعْلِ) بِأَنْ عَلِمَ بِهِ (مُطْلَقًا. وَقِيلَ إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ الْإِنْكَارُ) بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْفُرُوعِ (وَلَوْ) كَانَ (مُنَافِقًا) لِأَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ غَيْرَ الْمُنَافِقِ) لِأَنَّ الْمُنَافِقَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي الظَّاهِرِ (دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْفَاعِلِ) أَيْ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْهُ لِأَنَّ سُكُوتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِعْلِ تَقْرِيرٌ لَهُ (وَكَذَا الْغَيْرُ) أَيْ غَيْرُ الْفَاعِلِ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ قَالَ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِخِطَابٍ حَتَّى يَعُمَّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ فَيَعُمَّ (وَفِعْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (غَيْرُ مُجَرَّمٍ لِلْعِصْمَةِ وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلنُّدْرَةِ) بِضَمِّ النُّونِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ مِنْ التَّقِيِّ مِنْ أُمَّتِهِ فَكَيْفَ مِنْهُ وَخِلَافُ الْأَوْلَى مِثْلُ الْمَكْرُوهِ أَوْ مُدْرَجٌ فِيهِ (وَمَا كَانَ) مِنْ أَفْعَالِهِ (جِبِلِّيًّا) كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (أَوْ بَيَانًا) كَقَطْعِهِ السَّارِقَ مِنْ الْكُوعِ بَيَانًا لِمَحَلِّ الْقَطْعِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: رُوِيَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ سَارِقًا مِنْ الْمِفْصَلِ» (أَوْ مُخَصَّصًا بِهِ) كَزِيَادَتِهِ فِي النِّكَاحِ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (فَوَاضِحٌ) أَنَّ الْبَيَانَ دَلِيلٌ فِي حَقِّنَا، وَغَيْرُهُ لَسْنَا مُتَعَبِّدِينَ بِهِ (وَفِيمَا تَرَدَّدَ) مِنْ فِعْلِهِ (بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ كَالْحَجِّ رَاكِبًا تَرَدُّدٌ) نَاشِئٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ، وَالظَّاهِرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْجِبِلِّيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّشْرِيعِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، فَيُسْتَحَبُّ لَنَا (وَمَا سِوَاهُ) أَيْ سِوَى مَا ذُكِرَ فِي فِعْلِهِ (إنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ) مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ (فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ) فِي ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ عِبَادَةً كَانَ أَوْ لَا. وَقِيلَ: مِثْلُهُ فِي الْعِبَادَةِ فَقَطْ وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا بَلْ يَكُونُ كَمَجْهُولِ الصِّفَةِ وَسَيَأْتِي (وَتُعْلَمُ) صِفَةُ فِعْلِهِ (بِنَصٍّ) عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ: هَذَا وَاجِبٌ مَثَلًا (وَتَسْوِيَةٌ بِمَعْلُومِ الْجِهَةِ) كَقَوْلِهِ هَذَا الْفِعْلِ مُسَاوٍ لِكَذَا فِي حُكْمِهِ الْمَعْلُومِ (وَوُقُوعِهِ بَيَانًا أَوْ امْتِثَالًا لَدَالٍّ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُمْتَثَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتِ الْمُقَرَّبِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِصْمَةَ الْحِفْظُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي ذَنْبٍ وَتُقَالُ لِلْمَنْعِ مِنْهُ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ خُلْو مَا يَمْنَعُ مِنْهَا وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا إنَّهَا مَلَكَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا الْفُجُورَةَ، إنْ قُلْتَ يَلْزَمُ مُسَاوَاةُ مَنْ وَرَدَ عَدَمُ مَعْصِيَتِهِ كَصُهَيْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْعِصْمَةِ بِالسَّمْعِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَارِدَ فِي غَيْرِهِمْ خَرَجَ مَخْرَجَ الثَّنَاءِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ بِخِلَافِ الْوَارِدِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَالْوَارِدُ فِي غَيْرِهِمْ مَظْنُونٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (قَوْلُهُ: مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مُعْصَمُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ وَأَرَادَ عَدَمَ صُدُورِ الذَّنْبِ مِنْهُمْ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَالْمُرَادُ لَا يَصْدُرُ وَلَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَتَسْمِيَتُهُ ذَنْبًا مَجَازٌ إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ نَحْوِ تَسْلِيمِهِ سَهْوًا مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ؛ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مِنْهَا عَمْدًا حَرَامٌ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ سَهْوًا، فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَلَامِ حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوُقُوعِ سَهْوًا تَشْرِيعٌ، أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْصُومَ مِنْهُ السَّهْوُ الشَّيْطَانِيُّ لَا الرَّحْمَانِيُّ (قَوْلُهُ: عَلَى جَوَازِ) أَيْ: عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ) أَيْ فِي الْأَخْذِ كَأَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَمْرُهُ بَعْدَ أَنْ يَزِنَ لَهُ حَقَّهُ، وَفِي الْإِعْطَاءِ بِأَنْ يَنْقُصَ لَهُ تَمْرَةً مِنْ حَقِّهِ (قَوْلُهُ: وَيُنَبِّهُونَ عَلَيْهَا) أَيْ لَوْ وَقَعَتْ (قَوْلُهُ: لَا يُقِرُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا) تَعْبِيرُهُ بِأَحَدًا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ بِأَنْ يُوَجِّهَ الْخِطَابَ إلَى وَلِيِّهِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِمُكَلَّفًا (قَوْلُهُ: عَلَى بَاطِلٍ) الْمَأْخُوذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَاطِلَ الْمَعْصِيَةُ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى الْمَكْرُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلْآمِرِ بِاتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: مُسْتَبْشِرٍ) أَيْ مَسْرُورٍ (قَوْلُهُ: إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ إِلَخْ) أَيْ فَلَا يَدُلُّ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ إِلَخْ) وَالْحَقُّ خِلَافَهُ إلَّا الْكَافِرَ أَيْ فِي غَيْرِ الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: دَلِيلُ الْجَوَازِ) الْأَوْلَى دَلِيلُ عَدَمِ الْحَرَجِ وَاللَّوْمُ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَخِلَافَ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا سَبَقَ بَيَانُ قُبْحِهِ ثُمَّ وَقَعَ السُّكُوتُ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ كَمُضِيِّ كَافِرٍ قُرِّرَ بِالْجِزْيَةِ إلَى الذَّهَابِ لِكَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ فَلَا دَلَالَةَ لِلسُّكُوتِ هُنَا عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: تَقْرِيرٌ لَهُ) أَيْ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ لِلْآمِرِ بِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِخِطَابٍ حَتَّى يَعُمَّ) لِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ ظِ دُونَ الْمَعَانِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ إذْ هُوَ لَفْظٌ بِالْقُوَّةِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ) وَفِعْلُهُ الْمَكْرُوهَ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَاجِبٌ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ مِنْهُ) أَيْ فَكَيْفَ يَقَعُ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَتْ عِبَارَتُهُ: فَكَيْفَ لَا يَنْدُرُ مِنْهُ لَكِنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمُرَادُ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُفِيدُ أَنَّ وُقُوعَ الْمَكْرُوهِ أَشَدُّ نُدُورًا لَا مُمْتَنِعًا وَكَانَ الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ الْمَكْرُوهِ بِالْعِصْمَةِ كَمَا يُفِيدُهُ الدَّلِيلُ الْمَارُّ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَهُمْ اخْتِصَاصُ الْعِصْمَةِ بِالذُّنُوبِ وَفِعْلُهُ الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ قِيَامٌ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَشْرُوعَاتِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَالْقِيَامِ) جُعِلَ هَذَا جِبِلِّيًّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فِي نَظَرِ الْفُقَهَاءِ، وَإِلَّا فَبَعْضُ أَتْبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصِيرُ إلَى حَالَةٍ تَصِيرُ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ عِبَادَةً فَكَيْفَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: أَوْ بَيَانًا) أَيْ لِنَصٍّ مُجْمَلٍ أَوْ مُرَادٌ بِهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ لِقَطْعِهِ السَّارِقَ مِنْ الْكُوعِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ التَّمْثِيلَ بِقَطْعِ السَّارِقِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ أَنَّ آيَةَ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُجْمَلِ، فَالْمُرَادُ بِالْبَيَانِ بَيَانُ مَعْنَى النَّصِّ مُجْمَلًا كَانَ أَوْ مُرَادًا بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ وَغَيْرُ الْبَيَانِ، وَهُوَ الْجِبِلِّيُّ، وَالْمُخَصَّصُ أَمَّا فِي الْجِبِلِّيِّ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ، وَلَا نَهْيٌ عَنْ مُخَالَفَةٍ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ، وَأَمَّا فِيمَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ فَالْمُرَادُ لَسْنَا مُتَعَبِّدِينَ بِهِ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خُصَّ بِهِ فَيَشْمَلُ عَدَمَ التَّعَبُّدِ أَصْلًا كَمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَالتَّعَبُّدُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الضُّحَى، وَهُوَ فِي الْجِبِلِّيِّ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ أَفْعَالِهِ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَج

وَلَا إشْكَالَ فِي ذِكْرِ الْبَيَانِ هُنَا مَعَ ذِكْرِهِ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ (وَيَخُصُّ الْوُجُوبَ) عَنْ غَيْرِهِ (أَمَارَاتُهُ كَالصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِاسْتِقْرَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَاجِبَةٌ وَمَا لَا يُؤَذَّنُ لَهَا كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (مَمْنُوعًا) مِنْهُ (لَوْ لَمْ يَجِبْ كَالْخِتَانِ وَالْحَدِّ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ. وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الْوُجُوبُ عَنْ هَذِهِ الْأَمَارَةِ لِدَلِيلٍ كَمَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَ) يَخُصُّ (النَّدْبَ) عَنْ غَيْرِهِ (مُجَرَّدُ قَصْدِ الْقُرْبَةِ) عَنْ قَيْدِ الْوُجُوبِ (وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ لِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ (كَثِيرٌ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ (وَإِنْ جُهِلَتْ) صِفَتُهُ (فَلِلْوُجُوبِ) فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ (وَقِيلَ لِلنَّدْبِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَقِيلَ لِلْإِبَاحَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الْكُلِّ) لِتَعَارُضٍ أَوْجُهِهِ (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) فَقَطْ (مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِيهِمَا) فَقَطْ (إنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ) وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ وَعَلَى غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ الْبَيَانِ) وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ ذِكْرَ الْبَيَانِ هُنَا فِي عَدَدِ أَقْسَامٍ سِوَى مَا تَقَدَّمَ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْقَسَمِ قَسِيمًا لِذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِسِوَى مَا تَقَدَّمَ بَلْ فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَقَوْلُهُ: وَتُعْلَمُ صِفَةُ فِعْلِهِ أَيْ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ) أَيْ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ ثُمَّ يَجُوزُ إجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ الْأَمَارَةَ الصَّلَاةُ بِالْأَذَانِ؛ إذْ لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ جَعْلِ الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِهَا لِتَغَايُرِ الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ مَعَ وُجُوبِهَا، وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَذَانَ لِلصَّلَاةِ أَمَارَةٌ عَلَى وُجُوبِهَا فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةً أَيْ كَالْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: عَنْ قَيْدِ الْوُجُوبِ) أَيْ عَنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِالْقَيْدِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُجَرَّدٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَإِلَّا فَقَصْدُ الْقُرْبَةِ يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُهِلَتْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَإِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمُصَنِّفِ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الشَّافِعِيِّ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ، وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. وَذَكَرَ السَّمْعَانِيُّ أَنَّ الْوُجُوبَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ فَمَا بَدَأَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ) أَيْ الْمَجْزُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ جَزْمَ الطَّلَبِ قَدْرٌ زَائِدٌ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا طَلَبَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِطَلَبٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَعِنْدَ الْجَهْلِ بِصِفَةِ هَذَا الْفِعْلِ الْمُحَقَّقِ بَعْدَ الطَّلَبِ النَّدْبُ، وَمَنْ قَالَ: الْإِبَاحَةُ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا عَنْ طَلَبٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ) أَيْ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَخْصِيصِ الْأَوَّلَيْنِ (قَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ ظُهُورَ قَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ أَمَارَاتِ النَّدْبِ، فَكَيْفَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ احْتِمَالُ نَدْبٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا

سَوَاءٌ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ أَوْ لَا، وَمُجَامَعَةُ الْقَرِينَةِ لِلْإِبَاحَةِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِفِعْلِ الْمُبَاحِ بَيَانَ الْجَوَازِ لِلْأُمَّةِ فَيُثَابَ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ الَّذِي هُوَ سَهْوٌ كَمَا رَأَيْتهمَا فِي خَطِّهِ مَشْطُوبًا عَلَى الثَّانِي مِنْهُمَا مُلْحَقًا بَدَلَهُ الْأَوَّلُ. (إذَا تَعَارَضَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ) أَيْ تَخَالَفَا (وَدَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ) الْقَوْلُ (خَاصًّا بِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَيَّ صَوْمُ عَاشُورَاءَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَفْطَرَ فِيهِ سَنَةً بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ (فَالْمُتَأَخِّرُ) مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِأَنْ عُلِمَ (نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ، وَكَذَا فِي تَقَدُّمِهِ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَدَلَّ إلَخْ عَمَّا لَمْ يَدُلَّ فَلَا نَسْخَ حِينَئِذٍ لَكِنْ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ دُونَ تَقَدُّمِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ (فَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (الْأَصَحُّ الْوَقْفُ) عَنْ أَنْ يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي حَقِّهِ إلَى تَبَيُّنِ التَّارِيخِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي احْتِمَالِ تَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ الْقَوْلُ لِأَنَّهُ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ الْفِعْلِ لِوَضْعِهِ لَهَا، وَالْفِعْلُ إنَّمَا يَدُلُّ بِقَرِينَةٍ، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ الْقَوْلَ وَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: سَوَاءٌ ظَهَرَ إلَخْ) أَيْ يَقُولُ بِمَا قَالَ سَوَاءٌ ظَهَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمُجَامَعَةُ الْقُرْبَةِ لِلْإِبَاحَةِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّ بَيْنَ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَرُجْحَانِ أَحَدِهِمَا تَنَافِيًا (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ سَهْوٌ) وَجْهُ كَوْنِهِ سَهْوًا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ يُبْعِدُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ فَكَيْفَ يُقَيَّدُ بِهِ الْوَقْفُ فِيهِمَا ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ مُنَافَاةِ عَدَمِ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ظُهُورِ ذَلِكَ الْقَصْدِ اسْمٌ فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ بِذَلِكَ التَّقْيِيدِ قَالَهُ سم (قَوْلُهُ: كَمَا رَأَيْتهمَا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ إلَخْ فَإِنَّ الْعُدُولَ يَقْتَضِي أَنَّهُ ثَبْتٌ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَعَدْلٌ لِلثَّانِي، وَأَشَارَ بِهَذَا الرَّدِّ تَعَقُّبُ الزَّرْكَشِيّ وَتَبِعَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِشَرْحِهِمَا عَلَى النُّسْخَةِ الْمَشْطُوبَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَخَالَفَا) فَسَّرَ الْأَخَصَّ بِالْأَعَمِّ فَإِنَّ التَّخَالُفَ أَعَمُّ لِصِدْقِهِ بِالْمُغَايَرَةِ فِي الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ التَّعَارُضِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ: وَدَلَّ دَلِيلٌ إلَخْ إذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ التَّعَارُضِ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ النَّسْخُ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ظَاهِرٌ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ لِظُهُورِ دَلَالَةِ الْقَوْلِ السَّابِقِ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُسْتَمِرِّ وَكَذَا فِي تَقَدُّمِهِ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ فَإِذَا تَأَخَّرَ الْقَوْلُ عَنْهُ كَانَ نَسْخًا (قَوْلُهُ: لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ) أَشَارَ إلَى جَوَابِ مَا يُقَالُ: إنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي تَأَخُّرٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الطَّلَبَ فِي غَيْرِ زَمَنٍ كَانَ (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ) صِفَةٌ ثَالِثُهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى) فِيهِ أَنَّهُ لَا عَلَاقَةَ لِلْقُوَّةِ فِي النَّسْخِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي دَلِيلِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لِوَصْفِهِ لَهَا) أَيْ لِوَصْفِهِ لِأَجْلِهَا فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يُوضَعْ لَهَا إنَّمَا وُضِعَ لِمَعْنَاهُ لَكِنْ لِأَجْلِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مَحَامِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ مُقَارِنٍ يُبَيِّنُ بَعْضَهَا وَالْمُرَادُ بِالْقَرِينَةِ هِيَ عِصْمَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْمَكْرُوهَاتُ بِفِعْلِهِ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ) فِيهِ أَنَّ قُوَّةَ الْفِعْلِ فِي بَيَانِ الْكَيْفِيَّاتِ أَمَّا بَيَانُ الْأَحْكَامِ فَالْقَوْلُ أَقْوَى (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ الْقَوْلَ) أَيْ يُبَيِّنُ

حَيْثُ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَأَسِّينَا بِهِ فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ (وَإِنْ كَانَ) الْقَوْلُ (خَاصًّا بِنَا) كَأَنْ قَالَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (فَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِ) أَيْ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُ (وَفِي الْأُمَّةِ الْمُتَأَخِّرُ) مِنْهُمَا بِأَنْ عُلِمَ (نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ (إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأَسِّي) بِهِ فِي الْفِعْلِ (فَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ فَثَالِثُهَا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ) وَقِيلَ بِالْفِعْلِ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ عَنْ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَا بِالْعِلْمِ بِحُكْمِهِ لِنَعْمَلَ بِهِ بِخِلَافِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّرْجِيحِ فِيهِ، وَإِنْ رَجَّحَ الْآمِدِيُّ تَقَدُّمَ الْقَوْلِ فِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِي الْفِعْلِ فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفِعْلِ فِي حَقِّنَا (وَإِنْ كَانَ) الْقَوْلُ (عَامًّا لَنَا، وَلَهُ) كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَيَّ، وَعَلَيْكُمْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (فَتَقَدُّمُ الْفِعْلِ أَوْ الْقَوْلِ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ كَمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِأَنْ عُلِمَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ يَنْسَخَهُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا فِي حَقِّنَا إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَأَسِّينَا بِهِ فِي الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّنَا، وَإِنْ جُهِلَ الْمُتَأَخِّرُ فَالْأَقْوَالُ أَصَحُّهُمَا فِي حَقِّهِ الْوَقْفُ، وَفِي حَقِّنَا تَقَدُّمُ الْقَوْلِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْقَوْلُ (الْعَامُّ ظَاهِرًا فِيهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَصًّا كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمُ عَاشُورَاءَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (فَالْفِعْلُ تَخْصِيصٌ) لِلْقَوْلِ الْعَامِّ فِي حَقِّهِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ تَأَخُّرٌ عَنْهُ أَوْ جُهِلَ ذَلِكَ وَلَا نَسْخَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَهْوَنُ مِنْهُ. (الْكَلَامُ فِي الْأَخْبَارِ) أَيْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَافْتَتَحَهُ بِتَقْسِيمِ الْمُرَكَّبِ الصَّادِقِ بِالْخَبَرِ لِيَنْجَرَّ الْكَلَامُ إلَيْهِ زِيَادَةً لِلْفَائِدَةِ فَقَالَ (الْمُرَكَّبُ) أَيْ مِنْ اللَّفْظِ (إمَّا مُهْمَلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أُشْكِلَ مِنْ مَعَانِي الْأَقْوَالِ بِالْأَفْعَالِ وَذَلِكَ كَخُطُوطِ الْهَنْدَسَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْإِشَارَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي التَّعْلِيمِ إذَا لَمْ يَفِ الْقَوْلُ بِهِ (قَوْلُهُ حَيْثُ دَلَّ دَلِيلٌ إلَخْ) خَرَجَ مَا إذَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَأَسِّينَا بِهِ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الْإِفْطَارُ فَلَا يُتَوَهَّمُ التَّعَارُضُ أَصْلًا (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَفْطَرَ فِيهِ فِي سَنَةٍ بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأُمَّةِ) أَيْ وَفِي حَقِّ الْأُمَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَهِلَ التَّارِيخَ إلَخْ) أَظْهَرَ هُنَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ اقْتَصَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ جَهِلَ خَوْفًا مِنْ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ هُنَا إلَى التَّأَسِّي (قَوْلُهُ: لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ لِمِثْلِ الْعِلَلِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ الْخَاصَّةِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَاصَّةِ بِنَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ) أَيْ مُكَلَّفُونَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَا أَيْ فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِنَا وَقَوْلُهُ: بِالْعِلْمِ مُتَعَلِّقٌ بِمُتَعَبِّدُونَ قَالَ سم إنَّ تَوْجِيهَ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ بِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ إلَخْ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَكُونُ بِدَلِيلٍ، وَمُجَرَّدًا احْتِيَاجًا لِلْعِلْمِ بِالْحُكْمِ لِنَعْمَلَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا مُرَجِّحًا مَعَ التَّعَارُضِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ خُصُوصِ الْقَوْلِ بَلْ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقَوْلِ، وَمُقْتَضَى الْفِعْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ أَحْوَطُ لَكِنَّ هَذَا فِي خُصُوصِ هَذَا الْمِثَالِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ أَحْوَطَ اهـ. مَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: إلَى التَّرْجِيحِ فِيهِ) أَيْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ رَجَّحَ فِيهِ الْوَقْفَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفِعْلِ فِي حَقِّنَا) وقَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] الْمُرَادُ مَا أَمَرَكُمْ بِدَلِيلِ {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَفْطَرَ فِيهِ فِي سَنَةٍ بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ إلَخْ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ تَقَدُّمَهُ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ، وَتَأَخُّرَهُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَهْوَنُ إلَخْ) لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ لِلْجَمِيعِ وَالتَّخْصِيصُ رَفْعٌ لِلْبَعْضِ فَهُوَ دُونَهُ فِي مُخَالَفَةِ أَصْلِ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْعَامِّ.

[الكلام في الأخبار]

بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَعْنًى (وَهُوَ مَوْجُودٌ) كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ (خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي نَفْيِهِ وُجُودَهُ قَائِلًا: التَّرْكِيبُ إمَّا يُصَارُ إلَيْهِ لِلْإِفَادَةِ فَحَيْثُ انْتَفَتْ انْتَفَى فَمَرْجِعُ خِلَافِهِ إلَى أَنَّ مِثْلَ مَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى مُرَكَّبًا (وَلَيْسَ مَوْضُوعًا) اتِّفَاقًا (وَإِمَّا مُسْتَعْمَلٌ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى (وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ) أَيْ بِالنَّوْعِ، وَقِيلَ: لَا وَالْمَوْضُوعُ مُفْرَدَاتُهُ، وَلِلتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْكَلَامِ قَالَ (وَالْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ مِنْ الْكَلِمِ) أَيْ كَلِمَتَانِ فَصَاعِدًا تَضَمَّنَتَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْكَلَامُ فِي الْأَخْبَارِ] قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَعْنًى) عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ لَا يُوضَعَ لِمَعْنًى لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ الْكَلَامُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ دَلَالَتَهُ عَقْلِيَّةٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُوضَعْ (قَوْلُهُ: كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ إنْ أُرِيدَ بِهِ مَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا مُهْمَلٌ إلَّا وَهُوَ هَذَيَانٌ وَلِلْإِدْخَالِ إنْ أُرِيدَ بِهِ خُصُوصُ مَا يَحْصُلُ مِنْ نَحْوِ الْمَرِيضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْهَذَيَانَ قَاصِرٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فَالْمُفْرَدُ لَا يُوصَفُ بِالْإِهْمَالِ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ كَمَدْلُولِ مَاصَدَقَاتِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِوُجُودِ الْكُلِّيِّ فِي مَاصَدَقَاتِهِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَدْلُولِ الْمَاصَدَقَاتُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ اللَّفْظِ) وَإِلَّا فَالْمُرَكَّبُ أَعَمُّ (قَوْلُهُ: فِي نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ وُجُودِهِ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ عِنْدَهُ ضَمُّ لَفْظٍ لِآخَرَ لِلْإِفَادَةِ، وَإِلَّا فَوُجُودُهُ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ لِوُجُودِ لَفْظٍ مَضْمُومٍ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لَا مَعْنَى لَهُ (قَوْلُهُ: فَحَيْثُ انْتَفَتْ انْتَفَى) أَيْ انْتَفَى تَسْمِيَتُهُ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَمَرْجِعُ خِلَافِهِ إلَخْ) لَا يَتَفَرَّعُ إلَى مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ الْخِلَافُ فِي الْوُجُودِ لَا فِي التَّسْمِيَةِ، وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي اللُّغَةِ، وَالْقَائِلُ بِوُجُودِهِ فِي غَيْرِ اللُّغَةِ، وَكَانَ الْخِلَافُ بِهَذَا لَفْظِيًّا كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى مُرَكَّبًا) أَيْ وَلَا مُفْرَدًا (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مَوْضُوعًا إلَخْ) لَوْ قَابَلَ الْمُهْمَلَ بِالْمَوْضُوعِ لَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ عَنْ قَوْلِهِ مَوْضُوعًا وَقَالَ الْكَمَالُ: لَا فَائِدَةَ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُهْمَلِ تَضَمُّنُهُ؛ إذْ الْمُهْمَلُ مَا لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنًى فَيَئُولُ الْكَلَامُ إلَى الْحُكْمِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمَوْضُوعِ لِمَعْنًى غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِمَعْنًى، وَلَا فَائِدَةَ لَهُ، لَا يُقَالُ: صَرَّحَ بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي أَنَّهُ عَلَى الْمُرَكَّبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: تَصَوُّرُ مَعْنَى الْمُهْمَلِ يَدْفَعُ هَذَا التَّوَهُّمَ، وَيُغَيِّرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُسْتَعْمَلُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَرِّفْهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ بَلْ بِمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَعْنًى، وَالْمَفْهُومَانِ مُتَغَايِرَانِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُهْمَلُ غَيْرَ مَوْضُوعٍ اتِّفَاقًا كَانَ إطْلَاقُهُ مُرَادًا بِهِ نَفْسَهُ نَحْوَ جسق مُهْمَلٌ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ إذْ لَمْ يُوضَعْ لِنَفْسِهِ وَالِاسْتِعْمَالُ تَابِعٌ لِلْوَضْعِ بَلْ الْوَضْعُ نَفْسُهُ كَالْعَدَمِ فَالِاسْتِعْمَالُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَوَضْعُ الْأَلْفَاظِ لِأَنْفُسِهَا بِتَبَعِيَّةِ وَضْعِهَا لِمَعَانِيهَا فِيهِ كَلَامٌ بَسَطْنَاهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعِصَامِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِالنَّوْعِ) أَيْ بِالْأَمْرِ الْكُلِّيِّ دُونَ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ وَضْعٌ لِفَرْدٍ مِنْ نَوْعِهِ كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَبَسَطَ هَذَا الْمَقَامَ وَيُؤْخَذُ مِمَّا كَتَبْنَاهُ عَلَى شَرْحِ الْعِصَامِ لِلْوَضْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلِلتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْكَلَامِ إلَخْ) الْأَوْلَى فِي الْمُنَاسَبَةِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْبَحْثِ بِالْقَصْدِ الْأَوْلَى الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْكَلَامِ إلَخْ وَإِلَّا فَالْمُرَكَّبُ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْكَلَامَ خَاصٌّ بِالْمُرَكَّبِ التَّامِّ، وَالْمُرَكَّبُ الْمُسْتَعْمَلُ يَعُمُّ التَّامَّ وَالنَّاقِصَ (قَوْلُهُ فَصَاعِدًا) ادَّعَى الْكُورَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَرَكَّبُ إلَّا مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا طَرَفَا الْإِسْنَادِ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْمَفْعُولَ وَفَضَلَاتِ الْجُمْلَةِ مِنْهَا أَقَوْلُ: وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ

(إسْنَادًا مُفِيدًا مَقْصُودًا لِذَاتِهِ) فَخَرَجَ غَيْرُ الْمُفِيدِ نَحْوُ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِخِلَافِ تَكَلَّمَ رَجُلٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانًا بَعْدَ إبْهَامٍ، وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ كَالصَّادِرِ مِنْ النَّائِمِ، وَالْمَقْصُودُ لِغَيْرِهِ كَصِلَةِ الْمَوْصُولِ نَحْوُ جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبُوهُ فَإِنَّهَا مُفِيدَةٌ بِالضَّمِّ إلَيْهِ مَقْصُودَةٌ لِإِيضَاحِ مَعْنَاهُ وَلِإِطْلَاقِ الْكَلَامِ عَلَى النَّفْسَانِيِّ كَاللِّسَانِيِّ، وَالِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَاذَا قَالَ حَاكِيًا لَهُ (وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهُ) أَيْ الْكَلَامَ (حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِيِّ) وَهُوَ الْمَحْدُودُ بِمَا تَقَدَّمَ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ دُونَ النَّفْسَانِيِّ الَّذِي أَثْبَتَتْهُ الْأَشَاعِرَةُ دُونَ الْمُعْتَزِلَةِ (وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً) إنَّهُ حَقِيقَةٌ (فِي النَّفْسَانِيِّ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِمَا صَدَقَاتِ اللِّسَانِيِّ مَجَازٌ فِي اللِّسَانِيِّ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الْأَخْطَلُ: إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا (وَمَرَّةً) إنَّهُ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ اللِّسَانِيِّ وَالنَّفْسَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ: وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنَّا وَيُجَابُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَنْ تَبَادُرِ اللِّسَانِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، أَوْ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقَيْنِ فَيَتَبَادَرُ إلَى الْأَذْهَانِ، وَالنَّفْسَانِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى النَّفْسِ، وَنُونٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعَظَمَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ شَعْرَانِيٌّ لِلْعَظِيمِ الشِّعْرِ (وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ الْأُصُولِيُّ فِي اللِّسَانِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إسْنَادًا مُفِيدًا) أَيْ بِالْفِعْلِ عَلَى اشْتِرَاطِ تَجَدُّدِ الْفَائِدَةِ أَوْ مَا كَانَ الشَّأْنُ فِيهِ الْإِفَادَةَ عَلَى مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى النَّكِرَةِ لَا يُفِيدُ؛ إذْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَيَكْفِي فِي الْمَحْكُومِ لَهُ الشُّعُورُ بِوَجْهٍ مَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ بَيَانًا بَعْدَ إيهَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيمِ الْفِعْلِ تَشَوَّقَتْ النَّفْسُ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَشَعَرَتْ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَفِي ذِكْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ: مَقْصُودَةُ لِإِيضَاحِهِ) أَيْ لَا لِذَاتِهَا وَكَذَا جُمْلَةُ الْقَسَمِ فَإِنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِتَأْكِيدِ الْجَوَابِ وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ الشَّرْطِ فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا تَقْيِيدُ الْجَوَابِ كَذَا قِيلَ وَرَدَّهُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَقْصُودَةَ التَّعْلِيقُ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ فَالْحَقُّ أَنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْمَجْمُوعُ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ) أَيْ الْكَلَامَ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْكَلَامِ لُغَةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ النَّحْوِيِّينَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِيِّ وَهُمْ لَا يُقَالُ لَهُمْ مُعْتَزِلَةٌ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِي مَاذَا) فِيهِ إخْرَاجُ مَا عَنْ الصَّدَارَةِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ فِي اسْتِحْقَاقِ الصَّدَارَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَحْدُودُ بِمَا تَقَدَّمَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ اللِّسَانِيَّ مَخْصُوصٌ لُغَةً بِمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إنَّ الْكَلَامَ لُغَةً مَا تُكُلِّمَ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ مِنْ أَفْرَادِهِ الْمَحْدُودَ بِمَا تَقَدَّمَ أَوْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْمُعْتَزِلَةِ) فَإِنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَهُ حَقِيقَةً وَيَرُدُّونَهُ إلَى الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَا صَدَقَاتِ اللِّسَانِيِّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ هُوَ ثُبُوتُ النِّسْبَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قَضَايَا كُلِّيَّةٌ مُشَابِهَةٌ لِلْقَضَايَا اللَّفْظِيَّةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَخْطَلُ إلَخْ) قِيلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ إلَخْ مَا يُوجِبُ أَنَّ اسْمَ الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ مَجَازٌ فِي اللَّفْظِيِّ؛ إذْ اللَّفْظِيُّ يَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِيِّ دَلِيلًا عَلَى النَّفْسِيِّ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْكَلَامِ عَلَى اللَّفْظِيِّ مَجَازًا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْلِ الْأَخْطَلِ عَلَى الْحَصْرِ هُوَ قَوْلُهُ: إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ فَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: مِنَّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مُطْلَقَ التَّبَادُرِ لَيْسَ عَلَامَةَ الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَامَتُهَا التَّبَادُرُ الْحَاصِلُ بِالصِّيغَةِ، وَإِلَّا لَانْتَقَضَ بِالْحَاصِلِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْمَجَازِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَفِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقَةُ مَعَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ لَمْ تُعْرَفْ بِهِ

لِأَنَّ بَحْثَهُ فِيهِ لَا فِي الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ (فَإِنْ أَفَادَ) أَيْ مَا صَدَقَ اللِّسَانِيِّ (بِالْوَضْعِ طَلَبًا فَطَلَبُ ذِكْرِ الْمَاهِيَّةِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِطَلَبِ ذَلِكَ (اسْتِفْهَامٌ) نَحْوُ مَا هَذَا (وَ) طَلَبُ (تَحْصِيلِهَا أَوْ تَحْصِيلِ طَلَبِ الْكَفِّ عَنْهَا) أَيْ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ (أَمْرٌ وَنَهْيٌ) نَحْوُ قُمْ وَلَا تَقْعُدْ (وَلَوْ) كَانَ طَلَبُ تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ (مِنْ مُلْتَمِسٍ) أَيْ مُسَاوٍ لِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ رُتْبَةً (وَسَائِلٍ) أَيْ دُونَ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ رُتْبَةً، فَإِنَّ اللَّفْظِ الْمُفِيدَ لِذَلِكَ مِنْهُمَا يُسَمَّى أَمْرًا وَنَهْيًا، وَقِيلَ: لَا بَلْ يُسَمَّى مِنْ الْأَوَّلِ الْتِمَاسًا وَمِنْ الثَّانِي سُؤَالًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ بِالْحَاصِلِ بِالصِّيغَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَحْثَهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَفِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ هُوَ الْكَلَامُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الْبَحْثِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَا صَدَقَاتِ اللِّسَانِيِّ) أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَيْهِ دُونَ الْمُرَكَّبِ أَوْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ الْمُقَسَّمُ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ بِاعْتِبَارِ مَا صَدَقَاتِهِ دُونَ مَفْهُومِهِ (قَوْلُهُ: ذِكْرِ الْمَاهِيَّةِ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ ذِكْرَ عَوَارِضِهَا فَيَشْمَلُ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ الْوَصْفِ وَعَنْ التَّعْيِينِ فَذُكِرَ بِضَمِّ الذَّالِ أَيْ عِلْمُهَا وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ اسْتِفْهَامٌ وَذَلِكَ نَحْوُ مَا الْإِنْسَانُ، أَوْ تَعْيِينُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا نَحْوُ مَنْ عِنْدَك أَزَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو أَوْ بَيَانُ حَالِ الْفَرْدِ نَحْوُ كَيْفَ زَيْدٌ أَوْ زَمَانِهِ نَحْوُ مَتَى السَّفَرُ أَوْ مَكَانِهِ نَحْوُ أَيْنَ زَيْدٌ أَوْ التَّصْدِيقِ بِهِ نَحْوُ هَلْ الْحَرَكَةُ الْمَوْجُودَةُ دَائِمًا، أَوْ وَصْفِهِ نَحْوُ هَلْ أَخْصَبَ الزَّرْعُ (قَوْلُهُ: وَطَلَبُ تَحْصِيلِهَا إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: الْمَطْلُوبُ بِالِاسْتِفْهَامِ طَلَبُ ذِكْرِ الْمَاهِيَّةِ أَيْ طَلَبُ الْمُسْتَفْهِمِ مِنْ الْمُخَاطَبِ إفَادَتَهُ إيَّاهَا كَمَا قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ: إنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ هُوَ تَفْهِيمُ الْمُخَاطَبِ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالتَّفْهِيمُ فِعْلٌ بِلَا اشْتِبَاهٍ اهـ. أَيْ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَهِّمْنِي وَعَلِّمْنِي فَرْقٌ؛ إذْ الْمَطْلُوبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا تَفْهِيمُ الْمُتَكَلِّمِ، وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي ذَلِكَ الشَّرْحِ بَعْدَ تَمْهِيدِ مُقَدِّمَةٍ ذَكَرَ فِيهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْوُجُودِ الظِّلِّيِّ وَالْوُجُودِ الْأَصْلِيِّ أَنَّ الْفَرْضَ فِي الِاسْتِفْهَامِ وُجُودُ النِّسْبَةِ الْمُسْتَفْهَمَةِ بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلِاتِّصَافِ بِصُورَتِهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْهِمَ لَيْسَ غَرَضُهُ مِنْ الْجُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِيَّة إلَّا أَنْ يُحَصِّلَ الْمُخَاطَبُ فِي ذِهْنِهِ تِلْكَ النِّسْبَةَ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا وَالْفَرْضُ مِنْ الْأَمْرِ اتِّصَافُ الْفَاعِلِ بِالْحَدَثِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ جَوْهَرِهِ وَوُقُوعِهِ عَلَى الْمَفْعُولِ لَا حُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُهُ فِي بَعْضِ الْأَوَامِرِ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ أَثَرًا لِذَلِكَ الْحَدَثِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ كَمَا فِي فَهِّمْنِي، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَطْلُبُ مِنْك تَفْهِيمًا وَاقِعًا عَلَيَّ كَمَا أَنَّ اضْرِبْنِي أَطْلُبُ مِنْك ضَرْبًا وَاقِعًا عَلَيَّ إلَّا أَنَّ التَّفْهِيمَ لَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا بِحُصُولِ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ اقْتَضَاهُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَثَرُ التَّفْهِيمِ كَمَا أَنَّ حُصُولَ الضَّرْبِ اقْتَضَى حُصُولَ أَثَرِهِ فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ الْأَلَمُ. فَحُصُولُ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ مَقْصُودُ الْمُتَكَلِّمِ وَغَرَضُهُ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَثَرُ التَّفْهِيمِ قَالَ فَظَهَرَ لَك بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَرْقَ دَقِيقٌ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ صَادِقٍ غَفَلَ عَنْهُ الْقَاصِرُ وَحَسِبُوهُ هَيِّنًا اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَحْصِيلُ طَلَبِ الْكَفِّ) قَالَ سم يَرِدُ عَلَيْهِ اُكْفُفْ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ النَّهْيِ وَهُوَ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْكَفِّ عَنْهَا دُونَ حَدِّ الْأَمْرِ وَهُوَ طَلَبُ تَحْصِيلِهَا فَلَا يَكُونُ حَدُّ الْأَمْرِ جَامِعًا وَلَا حَدُّ النَّهْيِ مَانِعًا وَنَحْوُ يَا زَيْدُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ طَلَبَ تَحْصِيلِ مَاهِيَّةِ الْإِقْبَالِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ، وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْحُدُودَ الضِّمْنِيَّةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ التَّقْسِيمِ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا الْمُؤَاخَذَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُمْ تَسَمَّحُوا فِي تَفْسِيرِ النِّدَاءِ بِطَلَبِ الْإِقْبَالِ، وَإِنَّمَا طَلَبُ الْإِقْبَالِ لَازِمٌ لِمَعْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا الشَّرِيفُ: إنَّ النِّدَاءَ وُضِعَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ طَلَبُ الْإِقْبَالِ اهـ. وَأَقُولُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ الضِّمْنِيَّةَ إلَخْ قَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ الْأَوْلَى إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّقْسِيمِ وَأَمَّا تَعَارِيفُ الْأَقْسَامِ فَحَاصِلَةٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَلَكِنْ الْمُحَقِّقُونَ كَثِيرًا مَا يَعْتَرِضُونَ عَلَى التَّعَارِيفِ الضِّمْنِيَّةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجَابَ بِمَا حَقَّقَهُ الْفَاضِلُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي النَّهْيِ هُوَ الْكَفُّ عَنْ فِعْلٍ غَيْرِ الْكَفِّ الْمَطْلُوبِ سَوَاءٌ كَانَ كَفًّا أَوْ غَيْرَهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ لَا تَكْفُفْ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ الْكَفُّ عَنْ الْكَفِّ الْمَطْلُوبِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ اُكْفُفْ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْكَفُّ لَا الْكَفُّ عَنْ شَيْءٍ، وَكَذَا اُكْفُفْ عَنْ الزِّنَا مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ

بِالْوَضْعِ طَلَبًا. (فَمَا لَا يُحْتَمَلُ) مِنْهُ (الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ) فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ (تَنْبِيهٌ وَإِنْشَاءٌ) أَيْ يُسَمَّى بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ سَوَاءٌ لَمْ يُفِدْ طَلَبًا نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْ أَفَادَ طَلَبًا بِاللَّازِمِ كَالتَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي نَحْوُ لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِّي (وَمُحْتَمِلُهُمَا) أَيْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (الْخَبَرُ) وَقَدْ يَقْطَعُ بِصِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ لِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَأَبَى قَوْمٌ تَعْرِيفَهُ كَالْعِلْمِ وَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ) أَيْ كَمَا أَبَوْا تَعْرِيفَ مَا ذُكِرَ قِيلَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَرْبَعَةِ ضَرُورِيٌّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْرِيفِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالصِّيغَةِ هُوَ كَفُّهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الزِّنَا فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مُتَعَلَّقِهَا وَمَا أَجَابَ بِهِ عَنْ الثَّانِي مِنْ أَنَّ النِّدَاءَ وُضِعَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ إلَخْ قَدْ يُمْنَعُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ هُوَ طَلَبُ الْإِقْبَالِ، وَلَكِنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِحَرْفٍ مَخْصُوصٍ، وَبِهَذَا الْقَيْدِ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْأَمْرِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: فَمَا لَا يَحْتَمِلُ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ فَمَا لَمْ يُفِدْ بِالْوَضْعِ طَلَبًا، وَهُوَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي يُحْتَمَلُ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ كَائِنًا مِنْهُ أَيْ مِمَّا بَعْدُ إلَّا، وَصَرَّحَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ فَمَا لَا يُحْتَمَلُ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى الشِّقَّيْنِ أَعْنِي مَا قَبْلَ إلَّا وَمَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: طَلَبًا بِاللَّازِمِ) أَيْ بِالطَّرِيقِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِاللَّازِمِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُفَادُ لَازِمَ مَعْنَاهُ فَعَوْدُ الشَّبَابِ فِي التَّمَنِّي غَيْرُ مُمْكِنٍ عَادَةً فَلَا يُطْلَبُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْحُزْنُ عَلَى فَوَاتِهِ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ كَوْنُهُ مَطْلُوبًا (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ خَبَرًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَيْثِيَّاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّعَارِيفِ فَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْأَخْبَارُ الْوَاجِبَةُ الصِّدْقِ، وَالْأَخْبَارُ الْوَاجِبَةُ الْكَذِبِ، فَإِنَّ الْقَطْعَ بِصِدْقِ الْأُولَى لَا لِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إلَى خَبَرِيَّتِهَا، وَالْقَطْعُ بِكَذِبِ الثَّانِيَةِ لَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا أَخْبَارًا بَلْ الْأُمُورُ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا أَبَوْا) أَيْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى دَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ

وَقِيلَ لِعُسْرِ تَعْرِيفِهِ (وَقَدْ يُقَالُ الْإِنْشَاءُ مَا) أَيْ كَلَامٌ (يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ) نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَقُمْ فَإِنَّ مَدْلُولَهُ مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تُعْرَفُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِعُسْرِ تَعْرِيفِهِ) أَيْ لِخَفَائِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ التَّصْدِيقِ بِهِ ضَرُورِيًّا أَنَّ حَقِيقَتَهُ وَاضِحَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُسْرَهُ لِوُضُوحِهِ؛ لِأَنَّ تَوْضِيحَ الْوَاضِحَاتِ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) حَاصِلُهُ تَقْسِيمُ الْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ إلَى خَبَرٍ وَإِنْشَاءٍ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبَيَانِيُّونَ، وَحَاصِلُ مَا مَرَّ تَقْسِيمُهُ

وَطَلَبُ الْقِيَامِ يَحْصُلُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ بِالْكَلَامِ مِنْ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ لِلْإِيضَاحِ فَالْإِنْشَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِشُمُولِهِ مَا قَبْلَ الْأَوَّلِ مَعَهُ (وَالْخَبَرُ خِلَافُهُ) أَيْ مَا يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ بِغَيْرِهِ (أَيْ مَا لَهُ خَارِجُ صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ) نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ فَإِنَّ مَدْلُولَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى خَبَرٍ وَطَلَبٍ وَإِنْشَاءٍ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى قَوْلِهِمْ ثُلَاثِيَّةٌ وَعَلَى قَوْلِ الْبَيَانِيَّيْنِ ثُنَائِيَّةٌ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَطَلَبُ الْقِيَامِ) أَيْ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّ النَّفْسِيَّ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: يَحْصُلُ بِهِ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ (قَوْلُهُ: فَالْإِنْشَاءُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِثَالِ (قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ مِمَّا لَا يُفِيدُ بِالْوَضْعِ طَلَبًا وَقَوْلُهُ: لِشُمُولِهِ أَيْ الْإِنْشَاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى مَا قَبْلَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا أَفَادَ بِالْوَضْعِ طَلَبًا مَعَ أَيْ: مَعَ الْأَوَّلِ فَنَحْوُ قُمْ إنْشَاءٌ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِإِفَادَتِهِ بِالْوَضْعِ طَلَبًا بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إنْشَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ كَالثَّانِي فَلِذَا مَثَّلَ الشَّارِحِ لِلْإِنْشَاءِ عَلَى الثَّانِي بِالْمِثَالَيْنِ (قَوْلُهُ: فِي الْخَارِجِ) أَيْ خَارِجِ الْأَذْهَانِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّسْبَةَ الذِّهْنِيَّةَ وَالْخَارِجِيَّةَ قَدْ يَتَّحِدَانِ ذِهْنًا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَطْلُبُ مِنْك الضَّرْبَ لِحُصُولِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمُغَايَرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فَإِنَّ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِالنَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ مُطَابِقَةٌ لَهَا لَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهَا فِي النَّفْسِ تَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِهِ) أَيْ فَيَكُونُ هُوَ حِكَايَةً لِذَلِكَ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: خَارِجُ صِدْقٍ) مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ

أَيْ مَضْمُونَهُ مِنْ قِيَامِ زَيْدٍ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِي الْخَارِجِ فَيَكُونَ هُوَ صِدْقًا، وَغَيْرَ وَاقِعٍ فَيَكُونَ هُوَ كَذِبًا (وَلَا مَخْرَجَ لَهُ) أَيْ لِلْخَبَرِ مِنْ حَيْثُ مَضْمُونُهُ (عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (لِأَنَّهُ إمَّا مُطَابِقٌ لِلْخَارِجِ) فَالصِّدْقُ (أَوْ لَا) فَالْكَذِبُ (وَقِيلَ بِالْوَاسِطَةِ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (فَالْجَاحِظُ) قَالَ: الْخَبَرُ (إمَّا مُطَابِقٌ) لِلْخَارِجِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) أَيْ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ الْمُطَابِقَةَ (وَنَفْيِهِ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهَا بِأَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَهَا، أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا (أَوْ لَا مُطَابِقَ) لِلْخَارِجِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) أَيْ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ (وَنَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ اعْتِقَادِ عَدَمِهَا بِأَنْ اعْتَقَدَهَا أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا (فَالثَّانِي) أَيْ مَا انْتَفَى فِيهِ الِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ الصَّادِقُ بِصُورَتَيْنِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُطَابِقِ وَغَيْرِ الْمُطَابِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ خَارِجٌ يَتَحَقَّقُ بِسَبَبِهِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَفِي الْكَلَامِ قَيْدٌ مَحْذُوفٌ هُوَ مَحَطُّ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْي أَيْ خَارِجٌ يَقْصِدُ مُطَابَقَتَهُ أَوْ لَا يَقْصِدُ مُطَابَقَتَهُ، وَإِلَّا فَالْإِنْشَاءُ لَهُ خَارِجٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ فِي الْوَاقِعِ لَكِنَّهُ لَا نَقْصِدُ مُطَابَقَتَهُ وَلَا عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ ثُمَّ إنَّ إثْبَاتَ أَوْ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَبَرَ أَحَدُهُمَا مَعَ أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِهِمَا مَعًا أَيْ هُوَ مُحْتَمَلٌ لَهُمَا وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ لِدَفْعِ الْإِشْكَالِ الْمَشْهُورِ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْرَادِهِ أَصْلًا؛ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى خَبَرٍ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ صِدْقًا وَكِذْبًا مَعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ طَابَقَ فَلَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ فَلَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَقَدْ أَشَارَ لِدَفْعِهِ الْعَلَامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاحْتِمَالِهِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ صِحَّةُ اتِّصَافِهِ بِأَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ كَذِبِهِ قَطْعًا، وَمِنْ الْعِلْمِ بِمُطَابَقَةِ النِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ، أَوْ عَدَمِهَا ضَرُورَةً أَوْ اسْتِدْلَالًا؛ إذْ مَعَ اعْتِبَارِ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ الْعَوَارِضِ قَدْ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الصِّدْقَ، وَقَدْ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْكَذِبَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ بِكَلَامِ الصَّادِقِ قَطْعًا وَلَا بِمِثْلِ: السَّمَاءُ فَوْقَنَا حَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَلَا بِمِثْلِ: السَّمَاءُ تَحْتَنَا حَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَغْيِيرِ الْوَاوِ إلَى أَوْ أَوْ جَعْلِهَا بِمَعْنَى أَوْ، وَأَمَّا مِثْلُ: السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ فَوْقَنَا فَكَذِبُهُ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْكُلِّ بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَضْمُونِهِ) إنَّمَا فَسَّرَ الْمَدْلُولَ بِالْمَضْمُونِ لَيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ الْخَبَرِ هُنَا النِّسْبَةُ لَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَدْلُولَهُ الْحُكْمُ بِهَا أَوْ ثُبُوتُهَا لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ الْمَضْمُونَ غَيْرُ النِّسْبَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَيْضًا، أَوْ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ مِنْ ثُبُوتِ قِيَامِ زَيْدٍ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَلَا مَخْرَجَ) أَيْ خُرُوجَ أَيْ لَا وَاسِطَةَ ثُمَّ إنَّهُ يَشْمَلُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الرَّاغِبِ وَمَوْصُوفٌ بِهِمَا بِجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِالصِّدْقِ فَقَطْ أَوْ الْكَذِبِ فَقَطْ أَوْ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَيَصْدُقُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمَا فَلَمْ يَسْلَمْ لِلْمُصَنِّفِ غَرَضُهُ مِنْ إثْبَاتِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَلَمْ تَتِمَّ لَهُ الْمُقَابَلَةُ، وَقَدْ يُقَالُ: اعْتِبَارُ قَيْدِ اللَّفْظِيَّةِ مَلْحُوظٌ فَقَوْلُهُ: وَلَا مَخْرَجَ لَهُ عَنْهُمَا أَيْ عَنْ الصِّدْقِ فَقَطْ أَوْ الْكَذِبِ فَقَطْ فَلَا يَشْمَلُ حِينَئِذٍ قَوْلَ الرَّاغِبِ الْآتِي فَقَوْلُهُ: أَوْ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارَيْنِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ (قَوْلُهُ: الْجَاحِظُ إلَخْ) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخَبَرَ إمَّا مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُطَابِقٌ أَوْ اعْتِقَادِ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ أَوْ بِدُونِ الِاعْتِقَادِ فَالْأَقْسَامُ سِتَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الْجَازِمُ، أَوْ الرَّاجِحُ فَيَعُمُّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ دُونَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا) أَيْ كَالشَّاكِّ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الشَّاكَّ لَا حُكْمَ مَعَهُ، وَلَا تَصْدِيقَ بَلْ الْحَاصِلُ مَعَهُ تَصَوُّرٌ مُجَرَّدٌ فَلَفْظُهُ بِالْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ لَيْسَ بِخَبَرٍ وَرُدَّ بِمَنْعِ أَنَّ تَلَفُّظَهُ بِهَا لَيْسَ بِخَبَرٍ بَلْ هُوَ خَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حُكْمٌ وَتَصْدِيقٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وُقُوعَ النِّسْبَةِ وَاللَّاوُقُوعَهَا اهـ. زَكَرِيَّا

وَذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ (وَاسِطَةٌ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَالْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا مَعَهُ الِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُطَابِقِ الصِّدْقُ، وَفِي غَيْرِ الْمُطَابِقِ الْكَذِبُ (وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْجَاحِظِ قَالَ (الصِّدْقُ: الْمُطَابَقَةُ) أَيْ صِدْقُ الْخَبَرِ مُطَابَقَتُهُ (لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ طَابَقَ) اعْتِقَادُهُ (الْخَارِجَ أَوْ لَا وَكَذِبُهُ عَدَمَهَا) أَيْ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ، طَابَقَ اعْتِقَادُهُ الْخَارِجَ أَوْ لَا (فَالسَّاذَجُ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا لَيْسَ مَعَهُ اعْتِقَادٌ (وَاسِطَةٌ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ طَابَقَ الْخَارِجَ أَوْ لَا (وَالرَّاغِبُ) قَالَ (الصِّدْقُ فِي الْمُطَابَقَةِ الْخَارِجِيَّةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ) لَهَا كَمَا قَالَ فِي الْجَاحِظِ (فَإِنْ فُقِدَ) أَيْ الْمُطَابَقَةُ الْخَارِجِيَّةُ وَاعْتِقَادُهَا أَيْ مَجْمُوعُهُمَا بِأَنْ فُقِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَمِنْهُ كَذِبٌ) وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ صَدَقَ فَقْدُ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ) وَمَا عَدَاهُ صُورَتَانِ وَاحِدَةٌ صَدْرُ الْأُخْرَى كَذِبٌ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَالنَّظَّامُ وَإِنْ اُشْتُهِرَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْهُ كَمَا اُشْتُهِرَ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ الْجَاحِظِ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَ النَّظَّامِ تَبِعَ النَّظَّامَ فِي الْقَوْلِ بِهِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ كَالْجَاحِظِ اهـ. كَمَالٌ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمِفْتَاحِ عِنْدَ تَعْدَادِ الْمَذَاهِبِ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ وَكَذِبِهِ وَهَا هُنَا مَذْهَبٌ آخَرُ فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ، وَأَوْرَدَ مَذْهَبَ النَّظَّامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: سَخَافَةٌ فِي نَفْسِهِ لَا تُنَافِي اتِّبَاعَهُ اغْتِرَارًا بِقَائِلِهِ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالْقَوْلِ نَظَرًا لِقَائِلِهِ كَثِيرٌ وَقَدْ شَاهَدْنَا مِثْلَهُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: الْمُطَابَقَةُ لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ) وَلَيْسَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» فَإِنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِي؛ لِأَنَّ مُطَابَقَةَ الْوَاقِعَ بِاعْتِبَارِ الِاعْتِقَادِ وَعَدَمِهَا غَيْرُ الْمُطَابَقَةِ لِلِاعْتِقَادِ وَعَدَمِهَا، وَلَكِنَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِمَذْهَبِ النَّظَّامِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مَذْهَبٌ سَخِيفٌ مَعَ لُزُومِ الْخَطَأِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْخَطَأِ اللِّسَانِيِّ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ: إنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ كِنَايَةٌ عَنْ لَمْ أَشْعُرْ اهـ. فَيَكُونُ ذَلِكَ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ النِّسْيَانِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ: وَالرَّاغِبُ) أَيْ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْوَاسِطَةِ (قَوْلُهُ: الْمُطَابَقَةُ الْخَارِجِيَّةُ) أَيْ مُطَابَقَةُ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ لِلنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ لَهَا أَيْ لِلْمُطَابَقَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْمُطَابَقَةُ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ مَعًا فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَأَمَّا أَنْ لَا يُوصَفَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ أَصْلًا كَخَبَرِ الْمُبَرْسَمِ الَّذِي لَا قَصْدَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُوصَفَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ دُونَ الِاعْتِقَادِ وَعَكْسِهِ فَيُوصَفُ بِالصِّدْقِ إلَى مُطَابَقَتِهِ لِأَحَدِهِمَا وَبِالْكَذِبِ بِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْآخَرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الذَّرِيعَةِ بِأَنَّ مَا اسْتَجْمَعَ الْمُطَابَقَةَ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ يُسَمَّى الصِّدْقَ التَّامَّ، وَيُقَابِلُهُ الْكَذِبُ التَّامُّ، وَهُوَ مَا اسْتَجْمَعَ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ مَا انْتَفَى فِيهِ الْوَصْفَانِ وَاسِطَةٌ، وَعِبَارَتُهُ أَنَّ الصِّدْقَ التَّامَّ هُوَ الْمُطَابَقَةُ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ مَعًا فَإِنْ انْخَرَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ صِدْقًا تَامًّا بَلْ إمَّا أَنْ لَا يُوصَفَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ كَقَوْلِ الْمُبَرْسَمِ الَّذِي لَا قَصْدَ لَهُ: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ: صِدْقٌ وَكَذِبٌ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلِاعْتِقَادِ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِهَذَا صَادِقُ اعْتِبَارٍ بِالْمُطَابَقَةِ لِمَا فِي الْخَارِجِ وَكَذِبٌ لِمُخَالَفَةِ ضَمِيرِ الْقَائِلِ؛ وَلِهَذَا كَذَّبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ لَا تُفِيدُ وَصْفَ الصِّدْقِ بِالتَّمَامِ وَلَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِالْوَاسِطَةِ نَعَمْ فِي قَوْلِهِ: أَوْ لَا وَقِيلَ: بِالْوَاسِطَةِ ثُمَّ تَفْصِيلُهُ أَقْوَالَ الْقَائِلِينَ بِهَا يُفِيدُ أَنَّ الرَّاغِبَ قَائِلٌ بِالْوَاسِطَةِ، وَلَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْوَاسِطَةِ عِنْدَ الرَّاغِبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَاسِطَةِ فِي الْمَذْهَبِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ فُقِدَا مَعْنَاهُ فَإِنْ فُقِدَا مَعًا أَوْ عَلَى الْبَدَلِ بِأَنْ يُفْقَدَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً وَقَدْ حَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ أَبُو زُرْعَةَ وَالْبِرْمَاوِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَقْدُهُمَا مَعًا فَاعْتَرَضُوا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِكَلَامِ الرَّاغِبِ؛ لِأَنَّ الرَّاغِبَ إنَّمَا بَنَاهُ عَلَى

بِاعْتِقَادِ عَدَمِهَا أَوْ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ (وَ) مِنْهُ (مَوْصُوفٌ بِهِمَا) أَيْ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (بِجِهَتَيْنِ) وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ الْمُطَابَقَةِ لِلْخَارِجِ، وَاعْتِقَادُهَا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ مِنْ حَيْثُ مُطَابَقَتُهُ لِلِاعْتِقَادِ أَوْ لِلْخَارِجِ وَبِالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ انْتَفَتْ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ لِلْخَارِجِ أَوْ اعْتِقَادُهَا فَهُوَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. (وَمَدْلُولُ الْخَبَرِ) فِي الْإِثْبَاتِ (الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ) الَّتِي تَضَمَّنَهَا كَقِيَامِ زَيْدٍ فِي قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا (لَا ثُبُوتُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقْدِ أَحَدِهِمَا لَا عَلَى فَقْدِهِمَا مَعًا، وَحَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِيَنْدَفِعَ الِاعْتِرَاضُ غَيْرَ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ مِنْ الْكَذِبِ مَا لَا اعْتِقَادَ فِيهِ أَصْلًا، وَهُوَ عِنْدَ الرَّاغِبِ الْوَاسِطَةُ كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ: كَقَوْلِ الْمُبَرْسَمِ الَّذِي لَا قَصْدَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِقَادٍ) مُتَعَلَّقُ يَصْدُقُ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (قَوْلُهُ: أَمْ بَعْدَ اعْتِقَادِ شَيْءٍ) إدْخَالُهُ فِي قِسْمِ الْكَذِبِ مُخَالِفٌ لِجَعْلِ الرَّاغِبِ لَهُ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّدْقِ اهـ. زَكَرِيَّا. فَالصُّوَرُ عِنْدَ الرَّاغِبِ خَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ صِدْقٌ وَاثْنَانِ كَذِبٌ وَاثْنَانِ وَاسِطَةٌ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ وَعَلَى مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ الرَّاغِبِ وَاحِدَةٌ كَذِبٌ وَثَلَاثَةٌ وَاسِطَةٌ، وَأَمَّا الصُّوَرُ عَلَى كَلَامِ النَّظَّامِ فَسِتَّةٌ اثْنَانِ صِدْقٌ، وَاثْنَانِ كَذِبٌ وَاثْنَانِ وَاسِطَةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) أَيْ غَيْرِ التَّامَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ التَّامِّ مَا وُجِدَ فِيهِ الْأَمْرَانِ، وَالْكَذِبُ التَّامُّ مَا انْتَفَى فِيهِ الْأَمْرَانِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) أَيْ التَّامَّيْنِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ تَفْصِيلًا لِأَقْوَالِ الْقَائِلِينَ بِإِثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ الْقَوْلُ بِالْوَاسِطَةِ عِنْدَ الرَّاغِبِ. (قَوْلُهُ: وَمَدْلُولُ الْخَبَرِ) أَيْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَبَرٌ كَ زَيْدٌ قَائِمٌ مَثَلًا لَا مَدْلُولُ نَفْسِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ مَا يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ بِغَيْرِهِ أَوْ مَا لَهُ خَارِجُ صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ إلَخْ وَمُرَادُهُ بِالْحُكْمِ إيقَاعُ النِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ: الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ، وَقَوْلُهُ: كَقِيَامِ زَيْدٍ أَيْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لَهُ، وَتَفْسِيرُ الْحُكْمِ هُنَا بِالْإِيقَاعِ هُوَ مَا قَالَهُ سم قِيلَ: وَهُوَ أَخْذٌ بِالظَّاهِرِ، وَإِلَّا فَمَدْلُولُهُ فِي الْوَاقِعِ هُوَ النِّسْبَةُ أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْوَاقِعِ، وَإِلَّا لِمَا يَأْتِي إنْكَارُهُ؛ لِأَنَّ إذْعَانَ الْمُتَكَلِّمِ وَاقِعٌ فَحِينَئِذٍ يُرَادُ بِالْحُكْمِ النِّسْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ النِّسْبَةُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِهَا لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهَا فِي الْخَارِجِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَمَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ النِّسْبَةُ إلَخْ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْمُطَوَّلِ أَنَّ مَدْلُولَ الْخَبَرِ هُوَ النِّسْبَةُ الذِّهْنِيَّةُ أَعْنِي الْإِيقَاعَ وَالِانْتِزَاعَ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ أَنَّ مَدْلُولَ الْخَبَرِ هُوَ النِّسْبَةُ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ، وَاللَّاوُقُوعِ فَالْمُرَادُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُمَا فِي الذِّهْنِ فَيَرْجِعُ إلَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْإِثْبَاتِ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفُ لَا ثُبُوتُهَا؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْإِثْبَاتِ وَيَأْتِي أَنَّ النَّفْيَ يُقَاسُ عَلَيْهِ

فِي الْخَارِجِ (وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي أَنَّهُ الْحُكْمُ بِهَا (وَخِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ) فِي أَنَّهُ ثُبُوتُهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْلُولُ الْخَبَرِ الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ بَلْ كَانَ ثُبُوتَهَا (لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا) أَيْ غَيْرَ ثَابِتِ النِّسْبَةِ فِي الْخَارِجِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَذِبَ الْخَبَرِ بِأَنْ لَمْ تَثْبُتْ نِسْبَتُهُ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ مَدْلُولَهُ حَتَّى يُنَافِيَ مَا جُعِلَ مَدْلُولُهُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْخَبَرَ الْكَذِبَ تَخَلَّفَ فِيهِ الْمَدْلُولُ عَنْ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ وَضْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ، وَتَقْسِيمُ الْخَبَرِ إلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ مَدْلُولِهِ مَعَهُ وَتَخَلُّفِهِ عَنْهُ نَعَمْ الْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْخَارِجِ) يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِهِ خَارِجُ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْكَلَامِ وَهُوَ مَعْنَى الْوَاقِعِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ لَا مَا يُرَادِفُ الْأَعْيَانَ، وَإِلَّا فَالنِّسْبَةُ لَيْسَتْ خَارِجِيَّةَ الثُّبُوتِ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، وَفِي شَرْحِ التَّفْتَازَانِيِّ عَلَى الْمِفْتَاحِ مَا نَصُّهُ: لَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ إذَا نُسِبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَمَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَلَفُّظِ اللَّافِظِ وَتَعَقُّلِ الْعَاقِلِ بَيْنَهُمَا نِسْبَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ بِأَنَّهُ هُوَ هُوَ أَوْ سَلْبِيَّةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى الْوَاقِعِ وَالْخَارِجِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النِّسْبَةُ أَمْرًا مُتَحَقَّقًا فِي الْخَارِجِ، وَلَا الْأَمْرُ أَنَّ مِمَّا يَلْزَمُ تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ اهـ. أَيْ كَقَوْلِنَا: شَرِيكُ الْبَارِي مُمْتَنِعٌ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ) أَيْ مَدْلُولَ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ) أَيْ النِّسْبَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِهَا (قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ كَانَ ثُبُوتُهَا) أَيْ بَلْ كَانَ مَدْلُولُهُ الْخَبَرَ النِّسْبَةَ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهَا فِي الْخَارِجِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا) لِأَنَّ الْخَبَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ نِسْبَتُهُ فِي الْخَارِجِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ) دَلِيلٌ لِلِاسْتِثْنَائِيَّةِ أَيْ وَكَوْنُ لَا شَيْءَ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا بَاطِلٌ كَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مَدْلُولًا لَهُ) لِأَنَّ مَدْلُولَ الْخَبَرِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ احْتِمَالٌ عَقْلِيٌّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّحَقُّقِ فِي الْخَارِجِ خُرُوجُ الْخَبَرِ عَنْ كَوْنِ مَدْلُولِهِ الصِّدْقَ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُنَافِيَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ: مَا جُعِلَ مَدْلُولُهُ) أَيْ دَائِمًا وَهُوَ الصِّدْقُ وَلَوْ عِنْدَ التَّخَلُّفِ (قَوْلُهُ: عَنْ الدَّلِيلِ) وَهُوَ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ وَضْعِيَّةٌ وَهِيَ جَائِزَةُ التَّخَلُّفِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ مَدْلُولِ الْخَبَرِ ثُبُوتَ النِّسْبَةِ فِي الْخَارِجِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْخَبَرِ بِكَذِبٍ، وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَرْجِعُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ: وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ: إنَّ مَدْلُولَ الْخَبَرِ هُوَ الصِّدْقُ، وَإِنَّمَا الْكَذِبُ احْتِمَالٌ عَقْلِيٌّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَك: مِنْ أَيْنَ عَلِمْت أَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ تَقُولُ سَمِعْته مِنْ فُلَانٍ (قَوْلُهُ: لَا عَقْلِيَّةٌ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهَا (قَوْلُهُ: وَتَقْسِيمُ الْخَبَرِ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ وُجُودِ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: نَعَمْ الْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِلْإِمَامِ إلَخْ) يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ الشَّارِحِ لَهُ، وَهُوَ مُعَارِضٌ بِمَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الَّذِي نَقْصِدُهُ عِنْدَ إخْبَارِنَا بِقَوْلِنَا: زَيْدٌ قَائِمٌ هُوَ إفَادَةُ الْمُخَاطَبِ ثُبُوتُ نِسْبَةِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ لَا حُكْمُنَا بِذَلِكَ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّ الَّذِي نَفْهَمُهُ مِنْ إخْبَارِنَا بِأَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ فِي الْمُطَوَّلِ وَرُدَّ مَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ إيقَاعُ النِّسْبَةِ لَمَا كَانَ لِإِنْكَارِ الْحُكْمِ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يُوقِعْ النِّسْبَةَ اهـ. كَمَالٌ

سَالِمٌ عَنْ هَذَا التَّخَلُّفِ وَتَقْسِيمُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ إلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ النِّسْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُقَاسُ عَلَى الْخَبَرِ فِي الْإِثْبَاتِ الْخَبَرُ فِي النَّفْي فَيُقَالُ: مَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ النِّسْبَةِ، وَقِيلَ: انْتِفَاؤُهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا أَوْضَحُ كَمَا قَالَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَحْصُولِ لَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ خَبَرًا وَمِنْ عِبَارَةِ التَّحْصِيلِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ الْخَبَرُ كَذِبًا. (وَمَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) فِي الْخَبَرِ (النِّسْبَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا لَيْسَ غَيْرُ كَقَائِمٌ فِي: زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَائِمٌ لَا بُنُوَّةُ زَيْدٍ) لِعَمْرٍو ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: سَالِمٌ عَنْ هَذَا التَّخَلُّفِ) لِأَنَّ النِّسْبَةَ الْحُكْمِيَّةَ لَا تَتَخَلَّفُ، وَلَا يُرَدُّ خَبَرُ الشَّاكِّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّخَلُّفُ الْمَخْصُوصُ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا إنْ طَابَقَتْ النِّسْبَةَ الْحُكْمِيَّةَ الْخَارِجِيَّةَ فَصِدْقٌ، وَإِلَّا فَكَذِبٌ (قَوْلُهُ: أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَحْصُولِ إلَخْ) فَإِنَّ عِبَارَتَهُ صَادِقَةٌ بِالسَّلْبِ الْجُزْئِيِّ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ السَّلْبُ الْكُلِّيُّ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَمَوْرِدُ الصِّدْقِ إلَخْ) جَعَلَ النِّسْبَةَ مَحَلَّ وُرُودِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَهُوَ مَحَلٌّ مَجَازِيٌّ، وَالْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ الْمَنْسُوبُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرٍ فِي قَوْلِهِ: كَقَائِمٌ إلَخْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْقَى النِّسْبَةُ عَلَى حَالِهَا، وَهِيَ اتِّصَافُ ذَاتِ الْمَوْضُوعِ بِمَفْهُومِ الْمَحْمُولِ فَقَوْلُهُ: كَقَائِمٌ أَيْ كَنِسْبَةِ " قَائِمٌ " وَقَوْلُهُ: فِي الْخَبَرِ مُصَرِّحٌ بِهِ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي تَضَمُّنِهَا (قَوْلُهُ: الَّتِي تَضَمَّنَهَا) أَيْ النِّسْبَةَ الْإِسْنَادِيَّةَ الَّتِي تَضَمَّنَهَا تَضَمُّنًا مَقْصُودًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لَيْسَ غَيْرُ) أَيْ لَا زَائِدَ عَلَيْهَا مِنْ النِّسَبِ التَّقْيِيدِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَقَائِمٌ) أَيْ كَنِسْبَةِ " قَائِمٌ " الَّتِي هِيَ ثُبُوتُ الْقِيَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ بِظَاهِرِهِ يُفِيدُ أَنَّ النِّسْبَةَ فِي: زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَائِمٌ هِيَ نِسْبَةُ " قَائِمٌ " إلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ، وَأَنَّهَا هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا صَحِيحًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النِّسْبَةَ الْمَقْصُودَةَ بِالْأَصَالَةِ الَّتِي هِيَ النِّسْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ هِيَ الْمُرْتَبِطَةُ بَيْنَ " قَائِمٌ، وَزَيْدٌ " وَأَمَّا نِسْبَةُ " قَائِمٌ " إلَى ضَمِيرِهِ فَغَيْرُ مُتَلَفَّتٍ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الصِّفَاتِ نِسَبٌ تَقْيِيدِيَّةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ لَا تَقْتَضِي انْفِرَادَ الْمَعْنَى عَنْ غَيْرِهِ، وَأَيْضًا هِيَ نِسَبٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ أَصَالَةً مِنْ التَّرْكِيبِ؛ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُلَاحَظَ فِيهَا جَانِبُ الذَّاتِ فَتُجْعَلَ مَحْكُومًا عَلَيْهَا، وَتَارَةً جَانِبُ الْوَصْفِ كَالْقِيَامِ فَتُجْعَلَ مَحْكُومًا بِهَا، وَأَمَّا النِّسْبَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهَا فَلَا تَصْلُحُ لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا وَلَا لِلْحُكْمِ بِهَا لَا وَحْدَهَا وَلَا مَعَ غَيْرِهَا لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا، وَهَذَا جَعَلَ النُّحَاةَ إيَّاهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدَاتِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قِيَامَ زَيْدٍ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ غَيْرُ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ كَلَامِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَقَائِمٌ الْمُسْنَدُ إلَى ضَمِيرِ زَيْدٍ إلَخْ الْمُسْنَدُ إلَى زَيْدٍ الْمُشْتَمِلِ قَائِمٌ عَلَى ضَمِيرِهِ فَإِنَّ الضَّمِيرَ لَمَّا كَانَ عَيْنَ زَيْدٍ كَانَ الْإِسْنَادُ أَيْ الْإِخْبَارُ عَنْ زَيْدٍ إخْبَارًا عَنْ ضَمِيرِهِ، وَتَقْدِيرُ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ قِيَامُ زَيْدٍ كَمَا قُلْنَا، وَالْخَطْبُ سَهْلٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْحُكْمِيَّةِ أَنَّ النَّفْسَ لَا تُلْفَتُ لِشَيْئَيْنِ مَعًا قَصْدًا، وَقَدْ اعْتَبَرَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَقَدْ ذَكَرَ السَّيِّدُ فِي

[مسألة الخبر إما مقطوع بكذبه أو استدلالا]

وَأَيْضًا فَقَائِمٌ الْمُسْنَدُ إلَى ضَمِيرِ زَيْدٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى نِسْبَةٍ هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ، وَهِيَ مَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَا بُنُوَّةُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فِيهِ أَيْضًا؛ إذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِخْبَارَ بِهَا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْمَوْرِدَ النِّسْبَةُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: الشَّهَادَةُ بِتَوْكِيلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فُلَانًا شَهَادَةٌ بِالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ، وَوَجْهُ بِنَائِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الشَّهَادَةِ خَبَرٌ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْمَذْهَبُ) أَيْ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ (بِالنَّسَبِ) لِلْمُوَكِّلِ (ضِمْنًا وَالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (أَصْلًا) لِتَضَمُّنِ ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ الْمَقْصُودِ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ. (مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ) بِالنَّظَرِ إلَى أُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ (إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ كَالْمَعْلُومِ خِلَافُهُ ضَرُورَةً) مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ النَّقِيضَانِ يَجْتَمِعَانِ أَوْ يَرْتَفِعَانِ (أَوْ اسْتِدْلَالًا) نَحْوُ قَوْلِ الْفَلْسَفِيِّ: الْعِلْمُ قَدِيمٌ (وَكُلُّ خَبَرٍ) عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْهَمَ بَاطِلًا) أَيْ أَوْقَعَهُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ (وَلَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ فَمَكْذُوبٌ) عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ عَنْ قَوْلِ الْبَاطِلِ (أَوْ نَقَصَ مِنْهُ) مِنْ جِهَةِ رَاوِيهِ (مَا يُزِيلُ الْوَهْمَ) الْحَاصِلَ بِالنَّقْصِ مِنْهُ، مِنْ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يُوهِمُ حُدُوثَهُ، أَيْ يُوقِعَ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُدُوثِ. وَمِنْ الثَّانِي مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِسَالَتِهِ الْحَرْفِيَّةِ أَنَّ فِي قَوْلِك زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ حُكْمَيْنِ الْحُكْمُ بِأَنَّ أَبَا زَيْدٍ قَائِمٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ زَيْدًا قَائِمُ الْأَبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ لَيْسَا بِمَفْهُومَيْنِ صَرِيحًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَلْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ يُفْهَمُ الْتِزَامًا، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوَّلَ فَزَيْدٌ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الصَّرِيحِ لَيْسَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَلَا مَحْكُومًا بِهِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ قَيَّدَ بِهِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا حُكْمَ صَرِيحًا بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْأَبِ بَلْ الْأَبُ قَيْدٌ لِلْمُسْنَدِ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ؛ إذْ بِهِ يَتِمُّ مُسْنَدًا إلَى زَيْدٍ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ مَوْرِدَهُ النِّسْبَةُ (قَوْلُهُ: هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ أَيْ ثُبُوتُ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْرِدُ الصِّدْقِ) فَإِنْ طَابَقَ الْخَارِجَ فَصِدْقٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بِنَائِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ إلَخْ) قَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّسَبَ الْوَاقِعَةَ فِي أَطْرَافِ الْخَبَرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَلْحُوظَةً بِالذَّاتِ حَتَّى لَمْ تَكُنْ مَوْرِدًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهَا مَلْحُوظَةٌ بِالتَّبَعِ لِتَعْيِينِ الْأَطْرَافِ فَهِيَ قُيُودٌ لِلْخَبَرِ، وَالْقَائِلُ بِالْخَبَرِ قَائِلٌ بِقُيُودِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْخَبَرُ، فَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَوْرِدِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِخْبَارِ بِهَا بِالتَّبَعِ بَلْ يَقْتَضِي كَوْنَهَا قُيُودًا لِلْخَبَرِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمَذْهَبِ الْآتِي تَأَمَّلْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: مُتَعَلَّقُ الشَّهَادَةِ خَبَرٌ) أَيْ وَالْخَبَرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَبِ الْإِسْنَادِيَّةِ دُونَ التَّقْيِيدِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا) قَالَ الْكَمَالُ يَشْهَدُ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ» اهـ. (قَوْلُهُ: لِغَيْبَتِهِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ إذْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَشَهِدَ عَلَى عَيْنِهِ وَسَجَّلَ عَلَيْهَا اهـ. وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ الْمُمَيِّزِ لَهُ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِالْغَيْبَةِ لِلُزُومِ الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْغَيْبَةِ الْإِشَارَةُ إلَى الْعَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم. [مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ أَوْ اسْتِدْلَالًا] (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَى أُمُورٍ إلَخْ) وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُهُمَا جَمِيعًا (قَوْلُهُ: إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ) قَدَّمَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَى الصَّادِقِ (قَوْلُهُ: كَالْمَعْلُومِ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ مَدْلُولِهِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ خَبَرٍ عَنْهُ) أَيْ نُقِلَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: أَوْهَمَ بَاطِلًا) الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْإِيهَامَ هُنَا الدَّلَالَةُ؛ إذْ مَا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ رَاجِحًا وَمَرْجُوحًا، وَالْمَرْجُوحُ بَاطِلٌ لَيْسَ بِمَقْطُوعِ الْكَذِبِ لِإِمْكَانِ الذَّهَابِ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقَصَ مِنْهُ) عُطِفَ عَلَى " مَكْذُوبٌ " (قَوْلُهُ: مَا يُزِيلُ الْوَهْمَ) أَيْ لَفْظٌ لَوْ ذُكِرَ لَازَالَ الْوَهْمُ

أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَتِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ لَا يَبْقَى يُرِيدُ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ» قَوْلُهُ: فَوَهَلَ النَّاسُ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا فِي فَهْمِ الْمُرَادِ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوا لَفْظَةَ الْيَوْمِ، وَيُوَافِقُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «لَا يَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ» وَحَدِيثُ جَابِرٍ «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرٍ وَقَوْلُهُ مَنْفُوسَةٌ أَيْ مَوْلُودَةٌ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ (وَسَبَبُ الْوَضْعِ) لِلْغَيْرِ بِأَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نِسْيَانٌ) مِنْ الرَّاوِيِّ لِمَا رَوَاهُ فَيَذْكُرُ غَيْرَهُ ظَانًّا أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ (أَوْ افْتِرَاءً) عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَوَضْعِ الزَّنَادِقَةِ أَحَادِيثَ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ (غَلَطٌ) مِنْ الرَّاوِيِّ بِأَنْ يَسْبِقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِ مَا رَوَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكُمْ إلَخْ) التَّاءُ فَاعِلٌ وَالْكَافُ حَرْفٌ دَالٌّ عَلَى حَالِ الْمُخَاطَبِ وَالْمَعْنَى أَخْبَرُونِي، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ التَّعَجُّبُ وَلَيْلَتَكُمْ مَفْعُولٌ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ أَيْ آخِرِ، وَاسْمُ إنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَقَوْلُهُ: مِنْهَا نَعْتُ مِائَةٍ وَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ أَيْ مِائَةِ سَنَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَقَوْلُهُ: لَا يَبْقَى خَبَرٌ " فَإِنَّ " وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ حَالٌ مِنْ " أَحَدٌ " وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ خَبَرٌ عَنْ هُوَ وَإِنْ كَانَ جُثَّةً لِكَوْنِهِ عَامًّا هَذَا إنْ كَانَ قَوْلُهُ: عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُتَعَلِّقًا بِيَبْقَى أَمَّا إنْ كَانَ هُوَ الْخَبَرَ عَنْ قَوْلِهِ هُوَ فَالْيَوْمَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَالْعَامِلُ فِيهِ مُتَعَلِّقُ قَوْلِهِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْقَرْنُ) أَيْ الْقَوْمُ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِانْخِرَامِ الْعَالَمِ كُلِّهِ الشَّامِلِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْقَرْنِ (قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ فِيهَا) أَيْ فِي لَفْظَةِ الْيَوْمِ أَيْ فِي إثْبَاتِهَا (قَوْلُهُ: مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ آخِرِهَا (قَوْلُهُ: الْيَوْمَ) ظَرْفٌ لِمَنْفُوسَةِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ، وَهِيَ حَالَةٌ إخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْجِنِّ فَإِنَّهَا مَوْلُودَةٌ لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ بِإِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقَرِضْ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ، وَكَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مَوْلُودٌ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْبَحْرِ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: عَلَى ظَهْرِ وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ إيرَادِ الْخَضِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ " يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ " إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَلَا يُبْنَى عَلَى تَارِيخِ الْهِجْرَةِ بَلْ مِنْ تَحْدِيدِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَيَتَأَخَّرُ التَّحْدِيدُ عَنْ الْقَرْنِ الْهِجْرِيِّ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ الْوَضْعِ) أَيْ الْكَذِبِ، وَعَبَّرَ بِهِ تَفَنُّنًا (قَوْلُهُ: أَوْ افْتِرَاءٌ) الْأَوْلَى أَوْ تَنْفِيرٌ إذْ الِافْتِرَاءُ قِسْمٌ مِنْ الْوَضْعِ لَا سَبَبٌ لَهُ (قَوْلُهُ: كَوَضْعِ الزَّنَادِقَةِ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ: وَضَعَتْ الزَّنَادِقَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ اهـ. وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ رَبُّنَا فَقَالَ خَلَقَ خَيْلًا فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ فَخَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَقِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ، وَمِنْهَا مَا وَقَعَ مِنْ الْغُلَاةِ الْمُتَعَصِّبِينَ فِي تَقْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ وَرَدًّا عَلَى خُصُومِهِمْ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ «سَيَجِيءُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ كَفَرَ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَطَلُقَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ سَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنَةٍ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ كَافِرٍ» وَعَنْ جَهَلَةِ الْقُصَّاصِ تَرْقِيقًا لِقُلُوبِ الْعَوَامّ كَمَا سَمِعَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى فِي مَسْجِدٍ عَنْ قَاصٍّ يَقُولُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا طَيْرًا مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَرِيشُهُ مِنْ مَرْجَانَ» وَأَخَذَ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ فَأَنْكَرَا عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: الْيَسْ فِي الدُّنْيَا غَيْرُكُمَا أَحْمَدُ وَيَحْيَى أَوْ عَلَى الْهَالِكِينَ عَلَى الْمَالِ وَالْجَاهِ تَقَرُّبًا إلَى الْحُكَّامِ كَمَا وَضَعُوا فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ نُصُوصًا عَلَى إمَامَةِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وَأَقُولُ: فِي الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ غَرَائِبُ كَثِيرَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلِكَلَامِ النُّبُوَّةِ رَوْنَقٌ وَسِرٌّ يَنْجَلِي لِمَنْ أَكْثَرَ النَّظَرَ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِذَلِكَ

أَوْ يَضَعَ مَكَانَهُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ (أَوْ غَيْرَهَا) كَمَا فِي وَضْعِ بَعْضِهِمْ أَحَادِيثَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّرْهِيبِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ (وَمِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خَبَرُ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ) أَيْ قَوْلِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ (بِلَا مُعْجِزَةٍ أَوْ) بِلَا (تَصْدِيقِ الصَّادِقِ) لَهُ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ عَنْ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِكَذِبِ مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُهَا بِلَا دَلِيلٍ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ أَمَّا مُدَّعِي النُّبُوَّةِ أَيْ الْإِيحَاءِ إلَيْهِ فَقَطْ فَلَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَمَا نُقِّبَ) أَيْ فُتِّشَ (عَنْهُ) مِنْ الْحَدِيثِ (وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَهْلِهِ) مِنْ الرُّوَاةِ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِكَذِبِ نَاقِلِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَ نَاقِلِهِ، وَهَذَا مَفْرُوضٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَخْبَارِ أَمَّا قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا كَمَا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ أَحَدُهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ (وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَيُكْذَبُ عَلَيَّ فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِلَّا فِيهِ كَذِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ (وَالْمَنْقُولُ آحَادٌ فِيمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ يَضَعُ مَكَانَهُ) أَيْ مَعَ ذِكْرِهِ الْأَصْلَ لِيُغَايِرَ النِّسْيَانَ (قَوْلُهُ: مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ) أَيْ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَضْعَ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي وَضْعِ بَعْضِهِمْ) هُمْ الْكَرَّامِيَّةُ (قَوْلُهُ: الْمَقْطُوعُ بِكَذِبِهِ) أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا فَمَعَ النَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ وُرُودِهِ لَا يُقَالُ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ قَطْعًا، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ: وَهَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُزُولِ قَوْله تَعَالَى {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» أَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْقَطْعُ بِكَذِبِهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَقِيَامُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. سم. عَلَى أَنَّ تَجْوِيزَ الْعَقْلِ صِدْقَهُ لَا يُنَافِي الْقَطْعَ بِكَذِبِهِ عَادَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَجْوِيزِ الْعَقْلِ خِلَافَ الْعُلُومِ الْعَادِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ وُجُودُ خِلَافِهَا لَمْ يَكُنْ مُحَالًا لَا أَنَّهُ يَجُوزُ خِلَافُهَا بِالْفِعْلِ كَمَا قَرَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: بِلَا مُعْجِزَةٍ إلَخْ) فَإِذَا قَالَ: مُعْجِزَتِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُنْطِقُ هَذَا الْحَجَرَ فَنَطَقَ بِتَكْذِيبِهِ عُلِمَ كَذِبُهُ؛ إذْ لَوْ كَانَ صَادِقًا لَمَا أَظْهَرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مُعْجِزَتِي أَنِّي أُحْيِي هَذَا الْمَيِّتَ فَأَحْيَاهُ فَنَطَقَ بِتَكْذِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو اخْتِيَارٍ كَسَائِرِ الْخَلْقِ، وَالْإِعْجَازُ فِي إحْيَائِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَصْدِيقُ الصَّادِقِ لَهُ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْمُعْجِزَةِ مِنْ تَصْدِيقِ شَيْءٍ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ وَتَصْدِيقٌ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَأَنَّ أَوْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ فَتُفِيدُ النَّفْيَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّادِقِ النَّبِيُّ الَّذِي جَاءَ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَمْنَعُ الْأَوَّلَ، وَحِينَئِذٍ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَا نُقِّبَ) بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ الْمَكْسُورَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ، وَالتَّامُّ مُتَعَذِّرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ) أَيْ كَالْحَدِيثِ الَّذِي فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ بِلَازِمِ الْقَطْعِ فِيمَا مَضَى فَيَجُوزُ الْكَذِبُ فِيمَا يَأْتِي، أَوْ يُقَالُ: السِّينُ لِلتَّنْفِيسِ الْقَرِيبِ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ تَقْتَضِي الْوُقُوعَ (قَوْلُهُ: سَيُكْذَبُ عَلَيَّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: فَإِنْ قُلْت: لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الْكَذِبِ فِي الْمَاضِي الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ قَالَ سَيُكْذَبُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، قُلْت: السِّينُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى اسْتِقْبَالٍ قَلِيلٍ بِخِلَافِ سَوْفَ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الِاسْتِقْبَال الْقَلِيلُ بِزِيَادَةٍ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْمَاضِي مَا تَقَدَّمَ عَلَى زَمَنِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ زَمَنُ قَطْعِهِ بِكَذِبِ بَعْضِ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْمُسْتَقْبِلِ مَا تَأَخَّرَ عَنْ زَمَنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الصَّادِقِ بِأَنْ يَكُونَ قُرْبَ السَّاعَةِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِيهِ كَذِبٌ) أَيْ وَإِلَّا يَقَعُ كَذِبٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ السَّاعَةِ؛ لِأَنَّ السِّينَ لِلِاسْتِقْبَالِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا لِلتَّنْفِيسِ الْقَرِيبِ (قَوْلُهُ: فِيمَا تَتَوَافَرُ) أَيْ تَجْتَمِعُ وَقَوْلُهُ: الدَّوَاعِي أَيْ لِلنَّاسِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ الِاخْتِلَافَ فِي دُخُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي مُزْدَحَمٍ مِنْ الْخَلْقِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ صُلْحًا أَوْ غَيْرَهُ مُتَمَسِّكِينَ فِيهِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ

تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ) تَوَاتُرًا كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ عَنْ الْمِنْبَرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ (خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ وَقَدْ قَالُوا بِصِدْقِ مَا رَوَاهُ مِنْهُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحْوُ " أَنْتَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي " مُشَبِّهِينَ لَهُ بِمَا يَتَوَاتَرُ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ كَحَنِينِ الْجِذْعِ وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَى قُلْنَا هَذِهِ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً وَاسْتَغْنَى عَنْ تَوَاتُرِهَا إلَى الْآنِ بِتَوَاتُرِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ مَا يُذْكَرُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَلَوْ كَانَ مَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ أَيْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَهِيَ صُفَّةٌ مُظَلَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ لَهُمْ، ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (وَإِمَّا) مَقْطُوعٌ (بِصِدْقِهِ كَخَبَرِ الصَّادِقِ) أَيْ اللَّهِ - تَعَالَى - لِتَنَزُّهِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ عَنْ الْكَذِبِ (وَبَعْضِ الْمَنْسُوبِ إلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ (وَالْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى أَوْ لَفْظًا وَهُوَ خَبَرُ جَمْعٍ يَمْتَنِعُ) عَادَةً (تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مَحْسُوسٍ) لَا مَعْقُولٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَوَاتَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَهَا شَاكِي السِّلَاحِ مُتَهَيِّئًا لِأَسْبَابِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَرَيَانِ أَمَانٍ لَهُمْ مَعَهُ، وَذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى فَلَا يَبْعُدُ انْفِرَادُ الْآحَادِ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَجُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَحْرَمَ عَلَى مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا. وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالْأَفْرَادِ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ فَلَا يَبْعُدُ اسْتِبْهَامُهُ، وَكَذَلِكَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ لَمْ يَتَوَاتَرْ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَاعْتَذَرَ الْقَاضِي بِأَنَّهَا آيَةٌ ظَهَرَتْ لَيْلًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَشْخَاصٌ مَعْدُودَةٌ فِي وَقْتِ اسْتِرْسَالِ ثَوْبِ الْغَفْلَةِ عَلَى النَّاسِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: يَصْنَعُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] قُلْتُ أَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ الْمَاضِيَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَأَنَّهُ سَيَنْشَقُّ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ ذِكْرُهُ مُقْتَرِنًا بِاقْتِرَانِ السَّاعَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَمَّا إفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتُهَا فَإِنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُقِيمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَى انْتِقَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى دَارِ الْبَقَاءِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّقَلَةُ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ تَوَاتُرًا. وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يُثْنِي مَرَّةً وَيُفْرِدُ أُخْرَى وَلَمْ يَشِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ الْمُعْتَمَدُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هَوَّنَتْ أَمْرَ الْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَلَمْ يَعْتَنُوا بِالْإِشَاعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَعًا فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْعَزَائِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ) أَيْ كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِ الْخَطِيبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: حَدِيثٌ) لَا يُعْرَفُ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْبَيْضَاوِيِّ: لَا أَصْلَ لَهُ هَكَذَا وَفِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ» الْحَدِيثَ اهـ. خَالِدٌ (قَوْلُهُ: مَا رَوَاهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآحَادِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا، وَهَذَا عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ مَرْوِيٌّ آحَادًا (قَوْلُهُ: وَاسْتُغْنِيَ عَنْ تَوَاتُرِهَا إلَخْ) أَيْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالْقِرَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا يَذْكُرُ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ حَتَّى فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ) وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمُبَايَعَةُ، وَكَانَتْ مُبَايَعَتُهُ غَيْرَ مُنْعَقِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَزِمَهُ جَهَلَةُ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ فَقَدْ نَصَّهُ الرَّوَافِضُ مِنْ حَيْثُ كَمَّلُوهُ. (قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ سَمِعَهُ وَقَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خَبَرَ كُلِّ الْأُمَّةِ أَيْ الْإِجْمَاعِ لِلِاخْتِلَافِ فِي قَطْعِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ) أَيْ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَإِنْ قُطِعَ بِهِ لِعَارِضٍ تَوَاتَرَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْمُتَوَاتِرُ لَفْظًا، وَيَلْزَمُ مِنْ تَوَاتُرِهِ لَفْظًا تَوَاتُرُهُ مَعْنًى، وَأَمَّا الْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى فَقَطْ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ (قَوْلُهُ: تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ) أَيْ تَوَافُقُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ بِخَبَرٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ لَا تَوَافُقُهُمْ عَلَى أَنَّ كَلَامَنَا يُخْبِرُ بِخَبَرِ كَذَا (قَوْلُهُ: عَنْ مَحْسُوسٍ) مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُسْتَنِدًا لِلْحِسِّ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَقَطْ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ

لِجَوَازِ الْغَلَطِ فِيهِ كَخَبَرِ الْفَلَاسِفَةِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَهُوَ اللَّفْظِيُّ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ مَعْنًى كُلِّيٍّ فَهُوَ الْمَعْنَوِيُّ كَمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ عَنْ حَاتِمٍ أَنَّهُ أَعْطَى دِينَارًا وَآخَرَ أَنَّهُ أَعْطَى فَرَسًا وَآخَرَ أَنَّهُ أَعْطَى بَعِيرًا وَهَكَذَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ (وَحُصُولُ الْعِلْمِ) مِنْ خَبَرٍ بِمَضْمُونِهِ (آيَةُ) أَيْ عَلَامَةُ (اجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ) أَيْ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَيْ الْأُمُورِ الْمُحَقِّقَةِ لَهُ وَهِيَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَوْنُهُ خَبَرَ جَمْعٍ، وَكَوْنُهُمْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَكَوْنُهُ عَنْ مَحْسُوسٍ (وَلَا تَكْفِي الْأَرْبَعَةُ) فِي عَدَدِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ (وِفَاقًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ (وَالشَّافِعِيَّةِ) لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى التَّزْكِيَةِ فِيمَا لَوْ شَهِدُوا بِالزِّنَا فَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُمْ: الْعِلْمُ (وَمَا زَادَ عَلَيْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (صَالِحٌ) لَأَنْ يَكْفِيَ فِي عَدَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُ إخْبَارُ الصُّوفِيَّةِ عَمَّا يَنْكَشِفُ لَهُمْ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ بَعْدَ الِارْتِيَاضِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَى الْحَقِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مِنْ الْوَقَائِعِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ السِّرِّيَّةِ وَالْأَنْوَارِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا خَبَّرَ بِهِ جَمْعٌ عَظِيمٌ مِنْ مُرْتَاضِي الْأَعْصَارِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَصْفِيَاءِ الْمُتَأَهِّلِينَ وَيَبْعُدُ عَادَةً أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِيمَا قَالُوا (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الْغَلَطِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَعْقُولِ وَأَوْرَدَ أَنَّ الْحِسَّ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْغَلَطُ أَيْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَطَرُّقَ الْغَلَطِ إلَيْهِ بَعِيدٌ لَا يُعَارِضُ الْعِلْمَ وَبِأَنَّ الْمُرَادَ مَحْسُوسٌ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِبَاهَ كَالْإِخْبَارِ بِوُجُودِ بَلْدَةِ كَذَا، وَمِنْ هُنَا خَرَجَ الْإِخْبَارُ بِقَتْلِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُخْبِرِينَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِهِ سِتَّةٌ وَقَعَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّفَقَ الْجَمْعُ إلَخْ) وَكَذَا إذَا اتَّفَقَ الْجَمْعُ عَلَى الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا فِي الْمُشْتَرَكِ لَكِنَّ التَّوَاتُرَ مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بِاللَّفْظِ (قَوْلُهُ: وَحُصُولُ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ مِنْ الْخَبَرِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ الْخَارِجِيَّةِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْآحَادِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ مُجَرَّدِ الْخَبَرِ بَلْ بِوَاسِطَةِ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ ثُمَّ إنَّ فِي الْعِبَارَةِ قَلْبًا أَيْ وَاجْتِمَاعُ شَرَائِطِهِ آيَةُ حُصُولِ الْعِلْمِ مِنْهُ أَيْ مِنْ التَّوَاتُرِ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ أَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ الْأُمُورُ الْمُحَقَّقَةُ لَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي التَّعْرِيفِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ) وَالصِّفَاتُ اللَّازِمَةُ تَرْجِعُ لِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي الْأَرْبَعَةُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحَالُ فَيَكْفِي كَمَا فِي حَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَثَلًا بَلْ مِنْ حَيْثُ الْحَالُ يَكْفِي الْوَاحِدُ فَيَكُونُ خَبَرُهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ مُقَدَّمًا عَلَى خَبَرٍ مَا كَخَبَرِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْجَزْمَ أَكْثَرَ مِنْ إفَادَةِ ذَلِكَ بَعْدَ التَّوَاتُرِ لَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ حَالِ الْمُخْبِرِ وَجَلَالَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى التَّزْكِيَةِ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ احْتِيَاجَهُمْ إلَى التَّزْكِيَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْعِلْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ عَدَدُ

الْجَمْعِ فِي الْمُتَوَاتِرِ (مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ) بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي فِي الْخَمْسَةِ) هَلْ تَكْفِي (وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ أَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ عَدَدِ الْجَمْعِ الَّذِي يُفِيدُ خَبَرُهُ الْعِلْمَ (عَشَرَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا آحَادٌ (وَقِيلَ) أَقَلُّهُ (اثْنَا عَشَرَ) كَعَدَدِ النُّقَبَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: 12] بُعِثُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ لِلْكَنْعَانِيَّيْنِ بِالشَّامِ طَلِيعَةً لِبَنِي إسْرَائِيلَ الْمَأْمُورِينَ بِجِهَادِهِمْ لِيُخْبِرُوهُمْ بِحَالِهِمْ الَّذِي لَا يُرْهَبُ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) قِيلَ: أَقَلُّهُ (عِشْرُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَيَتَوَقَّفُ بَعْثُ عِشْرِينَ لِمِائَتَيْنِ عَلَى إخْبَارِهِمْ بِصَبْرِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) قِيلَ أَقَلُّهُ (أَرْبَعُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وَكَانُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا كَمَّلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كَافُّوا نَبِيِّهِ يَسْتَدْعِي إخْبَارَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ لَهُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) وَقِيلَ: أَقَلُّهُ (سَبْعُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 155] أَيْ لِلِاعْتِذَارِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوَاتُرِ اُحْتِيجَ إلَى التَّزْكِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ الْعِلْمُ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِيَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ لِأَجْلِ حُصُولِ الْعِلْمِ بَلْ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كِفَايَةِ الْأَرْبَعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم. وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يُفِيدُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَقَلِّ الْعَدَدِ الْكَافِي فِي التَّوَاتُرِ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْآحَادِ الْمُفِيدُ لِلصِّدْقِ بِقَرَائِنَ خَارِجِيَّةٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا دُونَهَا آحَادٌ) إنْ أَرَادَ آحَادًا عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْطُ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحٍ، وَإِنْ أَرَادَ فِي هَذَا الْفَنَّ لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ، وَقَالَ بَعْضٌ: لِأَنَّهُ جَمْعُ قِلَّةٍ، وَهُوَ وَاهٍ؛ إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ خُرُوجِ الْعَدَدِ عَنْ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَبَيْنَ إفَادَةِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: طَلِيعَةً) أَيْ لِيَتَطَلَّعُوا عَلَى إخْبَارِهِمْ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ وَاوِ بُعِثُوا وَقَوْلُهُ: لَا يُرْهِبُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَرْهَبَ بِمَعْنَى أَخَافَ يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَهُمْ أَمَرَهُمْ بِكَتْمِ مَا يُرْهِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ عَنْ الْقَوْمِ بِخِلَافِ مَا لَا يُرْهِبُ فَلَمَّا رَجَعُوا أَفْشَى السِّرَّ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَاثْنَانِ كَتَمَا السِّرَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} [المائدة: 23] الْآيَةُ (قَوْلُهُ: بَعَثَ عِشْرِينَ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: عَلَى إخْبَارِهِمْ) أَيْ إخْبَارِ الْعِشْرِينَ الْمَبْعُوثِينَ لَهُمْ أَنَّ فِيهِمْ قُدْرَةً عَلَى قِتَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ، أَوْ إخْبَارِ الْبَاعِثِ لَهُمْ لِئَلَّا يُعَرِّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّلَفِ، لَا إخْبَارِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقُدْرَةُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ وَإِذَا كَانَ خَبَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَاتُرِ لِيُفِيدَ الصِّدْقَ، وَفِيهِ أَنَّ الْكُلَّ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ حَالِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ: إنَّ الصَّبْرَ لَيْسَ مِنْ الْمَحْسُوسِ، وَفَرْضُ الْكَلَامِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ مَحْسُوسٍ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْسُوسِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْسُوسَ بِالْوِجْدَانِيَّاتِ كَذَا قِيلَ وَلَا يَخْلُو عَنْ تَوَقُّفٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَحْسُوسُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ (قَوْلُهُ: وَكَانُوا كَمَا قَالَ إلَخْ) الَّذِي فِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ فَتَمَّ بِهِ الْأَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى تَغْلِيبُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهِيَ قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَدِ الْعُمَرَيْنِ» (قَوْلُهُ: كَافُّوا) مِنْ الْكِفَايَةِ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّهِ وَأَمَّا إنْ جُعِلَ عَطْفًا عَلَى الْكَافِ فِي " حَسْبُكَ " فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُ (قَوْلُهُ: يَسْتَدْعِي إلَخْ) مَمْنُوعٌ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ إخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: سَبْعِينَ رَجُلًا) أَيْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ فَقَوْلُهُ: لِلِاعْتِذَارِ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَيْ مِنْ عِبَادَةِ أَصْحَابِهِمْ الْعِجْلَ (قَوْلُهُ: أَيْ لِلِاعْتِذَارِ) فَالْمُرَادُ بِالْمِيقَاتِ الشَّيْءُ الْمُؤَقَّتُ وَهُوَ الِاعْتِذَارُ

وَلِسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لِيُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَهُ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) قِيلَ أَقَلُّهُ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ) عَدَدُ أَهْلِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَالْبِضْعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ، وَعِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ: وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَزَادَ أَهْلُ السِّيَرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسِتَّةَ عَشَرَ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إنَّ ثَمَانِيَةً مِنْ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ لَمْ يَحْضُرُوهَا وَإِنَّمَا ضُرِبَ لَهُمْ سَهْمُهُمْ وَأَجْرُهُمْ فَكَانُوا كَمَنْ حَضَرَهَا وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَمَا يُدْرِيَك لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» وَهَذَا لِاقْتِضَائِهِ زِيَادَةَ احْتِرَامِهِمْ يَسْتَدْعِي التَّنْقِيبَ عَنْهُمْ لِيُعْرَفُوا، وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَ بِأَخْبَارِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ اللَّيْسِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَوَاتِرِ (إسْلَامٌ) فِي رِوَايَةٍ (وَلَا عَدَمُ احْتِوَاءِ بَلَدٍ) عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا، وَأَنْ تَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ كَأَنْ يُخْبِرَ أَهْلُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ بِقَتْلِ مَلِكِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَانِعَةٌ مِنْ التَّوَاطُؤِ عَلَى الْكَذِبِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِجِوَارِ تَوَاطُؤِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ بَلَدٍ عَلَى الْكَذِبِ فَلَا يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعِلْمَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَوَاتِرِ (ضَرُورِيٌّ) أَيْ يَحْصُلُ عِنْدَ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَظَرٍ لِحُصُولِهِ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ (وَقَالَ الْكَعْبِيُّ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (وَالْإِمَامَانِ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (نَظَرِيٌّ وَفَسَّرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) أَيْ فَسَّرَ كَوْنَهُ نَظَرِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ) فِيهِ أَنَّ السَّامِعَ مِنْ اللَّهِ سَيِّدُنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ الْمَلَكِ لَا مِنْ اللَّهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ) فِيهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ؛ إذْ الْبِضْعُ صَادِقٌ بِمَا زِيدَ (قَوْلُهُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) لَيْسَ الْمُرَادُ إبَاحَةَ الْمَعَاصِي لَهُمْ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ مِنْهُمْ تَكُونُ مَغْفُورَةً (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ إخْبَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ اللَّيْسِيَّةِ) أَيْ قَوْلِهِ لَيْسَ إلَّا كَذَا (قَوْلُهُ: فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَا وَقَعَ فِي تَوَجُّهِهِ لَيْسَ إلَّا لَا جَمِيعُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ أَوْ الْمُرَادُ جَمِيعُ الْأَقْوَالِ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) قَدَّرَ لَفْظَةَ أَنَّهُ لِأَجْلِ تَأْوِيلٍ لَا يُشْتَرَطُ بِمُفْرَدٍ فَلَا تَحْتَاجُ الْجُمْلَةُ إلَى رَابِطٍ (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامٌ) فَأَوْلَى الْعَدَالَةُ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ كَمَا نَقَلَهُ سم كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِهِ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ قَالَ: وَلَوْ كُفَّارًا أَوْ صِبْيَانًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَثْرَةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ: كَانَ يُخْبِرُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْعُلَمَاءِ الْمَوْجُودِينَ قَبْلَ فَتْحِهَا وَقَدْ فَتَحَهَا السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ، وَوَافَقَ تَارِيخَ فَتْحِهَا بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ، وَقَدْ ذَهَبْتُ إلَيْهَا مَرَّتَيْنِ مَعَ الْإِقَامَةِ، وَرَأَيْت بِهَا مِنْ الْمَحَاسِنِ وَرَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ، وَالْغَرَائِبِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْكُتُبِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ فَهِيَ الْحَرِيَّةُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: رَأَيْت بِهَا مَا يَمْلَأُ الْعَيْنَ قُرَّةً ... وَيُسْلِي عَنْ الْأَوْطَانِ كُلَّ غَرِيبِ وَفِي وَقْتِ تَأْلِيفِي لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ اخْتَلَّتْ أَحْوَالُهَا بِسَبَبِ قِيَامِ الْحَرْبِ بَيْنَ سُلْطَانِنَا السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ نَصَرَهُ اللَّهُ وَبَيْنَ قرال الْمُوَسَّقِ خَذَلَهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَرْبٌ عَظِيمٌ، وَإِلَى الْآن هُوَ قَائِمٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْصُرَ حِزْبَ الْإِسْلَامِ وَيُدَمِّرَ الْكَفَرَةَ اللِّئَامَ بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ وَالْخُطُوبِ الْمُزْعِجَةِ الْمُشَوِّشَةِ لِلْأَفْكَارِ وَقَعَ مِنَّا فُتُورُ هِمَّةٍ بَعْدَ إتْمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ لِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْوَقْتِ لَنَا عَمَّا كُنَّا أَرَدْنَاهُ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى النَّسَقِ الْأَوَّلِ وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَاللُّطْفَ وَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَالَ: أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ ... فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ تَوَاطُؤِ إلَخْ) أَيْ جَوَازِ ذَلِكَ عَقْلًا وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَالْبُلْهِ) جَمْعُ أَبْلَهَ

كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ التَّابِعُ لَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْكَعْبِيِّ (بِتَوَقُّفِهِ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ حَاصِلَةٍ) عَنْ السَّامِعِ، وَهِيَ الْمُحَقِّقَةُ لِكَوْنِ الْخَبَرِ مُتَوَاتِرًا مِنْ كَوْنِهِ خَبَرَ جَمْعٍ وَكَوْنُهُمْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَكَوْنُهُ عَنْ مَحْسُوسٍ (لَا الِاحْتِيَاجُ إلَى النَّظَرِ عَقِيبَهُ) أَيْ عَقِيبَ سَمَاعِ الْمُتَوَاتِرِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى فِي أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا وَبِالضَّرُورِيِّ عَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ خِلَافَ مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ سَهْوًا أَوْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ عَقِيبُهُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَالْكَثِيرُ تَرْكُ الْيَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) عَنْ الْقَوْلِ بِوَاحِدٍ مِنْ الضَّرُورِيِّ وَالنَّظَرِيِّ أَوْ لِتَعَارُضِ دَلِيلَيْهِمَا السَّابِقَيْنِ مِنْ حُصُولِهِ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ وَتَوَقُّفُهُ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُحَقَّقَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا (ثُمَّ إنْ أَخْبَرُوا) أَيْ أَهْلُ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (عَنْ عِيَانٍ) بِأَنْ كَانُوا طَبَقَةً فَقَطْ (فَذَاكَ) وَاضِحٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ عِيَانٍ بِأَنْ كَانُوا طَبَقَاتٍ فَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ عِيَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ سَلِيمُ الصَّدْرِ أَوْ مَنْ لَا فِطْنَةَ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْمُنْتِجَةَ لِلْمَطْلُوبِ حَتَّى تُنَافِيَ الضَّرُورَةَ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَقَدْ كُنْت أَبْدَعَتْ لَهُ اصْطِلَاحًا، وَهُوَ أَنَّهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ لَكِنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا إلَى تَجَشُّمِ طَلَبٍ مِنْ النَّفْسِ بِالْحَرَكَةِ فِي الْمَبَادِئِ صَارَتْ كَالْمُقَدِّمَاتِ فِي قَضَايَا قِيَاسَاتِهَا مَعَهَا وَكَالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَكَانَ اللَّازِمُ بَاطِلًا، وَكَالْحُدُودِ الْوُسْطَى الْحَاصِلَةِ بِلَا حَرَكَةٍ دَفْعَةً عِنْد الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَطَالِبِ فِي الْحَدْسِيَّاتِ بِحَيْثُ تَتَمَثَّلُ الْمَطَالِبُ فِي الذِّهْنِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ شَوْقٌ أَوْ لَا وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ التَّصْدِيقَ عَنْ الضَّرُورِيَّةِ إلَى النَّظَرِيَّةِ بَلْ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحَرَكَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ إنِّي قَدْ ظَفِرْت بَعْدَ حِينٍ بِمَا نَقَلَ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ الْمُسْتَصْفَى لِلْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ الْحَاصِلَ بِالتَّوَاتُرِ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْسِيطِ وَاسِطَةٍ مُغْضِيَةٍ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْوَاسِطَةَ حَاضِرَةٌ فِي الذِّهْنِ وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ كَقَوْلِنَا: الْمَوْجُودُ لَا يَكُونُ مَعْدُومًا فَوَجَدْته مُشِيرًا إلَى تَقْرِيرِي الْمَذْكُورِ فَشَكَرْت اللَّهَ عَلَى مَا هَدَانِي إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَظَرًا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَخُصُّ الرَّازِيَّ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِإِفْرَادِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَجَعْلِهِ مَعَ مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ نَظَرِيٌّ (قَوْلُهُ: جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ) أَيْ الْعَامِّيَّةِ فَلَا يُنَافِي الْقِلَّةَ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) قَالَ سم: التَّوَقُّفُ مَعَ انْتِفَاءِ الْخِلَافِ فِي الْمَعْنَى وَانْتِفَاءِ مُنَافَاةِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ لِلْآخَرِ مُشْكِلٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَخْ إنْ أَرَادَ بِعَدَمِ النَّظَرِ إلَى عَدَمِ التَّنَافِي أَنَّهُ عَقِلَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ، وَإِنَّ الْبَعِيدَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ: عَنْ عِيَانٍ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُشَاهَدَ بَلْ الْمَحْسُوسُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ عَنْ مَحْسُوسٍ (قَوْلُهُ: فَذَاكَ وَاضِحٌ) أَيْ لِوُجُودِ كُلِّ الْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْ حَدِّ التَّوَاتُرِ الَّذِي قَدَّمَهُ

إلَّا الطَّبَقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ (فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُمْ جَمْعًا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ (فِي كُلِّ الطَّبَقَاتِ) أَيْ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ لِيُفِيدَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَلَا يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ. وَمِنْ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى قَدْ يَكُونُ آحَادًا فِيمَا بَعْدَهَا وَهَذَا مَحْمَلُ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّحِيحُ) مِنْ أَقْوَالٍ (ثَالِثُهَا إنْ عَلِمَهُ) أَيْ الْمُتَوَاتِرَ أَيْ الْحَاصِلَ مِنْهُ (لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ) فِي رِوَايَةٍ (مُتَّفِقٌ لِلسَّامِعِينَ) فَيَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ (وَلِلْقَرَائِنِ) الزَّائِدَةِ عَلَى أَقَلِّ الْعَدَدِ الصَّالِحِ لَهُ بِأَنْ تَكُونَ لَازِمَةً لَهُ مِنْ أَحْوَالِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ أَوْ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ أَوْ بِالْمُخْبِرِ بِهِ (قَدْ يَخْتَلِفُ فَيَحْصُلُ لِزَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو) مَثَلًا مِنْ السَّامِعِينَ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ قَدْ تَقُومُ عِنْدَ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، أَمَّا الْخَبَرُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ فَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَجِبُ حُصُولُ الْعِلْمِ مِنْهُ لِكُلٍّ مِنْ السَّامِعِينَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ مُطْلَقًا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَلِبَعْضِهِمْ فَقَطْ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْعِلْمُ لِبَعْضٍ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ كَالْقَرَائِنِ (وَ) الصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالٍ (أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وَفْقٍ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ إنْ أَخْبَرُوا عَنْ مَحْسُوسٍ لَهُمْ فَذَاكَ وَإِلَّا كَفَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرُوا كُلُّهُمْ عَنْ مَحْسُوسٍ لَهُمْ بِأَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ الطَّبَقَةُ الْأُولَى فَقَطْ كَفَى، وَحُصُولُ التَّوَاتُرِ إخْبَارُهَا عَنْ مَحْسُوسٍ لَهُمْ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ كَوْنِ كُلِّهِمْ جَمْعًا يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ اهـ. ز. (قَوْلُهُ: إلَّا الطَّبَقَةُ الْأُولَى) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِخْبَارِهَا عَنْ عِيَانٍ إخْبَارُهَا بِأَنَّهَا عَايَنَتْ الْحُكْمَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَكُلُّ طَبَقَةٍ مُعَايِنَةٌ لِمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: أَيْ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ إرَادَةِ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُلِّيَّةُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ أَيْ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ الْقَائِلِ بِقُرْآنِيَّتِهَا كَمَا مَرَّ صَدْرَ الْكِتَابِ، وَمَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهَا مِنْ حَيْثُ الْخَبَرِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْآحَادِ، وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ عَدَمُ قُرْآنِيَّتِهَا (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ثَالِثُهَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ فِي نُسْخَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا وَالصَّحِيحُ إنْ عَلِمَهُ (قَوْلُهُ: الصَّالِحُ لَهُ) أَيْ لِلْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَكَذَا الضَّمَائِرُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَكُونَ لَازِمَةً لَهُ) بَيَانٌ لِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَرَائِنَ (قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ) كَأَنْ تَكُونَ الرُّوَاةُ كُلُّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ وَهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمُخْبِرِ عَنْهُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ مُجَرَّدَ الصِّدْقِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمُخْبَرِ بِالْفَتْحِ بِأَنْ يَكُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى السَّامِعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا أَيْ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ فَيَخْتَلِفُ التَّوَاتُرُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا (قَوْلُهُ: بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ) كَالْعِلْمِ بِوُجُودِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا أَخْبَرَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَطْوِيَّيْنِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ بِقَرَائِنَ أَوْ بِكَثْرَةٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ) أَيْ الْعِلْمُ لِكُلِّ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالٍ) أَيْ ثَلَاثَةٍ (قَوْلُهُ: عَلَى وَفْقِ) بِتَثْلِيثِ الْوَاوِ مُوَافَقَةٍ أَيْ عَلَى مَعْنًى مُوَافِقٍ لِمَعْنَى خَبَرٍ كَمَا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُوَافِقِ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَهُ النَّبِيُّ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ) لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ صِدْقُ الْمَتْنِ أَوْ صِدْقُ سُنِّيَّتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ دَلَّ قَطْعًا عَلَى صِدْقِهِ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْإِجْمَاعِ لَهُ تَقْتَضِي صِدْقَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ، وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَالْإِجْمَاعُ لَا يُوصَفُ بِمُوَافَقَةِ النِّسْبَةِ أَوْ مُخَالَفَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْأَحْكَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِكَايَةَ وَالْمَحْكِيَّ لَمَّا كَانَا شَيْئًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمَتْنِ لَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ النِّسْبَةِ وَالْإِسْنَادِ فَالْمُرَادُ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ فِي الْحُكْمِ لَا يَدُلُّ

مُطْلَقًا (وَثَالِثُهَا يَدُلُّ إنْ تَلَقَّوْهُ) أَيْ الْمُجْمِعُونَ (بِالْقَبُولِ) بِأَنْ صَرَّحُوا بِالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا بِالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ فَلَا يَدُلُّ لِجَوَازِ اسْتِنَادِهِمْ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا اسْتَنْبَطُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَثَانِيهَا يَدُلُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورٍ مُسْتَنَدٍ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ دَلَالَةِ اسْتِنَادِهِمْ إلَيْهِ عَلَى صِدْقِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ صِدْقًا بِأَنْ كَانَ كَذِبًا لَكَانَ اسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ خَطَأً، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْهُ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ الْخَطَأَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا صِدْقَهُ، وَهُمْ إنَّمَا أُمِرُوا بِاسْتِنَادٍ إلَى مَا ظَنُّوا صِدْقَهُ فَاسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ: إنَّ ظَنَّهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ. (وَكَذَلِكَ بَقَاءُ خَبَرٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى إبْطَالِهِ) بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ ذَوُو الدَّوَاعِي مَعَ سَمَاعِهِمْ لَهُ آحَادًا لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ (خِلَافًا لِلزَّيْدِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالُوا: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ حِينَئِذٍ، قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِثَالُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنَّ دَوَاعِيَ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ سَمِعُوهُ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى إبْطَالِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا قِيلَ كَخِلَافَةِ هَارُونَ عَنْ مُوسَى بِقَوْلِهِ {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُبْطِلُوهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى صِدْقِ نِسْبَتِهِ إلَى النَّبِيِّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ صَرَّحُوا) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فَهُوَ بَيَانٌ لِسَبَبِ التَّلَقِّي بِالْقَبُولِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُمْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْعِلْمُ بِالتَّلَقِّي لَا نَفْسُ التَّلَقِّي الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّصْرِيحَ يَتَأَخَّرُ عَنْ التَّلَقِّي فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ؛ إذْ السَّبَبُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ مُسَبَّبِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا اسْتَنْبَطُوهُ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ لَا مُسْتَنْبِطٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الدَّلِيلَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَيْثُ وَجْهُ دَلَالَتِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ) وَأَمَّا حَيْثُ صَرَّحُوا بِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي اسْتِنَادِهِمْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ دَلَالَةِ اسْتِنَادِهِمْ) قَالَ الشِّهَابُ: هُوَ تَوْجِيهٌ لِلثَّانِي وَلِمَا تَضَمَّنَهُ الثَّالِثُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الِاسْتِنَادِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» أَيْ عَلَى أَمْرٍ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يُقَالُ فَالْإِجْمَاعُ حِينَئِذٍ ظَنِّيٌّ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ: يَجْزِمُوا بِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ بَلْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ إنَّمَا هُوَ قَطْعِيٌّ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقَةٍ ظَنٍّ؛ لِأَنَّ ظَنَّ الْمُجْمِعِينَ مَعْلُومٌ قَطْعًا، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي قَطْعِيَّةَ الْإِجْمَاعِ فِي الظَّاهِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ ظَنَّهُمْ إلَخْ) عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ أَيْ عَلَى خَطَأٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَقْصُودُ الشَّارِحِ الْإِشَارَةُ إلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِ الرَّاجِحِ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِسَنَدِ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظَنَّهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: بَقَاءُ خَبَرٍ) أَيْ بَقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ إبْطَالٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ: بَقَاءُ (قَوْلُهُ: أَنْتَ مِنِّي) أَيْ قُرْبُك مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ أَيْ فِي الْخِلَافَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا يَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: فَإِنَّ دَوَاعِيَ بَنِي أُمَيَّةَ) أَيْ شَهَوَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: لِدَلَالَتِهِ) الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ بِالْمَدِينَةِ لَمَّا ذَهَبَ إلَى الْغَزْوِ، وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَجْعَلُنِي بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» أَيْ حِينَ ذَهَبَ إلَى الْمُنَاجَاةِ وَخَلَفَهُ فِي قَوْمِهِ أَيْ فَلَيْسَ هَذَا بِنَقْصٍ فِي حَقِّك فَلَكَ أُسْوَةٌ بِهَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) قَائِلُهُ الشِّيعَةُ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى

(وَافْتِرَاقُ الْعُلَمَاءِ) فِي الْخَبَرِ (بَيْنَ مُؤَوِّلٍ) لَهُ (وَمُحْتَجٍّ) بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ (خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي قَوْلِهِمْ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالُوا: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ حِينَئِذٍ قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّيعَةَ قَدْ اسْتَدَلَّتْ عَلَى اسْتِحْقَاقِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَاطِبًا لِأَصْحَابِهِ سَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُخَاطِبًا لَهُ «أَنْتَ الْخَلِيفَةُ بَعْدِي» وَقَوْلُهُ: «مُبَشِّرًا إلَى عَلِيٍّ وَأَخَذَ بِيَدِهِ هَذَا خَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَقَدْ أَوْرَدَ جُمْلَةً مِنْهَا النَّصِيرُ الطُّوسِيُّ فِي مَبْحَثِ الْإِمَامَةِ مِنْ مَتْنِ التَّجْرِيدِ وَلَوَّثَ هَذَا الْمَبْحَثَ بِذِكْرِ مَطَاعِنَ فِي بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - عَلَى مَا هِيَ عَقِيدَةُ الرَّافِضَةِ وَالشِّيعَةِ وَقَدْ تَصَدَّى شُرَّاحُ ذَلِكَ الْمَتْنِ لِرَدِّهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا - جَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ الدِّينِ خَيْرًا - وَكُنْت رَأَيْت فِي بَعْضِ حَوَاشِي ذَلِكَ الْكِتَابِ نَقْلًا عَنْ شَارِحِهِ أَكْمَلِ الدِّينِ أَنَّ النَّصِيرَ مَاتَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَأَكْمَلَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيِّ وَوَضَعَ فِيهِ هَذِهِ الْمَطَاعِنَ، وَقَدْ كَانَ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ وَهَذَا اعْتِذَارٌ حَسَنٌ لَوْ تَمَّ فَإِنَّ الْمُؤَرِّخِينَ كُلَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الطُّوسِيَّ مِنْ أَكَابِرِ الشِّيعَةِ وَرُؤَسَائِهِمْ وَقَدْ قَرَّرَ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْقَوْسَجِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَتْنِ الْمُسَمَّى بِالشَّرْحِ الْجَدِيدِ حَاصِلَ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» قَالَ: إنَّ الْمَنْزِلَةَ اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَعَمَّ كَمَا إذَا عُرِّفَ بِاللَّامِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْهَا مَرْتَبَةَ النُّبُوَّةِ بَقِيَتْ عَامَّةً فِي بَاقِي الْمَنَازِلِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ خَلِيفَةً لَهُ وَمُتَوَالِيًا فِي تَدْبِيرِ الْأَمْرِ وَمُتَصَرِّفًا فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَرَئِيسًا مُفْتَرَضَ الطَّاعَةِ لَوْ عَاشَ بَعْدَهُ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ زَوَالُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ الثَّابِتَةِ فِي حَيَاةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِوَفَاتِهِ، وَإِنْ قَدْ صَرَّحَ بِنَفْيِ النُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ بَلْ هُوَ خَبَرُ آحَادٍ فِي مُقَابَلَةِ الْإِجْمَاعِ، وَيَمْنَعُ عُمُومَ الْمَنَازِلِ، بَلْ غَايَةُ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ إلَى الْعِلْمِ الْإِطْلَاقُ، وَرُبَّمَا يَدَّعِي كَوْنَهُ مَعْهُودًا مُعَيَّنًا كَغُلَامِ زَيْدٍ وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إخْرَاجًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْمَنْزِلَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: إلَّا النُّبُوَّةَ بَلْ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ كَيْفَ وَمِنْ الْمَنَازِلِ الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ، وَلَمْ تَثْبُتْ لِعَلِيٍّ وَأَجَابَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ عُمُومًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَطِيرِ يَعْنِي نَصْبَ الْإِمَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِعَامَّةِ الْخَلْقِ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْجَلِيَّةِ لَتَوَاتَرَ وَاشْتَهَرَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَوَافَقُوا فِي الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، وَلَمْ يَتَرَدَّدُوا حِين اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لِتَعْيِينِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، وَمَالَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَأُخْرَى إلَى الْعَبَّاسِ وَأُخْرَى إلَى عَلِيٍّ وَلَمْ يَتْرُكْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُحَاجَّةَ الْأَصْحَابِ وَمُخَاصَمَتَهُمْ وَادِّعَاءَ الْأَمْرِ لَهُ وَالتَّمَسُّكَ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ بَلْ قَامَ بِأَمْرِهِ وَطَلَبَ حَقَّهُ كَمَا قَامَ بِهِ حِينَ أَفَضْت النُّبُوَّةُ إلَيْهِ، وَقَاتَلَ حَتَّى أَفْنَى الْخَلْقَ الْكَثِيرَ مَعَ أَنَّ الْخَطْبَ إذْ ذَاكَ أَشَدُّ، وَفِي الْأَوَّلِ الْأَمْرُ سَهْلٌ، وَعَهْدُهُمْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَبُ وَهَمُّهُمْ فِي تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ أَرْغَبُ، وَكَيْفَ يَزْعُمُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُمْ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ وَذَخَائِرَهُمْ وَقَتَلُوا أَقَارِبَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فِي نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقِيَادِ أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ طَرِيقَتِهِ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفِنُوهُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ. (قَوْلُهُ: وَافْتِرَاقُ الْعُلَمَاءِ إلَخْ) لَعَلَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى الدَّوْرَانِ أَوْ الْمُتَرَدِّدِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَيْنَ أَيْ دَائِرَيْنِ أَوْ مُتَرَدِّدَيْنِ إلَخْ ثُمَّ إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مَفْرُوضٌ فِي تَوَافُرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ هَذَا (قَوْلُهُ: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ قَبُولَهُ، وَكَذَا تَأْوِيلُهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ إلَى تَأْوِيلِهِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: قَدْ يَكُونُ التَّأْوِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ كَمَا يَقَعُ لَهُمْ كَثِيرًا أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ الصِّحَّةَ ثُمَّ يَقُولُونَ وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كَذَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّأْوِيلُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لَا يَكُونُ عَادَةً إلَّا مَعَ اعْتِقَادِ الصِّحَّةِ اهـ. سم.

(وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ الْمُخْبِرَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ لَمْ يُكَذِّبُوهُ، وَلَا حَامِلَ عَلَى سُكُوتِهِمْ) عَنْ تَكْذِيبِهِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ (صَادِقٌ) فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ تَصْدِيقٌ لَهُ عَادَةً فَقَدْ اتَّفَقُوا، وَهُمْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ عَلَى خَبَرٍ عَنْ مَحْسُوسٍ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ فَيَكُونُ صِدْقًا قَطْعًا، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِمْ تَصْدِيقُهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ لَا لِشَيْءٍ (وَكَذَا الْمُخْبِرُ بِمِسْمَعٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بِمَكَانٍ يَسْمَعُهُ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقْرِيرِ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) عَلَى (الْكَذِبِ) لِلْمُخْبِرِ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ دِينِيًّا كَانَ أَوْ دُنْيَوِيًّا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى كَذِبٍ (خِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ) مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَدُلُّ سُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صِدْقِ الْمُخْبِرِ: أَمَّا فِي الدِّينِيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَهُ أَوْ أَخَّرَ بَيَانَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُخْبِرُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَوِيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ النَّبِيُّ يَعْلَمُ كَمَا فِي لِقَاحِ النَّخْلِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُخْبِرَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحُضُورِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ عَنْ مَحْسُوسٍ، وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْلَمُوهُ مِثْلَ خَبَرٍ غَرِيبٍ لَا تَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَفْرَادُ لَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَوْ كَانَ يَعْلَمُونَهُ، وَلَكِنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُون لِحَامِلٍ عَنْ السُّكُوتِ عَنْ تَكْذِيبِهِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَدُلُّ سُكُوتُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ أَيْضًا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَامِلَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: تَصْدِيقٌ لَهُ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِحَالِ الْمُخْبِرِ بِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ تَصْدِيقٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ أَنَّهُ صِدْقٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِظَنِّهِمْ صِدْقَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِدْقُهُ كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ وُجِدَ بِحَضْرَتِهِمْ ظَهَرَ أَنَّ سُكُوتَهُمْ تَصْدِيقٌ. وَأُجِيبَ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا أَخْبَرَ عَنْ مَحْسُوسٍ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِمْ (قَوْلُهُ: عَنْ مَحْسُوسٍ) أَيْ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِمْ عَادَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقْرِيرِ وَعَلَى الْكَذِبِ) هَذَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْكِتَابِ الثَّانِي مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ، وَأَنَّ سُكُوتَهُ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ إلَخْ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ فِي الْكَافِرِ الْمُعَانِدِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِيهِ الْإِنْكَارُ وَمَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: دِينِيًّا إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: بَيَّنَهُ) أَيْ سَابِقًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) تَنَازُعُهُ بَيَّنَهُ وَأَخَّرَ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَّرَ بَيَانَهُ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي إلْقَاحِ النَّخْلِ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ النَّبِيُّ حَالَ الدُّنْيَوِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثَالًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَا أَخْبَارَ هُنَا بِحَضْرَتِهِ (قَوْلُهُ: لَصَلُحَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَلَاحُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَوْ فِي ظَنِّيٍّ وَقَالَ بَعْضٌ إنَّهُ قَالَهُ فِي حَالِ اسْتِغْرَاقِهِ فِي شُهُودِ الْوَحْدَةِ

فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا: قُلْت كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» (وَقِيلَ: يَدُلُّ) عَلَى صِدْقِهِ (إنْ كَانَ) مُخْبِرًا (عَنْ) أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ) بِخِلَافِ الدِّينِيِّ فَلَا يَدُلُّ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَكْسُ هَذَا التَّفْصِيلِ بَدَلُهُ، وَتَوْجِيهُهُمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَأُجِيبَ فِي الدِّينِيِّ بِأَنَّ سَبْقَ الْبَيَانِ أَوْ تَأْخِيرَهُ لَا يُبِيحُ السُّكُوتَ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُنْكَرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إفْهَامِ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ وَتَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فِي الثَّانِي، وَفِي الدُّنْيَوِيِّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذِبًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْلِمُهُ اللَّهُ بِهِ عِصْمَةً لَهُ عَنْ أَنْ يُقِرَّ أَحَدًا عَلَى كَذِبٍ كَمَا أَعْلَمَهُ بِكَذِبِ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ لَهُ: نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ أَنَّ قُلُوبَهُمْ وَافَقَتْ أَلْسِنَتَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دِينِيًّا أَمَّا إذَا وُجِدَ حَامِلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّقْرِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِمَّنْ يُعَانِدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ الْإِنْكَارُ فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ عَلَى الصِّدْقِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَمَّا مَظْنُونُ الصِّدْقِ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ) وَاحِدًا كَانَ رَاوِيَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَفَادَ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ أَوْ لَا (وَمِنْهُ) حِينَئِذٍ (الْمُسْتَفِيضُ، وَهُوَ الشَّائِعُ عَنْ أَصْلٍ) فَخَرَجَ الشَّائِعُ لَا عَنْ أَصْلٍ (وَقَدْ يُسَمَّى) أَيْ الْمُسْتَفِيضُ (مَشْهُورًا وَأَقَلُّهُ) مِنْ حَيْثُ عَدَدُ رَاوِيهِ أَيْ أَقَلُّ عَدَدٍ رَوَى الْمُسْتَفِيضَ (اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ) الْأَوَّلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِفَاضَةُ اثْنَانِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُسْتَفِيضُ مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَخَرَجَ شِيصًا) أَيْ لَمْ يَشْتَدَّ نَوَاهُ قَوْلُهُ «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» أَيْ بِكَيْفِيَّةِ التَّلْقِيحِ (قَوْلُهُ عَكْسُ هَذَا التَّفْصِيلِ) ، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ إنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ لَا دُنْيَوِيٍّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ لَا يَعْلَمُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَتَوْجِيهُهُمَا) أَيْ التَّفْصِيلُ وَعَكْسُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَضَمَّنَهُ إلَخْ) بِوَاسِطَةِ التَّأْكِيدِ بِإِنْ وَاللَّامِ وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَدَفَعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ الشَّهَادَةُ إنْشَاءٌ، وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا وُجِدَ حَامِلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّقْرِيرِ) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا قُيِّدَ بِقَيْدَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِمَا وَبِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا، وَالْحَامِلُ عَلَى الْكَذِبِ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ مُبَاحًا كَأَنْ يَكُونَ لِلْإِصْلَاحِ أَوْ فِي إنْكَارِ وَدِيعَةٍ مِنْ ظَالِمٍ أَنَّ نَفْيَ الْحَامِلِ عَلَى التَّقْرِيرِ يُغْنِي عَنْ نَفْيِ الْحَامِلِ عَلَى الْكَذِبِ وَعَكْسَهُ؛ لِاسْتِلْزَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ثُمَّ هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ،. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ التَّقْرِيرَ لِحَامِلٍ عَلَيْهِ إذَا فُرِضَ وُقُوعُهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إلَّا التَّقْرِيرُ عَلَى الْجَائِزِ إذْ التَّقْرِيرُ عَلَى غَيْرِهِ ذَنْبٌ فَهَاهُنَا حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا: تَقْرِيرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالثَّانِي: دَلَالَةُ التَّقْرِيرِ. وَالْمُصَنِّفُ تَكَلَّمَ عَلَى الثَّانِي وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ لِعِلْمِ امْتِنَاعِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مَبْنِيًّا عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ التَّقْرِيرِ مَعَ امْتِنَاعِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ إلَّا إذَا أَفَادَ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: إلَى التَّوَاتُرِ) أَيْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ تَصْرِيحٌ بِتَسْمِيَةِ مَا وَرَاءَ نَحْوِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَفَادَ الْعِلْمَ) فَإِنْ قِيلَ إدْخَالُ هَذَا تَحْتَ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُنَافِي فَرْضَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَظْنُونُ الصِّدْقِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ الْمُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ مَظْنُونُ الصِّدْقِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْمُسْتَفِيضُ) تَعْرِيضٌ بِمَنْ جَعَلَهُ وَاسِطَةً (قَوْلُهُ: عَنْ أَصْلٍ) أَيْ عَنْ إمَامٍ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ عَدَدُ رَاوِيهِ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْأَقَلِّيَّةَ مِنْ حَيْثُ تَعَدُّدُ الرِّوَايَاتِ بِاخْتِلَافِ وُجُوهِهَا وَلَا يَدْفَعُ الْوَهْمُ صِيغَةَ التَّذْكِيرِ فِي اثْنَانِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ عَلَى الْخَبَرَيْنِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ) يَعْنِي بِهِ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ شَيْخَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجَمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي طَبَقَاتِهِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلِ قَوْلُ الْفَقِيهِ لَا قَوْلُ الْأُصُولِيِّ وَلِهَذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ كَالْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ اثْنَانِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ جَمِيعٍ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ إلَخْ) الْقَوْلُ

[مسألة خبر الواحد لا يفيد إلا بقرينة]

مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا بِقَرِينَةٍ) كَمَا فِي إخْبَارِ الرَّجُلِ بِمَوْتِ وَلَدِهِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَوْتِ مَعَ قَرِينَةِ الْبُكَاءِ، وَإِحْضَارِ الْكَفَنِ وَالنَّعْشِ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ لَا) يُفِيدُ (مُطْلَقًا) وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَرِينَةِ يُوجَدُ مَعَ الْإِغْمَاءِ (وَ) قَالَ الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يُفِيدُ مُطْلَقًا) بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} [النجم: 23] نَهْيٌ عَنْ اتِّبَاعِ غَيْرِ الْعِلْمِ وَذَمٌّ عَلَى اتِّبَاعِ الظَّنِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا الْمَطْلُوبُ فِيهِ الْعِلْمُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ كَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي الْفُرُوعِ (وَ) قَالَ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَابْنُ فُورَكٍ: يُفِيدُ الْمُسْتَفِيضُ) الَّذِي هُوَ مِنْهُ عِنْدَهُمَا (عِلْمًا نَظَرِيًّا) جَعَلَاهُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ الْمُفِيدِ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَالْآحَادِ الْمُفِيدِ لِلظَّنِّ، وَقَدْ مَثَّلَهُ الْأُسْتَاذُ بِمَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الْوَاحِدَ بِالْعَدْلِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالثَّلَاثَةِ غَرِيبٌ قَالَهُ الْكَمَالُ. [مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا بِقَرِينَةٍ] (قَوْلُهُ: كَمَا فِي إخْبَارِ الرَّجُلِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ آحَادٍ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ فَلَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ لَهُ جَمْعًا (قَوْلُهُ: مَعَ قَرِينَةِ الْبُكَاءِ إلَخْ) لَا يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ بِالْقَرَائِنِ لَا بِالْخَبَرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْلَا الْخَبَرُ لَجَوَّزْنَا مَوْتَ غَيْرِهِ وَتَنْظِيرُ الْعُبْرِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ التَّجْوِيزَ بَاقٍ مَعَ تَحَقُّقِ الْخَبَرِ أَيْضًا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ التَّجْوِيزَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الْعَادِي، وَلَا يُنَافِيهِ بَقَاءُ التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ (قَوْلُهُ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَرِينَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مُنَاقَشَةٌ فِي الْمِثَالِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا إبْطَالُ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُنَاقَشُ فِي غَيْرِهِ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ مُرَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ مِنْ الْآحَادِ وَخُصُوصًا عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ وَمُخَالَفَةِ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَهُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ. اهـ. سم. (قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ اتِّبَاعِ غَيْرِ الْعِلْمِ) وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا وَقَوْلُهُ وَذَمَّ عَلَى اتِّبَاعِ الظَّنِّ فَدَلَّ عَلَى حُرْمَتِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ النَّهْيَ وَالذَّمَّ فَهَذِهِ النُّصُوصُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْعُمُومَ، لَكِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِمَا يُطْلَبُ فِيهِ الْيَقِينُ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدْ الْعِلْمَ لَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ اتِّبَاعًا لِغَيْرِ الْمَعْلُومِ بَلْ لِلْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّوَاهِرِ، وَفِي شَرْحِ الْبُدَخْشِيِّ لِلْمِنْهَاجِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ مَعَ أَنَّ الْمَدْلُولَ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَاطِعٍ مَعَ أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْأَشْخَاصِ، وَلَا فِي الْأَزْمَانِ وَقَابِلٍ لِتَخْصِيصٍ وَلِغَيْرِهِ، مِثْلُ تَأْوِيلِ الْعِلْمِ بِمَا يَعُمُّ الظَّنَّ وَالْقَطْعَ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآحَادِ (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا) أَيْ دُونَهُمَا فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا وَاسِطَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرَ أَنَّهُ غَيْرُ آحَادٍ؛ لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا مِنْ الْآحَادِ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ (قَوْلُهُ: عِلْمًا نَظَرِيًّا) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ الْعِلْمِ الْمُسْتَفَادِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ فَالْمُسْتَفَادُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْقَرَائِنِ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ ضَرُورِيًّا وَتَارَةً يَكُونُ نَظَرِيًّا بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى تَرْتِيبٍ وَنَظَرٍ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِمَا يُتَّفَقُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ كَالْآمِدِيِّ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَدَرَ لَا عَنْ اتِّسَاعٍ لِلنَّظَرِ وَالتَّتَبُّعِ اهـ. كَمَالٌ

[مسألة العمل بخبر الواحد]

عَلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ يُفِيدُ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهِ عَلَى الْقَرِينَةِ، وَلَا عَلَى الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ عَلَى الثَّالِثِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا عَلَى الرَّابِعِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ حَيْثُ يُقَالُ يُفِيدُ الظَّنَّ. (مَسْأَلَةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ) أَيْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا يُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي، وَبِمَا يَشْهَدُ بِهِ الشَّاهِدُ بِشَرْطِهِ (إجْمَاعًا، وَكَذَا سَائِرَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ) أَيْ بَاقِيهَا يَجِبُ الْعَمَلُ فِيهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَالْإِخْبَارِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قِيلَ: سَمْعًا) لَا عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ إلَى الْقَبَائِلِ وَالنَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْثِهِمْ فَائِدَةٌ (وَقِيلَ: عَقْلًا) ، وَإِنْ دَلَّ السَّمْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ) الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ:، وَلَا عَلَى الثَّانِي) الْقَائِلِ أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ مُطْلَقًا، وَلَا بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا عَلَى الرَّابِعِ) التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ فَقَطْ لَا فِي الْإِجْمَاعِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) اُنْظُرْ وَجْهَ ظُهُورِهِ مَعَ أَنَّهُ عَوَّلَ فِيهِ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ لَا عِبْرَةَ بِالْقَرِينَةِ كَمَا أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمُتَوَاتِرِ الْكَثْرَةُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُفِيدُ الْعِلْمَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ فِي إفَادَةِ الظَّنِّ فَفِي إفَادَةِ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ أَوْلَى اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُقَالُ) أَيْ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: يُفِيدُ الظَّنَّ) بِأَنْ لَمْ تَقُمْ مَعَهُ قَرِينَةٌ. [مَسْأَلَة الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ] (قَوْلُهُ: يَجِبُ الْعَمَلُ إلَخْ) تَبِعَ فِي التَّعْبِيرِ بِالْوُجُوبِ صَاحِبَ الْحَاصِلِ، وَفِي مَحْصُولِ الْإِمَامِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ دُونَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ الْخُصُومُ بِأَسْرِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ كَمَا فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ وَالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ اهـ. نَقَلَهُ الْبُدَخْشِيُّ (قَوْلُهُ: فِي الْفَتْوَى) مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ وَارِدًا فِي الْفَتْوَى وَلَيْسَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُفْتِي يَعْمَلُ بِخَبَرِ الْآحَادِ فِي فَتْوَاهُ، وَفِي الشَّهَادَةِ كَذَا قَالَ النَّاصِرُ وَبَحَثَ مَعَهُ سم بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعْنَى عَمَلِهِ بِهِ فِي الْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي فَتْوَاهُ عَمِلَ بِهِ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَمِثْلُ الْفَتْوَى الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى وَزِيَادَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِمَا يَشْهَدُ بِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَا عَدَا الْمُتَوَاتِرِ إذْ لَا يَخْفَى فِي الشَّهَادَةِ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ) أَيْ مِنْ عَدَالَةٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ:، وَكَذَا سَائِرُ) أَيْ الْمَذْكُورُ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ كَهَذَيْنِ أَيْ الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: وَبِتَنَجُّسِ الْمَاءِ) ، وَلَوْ خَالَفَهُ مَذْهَبًا أَنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا (قَوْلُهُ: سَمْعًا لَا عَقْلًا) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ سَمْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فَلَوْلَا أَنَّهُ إلَخْ اسْتِدْلَالٌ عَقْلِيٌّ فَيَكُونُ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ هُنَا مُقَوًّى بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَقَوْلُهُ لَا عَقْلًا أَيْ لَا عَقْلًا صِرْفًا وَأَوْرَدَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْبَعْثِ مُصَادَرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ بِهِ إخْبَارُ آحَادٍ أَيْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاصِيلَ الْوَارِدَةَ بِبَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآحَادُ، وَإِنْ كَانَتْ آحَادًا فَجُمْلَتُهَا تُفِيدُ التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ كَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى شَجَاعَةِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُجُودِ حَاتِمٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ إلَخْ) إشَارَةً إلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ اسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضَ التَّالِي، وَتَقْرِيرَهُ هَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَمَا بَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآحَادَ لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ لَكِنَّهُ بَعَثَهُمْ لِذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْثِهِمْ فَائِدَةٌ إشَارَةٌ إلَى دَلِيلِ الشَّرْطِيَّةِ وَقَوْلُهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ إشَارَةٌ إلَى دَلِيلِ الِاسْتِثْنَائِيَّة وَيَتَوَجَّهُ عَلَى دَلِيلِ الشَّرْطِيَّةِ مَنْعُ لُزُومِ الْعَبَثِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ انْتِفَاءُ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الْعَمَلُ، وَلَمْ يَجِبْ حَصَلَتْ الْفَائِدَةُ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ دَلَّ السَّمْعُ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقُولُ الدَّلَالَةَ سَمْعًا وَعَقْلًا مَعًا، وَإِنْ كَانَ السَّمْعُ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِالْعَقْلِ فَقَطْ إلَّا الْمُعْتَزِلَةُ الْمُحَكِّمُونَ لَهُ وَفِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةَ

أَيْضًا أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ لَتَعَطَّلَتْ وَقَائِعُ الْأَحْكَامِ الْمَرْوِيَّةِ بِالْآحَادِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجِّحْ الْأَوَّلَ كَمَا رَجَّحَهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِي مَنْقُولٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْقَفَّالِ وَابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ كَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ (وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّمْعِ أَيْ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَالْبَصْرِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا دَلَّ السَّمْعُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ) يَعْنِي أَنَّ عَقْلًا تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ قِيلَ سَمْعًا، وَلَوْ قَدَّمَهُ ثَمَّ كَانَ أَوْلَى اهـ. زَكَرِيَّا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ سَمْعًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لَا شَيْءٌ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ الْقُوَّةُ الْمُدْرِكَةُ وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ أَمْرٌ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ إلَخْ) فِي دَلِيلٍ اسْتِثْنَائِيٍّ لَا يَخْفَى تَقْرِيرُهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ اجْتِنَابُ الْمَضَارِّ إجْمَالًا قَطْعًا وَجَبَ تَفَاصِيلُ مِثْلُ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي مَضَرَّةِ أَكْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَفِي انْكِسَارِ جِدَارٍ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ لَا يُقَامُ تَحْتَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قَطْعًا، وَمَضْمُونُ خَبَرِ الْوَاحِدِ تَفْصِيلٌ لَهُ وَالْخَبَرُ يُفِيدُ الظَّنَّ بِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَقْلًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَقْطُوعِ الْأَصْلِ وَاجِبٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَتَعَطَّلَتْ) أَيْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَاحَظَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّ أَكْثَرَ مُلَاحَظَاتِهِ الْوُجُوبُ فَلَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ التَّعْطِيلُ لِوُجُودِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجِّحْ الْأَوَّلَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ بَلْ تَرَدَّدَ فِي صِحَّتِهِ النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالِ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْقَفَّالَ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مُعْتَزِلِيًّا فَلَعَلَّهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقْتَ اعْتِزَالِهِ وَابْنُ سُرَيْجٍ كَانَ يُنَاظِرُ دَاوُد فَلَعَلَّهُ بَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فَتُوُهِّمَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ اهـ. كَمَا أَقُولُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَفَّالِ وَذَكَرْنَا بَعْضَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَقَلَ بَعْضَ مُنَاظَرَاتٍ وَقَعَتْ بَيْنَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَدَاوُد هِيَ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ فَمَنْ لَهُ هِمَّةٌ فَلْيَرْجِعْ إلَى الطَّبَقَاتِ فَإِنَّهُ كِتَابٌ جَامِعٌ لِمَحَاسِنِ فُقَهَائِنَا الشَّافِعِيَّةِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ - (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ) مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ كَمَا رَجَّحَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مُطْلَقًا صَادِقٌ هُوَ وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ بَعْدَهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَبِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ وَأَدِلَّتُهَا الْمَذْكُورَةُ تَنْطَبِقُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَالدَّلِيلُ أَخُصُّ مِنْ الْمُدَّعَى فَلَوْ قَالَ: وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا لَوَفَّى بِالْمُرَادِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَقَالَ النَّاصِرُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ لَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ سِيَاقِ أَدِلَّتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ لِمُقَابَلَةِ مَا قَبْلَهُ (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ خِلَافًا لِأَئِمَّتِنَا فِي الِاعْتِدَادِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ قَالَ نَاقِلًا عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ: الْمُحَقِّقُونَ لَا يُقِيمُونَ لِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ وَزْنًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنِّي لَا أَعُدُّهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا أُبَالِي بِخِلَافِهِمْ، وَلَا وِفَاقِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا وَجْهٌ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ

لَا يَجِبُ) الْعَمَلُ بِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ إنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ، وَقَدْ نَهَى عَنْ اتِّبَاعِهِ وَذَمَّ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} [النجم: 23] ، قُلْنَا: تَقَدَّمَ جَوَابُ ذَلِكَ قَرِيبًا (وَ) قَالَ (الْكَرْخِيُّ) : لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِي الْحُدُودِ) ؛ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ لِحَدِيثِ مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، وَاحْتِمَالُ الْكَذِبِ فِي الْآحَادِ شُبْهَةٌ.، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ شُبْهَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الشَّهَادَةِ أَيْضًا (وَ) قَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ) بِخِلَافِ ثَوَانِيهَا حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ فَقَبِلُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي النِّصَابِ الزَّائِدِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ، وَلَمْ يَقْبَلُوهُ فِي ابْتِدَاءِ نِصَابِ الْفِصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ يَعْنِي فِيمَا إذَا مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَتَمَّ حَوْلُهَا عَلَى الْأَوْلَادِ فَلَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ فِي الْأَوْلَادِ مَعَ شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ عَدُّهُمْ عُلَمَاءَ وَاعْتِبَارُ قَوْلِهِمْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَا عَدَاهُ مُسْتَنْكَرٌ فَفِي الْقَوْمِ جِبَالُ عُلُومٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ) أَيْ فِي غَيْرِ مَا سَبَقَ إذْ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا سَبَقَ إجْمَاعٌ فَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي أَيْ لَا عَنْ السَّابِقِ أَيْضًا حَتَّى يَمْتَنِعَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا الْمَطْلُوبُ فِيهِ الْعِلْمُ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ لَك أَنْ تَقُولَ: هُوَ مُسْتَدْرَكٌ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: فِي الْحُدُودِ) كَأَنْ رَوَى شَخْصٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ زَنَى حُدَّ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثٍ مُسْنَدٍ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي أَوْ مِنْ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ شُبْهَةٌ) ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ خَبَرِ الْعَدْلِ لِلْكَذِبِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الشَّهَادَةِ) مَعَ أَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا فِيهَا كَالْإِفْتَاءِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ مَقْصِدٌ وَهِيَ وَسِيلَةٌ وَالْوَسَائِلُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ (قَوْلُهُ: فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ) هُوَ أَوَّلُ مِقْدَارٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالنُّصُبُ جَمْعُ نِصَابٍ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَثَوَانِيهَا هِيَ مَا زَادَ عَلَى أَوَّلِ مِقْدَارٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَرْضًا أَوْ وَقْصًا، وَالْوَقْصُ مَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ (قَوْلُهُ: عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ نِصَابًا بَلْ أَوْجَبَهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ) يَعْنِي فَيُغْتَفَرُ فِيهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ (قَوْلُهُ: وَالْعَجَاجِيلُ) جَمْعُ عُجُولٍ أَوْ جَمْعُ عِجْلٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ فَعَالِيلَ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِلثَّلَاثِي، وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ وَالْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ، وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِيمَا إذَا مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ غَيْرَهُمَا كَالْغَنَمِ كَذَلِكَ لِاقْتِصَارِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ عَلَى الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ إذْ لَا يُطْلَقَانِ عَلَى أَوْلَادِ الْغَنَمِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: مَعَ شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهَا)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخِيرُ قَالَ: لِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا عَلَى السِّنِّ الْوَاجِبِ، وَقَالَ أَوَّلًا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَثَانِيًا يُؤْخَذُ مِنْهَا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا عَمِلَ الْأَكْثَرُ) فِيهِ (بِخِلَافِهِ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِخِلَافِهِ حُجَّةٍ مُقَدَّمَةٍ عَلَيْهِ كَعَمَلِ الْكُلِّ، قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ (وَ) قَالَتْ (الْمَالِكِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا عَمِلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) فِيهِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ كَقَوْلِهِمْ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ حُجِّيَّةَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَفَتْ الْمَالِكِيَّةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ الثَّابِتَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ (وَ) قَالَتْ (الْحَنَفِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) بِأَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ كَحَدِيثِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» صَحَّحَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ فَتَقْضِي الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ تَوَاتُرًا لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِالْآحَادِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «أَنَسٍ حَيْثُ كَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ» الْحَدِيثَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ:، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخِيرُ) قَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: يَلْزَمُ الْإِجْحَافُ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ إذًا يَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ هَلْ تُؤْخَذُ الصِّغَارُ عَنْ الْكِبَارِ فَقَالَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ إخْلَاءَ الْمَالِ عَنْ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا إلَخْ) وَلِأَنَّ خَبَرَ الْآحَادِ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ فَمَا ذَكَرَهُ زَائِدٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ ذَكَرَهُ لِإِفَادَةِ نَفْيِ الزَّكَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: عَلَى السِّنِّ الْوَاجِبِ) كَبِنْتِ الْمَخَاضِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تَجْرِي فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الشَّاةُ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَوَّلًا إلَخْ) فَتَحَصَّلَ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَوَّلَهَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَوْلَادِ وَيَجِبُ تَحْصِيلُ السِّنِّ الْوَاجِبِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِهَا وَثَانِيهَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَيُؤْخَذُ الْمُخْرَجُ عَنْهَا مِنْهَا وَثَالِثُهَا، وَهُوَ آخِرُهَا نَفْيُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا أَيْ فِي فِعْلٍ عَمِلَ الْأَكْثَرُ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِخِلَافِهِ أَيْ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: كَعَمَلِ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ) فَإِنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ (قَوْلُهُ: بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَدُوا بِالصَّحَابَةِ بَلْ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ نَحْوِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِهَا كَذَلِكَ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ حُجِّيَّةَ ذَلِكَ) هُوَ مَنْعٌ وَمَعْنَاهُ طَلَبُ الدَّلِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ الدَّلِيلُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُلَازَمَتِهِمْ لَهُ لِآخِرِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ لَهُ اتِّبَاعًا، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ النَّاسُ الدِّينَ عَنْهُمْ فَلَا يُخَالِفُوا الْخَبَرَ إلَّا لِأَمْرٍ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِخِلَافِهِ مِنْ تَأْوِيلٍ أَوْ نَسْخٍ (قَوْلُهُ: لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ) إمَّا لِنَسْخِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ: فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) مَا وَاقِعُهُ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَهُ عَائِدٌ عَلَى مَا، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافَانِ مَحْذُوفَانِ أَيْ فِي حُكْمِ مَا تَعُمُّ أَيْ حُكْمُ خَبَرٍ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِمَضْمُونِهِ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى تَعُمُّ بِنَفْسِ الْخَبَرِ فَالْمَضْمُونُ مَسُّ الذَّكَرِ فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مُتَعَلَّقِهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: بِنَقْلِهِ تَوَاتُرًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَاتُرِ مَا يَعُمُّ الْمُشْتَهِرَ، وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى مَا نَقْلِهِ وَلَيْسَ مُتَوَاتِرًا

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ قَضَاءَ الْعَادَةِ بِذَلِكَ أَوْ (خَالَفَهُ رَاوِيهِ) فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَهُ لِدَلِيلٍ، قُلْنَا فِي ظَنِّهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا كَمَا سَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ «أَمَرَ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ اتِّفَاقًا (أَوْ عَارَضَ الْقِيَاسَ) يَعْنِي، وَلَمْ يَكُنْ رَاوِيهِ فَقِيهًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَيُقْبَلُ مَنْ لَيْسَ فَقِيهًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُرَجِّحُ احْتِمَالَ الْكَذِبِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (فِي مُعَارِضِ الْقِيَاسِ) أَنَّهُ (إنْ عُرِفَتْ الْعِلَّةُ) فِي الْأَصْلِ (بِنَصٍّ رَاجِحٍ) فِي الدَّلَالَةِ (عَلَى الْخَبَرِ) الْمُعَارِضِ لِلْقِيَاسِ (وَوُجِدَتْ قَطْعًا فِي الْفَرْعِ لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ الْخَبَرُ الْمُعَارِضُ لِرُجْحَانِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (أَوْ ظَنًّا فَالْوَقْفُ) عَنْ الْقَوْلِ بِقَبُولِ الْخَبَرِ أَوْ عَدَمِ قَبُولِهِ لِتَسَاوِي الْخَبَرِ، وَالْقِيَاسِ حِينَئِذٍ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ رَاجِحٍ بِأَنْ عُرِفَتْ بِاسْتِنْبَاطٍ أَوْ نَصٍّ مُسَاوٍ أَوْ مَرْجُوحٍ (قَبْلَ) أَيْ الْخَبَرِ مِثَالُ الْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لِلْقِيَاسِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ:، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ قَضَاءَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْوَهَنِ مَعَ فَرْضِ عُمُومِ الْبَلْوَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَالَ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) فَالتَّمْثِيلُ السَّابِقُ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ) أَيْ فِيمَا يَأْتِي يُقَيِّدُ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ لَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْفَقِيهِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ غَيْرِ الْفَقِيهِ مَعْنًى، وَالْوَاقِعُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَجَعْلِ مَفْهُومِ مَا يَأْتِي قَرِينَةَ ذَلِكَ الْحَمْلِ حَتَّى يَنْدَفِعَ عَنْ الْمُصَنِّفِ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا التَّقْيِيدَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ بِلَا قَرِينَةٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ عَارَضَ الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا وَثَانِيهَا) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَمَل بِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: لِرُجْحَانِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لِاعْتِضَادِ الْقِيَاسِ بِالْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا مِنْ الشَّرْعِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ لَا يُعَارِضُ الْمَعْلُومَ وَتَمَسَّكَتْ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ اعْتِبَارَ الْأُصُولِ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَأَجَابُوا عَنْ تَقْدِيمِ الْحَنَفِيَّةِ الْقِيَاسَ لِلْقَطْعِ بِالْأُصُولِ وَكَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَظْنُونًا بِأَنَّ تَنَاوُلَ الْأَصْلِ لِمَحَلِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ مَحَلِّ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: لِتَسَاوِي الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ) ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لِكَوْنِهِ آحَادًا يُفِيدُ ظَنَّ ثُبُوتِ حُكْمِهِ وَالْقِيَاسَ لِكَوْنِ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِيهِ مَظْنُونًا يُفِيدُ الظَّنَّ بِثُبُوتِ حُكْمِهِ وَالدَّلِيلُ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ لَا ثُبُوتُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ الْعِلَّةُ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْفَرْعِ قَطْعًا إذْ لَا أَثَرَ لِلْقَطْعِ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ مَعَ عَدَمِ رُجْحَانِ نَصِّهَا (قَوْلُهُ: أَوْ نَصٍّ مُسَاوٍ) قَدْ يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ التَّسَاوِي وَإِذَا قَطَعَ بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ فَيَكُونُ مِنْ مَحَلِّ الْوَقْفِ لَكِنْ قَدْ يَتَرَجَّحُ الْخَبَرُ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الْوَسَائِطِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْقِيَاسِ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: قُبِلَ) أَيْ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْخَبَرِ لَيْسَتْ بِوَاسِطَةِ قِيَاسٍ بَلْ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ

«لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ، وَلَا الْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَرَدُّ التَّمْرِ بَدَلَ اللَّبَنِ، مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ التَّالِفُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَتُصَرُّوا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مِنْ صَرَّى، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ مِنْ صَرَّ (وَ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ (الْجُبَّائِيُّ: لَا بُدَّ) فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (مِنْ اثْنَيْنِ) يَرْوِيَانِهِ (أَوْ اعْتِضَادٍ) لَهُ فِيمَا إذَا كَانَ رَاوِيهِ وَاحِدًا كَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ يَنْتَشِرَ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ، وَقَالَ: هَلْ مَعَك غَيْرُك؟ فَوَافَقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ، وَقَالَ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَوَافَقَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْ فَقَبِلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَقُومُ مَقَامَ التَّعَدُّدِ الِاعْتِضَادُ، قُلْنَا: طَلَبُ التَّعَدُّدِ لَيْسَ لِعَدَمِ قَبُولِ الْوَاحِدِ بَلْ لِلتَّثَبُّتِ كَمَا قَالَ عُمَرُ فِي خَبَرِ الِاسْتِئْذَانِ: إنَّمَا سَمِعْت شَيْئًا فَأَحْبَبْت أَنْ أَتَثَبَّتَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَ) قَالَ (عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا) فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ مَا دُونَهَا فِيهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَحُكِيَ هَذَا فِي الْمَحْصُولِ عَنْ حِكَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَسَقَطَ مِنْهُ هُنَا لَفْظَةٌ عَنْهُ، وَهُوَ إمَّا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ نَقْلِ الِاثْنَيْنِ عَنْهُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ أَوْ حِكَايَةُ قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُ فِي خَبَرِ الزِّنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا تُصَرُّوا) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ وَعَلَامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ وَالْوَاوُ فَاعِلٌ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ تُصَرُّوا انْتَقَلَتْ ضَمَّةُ الْيَاءِ إلَى مَا قَبْلَهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالْفِعْلُ الْمَاضِي عَلَى هَذَا صَرَّى وَأَصْلُهُ صَرَّرَ بِثَلَاثِ رَاءَاتٍ قُلِبَتْ الرَّاءُ الْأَخِيرَةُ يَاءً لِكَثْرَةِ الْأَمْثَالِ فَصَارَ صَرَّى فَتَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَ صَرَّى وَقَلْبُ الرَّاءِ يَاءً مَعْهُودٌ كَمَا قَالُوهُ فِي قِيرَاطٍ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ قِرَاطٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهِ عَلَى قَرَارِيطَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ الْيَاءُ أَصْلِيَّةً فِي قِيرَاطٍ لَقِيلَ: فِي الْجَمْعِ قَيَارِيطُ لَا قَرَارِيطُ وَبِدَلِيلِ تَصْغِيرِهِ عَلَى قُرَيْرِيطٍ، وَإِلَّا لَقِيلَ: قُيَيْرِيطٌ (قَوْلُهُ: فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ النَّهْيِ (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ) وَأَيْضًا الضَّمَانُ هُنَا قُدِّرَ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّاعُ مُطْلَقًا فَخَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ فِي اخْتِلَافِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا وَلِأَنَّ اللَّبَنَ التَّالِفَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْمَبِيعِ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ التَّالِفُ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا فَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ مُنِعَ الرَّدُّ وَمَا كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، وَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ التَّمْرَ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ مُتْلَفٍ لِوُجُوبِهِ مَعَ قِيَامِ أَيْ وُجُودِ عَيْنِ اللَّبَنِ فَالْمِثَالُ غَيْرُ مُطَابِقٍ اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ سم بِأَنَّ الَّذِي قَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالشَّارِحُ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الصَّاعِ إذَا تَلِفَ اللَّبَنُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتْلَفْ إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِرَدِّ اللَّبَنِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ اللَّبَنَ يَحْلُبُهُ كَالتَّالِفِ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ بِالْحَلْبِ فَهُوَ تَالِفٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ تَلَفَ الصِّفَةِ كَتَلَفِ الذَّاتِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا، وَحُكْمُ التَّالِفِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا رَدُّ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا فَإِيجَابُ التَّمْرِ فِي الْحَالَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ مُطَابِقٌ لِلْمُدَّعَى (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ) أَيْ فِي الضَّبْطِ بِوَزْنِ تُرَدُّوا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ) أَيْ غَيْرَ رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى رَاوِي حَدِيثَ الِاسْتِئْذَانِ رَجَعَ لَمَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ عُمَرُ فَرُوِيَ لَهُ الْحَدِيثُ فَطُلِبَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ اهـ. نَاصِرٌ (قَوْلُهُ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ) أَيْ تَمَامَ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: طَلَبُ التَّعَدُّدِ) أَيْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (قَوْلُهُ: بَلْ لِلتَّثَبُّتِ) فَقَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ أَبِي مُوسَى مَمْنُوعٌ فَإِنَّ طَلَبَ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّثَبُّتِ وَتَقْوِيَةِ الظَّنِّ (قَوْلُهُ: فِي الزِّنَا) أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ (قَوْلُهُ: كَالشَّهَادَةِ) فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ (قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحِكَايَةِ وَذَكَرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحِكَايَةَ نَقْلٌ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ أَيْ مَا فِي الْمَحْصُولِ إمَّا تَقْيِيدٌ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُقَيِّدُ الْإِطْلَاقَ بِغَيْرِ الزِّنَا أَمَّا الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالثَّانِي لَا يُقَيِّدُ الْإِطْلَاقَ بَلْ يَقُولُ حُكِيَ عَنْهُ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا.

(مَسْأَلَةُ الْمُخْتَارِ وِفَاقًا لِلسَّمْعَانِيِّ وَخِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ) كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا (أَنَّ تَكْذِيبَ الْأَصْلِ الْفَرْعَ) فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ كَأَنْ قَالَ مَا رَوَيْت لَهُ هَذَا (لَا يُسْقِطُ الْمَرْوِيَّ) عَنْ الْقَبُولِ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لَهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِلْفَرْعِ فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ) أَيْ فِي رِوَايَةِ مَا رَوَاهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ فِي الرِّوَايَةِ لَا فِي الْمَرْوِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَانَ قَالَ مَا رَوَيْت لَهُ هَذَا (قَوْلُهُ: لَا يُسْقِطُ الْمَرْوِيَّ) أَيْ الْعَمَلَ بِهِ، وَتُقْبَلُ رِوَايَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ (قَوْلُهُ: عَنْ الْقَبُولِ) أَيْ دَرَجَةِ الْقَبُولِ، وَفِي جَوَازِ اسْتِنَادِ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ بَعْدَ التَّكْذِيبِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ لِاحْتِمَالِ النِّسْيَانِ (قَوْلُهُ: نِسْيَانُ الْأَصْلِ لَهُ) أَيْ الرِّوَايَةِ مَا رَوَاهُ قَالَ النَّاصِرُ الْقَبُولُ مَنُوطٌ بِظَنِّ الصِّدْقِ لَا بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِهِ وَلَا ظَنَّ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَسَاوِيَةِ فَلَا قَبُولَ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدُ مِنْ السُّقُوطِ اتِّفَاقًا هُوَ الْوَجْهُ إذْ الْقَبُولُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الصِّدْقِ، وَالسُّقُوطُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الظَّنِّ لَا عَلَى ظَنِّ نَفْيِ الصِّدْقِ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَالْحُكْمِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ شَرْعًا لِلَّذِينَ هُمَا الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْعَدَالَةُ وَالْجَرْحُ بِحَسَبِ مَا ذَكَرَهُ فَكَلَامُ الشَّيْخِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْرِيعُ نَفْيِ الْجَرْحِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَفْرِيعُ نَفْيِ الْجَرْحِ فِي الظَّاهِرِ وَالْحُكْمِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَى احْتِمَالِ السَّهْوِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ السَّهْوِ فِي الْوَاقِعِ بِخِلَافِ انْتِفَاءِ الْجَرْحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ اهـ. بِتَصَرُّفٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْعِلَّةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي

بِتَكْذِيبِهِ لِلْآخَرِ مَجْرُوحًا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا، وَهُوَ أَنَّ تَكْذِيبَ الْأَصْلِ الْفَرْعَ لَا يُسْقِطُ الْمَرْوِيَّ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَقُولُ (لَوْ اجْتَمَعَا فِي شَهَادَةٍ لَمْ تُرَدَّ) وَوَجْهُ الْإِسْقَاطِ الَّذِي نَفَى الْآمِدِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ، وَلَا بُدَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَرْعُ فَلَا يَثْبُتُ مَرْوِيُّهُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا فِي قَضِيَّةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ وَالْكَذِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرٍ إنَّمَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ إذَا كَانَ عَمْدًا، وَلَوْ اسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا بَنَاهُ عَلَيْهِ لَسَلِمَ مِنْ دَعْوَى التَّنَافِي بَيْنَ الْمَبْنِيِّ وَالثَّانِي الَّتِي أَفْهَمَهُمَا بِنَاؤُهُ. (وَإِنْ شَكَّ) الْأَصْلُ فِي أَنَّهُ رَوَاهُ لِلْفَرْعِ (أَوْ ظَنَّ) أَنَّهُ مَا رَوَاهُ لَهُ (وَالْفَرْعُ) الْعَدْلُ (جَازِمٌ) بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ (فَأَوْلَى الْقَبُولُ) لِلْخَبَرِ مِمَّا جَزَمَ فِيهِ الْأَصْلُ بِالنَّفْيِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبُولِ (الْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ احْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ الْقِيَاسُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ. وَأُجِيبَ الْفَرْقُ بِأَنَّ بَابَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقُ إذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَغَيْرُهُمَا، وَلَوْ ظَنَّ الْفَرْعُ الرِّوَايَةَ وَجَزَمَ الْأَصْلُ بِنَفْيِهَا أَوْ ظَنَّهُ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ فِي الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الرَّدُّ، وَفِي الثَّانِي تَعَارَضَا، وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ وَالْأَشْبَهُ الْقَبُولُ. (وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ) فِيمَا رَوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسُقُوطِ مَرْوِيِّ الْفَرْعِ فَكَانَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ فَلَا يَكُونُ الْفَرْعُ بِتَكْذِيبِ الْأَصْلِ لَهُ مَجْرُوحًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَكْذِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ تَكْذِيبُ الْفَرْعِ لَهُ (قَوْلُهُ: بِتَكْذِيبِهِ لِلْآخَرِ) صَوَابُ الْعِبَارَةِ بِتَكْذِيبِ الْآخَرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ بِتَكْذِيبِ الْغَيْرِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْإِسْقَاطِ) أَيْ عِلَّتُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْوَجْهِ؛ لِأَنَّهَا الْمَنْظُورُ إلَيْهَا قَصْدًا كَمَا يُنْظَرُ إلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ (قَوْلُهُ: أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ) أَيْ سَاهٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي إذَا كَانَ عَمْدًا (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَرْعَ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَصْلَ فَيَثْبُتُ مَرْوِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مَا رَوَيْتُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِي هَذَا) أَيْ سُقُوطُ الْفَرْعِ وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا كَاذِبًا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ: يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ) أَيْ فِي نَفْسِهِ لِعَدَالَتِهِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ) أَيْ الرِّوَايَةُ عَنْ الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ أَيْ التَّكْذِيبُ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ أَيْ التَّكْذِيبُ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرٍ) ، وَهُوَ تَقْدِيرُ كَذِبِ الْفَرْعِ إذْ عَلَى احْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لَا كَذِبَ أَصْلًا (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ عَمْدًا) أَيْ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْغَرَضُ إنْ كَانَ مِنْهُمَا عَدْلٌ، وَهُوَ لَا يَعْتَمِدُ الْكَذِبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ:، وَلَوْ اسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ اسْتَدَلَّ كَأَنْ يَقُولَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَا إلَخْ أَوْ يَقُولَ يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا إلَخْ (قَوْلُهُ: بِمَا بَنَاهُ) ، وَهُوَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمَبْنِيِّ) أَيْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَوْلِهِ وَالثَّانِي أَيْ الْقَوْلُ بِالْإِسْقَاطِ الْمُقَابِلُ لِلْمُخْتَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: الَّتِي أَفْهَمَهَا) صِفَةُ الدَّعْوَى وَضَمِيرُ أَفْهَمَهَا يَعُودُ لَهَا. (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ) أَيْ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ: الْقِيَاسُ) أَيْ هُنَا (قَوْلُهُ: فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ) أَيْ عَلَى نَظِيرِهِ كَمَا لَوْ قِيلَ: شَهِدَ فُلَانٌ بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ فَالشَّاهِدُ بِكَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَالشَّاهِدُ عَلَى الشَّهَادَةِ هُوَ الْفَرْعُ فَإِذَا قَالَ الْأَصْلُ لَمْ أُشْهِدْكَ بِكَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ:، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ) أَيْ وَشَرْطُ الْقِيَاسِ مُسَاوَاةُ الْفَرْعِ الْأَصْلَ أَوْ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فِي الْأَوَّلِ) أَيْ جَزَمَ الْأَصْلُ بِالنَّفْيِ (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ الرَّدُّ) أَيْ رَدُّ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ) أَيْ عَدَمُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْأَصْلِ وَعَدَمُ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ) أَيْ الْأَرْجَحُ الْقَبُولُ لِمَا قَالُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ سَهْوَ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ سَمِعَ، وَلَمْ يَسْمَعْ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِهِ عَمَّا يَسْمَعُ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ اهـ. نَاصِرٌ وَأَيْضًا فِيهِ قِيَاسٌ لِلظَّنَّيْنِ عَلَى الْجَزْمَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ

مِنْ الْعُدُولِ (مَقْبُولَةٌ إنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ) بِأَنْ عُلِمَ تَعَدُّدُهُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهَا فِي مَجْلِسٍ وَسَكَتَ عَنْهَا فِي آخَرَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَعَدُّدَهُ، وَلَا اتِّحَادَهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِ التَّعَدُّدِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ عُلِمَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (الْوَقْفُ) عَنْ قَبُولِهَا وَعَدَمِهِ وَالْأَوَّلُ الْقَبُولُ لِجَوَازِ غَفْلَةِ غَيْرِ مَنْ زَادَ عَنْهَا وَالثَّانِي عَدَمُهُ لِجَوَازِ خَطَأِ مَنْ زَادَ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ سَوَاءٌ بَحَثَ عَنْهَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ فَوُجِدَتْ فِيهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَصْلًا بِرَأْسِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ تَمَامُ حَدِيثٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَمَا نَقَّبَ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَخْ فَمَحَلُّهُ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ وَمِثَالُهَا خَبَرُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا» فَزِيَادَةُ تُرْبَتِهَا تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ وَرِوَايَةُ سَائِرِ الرُّوَاةِ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (قَوْلُهُ: مِنْ الْعُدُولِ) أَفَادَ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا فِيمَا إذَا انْفَرَدَ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الْعُدُولِ لَا عَنْ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِثْلُهُمْ حَيْثُ أَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَنْ وَاحِدٍ فَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي هُنَا الْخِلَافُ الْآتِي عَقِبَهُ وَعَلَيْهِ جَمْعٌ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ أَجْرَاهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ إلَخْ) أَيْ مَعَ تَعَدُّدِ مَجْلِسِ الشَّيْخِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ فِي زِيَادَةِ الْعَدْلِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الرُّوَاةُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ الْقَبُولُ) أَيْ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَادَّعَى ابْنُ طَاهِرٍ اتِّفَاقَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَيْهِ اهـ. كَمَالٌ

(وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُهُ مَنْ زَادَ (لَا يَغْفُلُ) بِضَمِّ الْفَاءِ (مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً لَمْ تُقْبَلْ) أَيْ الزِّيَادَةُ، وَإِلَّا قُبِلَتْ (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِلسَّمْعَانِيِّ الْمَنْعُ) أَيْ مَعَ الْقَبُولِ (إنْ كَانَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَنْ زَادَ (لَا يَغْفُلُ) أَيْ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً (أَوْ كَانَتْ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا) وَبِهَذَا يَزِيدُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى الرَّابِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قُبِلَتْ (فَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ عَنْهَا) أَيْ غَيْرُ الذَّاكِرِ لَهَا (أَضْبَطُ) مِمَّنْ ذَكَرَهَا (أَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الزِّيَادَةِ عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ) كَأَنْ قَالَ مَا سَمِعْتُهَا (تَعَارَضَا) أَيْ الْخَبَرَانِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَاهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُقْبَلُ بَانَ مَحْضُ النَّفْيِ، فَقَالَ لَمْ يَقُلْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ (وَلَوْ رَوَاهَا) الرَّاوِي (مَرَّةً وَتَرَكَ أُخْرَى فَكَرَاوِيَيْنِ) رَوَاهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ أَسْنَدَهَا وَتَرَكَهَا إلَى مَجْلِسَيْنِ وَسَكَتَ قُبِلَتْ أَوْ إلَى مَجْلِسٍ فَقِيلَ: تُقْبَلُ لِجَوَازِ السَّهْوِ فِي التَّرْكِ، وَقِيلَ: لَا لِجَوَازِ الْخَطَأِ فِي الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ عَنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِضَمِّ الْفَاءِ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِلَّا فَفَتْحُهَا جَائِزٌ فَهُوَ اقْتِصَارٌ عَلَى الْأَفْصَحِ (قَوْلُهُ: الدَّوَاعِي) ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الرُّوَاةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ الْمُخْتَارِ السَّابِقِ أَيْ فِي حَالَةِ الْقَبُولِ لَا فِي حَالَةِ الْمَنْعِ فَقَوْلُهُ فِيمَا سَبْقٌ وَالْمُخْتَارُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرُهُ يَغْفُلُ عَنْهَا أَنَّ الْمُخْتَارَ الْقَبُولُ فَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ السَّاكِتُ أَضْبَطَ إلَخْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ السَّاكِتُ إلَخْ، وَفِي الْكَمَالِ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ إلَخْ تَخْصِيصٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي حَالَةِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ اهـ. وَهُوَ الْأَقْرَبُ. (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ الذَّاكِرِ) فُسِّرَ السَّاكِتُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ السَّاكِتَ إلَى أَضْبَطَ وَإِلَى مُصَرِّحٍ بِنَفْيِهَا وَالْمُصَرِّحُ بِالنَّفْيِ غَيْرُ سَاكِتٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهَا اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ) بِأَنْ يَكُونَ النَّفْيُ مَحْصُورًا بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ مَا سَمِعْتهَا) أَيْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ سَمَاعِهَا كَمَا قَيَّدَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ اهـ. زَكَرِيَّا وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ هَذَا فِي التَّحْقِيقِ لِسَمَاعِ الزِّيَادَةِ لَا لَهَا اهـ. قَالَ سم. نَبَّهَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَأَنْ قَالَ إلَخْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الزِّيَادَةِ نَفْيُ سَمَاعِهَا خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَعَمَّ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ تَقْسِيمُهُ إلَى مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ كَهَذَا الْمِثَالِ وَإِلَى مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُقْبَلُ فَهُوَ تَبْيِينٌ لِمُرَادِ الْمَتْنِ لِيَصِحَّ تَقْسِيمُهُ الْمَذْكُورُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ) فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْنِدَ لَهُ (قَوْلُهُ: فَكَرَاوِيَيْنِ) أَيْ الْآتِي فِي قَوْلِهِ قَرِيبًا، وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: رَوَاهَا أَحَدُهُمَا) الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِرِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَتَرَكَهَا عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَسْنَدَهَا) أَيْ وَأَسْنَدَ تَرْكَهَا (قَوْلُهُ: إلَى مَحَلَّيْنِ) كَانَ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ بِوَادِي الْعَقِيقِ جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا وَنَحْنُ بِذَاتِ الرِّقَاعِ مَثَلًا وَطَهُورًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التُّرْبَةِ (قَوْلُهُ: قُبِلَتْ) أَيْ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ حُكْمُ تَرْكِهَا حُكْمَ إثْبَاتِهَا، وَإِلَّا تَعَارَضَا حَتَّى يَقُومَ الْمُرَجِّحُ (قَوْلُهُ: أَوْ إلَى مَجْلِسٍ) أَيْ مُضَافٍ إلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ تَحْدِيثُهُ هُوَ فِي مَجْلِسَيْنِ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ: تُقْبَلُ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تُغَيِّرْ الزِّيَادَةُ الْإِعْرَابَ، وَإِلَّا تَعَارَضَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ السَّهْوِ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ الْخَبَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ عَنْ الزِّيَادَةِ بَلْ حَذَفَهَا (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ عَنْهُمَا) لَمْ يَذْكُرْ هُنَا الْقَوْلَ الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ لِعَدَمِ إمْكَانِهِمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لِلزِّيَادَةِ وَالتَّارِكَ لَهَا وَاحِدٌ

(وَلَوْ غَيَّرْت إعْرَابَ الْبَاقِي تَعَارَضَا) أَيْ خَبَرُ الزِّيَادَةِ وَخَبَرُ عَدَمِهَا لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» إلَخْ نِصْفَ صَاعٍ (خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ كَمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْإِعْرَابُ. (وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ) فِيمَا رَوَيَاهُ عَنْ شَيْخٍ بِزِيَادَةٍ (قُبِلَ) الْمُنْفَرِدُ فِيهَا (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَقِيلَ: لَا لِمُخَالَفَتِهِ لِرَفِيقِهِ (وَلَوْ أَسْنَدَ وَأَرْسَلُوا) أَيْ أَسْنَدَ الْخَبَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدٌ مِنْ رُوَاتِهِ وَأَرْسَلَهُ الْبَاقُونَ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرُوا الصَّحَابِيَّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (أَوْ وَقَفَ وَرَفَعُوا) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ سَهْوًا وَصَوَابُهُ أَوْ رَفَعَ وَوَقَفُوا أَيْ رَفَعَ الْخَبَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدٌ مِنْ رُوَاتِهِ وَوَقَفَهُ الْبَاقُونَ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ (فَكَالزِّيَادَةِ) أَيْ فَالْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ كَالزِّيَادَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيُقَالُ إنْ عُلِمَ تَعَدُّدُ مَجْلِسِ السَّمَاعِ مِنْ الشَّيْخِ فَيُقْبَلُ الْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَفْعَلَ الشَّيْخُ ذَلِكَ مَرَّةً دُونَ أُخْرَى وَحُكْمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ:، وَلَوْ غَيَّرَتْ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ بِأَنْ كَانَ السَّاكِتُ لَا يَغْفُلُ مِثْلَهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً فَلَا تَعَارُضَ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْيِيرِ الْإِعْرَابِ تَغْيِيرُ الْمَعْنَى كَمَا فِي {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ غَيَّرَتْ الْإِعْرَابَ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ لِاخْتِلَافٍ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: نِصْفُ صَاعٍ) فَالزِّيَادَةُ هِيَ لَفْظَةُ نِصْفٍ، وَقَدْ غَيَّرَتْ إعْرَابَ الصَّاعِ فَصَارَ مَجْرُورًا بَعْدَ نَصْبِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا انْفَرَدَ الْعَدْلُ بِزِيَادَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الْعُدُولِ لَا عَنْ وَاحِدٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ. وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يَغْفُلُ مِثْلَهُمْ حَيْثُ أَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ، وَهُوَ الْوَجْهُ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ مَجِيءُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ ثَمَّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَنْ شَيْخٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: عَنْ شَيْخٍ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّخْصِيصِ بَلْ مِثْلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَابِ الِاحْتِبَاكِ فَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ أَيْ أَوْ الشَّيْخُ وَقَوْلُهُ هُنَا عَنْ شَيْخٍ أَيْ أَوْ النَّبِيِّ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: لَا لِمُخَالَفَةٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا قَوْلُ الْوَقْفِ أَيْضًا لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَسْنَدَ الْخَبَرَ) مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: وَصَوَابُهُ) إنَّمَا كَانَ صَوَابًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي زِيَادَةِ الْعَدْلِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ آتِيًا بِزِيَادَةٍ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي رَفَعَ وَوَقَفَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خِلَافُ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمُصْطَلَحِ (قَوْلُهُ: فَكَالزِّيَادَةِ) أَيْ الزِّيَادَةِ فِي الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَهَذَا زِيَادَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ مِنْ الشَّيْخِ) هُوَ هُنَا قَيْدٌ؛ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ تَارَةً وَالرَّفْعَ أُخْرَى إنَّمَا يَأْتِي فِي الشَّيْخِ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ)

فِي ذَلِكَ الْقَبُولُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ، وَلَا اتِّحَادُهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ التَّعَدُّدُ، وَإِنْ عُلِمَ اتِّحَادُهُ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ الْوَقْفُ عَنْ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ. وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ مِثْلُ الْمُرْسِلِينَ أَوْ الْوَاقِفِينَ لَا يَغْفُلُ عَادَةً عَنْ ذِكْرِ الْإِسْنَادِ أَوْ الرَّفْعِ، لَمْ يُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَ فَإِنْ كَانُوا أَضْبَطَ أَوْ صَرَّحُوا بِنَفْيِ الْإِسْنَادِ أَوْ الرَّفْعِ عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ كَأَنْ قَالُوا: مَا سَمِعْنَا الشَّيْخَ أَسْنَدَ الْحَدِيثَ أَوْ رَفَعَهُ تَعَارَضَ الصَّنِيعَانِ (وَحَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ) أَيْ يَحْصُلَ التَّعَلُّقُ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ (بِهِ) فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ اتِّفَاقًا لِإِخْلَالِهِ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ كَأَنْ يَكُونَ غَايَةً أَوْ مُسْتَثْنًى كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ» وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَجُوزُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ كَخَبَرٍ مُسْتَقِلٍّ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلضَّمِّ فَائِدَةٌ تَفُوتُ بِالتَّفْرِيقِ وَقَرُبَ هَذَا مِنْ مَنْعِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَسَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . (وَإِذَا حَمَلَ الصَّحَابِيُّ قِيلَ: أَوْ التَّابِعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ الْقَبُولُ أَيْ فَيُقْبَلُ الْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ أَيْ حُكْمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ إسْنَادٍ أَوْ رَفْعٍ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي حَالَةِ تَعَدُّدِ مَجْلِسِ السَّمَاعِ (قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا مَرَّ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَوَفُّرَ الدَّوَاعِي إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ دُونَ الْإِسْنَادِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا أَضْبَطَ إلَخْ) تَفْصِيلٌ فِي الرَّابِعِ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ (قَوْلُهُ: تَعَارَضَ الصَّنِيعَانِ) أَيْ صَنِيعُ الْإِسْنَادِ وَالْإِرْسَالِ أَوْ صَنِيعُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ فُسِّرَ يَتَعَلَّقُ بِيَحْصُلُ وَجُعِلَ الْفَاعِلُ ضَمِيرُ التَّعَلُّقِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَحَلُّ مَعْنًى اهـ. ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَفِي بُنْيَانِهِ لِلْفَاعِلِ تَكَلُّفٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِلْبَعْضِ الْآخَرِ) أَيْ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْبَعْضِ الْمَحْذُوفِ فَالْمُتَعَلِّقُ هُوَ الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ لِاحْتِيَاجِهِ لِلْمَحْذُوفِ وَعَدَمِ تَمَامِهِ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ هُوَ الْمَحْذُوفُ فَإِنْ قُلْت إذَا تَعَلَّقَ الْمَذْكُورُ بِالْمَحْذُوفِ فَالْمَحْذُوفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورِ أَيْضًا فَتَصِحُّ نِسْبَةُ التَّعَلُّقِ لَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ نُسِبَ لَهُ لَأَفَادَ أَنَّ الْمَذْكُورَ تَامٌّ وَلَيْسَ لَهُ كَذَلِكَ كَمَا تَبَيَّنَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَكُونَ غَايَةً) لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلتَّعَلُّقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَلَا لِلْبَعْضِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ التَّعَلُّقُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ نَفْسُ الْغَايَةِ أَوْ الْمُسْتَثْنَى لَا كَوْنُهُ ذَلِكَ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ كَالْغَايَةِ وَالْمُسْتَثْنَى اهـ. نَاصِرٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَوْ أَنَّهُ مِثَالٌ لِمُسَبَّبِ التَّعَلُّقِ (قَوْلُهُ: حَتَّى تُزْهِيَ) بِضَمِّ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِيهِ الْبِنَاءُ لِلْفَاعِلِ كَذَا قِيلَ، وَفِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَزْهُو بِفَتْحِ التَّاءِ وَبِالْوَاوِ، وَفِي رِوَايَةٍ تُزْهِي تَحْمَرُّ أَوْ تَصْفَرُّ وَصَوَّبَ الْخَطَّابِيُّ تُزْهِي دُونَ تَزْهُو قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ تَزْهُو كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ تُزْهِي وَالصَّوَابُ الرِّوَايَتَانِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ زَهَتْ تَزْهُو وَأَزْهَتْ تُزْهِي اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ زُهِيَ الْبُرُّ وَأَزْهَى احْمَرَّ أَوْ اصْفَرَّ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ رُوِيَ تَزْهُو وَتُزْهِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَتَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الْمَتْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَحَذَفَ بَعْضَ الْخَبَرِ إلَخْ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَقَرُبَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ حَذْفِ الْبَعْضِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَوَجْهُ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَتِهِ بِلَفْظِهِ نُكْتَةٌ تَفُوتُ فِي رِوَايَتِهِ بِالْمَعْنَى، وَإِنَّمَا قَالَ قَرُبَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي تَعْلِيلُ مَنْعِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ حَذَرًا مِنْ التَّفَاوُتِ (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْعِ الرِّوَايَةِ) مِنْ جَارَّةٌ وَالْمُرَادُ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ حَذْفِ بَعْضِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ) أَيْ فِي شَأْنِهِ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» إلَخْ فَقَدْ حَذَفَ فِي التَّمْثِيلِ صَدْرَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ السُّؤَالُ بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ مُقْتَضَاهُ يَسْتَقِلُّ بِإِفَادَةِ طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْرِ وَحِلِّ مَيْتَتِهِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ: أَوْ التَّابِعِيُّ) ظَاهِرُهُ جَرَيَانُ هَذَا الْقِيلِ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إلَّا أَنَّ

مَرْوِيَّهُ عَلَى) أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ (الْمُتَنَافِيَيْنِ) كَالْقُرْءِ يَحْمِلُهُ عَلَى الطُّهْرِ أَوْ الْحَيْضِ (فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ لِقَرِينَةٍ (وَتَوَقَّفَ) الشَّيْخُ (أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ) حَيْثُ قَالَ: فَقَدْ قِيلَ: يُقْبَلُ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ لِمُوَافَقَةِ رَأْيِهِ لَا لِقَرِينَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُسَاوِ التَّابِعِيُّ الصَّحَابِيَّ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْقَرِينَةِ لِلصَّحَابِيِّ أَقْرَبُ (وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَيَا) أَيْ الْمَحْمَلَانِ (فَكَالْمُشْتَرَكِ فِي حَمْلِهِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ) الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ، ظُهُورًا أَوْ احْتِيَاطًا كَمَا تَقَدَّمَ فَيُحْمَلُ لِمَرْوِيٍّ عَلَيْهِ مَحْمَلَيْهِ، كَذَلِكَ وَلَا يُقْصَرُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ يُخَصِّصُ، وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ تَنَافَى الْمَحْمَلَانِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ الْمَعْرُوفُ حَمْلُهُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ اهـ. (فَإِنَّ حَمَلَهُ) أَيْ حَمَلَ الصَّحَابِيُّ مَرْوِيَّهُ (عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ) كَأَنْ يُحِيلَ اللَّفْظَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ (فَالْأَكْثَرُ عَلَى الظُّهُورِ) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ، وَفِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ بِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْتُهُ لَحَجَجْتُهُ (وَقِيلَ:) يُحْمَلُ (عَلَى تَأْوِيلِهِ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا لِدَلِيلٍ، قُلْنَا: فِي ظَنِّهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْلُومَ عَدَمُ تَأَتِّي جَرَيَانِهِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي، وَقِيلَ: إنْ صَارَ إلَيْهِ إلَخْ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ دَلِيلِهِ وَيُؤَيِّدُهُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي أَيْ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ: قِيلَ أَوْ التَّابِعِيُّ اهـ. سم. (قَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ) فِي ذِكْرِ الْمَحْمَلَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ فَكَالْمُشْتَرَكِ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ، وَإِلَّا فَهُوَ نَفْسُهُ مُشْتَرَكٌ (قَوْلُهُ: لِقَرِينَةٍ) قَدْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ فِي ظَنِّهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَيْ لِاحْتِمَالِ إلَخْ) هَذَا مِنْ كَلَامِهِ وَجَّهَ بِهِ نَظَرَ الشَّيْخُ بِدَلِيلٍ أَيْ، وَفِي التَّعْلِيلِ بِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ الْأَوَّلَ لَا يَنْفِي هَذَا الِاحْتِمَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاحْتِمَالَ عَلَى السَّوَاءِ (قَوْلُهُ: لِمُوَافَقَةِ رَأْيِهِ) أَيْ لَا لِقَرِينَةٍ أَوْ لِقَرِينَةٍ عِنْدَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِ الْقَرِينَةَ أَنَّهَا قَرِينَةٌ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: لَا لِقَرِينَةٍ) فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الصَّحَابِيِّ الْمَرْوِيَّ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ دِرَايَةٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صُدُورُهُ عَنْهُ بَلْ حَمْلُهُ لِمُوَافَقَةِ رَأْيِهِ لَا مَنْشَأَ لَهُ إلَّا دَلِيلُ رَأْيِهِ الَّذِي قَامَ عِنْدَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِلَا قَرِينَةٍ شَاهَدَهَا مِنْ الشَّارِعِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ كَانَ بِقَرِينَةٍ اسْتَخْرَجَهَا بِاجْتِهَادِهِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاجِحِ) أَرَادَ بِهِ الظَّاهِرَ الْمُتَقَدِّمَ فِي قَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ، وَهُوَ لَمْ يُسَاوِ أَيْ انْتَفَى عَلَى الرَّاجِحِ وَأَمَّا غَيْرُ الرَّاجِحِ فَإِنَّهُ يُسَاوِيهِ فَأَرَادَ بِالرَّاجِحِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالتَّابِعِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَالْخُلْفُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحِلِّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: فَكَالْمُشْتَرَكِ) أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ الْمُتَقَدِّمِ (قَوْلُهُ: ظُهُورًا) عِلَّةُ الرَّاجِحِ أَيْ لِظُهُورِهِ أَوْ لِلِاحْتِيَاطِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ حَمْلُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ:، وَلَا يُقْصَرُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْصَرْ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَعَ قَوْلِهِ بِالْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَنْعِ إلَخْ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ (قَوْلُهُ: صَاحِبُ الْبَدِيعِ) هُوَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ كَانَ شَافِعِيًّا ثُمَّ تَحَنَّفَ وَلَهُ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ كِتَابٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ:، وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ لَا يُحْمَلُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: أَيْ حَمَلَ الصَّحَابِيُّ) أَيْ أَوْ التَّابِعِيُّ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَأَتَّى ذِكْرُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَخِيرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ، وَقِيلَ: إنْ صَارَ إلَيْهِ إلَخْ، وَإِلَّا فَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا جَارِيَةٌ فِيهِ أَيْضًا مَا عَدَا الْأَخِيرَ (قَوْلُهُ: عَلَى النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ اعْتِبَارُ ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ) إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَإِلَى تَأْوِيلِ الظُّهُورِ بِالظَّاهِرِ وَإِلَى بَيَانِ مَعْنَى اللَّامِ فِي الظُّهُورِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ) أَيْ أَتْرُكُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَوْرَدَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرٍ بِخُصُوصِهِ بَلْ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمُخَالِفِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ هُوَ الرَّاوِي أَمْ غَيْرَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَهُ فِيهِ وَفِي مِثْلِهِ فَقَدْ قَالَهُ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: لَحَجَجْتُهُ) أَيْ غَلَبْتُهُ

(وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ إنْ صَارَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ) مِنْ قَرِينَةٍ شَاهَدَهَا، قُلْنَا: عِلْمُهُ ذَلِكَ أَيْ ظَنُّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلًا عَمِلَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ لَا يُقْبَلُ) فِي الرِّوَايَةِ (مَجْنُونٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ، وَسَوَاءٌ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَمْ تَقَطَّعَ، وَأَثَّرَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ (وَكَافِرٌ) ، وَلَوْ عُلِمَ مِنْهُ التَّدَيُّنُ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ شَرَفِ مَنْصِبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكَافِرِ (وَكَذَا صَبِيٌّ) مُمَيِّزٌ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَدْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ فَلَا يُوثَقُ بِهِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ إنْ عُلِمَ مِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْيِيزِ لِلْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا كَالْمَجْنُونِ. (فَإِنْ تَحَمَّلَ) الصَّبِيُّ (فَبَلَغَ فَأَدَّى) مَا تَحَمَّلَهُ (قُبِلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) لِانْتِفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحُجَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي كُلِّ مَا خَالَفَ فِيهِ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ الْحَدِيثَ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ، وَفِي مِثْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ إنَّ مَقَامَ الشَّافِعِيِّ يَنْبُو عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَى حَجَجْتُهُ تَجَادَلْت مَعَهُ لِأَغْلِبَ بِالْحُجَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ صَارَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ إلَيْهِ أَيْ التَّأْوِيلِ بِأَنْ اتَّخَذَهُ مَذْهَبًا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي مُجَرَّدِ جَوَابِ سُؤَالٍ أَوْ تَقْرِيرِ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ فَإِنَّ الْحَمْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ إلَّا لِمَزِيدِ قُوَّتِهِ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ قَرِينَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمٍ (قَوْلُهُ: أَيْ ظَنَّهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ إذْ لَوْ كَانَ عَلَى بَابِهِ لَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلًا أَوْ نَصًّا عُمِلَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَأَثَّرَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ لَكِنَّهُ زَمَنُ إفَاقَتِهِ مُطْلَقًا لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ فِي الزَّمَنِ أَثَّرَ فِيهِ جُنُونُهُ لِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ لِجُنُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ بَلْ يَضُرُّ اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ سم لَمَّا كَانَ الْخَلَلُ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ نَاشِئًا مِنْ الْجُنُونِ كَانَ حُكْمُ الْمَجْنُونِ مُنْسَحِبًا عَلَيْهِ فَصَحَّ ذِكْرُ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَنَاسَبَ ذَلِكَ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ قَدْ يَضُرُّ فَإِنْ كَانَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُوهِمُ قَبُولَ الْمَجْنُونِ إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ وَأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ حِينَئِذٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِنْ كَانَ إشَارَةً إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَلْيُصَوَّرْ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ اهـ. ثُمَّ إنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ أَثَّرَ حَالِيَّةٌ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ خَبَلًا، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الثَّاءِ وَأَمَّا ضَبْطُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالْمَدِّ بِمَعْنَى رَوَى وَنَقَلَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ مَا تَحَمَّلَهُ فِي حَالِ الْجُنُونِ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَبَعِيدٌ عَنْ الْمُرَادِ إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَكَافِرٌ) مُرَادُهُ بِهِ مَنْ لَا يَنْتَمِي إلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْمُجَاهِرُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ مَنْ قَالَ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْكَافِرِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ) عَطْفُ مُرَادِفٍ أَوْ مُغَايِرٍ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يُفْعَلُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) زَادَهُ لِشُمُولِ مَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ التَّدَيُّنَ وَالتَّحَرُّزَ يُوجِبُ الْقَبُولَ وَلِذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَعَ شَرَفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَنْ الْكَافِرِ) مُتَعَلِّقٌ بِشَرَفٍ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا صَبِيٌّ) فَصَّلَهُ بِكَذَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَبِاتِّفَاقٍ وَقَوْلُهُ مُمَيِّزٌ أَيْ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: فَبَلَغَ فَأَدَّى) الْفَاءُ فِي الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ لِلتَّرْتِيبِ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ التَّعْقِيبِ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّعْقِيبِ وَالْمُهْلَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ تَحَمَّلَ ثُمَّ بَلَغَ وَأَدَّى قُبِلَ اهـ. نَاصِرٌ. لَا يُقَالُ بَلْ هِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَيُعْلَمُ الْقَبُولُ مَعَ التَّرَاخِي بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مُضِيَّ الزَّمَنِ مَظِنَّةُ تَجَدُّدِ التَّحَمُّلِ وَالِاسْتِحْضَارِ وَالتَّذَكُّرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ الطُّولَ مَظِنَّةُ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّسْيَانِ لِبُعْدِ الْعَهْدِ بِخِلَافِ التَّعْقِيبِ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ كَافِرٌ مُعْلِنٌ حَالَ كُفْرِهِ أَوْصَى حَالَ صِبَاهُ أَوْ عَبْدٌ حَالَ

الْمَحْذُورِ السَّابِقِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ مَظِنَّةُ عَدَمِ الضَّبْطِ وَالتَّحَرُّزِ وَيَسْتَمِرُّ الْمَحْفُوظُ إذْ ذَاكَ، وَلَوْ تَحَمَّلَ الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ فَأَدَّى قُبِلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا الْفَاسِقُ يَتَحَمَّلُ فَيَتُوبُ فَيُؤَدِّي يُقْبَلُ (وَيُقْبَلُ مُبْتَدِعٌ) لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ (يَحْرُمُ الْكَذِبُ) لَا مِنْهُ فِيهِ مَعَ تَأْوِيلِهِ فِي الِابْتِدَاعِ سَوَاءٌ دَعَا النَّاسَ إلَيْهِ أَمْ لَا، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا لِابْتِدَاعِهِ الْمُفَسِّقَ لَهُ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (مَالِكٍ) يُقْبَلُ (إلَّا الدَّاعِيَةَ) أَيْ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ أَنْ يَضَعَ الْحَدِيثَ عَلَى وَفْقِهَا أَمَّا مَنْ يُجَوِّزُ الْكَذِبَ فَلَا يُقْبَلُ كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ أَمْ لَا، وَكَذَا مَنْ يُحَرِّمُهُ وَكُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ كَالْمُجَسِّمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِعِظَمِ بِدْعَتِهِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى قَبُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِقِّهِ، ثُمَّ أَعَادُوهَا حَالَ كَمَالِهِمْ بِالْإِسْلَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالْبُلُوغِ فِي الثَّانِي وَالْعِتْقِ فِي الثَّالِثِ قُبِلَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ كَافِرٌ مُسِرٌّ أَوْ فَاسِقٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا حَالَ الْإِسْلَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوْبَةِ فِي الثَّانِي فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الرِّوَايَةَ كَالشَّهَادَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ. وَأَمَّا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِثْلُهَا وَيُحْتَمَلُ الْقَبُولُ فِيهَا وَيُفَرَّقُ بِضِيقِ بَابِ الشَّهَادَةِ وَوُسْعِ بَابِ الرِّوَايَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ جَرَّتْ نَفْعًا لِلشَّاهِدِ، وَتُقْبَلُ رِوَايَةٌ جَرَّتْ نَفْعًا لِلرَّاوِي كَأَنْ يَرْوِيَ الْعَبْدُ خَبَرًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ وَيَسْتَمِرَّ الْمَحْفُوظُ أَيْ عَلَى كَوْنِهِ مُتَحَمِّلًا عَلَى غَيْرِ ضَبْطٍ (قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) ظَرْفٌ لِلْمَحْفُوظِ أَيْ وَيَسْتَمِرُّ الَّذِي حَفِظَ وَقْتَ عَدَمِ الضَّبْطِ (قَوْلُهُ: فَيَتُوبَ فَيُؤَدِّيَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِبْرَاءُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَابِ الشَّهَادَةِ بِضِيقِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي التَّقْرِيبِ: تُقْبَلُ رِوَايَةُ التَّائِبِ مِنْ الْفِسْقِ إلَّا الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُقْبَلُ التَّائِبُ مِنْهُ أَبَدًا، وَإِنْ حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُ كَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: لَا مِنْهُ فِيهِ) أَيْ لَا مِنْ الْكَذِبِ فِي الْمُبْتَدَعِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ دَعَا النَّاسَ إلَيْهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: الْمُفَسِّقَ لَهُ) فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِسْقٍ لَا يَمْنَعُ الرِّوَايَةَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُفَسَّقُهُ مِمَّا لَا تُرَدُّ بِهِ الرِّوَايَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي يَدْعُو إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّاءَ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ كَرَاوِيهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا غَايَةُ مَا يُوجِبُ رَدَّ الْحَدِيثِ الْمُوَافِقِ لِبِدْعَتِهِ وَالْكَلَامِ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا انْفَتَحَ بَابُ الْوَضْعِ فِيمَا وَافَقَ بِدْعَتَهُ صَارَ غَيْرَ مَأْمُونٍ مِنْ الْوَضْعِ فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَوْثُقْ بِهِ فِي الْجَمِيعِ وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّفْوِيتِ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ احْتَجَّا بِالدُّعَاةِ فَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِعِمْرَانَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ مِنْ الدُّعَاةِ وَاحْتَجَّا بِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمَّانِيُّ وَكَانَ دَاعِيَةً إلَى الْأَرْجَاءِ. وَأَجَابَ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ لَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ الْخَوَارِجِ، ثُمَّ ذَكَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَبَا حَسَّانَ الْأَعْرَجَ قَالَ، وَلَمْ يَحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِعَبْدِ الْحَمِيدِ بَلْ أَخْرَجَ لَهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ (قَوْلُهُ: مَنْ يُجَوِّزُ الْكَذِبَ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إذْ الْمُجَوِّزُ لَهُ مُطْلَقًا كَافِرٌ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَكْثَرِ) ظَرْفٌ لِلْعَامِلِ فِي قَوْلِهِ، وَكَذَا وَهُوَ نَفْيُ الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْأَوَّلِ وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعِهِ وَلَيْسَ ظَرْفًا لِتَكْفِيرِ الْمُجَسِّمِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِهِ لَا عَلَى تَكْفِيرِهِ لِمَا نَقَلَهُ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَصْحَابِهِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي رَجَعْت عَنْ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُهُمْ كُلَّهُمْ يُشِيرُونَ إلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ اهـ. مِنْ النَّجَّارِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى قَبُولِهِ) أَيْ، وَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ لَا مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ وَلِأَنَّ كُفْرَهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ بَلْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ بِاَللَّهِ، وَالْجَهْلُ بِاَللَّهِ كُفْرٌ وَيَسْتَلْزِمُ إيقَاعَ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ الْجِسْمُ

لَا مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ (وَ) يُقْبَلُ (مَنْ لَيْسَ فَقِيهًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَقَدُ فِيهِ الْأُلُوهِيَّةُ عَلَى أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. مِنْ النَّجَّارِيِّ. وَفِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ نَقْلًا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ كُلُّ مُكَفَّرٍ بِبِدْعَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَدَّعِي أَنَّ مُخَالِفِيهَا مُبْتَدِعَةٌ، وَقَدْ تُبَالِغُ فَتُكَفِّرُ فَلَوْ أُخِذَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَاسْتَلْزَمَ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذِي تُرَدُّ رِوَايَتُهُ مَنْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُتَوَاتِرًا مِنْ الشَّرْعِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَوْ اعْتَقَدَ عَكْسَهُ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ ضَبْطُهُ لِمَا يَرْوِيهِ مَعَ وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ اهـ. (مُهِمَّتَانِ) الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا بَيَّنَّاهُ الثَّانِيَةُ التَّكْفِيرُ بِالْعَقَائِدِ لَا سِيَّمَا مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ فِيهِ النِّزَاعُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ حَتَّى نَقَلَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ يَكْفُرُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَنَعَ تَأْوِيلَ الْبَيْهَقِيّ لَهُ بِكُفْرَانِ النِّعْمَةِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ ذَلِكَ فِي حَقِّ حَفْصٍ الْفَرْدِ لَمَّا أَفْتَى بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَهَذَا رَدٌّ لِلتَّأْوِيلِ اهـ. مَعَ أَنَّ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّفْظَ حَادِثٌ فَلَوْ أَخَذْنَا بِظَاهِرِ مَقَالَاتِهِمْ لَلَزِمَ تَكْفِيرُ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي عَصْرِنَا، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِتَكْفِيرِ بَعْضِ مَنْ أَلَّفَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَأُلِّفَتْ رَسَائِلُ وَانْحَسَمَتْ عَلَى يَدِ الْفَقِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بَعْدَ كَثْرَةِ قِيلٍ وَقَالَ، وَقَدْ كَفَّرَ الْإِمَامُ السَّنُوسِيُّ ابْنَ سِينَا وَالْفَارَابِيَّ بِمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ وَنَقَلُوا عَنْ ابْنِ سِينَا أَنَّهُ يُنْكِرُ الْحَشْرَ الْجُسْمَانِيَّ مَعَ أَنَّ أَفَاضِلَ الْمُتَكَلِّمِينَ نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَرَأَيْتُهُ أَنَا مَسْطُورًا فِيهِ، وَلَوْلَا مُخَالَفَةُ التَّطْوِيلِ لَنَقَلْتُهُ وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فِي التَّكْفِيرِ حَتَّى أَلَّفُوا رَسَائِلَ ذَكَرُوا فِيهَا أَشْيَاءَ لَا تُكَفِّرُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَثَلًا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ بِمَا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الْيَمَنِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالْعِلْمِ الشَّامِخِ، وَلَمْ أَرَ التَّكْفِيرَ سَهُلَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ فِي مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ بِكُلِّ لَازِمٍ، وَلَوْ فِي غَايَةِ الْغُمُوضِ وَضَعَ بَعْضُ النَّاسِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ مُتَفَقِّهَتِهِمْ نَعْلَهُ فَقَالَ: كَفَرْت؛ لِأَنَّك أَهَنْت الْعُلَمَاءَ، وَهُوَ إهَانَةُ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ لِلرَّسُولِ ثُمَّ لِلْمُرْسِلِ وَنَحْوَ هَذَا يَفْعَلُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفَعَلَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنْ مُنْكَرَاتِ الدَّوْلَةِ فَقَالَ الْمَظْلُومُ: هَذَا ظُلْمٌ وَحَاشَا السُّلْطَانَ مِنْ الْأَمْرِ وَالرِّضَا بِهِ فَقَالَ: أَنَا خَادِمٌ لِلدَّوْلَةِ الْمُنْتَمِيَةِ إلَى السُّلْطَانِ فَقَدْ نَسَبْت الظُّلْمَ إلَى السُّلْطَانِ فَأَهَنْت مَا عَظَّمَتْ الشَّرِيعَةُ مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَكَفَرْت، وَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا بِهِ إلَى الْقَاضِي وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ، ثُمَّ جَدَّدَ إسْلَامَهُ، وَفَعَلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ وَهَاتَانِ الْحِكَايَتَانِ فِي مَكَّةَ فِي عَصْرِنَا مُجَرَّدُ مِثَالٍ، وَلَمْ تَزَلْ أَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةً بِذَلِكَ قَالَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لِأَبِي شَكُورٍ السَّالِمِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِذَا هُوَ لَمْ يَكَدْ يَسْلَمْ مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ التَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَخْ بِقَوْلِ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَذَا وَقَالَتْ الْأَشَاعِرَةُ وَقَالَتْ الْفُلَانِيَّةُ، وَلَا يَزَالُ يَحْكُمُ بِالْكُفْرِ اهـ. (تَذْيِيلٌ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ رِوَايَةُ الرَّافِضَةِ وَسَابِّ السَّلَفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِي مَسَائِلِ الْإِفْتَاءِ، وَإِنْ سَكَتَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِاسْتِبَابِهِمْ إحَالَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ سِبَابَ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ فَالصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فَقَالَ: الْبِدْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صُغْرَى فَالتَّشَيُّعُ بِلَا غُلُوٍّ أَوْ بِغُلُوٍّ كَمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَقِّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا فَهَذَا فِي التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ مَعَ الدِّينِ وَالْوَرَعِ وَالصِّدْقِ فَلَوْ رُدَّ هَؤُلَاءِ لَذَهَبَ جُمْلَةٌ مِنْ الْآثَارِ، ثُمَّ بِدْعَةٌ كُبْرَى كَالرَّفْضِ الْكَامِلِ وَالْغُلُوُّ فِيهِ وَالْحَطُّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالدُّعَاءُ إلَى ذَلِكَ فَهَذَا النَّوْعُ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ، وَلَا كَرَامَةَ وَأَيْضًا فَمَا اسْتَحْضَرَ الْآنَ فِي هَذَا الضَّرْبِ رَجُلًا صَادِقًا وَلَا مَأْمُونًا بَلْ الْكَذِبُ شِعَارُهُمْ وَالثَّغْيَةُ وَالنِّفَاقُ دِثَارُهُمْ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ خِلَافَهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الرَّافِضَةِ

لِمَا تَقَدَّمَ مَعَ جَوَابِهِ (وَ) يُقْبَلُ (الْمُتَسَاهِلُ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ) بِأَنْ يَتَجَوَّزَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مِنْ الْخَلَلِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُتَسَاهِلِ فِيهِ فَيُرَدُّ (وَقِيلَ: يُرَدُّ) الْمُتَسَاهِلُ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّسَاهُلَ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ يَجُرُّ إلَى التَّسَاهُلِ فِيهِ (وَ) يُقْبَلُ (الْمُكْثِرُ) مِنْ الرِّوَايَةِ (وَإِنْ نَدَرَتْ مُخَالَطَتُهُ لِلْمُحَدِّثِينَ) أَيْ وَالْحَالُ كَذَلِكَ لَكِنْ (إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْقَدْرِ) الْكَثِيرِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ (فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ) الَّذِي خَالَطَ فِيهِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنْ لَمْ يُمَكَّنْ فَلَا يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي بَعْضٍ لَا تُعْلَمُ عَيْنُهُ. (وَشَرْطُ الرَّاوِي الْعَدَالَةُ وَهِيَ مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تَمْنَعُ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ) وَتَطْفِيفِ تَمْرَةٍ (وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ) أَيْ الْجَائِزَةِ (كَالْبَوْلِ فِي الطَّرِيقِ) الَّذِي هُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ لِغَيْرِ سُوقِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالتَّرَخُّصُ مُطْلَقًا إلَّا مَنْ يَكْذِبُ وَيَضَعُ وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْعَارِفِ بِمَا يُحَدِّثُ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّافِضَةِ فَقَالَ لَا تُكَلِّمُهُمْ، وَلَا تَرْوِ عَنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نَكْتُبُ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلَّا الرَّافِضَةَ وَقَالَ شَرِيكٌ أَحْمِلُ الْعِلْمَ عَنْ كُلِّ مَنْ لَقِيتُهُ إلَّا الرَّافِضَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ لَا تُحَدِّثُوا عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ مَعَ جَوَابِهِ) أَيْ أَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُرَجِّحُ احْتِمَالَ الْكَذِبِ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ وَالْحَالُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ نَدَرَتْ لِلْحَالِ لَا لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ مُضَافٍ لِلْمَعْطُوفِ، وَالتَّقْدِيرِ وَيُقْبَلُ الْمُكْثِرُ إنْ كَثُرَتْ مُخَالَطَتُهُ لِلْمُحَدِّثَيْنِ، وَإِنْ نَدَرَتْ إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَصِيرُ الشَّرْطُ، وَهُوَ إذَا أَمْكَنَ إلَخْ شَرْطًا فِي الْمُكْثِرِ بِقِسْمَيْهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّهَافُتِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إذْ لَا شَرْطَ مَعَ كَثْرَةِ الْمُخَالَطَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ قِلَّتِهَا. اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إذَا أَمْكَنَ إلَخْ) هَذَا فِيمَنْ يَأْخُذُ الْحَدِيثَ بِالسَّمَاعِ، وَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ بِجَمِيعِ مَرْوِيَّاتِهِ أَوْ أَعْطَاهُ أَصْلًا مُصَحَّحًا فَيُقْبَلُ، وَإِنْ اجْتَمَعَ لَحْظَةً بِالشَّيْخِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ الرَّاوِي إلَخْ) أَيْ شَرْطُ قَبُولِ رِوَايَتِهِ وَقَوْلِهِ الْعَدَالَةُ أَيْ تَحَقُّقُهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ بَلْ الْإِسْلَامُ كَمَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُسْتَثْنَى الْمُبْتَدِعُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ فَاسِقًا (قَوْلُهُ: أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ) قَيْدٌ فِي تَسْمِيَةِ الْهَيْئَةِ النَّفْسَانِيَّةِ تُسَمَّى قَبْلَ رُسُوخِهَا حَالًا وَبَعْدَهُ مَلَكَةً قَالَ سم وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ ارْتِكَابِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ بَلْ بِمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ) أَيْ مَا هُوَ كَبِيرَةٌ عِنْدَ الْمُقْتَرِفِ فَدَخَلَ الْمُبْتَدِعُ فِي الْعَدْلِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ التَّزْكِيَةُ كَتَرْكِ الْفُرُوضِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ، وَهُوَ فِعْلٌ وَمَا فِي النَّاصِرِ مِنْ عَدَمِ شُمُولِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الِاقْتِرَافِ بِالْكَبَائِرِ تَقْتَضِي قَصْرَهَا عَلَى الْعَقْلِيَّةِ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ التَّرْكُ وَالِاعْتِقَادُ فِعْلٌ كَمَا مَرَّ فَتَدْخُلُ فِيهَا هَذَا وَالْمَعْنَى عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَفْرَادَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ آحَادٌ وَالْمُرَادُ اقْتِرَافُهَا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ مُسَوَّغٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ جَاهِلًا عَلَى مُفَسِّقٍ وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالُ مَنْ أَقْدَمَ نَاسِيًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ) التَّمْثِيلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فِي كَوْنِ السَّرِقَةِ كَبِيرَةً وَفِيهِ كَلَامٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ) قَالَ سم يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ اعْتِبَارِ اجْتِنَابِ ذَلِكَ فِي الْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ اعْتِبَارِ الْمُرُوءَةِ زِيَادَةً عَلَى الْعَدَالَةِ فِي الْقَبُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِزَةِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَهُوَ الْمَأْذُونِ فِي فِعْلِهِ لَا بِمَعْنَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهِ عَقِبَهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: كَالْبَوْلِ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ إيذَاءٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ) أَيْ وَلَمْ يَضْطَرَّهُ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ، وَإِلَّا فَلَا أَوْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَأُذِّنَتْ الْمَغْرِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي السُّوقِ أَوْ نَسِيَ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ صَلَاةِ صُبْحِ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي السُّوقِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ سُوقِيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحُهَا أَلْحَنُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُلَازِمُ

وَالْمَعْنَى عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذُكِرَ فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ أَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ كَكِذْبَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَرَرٌ وَنَظْرَةٍ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمَنْعُ عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْهَا لَا تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ، وَفِي نُسْخَةٍ قَبِلَ الرَّذَائِلَ، وَهَوَى النَّفْسِ أَيْ اتِّبَاعَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْمُتَّقِيَ لِلْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ مَعَ الرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ قَدْ يَتَّبِعُ هَوَاهُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَيَرْتَكِبُهُ، وَلَا عَدَالَةَ لِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُهُ عَنْ اقْتِرَافِ مَا ذُكِرَ يَنْتَفِي عَنْهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى لِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِلَّا لَوَقَعَ فِي الْمَهْوِيِّ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ مِنْهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى شَرْطِ الْعَدَالَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ بَاطِنًا، وَهُوَ الْمَسْتُورُ) لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ فُورَكٍ وَسُلَيْمٍ) أَيْ الرَّازِيّ فِي قَوْلِهِمْ بِقَبُولِهِ اكْتِفَاءً بِظَنِّ حُصُولِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُظَنُّ مِنْ عَدَالَتِهِ فِي الظَّاهِرِ عَدَالَتُهُ فِي الْبَاطِنِ (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُوقَفُ) عَنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّوقَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا، وَالْخَانَاتُ لَيْسَتْ مُلْحَقَةً بِالسُّوقِ وَأَكْلُ الْمُجَاوِرِ فِي الْأَزْهَرِ لَا يَفْسُقُ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ خَلْوَةٍ أَوْ لَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُجَاوِرِ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلْوَةٍ فَلَا يَفْسُقُ، وَإِلَّا فَسَقَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَرْجِعُهُ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ: أَيْ اتِّبَاعِهِ) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَمَعْطُوفٍ عَلَى اقْتِرَافٍ أَيْ تَمْنَعُ مِنْ الِاقْتِرَافِ وَالِاتِّبَاعِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَوَى هُوَ الْمَحَبَّةُ وَهِيَ لِكَوْنِهَا فِعْلًا غَيْرَ مَقْدُورٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا تَكْلِيفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ اتِّبَاعٍ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ فَيَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَيُمْكِنُ أَيْضًا حَمْلُ الْهَوَى عَلَى الْمَهْوَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الِاتِّبَاعِ بِصِحَّةِ تَسَلُّطِ الِاقْتِرَافِ عَلَيْهَا قَالَهُ النَّجَّارِيُّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِهِ لِشَيْءٍ) ضَمِيرُ وُجُودِهِ عَائِدٌ عَلَى هَوَاهُ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِيَتَّبِعُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ: يَنْتَفِي عَنْهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى بِشَيْءٍ مِنْهُ وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُتَّقِي وَتَعَلَّقَ لِشَيْءٍ مِنْهَا لِوُجُودِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَلَكَةِ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ وَالِدِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَقَالَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ لَا بُدَّ عِنْدِي فِي الْعَدَالَةِ مِنْ وَصْفٍ آخَرَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ عِنْدَ انْبِعَاثِ الْأَغْرَاضِ حَتَّى يَمْلِكَ نَفْسَهُ عَنْ اتِّبَاعِ هَوَاهُ فَإِنَّ الْمُتَّقِي لِلْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْمُلَازِمَ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَلِلْمُرُوءَةِ قَدْ يَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ مَا دَامَ سَالِمًا عَنْ الْهَوَى فَإِذَا غَلَبَهُ هَوَاهُ خَرَجَ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَحَلَّ عِصَامَ التَّقْوَى فَقَالَ مَا يَهْوَاهُ، وَاتِّقَاءُ هَذَا الْوَصْفِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَدْلِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152] إلَى أَنْ قَالَ فَالْعَدَالَةُ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُ عَلَى الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَمُلَازَمَةِ الْمُرُوءَةِ وَالِاعْتِدَالِ عِنْدَ انْبِعَاثِ الْأَغْرَاضِ حَتَّى يَمْلِكَ نَفْسَهُ عَنْ اتِّبَاعِ هَوَاهُ فَهَلْ رَأَيْت مَنْ لَا يُقْدِمُ عَلَى ذَنْبٍ فِيمَا يَعْتَقِدُ، ثُمَّ يَسْتُرُ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ:، وَإِلَّا لَوَقَعَ فِي الْمَهْوِيِّ) أَيْ، وَإِلَّا يَنْتَفِي عَنْهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى (قَوْلُهُ: وَتَفَرَّعَ عَلَى شَرْطِ الْعَدَالَةِ) أَيْ تَحَقُّقًا بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْقَبُولِ أَوْ ظَنًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَبُولِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الشَّرْعِ، وَفِي الثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِظَنِّ حُصُولِ الشَّرْطِ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ) لَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ قَبِلَ الْفُقَهَاءُ شَهَادَةَ الْمَسْتُورِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَحُضُورِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لِمَدَارِكَ خَاصَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ مَحَلِّهَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقَ وَالرِّوَايَةِ أَوْسَعَ. اهـ. سم (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَوْجُودِ فِي زَمَنِهِ وَلَمَّا حَدَثَ بَعْدَهُ مَا حَدَّثَ بِهِ أَصْحَابَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَجْهُولِ قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: اكْتِفَاءً بِظَنِّ حُصُولِ إلَخْ) لَوْ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الشَّرْطَ ظَنُّ الْعَدَالَةِ لَا تَحَقُّقُهَا لَسَلِمُوا مِنْ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِمْ الشُّرُوطُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا وَكَوْنُ الشَّرْطِ

إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهُ قَالَ (وَيَجِبُ الِانْكِفَافُ) عَمَّا ثَبَتَ حِلُّهُ بِالْأَصْلِ (إذَا رَوَى) هُوَ (التَّحْرِيمَ) فِيهِ (إلَى الظُّهُورِ) لِحَالِهِ احْتِيَاطًا وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِ الْإِبْيَارِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ يَعْنِي فَالْحِلُّ الثَّابِتُ بِالْأَصْلِ لَا يُرْفَعُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَمَا لَا يُرْفَعُ الْيَقِينُ أَيْ اسْتِصْحَابُهُ بِالشَّكِّ بِجَامِعِ الثُّبُوتِ (أَمَّا) (الْمَجْهُولُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) (فَمَرْدُودٌ إجْمَاعًا) لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ وَظَنِّهَا (وَكَذَا مَجْهُولُ الْعَيْنِ) كَأَنْ يُقَالَ فِيهِ: عَنْ رَجُلٍ مَرْدُودٍ إجْمَاعًا لِانْضِمَامِ جَهَالَةِ الْعَيْنِ إلَى جَهَالَةِ الْحَالِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (فَإِنْ وَصَفَهُ نَحْوُ الشَّافِعِيِّ) مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الرَّاوِي عَنْهُ (بِالثِّقَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQظَنَّ الْعَدَالَةِ وَجِيهٌ اهـ. سم. (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ تَحَقُّقِهَا يُرَاعِي احْتِمَالَهَا فَيَتَوَقَّفُ احْتِيَاطًا إلَى ظُهُورِ الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَا يُرَاعِي هَذَا الِاحْتِمَالَ وَلَا يَلْتَفِت إلَيْهِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: الْأَصْلِ) أَيْ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: إذَا رَوَى هُوَ) أَيْ الْمَجْهُولُ بَاطِنًا (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِيمَا ثَبَتَ حِلُّهُ بِالْأَصْلِ؛ وَذَلِكَ كَأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) عَائِدٌ لِقَوْلِهِ وَيَجِبُ الِانْفِكَاكُ (قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلِ الْإِبْيَارِيِّ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُبَالِ بِحِكَايَةِ الْإِبْيَارِيَّ الْإِجْمَاعَ وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ لَا أَعْرِفُهُ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْيَقِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتَرَضَ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فَالْحَلُّ إلَخْ) بَيَانٌ لِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْيَقِينِ فَإِنَّ الْحِلَّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ بِالْأَصْلِ وَاسْتِصْحَابُهُ كَثُبُوتِ الْيَقِينِ وَاسْتِصْحَابِهِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ طَارِئٌ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يُزَال بِهِ مَعَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: بَاطِنًا وَظَاهِرًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْهُولِ ظَاهِرًا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْمُخَالَطَةِ بِأَنْ انْتَفَتْ مُخَالَطَتُهُ اهـ. سم (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) قَالَ الْكَمَالُ حِكَايَةَ ابْنِ الصَّلَاحِ، ثُمَّ النَّوَوِيِّ، ثُمَّ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ رَدُّ الْمَجْهُولِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ خِلَافٍ فَيُعَارِضُ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ اهـ. وَعِبَارَةُ التَّقْرِيبِ مَعَ شَرْحِهِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ هَكَذَا رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْعِبَارَةِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا مَعَ كَوْنِهِ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ بِرِوَايَةِ عَدْلَيْنِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَنْ رَوَى عَنْهُ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ:، وَكَذَا مَجْهُولُ الْعَيْنِ) فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ وَأَمَّا مَجْهُولُ الْعَيْنِ فَقَدْ لَا يَقْبَلُهُ بَعْضُ مَنْ يَقْبَلُ مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ، وَرَدُّهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ فِي الرَّاوِي مَزِيدًا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: إنْ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ كَابْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاكْتَفَيْنَا بِالتَّعْدِيلِ بِوَاحِدٍ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ بِالزُّهْدِ أَوْ النَّجْدَةِ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ: إنْ زَكَّاهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ وَاحِدٍ عَنْهُ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَصَحَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اهـ. فَالْإِجْمَاعُ فِيهِ مُنْتَقَدٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ إلَخْ) فَإِنَّ الْمَجْهُولَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ الْعَيْنِ فَمَجْهُولُ الْعَيْنِ مِنْ أَفْرَادِهِ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَيْدِي سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُ: إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَهُوَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ وَإِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَهُوَ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فَهُوَ أَبُو أُسَامَةَ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَهُوَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى اهـ. وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيّ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَالِكٌ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إذَا قَالَ مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ

كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَكَذَلِكَ مَالِكٌ قَلِيلًا (فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ، وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) ؛ لِأَنَّ وَاصِفَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا، وَهُوَ كَذَلِكَ (خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْخَطِيبِ) الْبَغْدَادِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يُقْبَلُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَارِحٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْوَاصِفُ. وَأُجِيبَ بِبُعْدِ ذَلِكَ جِدًّا مَعَ كَوْنِ الْوَاصِفِ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ أَوْ مَالِكٍ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى (، وَإِنْ قَالَ) نَحْوُ الشَّافِعِيِّ فِي وَصْفِهِ (لَا أَتَّهِمُهُ) كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ (فَكَذَلِكَ) يُقْبَلُ وَخَالَفَ فِيهِ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَوْثِيقًا (وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ تَوْثِيقًا) ، وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِلِاتِّهَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ مِنْ مِثْلِ الشَّافِعِيِّ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُرَادُ بِالْوَصْفِ بِالثِّقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالثِّقَةُ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر وَإِذَا قَالَ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَقِيلَ: الزُّهْرِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ الَّذِي يَقُولُ مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ الثِّقَةُ عَنْ بُكَيْر يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَقَالَ غَيْرُهُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كُلُّ مَا فِي كِتَابِ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ (قَوْلُهُ: إلَّا، وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ ثِقَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِ بِالثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا كَمَا اعْتَبَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ مِمَّنْ يَرَى الِاكْتِفَاءَ بِالْمَسْتُورِ اهـ. سم. قَالَ النَّجَّارِيُّ وَبِهَذَا تَصِيرُ الْأَقْسَامُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةً: مَجْهُولَ الْعَيْنِ وَالْعَدَالَةِ مَعْلُومَهُمَا مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ دُونَ الْعَيْنِ عَكْسُهُ فَالْأَوَّلُ لَا يُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي يُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ لَا يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالرَّابِعُ يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ نَحْوَ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ بِتَوْفِيقٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ التُّهْمَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِاتِّفَاقِهِ، وَلَا لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا إذَا وَقَعَ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَسْأَلَةٍ دِينِيَّةٍ فَهُوَ وَالتَّوْثِيقُ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فَمِنْ ثَمَّ خَالَفْنَاهُ فِي مِثْلِ الشَّافِعِيِّ أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ) لَمْ يَقُلْ فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ أَيْضًا لِلْإِشَارَةِ إلَى انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَمَّا قَبْلَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْإِشَارَةِ تَأْكِيدًا، وَقَالَ الْكَمَالُ جَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا التَّشْبِيهَ فِي أَمْرَيْنِ: تَرْجِيحُ الْقَبُولِ وَمُخَالَفَةُ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ لِيُظْهِرَ أَنَّ قَوْلَ الذَّهَبِيِّ مُخَالِفٌ لِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِلٌ بِالْقَبُولِ وَالثَّانِي قَائِلٌ بِأَنَّ لَا أَتَّهِمُ تَوْثِيقٌ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِجَوَازِ جَارِحٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْوَاصِفُ وَالذَّهَبِيُّ بِنَفْيِ كَوْنِهِ تَوْثِيقًا أَصْلًا وَيَقُولُ: إنَّمَا هُوَ لِلِاتِّهَامِ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِضَبْطِ الرَّاوِي وَإِتْقَانِهِ وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الزَّرْكَشِيّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ الذَّهَبِيَّ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيهِ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ) لَوْ قَالَ لِمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ وَاضِحًا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ هَذَا هِيَ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ فَلَفْظُ مِثْلِ إمَّا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِلتَّغَايُرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَإِنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ لِلْمُعَلِّلِ هُنَا غُيِّرَ بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ لِلْمُعَلِّلِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَوْثِيقًا) أَيْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ فَكَذَلِكَ لَكِنَّهُ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ تَوْثِيقٌ مَعْمُولٌ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ تَوْثِيقٌ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ إلَخْ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ وَالذَّهَبِيُّ أَحَدُ شُيُوخِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي طَبَقَاتِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَحَامِلًا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَنْبَلِيًّا، وَقَدْ أَطْنَبَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَتَى بِكَلَامٍ نَفِيسٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ هُنَا رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِلِاتِّهَامِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاتِّهَامَ افْتِعَالٌ مِنْ الْوَهْمِ، وَهُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَوْثِيقُهُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجَرْحِ عَلَى وَجْهِ الْمَرْجُوحِيَّةِ نَفْيُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْجَحِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّوْثِيقَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّهَامِ ظَنُّ الْجَارِحِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَوْثِيقُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ظَنِّ الْجَرْحِ التَّعْدِيلُ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ:، وَأُجِيبَ إلَخْ) الْمُجِيبُ هُوَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ: مُحْتَجًّا إلَخْ) فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّوَايَةِ الِاحْتِجَاجُ

وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ. (وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ جَاهِلًا عَلَى) فِعْلٍ (مُفَسِّقٍ مَظْنُونٍ) كَشُرْبِ النَّبِيذِ (أَوْ مَقْطُوعٍ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ (فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ أَمْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِارْتِكَابِ الْمُفَسِّقِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ فِي الْمَظْنُونِ دُونَ الْمَقْطُوعِ أَمَّا الْمُقْدِمُ عَلَى الْمُفَسِّقِ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا. (وَقَدْ اُضْطُرِبَ فِي الْكَبِيرَةِ فَقِيلَ:) هِيَ (مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ) فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ (وَقِيلَ:) هِيَ (مَا فِيهِ حَدٌّ) قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا أَمْيَلُ وَالْأَوَّلُ مَا يُوجَدُ لِأَكْثَرِهِمْ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ (وَ) قَالَ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ: هِيَ (كُلُّ ذَنْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى وَصْفِهِ بِالثِّقَةِ إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ الرِّوَايَةُ لَازِمَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ، وَلَوْ بِالْقُوَّةِ لَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ) أَيْ دُونَ التَّعْبِيرِ بِالثِّقَةِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَبْلَغُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ بَحْثُ النَّاصِرِ بِأَنَّ لَا أَتَّهِمُهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ عَنْ الْعَدَالَةِ وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ الصَّرِيحِ فَلَا يَكُونُ دُونٌ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ غَرَضٍ لِغَرَضٍ آخَرَ فَإِنَّ هَذَا فِي خِطَابَاتِ الْبُلَغَاءِ، وَالْكَلَامُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعَدَالَةِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ الثِّقَةِ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: جَاهِلًا) أَيْ جَهْلًا بَسِيطًا وَمُرَكَّبًا بِدَلِيلِ التَّعْمِيمِ، وَلَا قَيْدَ أَنْ يَقُولَ مَنْ أَقْدَمَ مَعْذُورًا أَيْ بِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مُفَسِّقٍ) أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا، وَإِلَّا فَالْإِقْدَامُ مَعَ الْجَهْلِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُفَسِّقًا، وَقَدْ يُشْكِلُ تَقْدِيرُ الشَّارِحِ لَفْظَ الْفِعْلِ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ غَيْرُهُ كَالْقَوْلِ الْمُفَسِّقِ كَالْقَذْفِ جَاهِلًا بِحُرْمَتِهِ لِنَحْوِ قُرْبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: إمَّا مَقْطُوعٌ إلَخْ) اسْتَثْنَى مِنْ التَّدَيُّنِ بِالْكَذِبِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ إلَّا الْخَطَابِيَّةَ وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى الْمَظْنُونِ أَيْضًا وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ إلَى الْمَقْطُوعِ فَقَطْ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْمَحْصُولِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ اعْتَقَدَ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ الْجَهْلُ بِالْحُرْمَةِ مُرَكَّبًا أَمْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا فَيَكُونُ الْجَهْلُ بَسِيطًا وَمِنْ ثَمَّ قُبِلَتْ رِوَايَةُ الْمُبْتَدِعِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاعِ لَيْسَ كَبِيرَةً عِنْدَهُ بَلْ يَعْتَقِدُ حَقِيقَةً فِي الْغَالِبِ فَيَكُونُ جَهْلُهُ مُرَكَّبًا فَقَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ: إنَّهَا مَلَكَةٌ تَمْنَعُ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ مَعْنَاهُ مَا هُوَ كَبِيرَةٌ عِنْدَ الْمُقْتَرِفِ فَيَدْخُلُ الْمُبْتَدِعُ بِشَرْطِهِ فِي الْعَدْلِ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَتَّصِفُ الْمُبْتَدِعُ بِالْعَدَالَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ مَعَ اقْتِرَافِهِ الْمُفَسِّقَ؟ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُفَسِّقٌ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْحُرْمَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مُفَسِّقٍ إلَخْ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: يُقْبَلُ فِي الْمَظْنُونِ دُونَ الْمَقْطُوعِ) ؛ لِأَنَّ الْمَظْنُونَ قِيلَ إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِيهِ مُصِيبٌ بِخِلَافِ الْمَقْطُوعِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ الْفَرْعِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأُصُولِ فَالْمُصِيبُ فِيهِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ اتِّفَاقًا اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: عَالِمًا) أَرَادَ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ كَمَا تَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ كَثِيرًا. (قَوْلُهُ:، وَقَدْ اُضْطُرِبَ فِي الْكَبِيرَةِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي تَعْرِيفِ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مُطْلَقِ الْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ) أَيْ الْفُقَهَاءُ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَكْثَرِهِمْ وَأَمَّا الضَّمِيرُ فِي: ذَكَرُوهُ فَرَاجِعٌ إلَى الْأُصُولِيِّينَ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ أَنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ كَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَالْفِرَارِ يَوْمَ الزَّحْفِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ تَفْصِيلِ) أَيْ تَعَدُّدِ الْكَبَائِرِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا مِنْهَا الرِّبَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْعُقُوقَ وَنَحْوَهَا، وَلَا حَدَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأُسْتَاذُ إلَخْ) قَدَّرَ الشَّارِحُ قَالَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأُسْتَاذَ فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَائِبَ فَاعِلٍ قِيلَ: (قَوْلُهُ: وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ نَقْلًا عَنْ وَالِدِهِ: إنَّ الْكَبِيرَةَ مَا يَلْحَقُ صَاحِبَهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهَا حَدٌّ أَمْ لَمْ يَجِبْ كَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُوَ مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لَهُمْ وَإِنَّهُ أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ

وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ) نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ مَنْ عَصَى بِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ بَدَلَ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَكَبَائِرُ الْخِسَّةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) أَنَّهَا (كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ صَغِيرَةَ الْخِسَّةِ وَالْإِمَامُ إنَّمَا ضَبَطَ بِهِ مَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ الْمَعَاصِي الشَّامِلُ لِتِلْكَ لَا الْكَبِيرَةِ فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِرْوَاحًا نَعَمْ هُوَ أَشْمَلُ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كُلٍّ مِنْ التَّعَارِيفِ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْكَبِيرَةِ مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْدِيدِهَا بِمَا يَلِي الْكُفْرَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ فَقَالَ (كَالْقَتْلِ) أَيْ عَمْدًا كَانَ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْخَطَأِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ (وَالزِّنَا) بِالزَّايِ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ: قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنَّهُمَا قَالَا إنَّهُمْ أَيْ الْأَصْحَابَ أَمْيَلُ إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ {وَالنَّجْمِ} فَإِنْ أُرِيدَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ مَا عَدَا الْمَنْصُوصِ فَمُحْتَمَلٌ، وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُوقَ وَشَهَادَةَ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَلَا يُوجِبَانِ حَدًّا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ) أَيْ قَالَا لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ بَلْ كُلُّهَا كَبَائِرُ نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ مَنْ عُصِيَ بِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّوَاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] الْآيَةَ وُجِدَتْ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَفَى الْكَبَائِرَ نَظِيرًا لِسَعَةِ الرَّحْمَةِ (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ إلَخْ) أَيْ لَا نَظَرًا لِذَاتِهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ) أَيْ وَهِيَ كَبَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ عِنْدَهُمَا فَلَا تَضُرُّ، وَلَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَكِنْ عِنْدَنَا تُسَمَّى صَغَائِرَ وَعِنْدَهُمَا كَبَائِرَ فَالْخُلْفُ رَاجِعٌ إلَى التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ: بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَادَةً وَفَسَّرَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الِاكْتِرَاثَ بِالِاهْتِمَامِ وَالِاعْتِنَاءِ وَالدِّيَانَةَ بِالْعِبَادَةِ قَالَ فَالِاكْتِرَاثُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْقَلْبِيَّةِ وَرِقَّةُ الدِّيَانَةِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْبَدَنِيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِرِقَّةِ الدِّيَانَةِ ضَعْفُ التَّدَيُّنِ الشَّامِلِ لِضَعْفِ اهْتِمَامِهِ وَاعْتِنَائِهِ. (قَوْلُهُ: بِظَاهِرِهِ) إنَّمَا قَالَ بِظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ إنَّمَا ضَبَطَ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِي إرْشَادِهِ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةُ الْعَدَالَةِ. اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: الشَّامِلَ) بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِمَا، وَقَوْلُهُ لِتِلْكَ أَيْ لِصَغِيرَةِ الْخِسَّةِ (قَوْلُهُ: اسْتِرْوَاحًا) أَيْ تَسَاهُلًا وَطَلَبًا لِلرَّاحَةِ مَعَ عَدَمِ إمْعَانِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ أَشْمَلُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَمَا لَمْ يُتَوَعَّدْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَيَشْمَلُ مَا فِيهِ حَدٌّ وَمَا لَا حَدَّ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ إلَخْ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْأَمْثِلَةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ حَقِيقَةً أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ الِاعْتِذَارُ عَنْ عَدَمِ عَدِّ الْكُفْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ عَلَى التَّعْرِيفِ الرَّابِعِ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ إلَخْ، وَأَمَّا عَلَى التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَمِنْ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ تَعْرِيفٌ لِعَدَالَةِ الرَّاوِي الْمُسْلِمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُقْبَلُ مَجْنُونٌ وَكَافِرٌ وَالْكَبَائِرُ مَأْخُوذَةٌ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا هِيَ الْكَبِيرَةُ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ) لِقَوْلِهِ بِرِقَّةِ الدِّيَانَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّ الْكُفْرَ وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ بِخُصُوصِهِ وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ قِيلَ: بِعَدَمِ خِطَابِهِمْ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ شِبْهُ كَبِيرَةٍ أَمَّا الْخَطَأُ فَلَا إشْكَالَ فِي كَوْنِهِ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ كَبِيرَةً فَلَا وِجْهَةَ لِتَخْصِيصِ شُرَيْحٍ بِنَقْلِ نَفْيِ كَوْنِهِ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: بِالزَّايِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا (قَوْلُهُ:، ثُمَّ أَيُّ) أَيُّ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَيٌّ أَعْظَمُ (قَوْلُهُ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك) التَّقْيِيدُ بِالْوَلَدِ أَوْ بِحِلَّةِ الْجَارِ لِمَزِيدِ التَّنْفِيرِ وَالْقُبْحِ

فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] (وَاللِّوَاطُ) ؛ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَاءِ النَّسْلِ كَالزِّنَا، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ لُوطٍ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ بِسَبَبِهِ كَمَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. (وَشُرْبُ الْخَمْرِ) ، وَإِنْ لَمْ تُسْكِرْ لِقِلَّتِهَا وَهِيَ الْمُشْتَدَّةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ (وَمُطْلَقُ الْمُسْكِرِ) الصَّادِقِ بِالْخَمْرِ وَبِغَيْرِهَا كَالْمُشْتَدِّ مِنْ نَقِيعِ الزَّبِيبِ الْمُسَمَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا شُرْبُ مَا لَا يُسْكِرُ لِقِلَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَصَغِيرَةٌ (وَالسَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ) قَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ الْغَصْبَ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبُعَ مِثْقَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يُنَافِي أَنَّ الْقَتْلَ وَالزِّنَا مُطْلَقًا مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَمَّ الدَّلِيلُ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا) ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ، وَإِنْ لَمْ تُصَرِّحْ بِالتَّرْتِيبِ كَالْحَدِيثِ لَكِنْ رُتِّبَتْ فِيهَا الْمَذْكُورَاتُ ذِكْرًا وَلَا بُدَّ فِي التَّرْتِيبِ ذِكْرًا مِنْ حِكْمَةٍ وَهِيَ تَفَاوُتُهَا فِي الرُّتْبَةِ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي الذِّكْرِ (قَوْلُهُ: وَاللُّوَاطَةُ) ، وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الزِّنَا وَلِذَلِكَ شَدَّدَتْ الْمَذَاهِبُ فِي عُقُوبَتِهِ حَتَّى أَنِّي رَأَيْت فِي كِتَابِ إرْشَادِ الْأَذْهَانِ، وَهُوَ كِتَابٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُؤَلَّفٌ فِي فِقْهِ الْيَزِيدِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ خَارِجٌ عَنْ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ الْخَارِجَةِ مَنْكُورٌ إلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَتَمَذْهَبُونَ بِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ أَيْ قَتْلِ اللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ بَيْنَ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ وَالتَّحْرِيقِ وَالرَّجْمِ وَالْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ وَإِلْقَاءِ جِدَارٍ عَلَيْهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَحَدِهَا مَعَ الْإِحْرَاقِ اهـ. وَأَقُولُ أَمَّا الرَّجْمُ وَالْإِلْقَاءُ مِنْ شَاهِقٍ فَقَدْ قِيلَ: بِهِمَا وَأَمَّا التَّحْرِيقُ فَمَا أَظُنُّ أَحَدًا قَالَ بِهِ فِي عُقُوبَةٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ سِوَاهُمْ (قَوْلُهُ: لِمَاءِ النَّسْلِ) أَيْ بِوَطْءٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِذَاتِهِ فَلَا يَرِدُ الِاسْتِمْنَاءُ وَالْعَزْلُ عَنْ حَلِيلَتِهِ، وَقَدْ يَنْتَقِضُ هَذَا أَيْضًا بِوَطْءِ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ فِي فَرْجٍ لَيْسَ مَحَلَّ النَّسْلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا لِمَاءِ النَّسْلِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ذَلِكَ فَلَا يَدْرِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ أَوْ عَزَلَ عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَالْمَلُوطِ بِهِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ إلَخْ) كَأَنَّهُ إشَارَةٌ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمَالِكِيَّةِ: وَفِيهِ وَهَنٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا. (قَوْلُهُ: وَشُرْبُ الْخَمْرِ) ، وَكَذَا الْأَكْلُ وَمُطْلَقُ وُصُولِ الْجَوْفِ مِمَّا لَا يُعَدُّ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، نَحْوُ ابْتِلَاعِ الْأَثَرِ الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يَجِيءُ بِوَاسِطَةِ ابْتِلَاعِ رِيقِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا وَكَذَا الْعَصْرُ وَالِاعْتِصَارُ وَحَمْلُهَا وَطَلَبُ حَمْلِهَا لِشُرْبِهَا وَنَحْوِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَشُرْبِهَا أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ اللَّعْنِ، وَفِي الزَّوَاجِرِ أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ، وَلَوْ قَطْرَةً مِنْهَا فَكَبِيرَةٌ إجْمَاعًا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ شُرْبُ الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي إلْحَاقِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ إلْحَاقُهُ إنْ كَانَ شَافِعِيًّا، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّ شُرْبَ غَيْرِ الْخَمْرِ إنَّمَا يَكُونُ كَبِيرَةً إذَا سَكِرَ مِنْهُ فَمَرْدُودٌ إلَى أَنْ قَالَ فَسُكُوتُ الرَّافِعِيِّ عَلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ لَوْ خَلَطَ خَمْرًا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ فَذَهَبَتْ شِدَّتُهَا وَشَرِبَهَا فَصَغِيرَةٌ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عِنْدَ تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَالِدُهُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهَا أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بَاطِنُهُ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ أَبَدًا، وَإِنْ كُنَّا نُطَالِبُهُ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ الطَّاهِرُونَ وَالطَّاهِرَاتُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لِلضَّرُورَةِ قَالَ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي مُبَاحَثَةٍ طَوِيلَةٍ وَقَعَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ (قَوْلُهُ: فَصَغِيرَةٌ) أَيْ حُكْمًا فِي حَقِّ مَنْ شَرِبَهُ مُعْتَقِدًا حِلَّهُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ حَقِيقَةً لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ وَالتَّوَعُّدَ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ مِنْ مَطْبُوخِ عَصِيرِ الْعِنَبِ اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحُدُّ الْحَنَفِيَّ إذَا شَرِبَ الْقَلِيلَ مِنْ النَّبِيذِ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ

كَمَا يُقْطَعُ بِهِ السَّرِقَةُ أَمَّا سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ فَصَغِيرَةٌ قَالَ الْحَلِيمِيُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَبِيرَةً. (وَالْقَذْفُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 23] نَعَمْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ قَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِهِنَّ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةُ الْمُتَسَتِّرَةُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَذْفُ الْمُحْصَنِ فِي خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْصِيَةٍ فِي ظَنِّهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: التَّأْدِيبِيَّاتُ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ لَا الْمَعْصِيَةَ بِدَلِيلِ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ فَالْحَنَفِيُّ غَيْرُ عَاصٍ لِصِحَّةِ تَقْلِيدِهِ، وَهُوَ مُوقِعٌ لِمَفْسَدَةِ الْمُتَوَسِّلِ إلَى إفْسَادِ عَقْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ قَدْ يَزِيدُ فَيُسْكِرُ فَأَحُدُّهُ لِذَلِكَ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ هَاهُنَا قَاعِدَةً جَلِيلَةً قَالَ: مَنْ جَهِلَ حُرْمَةَ شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ أَوْ الْعُقُوبَةُ وَفَعَلَهُ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَجَهِلَ الْحَدَّ أَوْ الْعُقُوبَةَ حُدَّ أَوْ عُوقِبَ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا جَاهِلًا وُجُوبَ الْحَدِّ دُونَ مَنْ شَرِبَهَا يَظُنُّهَا حِلَابًا أَوْ يَعْرِفُ أَنَّهَا خَمْرٌ وَلَكِنْ يَحْسَبُهَا حَلَالًا إذَا كَانَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ سُؤَالِ مَنْ قَالَ كَيْفَ لَا تُخْرِجُ الشَّافِعِيَّةُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثَقِّلِ وَجْهَيْنِ إقَامَةً لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ مَقَامَ الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ كَمَا أَنَّ لَهُمْ وَجْهًا فِي أَنَّ وَطْءَ الْمُرْتَهِنِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِمَا يُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ تَجْوِيزِ إجَارَةِ الْجَوَارِي وَالْوَطْءِ بِالْإِذْنِ قَالَ هَذَا السَّائِلُ فَاعْتِبَارُ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ خِلَافِ عَطَاءٍ هَذَا سُؤَالٌ سَاقِطٌ يَظْهَرُ ضَعْفُهُ بِتَأَمُّلِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ عَلَى ضَعْفِهِ إنَّمَا أَقَامَ خِلَافَ عَطَاءٍ شُبْهَةً لِقَوْلِهِ بِالْحِلِّ لَا بِالْحُرْمَةِ مَعَ سُقُوطِهِ الْحُدُودَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِحِلِّ الْقَتْلِ بِالْمُثَقِّلِ، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا قَالَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَكَانَ الْقَائِلُ بِالْمِثْلِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ جَاهِلًا بِالْعُقُوبَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ جَهْلُهُ بِهَا بِخِلَافِ الْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ مِنْ أَصْلِهَا اهـ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ عَطَاءٍ نَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَارِيخِهِ وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ قَالَ نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَذْهَبِ عَطَاءٍ إبَاحَةَ وَطْءِ الْجَوَارِي بِإِذْنِ أَرْبَابِهِنَّ وَحَكَى أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِجَوَارِيهِ إلَى ضِيفَانِهِ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا اهـ. وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ خَلِّكَانَ وَمَا كُلُّ مَقُولٍ مَقْبُولٌ وَالْأَدَبُ فِي حَقِّ السَّلَفِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ مَا نَصُّهُ لِمُرَاعَاتِهِ شُرُوطُ أَحَدِهَا أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ الْخِلَافِ قَوِيًّا فَإِنْ كَانَ وَاهِيًا لَمْ يُرَاعِ كَالرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَنْكَرَهَا وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَا يَصِحُّ لَهَا مُسْتَنَدٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُعَارِضَةٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الْجَوَارِي بِالْعَارِيَّةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَحِّحُوا النَّقْلَ عَنْهُ فَإِنَّا نَقُولُ: وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا أَثَرَ لَهَا فَإِنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تُبَاحُ بِالْإِذْنِ كَمَا فِي بُضْعِ الْحُرَّةِ كَشُبْهَةِ الْحَنَفِيِّ فِي النَّبِيذِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُقْطَعُ بِهِ) أَيْ بِجَزْمِ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي السَّرِقَةِ أَيْ فِي كَوْنِهَا كَبِيرَةً فَهُوَ مِنْ الْقَطْعِ بِمَعْنَى الِاتِّفَاقِ لَا بِمَعْنَى إبَانَةِ الْعُضْوِ كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَمَّا سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ فَصَغِيرَةٌ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْقَطْعِ بِمَعْنَى الْإِبَانَةِ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ فِي الِاحْتِرَازِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا سَرِقَةُ الْقَلِيلِ فَلَا يَقْطَعُهُ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا غِنًى) بَابُهُ صَدًى يُقَالُ غَنِيَ يَغْنَى كَصَدَى يَصْدَى تَصَدَّى. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ) خَالَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ فِطَامًا عَنْ جِنْسِ هَذِهِ

مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ أَمَّا قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَمُبَاحٌ، وَكَذَا جَرْحُ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ بِالزِّنَا إذَا عُلِمَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ. (وَالنَّمِيمَةُ) وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ يَعْنِي عِنْدَ النَّاسِ» . زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ «بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ يَعْنِي: عِنْدَ اللَّهِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ» أَمَّا نَقْلُ الْكَلَامِ نَصِيحَةً لِلْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَوَاجِبٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص: 20] ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْغِيبَةَ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّخْصِ أَخَاهُ بِمَا يَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَالْعَادَةُ قَرْنُهَا بِالنَّمِيمَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ قَالَ: إنَّهَا صَغِيرَةٌ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا فَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا نَعَمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إنَّهَا كَبِيرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَشْمَلُهَا تَعْرِيفُ الْأَكْثَرِ الْكَبِيرَةَ بِمَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12] وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ فِي مَوَاضِعَ مَذْكُورَةٍ فِي مَحَلِّهَا. (وَشَهَادَةُ الزُّورِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهَا فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْسَدَةِ، وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَهَذَا رَمْيُ مُحْصَنَةٍ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ) الْغَرَضُ نَفْيُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً لَا نَفْيُ إيجَابِ الْحَدِّ فَيَكُونُ النَّفْيُ مُنْصَبًّا عَلَى الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ: إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي إبَاحَةِ قَذْفِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ الْمُؤَكَّدُ بِزِنَاهَا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَمُبَاحٌ) أَيْ غَيْرُ حَرَامٍ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْقَذْفُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ) ، وَلَوْ بِنَحْوِ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَكَلَّمُ فِي حَقِّهِ أَوْ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَلَاقَةٌ كَصَدِيقِهِ وَقَرِيبِهِ وَغُلَامِهِ مِمَّنْ يَتَرَتَّبُ الْإِفْسَادُ عَلَى النَّقْلِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْإِفْسَادَ أَوْ لَا حَيْثُ كَانَ الْإِفْسَادُ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّقْلِ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِفْسَادِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ تَأَذٍّ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً (قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ وَالْمُرَادُ بِالنَّامِّ النَّمَّامُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الدَّلِيلَ أُخِذَ مِنْ الْمُدَّعَى إذْ الْمُدَّعَى أَنَّ النَّمِيمَةَ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ إلَّا إذَا تَكَرَّرَتْ؛ لِأَنَّ نَمَّامَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ فَيَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ) أَيْ صَاحِبَهُمَا (قَوْلُهُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) فِيهِ أَنَّ " كَانَ " تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْوَعِيدِ عَلَى تَكْرَارِ النَّمِيمَةِ تَرَتُّبُهُ عَلَى أَصْلِ النَّمِيمَةِ حَتَّى يَكُونَ مُطْلَقُ النَّمِيمَةِ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: أَخَاهُ) أَيْ فِي الْخِلْفَةِ فَيَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ الذِّمِّيَّ، وَالْمُرَادُ ذِكْرُهُ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَادَّةُ الْغِيبَةِ وَقَوْلُهُ بِمَا يَكْرَهُهُ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِذَلِكَ قَالَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا) قَالَ النَّاصِرُ لَوْ قَالَ بِغَلَبَةِ الْبَلْوَى بِهَا لَكَانَ أَوْفَقَ بِقَوْلِهِ فَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا إذْ الْبَعْضُ سَلِمَ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ الْكَثْرَةُ أَوْ الْعُمُومُ لِأَكْثَرِ النَّاسِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَقَلَّ إلَخْ سم قَالَ النَّجَّارِيُّ وَالْمُفْتَى بِهِ الْآنَ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ صَغِيرَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهَا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا (قَوْلُهُ: يَخْمُشُونَ) أَيْ يَخْدِشُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ (قَوْلُهُ: يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ) قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَالْأَكْلُ مُحَقَّقٌ عِنْدَ أَهْلِ اللَّهِ يَرَوْنَهُ بِأَبْصَارِهِمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ (قَوْلُهُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إلَخْ) هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِلْوَعِيدِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْكَبِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هِيَ سِتَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْأَذْكَارِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ بِإِيضَاحٍ وَنَظَمْتهَا فِي بَيْتَيْنِ، وَهُمَا

وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِالنَّفْيِ بَلْ قَالَ، وَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلَسًا (وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي قَاطِعَ الرَّحِمِ وَالْقَطِيعَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ الْقَطْعِ ضِدُّ الْوَصْلِ وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ. (وَالْعُقُوقُ) أَيْ لِلْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهُ فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُهُمَا «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» فَلَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُمَا كَالْوَالِدِينَ فِي الْعُقُوقِ (وَالْفِرَارُ) مِنْ الزَّحْفِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهُ مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ أَيْ الْمُهْلِكَاتِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ يَجِبُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ لِانْتِفَاءِ إعْزَازِ الدِّينِ بِثُبُوتِهِ (وَمَالُ الْيَتِيمِ) أَيْ أَكْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدَحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ ... مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرٍ وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ ... طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكِرٍ. (قَوْلُهُ: وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْكَبَائِرِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ، وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا بَيْنَ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَبَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ الدَّالِ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ وَحْدَهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ حَقِيقِيٌّ، وَفِي هَذَا إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ) أَيْ الْكَاذِبَةُ، وَهُوَ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِفُجُورِ الْآتِي بِهَا (قَوْلُهُ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى اقْتِطَاعِ حَقِّ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَالدَّلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَدِلَّةِ جَرَى مَجْرَى الْغَالِبِ. (قَوْلُهُ: وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ) عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مُقْتَضَى الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ الْقَرَابَةُ، وَلَا يَتَأَتَّى قَطْعُهَا وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ مَا أَلِفَ الْقَرِيبُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الْوَصْلَةِ وَالْإِحْسَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ قَرِيبُهُ مَالًا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُرَاسِلَةً أَوْ زِيَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ) أَيْ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ لَا بِقَيْدِ الْمُحَرَّمَاتِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْوَالِدِينَ) بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ وَالِدٍ فَيَشْمَلُ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ (قَوْلُهُ: بِثُبُوتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِثَبَاتِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَكْلُهُ) فَإِنْ قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْغَصْبِ أَوْ السَّرِقَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قُلْت إنَّمَا ذَكَرَهُ لِوُرُودِهِ بِخُصُوصِهِ وَحِكْمَةُ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَفِي كَلَامِهِمْ أَيْضًا الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي خِيَانَةِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَإِنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا لَكِنَّ إفْرَادَهَا بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِبَيَانِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ حِلُّهَا تَبَعًا لِمَا وَقَعَتْ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا اهـ. سم. وَعَبَّرَ بِالْأَكْلِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ مَثَلًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَالُ الْيَتِيمِ دُونَ ذِكْرِ مُضَافٍ خَاصٍّ لِيَصِحَّ تَقْدِيرُ مَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ مِنْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُودِ الْإِتْلَافِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَكْلُ أَعَمَّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ اخْتَارَهُ الشَّارِحُ دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ هُنَا صَرَّحَ فِي الْآيَةِ بِهِ دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الْإِتْلَافِ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ، وَهُوَ أَكْلٌ حَقِيقِيٌّ وَحُكِيَ أَنَّ جَمَاعَةً كَانُوا فِي سَفِينَةٍ فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا نَارًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هَلْ هُنَا أَحَدٌ أَكَلَ مَالَ يَتِيمٍ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا فَقَالَ: اُنْفُخْ عَلَى هَذَا الشَّيْءِ فَنَفَخَ فِيهِ فَاشْتَعَلَ نَارًا وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ لِإِنْكَارِ هَذَا وَنَحْوِهِ مَنْ أَلِفَ تَلَقُّفَ الْمَعَانِي مِنْ الْأَلْفَاظِ بِدُونِ أَنْ يَذُوقَ مَدَارِكَهَا، وَلَا اطَّلَعَ عَلَى حَقَائِقِهَا لِاحْتِجَابِ هِلَالِ عَقْلِهِ بِسَحَابِ الْوَهْمِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ جَلَالُ الدِّينِ الدَّوَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالزَّوْرَاءِ أَنَّ الْمَحْجُوبَ الْمُنْغَمِسَ فِي أَحْكَامِ الطَّبِيعَةِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْحَقَائِقَ إلَّا بِصُوَرِهَا لِتَعَوُّدِهِ بِالْعَوَائِدِ الْمَأْلُوفَةِ الطَّبِيعِيَّةِ يُنْكِرُ الْحَقِيقَةَ عِنْدَ تَبَدُّلِ الصُّورَةِ، وَلَا يَعْرِفُهَا لِتَحَوُّلِهَا فِي مَلَابِسِهَا لَكِنَّ الْعَارِفَ الْمُدْرِكَ

مَثَلًا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] ، وَقَدْ عَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي لَهُ نَفْسٌ قَوِيَّةٌ لَا يَصِيرُ مَغْلُوبًا بِأَحْكَامِ خُصُوصِيَّاتِ الْمَوَاطِنِ وَلَا يَحْجُبُهُ حُكْمُ مَوْطِنٍ عَنْ حُكْمِ الْمَوْطِنِ الْآخَرِ بَلْ يَعْرِفُهَا فِي سَائِرِ مَلَابِسِهَا إلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ تَمْهِيدِهِ مُقَدِّمَاتٍ كَأَنَّك بِمَا قَرَعَ سَمْعَك مِنْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ اطَّلَعْت عَلَى حَقِيقَةِ الِانْطِبَاقِ بَيْنَ الْعَوَالِمِ فَإِنَّهَا بِأَسْرِهَا صُورَةٌ لِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَخَالِفَةٍ مِنْ جِهَةٍ تُخَالِفُ أَحْكَامَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَسْتَوْطِنُهَا النَّفْسُ فِي مَدَارِجِ صُعُودِهَا إلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى فِي سَيْرِهَا الشُّهُودِيِّ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الرُّؤْيَا أَوْ بِطَرِيقِ تَصْفِيَةِ الْبَاطِنِ وَالْمُكَاشَفَةِ فَإِنَّ بَعْضَ النُّفُوسِ الْكَامِلَةِ تَتَّصِلُ فِي سَيْرِهَا الشُّهُودِيِّ بِعَالَمِ الْمُجَرَّدَاتِ وَتُشَاهِدُ بَعْضَ الْحَقَائِقِ بِصُوَرٍ غَيْرِ الصُّوَرِ الَّتِي كَانَتْ تُشَاهِدُهَا فِي عَالَمِ الْمَادِّيَّاتِ تَقْتَضِيهَا أَحْكَامُ ذَلِكَ الْعَالَمِ وَمَدَارِكُ هُبُوطِهَا أَيْ مَنَازِلُ هُبُوطِهَا إلَى عَالَمِ السُّفْلَيَاتِ الْمَادِّيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ فِي سَيْرِهَا الْوُجُودِيِّ بَلْ انْكَشَفَ لَكَ أَسْرَارٌ غَامِضَةٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَظُهُورُ الْمَبْدَأِ فِي الْكَثْرَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ الظُّهُورَ إنَّمَا يَنْحَصِرُ وَيَتَقَوَّمُ بِالنَّفْسِ وَمَرَاتِبِهِ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْعَلِيَّةِ وَأَسْرَارِ الْمَعَادِنِ مِنْ ظُهُورِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ الطَّاهِرَةِ لِلنَّشْأَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِالصُّوَرِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تُدْرِكُهَا وَتُشَاهِدُهَا، وَفِي النَّشْأَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ بِالصُّوَرِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا أَحْكَامُ تِلْكَ النَّشْأَةِ كَمَا فُصِّلَ فِي الشَّرِيعَةِ الْحَقَّةِ وَتَسَلَّفَتْ بِهِ إلَى حَقَائِقِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ ظُهُورِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ فِي الْمَوَاطِنِ الْمَعَادِيَّةِ بِصُوَرِ الْأَجْسَادِ وَكَيْفِيَّةِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ وَسِرِّ حَشْرِ الْأَفْرَادِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِصُوَرِ الْأَخْلَاقِ الْغَالِبَةِ وَاطَّلَعَتْ عَلَى سِرِّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49] فَإِنَّ الْآيَةَ بِظَاهِرِهَا تَدُلُّ عَلَى إحَاطَةِ جَهَنَّمَ بِالْكَافِرِينَ فِي الزَّمَانِ الْحَالِّ وَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّرْفِ عَنْ الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى التَّحْقِيقِ الَّذِي سَبَقَ فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ الرَّذِيلَةَ وَالْعَقَائِدَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي هِيَ مُحِيطَةٌ بِهِمْ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا جَهَنَّمُ الَّتِي سَتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ وَتُحِيطُ بِهِمْ فِي النَّشْأَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ فِي الصُّوَرِ الْمَوْعُودِ بِظُهُورِهَا عَلَيْهِمْ كَمَا أَنْذَرَهُمْ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّ نِيرَانَهَا كَذَا وَعَقَارِبَهَا كَذَا وَحَيَّاتِهَا كَذَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ عَذَابِهَا، فَجَهَنَّمُ مُحِيطَةٌ بِهِمْ حَالًا وَاسْتِقْبَالًا أَمَّا حَالًا فَهِيَ صُوَرُ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ وَالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَّا اسْتِقْبَالًا فَفِي الصُّوَرِ الْمَوْعُودِ بِظُهُورِهَا عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الصُّوَرِ، وَهُمْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ بِالْحَقَائِقِ وَأَنَّهَا فِي كُلِّ مَوْطِنٍ تَتَصَوَّرُ بِصُورَةٍ تَقْتَضِيهَا أَحْكَامُ ذَلِكَ الْمَوْطِنِ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَائِقَ إلَّا بِصُوَرِهَا الْمَأْلُوفَةِ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ فَلَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ النَّارِ إلَّا بِالصُّوَرِ الْمُحْرِقَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَكَذَا سَائِرُ الْحَقَائِقِ، وَأَمَّا النَّفْسُ الْمُحِيطَةُ عِلْمًا بِالْحَقَائِقِ وَتَنَقُّلُهَا فِي الصُّوَرِ الْمُتَكَثِّرَةِ الْمُتَخَالِفَةِ بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ فَتَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ ذَلِكَ الِانْتِقَالُ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ إلَى مِرْآةِ خَيَالِهِ الَّتِي هِيَ مِشْكَاةُ مِصْبَاحِ النَّفْسِ فَنَشَأَ بِمَعُونَةِ الْمِرْآةِ الَّتِي هِيَ الْخَيَالُ تِلْكَ الصُّوَرُ بِأَعْيَانِهَا مَعَ مُشَاهَدَتِهَا لِلصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ فَإِنَّ النَّفْسَ الْقَوِيَّةَ لَا يَشْغَلُهَا شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، وَلَا يُلْهِيهَا مَوْطِنٌ عَنْ مَوْطِنٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَالُ دَائِمًا لَهُمْ بَلْ مُخْتَلِفًا بِسَبَبِ خَوَاصِّ الْأَوْقَاتِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْأَحْوَالِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ حِذَاءَ الْحَائِطِ وَرُبَّمَا شَغَلَ بَعْضَ الْمُكَاشَفِينَ مُشَاهَدَةُ صُوَرِ ذَلِكَ الْمَوْطِنِ عَنْ صُوَرِ هَذَا الْمَوْطِنِ عَلَى عَكْسِ حَالِ الْمَحْجُوبِينَ بَيِّنٌ كَمَا سَمِعْت مِنْ أُسْتَاذِي الْعَالِمِ الْعَامِلِ مُحْيِي الدِّينِ الْمِلَّةِ مُحَمَّدٍ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ مَنْ لَاقَاهُ مِنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي فَارِسَ رَجُلٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فَقَالَ الْوَلِيُّ لِخَادِمِهِ أَخْرِجْ هَذَا الْحِمَارَ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ مُسْتَغْرِقًا فِي حَالِهِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ زَالَ عَنْهُ هَذَا الْحَالُ أَخْبَرَهُ الْخَادِمُ بِمَا جَرَى فَقَالَ الْوَلِيُّ مَا قُلْت إلَّا مَا رَأَيْت، وَلَمْ أَكُنْ وَاقِفًا عَلَى مَا تَقُولُ، وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] وَقَوْلُ الْفَاتِحِ الْخَاتَمِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَكْمَلُ التَّحِيَّاتِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَقْيِيدِهِ بِنِصَابٍ لِسَرِقَةِ (وَخِيَانَةِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ) فِي غَيْرِ الشَّيْءِ التَّافِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] وَالْكَيْلُ يَشْمَلُ الذَّرْعَ عُرْفًا أَمَّا فِي التَّافِهِ فَصَغِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ) عَلَى وَقْتِهَا (وَتَأْخِيرُهَا) عَنْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالسَّفَرِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ تَرْكُهَا (وَالْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُجَرْجِرُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارَ جَهَنَّمَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ كَوْنِهِمْ آكِلِينَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا فِي الْحَالِ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُصُولَهُمْ إلَى السَّعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْجَرْجَرَةِ فِي حَالِ شُرْبِهِمْ فِي تِلْكَ الْأَوَانِي وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْجَنَّةَ قِيعَانٌ، وَإِنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غِرَاسُهَا فَكَمَا أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ ظَهَرَ فِي الصُّورَةِ الْقَوْلِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْقَائِلِ فَكَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ يَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الْغَرْسِيَّةِ الْجَوْهَرِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ لَا بِشَيْءٍ آخَرَ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَوَامِضِ الْحِكَمِ وَالْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ، وَعَلِمْت أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّأْوِيلِ كَمَا انْتَهَى إلَيْهِ نَظَرُ بَعْضِ الْوَاغِلِينَ فِي الْفَحْصِ عَنْ الْحَقَائِقِ بِطَرِيقِ الْبَحْثِ فَإِنَّهُ قُصُورٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى انْتَهَى مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الرِّسَالَةِ الزَّوْرَاءِ وَحَاشِيَتِهَا لِلدَّوَّانِيِّ مَعَ شَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ شَرْحِ مُنْلَا شَيْخِ الْكُرْدِيِّ عَلَيْهَا وَحُذِفَ مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ مَطْلَبٌ نَفِيسٌ عَزِيزٌ وَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ نُبَالِ بِالتَّطْوِيلِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَيْضًا سِرُّ مَا يَقُولُهُ فُقَهَاؤُنَا فِي تَعْرِيفِ الْحَدَثِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ مِنْ أَنَّ الْبَصَائِرَ تُشَاهِدُهُ رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى نُورَ الْبَصَائِرِ وَالْبَصَرِ (قَوْلُهُ: وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَيْ كَمَا تَرَدَّدَ فِي تَقْيِيدِ شَهَادَةِ الزُّورِ بِذَلِكَ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ قَدْ نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَإِنْ وَقَعَ فِي مَالٍ خَطِيرٍ فَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي مَالٍ حَقِيرٍ كَزَبِيبَةٍ وَتَمْرَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْكَبَائِرِ فِطَامًا عَنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ كَالْقَطْرَةِ مِنْ الْخَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ الْمَفْسَدَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ مَعَ الْجُرْأَةِ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ جُرْأَةً عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ التَّقْيِيدُ فِيهِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَخِيَانَةُ الْكَيْلِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا مُطْلَقُ الْخِيَانَةِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] قُلْت هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَالْغُلُولِ اهـ زَكَرِيَّا أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْغُلُولِ مَا يَشْمَلُ مُطْلَقَ الْخِيَانَةِ لَا خُصُوصَ الْغُلُولِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ تَهَاوُنٌ بِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) مُتَعَلِّقٌ فِي الْمَعْنَى بِكُلٍّ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَخَرَجَ بِهِ جَمِيعُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرُ فَإِنَّ فِيهِمَا تَقْدِيمَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرَهَا عَنْهُ (قَوْلُهُ: مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى الْجَمْعُ الصُّورِيُّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ) أَيْ نَوْعًا (قَوْلُهُ: وَالْكَذِبُ) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ وَتَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَمُّدِهِ فِي سِوَى ذَلِكَ اهـ. سم وَمِنْ الْكَذِبِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّحْنُ فِي كَلَامِهِ بِلَا عُذْرٍ وَمِثْلُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ» ؛ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ مُتَفَاوِتَةٌ.

أَمَّا الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ (وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ) بِلَا حَقٍّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» إلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَسَبُّ الصَّحَابَةِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ «كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ» إلَخْ الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ السَّابِينَ نَزَّلَهُمْ لِسَبِّهِمْ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِمْ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ حَيْثُ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرَهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» أَيْ أَعْلَمْتُهُ بِأَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ أَيْ مُعَاقِبٌ وَالصَّحَابَةُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَعَالَى وَسَبُّهُمْ مُشْعِرٌ بِمُعَادَاتِهِمْ أَمَّا سَبُّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَصَغِيرَةٌ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ» مَعْنَاهُ تَكَرُّرُ السَّبِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَمَّا الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ) أَيْ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يُصَيِّرُهُ كَبِيرَةً كَالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ الشَّعْرَانِيِّ قَالَ: مَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ اسْتَدْرَجَهُ الْكَذِبُ حَتَّى يَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ تُشَرِّقُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ فِيمَنْ يَكْذِبُ فِي حُكْمِهِ أَنَّهُ يُكَلَّفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعْرَتَيْنِ مِنْ نَارٍ وَذَلِكَ لِمُنَاسِبَةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ التَّأْلِيفِ بِمَا لَا يَصِحُّ ائْتِلَافُهُ وَهَذَا مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَمَا عَذَّبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا بِفِعْلِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ خَصَّ الْمُسْلِمَ لِكَوْنِهِ أَفْحَشَ أَنْوَاعِهِ، وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ اهـ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ إنْ أَرَادَ فِي التَّحْرِيمِ فَمُسَلَّمٌ أَوْ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَمَمْنُوعٌ اهـ. زَكَرِيَّا قَالَ سم وَعِنْدِي أَنَّ الْأَوْجَهَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَشَمِلَ الضَّرْبَ الْيَسِيرَ وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ الضَّرْبَةَ وَالْخَدْشَةَ إذَا عَظُمَ أَلَمُهَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِوَالِدٍ أَوْ وَلِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْكَبَائِرِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُمَا) أَيْ فِي النَّارِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي الدُّنْيَا وَيَأْتِيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ بِالْمَغِيبَاتِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ خُصُوصًا فِي عَصْرِ تَأْلِيفِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ جِدًّا عِنْدَنَا بِمِصْرَ فَقَلَّ أَنْ تَجِدَ أَحَدًا مَنْسُوبًا لِلدَّوْلَةِ، وَلَوْ أَدْنَى نِسْبَةٍ إلَّا وَبِيَدِهِ شَيْءٌ يُسَمَّى الْكُرْبَاجُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجِلْدِ مُعَدٌّ لِضَرْبِ الْمُذْنِبِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ) أَيْ تَسْتُرُ كُلٌّ مِنْهُنَّ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتُبْدِي بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا (قَوْلُهُ: وَسَبُّ الصَّحَابَةِ) الْمُرَادُ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ وَيُسْتَثْنَى سَبُّ الصِّدِّيقِ بِنَفْيِ الصُّحْبَةِ فَهُوَ كُفْرٌ لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَلِيقُ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يَعْلَمْ حُرْمَةَ سَبِّ الصَّحَابَةِ إذْ لَوْ كَانَ عَالِمًا لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ عُدُولًا (قَوْلُهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا) أَيْ لِأَجْلِ وِلَايَتِهِ وَأَمَّا إذَا عَادَاهُ لِأَجْلِ دَعْوَى دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُشْعِرُ لَفْظُ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ أَيْ عَادَاهُ مِنْ أَجْلِ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ: فَصَغِيرَةٌ) أَيْ فِي غَيْرِ ذِي الْوِلَايَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّحَابَةِ لِلْجَزْمِ بِوِلَايَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ قَالَ سم وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ سَبُّ غَيْرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا كَبِيرَةً حَيْثُ تَكُونُ الْغِيبَةُ كَبِيرَةً لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهِ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهَا بَلْ قَدْ تَكُونُ أَشَدَّ أَفْرَادِهَا أَوْ مِنْ أَشَدِّهَا وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ سَبَّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ؛ لِأَنَّ غِيبَتَهُمْ كَبِيرَةٌ وَأَنَّ غِيبَةَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ إذْ لَا يَنْحَطُّونَ عَنْهُمَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الْمُخَالَفَاتِ إذْ هَؤُلَاءِ لَا اعْتِبَارَ بِهِمْ (قَوْلُهُ: وَبِسِبَابٍ) هُوَ مَصْدَرُ سَابَّ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ لِفَاعِلٍ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَةُ (قَوْلُهُ: تَكَرَّرَ السَّبُّ) أَيْ الَّذِي يُصَيِّرُهُ فِي حُكْمِ الْكَبِيرَةِ، وَلَوْ حُمِلَ السَّبُّ عَلَى مُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ كَانَ أَوْلَى، وَالْغَالِبُ أَنَّ السَّبَّ يُقْصَدُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَا يُقْصَدُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ بِخِلَافِ الْغِيبَةِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ اتِّجَاهِ

(وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ) قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] أَيْ مَمْسُوخٌ (وَالرِّشْوَةُ) وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ مَالًا لِيُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ حَقًّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ فِي الْحُكْمِ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ فِي رِوَايَةٍ أَيْضًا «وَالرَّائِشُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا» وَقَالَ فِيهِ بِدُونِ الزِّيَادَتَيْنِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ بِدُونِهِمَا حَسَنٌ صَحِيحٌ أَمَّا بَذْلُ مَالٍ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي جَائِزٍ مَعَ السُّلْطَانِ مَثَلًا فَجَعَالَةٌ جَائِزَةٌ. (وَالدِّيَاثَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَفِي حَدِيثٍ «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ» قَالَ الذَّهَبِيُّ إسْنَادٌ صَالِحٌ (وَالْقِيَادَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَهِيَ مَقِيسَةٌ عَلَى الدِّيَاثَةِ (وَالسِّعَايَةُ) وَهِيَ أَنْ يَذْهَبَ بِشَخْصٍ إلَى ظَالِمٍ لِيُؤْذِيَهُ بِمَا يَقُولُهُ فِي حَقِّهِ، وَفِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ حَدِيثُ السَّاعِي مُثَلِّثٌ أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ سم قَبْلُ. (قَوْلُهُ: وَالرِّشْوَةُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ كَانَ الْحَقُّ مَالًا دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِتَبْدِيلِ الشَّرْعِ مِمَّنْ وُضِعَ لِتَنْفِيذِهِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ اهـ. سم وَقَدْ فَشَتْ الرِّشْوَةُ الْآنَ حَتَّى كَادَتْ تُعَدُّ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَا يَقَعُ إنْكَارٌ بِتَعَاطِيهَا، وَلَا إظْهَارِهَا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَمْسُوخٌ) أَيْ مُحَوَّلٌ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ إلَى قَبُولِ الْبَاطِلِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ) فِيهِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَعَلَ مُسَمَّى الرِّشْوَةِ الْبَذْلَ مَعَ أَنَّ الْأَخْذَ كَبِيرَةٌ أَيْضًا. الثَّانِي: أَنَّ نَفْسَ الْحُكْمِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ انْتَفَى الْبَذْلُ الْمَذْكُورُ. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُحِقُّ بَاطِلًا إلَخْ يُخْرِجُ مَا إذَا أَخَذَهُ لِيُحِقَّ حَقًّا مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ سَوَاءٌ أَخَذَهَا عَلَى الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ أَوْ بِالْحَقِّ (قَوْلُهُ: فَجِعَالَةٌ جَائِزَةٌ) هُوَ مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْجَاهِ قَالَ الْكَمَالُ وَقُيِّدَ بِالْجَائِزِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَاجِبِ كَالْمَحْبُوسِ ظُلْمًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ نَقْلًا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْمَحْبُوسَ ظُلْمًا إذَا بَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الرِّشْوَةِ بَلْ هُوَ عِوَضٌ حَلَالٌ كَسَائِرِ الْجِعَالَاتِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ ظَالِمٍ فَقَالَ إنْ خَلَّصْتَنِي مِنْهُ فَلَكَ كَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَسْتَحِقُّهُ كَرَدِّ الْآبِقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: تَخْلِيصُهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيَكُونُ بِالتَّخَلُّصِ مُسْقِطًا لِلْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ جُعْلًا هَذَا كَلَامُهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقَضَاءِ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ فَلَهُ بَذْلُ الْمَالِ وَالْآخِذُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ، وَهَذَا كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ أَعْمَالِهِ، وَهُوَ جَزْمٌ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيَحِلُّ الْبَذْلُ لِلْجَاعِلِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا عَلِمَ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنَّ الْجَاعِلَ مَظْلُومٌ بِالْحَبْسِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ اهـ. . (قَوْلُهُ: عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ لِدُخُولٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ إلَّا مُجَرَّدُ الِاخْتِلَاءِ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْرَمِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِهِ الزَّوْجَةُ وَنَحْوُهَا كَبِنْتِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِيثِ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، هُوَ شَطْرٌ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَسْنَدَهُ الْحَاكِمُ فَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الذَّهَبِيِّ قُصُورٌ (قَوْلُهُ: وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَادَةُ إلَخْ) تَبِعَ فِي تَفْسِيرِهَا الْمَذْكُورِ الزَّرْكَشِيَّ وَاَلَّذِي فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الطَّلَاقِ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْقَوَّادَ مَنْ يَحْمِلُ الرِّجَالَ إلَى أَهْلِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِالْأَهْلِ بَلْ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحَرَامِ اهـ. فَالْقِيَادَةُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الدِّيَاثَةِ وَعَلَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهَا وَالْحَامِلُ لِمَنْ ذَكَرَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ خَوْفُ التَّكْرَارِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَذْهَبُوا إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِلسِّعَايَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ التَّكَلُّمُ فِي شَخْصٍ بِمَا يُؤْذِيهِ عِنْدَ ظَالِمٍ وَأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالظَّالِمِ إلَيْهِ أَوْ ذَهَابَهُ فَهُوَ وَحْدَهُ سِعَايَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِيُؤْذِيَهُ) وَإِنْ

نَفْسِهِ وَالْمُسْعَى بِهِ وَإِلَيْهِ (وَمَنْعُ الزَّكَاةِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ» إلَخْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ) قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] (وَأَمْنُ الْمَكْرِ) بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي وَالِاتِّكَالِ عَلَى الْعَفْوِ قَالَ تَعَالَى {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] . (وَالظِّهَارُ) كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] أَيْ حَيْثُ شَبَّهُوا الزَّوْجَةَ بِالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ) أَيْ تَنَاوُلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] (وَفِطْرُ رَمَضَانَ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ مُرْتَكِبِهِ بِالدِّينِ. (وَالْغُلُولُ) ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] (وَالْمُحَارَبَةُ) وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمَارِّينَ بِإِخَافَتِهِمْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةَ (وَالسِّحْرُ وَالرَّبَّا) بِالْمُوَحَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهُمَا مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَإِدْمَانُ الصَّغِيرَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقْصِدْهُ إنْ عَلِمَ تَرَتُّبَهُ عَلَى إخْبَارِ الظَّالِمِ وَكَالْقَوْلِ الْإِشَارَةُ (قَوْلُهُ: نَفْسَهُ) أَيْ فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُسْعَى بِهِ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ أَيْ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ مُثَلَّث. (قَوْلُهُ: وَمَنْعُ الزَّكَاةِ) يَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْعُ الْمُطْلَقُ وَالْمَنْعُ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: لَا يُؤَدِّي مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا عَيْنًا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ إلَخْ) كَانَ تَامَّةٌ وَصُفِّحَتْ إمَّا مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصَفَائِحُ حَالٌ أَوْ إلَى صَفَائِحَ وَحِكْمَةُ قَوْلِهِ مِنْ نَارٍ مَعَ قَوْلِهِ فَأُحْمِيَ الْإِشَارَةُ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرَارَةِ (قَوْلُهُ: وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ) اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ بِمَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كُفْرٌ، وَفِي عَقَائِدِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْإِيَاسَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ، وَأَنَّ الْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَكْفَرُ فَإِنْ أَرَادُوا الْإِيَاسَ لِإِنْكَارِ سَعَةِ الرَّحْمَةِ الذُّنُوبَ وَبِالْأَمْنِ اعْتِقَادَ أَنْ لَا مَكْرَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كُفْرٌ وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ رَدُّ الْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ مَنْ اسْتَعْظَمَ ذُنُوبَهُ فَاسْتَبْعَدَ الْعَفْوَ عَنْهَا اسْتِبْعَادًا يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْيَأْسِ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّجَاءِ مَا دَخَلَ بِهِ فِي حَدِّ الْأَمْنِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَبِيرَةٌ لَا كُفْرٌ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ يَسْتَرْسِلُ فِي الْمَعَاصِي غَالِبًا لِعَدَمِ مُبَالَاتِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِغَيْرِ الْأَمْنِ. قَوْلُهُ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا} [المجادلة: 2] إلَخْ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ زُورًا وَالزُّورُ كَبِيرَةٌ وَيُوَافِقُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَوْلُهُ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ قَالَ سم قَضِيَّةُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَوْنُ الدَّمِ كَبِيرَةً أَيْضًا وَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ أَعَمُّ مِنْ الْكَبِيرَةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِآيَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إذْ قَوْلُهُ فِيهَا {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ فِسْقًا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ مِنْ صَغَائِرِ الْخِسَّةِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً وَمِثْلُ فِطْرِ رَمَضَانَ كُلُّ وَاجِبٍ غَيْرَهُ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَوْنَ فِطْرِ رَمَضَانَ كَبِيرَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّعْرِيفِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ بِخُصُوصِهِ قَوْلُهُ {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] أَيْ يَأْتِي بِهِ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ يَأْتِي بِمَا احْتَمَلَهُ مِنْ وَبَالِهِ (قَوْلُهُ: بِإِخَافَتِهِمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْإِخَافَةُ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا قَتْلٌ أَوْ أَخْذُ مَالٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كَبِيرَةٌ عَلَى انْفِرَادِهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّيَاءِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ خَطُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ كَتَبَ الرِّبَا بِالْبَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّيَا بِالْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ) أَيْ الَّذِي سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ

[مسألة الإخبار عن شيء عام للناس لا ترافع فيه إلى الحكام]

أَيْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ وَلَيْسَتْ الْكَبَائِرُ مُنْحَصِرَةً فِيمَا عَدَّهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» وَمُسْلِمٌ بَدَلَهَا «وَقَوْلُ الزُّورِ» وَحَدِيثُهُمَا «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرَّبَّا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْهَا وَقْتَ ذِكْرِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا. (مَسْأَلَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ) شَيْءٍ (عَامٍّ) لِلنَّاسِ (لَا تَرَافُعَ فِيهِ) إلَى الْحُكَّامِ (الرِّوَايَةُ وَخِلَافُهُ) ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ خَاصٍّ بِبَعْضِ النَّاسِ يُمْكِنُ التَّرَافُعُ فِيهِ إلَى الْحُكَّامِ (الشَّهَادَةُ) وَخَرَجَ بِإِمْكَانِ التَّرَافُعِ الْإِخْبَارُ عَنْ خَوَاصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيَذْكُرْهُ فِيمَا سَبَقَ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا إلَخْ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَبِيرَةٌ سَوَاءٌ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ عَلَيْهَا أَمْ لَا، وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَنْ غَلَبَتْ طَاعَتُهُ مَعَاصِيه كَانَ عَدْلًا وَمَنْ غَلَبَتْ مَعَاصِيهِ طَاعَتَهُ كَانَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ وَهَذَا مَعْنَى نَصِّ الْمُخْتَصَرُ، وَأَمَّا اسْتِوَاءُ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي فَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ بِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ مَنْ اسْتَوَتْ طَاعَتُهُ وَمَعَاصِيهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ الْعَدَالَةُ وَهِيَ غَلَبَةُ الطَّاعَاتِ فَمَا لَمْ تُحَقِّقْ فَشَرْطُ الْقَبُولِ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْقَبُولُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَقَدْ ضَبَطَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِصْرَارَ الْمَعْدُودَ كَبِيرَةً بِأَنَّ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَكَرُّرًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ، وَكَذَا مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الصَّغَائِرِ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِهِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ، وَهُوَ ضَابِطٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ إشْعَارَ غَلَبَةِ الْمَعَاصِي بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ أَظْهَرُ، وَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْغَلَبَةِ شَرْعًا فَالضَّبْطُ بِمَا يَسْتَنِدُ إلَيْهَا أَوْلَى اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَوْعٍ وَأَنْوَاعٍ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ يُفْهِمُ أَنَّ الْآتِي بِوَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ نَوْع لَا يَكُونُ مُدْمِنًا اهـ. وَأَقُولُ مَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ يَصْدُقُ عَلَيْهَا صِدْقًا ظَاهِرًا الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْ أَنْوَاعِ فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْإِفْهَامُ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَالتَّوَلِّي) أَيْ الْفِرَارُ مِنْ الْكُفَّارِ يَوْمَ الزَّحْفِ أَيْ زَحْفَةِ جَيْشِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْكَبِيرَةَ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ: كَالْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَلِكُلِّ نَوْعٍ أَصْنَافٌ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَهُ كَأَصْنَافِ الْكُفْرِ مِنْ الْإِشْرَاكِ وَجَحْدِ النُّبُوَّةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكَأَصْنَافِ الْقَتْلِ مَنْ قَتَلَ الْوَلَدَ مَخَافَةَ الطُّعْمِ وَقَتَلَ الْأَجْنَبِيَّ وَغَيْرَهُمَا وَكَأَصْنَافِ الزِّنَا مِنْ الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَحَلِيلَةِ غَيْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَعَدَدُهَا الَّذِي وَصَفَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السَّبْعِمِائَةِ هُوَ عَدَدُ أَصْنَافِ الْأَنْوَاعِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. [مَسْأَلَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ شَيْءٍ عَامٍّ لِلنَّاسِ لَا تَرَافُعَ فِيهِ إلَى الْحُكَّامِ] (قَوْلُهُ: لِإِخْبَارٍ عَنْ عَامٍّ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالرِّوَايَةُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالشَّهَادَةُ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ خِلَافُهُ خَبَرٌ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ الْإِخْبَارِ عَنْ خَاصٍّ) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَتَعَلُّقُ الشَّهَادَةِ قَدْ يَكُونُ عَامًّا كَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهِ خُصُوصًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حُكْمٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ التَّرَافُعُ فِيهِ) عَبَّرَ بِالْإِمْكَانِ نَظَرًا إلَى

فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ غَالِبًا حَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْهُ الْخَوَاصُّ وَنَفْيُ التَّرَافُعِ فِيهِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَمَا فِي الْمَرْوِيِّ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَنَحْوِهِمَا يَرْجِعُ إلَى الْخَبَرِ بِتَأْوِيلٍ، فَتَأْوِيلُ أُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا مَثَلًا الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ، وَالزِّنَا حَرَامٌ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ (وَأَشْهَدُ إنْشَاءً تَضَمَّنَ الْإِخْبَارَ) بِالْمَشْهُودِ بِهِ (لَا مَحْضَ إخْبَارٍ أَوْ إنْشَاءٍ عَلَى الْمُخْتَارِ) ، وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى اللَّفْظِ لِوُجُودِ مَضْمُونِهِ فِي الْخَارِجِ بِهِ وَإِلَى مُتَعَلَّقِهِ. وَالثَّانِي: إلَى الْمُتَعَلَّقِ فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: إلَى اللَّفْظِ فَقَطْ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ فَلَمْ تَتَوَارَدْ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكَّمِ تُسَمَّى شَهَادَةً، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلْزَامٌ وَعَمَلٌ فَأَشَارَ بِتَعْبِيرِهِ بِالْإِمْكَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَسْمِيَتُهَا شَهَادَةً عَلَى كَوْنِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَعْرِيفُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: لِبَيَانِ الْوَاقِعِ) ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ لَا تَرَافُعَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْمَرْوِيِّ إلَخْ) دُفِعَ لِيُزَادَ عَلَى تَعْرِيفِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ هَذَا فِي كُلِّ إنْشَاءٍ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا إنْشَاءَ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَبِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ وَغَيْرَهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَتَأْوِيلُ أَقِيمُوا إلَخْ) أَوْرَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِخْبَارِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ إنْشَاءٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَقَالَ الْكَمَالُ الْإِخْبَارُ فِي نَفْسِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَالَ النَّبِيُّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَقَدْ خَاضَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَغَايَةُ مَا فَرَّقُوا بِهِ الِاخْتِلَافَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخَالُفًا فِي الْحَقِيقَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ: أَقَمْت مُدَّةً أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى ظَفِرْت بِهِ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فَقَالَ الرِّوَايَةُ هِيَ الْإِخْبَارُ عَنْ عَامٍّ لَا تَرَافُعَ فِيهِ إلَى الْحُكَّامِ وَخِلَافُهُ الشَّهَادَةُ وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي يَفْتَرِقَانِ فِيهَا فَكَثِيرَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِجَمْعِهَا وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ: الْأَوَّلُ الْعَدَدُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ أُمُورًا: أَحَدُهَا أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَهَابَةُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ شَهَادَةِ الزُّورِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَنْفَرِدُ بِالْحَدِيثِ رَاوٍ وَاحِدٌ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ لَفَاتَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِ فَوْتِ حَقِّ وَاحِدٍ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَدَاوَاتٍ تَحْمِلُهُمْ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ الذُّكُورِيَّةُ فِيهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. الثَّالِثُ: لَا يُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا. الرَّابِعُ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْبُلُوغُ وَأَوْصَلَهَا إلَى إحْدَى وَعِشْرِينَ ذَكَرَهَا كُلَّهَا السُّيُوطِيّ، وَلَكِنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا قَابِلٌ لِلْمُنَاقَشَةِ وَذَكَرَ مِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَى مَرْكُوبٍ (قَوْلُهُ: إنْشَاءً) أَيْ مَعْنًى، وَإِلَّا فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِخْبَارِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ مَضْمُونِهِ فِي الْخَارِجِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشَّهَادَةُ اللَّفْظِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى النُّطْقِ إمَّا أَنْ تُرِيدَ الشَّهَادَةَ الْقَلْبِيَّةَ بِمَعْنَى أَعْلَمُ ذَلِكَ وَأَتَحَقَّقُهُ فَإِخْبَارٌ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ، وَلَوْ أُرِيدَ اللَّفْظِيَّةُ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ شَهَادَةٍ حَاصِلَةٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِهَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ التَّحْقِيقُ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي لَفْظِ أَشْهَدُ لَا فِي لَفْظِ الْمَشْهُودِ بِهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَتَوَارَدُ إلَخْ) أَيْ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَلَكِنْ يُنَافِيه قَوْلُهُ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لَا يَكُونُ أَحَدُ الْأَقْوَالِ حَقًّا وَالْآخَرُ بَاطِلًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِإِلَّا حَقِيقَةُ أَنَّهُ حَقِيقٌ

وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ أَشْهَدُ إنْشَاءً وَكَوْنِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ إخْبَارًا؛ لِأَنَّهُ صِيغَةٌ مُؤَدِّيَةٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِمُتَعَلَّقِهِ (وَصِيَغُ الْعُقُودِ كَبِعْتُ) وَاشْتَرَيْت وَزَوَّجْت وَتَزَوَّجْت (إنْشَاءً) لِوُجُودِ مَضْمُونِهَا فِي الْخَارِجِ بِهَا (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا إخْبَارٌ عَلَى أَصْلِهَا بِأَنْ يُقَدِّرَ وُجُودَ مَضْمُونِهَا فِي الْخَارِجِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهَا. (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (: يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ بِوَاحِدٍ) فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ (وَقِيلَ: فِي الرِّوَايَةِ فَقَطْ) أَيْ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ رِعَايَةً لِلتَّنَاسُبِ فِيهِمَا فَإِنَّ الْوَاحِدَ يُقْبَلُ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ (وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا) نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَدِ (وَقَالَ الْقَاضِي) أَيْضًا (يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا) أَيْ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاعْتِبَارِ، وَأَحَقُّ بِالْقَبُولِ (قَوْلُهُ:، وَلَا مُنَافَاةَ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَشْهَدَ إنْشَاءً إلَخْ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لِلشَّهَادَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ لَفْظَ أَشْهَدَ إخْبَارٌ (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ الْمَعْنَى) ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ وَقَوْلُهُ بِمُتَعَلَّقِهِ أَيْ، وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَشْهَدَ بِكَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى مُقَيَّدٍ وَقَيْدٍ، وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَمَنْ نَظَرَ لَهُمَا مَعًا قَالَ لَهُ إنْشَاءً تَضَمَّنَ إخْبَارًا وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْقَيْدِ فَقَطْ قَالَ إنَّهُ إخْبَارٌ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ: إنَّهُ إنْشَاءٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) قَالَ الْكَمَالُ قَدْ اُشْتُهِرَ فِي الْأُصُولِ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنْكَرَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا إنْشَاءٌ نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّ الشَّارِحُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْهَضُ مُعَارِضًا لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ النَّقْلِ فَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنَّهَا إخْبَارٌ عَلَى أَصْلِهَا) أَيْ وَارِدَةٌ عَلَى وَصْفِهَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَدَّرَ وُجُودُ مَضْمُونِهَا إلَخْ) أَيْ حَتَّى يَصِحَّ صِدْقُ الْخَبَرِ عَلَيْهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ بَلْ يُقَالُ نُقِلَتْ صِيغَةُ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ مَجَازًا، ثُمَّ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ شَائِعٌ فَإِنْ أُرِيدَ إلَى الْوُجُودِ فِي الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ إنْشَاءٍ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَخْ) مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ لِمَا هُنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَالشَّاهِدِ وَالرَّاوِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعَدَالَةِ وَهِيَ تُنْفَى بِالْجَرْحِ وَتَتَحَقَّقُ بِالتَّعْدِيلِ، ثُمَّ قَضِيَّةُ تَقْدِيمِ هَذَا الْقَوْلِ وَحِكَايَةُ مَا عَدَاهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ يُشْعِرُ بِاحْتِيَاجِ الْمُصَنِّفِ لَهُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ الْقَوْلُ الْمُفَصَّلُ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ

الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ سَبَبِهِمَا فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ بِهِ (وَقِيلَ: يَذْكُرُ سَبَبَهُمَا) ، وَلَا يَكْفِي إطْلَاقُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجْرَحَ بِمَا لَيْسَ بِجَرْحٍ وَأَنْ يُبَادِرَ إلَى التَّعْدِيلِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَقِيلَ:) يَذْكُرُ سَبَبَ التَّعْدِيلِ فَقَطْ أَيْ دُونَ سَبَبِ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجَرْحِ يُبْطِلُ الثِّقَةَ وَمُطْلَقُ التَّعْدِيلِ لَا يُحَصِّلُهَا لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ (وَعَكَسَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ يَذْكُرُ سَبَبَ الْجَرْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ) قِيلَ: الْأَوْلَى الْجُرْحَةُ وَالْعَدَالَةُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِجَعْلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَصْدَرَيْ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ أَوْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أَثَرُ الْجَرْحِ وَأَثَرُ التَّعْدِيلِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا) أَيْ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيمَنْ خَفِيَ أَمْرُهُ أَمَّا مَا اُسْتُفِيضَتْ عَدَالَتُهُ وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِهَا كَمَالِكٍ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ: مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنْ النَّاسِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ) ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ يَكْثُرُ التَّصَنُّعُ فِيهَا فَيَبْنِي الْمُعَدِّلُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَقَدْ يُوَثِّقُ الْمُعَدِّلُ بِمَا لَا يَقْتَضِي الْعَدَالَةَ كَمَا رَوَى يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَالَ سَمِعْت إنْسَانًا يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ: عَبْدُ اللَّهِ الْمَعْمَرِيُّ ضَعِيفٌ فَقَالَ: إنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيٌّ لَوْ رَأَيْت لِحْيَتَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْت أَنَّهُ ثِقَةٌ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْئَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدْلُ وَغَيْرُهُ اهـ. أَقُولُ وَأَقْوَى شَاهِدٍ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ لِحُسْنِ زِيِّهِ فَلَا يَمُدُّ رِجْلَهُ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ يَسْتَرِيحُ بِمَدِّهَا لِأَلَمٍ بِهَا فَيَتَضَرَّرُ احْتِشَامًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَ يَوْمًا: مَتَى يُفْطِرُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ: إذَا لَمْ تَغْرُبْ فَقَالَ يَمُدُّ الشَّافِعِيُّ رِجْلَهُ هَكَذَا وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ قِصَّةُ الْفَارَابِيِّ مَعَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ بِزِيِّ التَّتَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تُرْكِيًّا وَجَلَسَ بِجَانِبِهِ فَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ فَضْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ وَهَذَا الْوَقْتُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ جَرَى عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ اعْتِقَادِ النَّاسِ مَا لَيْسَ فِي الْمُعْتَقِدِ اعْتِمَادًا عَلَى ضَخَامَةِ جِسْمِهِ وَمَلَابِسِهِ أَوْ لِتَصَنُّعِهِ حَتَّى انْتَهَى. الْحَالُ إلَى أَنَّهُ مَتَى أُسْنِدَ قَوْلٌ لِذَلِكَ الْمُعْتَقِدِ جُعِلَ اعْتِمَادًا لِنِسْبَتِهِ لِذَلِكَ الْقَائِلِ فَنَحْنُ الْآنَ نَعْرِفُ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ لَا الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلْنَعْلَمْ مَا قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمُنْقِذِ مِنْ الضَّلَالِ أَنَّ عَادَةَ ضُعَفَاءِ الْعُقَلَاءِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ لَا الرِّجَالَ بِالْحَقِّ فَالْعَاقِلُ يَعْرِفُ الْحَقَّ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي نَفْسِ الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ حَقًّا قَبِلَهُ سَوَاءٌ كَانَ قَائِلُهُ مُبْطِلًا أَوْ مُحِقًّا بَلْ رُبَّمَا يَخُوضُ عَلَى انْتِزَاعِ الْحَقِّ مِنْ تَضَاعِيفِ كَلَامِ أَهْلِ الضَّلَالِ عَالِمًا بِأَنَّ مَعْدِنَ الذَّهَبِ الرِّغَامُ وَلَا بَأْسَ عَلَى الصَّرَّافِ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكِيسِ وَانْتَزَعَ الْإِبْرِيزَ الْخَالِصَ مِنْ الزَّيْفِ مَهْمَا كَانَ وَاثِقًا لِبَصِيرَتِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَقُ الْأَخْرَقُ دُونَ السَّبَّاحِ الْحَاذِقِ وَلَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْمَثْبُوتَةِ فِي تَصَانِيفِنَا فِي أَسْرَارِ عُلُومِ الدِّينِ مَنْ لَمْ تَسْتَحْكِمْ فِي الْعُلُومِ مَنَابِرُهُمْ، وَلَمْ تَنْفَتِحْ إلَى أَقْصَى غَايَاتِ الْمَذَاهِبِ بَصَائِرُهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ

لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ دُونَ سَبَبِ التَّعْدِيلِ (وَهُوَ) أَيْ عَكْسُ الشَّافِعِيُّ (الْمُخْتَارُ فِي الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ) فِيهَا لِلْجَرْحِ كَالتَّعْدِيلِ (إذَا عُرِفَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ كَلَامِ الْأَوَائِلِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا مِنْ مُوَلَّدَاتِ الْخَوَاطِرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ الْحَافِرُ عَلَى الْحَافِرِ وَبَعْضُهَا يُوجَدُ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَكْثَرُهَا مَوْجُودٌ مَعْنَاهُ فِي كُتُبِ الصُّوفِيَّةِ وَهَبْ أَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِي كُتُبِهِمْ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ مَعْقُولًا فِي نَفْسِهِ مُؤَيَّدًا بِالْبُرْهَانِ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ؛ لِأَنَّا لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ وَتَطَرَّقْنَا إلَى أَنْ نَهْجُرَ كُلَّ حَقٍّ سَبَقَ إلَيْهِ خَاطِرُ مُبْطِلٍ لَلَزِمَنَا أَنْ نَهْجُرَ كَثِيرًا مِنْ الْحَقِّ وَيَتَدَاعَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَسْتَخْرِجَ الْمُبْطِلُونَ الْحَقَّ مِنْ أَيْدِينَا لِإِيدَاعِهِمْ إيَّاهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَأَقَلُّ دَرَجَةِ الْعَالِمِ أَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ الْعَامِّيِّ فَلَا يَعَافُ الْعَسَلَ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِحْجَمَةِ الْحَجَّامِ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّ الدَّمَ مُسْتَقْذَرٌ لَا لِكَوْنِهِ فِي الْمِحْجَمَةِ بَلْ لِصِفَةٍ فِي ذَاتِهِ فَإِذَا عُدِمَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي الْعَسَلِ فَكَوْنُهُ فِي ظَرْفِهِ لَا يُكْسِبُهُ تِلْكَ الصِّفَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الِاسْتِقْذَارُ، وَهَذَا الْوَهْمُ الْبَاطِلُ غَالِبٌ عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ فَمَهْمَا نَسَبْت الْكَلَامَ وَأَسْنَدْتَهُ إلَى قَائِلٍ حَسُنَ فِيهِ اعْتِقَادُهُمْ قَبِلُوهُ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ أَسْنَدْته إلَى مَنْ سَاءَ فِيهِ اعْتِقَادُهُمْ رَدُّوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَدَائِمًا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ، وَلَا يَعْرِفُونَ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ (قَوْلُهُ: لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ) إذْ رُبَّمَا أَطْلَقَ أَحَدُهُمْ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ جَرْحًا وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ لِيُنْظَرَ هَلْ هُوَ قَادِحٌ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ كَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الْجَرْحُ لَهُمْ كَعِكْرِمَةَ وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ اُشْتُهِرَ الطَّعْنُ فِيهِمْ وَهَكَذَا فَعَلَ أَبُو دَاوُد وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَفْسَرَ الْجَارِحُ فَذَكَرَ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ، وَقَدْ عَقَدَ الْخَطِيبُ لِذَلِكَ بَابًا رَوَى فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ قِيلَ: لِشُعْبَةَ لِمَ تَرَكْت حَدِيثَ فُلَانٍ قَالَ رَأَيْته يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْت حَدِيثَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ لِصَالِحٍ الْمُرِّيِّ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِصَالِحٍ ذَكَرُوهُ يَوْمًا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَامْتَخَطَ حَمَّادٌ وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ شُعْبَةُ أَتَيْت مَنْزِلَ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو فَسَمِعْت مِنْهُ صَوْتَ الطُّنْبُورِ فَرَجَعْت فَقِيلَ: لَهُ فَهَلَّا سَأَلْت عَنْهُ هَلْ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَقَالَ شُعْبَةُ أَيْضًا قُلْت لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ لِمَ لَمْ تَرْوِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ كَانَ كَثِيرَ الْكَلَامِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ وَأَقُولُ: دَلَّ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى مَدْحِ شَخْصٍ أَوْ ذَمِّهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَتَخَلَّفُ فَكَمْ رَأَيْنَا أَقْوَامًا تَلَبَّسُوا بِصُورَةِ الصَّلَاحِ مِصْيَدَةً لِأَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَقْوَامًا بِخِلَافِهِمْ تَوَرَّعُوا عَنْ ذَلِكَ وَبِذِكْرِ سَمَاعِ الطُّنْبُورِ مِنْ بَيْتِ الرَّجُلِ أَذْكُرُ مَا أَنَا وَاقِعٌ فِيهِ وَقْتَ تَأْلِيفِي لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ، وَهُوَ أَنَّ جَارًا لِي يَبِيعُ الرَّقِيقَ فَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ بَيْتُهُ مِنْ ضَرْبِ الطَّنَابِيرِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَالرَّقْصِ لِتَعَلُّمِ الْجَوَارِي بِحَيْثُ إنَّ مَنْ دَخَلَ دَارِي يَسْمَعُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ عِنْدِي لَوْلَا أَنِّي أَقُولُ لَهُ: هَذَا عِنْدَ جَارِي وَأَذْكُرُ لَهُ الْقِصَّةَ فَمَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ حَالِي لَا أُخْبِرُهُ وَمَنْ جَهِلَهَا لَا بُدَّ لِي مِنْ إخْبَارِهِ، وَإِلَّا ارْتَابَ فِي شَأْنِي قَالَ سم الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ اشْتِرَاطُ التَّفْصِيلِ فِي الْجَرْحِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ دُونَ التَّعْدِيلِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَجْعَلُ شَيْئًا جَارِحًا يَجْعَلُ انْتِفَاءَهُ شَرْطًا فِي الْعَدَالَةِ وَمَنْ لَا يَجْعَلُهُ جَارِحًا لَا يَجْعَلُ انْتِفَاءَهُ شَرْطًا فِيهَا فَمَنْ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ غَيْرُ عَدْلٍ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُ جَارِحًا وَعُدِّلَ عِنْدَ مَنْ لَا يَجْعَلُهُ جَارِحًا فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ مُقْتَضِيًا لِلِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الْعَدَالَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا عُرِفَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِدُونِ بَيَانِ سَبَبِهِ كَأَنْ يَقُولَ الْجَارِحُ فُلَانٌ ضَعِيفٌ أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ، نَعَمْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ إنَّ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ فِي إثْبَاتِ الْجَرْحِ لَكِنَّا نَعْتَمِدُهُ فِي التَّوَقُّفِ عَنْ قَبُولِ خَبَرِ مَنْ قُبِلَ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أَوْقَعَ

مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْرَحُ إلَّا بِقَادِحٍ، وَلَا يُكْتَفَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهَا بِالْمَشْهُودِ لَهُ (وَقَوْلُ الْإِمَامَيْنِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيّ (يَكْفِي إطْلَاقُهُمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (لِلْعَالِمِ بِسَبَبِهِمَا) أَيْ مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِهِ (هُوَ رَأْيُ الْقَاضِي) الْمُتَقَدِّمُ (إذْ لَا تَعْدِيلَ وَجَرْحَ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ) بِسَبَبِهِمَا فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. (وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ) عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى التَّعْدِيلِ (إنْ كَانَ عَدَدُ الْجَارِحِ أَكْثَرَ مِنْ) عَدَدِ (الْمُعَادِلِ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا) أَيْ عَدَدُ الْجَارِحِ وَعَدَدُ الْمُعَدِّلِ (أَوْ كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ) عَدَدًا مِنْ الْمُعَدِّلِ لِاطِّلَاعِ الْجَارِحِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُعَدِّلُ (وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ) فِي الْقِسْمَيْنِ كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي الْأَوَّلِ بِكَثْرَةِ عَدَدِ الْجَارِحِ وَعَلَى وِزَانِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ التَّعْدِيلَ فِي الثَّالِثِ مُقَدَّمٌ (وَمِنْ التَّعْدِيلِ) لِشَخْصٍ (حُكْمٌ مُشْتَرَطٌ لِلْعَدَالَةِ) فِي الشَّاهِدِ (بِالشَّهَادَةِ) مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا عِنْدَهُ لَمَا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ (وَكَذَا عَمَلُ الْعَالِمِ) الْمُشْتَرِطِ لِلْعَدَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَنَا رِيبَةً قَوِيَّةً اهـ. زَكَرِيَّا. فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَعْتَمِدُ النَّاسُ فِي جَرْحِ الرُّوَاةِ وَرَدِّ حَدِيثِهِمْ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَقَلَّمَا يَتَعَرَّضُونَ فِيهَا لِبَيَانِ السَّبَبِ بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ ضَعِيفٌ وَفُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ السَّبَبِ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ ذَلِكَ وَسَدِّ بَابِ الْجَرْحِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ؟ قُلْت أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي التَّقْرِيبِ مُخْتَصَرُ كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ إنَّ كُتُبَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِيهَا سَبَبُ الْجَرْحِ فَفَائِدَتُهَا التَّوَقُّفُ فِيمَنْ جَرَّحُوهُ فَإِنْ بَحَثْنَا عَنْ حَالِهِ وَانْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ وَحَصَلَتْ الثِّقَةُ بِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ كَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْهُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْعَالِمِ بِمَعْنَى مِنْ. (قَوْلُهُ:، وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ) فَضَّلَهُمَا بِكَذَا؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ فِيهَا لَيْسَ إجْمَاعًا بَلْ عَلَى الصَّحِيحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِاطِّلَاعِ الْجَارِحِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ الْمُعَدِّلُ عَلَى السَّبَبِ وَعَلِمَ تَوْبَتَهُ مِنْهُ قُدِّمَ عَلَى الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ كَأَصْلِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْجَارِحُ سَبَبًا فَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ بِطَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ كَأَنْ قَالَ الْجَارِحُ: قُتِلَ فُلَانٌ وَقْتَ كَذَا فَقَالَ الْمُعَدِّلُ رَأَيْتُهُ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ كَانَ الْقَائِلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعَارَضَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى وَزْنِهِ) أَيْ مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ إنَّمَا جَعَلَ الْكَثْرَةَ مُرَجِّحَةً فِي التَّرْجِيحِ دُونَ التَّعْدِيلِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ وَعَلَى وِزَانِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ التَّعْدِيلِ) أَيْ الضِّمْنِيِّ وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: حُكْمُ مُشْتَرِطِ الْعَدَالَةِ إلَخْ) قَالَ النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْوَاقِعَةِ فَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ حُكْمٌ يَعُمُّهُ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا عَمَلُ الْعَالِمِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ: وَعَمَلُ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّتِهِ، وَلَا بِتَعْدِيلِ رِوَايَةٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِيَاطًا أَوْ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَصَحَّحَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِذَلِكَ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسَالِكِ الِاحْتِيَاطِ وَفَرَّقَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَلَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ قَدْحًا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا فِي رِوَايَتِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَانِعٍ مِنْ مُعَارِضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ حَدِيثَ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي نَافِعٍ رِوَايَةً وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَتَعَرَّضَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي فُتْيَاهُ أَوْ حُكْمِهِ أَوْ اسْتَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَوْ الْحَاكِمُ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ أَدِلَّتِهِ بَلْ، وَلَا بَعْضَهَا وَلَعَلَّ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ وَاسْتَأْنَسَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْبَابِ رُبَّمَا كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَتَقْدِيمَهُ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرِطِ لِلْعَدَالَةِ) هَذَا جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الرَّاوِي مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خِلَافِ

فِي الرَّاوِي بِرِوَايَةِ شَخْصٍ تَعْدِيلًا لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) ، وَإِلَّا لَمَا عُمِلَ بِرِوَايَتِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ تَعْدِيلًا لَهُ وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا (وَرِوَايَةُ مَنْ لَا يَرْوِي إلَّا لِلْعَدْلِ) أَيْ عَنْهُ بِأَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ عَنْ شَخْصٍ تَعْدِيلٌ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ: لَا لِجَوَازِ أَنْ يَتْرُكَ عَادَتَهُ (وَلَيْسَ مِنْ الْجَرْحِ) لِشَخْصٍ (تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَرْوِيِّهِ وَ) تَرْكُ (الْحُكْمِ بِمَشْهُودِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ لِمُعَارِضٍ (وَلَا الْحَدِّ) لَهُ (فِي شَهَادَةِ الزِّنَا) بِأَنْ لَمْ يَكْمُلْ نِصَابُهَا؛ لِأَنَّهُ لِانْتِفَاءِ النِّصَابِ (وَ) لَا فِي (نَحْوِ) شُرْبِ (النَّبِيذِ) مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ إبَاحَةَ ذَلِكَ (وَلَا التَّدْلِيسِ) فِيمَنْ رُوِيَ عَنْهُ (بِتَسْمِيَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ) لَهُ حَتَّى لَا يُعْرَفَ إذْ لَا خَلَلَ فِي ذَلِكَ (قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ) عَنْهُ (لَمْ يُبَيِّنْهُ) فَإِنَّ صَنِيعَهُ حِينَئِذٍ جَرْحٌ لَهُ لِظُهُورِ الْكَذِبِ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ فَتَرْكُ الِاسْتِثْنَاءِ أَظْهَرُ مِنْهُ (وَلَا) التَّدْلِيسِ (بِإِعْطَاءِ شَخْصٍ اسْمَ آخَرَ تَشْبِيهًا كَقَوْلِنَا) أَخْبَرَنَا (أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ يَعْنِي الذَّهَبِيَّ تَشْبِيهًا بِالْبَيْهَقِيِّ) فِي قَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (يَعْنِي) بِهِ (الْحَاكِمَ) لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ (وَلَا) التَّدْلِيسِ (بِإِيهَامِ اللُّقَى وَالرِّحْلَةِ) الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ مَنْ عَاصَرَ الزُّهْرِيَّ مَثَلًا، وَلَمْ يَلْقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ مَنْ لَا يَرْوِي) أَيْ، وَكَذَا رِوَايَةُ إلَخْ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَدْخُولِ الْخِلَافِ أَيْضًا (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: لَا) وَعَلَى هَذَا أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ عَادَتَهُ كَانَ تَعْدِيلًا اتِّفَاقًا، وَهُوَ وَجِيهٌ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَتْرُكَ عَادَتَهُ) أَيْ عَادَتَهُ الَّتِي الْتَزَمَهَا سَوَاءٌ كَانَ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لِانْتِفَاءِ النِّصَابِ) أَيْ لَا لِمَعْنًى فِي الشَّاهِدِ وقَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] فِيمَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ عَلَى سَبِيلِ الْغِيبَةِ لَا الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ:، وَلَا فِي نَحْوِ شُرْبِ النَّبِيذِ) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْهُ وَأَمَّا الْقَدْرُ الَّذِي يُسْكِرُ مِنْهُ فَالْحَدُّ بِهِ مَحَلُّ وِفَاقٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَى أَنَّ مَنَاطَ الْحَدِّ الشُّرْبُ إلَّا فِي الْخَمْرِ وَأَمَّا النَّبِيذُ فَمَنَاطُ الْحَدِّ عِنْدَهُ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ لَا الشُّرْبِ، وَلَا شُرْبِ قَدْرٍ مَخْصُوصٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ شَرِبَ قَدْرًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَسْكَرْ بِهِ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُ وَالشَّافِعِيُّ يَرَى مَنَاطَ الْحَدِّ فِيهِ الشُّرْبَ كَالْخَمْرِ فَلِذَا جَعَلَ الشَّارِحُ مَحَلَّ الْخِلَافِ الشُّرْبَ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَمِنْ مُلَحِ أَبِي نُوَاسٍ: أَبَاحَ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ ... وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ وَقَالَ الْحِجَازِيُّ الشَّرَابَانِ وَاحِدٌ ... فَحَلَّ لَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْلَيْهِمَا الْخَمْرُ يَعْنِي بِالْعِرَاقِيِّ أَبَا حَنِيفَةَ وَبِالْحِجَازِيِّ الشَّافِعِيَّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ (قَوْلُهُ: كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى فَرْضِ ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ الْآنَ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّحْرِيمِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِتَسْمِيَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ) هَذَا يُسَمَّى تَدْلِيسَ الشُّيُوخِ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا بِإِعْطَاءِ شَخْصٍ إلَخْ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ وَلَا بِإِعْطَاءِ الرَّاوِي شَخْصًا اسْمَ آخَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَلَا بِإِيهَامِ اللُّقَى وَالرِّحْلَةِ فَهُوَ مِنْ تَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ وَسَيَذْكُرُ تَدْلِيسَ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ:. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَخْفَاهُ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ (قَوْلُهُ: فَتَرْكُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) تَرْكُ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالِاسْتِثْنَاءُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي الذَّهَبِيَّ) هُوَ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الطَّبَقَاتِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي) أَيْ الْبَيْهَقِيَّ فَالذَّهَبِيُّ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ شَيْخُهُ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِعَارَةٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت الْيَوْمَ حَاتِمًا وَتُرِيدُ بِهِ جَوَادًا (قَوْلُهُ: وَالرِّحْلَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِارْتِحَالِ وَأَمَّا الرُّحْلَةُ بِالضَّمِّ فَالشَّخْصُ الْمُرْتَحِلُ

[مسألة الشخص الذي يسمى صحابيا]

قَالَ الزُّهْرِيُّ مُوهِمًا أَيْ مُوقِعًا فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَالثَّانِي نَحْوُ أَنْ يُقَالَ حَدَّثَنَا وَرَاءَ النَّهْرِ مُوهِمًا جَيْحُونَ وَالْمُرَادُ أَنْهُرُ مِصْرَ كَأَنْ يَكُونَ بِالْجِيزَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَارِيضِ لَا كَذِبَ فِيهِ (أَمَّا مُدَلِّسُ الْمُتُونِ) ، وَهُوَ مَنْ يُدْرِجُ كَلَامَهُ مَعَهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ (فَمَجْرُوحٌ) لِإِيقَاعِهِ غَيْرَهُ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَسْأَلَةٌ. الصَّحَابِيُّ) أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي يُسَمَّى صَحَابِيًّا أَيْ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ اجْتَمَعَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُؤْمِنًا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَخَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ) أَيْ أَوْ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظٍ مُوهِمٍ بَلْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ فَهُوَ كَذِبٌ وَمِنْ التَّدْلِيسِ أَنْ يُسْقِطَ الرَّاوِي شَيْخَهُ وَيَرْتَقِي إلَى شَيْخِ شَيْخِهِ الَّذِي عَاصَرَهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْخَ شَيْخِهِ فَهُوَ إرْسَالٌ (قَوْلُهُ: مُوهِمًا جَيْحُونَ) ، وَهُوَ نَهْرُ بَلْخٍ، وَهُوَ حَدٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ عِرَاقِ الْعَجَمِ الَّذِي هُوَ إيرَانُ وَبَيْنَ بِلَادِ التُّرْكِ، وَهُوَ إقْلِيمُ تُورَانَ الَّذِي مِنْ قَوَاعِدِهِ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَكَاشْغَرْ، وَهُوَ إقْلِيمٌ وَاسِعٌ جِدًّا خَرَجَ مِنْهُ أَفَاضِلُ لَا تُحْصَى يُعَبِّرُ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِعُلَمَاءِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَأَوَّلُ خَرَابِ هَذَا الْإِقْلِيمِ ظُهُورُ جِنْكِيزْ خَانْ وَلَهُ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ ذَكَرَهَا الْمُؤَرِّخُونَ وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْإِسْلَامِ فِتْنَةٌ أَشَدُّ مِنْ ظُهُورِ التَّتَارِ وَتَلَاهَا فِي الشِّدَّةِ فِتْنَةُ تَيْمُورْلَنْكْ وَالْكُلُّ مِنْ التَّتَارِ، ثُمَّ ضَعُفَ حَالُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ انْتَهَى حَالُهُمْ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَةِ الْمُوَسَّقِ، وَهُمْ الْآنَ كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانُوا فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِمْ كُفَّارًا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِدِينٍ فَلَمَّا مَلَكُوا مُعْظَمَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَتَسَلْطَنُوا بِهَا وَخَالَطُوا الْعُلَمَاءَ وَالْمَشَايِخَ الْكِبَارَ أَسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَأَكْرَمُوا الْعُلَمَاءَ وَأَلَّفُوا بِأَسْمَائِهِمْ التَّآلِيفَ الْعَظِيمَةَ كَالْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة فِي فِقْهِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّدْلِيسَ بِإِيهَامِ النَّفْيِ وَالْمُعَاصَرَةِ مِنْ الْمَعَارِضِ جَمْعُ تَعْرِيضٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا فِي مَحَاسِنَ جَمْعُ حَسَنٍ، وَهُوَ كَلَامٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِيُلَوِّحَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ غَيْرُ حَرَامٍ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ لَمْ يَكُنْ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلَّا الْمِقْدَادُ قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ قَوْلُهُ فِينَا يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا (قَوْلُهُ: أَمَّا تَدْلِيسُ الْمُتُونِ) أَيْ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى الْإِدْرَاجُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ أَيْ مَثَلًا كَأَنْ يَقُولَ: إنَّمَا الْأَعْمَالُ فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّاتِ (قَوْلُهُ: فَمَجْرُوحٌ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مَا صَوَّرَ بِهِ الشَّارِحُ تَدْلِيسَ الْمُتُونِ عُنْوِنَتْ فِي كُتُبِ الْمُصْطَلَحِ بِزِيَادَةِ الثِّقَاتِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ قَبُولُهَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تُقْبَلُ إنْ زَادَهَا غَيْرُ مَنْ رَوَاهُ نَاقِصًا، وَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ رَوَاهُ نَاقِصًا وَقَسَّمَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ الصَّلَاحَ أَقْسَامًا: أَحَدُهَا زِيَادَةٌ تُخَالِفُ الثِّقَاتِ فَتُرَدُّ الثَّانِي مَا لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ كَتَفَرُّدِ ثِقَةٍ بِجُمْلَةِ حَدِيثٍ فَتُقْبَلُ قَالَ الْخَطِيبُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. الثَّالِثُ: زِيَادَةُ لَفْظَةٍ فِي حَدِيثٍ لَمْ يَذْكُرْهَا سَائِرُ رُوَاتِهِ كَحَدِيثِ «جُعِلَتْ الْأَرْضُ لَنَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا» انْفَرَدَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا فَهَذَا يُشْبِهُ الْأَوَّلَ أَيْ الْمَرْدُودَ وَيُشْبِهُ الثَّانِي أَيْ الْمَقْبُولَ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَالصَّحِيحُ قَبُولُ هَذَا الْأَخِيرِ اهـ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْحَاكِمُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالْعَوَالِي وَخُرَاسَانَ وَالْجِيَالِ وَأَصْبَهَانَ وَبِلَادِ فَارِسَ وَخُورِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسُوا وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَمَّا أَهْلُ بَغْدَادَ فَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا التَّدْلِيسُ إلَّا أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ لِلشِّيعَةِ الْوَاسِطِيُّ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ التَّدْلِيسَ بِهَا وَمَنْ دَلَّسَ مِنْ أَهْلِهَا إنَّمَا تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَفْرَدَ الْخَطِيبُ كِتَابًا فِي أَسْمَاءِ الْمُدَلِّسِينَ، ثُمَّ ابْنُ عَسَاكِرَ [مَسْأَلَة الشَّخْصُ الَّذِي يُسَمَّى صَحَابِيًّا] (قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ. الصَّحَابِيُّ إلَخْ) الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّذْيِيلُ لِمَا قَبْلَهَا وَالتَّمْهِيدُ لِمَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَبْحَثُ عَنْ الْعَدَالَةِ فِي الرَّاوِي، وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَمَا بَعْدَهَا تَبْحَثُ عَنْ الْمُرْسَلِ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الصَّحَابِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّخْصُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَصْفَ لِمَفْهُومِهِ إلَّا الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ

مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ كَافِرًا فَلَيْسَ بِصَاحِبٍ لَهُ لِعَدَاوَتِهِ وَفُصِلَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمُتَعَلَّقِهِ بِالْحَالِ لِتَلِي صَاحِبَهَا، وَهُوَ ضَمِيرٌ اجْتَمَعَ وَعُدِّلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَشْمَلَ الْأَعْمَى مِنْ أَوَّلِ الصُّحْبَةِ كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ (وَإِنْ لَمْ يَرْوِ) عَنْهُ شَيْئًا (وَلَمْ يُطِلْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ أَنَّ الشَّخْصَ اسْمٌ لِلْفَرْدِ وَالتَّعْرِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَاهِيَّةِ، وَقَوْلُهُ أَيْ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ لِمَعْنَى النِّسْبَةِ فِي صَحَابِيٍّ، وَهُوَ تَسْمِيَةٌ إسْلَامِيَّةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ اجْتَمَعَ) أَيْ اجْتِمَاعًا مُتَعَارَفًا كَمَا يُفِيدُهُ الْعُدُولُ عَنْ رَأْيٍ لَا مَا وَقَعَ عَلَى جِهَةِ خَرْقِ الْعَادَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَقُوهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَا مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ كَالْأَطْفَالِ الَّذِينَ حَنَّكَهُمْ قَالَ الْعَلَائِيُّ فِي الْمَرَاسِيلِ «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ نَوْفَلٍ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا لَهُ وَلَا صُحْبَةَ لَهُ» اهـ. وَفِي النُّكَتِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ اشْتِرَاطُهُ يَعْنِي الِاجْتِمَاعَ الْمُتَعَارَفَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا الصُّحْبَةَ لِأَطْفَالٍ حَنَّكَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَسَحَ وُجُوهَهُمْ أَوْ تَفَلَ فِي أَفْوَاهِهِمْ كَمُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّمِيمِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَنَحْوِهِمْ اهـ. وَلَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَّا خَرَجَ مَنْ أَجْمَعَ عَلَى عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَنَحْوِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ مُؤْمِنُو الْجِنِّ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ الْأَثِيرِ عَدَّهُمْ فِي الصَّحَابَةِ دُونَ مَنْ رَآهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ أَوْلَى بِالذِّكْرِ مِنْهُمْ قَالَ فِي النُّكَتِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ؛ لِأَنَّ الْجِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ الَّذِينَ شَمِلَتْهُمْ الرِّسَالَةُ وَالْبَعْثَةُ فَكَانَ ذِكْرُ مَنْ عُرِفَ اسْمُهُ مِمَّنْ رَآهُ حَسَنًا بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ وَإِذَا نَزَلَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحَكَمَ بِشَرْعِهِ فَهَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصُّحْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْأَرْضِ الظَّاهِرُ نَعَمْ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ كَافِرًا) أَمَّا مَنْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي نُكَتِهِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِي دُخُولِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ نَظَرٌ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُحْبِطَةٌ لِلصُّحْبَةِ السَّابِقَةِ كَعِتْرَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَمَّا مَنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي حَيَاتِهِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَجَزَمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَعْنِي الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيَّ فِي هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ بِبَقَاءِ اسْمِ الصُّحْبَةِ لَهُ قَالَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لُقِيُّهُ فِي حَالِ النُّبُوَّةِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَدْخُلَ مَنْ رَآهُ قَبْلَهَا وَمَاتَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَقَدْ عَدَّهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ، وَكَذَا لَوْ رَآهُ قَبْلَهَا، ثُمَّ أَدْرَكَ الْبَعْثَةَ وَأَسْلَمَ، وَلَمْ يَرَهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ذِكْرُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ وَلَدَهُ إبْرَاهِيمَ دُونَ مَنْ مَاتَ قَبْلَهَا كَالْقَاسِمِ (قَوْلُهُ: لِعَدَاوَتِهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ صَاحِبًا (قَوْلُهُ: لِتَلِي صَاحِبَهَا) قَدْ يُقَالُ الْفَصْلُ لِذَلِكَ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا لِيَلِيَ مُتَعَلِّقَ الْفِعْلِ الْفِعْلُ، قُلْنَا: بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَالَ مِنْ تَتِمَّةِ الْفَاعِلِ إذْ هِيَ وَصْفٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى، وَالْفَاعِلُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمُولُهُ أَيْضًا وَتَعَلُّقُهُ بِهِ فَوْقَ تَعَلُّقِ الْمَعْمُولِ الْآخَرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْعُولِ بِهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَمِيرُ اجْتَمَعَ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ صَاحِبَهَا مِنْ، وَلَمْ يُجْعَلْ صَاحِبُ الْحَالِ مِنْ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ، وَفِي مَجِيءِ الْحَالِ مِنْهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي مَجِيئِهِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ: وَعَدَلَ إلَخْ) أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ مَلْزُومُهَا فَتَسَاوَى التَّعْرِيفَانِ، ثُمَّ إنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَالَ: وَعَنْ أَصْحَابِ الْأُصُولِ أَوْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ وَانْصَرَفَ بِلَا مُصَاحَبَةٍ وَلَا مُتَابَعَةٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ صَحَابِيًّا إلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَضَعِيفٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُعَدَّ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ وَشِبْهُهُ صَحَابِيًّا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ صَحَابَةٌ اهـ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِهِ وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّهُ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ وَرَوَى

بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ اجْتِمَاعَهُ بِهِ (بِخِلَافِ التَّابِعِيِّ مَعَ الصَّحَابِيِّ) ، وَهُوَ صَاحِبُهُ فَلَا يَكْفِي فِي صِدْقِ اسْمِ التَّابِعِيِّ عَلَى الشَّخْصِ اجْتِمَاعُهُ بِالصَّحَابِيِّ مِنْ غَيْرِ إطَالَةٍ لِلِاجْتِمَاعِ بِهِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي الصُّحْبَةِ وَإِنْ قِيلَ: يَكْفِي كَالْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ بِالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَثِّرُ مِنْ النُّورِ الْقَلْبِيِّ أَضْعَافَ مَا يُؤَثِّرُهُ الِاجْتِمَاعُ الطَّوِيلُ بِالصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ فَالْأَعْرَابِيُّ الْجِلْفُ بِمُجَرَّدِ مَا يَجْتَمِعُ بِالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ بِبَرَكَةِ طَلْعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقِيلَ: يُشْتَرَطَانِ) أَيْ الْمَذْكُورَانِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَإِطَالَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي صِدْقِ اسْمِ الصَّحَابِيِّ نَظَرًا فِي الْإِطَالَةِ إلَى الْعُرْفِ، وَفِي الرِّوَايَةِ إلَى أَنَّهَا الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ صُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ (وَقِيلَ:) يُشْتَرَطُ (أَحَدُهُمَا) فَقَطْ يَعْنِي قَالَ بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ الْإِطَالَةُ وَهَذَا مَشْهُورٌ وَبَعْضُهُمْ يَشْتَرِطُ الرِّوَايَةَ، وَلَوْ لِحَدِيثٍ كَمَا حَكَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَقِيلَ:) يُشْتَرَطُ فِي صِدْقِ اسْمِ الصَّحَابِيِّ (الْغَزْوُ) مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ سَنَةٌ) أَيْ مُضِيُّهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِهِ؛ لِأَنَّ لِصُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَفًا عَظِيمًا فَلَا يُنَالُ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ طَوِيلٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْخُلُقُ الْمَطْبُوعُ عَلَيْهِ الشَّخْصُ كَالْغَزْوِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى السَّفَرِ الَّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَالسَّنَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمِزَاجُ وَاعْتُرِضَ عَلَى التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ، وَلَا يُسَمَّى صَحَابِيًّا بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ رِدَّتِهِ مُسْلِمًا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى قَبْلَ الرِّدَّةِ وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي صِحَّةِ التَّعْرِيفِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمُنَافِي الْمُعَارِضِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَرِزُوا فِي تَعْرِيفِ الْمُؤْمِنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ قَالَهُ الْجَاحِظُ وَخَامِسٌ أَنَّهُ مَنْ رَآهُ بَالِغًا حَكَاهُ الْوَاقِدِيُّ، وَهُوَ شَاذٌّ وَسَادِسٌ أَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَ زَمَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ. اهـ. فَعَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ لَمْ يَرْوِ أَوْ لَمْ يَطُلْ إلَخْ فِيهِ إيمَاءٍ لِبَعْضِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا (قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْيَاءِ) ضَبَطَهُ بِذَلِكَ لِيُنَاسَبَ، وَإِنْ لَمْ يَرْوِ، وَإِلَّا فَفَتْحُهَا جَائِزٌ فَاجْتِمَاعُهُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْصُوبٌ وَعَلَى الثَّانِي مَرْفُوعٌ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ صَاحِبُهُ) أَيْ صَاحِبُ الصَّحَابِيِّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي فِي صِدْقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَيَكُنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ هُوَ قَوْلُ الْحَاكِمِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ الصَّحَابِيِّ أَوْ يَلْقَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي الصُّحْبَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ صَاحِبٌ إلَّا مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ (قَوْلُهُ: الْجِلْفُ) أَيْ الْجَافِي الطَّبْعِ (قَوْلُهُ: بِبَرَكَةِ طَلْعَتِهِ) أَيْ رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: يَعْنِي قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ مِنْ إطَالَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالرِّوَايَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ بَلْ هُمَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَشْتَرِطُ الْإِطَالَةَ وَالْآخَرُ يَشْتَرِطُ الرِّوَايَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: الْغَزْوُ أَوْ سَنَةٌ) قَالَ هَذَا يُفِيدُ الْحَصْرَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ كَالْغَزْوِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى السَّفَرِ إلَى إنْ قَالَ وَالسَّنَةَ إلَخْ فَجَعَلَهُمَا فِي حَيِّزِ الْكَافِ التَّمْثِيلِيَّةِ فَاقْتَضَى عَدَمَ الْحَصْرِ قُلْت يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُخَالَفَةِ بِأَنَّهُ بَقِيَ بَعْدَ السَّنَةِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا الشَّارِحُ السَّنَتَانِ وَالْأَكْثَرُ فَالْكَافُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ وَاعْتِبَارِ الْمُصَنِّفِ السَّنَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا زِيَادَةٌ أَوْ لَا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْغَزْوِ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ فَالسَّفَرُ، وَلَوْ لِغَيْرِ الْغَزْوِ كَافٍ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ وَجْهَ اعْتِبَارِ الْغَزْوِ اشْتِمَالُهُ عَلَى السَّفَرِ اهـ سم (قَوْلُهُ: أَيْ مُضِيُّهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ) لَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالِاجْتِمَاعِ بِهِ مُخَالَطَتَهُ وَالْحُضُورَ عِنْدَهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بَلْ يَكْفِي مُضِيُّهَا عَلَى اتِّبَاعِهِ وَاعْتِقَادِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهُ تَأَمَّلْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: فَلَا تُنَالُ) بِالتَّاءِ عَائِدٌ عَلَى الصُّحْبَةِ وَبِالْيَاءِ إلَى الشَّرَفِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: كَالْغَزْوِ الْمُشْتَمِلِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي مُطْلَقَ سَفَرٍ لَكِنْ خُصَّ الْغَزْوُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَرَفِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ:، وَلَا يُسَمَّى صَحَابِيًّا) لِمَوَدَّتِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى إلَخْ) أَيْ فَإِنْ نُظِرَ لِهَذَا الْوَقْتِ كَانَ دَاخِلًا، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: فِي تَعْرِيفِ الْمُؤْمِنِ) بِأَنَّهُ مَا صَدَّقَ النَّبِيَّ فِي جَمِيعِ مَا عَلِمَ مَجِيئَهُ بِهِ ضَرُورَةً، وَلَمْ يَزِيدُوا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ

عَنْ الرِّدَّةِ الْعَارِضَةِ لِبَعْضِ أَفْرَادِهِ وَمَنْ زَادَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُحَدِّثِينَ كَالْعِرَاقِيِّ فِي التَّعْرِيفِ وَمَاتَ مُؤْمِنًا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ ذُكِرَ أَرَادَ تَعْرِيفَ مَنْ يُسَمَّى صَحَابِيًّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُسَمَّى الشَّخْصُ صَحَابِيًّا حَالَ حَيَاتِهِ، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ مَا أَرَادَهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعْرِيفِ (وَلَوْ ادَّعَى الْمُعَاصِرُ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْعَدْلُ الصُّحْبَةَ) لَهُ (قُبِلَ وِفَاقًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِادِّعَائِهِ لِنَفْسِهِ رُتْبَةً هُوَ فِيهَا مُتَّهَمٌ كَمَا قَالَ أَنَا عَدْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ) أَيْ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ انْقِرَاضُ الصَّحَابَةِ فَصَحَّتْ فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَيْ، وَلَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الِانْقِرَاضِ لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِنْ لَمْ يَمُتْ هَذَا مَعْنَاهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: هُنَا انْقِرَاضُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ:، وَإِلَّا لَزِمَهُ إلَخْ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فَلَا يَرِدُ الْمُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ (قَوْلُهُ: حَالَ حَيَاتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا عَلَى هَذَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعْرِيفِ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَاهِيَّةَ لَا الْأَفْرَادَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَكُونُ جَامِعًا لَهَا مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهَا فِيهَا (قَوْلُهُ: الصُّحْبَةَ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِادَّعَى يَدُلُّ لَهُ قَوْلِ الشَّارِحِ لِادِّعَائِهِ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ فَلَهُ حُكْمُهَا فَإِذَا قَالَ: إنَّ زَيْدًا اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رَوَى اجْتِمَاعَ زَيْدٍ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُقْبَلُ رُؤْيَتُهُ بِشَرْطِهَا كَمَا لَوْ رَأَى أَوْصَافَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ) أَيْ لِتَضَمُّنِهَا التَّقْوَى الَّتِي تَنْهَى عَنْ الْمَعَاصِي وَتَمْنَعُ عَادَةً مِنْهَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُنَافِي مُطْلَقَ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ اهـ. سم. عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا كِذْبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْكَبَائِرِ (قَوْلُهُ: لِادِّعَائِهِ إلَخْ) أَيْ وَالْعَدْلُ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا عَدْلٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَمْ يُقْبَلْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ وَالْكَلَامُ فِي مَعْرُوفِهَا، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَاصِرِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ وَهَذَا لَا يَخُصُّنَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ذَلِكَ وَالصَّحَابَةُ كَثِيرُونَ مِلْءُ الدُّنْيَا فَإِمَّا أَنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ يَرُدُّوهُ وَكَانَ اللَّائِقُ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ بَدَلَهُ الطَّرِيقَ الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ الصَّحَابَةُ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ فَإِنَّهُ الَّذِي يَخُصُّنَا وَقَدْ قَالُوا طَرِيقُ ذَلِكَ إمَّا التَّوَاتُرُ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوِهِمَا أَوْ الِاسْتِفَاضَةُ وَالشُّهْرَةُ كَعُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ أَوْ شَهَادَةُ صَحَابِيٍّ فِيهِ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمَمَةَ الدَّوْسِيِّ الَّذِي مَاتَ بِأَصْبَهَانَ مَبْطُونًا فَشَهِدَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِأَخْبَارِ آحَادِ التَّابِعِينَ بِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ التَّزْكِيَةِ مِنْ وَاحِدٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ أَوْ قَوْلُهُ هُوَ أَنَا صَحَابِيٌّ إذَا كَانَ عَدْلًا إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ» يُرِيدُ انْخِرَامَ ذَلِكَ الْقَرْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ سَنَةَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ: آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا مُطْلَقًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ وَأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ قَالَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ وَقَالَ خَلِيفَةُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ إنَّهُ تَأَخَّرَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقِيلَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَمِائَةٍ قَالَهُ مُعْصَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ قَانِعٍ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ مَنْدَهْ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَقَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ كُنْت بِمَكَّةَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ فَرَأَيْت جِنَازَةً فَسَأَلْت عَنْهَا فَقَالَ هَذَا أَبُو الطُّفَيْلِ وَأَمَّا كَوْنُهُ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا مُطْلَقًا فَجَزَمَ بِهِ مُسْلِمٌ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ وَالْمُرِّيُّ فِي آخَرِينَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ

وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ) فَلَا يُبْحَثُ عَنْهَا فِي رِوَايَةٍ، وَلَا شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأَمَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمَنْ طَرَأَ لَهُ مِنْهُمْ قَادِحٌ كَسَرِقَةٍ أَوْ زِنًا عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ (وَقِيلَ:) هُمْ (كَغَيْرِهِمْ) فَيُبْحَثُ عَنْ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا مَنْ يَكُونُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ أَوْ مَقْطُوعَهَا كَالشَّيْخَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَقِيلَ:) هُمْ عُدُولٌ (إلَى) حِينِ (قُتِلَ عُثْمَانُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ مِنْ حِينِ قَتْلِهِ لِوُقُوعِ الْفِتَنِ بَيْنَهُمْ مِنْ حِينَئِذٍ، وَفِيهِمْ الْمُمْسِكُ عَنْ حَوْضِهَا (وَقِيلَ:) هُمْ عُدُولٌ (إلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُمْ فُسَّاقٌ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي قِتَالِهِمْ لَهُ فَلَا يَأْثَمُونَ، وَإِنْ أَخْطَئُوا بَلْ يُؤْجَرُونَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعَقَائِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِي، وَأَمَّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: اثْنَيْنِ، وَقِيلَ: إحْدَى، وَقِيلَ: تِسْعِينَ وَآخِرُهُمْ بِمِصْرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَبْرٍ الزُّبَيْدِيُّ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٍ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِسَفْطِ الْعُذْرِ وَتُعْرَفُ الْآنَ بِسَفْطِ أَبِي تُرَابٍ اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ بَعْدَ السِّتِّمِائَةِ رَجُلٌ يُسَمَّى رَتَنُ الْهِنْدِيُّ وَادَّعَى الصُّحْبَةَ فَصَدَّقَهُ جَمَاعَةٌ مُتَهَوِّرُونَ مِمَّنْ يَتَّبِعُ كُلَّ نَاعِقٍ وَيُلَبِّي دَعْوَةَ كُلِّ نَاطِقٍ وَرَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَيَّانَ حَيْثُ يَقُولُ: إنَّ عَقْلِي لَفِي عِقَالٍ إذَا مَا ... أَنَا صَدَّقْت كُلَّ قَوْلٍ مُحَالٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَتَنٌ مُحَرَّكًا بْنُ كِرْبَالِ بْنِ رَتَنٍ الْبَتْرَنْدِيِّ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ كَذَّابٌ ظَهَرَ بِالْهِنْدِ بَعْدَ السِّتِّمِائَةِ فَادَّعَى الصُّحْبَةَ وَصُدِّقَ وَرَوَى أَحَادِيثَ سَمِعْنَاهَا مِنْ أَصْحَابِ أَصْحَابِهِ اهـ. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ رَتْنُ الْهِنْدِ وَمَا أَدْرَاك مَا رَتْنٌ شَيْخٌ دَجَّالٌ بِلَا رَيْبٍ ظَهَرَ بَعْدَ السِّتِّمِائَةِ فَادَّعَى الصُّحْبَةَ وَهَذَا تَجَرُّؤٌ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ وَغَيْرُهُمْ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أَيْ عُدُولًا وَقَالَ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وَالْخِطَابُ فِيهَا لِلْمَوْجُودِينَ حِينَئِذٍ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ التَّفَحُّصِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ أَنَّهُمْ حَمَلَةُ الشَّرِيعَةِ فَلَوْ ثَبَتَ تَوَقُّفٌ فِي رِوَايَتِهِمْ لَانْحَصَرَتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمَا اسْتَرْسَلَتْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْصَارِ قَوْلُهُ «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي» أَيْ أَهْلُ زَمَانِي، وَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِاَلَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ قَرْنَهُ يَشْمَلُ غَيْرَ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: عَمِلَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ مِنْهُمْ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَمَعْنَى عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَتَى وَأَخْبَرَ بِمُقْتَضَاهُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا وَقَعَ لِمَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ عَدَالَتَهُمْ لَا تَسْتَلْزِمُ عِصْمَتَهُمْ، وَفِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ لَسْنَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا الصَّحَابَةُ عُدُولٌ كُلًّا مَنْ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا أَوْ زَارَهُ لِمَامًا أَوْ اجْتَمَعَ بِهِ لِغَرَضٍ وَانْصَرَفَ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ قَالَ الْعَلَائِيُّ هَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ يُخْرِجُ كَثِيرًا مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالصُّحْبَةِ وَالرِّوَايَةِ عَنْ الْحُكْمِ بِالْعَدَالَةِ كَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُقِمْ عِنْدَهُ إلَّا قَلِيلًا وَانْصَرَفَ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُ إقَامَتِهِ مِنْ أَعْرَابِ الْقَبَائِلِ وَالْقَوْلُ بِالتَّفَهُّمِ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ اهـ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْقَوْلِ بِعَدَالَتِهِمْ مُطْلَقًا أَنَّهُ إذَا قِيلَ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سَمِعْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ كَذَا كَانَ حُجَّةً كَتَعَيُّنِهِ بِاسْمِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ الْمُمْسِكُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ تَخْتَلَّ بِمَا ذُكِرَ عَدَالَةُ الْجَمِيعِ وَعَلَى هَذَا فَمِنْ عُلِمَ خَوْضُهُ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ بُحِثَ عَنْ عَدَالَتِهِ وَمَنْ عُلِمَ عَدَمُ خَوْضِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِلْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ الْمُمْسِكُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَنْ خَاضَ وَعَلِمَ أَنَّ خَوْضَهُ عَلَى وَجْهِ الْحَقِّ كَعَلِيٍّ. اهـ. سم (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ)

[مسألة المرسل قول غير الصحابي]

(مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ قَوْلَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ) تَابِعِيًّا كَانَ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُ (قَالَ) النَّبِيُّ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَذَا مُسْقِطًا الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ هَذَا اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا اصْطِلَاحُ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ فَمُنْقَطِعُ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فَمُعْضَلٌ أَيْ بِفَتْحِ الضَّادِ، وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالِاجْتِهَادِ بِالنِّسْبَةِ لِمَجْمُوعِهِمْ، وَإِلَّا فَفِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مُجْتَهِدًا فَيُقَالُ إنَّهُ مُقَلِّدٌ لِلْمُجْتَهِدِ مِنْهُمْ. [مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ قَوْلَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ] (قَوْلُهُ: وَالْمُرْسَلُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ وَأَطْلَقَهُ عَنْ التَّقْيِيدِ بِرِوَايَةِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: مُسْقِطًا الْوَاسِطَةَ) وَأَمَّا إذَا أَبْهَمَهُمَا كَحَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ رَجُلٍ فَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ مُنْقَطِعٌ وَلَيْسَ بِمُرْسَلٍ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مُرْسَلٌ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ حَكَاهُ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ وَاخْتَارَهُ الْعَلَائِيُّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ) أَيْ كَوْنُ الْمُرْسَلِ فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ غَيْرَ تَابِعِيٍّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا أَوْ فَعَلَهُ الْمُسَمَّى مُرْسَلًا فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ التَّابِعِيِّ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ قَالَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ لَا يُسَمَّى مُرْسَلًا بَلْ يَخْتَصُّ الْمُرْسَلُ بِالتَّابِعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ سَقَطَ قَبْلَهُ وَاحِدٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَمُعْضَلٌ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْكُلَّ مُرْسَلٌ وَبِهِ قَطَعَ الْخَطِيبُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ) قَالَ السُّيُوطِيّ يَرِدُ عَلَى تَخْصِيصِ الْمُرْسَلِ بِالتَّابِعِيِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ تَابِعِيٌّ اتِّفَاقًا وَحَدِيثُهُ لَيْسَ بِمُرْسَلٍ بَلْ مَوْصُولٌ لَا خِلَافَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ كَالتَّنُوخِيِّ رَسُولِ هِرَقْلَ، وَفِي رِوَايَةٍ قَيْصَرَ فَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَسَاقَاهُ مَسَاقَ الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ وَمَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَإِنَّهُ صَحَابِيٌّ وَحُكْمُ رِوَايَتِهِ حُكْمُ الْمُرْسَلِ لَا الْمَوْصُولِ، وَلَا يَجِيءُ فِيهِ مَا قِيلَ: فِي مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَةِ هَذَا وَشِبْهِهِ عَنْ التَّابِعِينَ بِخِلَافِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي أَدْرَكَ وَسَمِعَ فَإِنَّ احْتِمَالَ رِوَايَتِهِ عَنْ التَّابِعِينَ بَعِيدٌ جِدًّا اهـ. (قَوْلُهُ: فَمُنْقَطِعٌ) أَيْ فَقَطْ إنْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كَمَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ إنْ كَانَ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ: أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ بَعْدَ تَابِعِ التَّابِعِينَ فَضَمِيرُ الْجَمْعِ رَاجِعٌ لِتَابِعِ الْمُضَافِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ حُذِفَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ وَيَاؤُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُفْرَدٌ وَعَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى جَمْعٌ اهـ. سم (قَوْلُهُ: فَمُعْضَلٌ) أَيْ فَقَطْ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ لَا مُرْسَلٌ أَوْ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمُعْضَلِ كَمَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْضَلَ لَا يَكُونُ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ مَعَ أَنَّهُ مَا سَقَطَ مِنْهُ اثْنَانِ، وَلَا حَاجَةَ لِمَا قَالَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مَا سَقَطَ مِنْهُ اثْنَانِ وَكَانَ صَالِحًا لِأَكْثَرَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي تَابِعِ التَّابِعِينَ اُنْظُرْ سم (قَوْلُهُ: أَيْ بِفَتْحِ الضَّادِ) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ مُشْكِلُ الْمَأْخَذِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَيْ؛ لِأَنَّ مُفْعَلٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ مِنْ ثُلَاثِيٍّ لَازِمٍ عُدِّيَ بِالْهَمْزَةِ وَهَذَا لَازِمٌ مَعَهَا قَالَ وَبَحَثْت فَوَجَدْت لَهُ قَوْلَهُمْ أَمْرٌ عَضْلٌ أَيْ مُتَعَلِّقٌ شَدِيدٌ وَفَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ يَدُلُّ عَلَى الثُّلَاثِيِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَنَا عَضَلَ قَاصِرًا وَأَعْضَلَ مُتَعَدِّيًا كَمَا قَالُوا ظَلَمَ اللَّيْلُ وَأَظْلَمَ قَالَهُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ

رَاوِيَانِ فَأَكْثَرُ وَالْمُنْقَطِعُ مَا سَقَطَ مِنْهُ رَاوٍ فَأَكْثَرُ وَعَرَّفَهُ الْعِرَاقِيُّ بِمَا سَقَطَ مِنْهُ وَاحِدٌ غَيْرُ الصَّحَابِيِّ لِيَنْفَرِدَ عَنْ الْمُعْضَلِ وَالْمُرْسَلِ (وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ) وَأَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ (وَالْآمِدِيُّ مُطْلَقًا) قَالُوا: لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُسْقِطُ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ إلَّا، وَهُوَ عَدْلٌ عِنْدَهُ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا قَادِحًا فِيهِ (وَقَوْمٌ) إنْ كَانَ الْمُرْسِلُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَقَدْ يَظُنُّ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عَدْلًا فَيُسْقِطُهُ لِظَنِّهِ (ثُمَّ هُوَ) عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ (أَضْعَفُ مِنْ الْمُسْنَدِ) أَيْ الَّذِي اتَّصَلَ سَنَدُهُ فَلَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ أَحَدٌ (خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ قَالُوا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُسْقِطُ إلَّا مَنْ يَجْزِمُ بِعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ يَذْكُرُهُ فَيَحِلُّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ (وَالصَّحِيحُ رَدُّهُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ) الْإِمَامُ (الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ) قَالَ (مُسْلِمٌ) فِي صَدْرِ صَحِيحِهِ (وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ) لِلْجَهْلِ بِعَدَالَةِ السَّاقِطِ، وَإِنْ كَانَ صَحَابِيًّا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ طَرَأَ لَهُ قَادِحٌ (فَإِنْ كَانَ) الْمُرْسِلُ (لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ) كَأَنْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: رَاوِيَانِ فَأَكْثَرُ) أَيْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ سَقَطَ رَاوِيَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ فَهُوَ مُعْضَلٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ وَيُقَاسُ بِهِ الْمُنْقَطِعُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَاحْتَجَّ بِهِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُنْقَطِعِ وَالْمُعْضَلِ مِنْ مَحَلِّ هَذَا الْخِلَافِ لِصِدْقِ الْمُرْسَلِ بِالْمَعْنَى الْأُصُولِيِّ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا عُلِمَ فَيُحْتَجُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ: وَالْآمِدِيُّ) اللَّائِقُ بِالْأَدَبِ أَنْ يُقَالَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ؛ لَا أَنْ يُنْظَمَ الْآمِدِيُّ مَعَ الْإِمَامَيْنِ فِي سِلْكٍ بِأُسْلُوبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ إنَّمَا هُوَ لِلْإِمَامَيْنِ الْمُجْتَهِدَيْنِ لَا لِلْآمِدِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ يَعْنِي احْتِجَاجَ الْمَذْكُورَيْنِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُرْسَلُهُ مِمَّنْ لَا يَحْتَرِزُ وَيُرْسِلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ فَإِنْ كَانَ فَلَا خِلَافَ فِي رَدِّهِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَحَلُّ قَبُولِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا إذَا كَانَ مُرْسَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْفَاضِلَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا لِحَدِيثٍ ثَمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ صَحَّحَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ بِأَسْرِهِمْ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إنْكَارُهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوَّلُ مَنْ رَدَّهُ وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَوَّاهُ عَلَى الْمُسْنَدِ وَقَالَ مَنْ أَسْنَدَ فَقَدْ أَحَالَكَ وَمَنْ أَرْسَلَ فَقَدْ تَكَفَّلَ لَك اهـ. سُيُوطِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقُوِّمَ إنْ كَانَ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأُوَلَ يُطْلِقُونَ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ مَقَامِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ إلَّا مَرَاسِيلَ الثِّقَاتِ (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِمْ إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَتْنِ مُحْتَمِلَةً التَّسَاوِي صَرَّحَ الشَّارِحُ بِالْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ رَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الِاحْتِجَاجِ بِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ عَاضِدٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ) أَيْ وَمِنْهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى الشَّافِعِيِّ وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ:، وَإِنْ كَانَ صَحَابِيًّا) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُمْ عُدُولٌ لَا يُبْحَثُ عَنْ حَالِهِمْ اهـ. وَأَقُولُ هُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ اهـ. سم (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ طَرَأَ لَهُ مِنْهُمْ قَادِحٌ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ) لَا يُقَالُ هَذَا يُنَافِي تَضْعِيفَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَقُوِّمَ إنْ كَانَ الْمُرْسِلُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ، كَمَا هُوَ حَاصِلُ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَقَدْ يَظُنُّ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عَدْلًا فَيُسْقِطُهُ لِظَنِّهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى حَالِهِ لَا يُسْقِطُ إلَّا الْعَدْلَ كَمَا فِي مَنْ هُوَ أَئِمَّةُ النَّقْلِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعْلُومُ الْحَالِ بِخِلَافِ هَذَا وَذَاكَ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ الْعَدْلِ فِي حَالَتَيْ الذِّكْرِ وَالْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ إلَّا الْعَدْلَ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ الْعَدْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. سم

(كَابْنِ الْمُسَيِّبِ) وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَرْوِيَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قُبِلَ) مُرْسَلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ (وَهُوَ) حِينَئِذٍ (مُسْنَدٌ) حُكْمًا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْعَدْلِ كَذِكْرِهِ (وَإِنْ عُضِدَ مُرْسَلُ كِبَارِ التَّابِعِينَ) كَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَأَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ (ضَعِيفٌ يُرَجَّحُ) أَيْ صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ (كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَوْ فِعْلِهِ) قَوْلُ (الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ صَحَابِيٌّ (أَوْ إسْنَادٌ) مِنْ مُرْسِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى ضَعْفٍ (أَوْ إرْسَالٍ) بِأَنْ يُرْسِلَهُ آخَرُ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْأَوَّلِ (أَوْ قِيَاسٍ) مَعْنًى (أَوْ انْتِشَارٍ) لَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (أَوْ عَمَلِ) أَهْلِ (الْعَصْرِ) عَلَى وَفْقِهِ (كَانَ الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْضَمِّ إلَيْهِ الْعَاضِدِ لَهُ (حُجَّةً وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (لَا مُجَرَّدَ الْمُرْسَلِ، وَلَا) مُجَرَّدَ (الْمُنْضَمِّ) إلَيْهِ لِضَعْفِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَابْنِ الْمُسَيِّبِ) وَأَمَّا مَرَاسِيلُ عَطَاءٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ كَانَ عَطَاءٌ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ وَمُرْسَلَاتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مُرْسَلَاتِهِ بِكَثِيرٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مُرْسَلَاتُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَصَحُّ الْمُرْسَلَاتِ وَمُرْسَلَاتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لَا بَأْسَ بِهَا وَلَيْسَ فِي الْمُرْسَلَاتِ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلَاتِ الْحَسَنِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مَا تُرْوَى الْمَرَاسِيلُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ وَمِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ وَأَصَحُّهَا كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ مَرَاسِيلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَأَدْرَكَ الْعَشَرَةَ وَفَقِيهُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمُفْتِيهِمْ وَأَوَّلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يَعْتَدُّ مَالِكٌ بِإِجْمَاعِهِمْ كَإِجْمَاعِ كَافَّةِ النَّاسِ، وَقَدْ تَأَمَّلَ الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ مَرَاسِيلَهُ فَوَجَدُوهَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ لَمْ تُوجَدْ فِي مَرَاسِيلِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ عُضِدَ) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ رَدُّهُ قَالَ زَكَرِيَّا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكِبَارِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ غَالِبَ رِوَايَاتِهِمْ عَنْ الصَّحَابَةِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ السَّاقِطَ صَحَابِيٌّ فَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ عَاضِدٌ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي ضَبْطُ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ مِمَّنْ أَكْثَرُ رِوَايَاتِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالصَّغِيرِ بِمَنْ أَكْثَرُ رِوَايَاتِهِ عَنْ التَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحَ وَغَيْرَهُ لَمْ يُقَيِّدَا بِالْكَبِيرِ، وَهُوَ قَوِيٌّ مَعْنًى اهـ. ثُمَّ إنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِي مُرْسَلِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَمَّا مُرْسَلُهُ كَإِخْبَارِهِ عَنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ أَوْ تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ فَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ إنَّهُ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ الْمُشْتَرِطُونَ لِلصَّحِيحِ الْقَائِلُونَ بِضَعْفِ الْمُرْسَلِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُحْصَى، وَقِيلَ: إنَّهُ كَمُرْسَلِ غَيْرِهِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا أَنْ تَبِينَ الرِّوَايَةُ لَهُ عَنْ صَحَابِيٍّ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ صَالِحٌ إلَخْ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ صَحَابِيٍّ إلَخْ) أَمْثِلَةٌ لِلضَّعِيفِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلَهُ لَيْسَا بِحُجَّةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ قَوْلُ الْأَكْثَرِ إلَخْ) قَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ قَوْلٍ إشَارَةً إلَى عَطْفِهِ عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ لَا عَلَى صَحَابِيٍّ، وَلَمْ يُقَدِّرْ أَوْ فَعَلَ أَيْضًا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ عَمَلِ الْعَصْرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَشْمَلَ عَلَى ضَعْفٍ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْإِسْنَادِ وَقَيَّدَ بِهِ لِيَصْلُحَ مِثَالًا لِضَعِيفٍ يُرَجَّحُ وَلِيَصِحَّ قَوْلُهُ، ثُمَّ هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْمُسْنَدِ (قَوْلُهُ: أَوْ قِيَاسٌ مَعْنًى) ، وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ الْعِلَّةُ وَكَانَ الْجَمْعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ كَأَنْ قِيلَ: هَذَا مَقِيسٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ وَقُيِّدَ بِهِ لِيَصْلُحَ مِثَالًا لِضَعِيفٍ يُرَجَّحُ وَلِيَصِحَّ كَوْنُ الْمَجْمُوعِ حُجَّةً إذْ لَوْ كَانَ قِيَاسًا صَحِيحًا كَانَ دَلِيلًا لَا ضَعْفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ انْتِشَارٌ) أَيْ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا كَانَ حُجَّةً فَانْدَفَعَ مَا لِلنَّاصِرِ بِأَنَّهُ إذَا انْتَشَرَ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا (قَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ إلَخْ) بِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحْتَجَّ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُطْلَقًا وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي الْإِرْشَادِ: إنَّ مَنْ اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ إلَّا مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي إطْلَاقِ

[مسألة نقل الحديث بالمعنى للعارف]

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفُ الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ اجْتِمَاعِ الضَّعِيفَيْنِ قُوَّةٌ مُفِيدَةٌ لِلظَّنِّ وَمِنْ الشَّائِعِ ضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيًّا أَمَّا مُرْسَلُ صِغَارِ التَّابِعِينَ كَالزُّهْرِيِّ وَنَحْوِهِ فَبَاقٍ عَلَى الرَّدِّ مَعَ الْعَاضِدِ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ (فَإِنْ تَجَرَّدَ) الْمُرْسَلُ عَنْ الْعَاضِدِ (وَلَا دَلِيلَ) فِي الْبَابِ (سِوَاهُ) وَمَدْلُولُهُ الْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ (فَالْأَظْهَرُ الِانْكِفَافُ) عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (لِأَجْلِهِ) احْتِيَاطًا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الِانْكِفَافُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ حِينَئِذٍ. (مَسْأَلَةٌ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ (عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ غَلَطٌ بَلْ هُوَ يُحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدٍ إلَّا بِهَا أَيْضًا اهـ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَحَاسِنِ الِاصْطِلَاحِ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ فَكَانَ فِي الْقَدِيمِ يَحْتَجُّ بِهَا بِانْفِرَادِهَا وَمَذْهَبُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ضَعِيفَانِ إلَخْ) هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ سَقَطَتْ مِنْهُ الْفَاءُ، وَهُوَ مِنْ بَحْرِ الْخَفِيفِ قَالَ الشَّاعِرُ: يَا مَرِيضَ الْجُفُونِ عَذَّبْت قَلْبًا ... كَانَ قَبْلَ الْهَوَى قَوِيًّا سَوِيًّا لَا تُحَارِبْ بِنَاظِرَيْكَ فُؤَادِي ... فَضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيًّا (قَوْلُهُ: فَالْأَظْهَرُ الِانْكِفَافُ) أَيْ وُجُوبًا بِدَلِيلٍ لِمُقَابِلٍ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْعَاضِدِ، وَلَا دَلِيلَ سِوَاهُ. [مَسْأَلَةٌ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ] (قَوْلُهُ: الْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ أَحْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَتُهُمْ لِلْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَكْثَمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْمَعُ مِنْك الْحَدِيثَ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُؤَدِّيَهُ كَمَا أَسْمَعُ مِنْك يَزِيدُ حَرْفًا أَوْ يَنْقُصُ حَرْفًا فَقَالَ: إذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلَالًا وَأَصَبْتُمْ الْمَعْنَى فَلَا بَأْسَ» وَكَانَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ يَأْتُونَ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْمَعَانِي وَكَذَا كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى وَقَالَ وَكِيعٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى وَاسِعًا فَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ (قَوْلُهُ: بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ) أَيْ اللُّغَوِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَمَوَاقِعُ الْكَلَامِ أَيْ الْمَقَامَاتُ الْخَطَّابِيَّةُ؛ وَلِذَلِكَ ذَكَرُوا فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ مَا يَسْلَمُ بِهِ مِنْ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الْحَدِيثَ، وَلَا يَعْرِفُ النَّحْوَ مَثَلُ الْحِمَارِ عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ، وَلَا شَعِيرَ فِيهَا وَرَوَى الْخَلِيلُ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي جَمَاعَةٍ إلَى أُبَيٍّ لِيَعْرِضُوا عَلَيْهِ كِتَابًا فَقَرَأَ لَهُمْ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَكَانَ رَدِيَّ اللِّسَانِ يَلْحَنُ فَقَالَ أُبَيٍّ وَيْحَك يَا دَرَاوَرْدِيُّ أَنْتَ كُنْت إلَى إصْلَاحِ لِسَانِك قَبْلَ النَّظَرِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَحْوَجَ مِنْك إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ يَنْبَغِي لِمَنْ يُرِيدُ التَّفَقُّهَ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى ذَلِكَ تَعَلُّمَ الْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِلْمَ أُصُولِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ حِينَ يَنْكَشِفُ لَهُ إعْجَازُ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ وَمَدَارِكُ الْأَئِمَّةِ الْمُسْتَنْبِطِينَ لِلْأَحْكَامِ كَمَا أَنَّ مَنْ أَرَادَ فَهْمَ دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ مُحْتَاجٌ لِإِتْقَانِ عُلُومٍ ثَلَاثَةٍ: الْمَنْطِقِ وَالْآدَابِ وَالْحِكْمَةِ حَتَّى يَكُونَ فِي تَقْرِيرِ الْأَدِلَّةِ وَرَدِّ الشُّبْهَةِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ فِي الْفِقْهِ يَحْتَاجُ لِتَقْدِيمِ عِلْمِ الْأُصُولِ إنْ أَرَادَ فَهْمَ دَقَائِقِهِ فَمَنْ نَظَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ الْأَرْبَعَةِ بِدُونِ مَعْرِفَةِ وَسَائِلِهَا خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ، وَلَكِنَّ الْهِمَمَ تَقَاصَرَتْ وَالْعَزَائِمَ تَقَاعَسَتْ - نَسْأَلُ اللَّهَ اللُّطْفَ وَالْعَافِيَةَ وَحُسْنَ الْخِتَامِ - قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَا عَلَى قَطْعٍ نَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْصِدُ أَنَّ تَمْثِيلَ أَوَامِرِهِ وَكَانَ لَا يَبْغِي مِنْ أَلْفَاظِهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَبْعُوثًا إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَلَا يَتَأَتَّى إيصَالُ أَوَامِرِهِ إلَى مُعْظَمِ خَلِيقَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِالتَّرْجَمَةِ وَمَنْ أَحَاطَ بِمَوَاقِعِ الْكَلَامِ عَرَفَ أَنَّ إحْلَالَ اللَّفْظِ فِي لُغَةٍ مَحَلَّ أَلْفَاظٍ أَقْرَبُ إلَى الِاقْتِصَارِ مِنْ نَقْلِ الْمَعْنَى مِنْ لُغَةٍ إلَى لُغَةٍ فَإِنْ اسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأَ سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» ، قُلْنَا: هَذَا أَوْلَى مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَنَحْنُ نُحَاوِلُ الْخَوْضَ

بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ أَوْ مَوَاقِعِ الْكَلَامِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ بَدَلَ آخَرَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُ وَفَهْمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ آلَةٌ لَهُ أَمَّا غَيْرُ الْعَارِفِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَغْيِيرُ اللَّفْظِ قَطْعًا وَسَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ نَسِيَ الرَّاوِي اللَّفْظَ أَمْ لَا (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ يَجُوزُ (إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ) فَإِنْ لَمْ يَنْسَهُ فَلَا لِفَوَاتِ الْفَصَاحَةِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقِيلَ:) يَجُوزُ (إنْ كَانَ مُوجِبُهُ) أَيْ الْحَدِيثِ (عِلْمًا) أَيْ اعْتِقَادًا فَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُ عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ فِي بَعْضٍ كَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَيَجُوزُ فِي بَعْضٍ (وَقِيلَ:) يَجُوزُ (بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ، وَعَلَيْهِ الْخَطِيبُ) الْبَغْدَادِيُّ بِأَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ بَدَلَ مُرَادِفِهِ مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ وَمَوْقِعُ الْكَلَامِ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤْتَ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ بِأَنْ يُغَيِّرَ الْكَلَامَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُوَفِّي بِالْمَقْصُودِ (وَمَنَعَهُ) أَيْ النَّقْلَ مُطْلَقًا (ابْنُ سِيرِينَ وَثَعْلَبُ وَالرَّازِيُّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَرَوَى) الْمَنْعَ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَذَرًا مِنْ التَّفَاوُتِ، وَإِنْ ظَنَّ النَّاقِلُ عَدَمَهُ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ كَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُرَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْنَى الظَّاهِرِ لَا فِيمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا تُعُبِّدَ بِأَلْفَاظِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَحَلِّ الْقَطْعِيَّاتِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مَنْ أَدَّى الْمَعْنَى عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ وَعَى وَأَدَّى اهـ. (قَوْلُهُ: مُسَاوٍ لَهُ) أَيْ لَا أَجْلَى، وَلَا أَخْفَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَجْلَى مِنْهُ وَكَانَ مُعَارِضًا بِمَا هُوَ مُسَاوٍ لَهُ قُدِّمَ هَذَا الْأَجْلَى عَلَى مُعَارِضِ الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ تَقْدِيمُ كَلَامِ الْغَيْرِ عَلَى كَلَامِ النَّبِيِّ وَأَمَّا الْأَخْفَى؛ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْهَمَ خِلَافَ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: فِي الْمُرَادِ مِنْهُ) بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مَسُوقًا لِلزَّجْرِ وَالْمَأْتِيُّ بِهِ كَذَلِكَ فَهَذَا مَرْجِعُهُ الْمَدْلُولُ اللُّغَوِيُّ وَقَوْلُهُ وَفَهْمُهُ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَقَامَاتِ الْخَطَّابِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَهُوَ الْجَوَازُ لِمَنْ يَحْفَظُ اللَّفْظَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ دُونَ مَنْ نَسِيَهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا) ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ وَسِيلَةٌ لِلْعَمَلِ وَيُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْعِلْمَ يَكُونُ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُوجِبُ اعْتِقَادًا لَا يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ لَا بِيَقِينٍ فَيَتَحَرَّى فِي الْأَلْفَاظِ الْمُغَيَّرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا فَرُبَّمَا يَتَسَاهَلُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ فِي بَعْضِ) وَعَدَمُ الْجَوَازِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَلَاغَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَكَانَ ضَابِطُ الْبَعْضِ الَّذِي لَا تَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبَلَاغَةِ لَا أَنْ يَكُونَ فِي حَصْرٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِ بِدُونِ الْبَلَاغَةِ (قَوْلُهُ: كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ) لِمُجَاوَزَتِهَا فِي الْإِيذَاءِ الْحَدَّ فَالْمُرَادُ الْفِسْقُ اللُّغَوِيُّ، وَقَوْلُهُ يَقْتُلْنَ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَاقِعَةٌ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ مَا حُكْمُهُنَّ (قَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ) قَضِيَّتُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يُوضَعَ الْبَدَلُ فِي مَوْضُوعِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ زَادَ هَذَا لِيُغَايِرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: وَمَنْعُهُ) أَيْ النَّقْلِ مُطْلَقًا ظَاهِرُهُ، وَلَوْ لِلصَّحَابَةِ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّا قَوْمٌ عَرَبٌ نُرَدِّدُ الْأَحَادِيثَ فَنُقَدِّمُ وَنُؤَخِّرُ، وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ؛ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لِكُلِّ أَحَدٍ لَمَا كُنَّا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ وَالصَّحَابَةُ اجْتَمَعَ فِيهِمْ أَنَّ الْفَصَاحَةَ وَالْبَلَاغَةَ جِبِلَّةٌ وَمُشَاهَدَةُ أَقْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالِهِ فَأَفَادَتْهُمْ الْمُشَاهَدَةُ تَعَقُّلَ الْمَعْنَى جُمْلَةً وَاسْتِبْقَاءَ الْمَقْصِدِ كُلِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حَذَرًا مِنْ التَّفَاوُتِ (قَوْلُهُ: كَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُونَ) أَيْ فَرُبَّمَا رَوَاهُ بِاعْتِبَارِ فَهْمِهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا تُعُبِّدَ بِأَلْفَاظِهِ) أَيْ وَمَا لَيْسَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْقُولُ مِنْ مُصَنَّفَاتِ النَّاسِ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَغْيِيرِ ذَلِكَ التَّصْنِيفِ كَانَ جَائِزًا فَتَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِالْمَعْنَى إذَا نَقَلْنَاهُ إلَى أَجْزَائِنَا وَتَخَارِيجِنَا أَيْ بِأَسَانِيدِنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلتَّصْنِيفِ الْمُتَقَدِّمِ اهـ. قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ وَأَمَّا إصْلَاحُهُ فِي الْكِتَابِ، وَتَغْيِيرُ مَا وَقَعَ فِيهِ فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَالصَّوَابُ تَقْرِيرُهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى حَالِهِ مَعَ التَّضْبِيبِ عَلَيْهِ، وَبَيَانُ الصَّوَابِ فِي الْحَاشِيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنْفَى لِلْمَفْسَدَةِ، وَقَدْ يَأْتِي مَنْ يَظْهَرُ لَهُ وَجْهُ صِحَّتِهِ

[مسألة الصحيح يحتج بقول الصحابي]

كَالْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ (مَسْأَلَةٌ) : (الصَّحِيحُ يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ) (قَالَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ وَقِيلَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ وَقُلْنَا يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ أَوْ تَابِعِيٍّ (وَكَذَا) بِقَوْلِهِ (عَنْ) أَيْ عَنْ النَّبِيِّ (عَلَى الْأَصَحِّ) لِظُهُورِهِ فِي السَّمَاعِ مِنْهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ لَا لِظُهُورِهِ فِي الْوَاسِطَةِ عَلَى مَا سَبَقَ (وَكَذَا) بِقَوْلِهِ (سَمِعْته أَمَرَ وَنَهَى) لِظُهُورِهِ فِي صُدُورِ أَمْرٍ وَنَهْيٍ مِنْهُ وَقِيلَ لَا لِجَوَازِ أَنْ يُطْلِقَهُمَا الرَّاوِي عَلَى مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ تَسَمُّحًا (أَوْ أُمِرْنَا) أَوْ نُهِينَا أَوْ أَوْجَبَ (أَوْ حُرِّمَ وَكَذَا رُخِّصَ) بِبِنَاءِ الْجَمِيعِ لِلْمَفْعُولِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِظُهُورِ أَنَّ فَاعِلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي بَعْضَ الْوُلَاةِ، وَالْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّرْخِيصُ اسْتِنْبَاطًا مِنْ قَائِلِهِ (وَالْأَكْثَرُ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ) أَيْضًا (مِنْ السُّنَّةِ) لِظُهُورِهِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ وَقِيلَ لَا لِجَوَازِ إرَادَةِ سُنَّةِ الْبَلَدِ (فَكُنَّا مَعَاشِرَ النَّاسِ) نَفْعَلُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُنَّا نَفْعَلُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِظُهُورِهِ فِي تَقْرِيرِ النَّبِيِّ وَقِيلَ لَا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ (فَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ فَكَانُوا لَا يَقْطَعُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ فُتِحَ بَابُ التَّغْيِيرِ لَجَسَرَ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِهِ اهـ. وَيَنْبَغِي لِرَاوِي الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى أَنْ يَقُولَ عَقِيبَهُ أَوْ كَمَا قَالَ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ شِبْهُهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَقَدْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ الصَّاحِبَةِ يَتَعَلَّمُونَ ذَلِكَ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَعَانِي الْكَلَامِ خَوْفًا مِنْ الزَّلَلِ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَا فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى مِنْ الْخَطَرِ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، ثُمَّ قَالَ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ شَبِيهٌ بِهِ» اهـ. (تَذْنِيبٌ) مِمَّا يَلْتَحِقُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ النَّاظِرُ حَدِيثًا مُسْتَنِدًا فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ، وَلَمْ يَسْتَرِبْ فِي ثُبُوتِهِ وَاسْتَبَانَ انْتِفَاءُ اللَّبْسِ وَالرَّيْبِ عَنْهُ، وَلَمْ يُسْمَعْ الْكِتَابُ مِنْ شَيْخٍ فَهَذَا رَجُلٌ لَا يَرْوِي مَا رَآهُ، وَلَكِنَّ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ بِمُوجِبَاتِ الْأَخْبَارِ عَلَى أَنْ تَنْتَظِمَ لَهُمْ الْأَسَانِيدُ فِي جَمِيعِهَا وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ إنْ رُوجِعْنَا فِيهِ الثِّقَةُ وَالشَّاهِدُ لَهُ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَرِدُ عَلَيْهِمْ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الِانْتِهَاءُ إلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ وَمَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِمَضْمُونِهِ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ مُسْمِعٍ كَانَ الَّذِينَ قَصَدُوا بِمَضْمُونِ الْكِتَابِ وَمَقْصُودِ الْخِطَابِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الرَّجُلَ رَأَيْت فِي صَحِيحِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ وَثِقْت بِاشْتِمَالِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ فَعَلَى الَّذِي سَمِعَهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ أَنْ يَثِقَ بِهِ وَيُلْحِقَهُ بِمَا يَلْقَاهُ فِي نَفْسِهِ وَرَآهُ وَرَوَاهُ مِنْ الشَّيْخِ الْمُسْمِعِ، وَلَوْ عُرِضَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى جَهَلَةِ الْمُحَدِّثِينَ لَأَبَوْهُ فَإِنَّ فِيهِ سُقُوطَ مَنْصِبِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الثِّقَةِ وَصِحَّةِ الرِّوَايَةِ، وَهُمْ عُصْبَةٌ لَا مُبَالَاةَ بِهِمْ فِي حَقَائِقِ الْأُصُولِ، وَإِذَا نَظَرَ النَّاظِرُ فِي تَفَاصِيلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ صَادَفَ جَمِيعَهَا جَارِيَةً فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ عَلَى ظُهُورِ الثِّقَةِ وَانْخِرَامِهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْأُصُولِيُّ فَإِذَا صَادَفْنَاهُ لَزِمْنَاهُ وَتَرَكْنَا وَرَاءَهُ الْمُحَدِّثِينَ يَنْقَطِعُونَ فِي وَضْعِ أَلْقَابٍ وَتَرْتِيبِ أَبْوَابٍ [مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ] (قَوْلُهُ: يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ ضَعِيفٌ يُعَضَّدُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا قَالَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِمَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَالَ النَّبِيُّ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِهِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ صُدُورُ أَمْرٍ وَنَهْيٍ مِنْهُ حَقِيقَةً لَا السَّمَاعُ إذْ سَمِعْته صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الشَّكَّ فِيهِ فِي السَّمَاعِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَبَقَ) أَيْ مِنْ الْقَوْلِ بِالْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ فَالْمُرَادُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا رُخِّصَ إلَخْ) فَصَلَهُ بِكَذَا لِكَثْرَةِ التَّرْخِيصِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَأَمْرُهَا أَضْعَفُ (قَوْلُهُ: بِبِنَاءِ الْجَمِيعِ لِلْمَفْعُولِ) لَعَلَّهُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَلِتَأَخُّرِهِ عَمَّا قَبْلَهُ أَيْ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ فِي مَرْتَبَةِ أَمَرَ أَوْ نَهَى وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ لِلْفَاعِلِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ (قَوْلُهُ: نَفْعَلُ فِي عَهْدِهِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي عَهْدِهِ عَائِدٌ لِلْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: فَكَانُوا لَا يَقْطَعُونَ) أَيْ الْيَدَ وَقَوْلُهُ فِي الشَّيْءِ

[خاتمة مستند غير الصحابي في الرواية]

فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ) قَالَتْهُ عَائِشَةُ لِظُهُورِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِي هُوَ إجْمَاعٌ وَقِيلَ لَا لِجَوَازِ إرَادَةِ نَاسٍ مَخْصُوصَةٍ وَعَطَفَ الصُّوَرِ بِالْفَاءِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ دُونَ مَا قَبْلَهَا فِي الرُّتْبَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ حِكَايَةُ الْخِلَافِ الَّذِي فِي الْأَوَّلِ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (خَاتِمَةٌ) (مُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ) فِي الرِّوَايَةِ (قِرَاءَةُ الشَّيْخِ) عَلَيْهِ (إمْلَاءً وَتَحْدِيثًا) مِنْ غَيْرِ إمْلَاءٍ (فَقِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّيْخِ (فَسَمَاعُهُ) بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَى الشَّيْخِ (فَالْمُنَاوَلَةُ مَعَ الْإِجَازَةِ) كَأَنْ يَدْفَعَ لَهُ الشَّيْخُ أَصْلَ سَمَاعِهِ أَوْ فَرْعًا مُقَابَلًا بِهِ وَيَقُولَ لَهُ أَجَزْت لَك رِوَايَتَهُ عَنِّي (فَالْإِجَازَةُ) مِنْ غَيْرِ مُنَاوَلَةٍ (لِخَاصٍّ فِي خَاصٍّ) نَحْوُ أَجَزْت لَك رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ (فَخَاصٌّ فِي عَامٍّ) نَحْوُ أَجَزْت لَك رِوَايَةَ جَمِيعِ مَسْمُوعَاتِي (فَعَامٌّ فِي خَاصٍّ) نَحْوُ أَجَزْت لِمَنْ أَدْرَكَنِي رِوَايَةَ مُسْلِمٍ (فَعَامٌّ فِي عَامٍّ) نَحْوُ أَجَزْت لِمَنْ عَاصَرَنِي رِوَايَةَ جَمِيعِ مَرْوِيَّاتِي (فَلِفُلَانٍ وَمَنْ يُوجَدُ مِنْ نَسْلِهِ) تَبَعًا لَهُ (فَالْمُنَاوَلَةُ) مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ (فَالْإِعْلَامُ) كَأَنْ يَقُولَ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ مَسْمُوعَاتِي عَلَى فُلَانٍ (فَالْوَصِيَّةُ) كَأَنْ يُوصِيَ بِكِتَابٍ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ سَفَرِهِ أَوْ مَوْتِهِ (فَالْوِجَادَةُ) كَأَنْ يَجِدَ كِتَابًا أَوْ حَدِيثًا بِخَطِّ شَيْخٍ مَعْرُوفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّافِهِ أَيْ فِي سَرِقَتِهِ وَأَخَّرَهُ عَمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ أَخْفَى إذْ هُوَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ إجْمَاعٌ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَجْهَ الْحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعُ دُونَ التَّقْرِيرِ (قَوْلُهُ: فِي الرُّتْبَةِ) أَيْ بِحَسَبِ الِاحْتِجَاجِ (قَوْلُهُ: حِكَايَةُ الْخِلَافِ) أَيْ مُطْلَقُ الْخِلَافِ لَا عَيْنُهُ لِجَوَازِ أَنْ يُوَافِقَ فِي الْأَضْعَفِ مَنْ يُخَالِفُ فِي الْأَقْوَى. [خَاتِمَةٌ مُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ فِي الرِّوَايَةِ] (قَوْلُهُ: خَاتِمَةٌ) مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَرَاتِبِ التَّحَمُّلِ وَأَلْفَاظِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: مُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ) قَيَّدَ بِهِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِلَّا فَقَدْ يَرْوِي الصَّحَابِيُّ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ أَوْ تَابِعِيٍّ فَيَكُونُ مُسْتَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ كَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: قِرَاءَةُ الشَّيْخِ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ كِتَابِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ أَوْ مِنْ حِفْظِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَتَحْدِيثًا (قَوْلُهُ: وَمَنْ يُوجَدُ مِنْ نَسْلِهِ) إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الْإِجَازَةِ لِلْمَعْدُومِ وَلَهَا صُورَتَانِ الْعَطْفُ عَلَى مَوْجُودٍ كَهَذِهِ وَبِدُونِهِ كَأَجَزْتُ لِمَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ وَفِيهَا خِلَافٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَأَمَّا الْإِجَازَةُ لِلطِّفْلِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَصَحِيحَةٌ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ وَالْإِجَازَةُ لِمَجْنُونٍ صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَقْلًا وَإِنْ كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيحًا، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَجَازَ الْكَافِرَ إلَّا أَنَّ شَخْصًا مِنْ الْأَطِبَّاءِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّيِّدِ سَمِعَ الْحَدِيثَ فِي حَالِ يَهُودِيَّتِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيِّ وَكَتَبَ اسْمَهُ فِي الطَّبَقَةِ مَعَ السَّامِعِينَ وَأَجَازَ الصُّورِيُّ لَهُمْ وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِحُضُورِ الْمِزِّيِّ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ ثُمَّ هَدَى اللَّهُ هَذَا الْيَهُودِيَّ لِلْإِسْلَامِ وَحَدَّثَ وَسَمِعَ مِنْهُ أَصْحَابُنَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْمُنَاوَلَةُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَحْتَفَّ بِقَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَفِي الْمَنْخُولِ وَأَمَّا الْمُنَاوَلَةُ فَلَا فَائِدَةَ فِيهَا وَهِيَ مِنْ جَهَالَاتِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ اهـ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِكِتَابِهِ إلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إلَى كِسْرَى» وَفِي مُعْجَمِ الْبَغَوِيّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ قَالَ كُنَّا إذَا أَكْثَرْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَتَانَا بِمَجَالَّ لَهُ فَأَلْقَاهَا إلَيْنَا وَقَالَ هَذِهِ أَحَادِيثُ سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَبْتهَا وَعَرَضْتهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْوَصِيَّةُ) قَالَ سم يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَارِيَّةُ كَالْوَصِيَّةِ بَلْ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهَا الْوَصِيَّةَ عِنْدَ السَّفَرِ وَقَابَلُوا بِهَا الْوَصِيَّةَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَا الْوَصِيَّةَ الْمُعَرَّفَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَأَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ وَنَحْوُ الْبَيْعِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْوِجَادَةُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَجَدَ مُوَلَّدٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا النَّهْرَوَانِيُّ فَرَّعَ الْمُوَلِّدُونَ قَوْلَهُمْ وِجَادَةً فِيمَا أُخِذَ مِنْ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ وَلَا إجَازَةٍ وَلَا مُنَاوَلَةٍ مِنْ تَفْرِيقِ الْعَرَبِ بَيْنَ مَصَادِرِ وَجَدَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ يَعْنِي قَوْلَهُمْ وَجَدَ ضَالَّتَهُ وِجْدَانًا وَمَطْلُوبَهُ وُجُودًا وَفِي الْغَضَبِ مَوْجِدَةً وَفِي الْغِنَى وُجْدًا وَفِي الْحُبِّ وَجْدًا اهـ. وَصِفَةُ التَّحْدِيثِ بِهَا أَنْ يَقُولَ وَجَدْت أَوْ قَرَأْت بِخَطِّ فُلَانٍ أَوْ فِي كِتَابِهِ بِخَطِّهِ حَدِيثَ فُلَانٍ وَيَسُوقُ الْإِسْنَادَ وَالْمَتْنَ أَوْ قَرَأْت بِخَطِّ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ

(وَمَنَعَ) إبْرَاهِيمُ (الْحَرْبِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ) الْأَصْفَهَانِيُّ (وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ الْإِجَازَةَ) أَقْسَامَهَا السَّابِقَةَ (وَ) مَنَعَ (قَوْمٌ الْعَامَّةَ مِنْهَا) دُونَ الْخَاصَّةِ (وَ) مَنَعَ (الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ) إجَازَةَ (مَنْ يُوجَدُ مِنْ نَسْلِ زَيْدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ) إجَازَةِ (مَنْ يُوجَدُ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِنَسْلِ فُلَانٍ وَعَطَفَ الْأَقْسَامَ بِالْفَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ كُلَّ قِسْمٍ دُونَ مَا يَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ وَمِنْ ذَلِكَ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْإِجَازَةِ يُسْتَفَادُ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِيمَا بَعْدَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَأَلْفَاظُ) الرِّوَايَةُ أَوْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الرِّوَايَةُ (مِنْ صِنَاعَةِ الْمُحَدِّثِينَ) فَلْيَطْلُبْهَا مِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُهَا مِنْهَا عَلَى تَرْتِيبِ مَا تَقَدَّمَ: أَمْلَى عَلَيَّ، حَدَّثَنِي، قَرَأْت عَلَيْهِ، قُرِئَ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَنِي إجَازَةً وَمُنَاوَلَةً، أَخْبَرَنِي إجَازَةً، أَنْبَأَنِي مُنَاوَلَةً، أَخْبَرَنِي إعْلَامًا، أَوْصَى إلَيَّ، وَجَدْت بِخَطِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْعَمَلُ بِهَا فَنُقِلَ عَنْ مُعْظَمِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنُظَّارِ أَصْحَابِهِ جَوَازُهُ وَبَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الشَّافِعِيَّةِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ حُصُولِ الثِّقَةِ بِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى الرِّوَايَةِ لَانْسَدَّ بَابُ الْعَمَلِ بِالْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ شُرُوطِهِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلْعَمَلِ بِالْوِجَادَةِ «أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إيمَانًا؟ قَالُوا الْمَلَائِكَةُ. قَالَ وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالُوا الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ يَأْتِيهِمْ الْوَحْيُ؟ قَالُوا فَنَحْنُ. قَالَ وَكَيْفَ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالُوا فَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا» . قَالَ وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنَعَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ إلَخْ) قَالُوا مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَجَزْت لَك أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُبِيحُ رِوَايَةَ مَا لَمْ يُسْمَعْ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبِي يُوسُفَ نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهَا بِدْعَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ وَرَدَ الْمُجَازُ قَالَ السُّيُوطِيّ الَّذِي يَنْقَدِحُ فِي النَّفْسِ الصِّحَّةُ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ الشَّيْخُ عَنْ الْإِجَازَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ إخْبَارٌ فَلَمْ يَضُرَّ الرَّدُّ وَلَا الرُّجُوعُ، وَإِنْ قُلْنَا إذْنٌ وَإِبَاحَةٌ ضَرَّ كَالْوَقْفِ وَالْوَكَالَةِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. (خَاتِمَةٌ مُهِمَّةٌ) قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ عَلَى سَمَاعِهِ بَلْ إذَا صَحَّ عِنْدَهُ النُّسْخَةُ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ السَّنَدِ إلَى مُصَنِّفِهَا وَذَلِكَ شَامِلٌ لِكُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَنْ وَجَدَ حَدِيثًا فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ وَيَحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ وَهَذَا غَلَطٌ، وَكَذَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ هُمْ عُصْبَةٌ لَا مُبَالَاةَ بِهِمْ اهـ. وَكَتَبَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ كَتَبَهُ إلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَأَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى كُتُبِ الْفِقْهِ الصَّحِيحَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْعَصْرِ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثِّقَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِهَا كَمَا تَحْصُلُ بِالرِّوَايَةِ وَبُعْدُ التَّدْلِيسِ وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْخَطَأِ مِنْهُمْ، وَلَوْلَا جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى ذَلِكَ لَتَعَطَّلَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا، وَقَدْ رَجَعَ الشَّارِعُ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ فِي صُوَرٍ وَلَيْسَتْ كُتُبُهُمْ مَأْخُوذَةً فِي الْأَصْلِ إلَّا عَنْ قَوْمٍ كُفَّارٍ وَلَكِنْ لَمَّا بَعُدَ التَّدْلِيسُ فِيهَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهَا كَمَا اُعْتُمِدَ فِي اللُّغَةِ عَلَى أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَهُمْ كُفَّارٌ لِبُعْدِ التَّدْلِيسِ قَالَ وَكُتُبُ الْحَدِيثِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا لِاعْتِنَائِهِمْ بِضَبْطِ النُّسَخِ وَتَحْرِيرِهَا فَمَنْ قَالَ إنَّ شَرْطَ التَّخْرِيجِ مِنْ كِتَابٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى اتِّصَالِ السَّنَدِ إلَيْهِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَغَايَةُ الْمُخَرِّجُ أَنْ يَنْقُلَ الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ وَيَنْسُبَهُ إلَى مَنْ رَوَاهُ وَيَتَكَلَّمَ عَلَى عِلَّتِهِ وَغَرِيبِهِ وَفِقْهِهِ قَالَ وَلَيْسَ النَّاقِلُ لِلْإِجْمَاعِ مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ مِثْلَ اشْتِهَارِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ بِالْخَبَرِ، وَإِنْ لَمْ

[الكتاب الثالث في الإجماع من الأدلة الشرعية]

(الْكِتَابُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْلَمْ أَنَّهُ سَمِعَهُ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ إجْمَاعٍ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فُرُوعًا جَلِيلَةً مُتَفَرِّعَةً عَلَى اعْتِمَادِ الْكِتَابَةِ مِنْهَا أَنَّ عَمَلَ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ وَنِسْبَةِ مَا فِيهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَا يَقُولُ قَالَ فُلَانٌ إلَّا إذَا وَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ وَإِلَّا فَلْيَقُلْ بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ ثَمَّ بَعَثَ الْقَاضِي بَكَّارَ شَاهِدَيْنِ إلَى الْمُزَنِيّ لِيَشْهَدَا عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي كَلَامٍ رَآهُ فِي الْمُخْتَصَرُ فَلَمَّا شَهِدَ قَالَ الْآنَ وَثَّقْت نَفْسِي قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا كَانَ مِنْهُ وَرَعًا، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَائِلِ الْحَالِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَشِرْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ انْتِشَارَهُ الْآنَ، وَأَمَّا الْآنَ فَالتَّحَرِّي فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَسْوَسَةٌ، وَمِنْهَا إذَا وَلَّى الْإِمَامُ رَجُلًا كَتَبَ لَهُ عَهْدًا أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَلْزَمْ النَّاسَ طَاعَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي وَقِيلَ يَكْتَفِي بِالْكِتَابِ قَالَ الْإِمَامُ بِشَرْطِ ظُهُورِ الصِّدْقِ فِي مَخَائِلِهِ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ الِاسْتِفَاضَةُ تَكْفِي قَالَ الْمُصَنِّفُ الْأَرْجَحُ الِاكْتِفَاءُ إنْ حَصَلَ بِهِ ظَنُّ الْوِلَايَةِ وَمِنْهَا إذَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ رُقْعَةٌ فِيهَا أَنَّ تَحْتَهُ دَفِينًا وَأَنَّهُ لَهُ فَفِي اعْتِمَادِهَا وَجْهَانِ وَمِنْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ الضَّمَانِ إذَا كَتَبَ سَفْتَجَةً بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَرُدَّتْ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا إذَا اعْتَرَفَ بِالْكِتَابِ وَالدَّيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ وَلِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ، وَمِنْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ مَنْ كَتَبَ سَلَامًا فِي كِتَابٍ وَجَبَ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ رَدُّ السَّلَامِ إذَا بَلَغَهُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَعَزَاهُ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْوَاحِدِيِّ وَالرَّافِعِيِّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَطِّ الْمُفْتِي قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُ الرَّاوِي عَلَى سَمَاعِ جُزْءٍ وَجَدَ اسْمَهُ مَكْتُوبًا فِيهِ إذَا ظَنَّ ذَلِكَ بِالْمُعَاصَرَةِ وَاللُّقِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الظَّنُّ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ وَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فَهَذِهِ ظُنُونٌ مُعْتَضَدَةٌ بِالْقَرَائِنِ رُبَّمَا انْتَهَتْ إلَى الْقَطْعِ. اهـ. (اسْتِطْرَادٌ) وَقَعَ بَيْنَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَيْنَ الْإِمَامِ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُنَاظَرَةٌ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَطَالَبَهُ إِسْحَاقُ بِالدَّلِيلِ فَقَالَ حَدِيثَ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فَاعْتَرَضَهُ إِسْحَاقُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ «كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» ، قَالَ وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا كِتَابٌ وَذَاكَ سَمَاعٌ فَقَالَ إِسْحَاقُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَكُتُبُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَسَكَتَ الشَّافِعِيُّ قِيلَ وَكَانَتْ الْمُنَاظَرَةُ بِمَحْضَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ وَأَفْتَى بِهِ وَرَجَعَ إِسْحَاقُ إلَى حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ إنَّ حُجَّةَ الشَّافِعِيِّ بَاقِيَةٌ فَإِنَّ هَذَا كِتَابٌ عَارَضَهُ سَمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالسَّمَاعِ وَإِنَّمَا ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا لِقُرْبِ التَّارِيخِ فَأَنَّى يَنْهَضُ بِالنَّسْخِ، أَمَّا كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَلَمْ يُعَارِضْهَا شَيْءٌ بَلْ عَضَّدَتْهَا الْقَرَائِنُ وَسَاعَدَهَا التَّوَاتُرُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِالدَّعْوَةِ إلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَعَلَّ سُكُوتَ الشَّافِعِيِّ تَسْجِيلٌ عَلَى إِسْحَاقَ بِأَنَّ اعْتِرَاضَهُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِنْدَهُ جَوَابًا وَرُبَّ سُكُوتٍ أَبْلَغُ مِنْ نُطْقٍ وَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إلَيْهِ إِسْحَاقُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ السُّكُوتُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لَأَكَّدَ ذَلِكَ مَا عِنْدَ إِسْحَاقَ اهـ. [الْكِتَابُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ] (الْكِتَابُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ) . (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالثَّالِثِ وَلَوْ جَعَلَهُ عَقِبَهُ كَانَ أَوْلَى وَيَجُوزُ جَعْلُهُ حَالًا لَازِمَةً مِنْ الْإِجْمَاعِ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ يَكُونُ شَرْعِيًّا كَحِلِّ النِّكَاحِ وَلُغَوِيًّا كَكَوْنِ الْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ وَعَقْلِيًّا كَحُدُوثِ الْعَالَمِ

[اختصاص الإجماع بالمجتهدين]

(وَهُوَ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ بَعْدَ وَفَاةِ) نَبِيِّهَا (مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَصْرٍ عَلَى أَيِّ أَمْرٍ كَانَ) وَشَرَحَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدَّ بَانِيًا عَلَيْهِ مُعْظَمَ مَسَائِلِ الْمَحْدُودِ وَنَاهِيك بِحُسْنِ ذَلِكَ. فَقَالَ (فَعُلِمَ اخْتِصَاصُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (بِالْمُجْتَهِدِينَ) بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ (وَهُوَ) أَيْ الِاخْتِصَاصُ بِهِمْ (اتِّفَاقٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ دُنْيَوِيًّا كَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ اهـ. زَكَرِيَّا وَنُوقِشَ تَعَلُّقُهُ بِالثَّالِثِ بِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ أَوْ الْمَسَائِلِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَإِنَّمَا الَّذِي مِنْهَا الِاتِّفَاقُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي يَقَعُ مَوْضُوعًا لِلْمَسَائِلِ وَلَوْ جُعِلَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَكَانَ أَحْسَنَ. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوَّلُ مَنْ بَاحَ بِرَدِّ الْإِجْمَاعِ النَّظَّامُ، ثُمَّ تَابَعَهُ طَوَائِفُ مِنْ الرَّوَافِضِ، وَقَدْ يُطْلِقُ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُلَبَّسٌ فَإِنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ الْقَائِمِ صَاحِبِ الزَّمَانِ وَهُوَ مُنْغَمِسٌ فِي غِمَارِ النَّاسِ فَإِذَا اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً فِي جُمْلَةِ الْأَقْوَالِ فَهُوَ الْحُجَّةُ وَبِهِ التَّمَسُّكُ وَعُمْدَةُ نُفَاةِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْعُقُولَ لَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ فِي مَقْدُورِ اللَّهِ أَنْ تَجْتَمِعَ أَقْوَامٌ لَا يُعْصَمُ أَحَدُهُمْ عَنْ الْخَطَأِ عَلَى نَقِيضِ الصَّوَابِ فَإِذًا لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مُتَعَلِّقٌ فِي انْتِصَابِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَتَبُّعُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَيَتَعَيَّنُ انْتِفَاءُ الْقَاطِعِ فِيهَا أَنَّ الْقَاطِعَ نَصُّ الْكِتَابِ أَوْ نَصُّ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ عَرِيَّةٌ عَنْهُمَا فَلَا دَلِيلَ إذًا عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ مُخَيَّلٌ بَالِغٌ فِي فَنِّهِ إنْ لَمْ نَسْلُكْ الْمَسْلَكَ الْمُرْتَضَى، ثُمَّ ذَكَرَ مُتَمَسَّكَ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّتِهِ وَأَخَذَ فِي تَقْرِيرِهَا وَبَيَانِهَا بِكَلَامٍ نَفِيسٍ جَزْلٍ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْعُقُولَ لَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ وَاسْتَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمْعِيَّاتِ قَاطِعٌ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ فَلَا مَعْنَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرَّدُّ وَالْإِجْمَاعُ عِصَامُ الشَّرِيعَةِ وَعِمَادُهَا وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُهَا قُلْنَا الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ وَالطَّرِيقُ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَخْ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا مُحَصِّلُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ فَقَالَ مَطْمَعٌ فِي مَسْلَكٍ عَقْلِيٍّ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ مِنْ السَّمْعِ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ وَلَا نَصُّ كِتَابٍ وَإِثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ تَهَافُتٌ وَالْقِيَاسُ الْمَظْنُونُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَهَذِهِ مَدَارِكُ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يَبْقَ وَرَاءَهَا إلَّا مَسَالِكُ الْعُرْفِ فَلَعَلَّنَا نَتَلَقَّاهُ مِنْهُ فَنَقُولُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لَا الدَّعْوَةِ وَهُوَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَالْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى مِنْ أَيِّ الْمُجْتَهِدِ مِنْهُمْ فَيَصْدُقُ بِوَاحِدٍ وَسَيَأْتِي يَقُولُ وَلَوْ انْحَصَرَ اجْتِهَادًا إلَخْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا حُذِفَتْ يَاؤُهُ لِلْإِضَافَةِ لَكِنْ يَلْزَمُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا اتَّفَقَا لَا يَكُونُ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: فِي عَصْرٍ) أَيْ أَيَّ عَصْرٍ كَانَ كَمَا يُفِيدُهُ التَّنْكِيرُ فَيَقْتَضِي جَوَازَ بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَعْنَاهُ زَمَنٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَفَائِدَتُهُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا يَرِدُ مِنْ تَرْكِ هَذَا الْقَيْدِ مِنْ لُزُومِ عَدَمِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ إلَّا حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: مُعْظَمُ مَسَائِلِ الْمَحْدُودِ) أَيْ لَا كُلُّهَا؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَكَوْنِهِ قَطْعِيًّا وَكَوْنِ خَرْقِهِ حَرَامًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمُعْظَمَ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً بِجَعْلِ السِّتِّ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّ إجْمَاعَ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى آخِرِ السِّتِّ وَاحِدَةً، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بِجَعْلِهَا سِتَّةً وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالْبِنَاءِ فِي جَمِيعِهَا مَا عَدَا ثَلَاثَةً فَذَكَرَهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَمَّا السُّكُوتِيُّ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إمَامٌ مَعْصُومٌ وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ، وَإِنَّمَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهَا فَاعْتَنَى بِهِ لِكَوْنِهِ أَهَمَّ وَغَيْرُ الْمُعْظَمِ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَنَاهِيك بِحُسْنِ ذَلِكَ) نَاهِي خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَبِحُسْنِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ حُسْنُ ذَلِكَ نَاهِيك عَنْ الِالْتِفَاتِ لِغَيْرِهِ، أَوْ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَنَاهِي خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ نَاهِيك بِسَبَبِ حُسْنِ إلَخْ وَالضَّمِيرُ لِلْمُصَنِّفِ أَوْ لِمَصْنُوعِهِ وَفِيهِ إظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ. [اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُجْتَهِدِينَ] (قَوْلُهُ: بِالْمُجْتَهِدِينَ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ

[اختصاص الإجماع بالمسلمين]

أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ وِفَاقُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ؟ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ وِفَاقَ الْعَوَامّ) لِلْمُجْتَهِدِينَ (مُطْلَقًا) أَيْ الْمَشْهُورُ وَالْخَفِيُّ (وَقَوْمٌ فِي الْمَشْهُورِ) دُونَ الْخَفِيِّ كَدَقَائِقِ الْفِقْهِ (بِمَعْنَى إطْلَاقِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ) أَيْ لِيَصِحَّ هَذَا الْإِطْلَاقُ (لَا) بِمَعْنَى (افْتِقَارِ الْحُجَّةِ) اللَّازِمَةِ لِلْإِجْمَاعِ (إلَيْهِمْ خِلَافًا لِلْآدَمِيِّ) فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي وَيَدُلُّ لَهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَشْهُورِ وَالْخَفِيِّ (وَ) اعْتَبَرَ (آخَرُونَ الْأُصُولِيَّ فِي الْفُرُوعِ) فَيُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا لِتَوَقُّفِ اسْتِنْبَاطِهَا عَلَى الْأُصُولِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ عَامِّيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا. (وَ) عُلِمَ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ (بِالْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ (فَخَرَجَ مَنْ نَكْرَهُ) بِبِدْعَتِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِوِفَاقِهِ وَلَا خِلَافِهِ. (وَ) عُلِمَ اخْتِصَاصُهُ (بِالْعُدُولِ إنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ رُكْنًا) فِي الِاجْتِهَادِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهِمْ (إنْ لَمْ تَكُنْ) رُكْنًا فِي الِاجْتِهَادِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَحَصَلَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ فِي اعْتِبَارِ وِفَاقِ الْفَاسِقِ قَوْلَيْنِ وَزَادَ عَلَيْهِمَا قَوْلَهُ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (فِي الْفَاسِقِ يُعْتَبَرُ) وِفَاقُهُ (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ إجْمَاعُ الْعُدُولِ حُجَّةً عَلَيْهِ إنْ وَافَقَهُمْ وَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا (وَرَابِعُهَا) يُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ (إنْ بَيَّنَ مَأْخَذَهُ) فِي مُخَالَفَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ إذْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْكُلِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ اتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ اُشْتُرِطَ اتِّفَاقٌ لِلْعَوَامِّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ لَا يُنَافِي اخْتِصَاصَ الْإِجْمَاعِ بِهِمْ بِهَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ وِفَاقَ الْعَوَامّ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إطْلَاقِ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلِاعْتِبَارِ مُطْلَقًا فَالْخِلَافُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَفْظِيٌّ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَوِيٌّ (قَوْلُهُ: اللَّازِمَةِ لِلْإِجْمَاعِ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لَا بِمَعْنَى افْتِقَارِ الْحُجَّةِ لَانَ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الْحُجَّةَ لَمَّا كَانَتْ لَازِمَةً لِلْإِجْمَاعِ صَحَّ ذِكْرُهَا (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي) أَيْ افْتِقَارُ الْحُجَّةِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لَهُ التَّفْرِقَةُ) إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْإِطْلَاقِ مَا كَانَ لِلتَّخْصِيصِ بِالْمَشْهُورِ وَجْهٌ بَلْ الْخَفِيُّ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ إذْ الْعَامَّةُ لَا يَخْطِرُ ذَلِكَ بِبَالِهِمْ وَالتَّفْرِقَةُ تَدُلُّ أَنَّ الشَّرْطَ فِي اعْتِبَارِ الْحُجَّةِ (قَوْلُهُ: الْأُصُولِيَّ) أَيْ اتِّفَاقَ الْأُصُولِيِّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّ الْأُصُولِيَّ الْمَاهِرَ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْفِقْهِ يَعْتَبِرُ خِلَافَهُ وَوِفَاقَهُ، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي وَصَفَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ مِنْ الْمُفْتِيِّينَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَوَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ الْمُفْتِيِّينَ فِيهَا فَهَذَا إذًا مِنْ الْمُقَلِّدِ وَلَا اعْتِبَارَ بِأَقْوَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ تَابِعُونَ غَيْرُ مَتْبُوعِينَ وَحَمَلَةُ الشَّرِيعَةِ مُفْتُوهَا وَالْمُقَلَّدُونَ فِيهَا اهـ. [اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ] (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ) لِإِضَافَةِ مُجْتَهِدٍ فِي التَّعْرِيفِ إلَى الْأُمَّةِ الْمُنْصَرِفِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى أُمَّةِ الْإِجَابَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَيْدٌ فِي الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِهِ لَا يُقَالُ إذَا كَانَ شَرْطًا فِي الْمُجْتَهِدِ كَانَ شَرْطًا فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِطَ فِي الْمُجْتَهِدِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فَهُوَ شَرْطٌ لِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ لِتَسْمِيَةِ اسْتِنْبَاطِهِ اجْتِهَادًا أَوْ يَدُلُّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهَا مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ السَّابِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصِيبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ اهـ. زَكَرِيَّا قَالَ سم، وَقَدْ يُوَجَّهُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْإِسْلَامِ فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَعْرِفَةُ مُتَعَلِّقِ الْأَحْكَامِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كَمَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْكَافِرِ إذْ لَا يَعْتَقِدُ حَقِيقَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَيْفَ يَعْرِفُ مُتَعَلِّقَ الْأَحْكَامِ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصِيبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ مِنْ تَحَقُّقِ الِاجْتِهَادِ فِي الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرَ مَا قَرَّرَهُ أَوَّلًا مِمَّا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ. [اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاع بِالْعُدُولِ] (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ رُكْنًا) أَيْ شَرْطًا فَالْمُرَادُ بِالرُّكْنِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: قَوْلَيْنِ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ وَيُعْلَمُ وِفَاقُهُ بِخَبَرِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا) أَيْ وَافَقَ أَوْ خَالَفَ.

[الإجماع لا يختص بالصحابة]

لِأَنَّ إضَافَةَ مُجْتَهِدِ إلَى الْأُمَّةِ تُفِيدُ الْعُمُومَ (وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) فَتَضُرُّ مُخَالَفَةُ الْوَاحِدِ (وَثَانِيهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (يَضُرُّ الِاثْنَانِ) دُونَ الْوَاحِدِ (وَثَالِثُهَا) تَضُرُّ (الثَّلَاثَةُ) دُونَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ (وَرَابِعُهَا) يَضُرُّ (بَالِغُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ) دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ إذَا كَانَ غَيْرُهُمْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ (وَخَامِسُهَا) تَضُرُّ مُخَالَفَةُ مَنْ خَالَفَ (إنْ سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي مَذْهَبِهِ) بِأَنْ كَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَدَمِ الْعَوْلِ، فَإِنْ لَمْ يَسَعْ كَقَوْلِهِ بِجَوَازِ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ (وَسَادِسُهَا) تَضُرُّ مُخَالَفَةُ مَنْ خَالَفَ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا (فِي أُصُولِ الدِّينِ) لِخَطَرِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ (وَسَابِعُهَا لَا يَكُونُ) الِاتِّفَاقُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْبَعْضِ (إجْمَاعًا بَلْ) يَكُونُ (حُجَّةً) اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (لَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ) لِصِدْقِ مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ بِغَيْرِهِمْ (وَخَالَفَ الظَّاهِرِيَّةُ) فَقَالُوا يَخْتَصُّ بِهَا لِكَثْرَةِ غَيْرِهِمْ كَثْرَةً لَا تَنْضَبِطُ فَيَبْعُدُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى شَيْءٍ. (وَ) عُلِمَ (عَدَمُ انْعِقَادِهِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنْ وَافَقَهُمْ فَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمْ دُونَهُ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّ التَّابِعِيَّ الْمُجْتَهِدَ) وَقْتَ اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ (مُعْتَبَرٌ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ مِنْ مُجْتَهِدِي الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ (فَإِنْ نَشَأَ بَعْدُ) بِأَنْ لَمْ يَصِرْ التَّابِعِيُّ مُجْتَهِدًا إلَّا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ (فَعَلَى الْخِلَافِ) أَيْ فَاعْتِبَارُ وِفَاقِهِ لَهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ (فِي انْقِرَاضِ الْعَصْرِ) إنْ اُشْتُرِطَ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا. (وَ) عُلِمَ (إجْمَاعُ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) النَّبَوِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ إضَافَةَ مُجْتَهِدٍ إلَى الْأُمَّةِ تُفِيدُ الْعُمُومَ) ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ فَيَعُمُّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ مُجْتَهِدِي الْأُمَّةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ " مُجْتَهِدِ " فِي التَّعْرِيفِ مُفْرَدٌ لَا جَمْعَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ غَيْرُهُمْ) أَيْ غَيْرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا كَانَ أَقَلَّ أَوْ تَعَادَلَا فَلَا إجْمَاعَ قَطْعًا اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: إنْ سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي مَذْهَبِهِ) أَيْ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ فِيهِ كَالْعَوْلِ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ بِخِلَافِ رِبَا الْفَضْلِ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَهُوَ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ مَعَ النَّصِّ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ اُنْظُرْ لِمَ زَادَ هَذَا هُنَا دُونَ مَا قَبْلَهُ أَيْ وَهُوَ الْخَامِسُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخَامِسِ مَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ إذْ لَوْلَا أَنَّهُ تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ وَحْدَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا صَحَّ التَّمْثِيلُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَظْهَرِ اهـ. سم. [الْإِجْمَاعُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ] (قَوْلُهُ: فَيَبْعُدُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى شَيْءٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُسْتَنَدَ الظَّاهِرِيَّةِ مُجَرَّدُ الِاسْتِبْعَادِ لَا دَلِيلٌ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ وَلَا نُزُولُ دَرَجَةٍ مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ عَنْ انْعِقَادٍ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ قَوْلَ ابْنِ حَزْمٍ إنَّهُ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا مَعَ سَعَةِ الْأَقْطَارِ بِالْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أَنْ يَضْبِطَ أَقْوَالَهُمْ. (قَوْلُهُ: إنْ وَافَقَهُمْ) أَيْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَوْلِ فَقَطْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَوْلِ الرَّأْيُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْقَوْلِ وَغَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ. (قَوْلُهُ: إجْمَاعُ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أَيْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ وَأَتَى بِلَفْظِ كُلٍّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ إجْمَاعَ كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى انْفِرَادِهِ حُجَّةٌ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ نَقَلَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَرَى اتِّفَاقَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَعْنِي عُلَمَاءَهَا حُجَّةً وَهَذَا مَشْهُورٌ عَنْهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ رَدٍّ عَلَيْهِ إنْ صَحَّ النَّقْلُ فَإِنَّ الْبِلَادَ لَا تَعْصِمُ وَالظَّنُّ بِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِمَا نَقَلَ النَّاقِلُونَ عَنْهُ اهـ. وَفِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ لِلْعَلَّامَةِ الْفَنَارِيِّ الْكَبِيرِ الَّذِي هُوَ جَامِعٌ لِكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ الْمُعْتَبَرَةِ مَا نَصُّهُ قِيلَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحْدَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَحُمِلَ عَلَى تَقَدُّمِ رِوَايَتِهِمْ أَوْ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِهِمْ فِي

[الإجماع المنقول بالآحاد]

(وَأَهْلِ الْبَيْتِ) النَّبَوِيِّ وَهُمْ فَاطِمَةُ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَالشَّيْخَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (وَأَهْلِ الْحَرَمَيْنِ) مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (وَأَهْلِ الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ غَيْرُ حُجَّةٍ) لِأَنَّهُ اتِّفَاقُ بَعْضِ مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ لَا كُلِّهِمْ. (وَإِنَّ) الْإِجْمَاعَ (الْمَنْقُولَ بِالْآحَادِ) (حُجَّةٌ) لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ بِهِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْكُلِّ) وَقِيلَ إنَّ الْإِجْمَاعَ فِي الْأَخِيرَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَطْعِيٌّ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقِيلَ إنَّهُ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ مِنْ السِّتِّ حُجَّةٌ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا» وَالْخَطَأُ خَبَثٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْ أَهْلِهَا. وَأُجِيبَ بِصُدُورِهِ مِنْهُمْ بِلَا شَكٍّ لِانْتِفَاءِ عِصْمَتِهِمْ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا فَاضِلَةٌ مُبَارَكَةٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى «إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِب عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» وَالْخَطَأُ رِجْسٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمْ وَهُمْ مَنْ تَقَدَّمَ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ «عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَفَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ كِسَاءً وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالصَّاعِ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ مُرَادُهُ التَّعْمِيمُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ آخَرَ لَهُمْ أَوْ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِعَدَمِ اجْتِمَاعِ مِثْلِ هَذَا الْكَثِيرِ مِنْ الْمَحْصُورِينَ فِي مَهْبِطِ الْوَحْيِ الْوَاقِفِينَ عَلَى وُجُوبِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّرْجِيحِ إلَّا عَنْ رَاجِحٍ وَجَوَابُهُ مَنْعُ ذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَثَبُّتِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ زَمَانِ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ مُتَمَسَّكٌ بِرَاجِحٍ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ وَهَذَا لَيْسَ احْتِمَالًا بَعِيدًا وَثَانِيًا نَحْوُ «الْمَدِينَةُ طَيِّبَةٌ تَنْفِي خَبَثَهَا» وَالْخَطَأُ خُبْثٌ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ فَضْلِهَا، وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا مَا وَقَعَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى انْتِفَاءِ الْخَطَأِ، وَثَالِثًا تَشْبِيهُ عِلْمِهِمْ بِرِوَايَتِهِمْ وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ تُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ لَا الِاجْتِهَادِ بِكَثْرَةِ الْمُجْتَهِدِينَ (قَوْلُهُ: وَأَهْلِ الْبَيْتِ) الْقَائِلُ بِحُجِّيَّةِ إجْمَاعِهِمْ الشِّيعَةُ قِيلَ كَيْفَ يَلْتَئِمُ ذَلِكَ مَعَ مَا اشْتَهَرَ عَنْ الشِّيعَةِ مِنْ إنْكَارِهِمْ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ إنْ أَنْكَرُوا كَوْنَهُ حُجَّةً عَلَى تَفْسِيرِهِ الْمَعْرُوفِ لَا مُطْلَقًا اهـ. كَمَالٌ. وَاسْتِدْلَالُ الشِّيعَةِ بِحَصْرِ انْتِفَاءِ الرِّجْسِ فِيهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وَالْخَطَأُ رِجْسٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِمْ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّجْسِ الشِّرْكُ أَوْ الْإِثْمُ أَوْ الشَّيْطَانُ أَوْ الْأَهْوَاءُ وَالْبِدَعُ أَوْ الْبُخْلُ وَالطَّمَعُ (قَوْلُهُ: غَيْرُ حُجَّةٍ) كَيْفَ يَكُونُ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي جَانِبِ الْخُلَفَاءِ مَعَ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِاتِّبَاعِهِمْ؟ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْإِجْمَاعِ نَفْيُ الْحُجِّيَّةِ وَلَا يُرَدُّ كَوْنُ الْحُجَّةِ لَازِمَةً لِلْإِجْمَاعِ لِجَوَازِ كَوْنِ اللَّازِمِ أَعَمَّ. [الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ بِالْآحَادِ] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَطْعِيٌّ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِيَّةِ دَلَالَتِهِ قَطْعِيَّتُهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِيَّةِ الدَّالِّ قَطْعِيَّةُ الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْأُولَى) أَيْ أَمَّا كَوْنُ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً فِي الْأُولَى، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: كَالْكِيرِ) هُوَ زِقُّ الْحَدَّادِ الَّذِي يَنْفُخُ بِهِ النَّارَ وَقَوْلُهُ تَنْفِي خَبَثَهَا أَيْ خَبَثِ أَهْلِهَا وَقَوْلُهُ يَنْصَعُ أَيْ يَخْلُصُ فِيهِ أَنَّ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِخَبَثٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ وَالْخَبَثُ إنَّمَا هُوَ خَطَأُ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ: بِصُدُورِهِ مِنْهُمْ) أَيْ بِجَوَازِ صُدُورِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَبِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ لَا يُثْبِتُ الْمُدَّعَى اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ الصُّدُورِ وَالْإِمْكَانُ لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ بِالْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى مَا قَالَهُ زَكَرِيَّا إنَّ جَوَازَ الصُّدُورِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُجِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الصُّدُورِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ كَغَيْرِهِمْ فَلَا وَجْهَ لِمَزِيَّتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ عِصْمَتِهِمْ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ إذْ الصُّدُورُ وَالْوُقُوعُ إنَّمَا يُعَلَّلُ بِالْمُشَاهَدَةِ مَثَلًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ لِإِمْكَانِ الصُّدُورِ وَجَوَازِهِ وَلِهَذَا قَدَّرَ زَكَرِيَّا لَفْظَةَ جَوَازٍ لِتَصْحِيحِ هَذَا التَّعْلِيلِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ تَعْلِيلًا لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِنَّمَا صَحَّ صُدُورُهُ مِنْهُمْ لِانْتِفَاءِ إلَخْ

الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ قَالَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] » . وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ وَالرِّجْسُ قِيلَ الْعَذَابُ وَقِيلَ الْإِثْمُ وَقِيلَ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَمُسْتَنْكَرٍ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ «الْخِلَافَةُ مِنْ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مِلْكًا» أَيْ تَصِيرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ وَكَانَتْ مُدَّةُ الْأَرْبَعَةِ هَذِهِ الْمُدَّةُ إلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ مُدَّةُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَدْ حَثَّ عَلَى اتِّبَاعِهَا فَيَنْتَفِي عَنْهُمْ الْخَطَأُ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ انْتِفَائِهِ، وَأَمَّا فِي الرَّابِعَةِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَيَنْتَفِي عَنْهُمَا الْخَطَأُ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ انْتِفَائِهِ، وَأَمَّا فِي الْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ فَلِأَنَّ إجْمَاعَ مَنْ ذُكِرَ فِيهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِالْحَرَمَيْنِ وَانْتَشَرُوا إلَى الْمِصْرَيْنِ. وَأُجِيبَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرِهِمْ عَلَى أَنَّ فِيمَا ذُكِرَ تَخْصِيصُ الدَّعْوَى بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ) (لَا يُشْتَرَطُ) فِي الْمُجْمِعِينَ (عَدَدُ التَّوَاتُرِ) لِصِدْقِ مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ بِمَا دُونَ ذَلِكَ (وَخَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) فَشُرِطَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْعَادَةِ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ) فِي الْعَصْرِ (إلَّا) مُجْتَهِدٌ (وَاحِدٌ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ) أَقَلُّ مَا يَصْدُقُ بِهِ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ اثْنَانِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ (الْمُخْتَارُ) لِانْتِفَاءِ الْإِجْمَاعِ عَنْ الْوَاحِدِ وَقِيلَ يُحْتَجُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا لِانْحِصَارِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الرِّجْسَ) تُبْدَلُ الْجِيمُ كَافًا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ وَتُبْدَلُ السِّينُ أَيْضًا زَايًا، وَأَمَّا الرِّكْزُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98] فَالْمُرَادُ بِهِ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مِرْطٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ كَتَّانٍ وَقِيلَ هُوَ الْإِزَارُ وَمُرَحَّلٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِيهِ خُطُوطٌ (قَوْلُهُ: وَالرِّجْسُ قِيلَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِي) مُتَعَلِّقٌ بِالْخُلَفَاءِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ تَمَسَّكُوا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْكُمْ وَتَفْسِيرٌ لَهُ (قَوْلُهُ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي إلَخْ) فِيهِ تَفْسِيرٌ لِلْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: مُدَّةَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) فَإِنَّهُ وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ بِمُبَايَعَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا فَهُوَ آخِرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَضِيَّتُهُ اعْتِبَارُ مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ فَيُشْكِلُ بِعَدَمِ عَدِّهِ فِيهِمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ إلَّا أَنْ يُوَجَّهَ بِقِصَرِ مُدَّتِهِ وَاشْتِغَالِهِ فِيهَا عَنْ النَّظَرِ لِتَرَادُفِ الْفِتَنِ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِمَنْعِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِهِمْ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ (قَوْلُهُ: إلَى الْمِصْرَيْنِ) يَعْنِي الْكُوفَةَ وَالْمَدِينَةَ أَيْ مُعْظَمَهُمْ وَإِلَّا فَقَدْ انْتَشَرُوا فِي جَمِيعِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ لِاتِّسَاعِ نِطَاقِ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ بِكَثْرَةِ الْفُتُوحَاتِ (قَوْلُهُ: بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ) أَيْ وَالْإِجْمَاعُ لَا يَخْتَصُّ بِعَصْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: فَشُرِطَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْعَادَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَ شَارِطِهِ وَهُوَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَحْكُمُ بِأَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُجْمِعُونَ عَلَى الْقَطْعِ فِي شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ تَوْثِيقٍ أَوْ ظَنٍّ بَلْ لَا يَقْطَعُونَ بِشَيْءٍ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) الَّذِي عُلِمَ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ الْإِجْمَاعِ لَا انْتِفَاءُ الْحُجَّةِ وَلَا

(وَ) عُلِمَ (أَنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ) بِمَوْتِ أَهْلِهِ (لَا يُشْتَرَطُ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمُجْمِعِينَ وَمُعَاصِرِيهِمْ (وَخَالَفَ أَحْمَدُ وَابْنُ فُورَكٍ وَسُلَيْمٌ) الرَّازِيّ (فَشَرَطُوا انْقِرَاضَ كُلِّهِمْ) أَيْ كُلِّ أَهْلِ الْعَصْرِ (أَوْ غَالِبِهِمْ أَوْ عُلَمَائِهِمْ) كُلِّهِمْ أَوْ غَالِبِهِمْ. (أَقْوَالُ اعْتِبَارِ الْعَامِّيِّ وَالنَّادِرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاؤُهَا فَالْمُنَاسِبِ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ إجْمَاعًا وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ يَلْزَمُهُ الْحُجِّيَّةُ فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَى كَمَا مَرَّ اهـ. زَكَرِيَّا وَفِيهِ أَنَّ الْمَعْلُومَ انْتِفَاءُ الْإِجْمَاعِ لَا انْتِفَاءُ الْحُجِّيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي الْمَعْلُومِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ) كَيْفَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ عَامِّيٌّ فَالْعَامِّيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْمُجْتَهِدِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْحَقُّ مُقَابِلٌ هَذَا الْقَوْلَ. (قَوْلُهُ: بِمَوْتِ أَهْلِهِ) أَيْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ لِيَأْتِيَ قَوْلُهُ الْآتِي أَوْ غَالِبُهُمْ (قَوْلُهُ: أَيْ كُلِّ أَهْلِ الْعَصْرِ) عَامِّهِمْ وَغَيْرِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا كُلِّ عُلَمَائِهِمْ وَإِلَّا لَسَاوَى قَوْلَهُ أَوْ عُلَمَائِهِمْ (قَوْلُهُ: أَقْوَالُ اعْتِبَارِ إلَخْ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَقْوَالُ اعْتِبَارٍ إلَخْ أَيْ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ إمَّا عَلَى مَعْنَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ نُقِلَ عَنْهُ كُلٌّ مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَائِلٌ بِقَوْلٍ مِنْهَا وَفِيهِمْ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ مَعَ مَا قَالَ بِهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْقَوْلَ الرَّابِعَ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ سَدِيدٍ إذْ لَا نَقْلَ يُسَاعِدُهُ بَلْ النَّقْلُ بِخِلَافِهِ إذْ الْمَعْرُوفُ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ لِمُحَقِّقِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَاخْتَلَفَ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ فِي الِاشْتِرَاطِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فَذَهَبَ إلَى كُلِّ قَوْلٍ (قَوْلُهُ: الْعَامِّيِّ وَالنَّادِرِ) أَيْ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ

هَلْ يُعْتَبَرَانِ أَوْ لَا يُعْتَبَرَانِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ يُعْتَبَرُ الْعَامِّيُّ دُونَ النَّادِرِ أَوْ الْعَكْسُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ جَمْعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْأَوَّلُ وَالرَّابِعُ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الِانْقِرَاضِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَطْرَأَ لِبَعْضِهِمْ مَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ الْأَوَّلَ فَيَرْجِعُ عَنْهُ جَوَازًا بَلْ وُجُوبًا. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ. (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الِانْقِرَاضُ فِي) الْإِجْمَاعِ (السُّكُوتِيِّ) لِضَعْفِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِيِّ وَسَيَأْتِي (وَقِيلَ) يُشْتَرَطُ الِانْقِرَاضُ (إنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (مَهْلَةٌ) بِخِلَافِ مَا لَا مَهْلَةَ فِيهِ كَقَتْلِ النَّفْسِ وَاسْتِبَاحَةِ الْفَرْجِ إذْ لَا يَصْدُرُ إلَّا بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ (وَقِيلَ) يُشْتَرَطُ الِانْقِرَاضُ (إنْ بَقِيَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمُجْمِعِينَ (كَثِيرٌ) كَعَدَدِ التَّوَاتُرِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ إذْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: هَلْ يُعْتَبَرَانِ إلَخْ) أَمَّا اعْتِبَارُ الْعَامِّيِّ فَيُقَدَّمُ فِي قَوْلِهِ وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ وِفَاقَ الْعَوَامّ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ وِفَاقِ النَّادِرِ فَهُوَ الرَّاجِحُ السَّابِقُ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْكُلِّ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعَامِّيِّ فَهُوَ الرَّاجِحُ السَّابِقُ فِي قَوْلِهِ فَعُلِمَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمُجْتَهِدِينَ، وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِ النَّادِرِ فَهُوَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ اهـ. مِنْ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: مِنْ جَمْعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَسْأَلَةِ اعْتِبَارِ الْعَامِّيِّ وَمَسْأَلَةِ اعْتِبَارِ النَّادِرِ فَجَمْعُهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي إحْدَاهُمَا خِلَافٌ فِي الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: أَوْ الْعَكْسُ) أَيْ أَنْ يَعْتَبِرَ مُوَافَقَةَ الْوَاحِدِ فَتَضُرَّ مُخَالَفَتُهُ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي عَلَى الْأَوَّلَيْنِ) أَرَادَ بِالْأَوَّلَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْأَوَّلَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ قَوْلُهُ هَلْ يُعْتَبَرَانِ وَالْأَوَّلَ الْإِضَافِيَّ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ لَا يُعْتَبَرَانِ أَوْ هُوَ تَغْلِيبٌ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِخُصُوصِ قَوْلٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي) أَيْ السُّكُوتِيُّ (قَوْلُهُ: الِانْقِرَاضُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا انْقِرَاضُ الْكُلِّ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ إنْ بَقِيَ قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ مُشْتَرِطِي الِانْقِرَاضِ قَائِلُونَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ لَكِنْ لَوْ رَجَعَ أَوْ حَدَثَ مُخَالِفٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ قَادِحًا فِي الْإِجْمَاعِ فَالِانْقِرَاضُ فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهِ دَلِيلًا مُسْتَقِرَّ الْحُجِّيَّةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ لَا أَصْلَ انْعِقَادِهِ حُجَّةً (قَوْلُهُ: مَهْلَةٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ تَأَنٍّ وَتَرَاخٍ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا إمْكَانُ اسْتِدْرَاكِ الشَّيْءِ لَوْ وَقَعَ كَمَا لَوْ وَقَعَ كَمَا لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ دَفْعِ الدَّيْنِ مِنْ زَيْدٍ الَّذِي عَلَيْهِ لِعَمْرٍو، ثُمَّ دَفَعَهُ فَهَذَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ بِاسْتِرْدَادِ الْمَدْفُوعِ لِزَيْدٍ أَوْ بَدَلِهِ إنْ تَلِفَ. قَالَ الْكَمَالُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُعَدُّ التَّأْخِيرُ فِيهِ مَهْلَةُ الْعُرْفِ كَمَا ضَبَطَهُ فِي الْمَنْخُولِ (قَوْلُهُ: مَا لَا مَهْلَةَ فِيهِ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ كَقَتْلِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ (قَوْلُهُ: كَقَتْلِ النَّفْسِ) أَيْ كَجَوَازِ قَتْلِ النَّفْسِ الْقَاتِلَةِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَصْدُرُ إلَخْ) وَبَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ مُخَالِفٍ

[إجماع الأمم السابقة]

فَالْمُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ انْقِرَاضُ مَا عَدَا الْقَلِيلِ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ (تَمَادِي الزَّمَنِ) عَلَيْهِ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ مَعَ انْتِفَاءِ التَّمَادِي عَلَيْهِ كَأَنْ مَاتَ الْمُجْمِعُونَ عَقِبَهُ بِخُرُورِ سَقْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَشَرَطَهُ) أَيْ التَّمَادِيَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي) الْإِجْمَاعِ (الظَّنِّيِّ) لِيَسْتَقِرَّ الرَّأْيُ عَلَيْهِ كَالْقَطْعِيِّ وَسَيَأْتِي التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا. (وَ) عُلِمَ (أَنَّ إجْمَاعَ) الْأُمَمِ (السَّابِقِينَ) عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (غَيْرُ حُجَّةٍ) فِي مِلَّتِهِ حَيْثُ أَخَذَ أُمَّتَهُ فِي التَّعْرِيفِ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِاخْتِصَاصِ دَلِيلِ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِأُمَّتِهِ كَحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «إنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ» وَقِيلَ إنَّهُ حُجَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْعَهُمْ شَرْعٌ لَنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (قَدْ يَكُونُ عَنْ قِيَاسٍ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمَأْخُوذَ فِي تَعْرِيفِهِ لَا بَدَلِهِ مِنْ مُسْتَنِدٍ كَمَا سَيَأْتِي وَالْقِيَاسُ مِنْ جُمْلَتِهِ (خِلَافًا لِمَانِعِ جَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَنْ قِيَاسٍ (أَوْ) مَانِعِ (وُقُوعِهِ مُطْلَقًا أَوْ فِي) الْقِيَاسِ (الْخَفِيِّ) دُونَ الْجَلِيّ وَسَيَأْتِي التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا وَالْإِطْلَاقُ وَالتَّفْصِيلُ رَاجِعَانِ إلَى كُلٍّ مِنْ الْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَالْمُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ انْقِرَاضُ مَا عَدَا الْقَلِيلَ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ لَا يُقَالُ هَذَا يَتَّحِدُ مَعَ قَوْلِهِ الَّذِي مَرَّ أَوْ غَالِبِهِمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْكَثْرَةِ الْمُشْتَرَطِ انْقِرَاضُهَا هُنَا أَنْ تَكُونَ غَالِبَةً فَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ مَثَلًا وَانْقَرَضَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ أَلْفٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ الشَّرْطُ لِمَكَانِ الْكَثْرَةِ وَتَحَقَّقَ عَلَى الْقَوْلِ السَّابِقِ لِانْقِرَاضِ غَالِبِ أَهْلِ الْعَصْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْعَامَّةِ) كَحَرْقٍ وَغَرَقٍ (قَوْلُهُ: لِيَسْتَقِرَّ الرَّأْيُ عَلَيْهِ) كَالْقَطْعِيِّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا ضَبَطَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الزَّمَنَ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعْتَبَرُ زَمَنٌ لَا يُفْرَضُ فِي مِثْلِهِ اسْتِقْرَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى رَأْيٍ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ أَوْ نَازِلٍ مَنْزِلَةَ الْقَاطِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَدْ شَرَطَ مَعَ تَمَادِي الزَّمَنِ تَرْدَادَ الْخَوْضِ فِي الْوَاقِعَةِ فَلَوْ وَقَعَتْ فَأَجَابُوا بِحُكْمٍ فِيهَا، ثُمَّ تَنَاسَوْهَا إلَى مَا سِوَاهَا فَلَا أَثَرَ لِلزَّمَانِ عِنْدَهُ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: كَالْقَطْعِيِّ) أَيْ كَاسْتِقْرَارِ الزَّمَنِ فِي الْقَطْعِيِّ. [إجْمَاعَ الْأُمَمِ السَّابِقَة] (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ أَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَمِ السَّابِقِينَ) أَيْ كُلِّ أُمَّةٍ لَا إجْمَاعَ الْجَمِيعِ مَعَ بَعْضٍ (قَوْلُهُ: غَيْرُ حُجَّةٍ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ إجْمَاعًا نَفْيُ الْحُجِّيَّةِ إلَّا أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُهُ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْعَهُمْ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْحُجِّيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ شَرْعِهِمْ شُرِعَ لَنَا أَنَّ إجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ هَلْ كَانَ حُجَّةً فَزَعَمَ زَاعِمُونَ أَنَّ إثْبَاتَهُ حُجَّةٌ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهَا أُمَّةٌ مُفَضَّلَةٌ عَلَى الْأُمَمِ مُزَكَّاةٌ

وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا فِي الْأَغْلَبِ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَرْجَحَ مِنْهُ فَلَوْ جَازَ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ لَجَازَ مُخَالَفَتُهُ الْإِجْمَاعَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ إذَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ وَعَلَى إرَاقَةِ نَحْوِ الزَّيْتِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ (عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) لَهُمْ (قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ) بَيْنَهُمْ بِأَنَّ قَصَرَ الزَّمَانُ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ وَالِاتِّفَاقِ (جَائِزٌ وَلَوْ) كَانَ الِاتِّفَاقُ (مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَهُمْ) إنْ مَاتُوا وَنَشَأَ غَيْرُهُمْ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ جَوَازُهُ أَيْضًا لِصِدْقِ تَعْرِيفِ الْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاتِّفَاقَيْنِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ مُسْتَنَدٌ جَلِيٌّ يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَزْكِيَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وَقَالَ تَعَالَى {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَمَنَعَ مَانِعُونَ هَذَا الْفَرْقَ وَقَالُوا لَمْ يَزَلْ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً فِي الْمِلَلِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَسْت أَدْرِي كَيْفَ كَانَ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ مُوجِبٌ عَقْلِيٌّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَلَا عَلَى وُجُوبِ الْفَرْقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَاطِعٌ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ فَلَا وَجْهَ إلَّا التَّوَقُّفُ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ إذَا قَطَعُوا فَقَوْلُهُمْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ يَسْتَنِدُ إلَى حُجَّةٍ قَاطِعَةٍ، فَإِنَّ تَلَقِّي هَذَا مِنْ قَضَايَا الْعَادَاتِ، وَالْعَادَاتُ لَا تَخْتَلِفُ إلَّا إذَا انْخَرَمَتْ. وَأَمَّا إذَا فُرِضَ إجْمَاعُ مَنْ قَبْلَنَا عَلَى مَظْنُونٍ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ فَالْوَجْهُ الْآنَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ الْمَاضِينَ هَلْ كَانُوا يُبَكِّتُونَ مَنْ كَانَ يُخَالِفُ مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ أَمْ لَا، وَقَدْ تَحَقَّقْنَا التَّبْكِيتَ فِي مِلَّتِنَا اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ وَالْخَفِيِّ وَالْجَلِيِّ (قَوْلُهُ: كَكَوْنِهِ ظَنِّيًّا فِي الْأَغْلَبِ) غَيْرُ الْأَغْلَبِ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْجُمْلَةِ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الدَّعْوَى أَيْضًا (قَوْلُهُ: الْإِجْمَاعُ عَنْهُ) أَيْ النَّاشِئُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ أَجْمَعَ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ بِالْوُقُوعِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَوَازُ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى إرَاقَةِ نَحْوِ الزَّيْتِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِر الْقَوْلَ بِقَبُولِ التَّطْهِيرِ. وَقَدْ قِيلَ بِهِ وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَنْقُولِ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ كَانَ يُلْحِقُ الزَّيْتَ بِالْمَاءِ فَيَعْتَبِرُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مُغَيِّرَةٍ، وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْهُ أَيْضًا السَّمْنَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمْعَ الْمَائِعَاتِ سَوَاءٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا وَنَقْلِهِ عَنْ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ فِي كِتَابِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ وَفِي هَذَا الْفَرْقِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْقُلَّتَيْنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَجَّسَ بِيَسِيرِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَائِعِ الْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْقُلَّتَيْنِ لَا مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِجَوَازِهِ فِي الْإِنَاءِ، أَمَّا لَوْ فُرِضَ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ بَحْرًا مِنْ زَيْتٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بِوُقُوعِ مَا لَا يُغَيِّرُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَإِنَّ الْمَحْكُومَ بِنَجَاسَتِهِ إنَّمَا هُوَ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا وُجُودَ لَهَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ السَّابِقُونَ فِيهَا وَلَكِنْ يُرْشِدُ إلَيْهَا الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ اهـ. كَلَامُهُ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ وَلَكِنَّ الْعَمَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَائِعَاتِ عِنْدَنَا عَلَى تَنَجُّسِهَا مُطْلَقًا قُلْت أَوْ كَثُرَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ يَسِيرَةً قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَنْهَجِهِ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ) هَذَا قِيَاسٌ بِعَدَمِ الْفَارِقِ وَهُوَ لَا يُسَمَّى قِيَاسًا حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ) أَيْ قَبْلَ ثَبَاتِهِ وَقُوَّتِهِ بِطُولِ الزَّمَنِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ مَاتُوا إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِلِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا لِاسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَمُوتُونَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْلَمُ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنْ لَوْ لَيْسَتْ وَصْلِيَّةً بَلْ شَرْطِيَّةٌ جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ إذْ لَوْ كَانَتْ وَصْلِيَّةً لَأَفَادَتْ حُصُولَ الِاتِّفَاقِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَلَا يُعْقَلُ (قَوْلُهُ: جَوَازُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا عُلِمَ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ (قَوْلُهُ: لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ إلَخْ) أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ قِصَرَ الزَّمَنِ نَزَّلَهُمْ كَأَنَّهُمْ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِيهِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: مِنْ هَذَيْنِ الِاتِّفَاقَيْنِ) أَيْ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ خِلَافِهِمْ وَاتِّفَاقِ مَنْ بَعْدَهُمْ (قَوْلُهُ: أَنْ يَظْهَرَ مُسْتَنَدٌ) أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مُقْتَضَاهُ أَيْ عَلَى الْحُكْمِ

وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى دَفْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ الَّذِي لَمْ يَسْتَقِرَّ. (وَأَمَّا) الِاتِّفَاقُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ (مِنْهُمْ) هُوَ قَيْدٌ لِلِاتِّفَاقِ الْمُقَدَّرِ (فَمَنَعَهُ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ مُطْلَقًا (وَجَوَّزَ الْآمِدِيُّ مُطْلَقًا وَقِيلَ) يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ) فِي الِاخْتِلَافِ (قَاطِعًا) فَلَا يَجُوزُ حَذَرًا مِنْ إلْغَاءِ الْقَاطِعِ وَاحْتَجَّ الْمَانِعُ بِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ يَتَضَمَّنُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْ شِقَّيْ الْخِلَافِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ فَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ بَعْدُ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ. وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُ بِأَنَّ تَضَمُّنَ مَا ذُكِرَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ بَعْدُ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ فَإِذَا وُجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي اقْتَضَاهُ ذَلِكَ الْمُسْتَنَدُ أَوْ الْمَعْنَى يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَيَنْشَأُ عَنْهُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى مُقْتَضَاهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ) أَيْ لِمَا رُوِيَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ يُدْفَنُ حَيْثُ مَاتَ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ) بِأَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ الْخِلَافِ زَمَنٌ يُعْلَمُ بِهِ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ مُصَمِّمٌ عَلَى قَوْلِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ) أَيْ مُسْتَنَدُ الْمُخَالِفِينَ الَّذِينَ رَجَعُوا (قَوْلُهُ: قَاطِعًا) أَيْ بِاعْتِبَارِ نَظَرِ الْقَائِلِ بِهِ إذْ لَوْ كَانَ قَاطِعًا حَقِيقَةً مَا أَمْكَنَ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ (قَوْلُهُ: بِاجْتِهَادٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَافَقَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَ أَحَدِ الْمُخَالِفِينَ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا (قَوْلُهُ: فَتَمْتَنِعُ إلَخْ) لِأَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ يَخْرِقُ الْإِجْمَاعَ السَّابِقَ (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ)

فَلَا اتِّفَاقَ قَبْلَهُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ فَإِنْ اُشْتُرِطَ جَازَ الِاتِّفَاقُ مُطْلَقًا قَطْعًا وَفِيمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ إلَى الْإِمَامِ وَالْآمِدِيِّ انْقِلَابٌ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْإِمَامَ جَوَّزَ وَالْآمِدِيُّ مَنَعَ. (وَأَمَّا) الِاتِّفَاقُ (مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمُخْتَلِفِينَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ بِأَنْ مَاتُوا وَنَشَأَ غَيْرُهُمْ (فَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ (مُمْتَنِعٌ إنْ طَالَ الزَّمَانُ) أَيْ زَمَانُ الِاخْتِلَافِ إذْ لَوْ انْقَدَحَ وَجْهٌ فِي سُقُوطِهِ لَظَهَرَ لِلْمُخْتَلِفِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَرَ فَقَدْ لَا يَظْهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَا اتِّفَاقَ قَبْلَهُ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ لَوْ قَالَ بَدَلَهُ وَقْتَهُ لَكَانَ بَيِّنًا اهـ. وَأَقُولُ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ قَبْلَهُ ثَابِتٌ قَطْعًا، وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَلَا اتِّفَاقَ قَبْلَهُ يَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ أَوْ بِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ يَتَبَيَّنُ بِهِ عَدَمُ تَحَقُّقِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ الْمَذْكُورِ وَإِلَّا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَهَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ فِي عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ كَانَ مُسْتَنَدُهُمْ قَاطِعًا أَوْ لَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ النَّجَّارِيِّ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ: قَطْعًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَقَرَّرُوا فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْإِجْمَاعِ قَالَ سم، وَقَدْ يُشْكِلُ بِالْقَوْلِ الْأَخِيرِ إذْ إلْغَاءَ الْقَاطِعِ مَحْذُورٌ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْخِلَافِ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَوْ يَلْتَزِمَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ إلْغَاءَ الْقَاطِعِ إنَّمَا يُحْذَرُ عِنْدَ الِانْقِرَاضِ لِيُبَيِّنَ أَمْرَهُ بِخِلَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الِانْقِرَاضِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَبَيَّنَ لِلْخَطَأِ فِي قَطْعِيَّتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ طَالَ الزَّمَانُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ

[التمسك بأقل ما قيل في الإجماع]

لَهُمْ وَيَظْهَرُ لِغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا لِجَوَازِ ظُهُورِ سُقُوطِ الْخِلَافِ لِغَيْرِ الْمُخْتَلِفِينَ دُونَهُمْ مُطْلَقًا. (وَ) عُلِمَ أَنَّ (التَّمَسُّكَ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ حَقٌّ) لِأَنَّهُ تَمَسُّكٌ بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مَعَ ضَمِيمَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ مَا زَادَ عَلَيْهِ، مِثَالُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ الْوَاجِبَةِ عَلَى قَاتِلِهِ فَقِيلَ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقِيلَ كَنِصْفِهَا وَقِيلَ كَثُلُثِهَا فَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ وَنَفَى وُجُوبَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ بِالْأَصْلِ فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَكْثَرِ أُخِذَ بِهِ كَمَا فِي غَسَلَاتِ وُلُوغِ الْكَلْبِ قِيلَ إنَّهَا ثَلَاثٌ وَقِيلَ إنَّهَا سَبْعٌ وَدَلَّ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى سَبْعٍ فَأُخِذَ بِهِ. (أَمَّا) الْإِجْمَاعُ (السُّكُوتِيُّ) بِأَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ حُكْمًا وَيَسْكُتَ الْبَاقُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي فِي صُورَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِطُولِ الزَّمَنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذُكِرَ تَوْضِيحًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ طُولُ زَائِدٍ عَلَى مَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا) أَيْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ الْمُرَادُ بِالْقَصْرِ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فِيهِ الْخِلَافُ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ. [التَّمَسُّكَ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ فِي الْإِجْمَاعِ] (قَوْلُهُ: فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ) أَيْ الْكِتَابِيِّ فَإِنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ الْمَجُوسِيِّ وَنَحْوِهِ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَقَلِّ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّمَسُّكِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ الْأَقَلِّ لَيْسَ مِجْمَعًا عَلَيْهِ بَلْ التَّمَسُّكُ فِيهِ بِالْأَصْلِ أَيْ أَصْلِ اسْتِصْحَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدِ وَأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الشَّيْءِ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ اهـ. كَمَالٌ. [الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ] (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ فِعْلٍ امْتِنَاعًا يَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَيَسْكُتَ الْبَاقُونَ بَعْدَ الْعِلْمِ إلَخْ وَمِنْ الْقَوْلِ جَوَابُهُ عَنْ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمٍ وَحُكْمُهُ إذَا كَانَ حَاكِمًا وَفِي مَعْنَاهُ وَمَعْنَى الْفِعْلِ الْإِشَارَةُ إلَى الْحُكْمِ وَكِتَابَتِهِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ مُجَرَّدًا

(فَثَالِثُهُمَا) أَيْ الْأَقْوَالِ فِيهِ أَنَّهُ (حُجَّةٌ لَا إجْمَاعٌ) وَثَانِيهَا أَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْعُلَمَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يُظَنُّ مِنْهُ الْمُوَافَقَةُ عَادَةً وَنَفَى الثَّالِثُ اسْمَ الْإِجْمَاعِ لِاخْتِصَاصِ مُطْلَقِهِ عِنْدَهُ بِالْقَطْعِيِّ أَيْ الْمَقْطُوعِ فِيهِ بِالْمُوَافَقَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي، وَأَوَّلُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ لِاحْتِمَالِ السُّكُوتِ لِغَيْرِ الْمُوَافَقَةِ كَالْخَوْفِ وَالْمَهَابَةِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ لِلشَّافِعِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ (وَرَابِعُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَمَارَةِ رِضًا وَسُخْطٍ وَمِنْ مُضِيِّ مُهْلَةِ النَّظَرِ عَادَةً وَكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً (قَوْلُهُ: أَيْ الْأَقْوَالِ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ ثَالِثَهَا هُوَ الْخَبَرُ وَلِذَا احْتَاجَ لِتَقْدِيرِ الرَّابِطِ وَلَوْ قَالَ فَفِيهِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إلَخْ لَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الرَّابِطِ وَيَكُونُ ثَالِثَ صِفَةٍ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ هُوَ الْخَبَرُ (قَوْلُهُ: لَا إجْمَاعٌ) لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ كَمَا يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ بَلْ نَفْيُ مُطْلَقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَنَفَى الثَّالِثُ اسْمَ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَثَانِيهَا أَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ) قَدَّمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمُوَافَقَتِهِ الثَّالِثَ فِي الْمَعْنَى لِمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ فِي مِثَالِهِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِصَاصِ مُطْلَقِهِ) أَيْ مُطْلَقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ أَيْ الْإِجْمَاعِ الْمُطْلَقِ عَنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: بِالْقَطْعِيِّ) وَالسُّكُوتِيُّ لَا قَطْعَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَقْطُوعُ فِيهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَطْعِيِّ مُقَابِلَ الظَّنِّيِّ بَلْ الْمَقْطُوعُ فِيهِ بِالْمُوَافَقَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي تَسْمِيَتِهِ إجْمَاعًا خُلْفٌ لَفْظِيٌّ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الْمُخْتَارُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ الرَّشِيقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ سُكُوتَ السَّاكِتِ لَهُ مَحْمِلَانِ أَحَدُهُمَا مُوَافَقَةُ الْقَائِلِ كَمَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ وَالثَّانِي تَسْوِيغُ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْوَاقِعِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ لِذَلِكَ الْقَائِلِ وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي مُطَّرِدِ الْعُرْفِ غَيْرِ مُلْتَحِقٍ بِالنَّوَادِرِ

أَنَّهُ حُجَّةٌ (بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) لَا مِنْ ظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ كَانَ فُتْيَا) لَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْفُتْيَا يُبْحَثُ فِيهَا عَادَةً فَالسُّكُوتُ عَنْهَا رِضًا بِهَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ (وَ) قَالَ (أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَكْسَهُ) أَيْ أَنَّهُ حُجَّةٌ إنْ كَانَ حُكْمًا لِصُدُورِهِ عَادَةً بَعْدَ الْبَحْثِ مَعَ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقِهِمْ بِخِلَافِ الْفُتْيَا (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ وَقَعَ فِيمَا يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ) كَإِرَاقَةِ دَمٍ وَاسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِخَطَرِهِ لَا يَسْكُتُ عَنْهُ إلَّا رَاضٍ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ إنْ وَقَعَ (فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ) لِأَنَّهُمْ لِشِدَّتِهِمْ فِي الدِّينِ لَا يَسْكُتُونَ عَمَّا لَا يَرْضَوْنَ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَقَدْ يَسْكُتُونَ (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ كَانَ السَّاكِتُونَ أَقَلَّ) مِنْ الْقَائِلِينَ نَظَرًا لِلْأَكْثَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ. كَلَامُهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَدَلَّ فِي مَوَاضِعَ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ فِيهَا بِهِ فَقَطْ بَلْ بِهِ مَعَ ظُهُورِ قَرِينَةِ الرِّضَا مِنْ السَّاكِتِينَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ أَغْلَبِيٌ وَإِلَّا فَسُكُوتُ الْبِكْرِ إذْنٌ عِنْدَنَا، وَقَدْ اسْتَثْنَى أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ مَسْأَلَةَ الْبِكْرِ مَعَ جُمْلَةِ مَسَائِلَ مِنْ قَاعِدَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْبِكْرِ أَنَّهَا لَا تُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِنَا لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَنْسُبْ لِلْبِكْرِ بِالصُّمَاتِ قَوْلًا، وَإِنَّمَا نَسَبْنَا إلَيْهَا رِضًا دَلَّ عَلَيْهِ الصُّمَاتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ نِسْبَةُ الرِّضَا بَلْ نَقُولُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا الرِّضَا أَيْضًا بَلْ الشَّارِعُ اكْتَفَى بِالصُّمَاتِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا حَيْثُ قَالَ إذْنُهَا صُمَاتُهَا كَمَا اكْتَفَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ هَذِهِ زَوْجَتِي فَسَكَتَ وَمَاتَ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ يَرِثْهَا، وَمِنْهَا سُكُوتُ الْوَلِيِّ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ، وَقَدْ طُلِبَ فَإِنَّهُ عَضْلٌ، وَمِنْهَا السُّكُوتُ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى كَالْإِنْكَارِ، وَمِنْهَا بَاعَ بِالْعَنَاءِ وَهُوَ سَاكِتٌ جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَى شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا لَتَكَلَّمَ فَسُكُوتُهُ كَالتَّصْدِيقِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكُلُّ حَقٍّ عَلَى الْفَوْرِ إذَا سُكِتَ عَنْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ بَطَلَ كَالشُّفْعَةِ وَرَدِّ الْعَيْبِ وَالْقَبُولِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ إذَا تَأَمَّلْت هَذِهِ الْفُرُوعَ عَرَفْت أَنَّا لَمْ نَنْسُبْ إلَى سَاكِتٍ قَوْلًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) أَيْ انْقِرَاضِ السَّاكِتِينَ وَالْقَائِلِينَ (وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ فُتْيَا لَا حُكْمًا) أَيْ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي قَالَهُ الْبَعْضُ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ فُتْيَا أَيْ مُفْتًى بِهِ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْتَاءِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحُكْمِ) أَيْ فَلَا يُبْحَثُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَلَا يُعَدُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: عَكْسَهُ) بِالنَّصْبِ مَقُولُ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَبِالرَّفْعِ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَعِنْدِي عَكْسُهُ

وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ مُخَالَفَةَ الْأَقَلِّ لَا تَضُرُّ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (حُجَّةٌ) مُطْلَقًا وَهُوَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمَشْهُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ إنْ كَانَ عَنْ نَقْلٍ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا فَقَدْ يَذْهَبُ مَنْ يَقُولُ بِضَرَرِ مُخَالَفَةِ الْقَلِيلِ إلَى أَنَّ سُكُوتَهُمْ لَا يَضُرُّ اهـ. أَيْ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْمُخَالَفَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ الرِّضَا بَلْ ظَاهِرُهُ الرِّضَا بِخِلَافِ الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي أَنَّ قَضِيَّةَ حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ هَذَا الْبِنَاءِ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَعْنِي إذَا كَانَ السَّاكِتُونَ أَقَلَّ مِنْ أَفْرَادِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْكُتْ الْأَقَلُّ بَلْ قَالُوا لَا يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ السُّكُوتِيِّ بَلْ الصَّرِيحِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاتِّفَاقُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ أَقْوَى مِنْهُ مَعَ سُكُوتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الصَّرِيحَ أَقْوَى وَلَا يَخْفَى إشْكَالُ ذَلِكَ وَغَرَابَتُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مَعَ كَوْنِهِ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا أَقْوَى مِنْ الْإِجْمَاعِ الصَّرِيحِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى أَوْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ إجْمَاعٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ

عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ وَهَلْ هُوَ إجْمَاعٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَفِي تَسْمِيَتِهِ إجْمَاعًا خِلَافٌ لَفْظِيٌّ) وَهُوَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ قِيلَ لَا يُسَمَّى لِاخْتِصَاصِ مُطْلَقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ بِالْقَطْعِيِّ أَيْ الْمَقْطُوعِ فِيهِ بِالْمُوَافَقَةِ وَقِيلَ يُسَمَّى لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُ وَإِنَّمَا يُقَيَّدُ بِالسُّكُوتِيِّ لِانْصِرَافِ الْمُطْلَقِ إلَى غَيْرِهِ (وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا) حَقِيقَةً (تَرَدُّدٌ مَثَارُهُ أَنَّ السُّكُوتَ الْمُجَرَّدَ عَنْ أَمَارَةِ رِضًا وَسُخْطٍ مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمُجْتَهِدِينَ الْوَاقِعَةَ (وَمُضِيِّ مُهْلَةِ النَّظَرِ عَادَةً عَنْ مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ) قَالَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِحُكْمٍ وَعَلِمَ بِهِ السَّاكِتُونَ وَهُوَ صُورَةُ السُّكُوتِيُّ (هَلْ يَغْلِبُ ظَنُّ الْمُوَافَقَةِ) أَيْ مُوَافَقَةِ السَّاكِتِينَ لِلْقَائِلِينَ؟ قِيلَ نَعَمْ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَكُونُ إجْمَاعًا حَقِيقَةً لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ نَفَى بَعْضُهُمْ مُطْلَقَ اسْمِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا حَقِيقَةً فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَيُؤْخَذُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ مُدْرَكَهُ الْمَذْكُورَ هُوَ مُدْرَكُ ذَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ لَا أَثَرَ لَهَا اهـ. سم (قَوْلُهُ: قَالَ وَهَلْ هُوَ إلَخْ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ) هُمَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِي تَسْمِيَتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ الثَّانِي إلَخْ) خَصَّ الِاخْتِلَافَ بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ فِي تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ وَالْأَوَّلُ يَنْفِي ذَلِكَ اهـ. سم (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ قَالَ إنَّهُ حُجَّةٌ لَا إجْمَاعٌ) مُرَادُهُ نَفْيُ تَسْمِيَتِهِ إجْمَاعًا بِلَا تَقْيِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ أَفْرَادِ الْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ إذْ لَا عِلَّةَ لِذَلِكَ إلَّا كَوْنُهُ إجْمَاعًا اهـ سم (قَوْلُهُ: مُطْلَقُ اسْمِ الْإِجْمَاعِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ اسْمِ الْإِجْمَاعِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ التَّقْيِيدِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّيِّ فَإِنْ قُيِّدَ بِالسُّكُوتِيِّ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَالشَّامِلُ لِلسُّكُوتِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ) أَيْ عَلَى هَذَا وَأَنَّهُ يُسَمَّى (قَوْلُهُ: لِانْصِرَافِ الْمُطْلَقِ إلَخْ) عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ التَّبَادُرُ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ أَيْ غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا) أَيْ دَاخِلًا فِيمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ كَمَا يَكُونُ مَقْطُوعًا بِهِ يَكُونُ مَظْنُونًا أَيْ وَعَدَمَهُ كَمَا هُوَ غَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ: عَنْ أَمَارَةِ رِضًا) أَيْ مُوَافَقَةٍ وَالْمُرَادُ بِالسُّخْطِ الْمُخَالَفَةُ (قَوْلُهُ: مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ الْوَاقِعَةُ بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى الْإِسْنَادُ إلَى الْمَعْنَى وَسَوَاءٌ كَانَ الْبُلُوغُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا بِأَنْ بَلَغَ فِي الشُّهْرَةِ مَا يَغْلِبُ احْتِمَالُ بُلُوغِ الْكُلِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْأُسْتَاذِ قَالَ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ) مَعْمُولٌ لِلسُّكُوتِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالصِّفَةِ (قَوْلُهُ: اجْتِهَادِيَّةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَكُونُ فِي غَيْرِ مَسَائِلِ التَّكْلِيفِ فَإِنْ أَرَادَ الِاجْتِهَادَ مُطْلَقًا فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ اجْتِهَادَ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ فَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا تَكْلِيفًا (قَوْلُهُ: قَالَ فِيهَا إلَخْ) كَالتَّوْضِيحِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ وَإِشَارَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا كَمَا يَأْتِي لَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ السُّكُوتُ الْمُقَيَّدُ بِالْقُيُودِ صُورَةٌ إلَخْ وَرَاعَى الْمُبْتَدَأَ فَذَكَرَ الضَّمِيرَ وَإِلَّا فَيَصِحُّ التَّأْنِيثُ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَفَى بَعْضُهُمْ إلَخْ) وَهُوَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ أَيْ فَلَا يَمْنَعُ هَذَا النَّفْيُ صِدْقَ التَّعْرِيفِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ لِمَا لَا يُسَمَّى إجْمَاعًا. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ التَّعْرِيفَ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَغْلِبُ ظَنُّ الْمُوَافَقَةِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا حَقِيقَةً فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ) مُفَادُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ كَوْنِهِ حُجَّةً مَعَ أَنَّهُ هُوَ هُوَ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُدْرِكَهُ الْمَذْكُورُ) أَيْ بِقَوْلِهِ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي

وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَحْقِيقٌ لِحَاصِلِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُصَدَّرِ بِهَا الْمَسْأَلَةُ وَبَيَانٌ لِمُدْرِكِهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ تَحْرِيرٌ لِمَا اتَّفَقَ مِنْهَا وَمَا اخْتَلَفَ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الشَّارِحِ زَادَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ وَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ تَكْلِيفِيَّةٍ لَسَلِمَ مِنْ الرَّكَاكَةِ وَلَوْ قَالَ هَلْ يُظَنُّ مِنْهُ الْمُوَافَقَةُ بَدَلَ مَا قَالَهُ لَسَلِمَ مِنْ التَّكَلُّفِ فِي تَأْوِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ هَلْ يَغْلِبُ احْتِمَالُ الْمُوَافَقَةِ أَيْ يَجْعَلُهُ غَالِبًا أَيْ رَاجِحًا عَلَى مُقَابِلِهِ وَاحْتُرِزَ عَنْ السُّكُوتِ الْمُقْتَرِنِ بِإِمَارَةِ الرِّضَا فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ قَطْعًا، أَوْ السُّخْطِ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ قَطْعًا وَعَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْمَسْأَلَةُ كُلَّ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ مُهْلَةِ النَّظَرِ فِيهَا عَادَةً فَلَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَعَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلِ ذَلِكَ هُوَ مُدْرِكٌ ذَاكَ أَيْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ يَعْنِي الْمُدْرِكَ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْعُلَمَاءِ إلَخْ فَالْمُدْرَكُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ كَوْنُ الْعَادَةِ تُفِيدُ ظَنَّ مُوَافَقَةِ السَّاكِتِ لِلْقَائِلِ (قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَحْقِيقٌ إلَخْ) الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا إلَخْ وَبَيَانُ ذَلِكَ التَّحْقِيقِ أَنَّ مُفَادَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ إجْمَاعٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ حَاصِلُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَقِيلَ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ حَاصِلُ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبَيَانٌ لِمُدْرَكِهِ فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَثَارُهُ إلَخْ فَمُدْرَكُ حَاصِلِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنَّ السُّكُوتَ الْمَذْكُورَ يَغْلِبُ ظَنَّ الْمُوَافَقَةِ وَمُدْرَكُ الْأَوَّلِ أَنَّ السُّكُوتَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِمَا اتَّفَقَ مِنْهُمَا) وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَقَوْلُهُ وَمَا اخْتَلَفَ أَيْ وَهُمَا الْقَوْلَانِ مَعَ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُخِّرَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ عَنْ رَكَاكَةٍ أَيْضًا لِتَكَرُّرِ لَفْظِ عَنْ بِدُونِ فَصْلٍ طَوِيلٍ نَعَمْ لَوْ عَبَّرَ بِلَفْظٍ فِي بَدَلٍ عَنْ الثَّانِيَةِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّقْدِيمِ لَسَلِمَ مِنْ الرَّكَاكَةِ مُطْلَقًا اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ الرَّكَاكَةِ) الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ بِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَنْ مِثْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالسُّكُوتِ وَقَوْلُهُ مَعَ بُلُوغِ إلَخْ فَاصِلٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ وَرُدَّ بِأَنَّ مَعَ أَيْضًا مَعْمُولَةٌ لَهُ عَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ لَغْوٌ فَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّكَاكَةَ مِنْ حَيْثُ تَأْخِيرُ الْأَهَمِّ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ حَالٌّ (قَوْلُهُ: لَسَلِمَ مِنْ التَّكَلُّفِ فِي تَأْوِيلِهِ) بِأَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ الِاحْتِمَالُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الرَّاجِحِيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّ أَصْلَ الظِّلِّ غَيْرُ كَافٍ فَضْلًا عَنْ

بِأَنْ كَانَتْ قَطْعِيَّةً أَوْ لَمْ تَكُنْ تَكْلِيفِيَّةً نَحْوَ: عَمَّارٌ أَفْضَلُ مِنْ حُذَيْفَةَ أَوْ الْعَكْسُ فَالسُّكُوتُ عَلَى الْقَوْلِ فِي الْأُولَى بِخِلَافِ الْمَعْلُومِ فِيهَا وَعَلَى مَا قِيلَ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا فُضِّلَ السُّكُوتِيُّ بِأَمَّا عَنْ الْمَعْطُوفَاتِ بِالْوَاوِ لِلْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا وَأَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَمْ يَنْتَشِرْ) مِمَّا قِيلَ بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْكُلَّ وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ مُخَالِفٌ قِيلَ إنَّهُ حُجَّةٌ لِعَدَمِ ظُهُورِ خِلَافٍ فِيهِ وَقَالَ الْأَكْثَرُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ الْقَائِلِ خَاضَ فِيهِ وَلَوْ خَاضَ فِيهِ لَقَالَ بِخِلَافِ قَوْلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ إنَّهُ حُجَّةٌ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَوْضِ غَيْرِ الْقَائِلِ فِيهِ وَيَكُونُ بِالْمُوَافَقَةِ لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ مَا لَمْ تَعُمَّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِيهِ وَلَمْ يَزِدْ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحَيْهِ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ هُنَا الْخِلَافَ فِي أَصْلِ الْحُجِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ رِعَايَةٍ لِلتَّفَاصِيلِ السَّابِقَةِ فِي السُّكُوتِيِّ. (وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (قَدْ يَكُونُ فِي) أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ) كَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَالْحُرُوبِ وَأُمُورِ الرَّعِيَّةِ (وَدِينِيٍّ) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ (وَعَقْلِيٍّ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَلَيْهِ) كَحُدُوثِ الْعَالَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ مَعَ أَنَّهُ كَافٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ قَطْعِيَّةً) أَيْ مَقْطُوعٌ بِهَا كَالْوَحْدَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَالسُّكُوتُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَعْلُومِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السُّكُوتُ اتِّكَالًا عَلَى الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ (قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا) أَيْ وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَيْ أَنَّهُ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ لِتَعَدُّدِ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: مِمَّا قِيلَ) أَيْ بِمَا قَالَ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْلُغْ الْكُلَّ) تَفْسِيرٌ لِعَدَمِ الِانْتِشَارِ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ عَدَمُ الِانْتِشَارِ، وَقَدْ يُقَالُ عَبَّرَ بِالِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ عَدَمُ بُلُوغِ الْكُلِّ وَكَوْنُهُ لَمْ يَبْلُغْ بَعْضَ أَفْرَادِ الْغَيْرِ فَلَا جَزْمَ بِهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) أَيْ مِنْ الْأَفْعَالِ فَمَسُّ الذَّكَرِ هُوَ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) أَيْ لِعُمُومِ الْبَلْوَى (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بِالْمُخَالَفَةِ لَظَهَرَتْ. (قَوْلُهُ: دُنْيَوِيٍّ) أَيْ يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَلَا بُدَّ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ حَتَّى يَدْخُلَهُ الِاجْتِهَادُ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْمُقَابِلِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ لِعَدَمِ الثَّمَرَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعَقْلِيٍّ) أَيْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ دِينِيٍّ بِمَعْنَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ (قَوْلُهُ: كَحُدُوثِ الْعَالَمِ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ

وَوَحْدَةِ الصَّانِعِ لِشُمُولِ أَيْ أَمْرِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ لِذَلِكَ أَمَّا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَثُبُوتِ الْبَارِي وَالنُّبُوَّةِ فَلَا يُحْتَجُّ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ. (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِجْمَاعِ (إمَامٌ مَعْصُومٌ) وَقَالَ الرَّوَافِضُ يُشْتَرَطُ وَلَا يَخْلُو الزَّمَانُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ فَقَطْ، وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ بِالْإِجْمَاعِ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِجْمَاعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى النُّبُوَّةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَهُوَ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا نُثْبِتُ بِإِجْمَاعٍ حُدُوثَ الْأَجْسَامِ، وَالْعِلْمُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ يُمْكِنُ اكْتِسَابُهُ بِحُدُوثِ الْأَعْرَاضِ فَلَا دَوْرَ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْحَقُّ أَنَّ إثْبَاتَ الصَّانِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ حُدُوثِ شَيْءٍ مَا بِمَعْنَى مَسْبُوقِيَّتِهِ بِالْعَدَمِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ مَشَايِخِ أَهْلِ السُّنَّةِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْعَالَمِ مُمْكِنًا إذْ لَا بُدَّ لِلْمُمْكِنِ لِاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ مِنْ مُرَجِّحٍ وَاجِبِ الْوُجُودِ وَلَوْ بِالْآخِرَةِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْحِكْمَةِ وَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الصَّانِعِ بِإِمْكَانِ الْعَالَمِ، ثُمَّ نَعْلَمُ حَقِيقَةَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعَ، ثُمَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ، وَكَذَا يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ وَحْدَةِ الصَّانِعِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَقِّفِ حُجِّيَّتُهُ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ لَا عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ قَالَ وَالدَّلِيلُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْعَمَلُ لِثُبُوتِهِمَا بِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً إذْ ذَاكَ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْمَتَانَةِ لَا مَا قَرَّرَهُ هُنَا الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ سم (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ) لِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَعْثَةِ الرُّسُلِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْبَارِي فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وَفِي النُّبُوَّةِ ظَاهِرٌ إذْ الْإِجْمَاعُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو الزَّمَانُ عَنْهُ) أَيْ لَا يَخْلُو زَمَانُ التَّكْلِيفِ عَنْ إمَامٍ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّهُ لُطْفٌ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَالْإِجْمَاعُ لِكَوْنِهِ رَأْيُ جَمِيعِ الْأُمَّةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَالْحُجَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ لَا الْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ الْمُنْقِذُ مِنْ الضَّلَالِ حِينَ تَعَرَّضَ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ أَنَّهُ لَا حَاصِلَ عِنْدَهُمْ وَلَا طَائِلَ لِكَلَامِهِمْ، وَلَوْلَا سُوءُ نُصْرَةِ الصَّدِيقِ الْجَاهِلِ لَمَا انْتَهَتْ تِلْكَ الْبِدْعَةُ مَعَ ضَعْفِهَا إلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ لَكِنَّ شِدَّةَ التَّعَصُّبِ دَعَا الذَّابِّينَ عَنْ الْحَقِّ إلَى تَطْوِيلِ النِّزَاعِ مَعَهُمْ فِي مُقَدِّمَاتِ كَلَامِهِمْ وَإِلَى مُجَاهَدَتِهِمْ فِي كُلِّ مَا نَطَقُوا بِهِ فَجَاحَدُوهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ الْحَاجَةَ إلَى التَّعْلِيمِ وَإِلَى الْمُعَلِّمِ وَضَعُفَ قَوْلُ الْمُنْكَرِينَ فِي مُقَابَلَتِهِ، اعْتَبَرَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ مَذْهَبِهِمْ وَضَعْفِ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ لَهُ، وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ ذَلِكَ الضَّعْفَ نَاصِرٌ الْحَقَّ وَجَهْلٌ بِطَرِيقِهِ، بَلْ الصَّوَابُ الِاعْتِرَافُ بِالْحَاجَةِ إلَى الْمُعَلِّمِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ مَعْصُومًا وَلَكِنَّ مُعَلِّمَنَا الْمَعْصُومَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَالُوا هُوَ مَيِّتٌ فَنَقُولُ وَمُعَلِّمُكُمْ غَائِبٌ فَإِذَا قَالُوا وَمُعَلِّمُنَا قَدْ عَلَّمَ الدُّعَاةَ وَبَثَّهُمْ فِي الْبِلَادِ وَأَكْمَلَ التَّعْلِيمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَبَعْدَ كَمَالِ التَّعْلِيمِ لَا يَضُرُّ مَوْتُ الْمُعَلِّمِ كَمَا لَا تَضُرُّ غَيْبَتُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ إنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الشِّفَاءِ الْمُنْجِي مِنْ ظُلُمَاتِ الْآرَاءِ شَيْءٌ بَلْ هُمْ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى تَعْيِينِ الْإِمَامِ طَالَمَا جَارَيْنَاهُمْ فَصَدَّقْنَاهُمْ فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّعْلِيمِ وَإِلَى الْمُعَلِّمِ الْمَعْصُومِ وَأَنَّهُ الَّذِي عَيَّنُوهُ، ثُمَّ سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْعِلْمِ الَّذِي تَعَلَّمُوهُ مِنْهُ وَعَرَضْنَا عَلَيْهِمْ إشْكَالَاتٍ فَلَمْ يَفْهَمُوهَا فَضْلًا عَنْ الْقِيَامِ بِحَلِّهَا فَلَمَّا عَجَزُوا أَحَالُوا عَنْ الْإِمَامِ الْغَائِبِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ إلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ ضَيَّعُوا عُمُرَهُمْ فِي طَلَبِ الْمُعَلِّمِ وَفِي التَّبَجُّحِ بِالظَّفْرِ بِهِ وَلَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ شَيْئًا أَصْلًا كَالْمُضَمَّخِ بِالنَّجَاسَةِ يَتْعَبُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا وَجَدَهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا عَنْ عِلْمِهِمْ وَكَانَ حَاصِلُ مَا يَذْكُرُهُ شَيْئًا مِنْ رَكِيكِ فَلْسَفَةِ فِيثَاغُورْسَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَوَائِلِ وَمَذْهَبُهُ أَرَكُّ مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ أرسطاطاليس بَلْ اسْتَرَكَّ كَلَامَهُ وَأَسْتَرَ ذُلَّهُ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ فِي كِتَابِ إخْوَانِ الصَّفَا وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ حَشْوُ الْفَلْسَفَةِ.

[مسألة الصحيح إمكان الإجماع]

(وَلَا بُدَّ لَهُ) أَيْ لِلْإِجْمَاعِ (مِنْ مُسْتَنَدٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَيْدِ الِاجْتِهَادِ) الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ (مَعْنًى وَهُوَ الصَّحِيحُ) فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِلَا مُسْتَنَدٍ خَطَأٌ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ بِأَنْ يُلْهَمُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى صَوَابٍ وَادَّعَى قَائِلُهُ وُقُوعَ صُوَرٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى الْآمِدِيِّ فِي قَوْلِهِ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ دُونَ الْوُقُوعِ. (مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّنَدُ وَاجِبًا فِي الْإِجْمَاعِ لَكَانَ هُوَ الْحُجَّةُ فَلَا يَكُونُ لِلْإِجْمَاعِ فَائِدَةٌ حِينَئِذٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ كَشْفُهُ عَنْ وُجُودِ دَلِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَالْبَحْثِ عَنْ كَيْفِيَّةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَدْلُولِ وَأَيْضًا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ دَلِيلَيْنِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ مِنْ تَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ وَفِي التَّلْوِيحِ فَائِدَةُ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ وُجُودِ السَّنَدِ سُقُوطُ الْبَحْثِ وَصَرْفُ الْمُخَالَفَةِ وَصَيْرُورَةُ الْحُكْمِ قَطْعِيًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَدِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا وَأَنَّهُ وَاقِعٌ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ قِيَاسًا عَلَى إمَامَتِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرِ دِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاهُ لِأَمْرِ دُنْيَانَا وَذَهَبَ الشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا جَوَازُ كَوْنِهِ خَبَرُ وَاحِدٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُلْهَمُوا الِاتِّفَاقَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَرْجِعُ لِلِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مِنْ الْمُسْتَنَدَاتِ فَإِنْ أُرِيدَ مُسْتَنَدٌ ظَاهِرٌ تُفْصِحُ عَنْهُ الْعِبَارَةُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وُجُودَ مَعْنًى تَقْصُرُ عَنْهُ عَادَةُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا. [مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُ الْإِجْمَاعِ] (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ إلَخْ) مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهِ وَبَيَانِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ فَبَيِّنٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مُمْكِنٌ وَالْمُرَادُ إمْكَانُهُ عَادَةً بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَمَا ذُكِرَ هُنَا يُعْلَمُ بَعْضُهُ مِنْ مَوَاضِعَ فِي كَلَامِهِ فَذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ وَأَيْضًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ ذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ وَاشْتَدَّ كَلَامُ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَكِيرُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَتَعَدَّى حَدَّ الْإِنْصَافِ قَلِيلًا وَنَحْنُ نَسْلُكُ مَسْلَكًا فِي اسْتِيعَابِ مَا لِكُلِّ فَرِيقٍ حَتَّى إذَا لَاحَتْ نِهَايَةُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَضَحَ مِنْهَا دَرْكُ الْحَقِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا الَّذِينَ مَنَعُوا تَصَوُّرَ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا قَدْ اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْإِسْلَامِ وَرَفَعْتَهَا وَعُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ مُتَبَاعِدُونَ فِي الْأَمْصَارِ وَمُعْظَمُ الْبِلَادِ الْمُتَبَايِنَةِ لَا تَتَوَاصَلُ الْأَخْبَارُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَتَدَرَّجُ الْمُنْدَرِجُ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ بِسَفَرَاتٍ وَتَرَبُّصَاتٍ وَلَا يُنْفَقُ انْتِهَاضُ رُفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَمُدَّتُهَا مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ رَفْعُ مَسْأَلَةٍ إلَى جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْعَالَمِ، ثُمَّ كَيْفَ يُفْرَضُ اتِّفَاقُ آرَائِهِمْ فِيهَا مَعَ تَفَاوُتِ الْفِطَنِ وَالْقَرَائِحِ وَتَبَايُنِ الْمَذَاهِبِ وَالْمَطَالِبِ وَأَخْذِ كُلِّ جِيلٍ صَوْبًا فِي أَسَالِيبِ الظُّنُونِ، فَتَصْوِيرُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْحُكْمِ الْمَظْنُونِ بِمَثَابَةِ تَصْوِيرِ اجْتِمَاعِ الْعَالَمِينَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمٍ عَلَى قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ وَأَكْلِ مَأْكُولٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي اطِّرَادِ الْعَادَةِ نَعَمْ إنْ انْخَرَقَتْ لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُثْبِتُ الْكَرَامَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ الِاجْتِمَاعُ مَعَ اطِّرَادِ الْعَادَةِ فَهَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ زَادُوا إبْهَامًا آخَرَ فَقَالُوا لَوْ فُرِضَ الْإِجْمَاعُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ النَّقْلُ عَنْهُمْ عَلَى التَّوَاتُرِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَقَدْ أَسْنَدُوا كَلَامَهُمْ إلَى ثَلَاثِ جِهَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ فِي الْعُسْرِ أَوَّلُهَا تَعَذُّرُ عَرْضِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْكَافَّةِ وَالْأُخْرَى عُسْرُ اتِّفَاقِهِمْ وَالْحُكْمُ مَظْنُونٌ وَالثَّالِثَةُ تَعَذُّرُ النَّقْلِ عَنْهُمْ تَوَاتُرًا، وَاخْتَتَمُوا هَذَا بِأَنْ قَالُوا لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى مَذْهَبٍ فَمَا الَّذِي يُؤْمَنُ مِنْ بَقَائِهِ عَلَيْهِ وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ إلَى أَنْ يُطْبَقَ النَّقْلُ طَبْقَ الْأَرْضِ فَهَذِهِ عُيُونُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُعْتَرِضًا عَلَيْهِمْ مُتَّبِعًا مَسَالِكَهُمْ نَحْنُ نَرَى إطْبَاقَ جِيلٍ مِنْ الْكُفَّارِ يَرْبُو عَدَدُهُمْ عَلَى عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ يُدْرَكُ بِأَدْنَى فِكْرٍ بُطْلَانُهَا فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ إجْمَاعُ أَهْلِ الدِّينِ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَرَدْنَا فَرْضَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ فَنَحْنُ نَعْلَمُ إجْمَاعَ عُلَمَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسَائِلِ مَعَ تَبَاعُدِ الدِّيَارِ وَتَنَائِي الْمَزَارِ وَانْقِطَاعِ الْأَسْفَارِ فَبَطَلَ مَا زَخْرَفَهُ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي

كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا جَامِعَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ شَهَوَاتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ يَجْمَعُهُمْ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ) بَعْدَ إمْكَانِهِ (حُجَّةٌ) فِي الشَّرْعِ قَالَ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْضَارُ سَائِرِ الْمَمَالِيكِ بِجَوَازِمِ أَوَامِرِهِ الْمُنْفَذَةِ إلَى مُلُوكِ الْأَطْرَافِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْمَعَ مِثْلُ هَذَا الْمَلِكِ الْعَظِيمِ عُلَمَاءَ الْعَالَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُلْقِيَ عَلَيْهِمْ مَا عَنَّ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ وَيَقِفَ عَلَى وِفَاقِهِمْ وَخِلَافِهِمْ فَهَذَا وَجْهٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُهُ عَلَى فَرْضِ خَرْقِ الْعَادَةِ فَهَذَا مُنْتَهَى كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَنَحْنُ نُفَصِّلُ الْآنَ الْقَوْلَ مِنْ ذَلِكَ قَائِلِينَ لَا يَمْتَنِعُ الْإِجْمَاعُ عِنْدَ ظُهُورِ دَوَاعٍ مُسْتَحِثَّةٍ عَلَيْهِ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كُلُّ أَمْرٍ كُلِّيٍّ يَتَعَلَّقُ بِقَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ فِي الْمِلَلِ فَإِنَّ عَلَى الْقُلُوبِ رَوَابِطَ فِي أَمْثَالِهَا حَتَّى كَانَ نَوَاصِي الْعُقَلَاءِ تَحْتَ رِبْقَةِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الدِّينِيَّةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إجْمَاعِ جَمْعِ الْكُفَّارِ عَلَى أَدْيَانِهِمْ وَمِنْهُ اجْتِمَاعُ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَأَّسَهُ الزَّمَانُ تُصْرَفُ إلَيْهِ قُلُوبُ الْأَتْبَاعِ وَبِذَلِكَ يَتَّصِلُ النِّظَامُ وَهُوَ مُتَبَيِّنٌ فِي الْخَفِيِّ وَالْجَلِيِّ وَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مُنْكَرًا فَقَدْ تَكُونُ أَطْرَافُ الْمَمَالِكِ فِي حَقِّ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ كَأَنَّهَا بِمَرْأًى مِنْهُ وَمُسْتَمَعٍ فَلَا يَبْعُدُ مَا قَالَهُ عَلَى مَا صَوَّرَهُ. وَأَمَّا فَرْضُ اجْتِمَاعٍ عَلَى حُكْمٍ مَظْنُونٍ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْدَةٍ لَيْسَتْ مِنْ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ مَعَ تَفَرُّقِ الْعُلَمَاءِ وَاسْتِقْرَارِهِمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ وَانْتِفَاءِ دَاعِيَةٍ تَقْتَضِي جَمْعَهُمْ فَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ اطِّرَادِ الْعَادَةِ أَفَادَ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ التَّصَوُّرَ وَعَدَمَ التَّصَوُّرِ فَهُوَ زَالٌّ وَالْكَلَامُ الْمُفَصَّلُ إذَا أُطْلِقَ نَفْيُهُ أَوْ إثْبَاتُهُ كَانَ خَلَفًا وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ تَصْوِيرَ الْإِجْمَاعِ وُقُوعًا فِي زَمَانِنَا هَذَا فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ الْمَظْنُونَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الدَّوَاعِي الْجَامِعَةِ هَيِّنٌ فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ نَعَمْ مَسَائِلُ الْإِجْمَاعِ جَرَتْ مِنْ صَحْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَكْرَمِينَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ أَوْ مُتَقَارِبُونَ فَهَذَا مُنْتَهَى الْغَرَضِ فِي تَصْوِيرِ الْإِجْمَاعِ، هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ سُقْنَاهُ بِعِبَارَتِهِ، وَلَمْ نُبَالِ بِالتَّطْوِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَقَدْ كَشَفَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ الْغِطَاءَ وَشَفَى بِشَرْحِهِ الصُّدُورَ بِعِبَارَاتِهِ الرَّشِيقَةِ الْجَامِعَةِ لِلْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَكْلِ إلَخْ) تَنْظِيرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) يَرْجِعُ لِلِاثْنَيْنِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا جَامِعَ لَهُمْ عَلَيْهِ) أَيْ لَا مُقْتَضَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ بَعْدَ إمْكَانِهِ حُجَّةٌ) أَشَارَ إلَى أَنَّ

{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] الْآيَةَ تَوَعَّدَ فِيهَا عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَوْ فِعْلُهُمْ فَيَكُونُ حُجَّةً وَقِيلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] اقْتَصَرَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنَهُ حُجَّةً مُفَرَّعٌ عَلَى إمْكَانِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْحُجَّةَ فَرْعُ الْوُقُوعِ لَا الْإِمْكَانِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِمْكَانُ الْوُقُوعِيُّ (قَوْلُهُ: مَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ الْآيَةَ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ مُخَالَفَتُهُ الْحَرَامُ وَبَيْنَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَعِيدِ فَتَكُونُ مُتَابَعَةُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَرَّمَةً وَإِلَّا لَمَا جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشَاقَّةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي تَرَتُّبِ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ تَرَتُّبِهِ عَلَى الْمُبَاحِ، وَمُتَابَعَةُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُتَابَعَةُ قَوْلٍ أَوْ فَتْوَى تُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَفَتْوَاهُمْ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ أَيْ وَمُتَابَعَةُ قَوْلِهِمْ وَفَتْوَاهُمْ إذْ لَا مَخْرَجَ عَنْ الْقِسْمَيْنِ فَإِذَا حُرِّمَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ وَجَبَ الْآخَرُ وَهُوَ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ وَهُوَ الْمَعْنَى بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ وَغَيْرَهُ نَقِيضَانِ فَإِذَا تُرِكَا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُهُمَا فَلَا خُرُوجَ عَنْهُمَا أَفَادَهُ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ، وَقَدْ كَانَ بُرْهَةً يَخْتَلِجُ فِي ذِهْنِي أَنَّ الْمُشَاقَّةَ وَإِنْ اسْتَقَلَّتْ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ مُخَالَفَةِ الْمُؤْمِنِينَ مَشْرُوطَةً بِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمُشَاقَّةِ، فَتَرَتُّبُ الْوَعِيدِ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَالَفَةَ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ إلَّا بِالضَّمِّ إلَى الْمُشَاقَّةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَكْسُ اهـ. وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] الْآيَةَ فَإِذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُكْمٍ فِي قَضِيَّةٍ فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَقَدْ شَاقَّهُمْ وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَتَعَرَّضَ لِلْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي سِيَاقِ الْخِطَابِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُعْتَرِضُونَ، وَظَنِّي أَنَّ مُعْظَمَ تِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْفَاسِدَةِ تَكَلَّفَهَا الْمُصَنِّفُونَ حَتَّى تَنْتَظِمَ لَهُمْ أَجْوِبَةٌ عَنْهَا وَلَسْتُ لِأَمْثَالِهَا بَلْ أُوَجِّهُ سُؤَالًا وَاحِدًا يُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ. فَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْكُفْرَ وَتَكْذِيبَ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَالْحَيْدَ عَنْ سُنَنِ الْحَقِّ وَتَرْتِيبَ الْمَعْنَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] الْمُقْتَدِينَ بِهِ {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] فَإِنْ سُلِّمَ ظُهُورُ ذَلِكَ فَذَلِكَ وَإِلَّا هُوَ وَجْهٌ فِي التَّأْوِيلِ لَائِحٌ وَمَسْلَكٌ لِلْإِمْكَانِ وَاضِحٌ فَلَا يَبْقَى لِلْمُتَمَسِّكِ بِالْآيَةِ إلَّا ظَاهِرٌ مُعْتَرِضٌ لِلتَّأْوِيلِ وَلَا يُسَوَّغُ التَّمَسُّكُ بِالْمُحْتَمَلَاتِ فِي مُطَالَبِ الْقَطْعِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ وَجْهًا فِي الْإِمْكَانِ وَلَا يَقُومُ لِلْمُحَصِّلِ عَنْ هَذَا جَوَابٌ إنْ أَنْصَفَ، وَإِنْ تَمَسَّك مُثْبِتُو الْإِجْمَاعِ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» وَقَدْ رَوَى الرُّوَاةُ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلَسْت أَرَى لِلتَّمَسُّكِ بِذَلِكَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَلُّقُ بِهَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا مِرَارًا وَلَا حَاصِلَ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَلَقَّاةٌ بِالْقَبُولِ فَإِنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقُصَارَاهُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّهُ لَا تَسْتَتِبُّ هَذِهِ الدَّعْوَى أَيْضًا مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ الْأَحَادِيثُ مُعَرَّضَةٌ لِتَأْوِيلَاتٍ قَرِيبَةِ الْمَأْخَذِ مُمْكِنَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» إشَارَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالْغَيْبِ فِي مُسْتَقْبِلِ الزَّمَانِ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ أُمَّتَهُ لَا تَرْتَدُّ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ

الرَّدِّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قُلْنَا وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ) بَعْدَ حُجِّيَّتِهِ (قَطْعِيٌّ) فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثُ مَقْطُوعًا بِهِ نَقْلًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ نَصًّا فَلَا وَجْهَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَظَانِّ الْقَطْعِ اهـ. وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَطْلَبِ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] الْآيَةَ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ كَمَا فِي اللُّغَةِ وَحَيْثُ عَدَّلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَجَبَ عِصْمَتُهُمْ عَنْ الْخَطَأِ قَوْلًا وَفِعْلًا كَبِيرَةً وَلَا صَغِيرَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ عَدَالَةِ الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُمْ الْخَطَأُ الْمُؤَدِّي اجْتِهَادُهُمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِصْيَانٍ لَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَلِذَا يَكُونُ الْمُجْتَهِدُ مَأْجُورًا وَإِنْ أَخْطَأَ. وَأَمَّا مَا قِيلَ إنَّ تَعْدِيلَ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ لَا يُنَافِي صُدُورَ الصَّغِيرَةِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُهُمْ مِنْ جُمْلَةِ صَغَائِرِهِمْ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْإِصْرَارَ مُنَافٍ لِلْعَدَالَةِ وَالْمُجْمِعُونَ مُصِرُّونَ، وَكَذَا مَا قِيلَ إنَّ الْآيَةَ تُفِيدُ عَدَالَتَهُمْ وَقْتَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَ الْأَدَاءِ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَلَا تَجِبُ عِصْمَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَكُونَ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ عَلَى غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ سَبَقَتْ لِتَمْدَحَهُمْ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ يَكُونُونَ كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ ارْتِكَابِ الْخَطَأِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ بِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ صَيْرُورَتُهُمْ عُدُولًا فِي الْآخِرَةِ لَقِيلَ سَنَجْعَلُكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْوَاجِبَ الْوُقُوعِ فِي حُكْمِ الْوَاقِعِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُحَقِّقُ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً لَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْكُمُ قَطْعًا بِأَنَّ جَمِيعَهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْقَطْعِيِّ فِي شَرْعِيٍّ بِمُجَرَّدِ التَّوَاطُؤِ أَوْ ظَنٍّ فَهُنَاكَ قَاطِعٌ بَلَغَهُمْ فَالْمُخَالِفُ مُخْطِئٌ فَالْإِجْمَاعُ حَقٌّ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَكُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ فَيَكُونُ حُجَّةً فِيهِ مُصَابَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى نَصٍّ قَاطِعٍ فِي تَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ فَفِيهِ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِنَصٍّ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُصَادَرَةٌ أَيْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ وُجُودُ صُورَةٍ مِنْ الْإِجْمَاعِ يَمْتَنِعُ عَادَةً وُجُودُهَا بِدُونِ ذَلِكَ النَّصِّ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ أَمْ لَا، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا إجْمَاعُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ فَغَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِاسْتِنَادِهِ لِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَتَعَارُضِ أَنْفُسِنَا، وَاشْتِبَاهُ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فِيهِ كَثِيرٌ وَمِثْلُهُ إجْمَاعُ الْيَهُودِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالنَّصَارَى عَلَى أَنَّ عِيسَى قَدْ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ اتِّبَاعٍ لِآحَادِ الْأَوَائِلِ وَلَيْسُوا عَلَى ثَبْتٍ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِوُجُودِ خَطَئِهِمْ أَمَّا الْيَهُودُ فَلِأَنَّ بُخْتَنَصَّرَ قَدْ أَفْنَاهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا نَزْرٌ قَلِيلٌ لَا يُعْتَدُّ بِنَقْلِهِمْ وَلَا إجْمَاعِهِمْ وَدَفَنَ التَّوْرَاةَ بِالْقُدْسِ وَالْمَوْجُودَةُ الْآنَ مِنْ إمْلَاءِ الْعَزِيزِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمْرِ الْفِتْنَةِ. وَأَمَّا النَّصَارَى فَلِأَنَّهُ بَعْدَ رَفْعِ السَّيِّدِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَقَعَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ حَتَّى تَفَرَّقَ الْإِنْجِيلُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَهِيَ فِي نُصُوصِهَا مُتَنَاقِضَةٌ، وَلَمْ يَزَلْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّيَانَاتِ وَاقِعًا حَتَّى الْآنَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُتُبُ التَّوَارِيخِ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ نَقْلُ الثِّقَةِ عَنْ الثِّقَةِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الِاتِّصَالِ خَصَّ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ سَائِرِ الْمِلَلِ. وَأَمَّا مَعَ الْإِرْسَالِ وَالْإِعْضَالِ فَيُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْيَهُودِ لَكِنْ لَا يَقْرُبُونَ فِيهِ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُرْبَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَقِفُونَ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُوسَى أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ عَصْرًا، وَإِنَّمَا يَبْلُغُونَ إلَى شَمْعُونَ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي صِفَةِ هَذَا النَّقْلِ إلَّا تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فَقَطْ، وَأَمَّا النَّقْلُ بِالطَّرِيقِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى كَذَّابٍ أَوْ مَجْهُولِ الْعَيْنِ فَكَثِيرٌ فِي نَقْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَا يُمْكِنُ الْيَهُودَ أَنْ يَبْلُغُوا إلَى صَاحِبِ نَبِيٍّ أَصْلًا وَلَا إلَى تَابِعٍ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ النَّصَارَى أَنْ يَصِلُوا إلَى أَعْلَى مِنْ شَمْعُونَ وَبُولِصَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ إلَخْ) أَيْ فَالرَّدُّ إلَى الْإِجْمَاعِ رَدٌّ إلَى الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: قَطْعِيٌّ) أَيْ عَادَةً وَفِي التَّلْوِيحِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا حَتَّى لَوْ أَجْمَعْ الصَّحَابَةُ عَلَى حُكْمٍ، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ جَازَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْقَطْعِيَّ الْمُتَّفِقَ لَا يَجُوزُ

(حَيْثُ اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ) عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ كَأَنْ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْ الْمُجْمِعِينَ بِالْحُكْمِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشِذَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ لِإِحَالَةِ الْعَادَةِ خَطَأَهُمْ جُمْلَةً (لَا حَيْثُ اخْتَلَفُوا) فِي ذَلِكَ (كَالسُّكُوتِيُّ وَمَا نَدَرَ مُخَالِفُهُ) فَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مُحْتَجٌّ بِهِ ظَنِّيٌّ لِلْخِلَافِ فِيهِ (وَقَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (وَالْآمِدِيُّ) إنَّهُ (ظَنِّيٌّ مُطْلَقًا) لِأَنَّ الْمُجْمِعِينَ عَنْ ظَنٍّ لَا يَسْتَحِيلُ خَطَؤُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ عَنْ قَطْعٍ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ (وَخَرْقُهُ) بِالْمُخَالَفَةِ (حَرَامٌ) لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ حَيْثُ تَوَعَّدَ عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ (فَعُلِمَ تَحْرِيمُ إحْدَاثِ) قَوْلٍ (ثَالِثٍ) فِي مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ عَصْرٍ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ (وَ) إحْدَاثِ (التَّفْصِيلِ) بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا أَهْلُ عَصْرٍ (إنْ خَرَقَاهُ) أَيْ إنْ خَرَقَ الثَّالِثُ وَالتَّفْصِيلُ الْإِجْمَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبْدِيلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يَجُوزُ تَبْدِيلُهُ كَمَا إذَا أَجْمَعَ الْقَرْنُ الثَّانِي عَلَى حُكْمٍ يُرْوَى فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثُمَّ أَجْمَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِجَوَازِ أَنْ تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُوَفِّقُ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، وَمَا يُقَالُ إنَّ انْقِطَاعَ الْوَحْيِ يُوجِبُ امْتِنَاعَ النَّسْخِ فَمُخْتَصٌّ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَحْيِ، وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ اتَّفَقَ إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَيْثُ مُسْتَعَارَةً لِلزَّمَانِ أَيْ إذَا اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَكَانِ أَيْ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ فِي مَكَان اتَّفَقَ إلَخْ وَيُرَادُ بِالْمَكَانِ الْمَكَانُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ (قَوْلُهُ: الْمُعْتَبَرُونَ) أَيْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْبَاحِثِينَ عَنْ الْإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّتِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ صُدُورُ ذَلِكَ عَنْهُمْ قَطْعًا بِسَمَاعٍ مِنْهُمْ أَوْ نَقْلٍ عَنْهُمْ بِطَرِيقٍ مُفِيدٍ لِلْعِلْمِ كَالتَّوَاتُرِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَلَيْسَ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ أَوْ يُصَرِّحُ بَعْضٌ وَقَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْبَاقِينَ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: كَالسُّكُوتِيِّ) أَيْ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَإِلَّا كَانَ كَالصَّرِيحِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مُحْتَجٌّ بِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ إجْمَاعٍ حُجَّةٌ وَلَا عَكْسَ (قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ فِيهِ) أَيْ خِلَافِ الْمُعْتَبَرِينَ (قَوْلُهُ: ظَنِّيٌّ مُطْلَقًا) أَيْ اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَحِيلُ) أَيْ عَقْلًا وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً (قَوْلُهُ: وَخَرْقُهُ حَرَامٌ) أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ، ثُمَّ ظَاهِرُهُ شُمُولُ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ مَعَ أَنَّ الظَّنِّيَّاتِ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا لِدَلِيلٍ فَأَمَّا أَنْ يَبْقَى كَلَامُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَيُرَادُ أَنَّ خَرْقَهُ لِغَيْرِ دَلِيلٍ حَرَامٌ أَوْ يَخُصُّ بِالْقَطْعِيِّ أَيْ وَخَرْقُ الْقَطْعِيِّ مِنْهُ حَرَامٌ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ فَشَا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ خَارِقَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يَكْفُرُ وَالْقَوْلُ بِالتَّكْفِيرِ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ اهـ. (قَوْلُهُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ فِي مَسْأَلَةٍ) وَفَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْدَاثِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ مُتَّحِدٌ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَعَدِّدٌ فَسَقَطَ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَإِحْدَاثُ التَّفْصِيلِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَقُولُ لَمَّا كَانَ الْمُفَصَّلُ مُوَافِقًا لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي شِقٍّ كَانَ جَوَازُهُ مُطْلَقَ مَظِنَّةِ التَّوَهُّمِ الْقَوِيِّ وَاحْتَاجَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّصْرِيحِ دَفْعًا لِذَلِكَ التَّوَهُّمِ اهـ. سم

بِأَنْ خَالَفَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرِقَاهُ (وَقِيلَ) هُمَا (خَارِقَانِ مُطْلَقًا) أَيْ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ عَلَى قَوْلَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ الْعُدُولِ عَنْهُمَا وَعَدَمُ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِهِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ فِيهِمَا. مِثَالُ الثَّالِثِ الْخَارِقِ مَا حَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْأَخَ لَا يُسْقِطُ الْجَدَّ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ قِيلَ يَسْقُطُ بِالْجَدِّ وَقِيلَ يُشَارِكُهُ كَأَخٍ فَإِسْقَاطُهُ بِالْأَخِ خَارِقٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ مِنْ أَنَّ لَهُ نَصِيبًا وَمِثَالُ الثَّالِثِ غَيْرِ الْخَارِقِ مَا قِيلَ يَحِلُّ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ سَهْوًا لَا عَمْدًا وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ قِيلَ يَحِلُّ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: بِأَنْ خَالَفَا مَا اتَّفَقَ إلَخْ) الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ هُوَ تَوْرِيثُ الْجَدِّ وَفِي إحْدَاثِ التَّفْصِيلِ الْعِلَّةُ وَهِيَ كَوْنُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ مِنْ ذِي الْأَرْحَامِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرِقَاهُ أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَبَدًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ الدَّوَامُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْعِنَايَةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَبَادِرُ خَرَقَاهُ أَمْ لَا وَلَا صِحَّةَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ) لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ قَوْلًا بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الثَّالِثِ الْخَارِقِ) أَيْ لِمَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ وَهُوَ تَوْرِيثُ الْجَدِّ وَأَنَّ لَهُ نَصِيبًا سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ الْمَالِ أَوْ نِصْفُهُ، وَقَدْ مَثَّلَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ لِذَلِكَ بِأَمْثِلَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَسُّ الْمَرْأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمَسُّ نَاقِضٌ لَا الْخُرُوجُ فَشُمُولُ الْوُجُودِ أَوْ شُمُولُ الْعَدَمِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ لَهُ نَصِيبًا) إمَّا اسْتِقْلَالًا أَوْ عَلَى طَرِيقِ الْمُشَارَكَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهَذَا مِثَالٌ لِمُجَرَّدِ الْخَارِقِ وَإِلَّا فَلَا إجْمَاعَ هُنَا أَيْضًا الْمُفَصَّلُ سَابِقٌ

[حرمة خرق الإجماع]

فَالْفَارِقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ الْخَارِقُ مَا لَوْ قِيلَ بِتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ دُونَ الْخَالَةِ أَوْ الْعَكْسُ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِهِمْ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَوْ فِي عَدَمِهِ كَوْنُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَتَوْرِيثُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى خَارِقٌ لِلِاتِّفَاقِ، وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ غَيْرِ الْخَارِقِ مَا قِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ دُونَ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ قِيلَ تَجِبُ فِيهِمَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِيهِمَا فَالْمُفَصِّلُ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَصِّلْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ. (وَ) عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ (أَنَّهُ يَجُوزُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ) لِحُكْمٍ أَيْ إظْهَارُهُ (أَوْ تَأْوِيلٍ) لِدَلِيلٍ لِيُوَافِقَ غَيْرَهُ (أَوْ عِلَّةٍ) لِحُكْمٍ غَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْعِلَّةِ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمَذْكُورَاتِ (إنْ لَمْ يَخْرِقْ) مَا ذُكِرَ مَا ذَكَرُوهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَقَهُ بِأَنْ قَالُوا لَا دَلِيلَ وَلَا تَأْوِيلَ وَلَا عِلَّةَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ إحْدَاثُ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَعَّدِ عَلَى اتِّبَاعِهِ فِي الْآيَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ مَا خَالَفَ سَبِيلَهُمْ لَا مَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ كَمَا نَحْنُ فِيهِ. (وَ) عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَخْرِقُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَالْفَارِقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يُخْرَقْ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرِقَاهُ بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ لَمْ يَخْرِقَاهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ الْخَارِقِ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ الْخَرْقَ قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ بِأَنْ تَتَّحِدَ عِلَّةُ الْخِلَافِ كَمَا فِي مِثَالِ التَّوْرِيثِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَاتِّحَادُهَا بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْإِمَامُ فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ لَا تَفْصِلُوا بَيْنَهَا وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ امْتَنَعَ التَّفْصِيلُ بِلَا نِزَاعٍ اهـ. سم فَعُلِمَ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّفَاقِهِمْ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ دَفْعًا لِمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّفْصِيلُ لَيْسَ خَارِقًا؛ لِأَنَّ الْمُفَصِّلَ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَصِّلْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: خَارِقٌ لِلِاتِّفَاقِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَلِّلَ بِغَيْرِ مَا عَلَّلُوا بِهِ فَقَدْ خَرَقَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْإِرْثِ أَوْ عَدَمِهِ كَوْنُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ خَارِقٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ التَّفْصِيلِ الَّذِي يَلِيهِ إذْ هُوَ أَخَذَ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ طَرَفًا فَلَمْ يَكُنْ خَارِقًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَا سَبَقَ. [حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ] (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ إلَخْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَجُوزُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ إلَخْ) كَأَنْ أُجْمِعَ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى النِّيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] ، ثُمَّ قَالَ شَخْصٌ إنَّ الدَّلِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْخَرْقِ وَجَوَازِ الْإِحْدَاثِ الْمَذْكُورِ لِيَكُونَ الثَّانِي مَعْلُومًا مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْرُمَ الْإِحْدَاثُ الْغَيْرُ الْخَارِقِ لِمَعْنًى يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ حَرَامًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْخَرْقِ جَوَازُ مَا لَا خَرْقَ فِيهِ إلَّا لِمُقْتَضٍ آخَرَ وَلَا مُقْتَضِيَ هَاهُنَا فِي الْوَاقِعِ أَوْ بِالنَّظَرِ لِلْأَصْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ إظْهَارُهُ) نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُحْدَثَ إظْهَارُ الدَّلِيلِ لَا الدَّلِيلُ نَفْسُهُ وَالْمُرَادُ إظْهَارُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَأْوِيلٍ) كَمَا إذَا قَالَ الْمُجْمِعُونَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» أَنَّ تَأْوِيلَهُ عَدَمُ التَّهَاوُنِ بِالسَّبْعِ بِأَنْ يُنْقَصَ عَنْهَا فَلَوْ أَوَّلَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ التُّرَابَ لَمَّا صَحِبَ السَّابِعَةَ صَارَ كَأَنَّهُ ثَامِنَةٌ كَانَ صَحِيحًا. (قَوْلُهُ: أَوْ عِلَّةٍ) كَأَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَا فِي الْبُرِّ الِافْتِيَاتَ وَجَعَلَ آخَرُونَ بَعْدَهُمْ الْعِلَّةَ الِادِّخَارَ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُوَافِقَةٌ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ تَعَبُّدِيًّا فَيَظْهَرُ لَهُ عِلَّةٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَيَّدُ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ إلَخْ) فَالتَّوَعُّدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَدَمِ لَا عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ. (قَوْلُهُ: الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمَقْصُودُ هَذَا التَّقْيِيدِ الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعْتَبَرُونَ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا كَالسُّكُوتِيِّ وَمَا نَدُرَ مُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا يُبَالِي بِخَرْقِهِ وَلِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ اهـ كَمَالٌ. وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ

(أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ) فِي عَصْرٍ (سَمْعًا) لِخَرْقِهِ إجْمَاعَ مَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى وُجُوبِ اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ، وَالْخَرْقُ يَصْدُقُ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَمَا يَصْدُقُ الْإِجْمَاعُ بِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِهِمْ سَمْعًا (الصَّحِيحُ) لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَقِيلَ يَجُوزُ ارْتِدَادُهُمْ شَرْعًا كَمَا يَجُوزُ عَقْلًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ صِدْقِ الْأُمَّةِ وَقْتَ الِارْتِدَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَا يَضِلُّونَ بِهِ الصَّادِقَ بِالِارْتِدَادِ (لَا اتِّفَاقُهَا) أَيْ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ (عَلَى جَهْلِ مَا) أَيْ شَيْءٍ (لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ) بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْهُ كَالتَّفْضِيلِ بَيْنَ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ (عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْخَطَأِ) فِيهِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ وَإِلَّا كَانَ الْجَهْلُ سَبِيلًا لَهَا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ سَبِيلٌ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَادِيٌّ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ عَادِيٌّ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْمُقَابِلِ أَنَّهُ سَمْعِيٌّ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَمْعًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ إذْ الْمُرَادُ الشَّأْنُ الْمَأْخُوذُ مِنْ السَّمْعِ وَأَيْضًا كَوْنُ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الثُّبُوتَ بِالسَّمْعِ (قَوْلُهُ: وَالْخَرْقُ يَصْدُقُ بِالْفِعْلِ) دُفِعَ بِهِ مَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِارْتِدَادِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ (قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) أَيْ لَا يُهَيِّئُهُمْ لَهَا وَلَا يُقْدِرُهُمْ عَلَيْهَا لِيَنْتِجَ الِاسْتِحَالَةَ. وَأَوْرَدَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ ارْتِدَادِ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُرْمَةَ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ بِوَاسِطَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَصَارَ هُوَ الدَّلِيلُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لِلنَّاصِرِ هُنَا مِنْ الْبَحْثِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ امْتِنَاعُ الِارْتِدَادِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ ارْتِدَادُهُمْ شَرْعًا) أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الرِّدَّةَ تَجُوزُ فِي الشَّرْعِ إذْ هِيَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ صِدْقِ الْأُمَّةِ وَقْتَ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ بِارْتِدَادِهِمْ خَرَجُوا عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةً (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اسْمَ الْأُمَّةِ صَادِقٌ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الِارْتِدَادِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعٌ عَلَى ضَلَالَةٍ وَالْحَدِيثُ يَنْفِيهِ اهـ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يُوجَدَ إلَخْ) فِيهِ رَمْزٌ إلَى التَّأْوِيلِ السَّابِقِ فِي الْحَدِيثِ فَيُرَادُ هُنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ نَعْلَمْهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَهْلُ الْبَسِيطُ لَا الْمُرَكَّبُ (قَوْلُهُ: كَالتَّفْضِيلِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّفَاضُلُ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْلَمُ. وَأَمَّا التَّفْضِيلُ فَلَا عِلْمَ بِهِ، ثُمَّ هُوَ تَنْظِيرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا لَمْ تُكَلَّفْ بِهِ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِيهِ) أَيْ بِآيَةِ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِمَنْعِ إلَخْ)

لِأَنَّ سَبِيلَ الشَّخْصِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَعَدُّ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا اتِّفَاقُهَا عَلَى جَهْلِ مَا كُلِّفَتْ بِهِ فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا (وَفِي انْقِسَامِهَا فِرْقَتَيْنِ) فِي كُلٍّ مِنْ مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ (كُلٌّ) مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ (مُخْطِئٌ فِي مَسْأَلَةٍ) مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ. (تَرَدُّدُ) الْعُلَمَاءِ (مَثَارُهُ هَلْ أَخْطَأْت) نَظَرًا إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ مَا ذُكِرَ لِانْتِفَاءِ الْخَطَأِ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ أَوْ لَمْ يُخْطِئْ إلَّا بَعْضُهَا نَظَرًا إلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَرَجَّحَهُ الْآمِدِيُّ وَقَالَ إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ. (وَ) عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَخْرِقُوهُ (أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ يُضَادُّ إجْمَاعًا سَابِقًا خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ مُغَيًّا بِوُجُودِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الْجَهْلِ الْبَسِيطِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَكَّبَ يَضُرُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِهِ لَا يَضُرُّ الْجَهْلُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَبِيلَ الشَّخْصِ مَا يَخْتَارُهُ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ الْجَهْلَ (قَوْلُهُ: عَلَى جَهْلِ مَا كُلِّفَتْ بِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كُلِّفَتْ بِهِ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَقَدْ يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُجْتَهِدِينَ أَحْكَامٌ لَمْ تَكُنْ عَلَى زَمَنِ الصَّحَابَةِ كَمَا وَقَعَ لِلْمُجْتَهِدِينَ فَلَوْ أُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ لَلَزِمَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى جَهْلِ مَا كُلِّفَتْ بِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عِلْمُ الْمَسَائِلِ بِالْفِعْلِ. وَأَمَّا لَوْ اكْتَفَيْنَا بِالْمَلَكَةِ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: فِي انْقِسَامِهَا) أَيْ وَفِي جَوَازِ انْقِسَامِهَا فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ مُخْطِئَةٌ فِي مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ لِأُخْرَى كَاتِّفَاقِ فِرْقَةٍ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبٌ وَفِي الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالْفِرْقَةِ الْأُخْرَى عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَمَحَلُّ الْخَطَأِ وَعَدَمِهِ إذَا كَانَ الصَّوَابُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَلِلْفَائِتَةِ أَوْ عَدَمَهُ فِيهِمَا فَإِذَا نُظِرَ إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَدْ أَخْطَأَتْ الْأُمَّةُ؛ لِأَنَّهَا اتَّفَقَتْ عَلَى مُطْلَقِ خَطَأٍ وَإِذَا نُظِرَ إلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى حِدَتِهَا لَمْ يَكُنْ جَمِيعُهُمْ مُخْطِئًا نَظَرًا إلَى خُصُوصِ الْخَطَأِ فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى خَطَأٍ بِخُصُوصِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّوَابُ الْوُجُوبُ فِيهِمَا، وَقَالَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَبِعَدَمِهِ فِي الْفَائِتَةِ فَقَدْ أَخْطَأَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَائِتَةِ، وَإِذَا قَالَتْ الْأُخْرَى بِالْعَكْسِ فَقَدْ أَخْطَأَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ فَلَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى خَطَأٍ بِعَيْنِهِ، وَإِذَا نُظِرَ إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى مُطْلَقِ خَطَأٍ (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى مَجْمُوعِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُنْضَمَّةً إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى كَانَ الْجَمِيعُ مُخْطِئًا، وَإِذَا نُظِرَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا عَنْ الْأُخْرَى نَجِدُ الْمُخْطِئَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فَقَطْ هُوَ الْبَعْضُ وَفِي الْأُخْرَى فَقَطْ هُوَ الْبَعْضُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ لُزُومُ كَوْنِ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ مُصِيبًا دَائِمًا وَغَيْرِهِ مُخْطِئًا دَائِمًا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْخَطَأِ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ) فِيهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الضَّلَالَةُ وَخَطَأُ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ ضَلَالًا بَلْ هُمْ مَأْجُورُونَ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ وَلَوْ أَخْطَئُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْخَطَأَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ ضَلَالًا (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا إجْمَاعٌ يُضَادُّ إجْمَاعًا) أَيْ لَا يَجُوزُ إجْمَاعٌ عَلَى حُكْمٍ أُجْمِعَ عَلَى

[خاتمة جاحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة]

(وَأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ (لَا يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ) لَا قَطْعِيٌّ وَلَا ظَنِّيٌّ (إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَاطِعَيْنِ) لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ (وَلَا) بَيْنَ (قَاطِعٍ وَمَظْنُونٍ) لِإِلْغَاءِ الْمَظْنُونِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَاطِعِ (وَأَنَّ مُوَافَقَتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (خَبَرًا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَنْهُ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا اسْتِغْنَاءٌ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ (بَلْ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُ عَنْهُ هُوَ (الظَّاهِرُ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) بِمَعْنَاهُ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ وَعَطَفَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا قَبْلَهُمَا، وَإِنْ لَمْ تَنْبَنِيَا عَلَى حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ تَسَمُّحًا وَلَوْ تَرَكَ مِنْهُمَا أَنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الِاخْتِصَارِ. (خَاتِمَةٌ: جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ) وَهُوَ مَا يُعْرَفُ مِنْهُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِلتَّشْكِيكِ فَالْتَحَقَ بِالضَّرُورِيَّاتِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَحُرْمَةِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ (كَافِرٌ قَطْعًا) ؛ لِأَنَّ جَحْدَهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQضِدِّهِ سَابِقًا أَيْ إذَا كَانَ قَطْعِيًّا (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ أَيْ الْإِجْمَاعُ إلَخْ) هَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ الْإِجْمَاعَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ قَطْعِيٌّ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَا تَعَارُضَ إلَخْ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الظَّنِّيِّ كَالسُّكُوتِيِّ فَيُعَارِضُهُ الدَّلِيلُ كَسَائِرِ الظَّنِّيَّاتِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَقْيِيدُ قَوْلِهِ لَا إجْمَاعَ يُضَادُّ إجْمَاعًا لَهُ سَابِقًا بِكَوْنِ السَّابِقِ قَطْعِيًّا وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ ذَاكَ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَاطِعَيْنِ) وَإِلَّا لَزِمَ حَقِيقَةُ النَّقِيضَيْنِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْقَاطِعَ يَجِبُ تَحَقُّقُ مَدْلُولِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ تَعَارُضِهِمَا اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ وَهَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَا فِي زَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا إذْ الْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّ مُوَافَقَتَهُ إلَخْ) كَمَا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا فَقَدْ وَافَقَ إجْمَاعُهُمْ خَبَرَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَهَذِهِ الْمُوَافَقَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُسْتَنِدُونَ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مُوَافَقَةِ خَبَرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ وَالْفَرْضَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَإِنْ تَلَازَمَا (قَوْلُهُ: اسْتِغْنَاءً بِنَقْلِ إلَخْ) أَيْ اسْتِغْنَاءً عَنْ نَقْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا أَيْ فَلَا يَكُونُ الظَّاهِرُ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: لَا إبْطَالِيَّةٌ) لِأَنَّ نَفْيَ الدَّلَالَةِ الْقَطْعِيَّةِ لَا يَنْفِي وُجُودَ الظَّاهِرَةِ. [خَاتِمَةٌ جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ] (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَشَا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ خَارِقَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يَكْفُرُ وَالْقَوْلُ فِي التَّكْفِيرِ وَالتَّبَرِّي لَيْسَ بِالْهَيِّنِ (قَوْلُهُ: بِالضَّرُورَةِ) بِاعْتِبَارِ مَا طَرَأَ لَهُ بَعْدُ مِنْ الشُّهْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ نَظَرِيًّا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: فَالْتَحَقَ بِالضَّرُورِيَّاتِ) أَيْ فِي إطْلَاقِ الْعِلْمِ بِالضَّرُورَةِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ عَدَمِ قَبُولِ التَّشْكِيكِ فِيهِمَا وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي قَوْلِهِمْ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ مَعْنَاهَا اسْتِقْلَالَ الْعَقْلِ بِالْإِدْرَاكِ بِلَا دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ سَمْعِيٍّ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: كَافِرٌ قَطْعًا) فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْمَشْهُورِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ مَنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ يُعْلَمُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً كَفَرَ إنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جَحْدَهُ يَسْتَلْزِمُ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْجُودٌ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْخَفِيِّ إذَا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ (قَوْلُهُ: وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ إلَخْ) أَمَّا الْآمِدِيُّ فَقَالَ اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَأَثْبَتَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ إنْكَارَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ غَيْرُ مُوجَبٍ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ اسْمِ الْإِسْلَامِ كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ فَيَكُونُ جَاحِدُهُ كَافِرًا اهـ. مُلَخَّصًا. وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ أَنَّ نَحْوَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ يَكْفُرُ فَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَرَى حِكَايَةَ خِلَافٍ فِي تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ لَهُمَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَهُمَا بِأَنَّ الْمُجْمَعَ

[الكتاب الرابع في القياس من الأدلة الشرعية]

(وَكَذَا) الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ (الْمَشْهُورُ) بَيْنَ النَّاسِ (الْمَنْصُوصُ) عَلَيْهِ كَحِلِّ الْبَيْعِ جَاحِدُهُ كَافِرٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ لَا لِجَوَازِ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ (وَفِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ) مِنْ الْمَشْهُورِ (تَرَدُّدٌ) قِيلَ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِشُهْرَتِهِ وَقِيلَ لَا لِجَوَازِ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ (وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ) الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (الْخَفِيُّ) بِأَنْ لَا يَعْرِفَهُ إلَّا الْخُصُوصُ كَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ (وَلَوْ) كَانَ الْخَفِيُّ (مَنْصُوصًا) عَلَيْهِ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الدِّينِ كَوُجُودِ بَغْدَادَ قَطْعًا. (الْكِتَابُ الرَّابِعُ فِي) (الْقِيَاسِ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (وَهُوَ حَمْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْمَعْلُومَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ التَّكْفِيرُ بِإِنْكَارِهِ لِكَوْنِهِ إنْكَارَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ بَلْ لِكَوْنِهِ إنْكَارَ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَمْ يَنْقُلَا عَنْ أَحَدٍ عَدَمَ التَّكْفِيرِ بِإِنْكَارِهِ بَلْ نَقَلَا إنْكَارَ اسْتِنَادِ التَّكْفِيرِ إلَى كَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْأَصَحِّ) الْمَشْهُورُ مُطْلَقًا عَدَمُ التَّكْفِيرِ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ لَا) هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا صَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَحِلِّيَّةُ الْبَيْعِ الْآنَ كَذَلِكَ. [الْكِتَابُ الرَّابِعُ فِي الْقِيَاسِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ] (الْكِتَابُ الرَّابِعُ فِي الْقِيَاسِ) (قَوْلُهُ: الْقِيَاسُ) هُوَ فِي اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ يُقَالُ قِسْت الْأَرْضَ بِالْقَصَبَةِ أَيْ قَدَّرْتهَا بِهَا وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ أَيْضًا وَيُعَدَّى بِالْبَاءِ كَقَوْلِهِ: خَفْ يَا كَرِيمُ عَلَى عِرْضٍ يُدَنِّسُهُ ... مَقَالُ كُلِّ سَفِيهٍ لَا يُقَاسُ بِكَا قَالَ الْآمِدِيُّ هُوَ لِلتَّقْدِيرِ فَيَسْتَدْعِي أَمْرَيْنِ مُضَافٌ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْمُسَاوَاةِ فَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يُقَالُ فُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ أَيْ لَا يُسَاوَى بِهِ، وَإِنَّمَا قِيلَ فِي الشَّرْعِ قَاسَ عَلَيْهِ لِيَدُلَّ عَلَى الْبِنَاءِ فَإِنَّ انْتِقَالَ الصِّلَةِ لِلتَّضَمُّنِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) حَالٌ مِنْ الْقِيَاسِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ وَأَنَّ مَا عَدَا الشَّرْعِيِّ ذُكِرَ تَبَعًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْقِيَاسُ مَيْدَانُ الْفُحُولِ وَمِيزَانُ الْأُصُولِ وَمَنَاطُ الْآرَاء وَرِيَاضَةُ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا يُفْزَعُ إلَيْهِ عِنْدَ فِقْدَانِ النُّصُوصِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَعْيَا الْفَقِيهَ وُجُودُ نَصٍّ ... تَعَلَّقَ لَا مَحَالَةَ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: حَمْلُ إلَخْ)

مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ) مِنْ الْعِلْمِ بِمَعْنَى التَّصَوُّرِ أَيْ إلْحَاقِهِ بِهِ فِي حُكْمِهِ (لِمُسَاوَاتِهِ) مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لِمُسَاوَاةِ الْأَوَّلِ الثَّانِيَ (فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ) بِأَنْ تُوجَدَ بِتَمَامِهَا فِي الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ الْأَوَّلُ التَّعْبِيرُ بِالْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلُ الْحَامِلِ فَيَكُونُ الْقِيَاسُ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ نَصَبَهُ الشَّارِعُ نَظَرَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ أَمْ لَا كَالنَّصِّ فَلَا يَنْطَبِقُ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهُ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ لَا يُنَافِي أَنْ يَنْصِبَهُ الشَّارِعُ دَلِيلًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَنْصِبَ الشَّارِعُ حَمْلَ الْمُجْتَهِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْ الْحَمْلُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَقَعَ أَمْ لَمْ يَقَعْ بَلْ وَلَا مَانِعَ مِنْ نَصْبِ الشَّارِعِ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ دَلِيلًا لَهُ وَلِمَنْ قَلَّدَهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ مَا وَقَعَ فِيهِ الْحَمْلُ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِحَمْلِ الْمَعْلُومِ عَلَى الْمَعْلُومِ إثْبَاتُ حُكْمِهِ لَهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِثْبَاتِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتًا قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا فَيَشْمَلُ كِلَا قِسْمَيْ الْقِيَاسِ الْمَقْطُوعِ وَالْمَظْنُونِ (قَوْلُهُ: مَعْلُومٍ) عَبَّرَ بِهِ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسِ مِنْ مَوْجُودٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَالظَّنَّ اهـ زَكَرِيَّا. وَتَقْرِيرُ الشَّارِحِ يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْعِلْمَ عَلَى التَّصَوُّرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاعْتِقَادَ وَالظَّنَّ مِنْ قَبِيلِ التَّصْدِيقِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ وَقِيَاسَ التَّلَازُمِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَائِيُّ وَالْقِيَاسُ الِاقْتِرَانِيُّ خَارِجَةٌ عَنْ التَّعْرِيفِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِعَدَمِ تَمَاثُلِ الْحُكْمَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ نَقِيضِ حُكْمٍ مَعْلُومٍ مِنْ آخَرَ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْعِلَّةِ كَمَا فِي قَوْلِنَا لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الصَّوْمُ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا لَمَا وَجَبَ شَرْطًا لَهُ بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا مُطْلَقًا لَمْ تَصِرْ شَرْطًا بِالنَّذْرِ فَالْمَطْلُوبُ إثْبَاتُ شَرْطِيَّةِ الصَّوْمِ وَالثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ نَفْيُ شَرْطِيَّةِ الصَّلَاةِ فَحُكْمُ الْفَرْعِ نَقِيضُ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا افْتَرَقَا فِي الْعِلَّةِ إذْ هِيَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ وَهِيَ لَا تُوجَدُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالنَّذْرِ. وَأَمَّا خُرُوجُ الْأَخِيرَيْنِ فَظَاهِرٌ وَلَا يُسَمَّيَانِ قِيَاسًا فِي هَذَا الِاصْطِلَاحِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ هُنَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي مُشَابَهَةِ صُوَرٍ لِأُخْرَى وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْطِيِّ وَالِاقْتِرَانِيِّ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَعَلَى تَقْدِيرِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا يَكُونُ لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَرَّفِ فَالْحَدُّ هُنَا لِفَرْدٍ مَشْهُورٍ مِنْ الْقِيَاسِ كَمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ بِمَا يَخُصُّهَا لَا يَنْقُصُ حَدُّهَا بِخُرُوجِ الْجَارِيَةِ عَنْهَا تَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ أَرْجَعَهُ لِلْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ وَلَا يَخْفَى تَقْرِيرُهُ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّصَوُّرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ ذَاتُ الْأَرُزِّ مَثَلًا عَلَى الْبُرِّ (قَوْلُهُ: لِمُسَاوَاتِهِ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ الْمُعَرَّفَ خَاصٌّ بِمَا عِلَّتُهُ مُتَعَدِّيَةٌ إذْ الْقَاصِرَةُ لَا مُسَاوَاةَ فِيهَا اهـ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ) بِنَاءً عَلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ لِلْمَعْلُومِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِلْأَوَّلِ وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ مُسَاوٍ الْفَرْعُ لَا الْأَصْلُ وَلِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلثَّانِي فَتَكُونُ الضَّمَائِرُ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ) إضَافَةُ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ وَمَعْنَى التَّأْثِيرِ الِارْتِبَاطُ بِمَعْنَى جَعْلِ الْفَقِيهِ الْحُكْمَ مُرْتَبِطًا بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ مَا يَشْمَلُ الْإِيجَابِيَّ وَالسَّلْبِيَّ وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْوَارِدِ فِي الْأَصْلِ وَالْقِيَاسُ بَيَانٌ لِعُمُومِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْأَصْلِ وَهَذَا وَاضِحٌ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَالْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتٌ لَهُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِ إصْلَاحِ التَّنْقِيحِ إنَّ الْقِيَاسَ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ هَذَا فَالْمُرَادُ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ هَذَا الْمَعْنَى لَا أَنَّهُ مُثْبِتٌ لَهُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْحُكْمِ ابْتِدَاءً هُوَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى مَا قَالُوا إنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتٌ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تُوجَدَ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْفَرْعِ دُونَهَا فَالْأَصْلُ فَالْمُرَادُ بِالْمُسَاوَاةِ حِينَئِذٍ وُجُودُهَا فِيهِمَا لَا أَنَّهَا فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَلَا يُرَدُّ تَقْدِيمُ الْقِيَاسِ إلَى أَقْوَى وَأَدْنَى وَمُسَاوٍ (قَوْلُهُ: بِتَمَامِهَا) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُرَكَّبَةً مِنْ أَجْزَاءٍ لَا يُكْتَفَى بِوُجُودِ بَعْضِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْقَتْلِ فَيُقَالُ لَا يُقْتَلُ إلَّا بِقَتْلِ الْمُكَافِئِ الْحُرِّ الْغَيْرِ الْأَصْلِ، وَقَالَ بَعْضٌ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِتَمَامِهَا أَيْ بِذَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُرَكَّبَةً

[القياس حجة في الأمور الدنيوية]

(عِنْدَ الْحَامِلِ) هُوَ الْمُجْتَهِدُ وَافَقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا بِأَنْ ظَهَرَ غَلَطُهُ فَتَنَاوَلَ الْحَدُّ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ (وَإِنْ خُصَّ) الْمَحْدُودُ (بِالصَّحِيحِ) أَيْ قُصِرَ عَلَيْهِ (حَذْفٌ) مِنْ الْحَدِّ (الْأَخِيرِ) وَهُوَ عِنْدَ الْحَامِلِ فَلَا يَتَنَاوَلُ حِينَئِذٍ إلَّا الصَّحِيحَ لِانْصِرَافِ الْمُسَاوَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالْفَاسِدُ قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهِ مَعْمُولٌ بِهِ كَالصَّحِيحِ. (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ (حُجَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ) كَالْأَدْوِيَةِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (اتِّفَاقًا) أَسْنَدَهُ إلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ. (وَأَمَّا غَيْرُهَا) كَالشَّرْعِيَّةِ (فَمَنَعَهُ قَوْمٌ) فِيهِ (عَقْلًا) قَالُوا لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ وَالْعَقْلُ مَانِعٌ مِنْ سُلُوكِ ذَلِكَ قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَرِدُ عَدَمُ شُمُولِهِ لِلْعِلَّةِ الْبَسِيطَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْحَامِلِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لِمُسَاوَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ) جَرَى فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى شُمُولِ الْمُجْتَهِدِ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُجْتَهِدِ الْمُقَيَّدِ وَإِلَّا فَالْحَامِلُ أَعَمُّ مِنْهُ وَلِهَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْمُجْتَهِدِ لِيَتَنَاوَلَ الْمُقَلِّدَ الَّذِي يَقِيسُ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَافَقَ) أَيْ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ لِانْصِرَافِ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ لِلْفَرْضِ الْكَامِلِ وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِمْ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقَةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا عِنْدَ الْحَامِلِ (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِدُ قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهِ) أَيْ وَهُوَ دَاخِلٌ حِينَئِذٍ فِي التَّعْرِيفِ وَدُفِعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ الْفَاسِدُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّعْرِيفِ وَكُلُّ قِيَاسٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَدَمُ شُمُولِ التَّعْرِيفِ لِشَيْءٍ مِنْهَا. [الْقِيَاسُ حُجَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ] (قَوْلُهُ: وَهُوَ حُجَّةٌ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ، وَقَدْ حَرَّرَهُ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ فَقَالَ وَأَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ نَفَوْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ حَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ لَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْخَوَارِجُ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ خَاصَّةً إمَّا لِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَالنَّظَّامُ وَإِمَّا لِامْتِنَاعِهِ سَمْعًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ فَقِيلَ هُوَ وَاجِبٌ عَقْلًا لِئَلَّا تَخْلُوَ الْوَقَائِعُ عَنْ الْأَحْكَامِ إذْ النَّصُّ لَا يَفِي بِالْحَوَادِثِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ أَجْنَاسَ الْأَحْكَامِ وَكُلِّيَّاتِهَا مُتَنَاهِيَةٌ لِجَوَازِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا بِالْعُمُومَاتِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ النَّهْرَوَانِيُّ وَالْقَاشَانِيُّ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ وَاقِعٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهِ فَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالسَّمْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالسَّمْعِ فَقِيلَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وَقِيلَ قَطْعِيٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ) ذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ رَجَعَ لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ كَدَفْعِ الْمَضَارِّ كَانَ مُنْدَرِجًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَالْأَدْوِيَةِ) كَأَنْ يَكُونَ دَوَاءُ هَذَا الْمَرَضِ عَقَارًا حَارًّا فَيُفْقَدُ فَيَأْتِي الطَّبِيبُ بِمَا يُمَاثِلُهُ فِي الْحَرَارَةِ مَثَلًا لِمُوَافَقَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمِزَاجِ الْمَرَضِ الْمَخْصُوصِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَغْذِيَةُ وَوَجْهُ كَوْنِهِ دُنْيَوِيًّا أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ الْمَطْلُوبُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ ثُبُوتُ نَفْعِ هَذَا الشَّيْءِ لِذَلِكَ الْمَرَضِ وَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ رُكْنٌ جَلِيلٌ مِنْ أَرْكَانِ قَوَاعِدِ الطِّبِّ وَهُوَ أَنْفَعُ وَأَسْلَمُ عِنْدَهُمْ مِنْ التَّجَارِبِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ النُّزْهَةِ الطِّبِّيَّةِ لِدَاوُدَ وَهُوَ شَرْحٌ جَامِعٌ لِمُهِمَّاتِ أُصُولِ الطِّبِّ أَلَّفْنَاهُ عِنْدَ اسْتِقْرَارِنَا بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ حِينَ انْصِرَافِنَا مِنْ السِّيَاحَةِ بِالْبِلَادِ الرُّومِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ) فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِعَدَمِ الْمُخَالِفِ عُسْرَةٌ (قَوْلُهُ: لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ) لِجَوَازِ. وُجُودِ فَارِقٍ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ مَعَ الْفَارِقِ بَاطِلٌ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الدُّنْيَوِيِّ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُخَفَّفُ فِي الدُّنْيَوِيِّ مَا لَا يُخَفَّفُ فِي غَيْرِهِ

بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَجَّحٌ بِتَرْكِهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحِيلٌ لَهُ وَكَيْفَ يُحِيلُهُ إذَا ظُنَّ الصَّوَابَ فِيهِ (وَ) مَنَعَهُ (ابْنُ حَزْمٍ شَرَعَا) قَالَ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ بِالْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اسْتِنْبَاطٍ وَقِيَاسٍ قُلْنَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (وَ) مَنَعَ (دَاوُد غَيْرَ الْجَلِيِّ) مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قُلْنَا بِمَعْنَى إلَخْ) أَيْ نُسَلِّمُ مَنْعَ الْعَقْلِ لَكِنْ بِمَعْنَى إحَالَتِهِ كَمَا اُدُّعِيَتْ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَجَّحٌ فَالدَّلِيلُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَجِّحُ الْعَقْلُ الْعَمَلَ بِهِ إذَا جَزَمَ بِعَدَمِ الْفَارِقِ (قَوْلُهُ: لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحِيلٌ لَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ يَقُولُ إنَّهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَلَا صِحَّةَ لَهُ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ الْعَمَلُ بِهِ لَكِنْ فِيهِ شَائِبَةُ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ (قَوْلُهُ: وَكَيْفَ يُحِيلُهُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ لِمَا قُلْنَا وَكَيْفَ يَكُونُ مُرَجِّحًا لِتَرْكِهِ إذَا ظُنَّ إلَخْ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَسْبَابُ فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَيْهَا مَظْنُونٌ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ مَانِعٍ (قَوْلُهُ: وَابْنُ حَزْمٍ) اسْمُهُ عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ تَرْجَمَهُ الْعَلَّامَةُ الْمُقْرِي فِي تَارِيخِهِ نَفْحِ الطِّيبِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَهُ بَاعٌ وَاسِعٌ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ مَعَ كَمَالِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ إلَّا أَنَّهُ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَعْلَامِ الدِّينِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ وَلَا بِشَأْنِهِمْ، لَا جَرَمَ أَنَّهُ نُسِبَ لِلْبِدْعَةِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُ فَكَانَ الْحَالُ كَمَا قِيلَ مَنْ قَالَ شَيْئًا قِيلَ فِيهِ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النُّصُوصَ) هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا شَرْعًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَرَدَ دَلِيلٌ يَمْنَعُهُ بَلْ نَحْنُ مَأْمُورُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يُنْتِجُ الْمَنْعَ الْمَطْلُوبَ، وَإِنَّمَا يُنْتِجُ عَدَمُهُ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ) أَيْ بِسَبَبِهَا مَثَلًا الْخَمْرُ لُغَةً لِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ لِقِيَاسِ غَيْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، وَلَمْ يَرِدْ الرُّزُّ بِالرُّزِّ وَلَا يَشْمَلُهُ الْبُرُّ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَمَنَعَ دَاوُد) هُوَ دَاوُد بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ إمَامُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وُلِدَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ، وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُدَاتِهِمْ وَلَهُ فَضَائِلُ الشَّافِعِيِّ مُصَنَّفَاتٌ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْقَعْنَبِيَّ وَعَمْرَو بْنَ مَرْزُوقٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ الْعَبْدِيَّ وَمُسَدَّدًا وَأَبَا ثَوْرٍ الْفَقِيهَ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ رَحَلَ إلَيْهِ إلَى نَيْسَابُورَ فَسَمِعَ مِنْهُ الْمُسْنَدَ وَالتَّفْسِيرَ وَجَالَسَ الْأَئِمَّةَ وَصَنَّفَ الْكِتَابَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ كَانَ إمَامَ النَّاسِ وَرِعًا نَاسِكًا زَاهِدًا وَفِي كُتُبِهِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ لَكِنْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ عَزِيزَةٌ جِدًّا رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الدَّرَاوَرْدِيُّ الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُمْ قِيلَ كَانَ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُمِائَةِ صَاحِبِ طَيْلَسَانٍ أَخْضَرَ وَكَانَ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ الْعِلْمِ بِبَغْدَادَ

بِخِلَافِ الْجَلِيِّ الصَّادِقِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَاقْتَصَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ قِيَاسُ الْأَوْلَى وَهُوَ مَا يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْأَصْلِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) مَنَعَهُ (أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالرُّخَصِ وَالتَّقْدِيرَاتِ) قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَصْلُهُ مِنْ أَصْفَهَانَ وَمَوْلِدُهُ بِالْكُوفَةِ وَمُنْشَؤُهُ بِبَغْدَادَ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْمُسْتَمْلِي رَأَيْت دَاوُد بْنَ عَلِيٍّ يَرُدُّ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَمَا رَأَيْت أَحَدًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ هَيْبَةً لَهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ سَمِعْت دَاوُد بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ دَخَلْت عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ فَجَلَسْت فَرَأَيْت كُتُبَ الشَّافِعِيِّ فَأَخَذْت أَنْظُرُ فِيهَا فَصَاحَ أَيُّ شَيْءٍ تَنْظُرُ؟ فَقُلْت مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ فَجَعَلَ يَضْحَكُ. سُئِلَ عَنْ الْخُنْثَى إذَا مَاتَ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَقَالَ يُغَسِّلُهُ الْخَدَمُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُعَاصِرِينَ إنَّهُ يَتَيَمَّمُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ جَوَابُ دَاوُد بِبَالِغٍ فِي الْإِنْكَارِ، فِي مَذْهَبِنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَآخَرُ نَشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةً لِتُغَسِّلَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاعْتِدَادِ بِخِلَافِ دَاوُد وَأَتْبَاعِهِ فِي الْفُرُوعِ وَعَدَمِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ آخِرًا. ثَانِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ رَأْيُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ حَيْثُ قَالَ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّهُمْ يَعْنِي نُفَاةَ الْقِيَاسِ لَا يَبْلُغُونَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ الْقَضَاءَ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُ مِنْ الشَّافِعِيِّينَ لَا يَعْتَدُّونَ بِخِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَعَزَاهُ إلَى أَهْلِ التَّحْقِيقِ فَقَالَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ لَا يُقِيمُونَ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ وَزْنًا، وَقَالَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ النِّهَايَةِ كُلُّ مَسْلَكٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَصْحَابُ الظَّاهِرِ عَنْ الْقِيَاسِيِّينَ فَالْحُكْمُ بِحَسَبِهِ مَنْقُوضٌ قَالَ وَيَحِقُّ. قَالَ حَبْرُ الْأُصُولِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنِّي لَا أَعُدُّهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَلَا أُبَالِي بِخِلَافِهِمْ وَلَا وِفَاقِهِمْ، وَقَالَ فِي بَابِ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي السَّرِقَةِ كَرَّرْنَا فِي بَابِ " مَوَاضِيعُ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ " أَنَّ أَصْحَابَ الظَّاهِرِ لَيْسُوا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ نَقَلَةٌ إنْ ظَهَرَتْ الثِّقَةُ اهـ. ثَالِثُهَا أَنَّ قَوْلَهُمْ مُعْتَبَرٌ إلَّا فِيمَا خَالَفَ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رَأْيُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَسَمَاعِي عَنْ الشَّيْخِ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الَّذِي صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، وَإِنْ نَقَلَ إنْكَارَهُ عَنْهُ نَاقِلُونَ قَالَ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ الْخَفِيَّ فَقَطْ قَالَ وَمُنْكِرُ الْقِيَاسِ مُطْلَقًا جَلِيِّهِ وَخَفِيِّهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ زَعِيمُهُمْ ابْنُ حَزْمٍ اهـ. مِنْ طَبَقَاتِ الْمُصَنِّفِ بِاخْتِصَارِهِ، وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَقَفْت عَلَى مُصَنَّفٍ لِدَاوُدَ نَفْسِهِ وَهُوَ رِسَالَةٌ أَرْسَلَهَا إلَى الْمُزَنِيّ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ حَرَصْت كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ أُبْصِرَ فِيهَا تَفْرِقَةً بَيْنَ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ أَوْ تَصْرِيحِهِ بِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ فَلَمْ أَجِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذِهِ الرِّسَالَةُ عِنْدِي بِخَطٍّ قَدِيمٍ مَكْتُوبٍ قَبْلَ الثَّلَاثِمِائَةِ، وَقَدْ قَرَأْت مِنْهَا عَلَى الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرًا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ، ثُمَّ الْآنَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَعَدْت النَّظَرَ فِيهَا لَأَرَى ذَلِكَ فَلَمْ أَرَهُ وَعِنْدِي مُخْتَصَرٌ لَطِيفٌ لِدَاوُدَ أَيْضًا فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَاسَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ الْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ سَمَّاهَا الِاسْتِنْبَاطَ فَلَعَلَّ هَذَا مَأْخَذُ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا كَانَ يَنْقُلُهُ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجَلِيِّ) قَالَ الْآمِدِيُّ أَمَّا الْجَلِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ الْمُلْحَقُ أَوْلَى مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ قَالَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ اهـ. خَالِدٌ (قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ فِي شَرْحِ إلَخْ) أَيْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنْكِرُ الْمُسَاوِيَ فَيُخَالِفُ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ) أَيْ مَنَعَ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْحَدِّ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَفِي تَعْلِيلِيَّةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ نَحْنُ وَإِنْ وَافَقْنَاهُ فِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لَا نُطْلِقُهُ بَلْ نُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ الْمَعْنَى فِيمَا مَنَعُوهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْجَوَابِ اهـ. قَالَ سم وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ مِنْ أَنَّ الرُّخَصَ يُقْتَصَرُ

لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُدْرَكُ فِي بَعْضِهَا فَيَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ كَقِيَاسِ النَّبَّاشِ عَلَى السَّارِقِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ بِجَامِعِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ خُفْيَةً وَقِيَاسِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقِيَاسِ غَيْرِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ بِجَامِعِ الْجَامِدِ الطَّاهِرِ الْقَالِعِ وَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَنْ الْقِيَاسِ بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ وَسَمَّاهُ دَلَالَةَ النَّصِّ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْهُ وَقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي تَقْرِيرِهَا عَلَى الْمُوسِرِ بِمُدَّيْنِ كَمَا فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ وَالْمُعْسِرِ بِمُدٍّ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَأَصْلُ التَّفَاوُتِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] الْآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ مَمْنُوعٌ عَلَى إطْلَاقِهِ فَتَفَطَّنْ لَهُ، ثُمَّ إنَّ إمَامَنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ لَهُمْ مُنَاقَضَاتٍ فِي هَذَا الْبَابِ فَأَمَّا الْحُدُودُ فَإِنَّهُمْ قَاسُوا فِيهَا حَتَّى عَدُّوهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ فَأَوْجَبُوا الْحَدَّ عَلَى شَخْصٍ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَعَيَّنَ كُلُّ شَخْصٍ مِنْهُمْ رِوَايَةً مَعَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْعَقْلِ فَلَأَنْ نَعْمَلَ فِيهِ بِمَا يُوَافِقُ الْعَقْلَ أَوْلَى. وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَقَاسُوا فِيهَا الْإِفْطَارَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ نَاسِيًا عَلَى قَتْلِهِ عَامِدًا مَعَ تَقْيِيدِ النَّصِّ بِالْعَمْدِ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ فَقَالُوا فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْحَيَوَانُ فَيَنْزَحُ مِنْهَا لِلدَّجَاجَةِ مِائَةَ دَلْوٍ مَثَلًا وَلِلْفَأْرَةِ خَمْسِينَ دَلْوًا وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا، وَأَمَّا الرُّخَصُ فَقَاسُوا فِيهَا أَيْضًا فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ رُخْصَةٌ وَقَاسُوا عَلَيْهِ سَائِرَ النَّجَاسَاتِ فَخَالَفُوا دَعْوَاهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهَا مَعْنًى وَلَكِنْ لَا يُدْرَكُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ التَّعَبُّدِيَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْنًى لِاسْتِحَالَةِ الْعَبَثِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الْمَعْنَى لِدِقَّتِهِ لَا يُدْرَكُ وَالْمُرَادُ الْمَعْنَى الَّذِي يُجْعَلُ جَامِعًا وَهِيَ الْعِلَّةُ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِهَا) أَيْ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيُقَالُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَلَا تَتِمُّ كُلِّيَّةُ السَّلْبِ، وَقَدْ مَثَّلَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِمِثَالٍ (قَوْلُهُ: كَقِيَاسِ النَّبَّاشِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ آخِذٌ لِلْأَكْفَانِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهَا فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى السَّارِقِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْقَبْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِرْزٍ إلَخْ) أَيْ وَالْقَبْرُ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهِ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْوَرَثَةُ فِي الْكَفَنِ فَإِنَّ لَهُمْ تَقْدِيرًا لَوْ فُرِضَ أَنْ لَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ (قَوْلُهُ: فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) هِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ غَيْرِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ) فَإِنْ قِيلَ غَيْرُ الْحَجَرِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ رُخْصَةً إذْ الرُّخْصَةُ جَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ آلَةُ الرُّخْصَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَحَّ الْقِيَاسُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الرُّخْصَةُ صَحَّ فِيهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ الْجَامِدِ الطَّاهِرِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَامِدٌ طَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ) فَالْمُرَادُ بِالْحَجَرِ فِي النَّصِّ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ أَيْ أَعْطَى غَيْرَ الْحَجَرِ حُكْمَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ سَمَّى إعْطَاءَ غَيْرِ الْحَجَرِ حُكْمَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: دَلَالَةُ النَّصِّ) يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ أَقْسَامِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ اسْتِنْبَاطًا بِالْقِيَاسِ وَدَلَالَةُ النَّصِّ عِنْدَهُمْ هِيَ الْمُسَمَّاةُ عِنْدَنَا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ الْخِرْقَةِ فَلَا بُدَّ فِي إلْحَاقِهَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ) أَيْ الْفِدْيَةِ الْوَاقِعَةِ بِارْتِكَابِ مَحْذُورٍ مِنْ مَحْذُورَاتِهِ مَثَلًا كَاللُّبْسِ وَالدُّهْنِ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ التَّفَاوُتِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ تَفَاوُتَ الْمُوسِرِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى فِدْيَةِ الْحَجِّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الثَّابِتَ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ التَّفَاوُتِ لَا تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ فَإِنَّهُ بِالْقِيَاسِ

(وَ) مَنَعَهُ (ابْنُ عَبْدَانِ مَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ) لِوُقُوعِ حَادِثَةٍ لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِيهَا فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقَعْ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ قُلْنَا فَائِدَتُهُ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ (وَ) مَنَعَهُ (قَوْمٌ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ) قَالُوا لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا يُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ إذْ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا هُوَ السَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَالْمَانِعُ لَا خُصُوصُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَقِيسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُخْرِجُهَا عَمَّا ذُكِرَ وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ فِيهِ كَمَا هُوَ عِلَّةٌ لَهَا يَكُونُ عِلَّةً لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِثَالُهُ فِي السَّبَبِ قِيَاسُ اللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَا بِجَامِعِ إيلَاجِ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا (وَ) مَنَعَهُ (قَوْمٌ فِي أُصُولِ الْعِبَادَاتِ) فَنَفَوْا جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ الْمَقِيسَةِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِجَامِعِ الْعَجْزِ. قَالُوا لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ تَتَوَفَّرُ عَلَى نَقْلِ أُصُولِ الْعِبَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَعَدَمُ نَقْلِ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا فَلَا يَثْبُتُ جَوَازُهَا بِالْقِيَاسِ وَدَفْعُ ذَلِكَ بِمَنْعِهِ ظَاهِرٌ (وَ) مَنَعَ (قَوْمٌ) الْقِيَاسِ الْجُزْئِيَّ (الْحَاجِيُّ) أَيْ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى مُقْتَضَاهُ (إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَلَى وَفْقِهِ) فِي مُقْتَضَاهُ (كَضَمَانِ الدِّرْعِ) وَهُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا الْقِيَاسَ يَقْتَضِي مَنْعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ الِاشْتِغَالَ بِهِ (قَوْلُهُ: ابْنُ عَبْدَانَ) هُوَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا) الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظَةِ فِيمَا وَتَأَخُّرُ الْقِيَاسِ إلَى الْوُقُوعِ فَلَا يُوجَدُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: إذْ يَكُونُ إلَخْ) مَثَلًا الزِّنَا سَبَبٌ لِلْحَدِّ فَقِيسَ عَلَيْهِ اللِّوَاطُ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ أَيْضًا فَالْمَانِعُ الْقِيَاسَ يَقُولُ الْقِيَاسُ فِي السَّبَبِ يُخْرِجُهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ إذْ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا هُوَ السَّبَبَ فِي الْحَدِّ لَا خُصُوصَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ الْمَقِيسُ وَهُوَ اللِّوَاطُ وَكَالْإِسْكَارِ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْحَدِّ (قَوْلُهُ: الْمَقِيسِ عَلَيْهِ) كَمَا هُوَ الْفَرْضُ بِالْفَاءِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْمَقِيسِ كَمَا هُوَ الْغَرَضُ بِالْغَيْنِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ عِلَّةٌ لَهَا) أَيْ لِجَعْلِهَا أَسْبَابًا وَشُرُوطًا وَمَوَانِعَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْجَامِعَ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا أَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ فِي السَّبَبِ إلَخْ) وَمِثَالُهُ فِي الشَّرْطِ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ الْجَلْدُ فِي الزِّنَا عُقُوبَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِسْلَامُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجْمِ وَمِثَالُ الْمَانِعِ قِيَاسُ مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِ الصَّيْدِ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ 1 - (قَوْلُهُ:) (بِالْإِيمَاءِ) أَيْ بِالْإِيمَاءِ بِالْحَاجِبِ وَنَحْوِهِ لَا بِالرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَعَلَيْهِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ عَلَى صَلَاةِ الْمُومِئِ بِرَأْسِهِ اهـ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَاسِ فِي أُصُولِ الْعِبَادَاتِ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ فِي نَفْسِهَا أَوْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْإِيمَاءِ فِي الْمِثَالِ وَفِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْمِثَالِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: وَدَفْعُ ذَلِكَ بِمَنْعِهِ ظَاهِرٌ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهَا بَلْ عَلَى عَدَمِ الِاطِّلَاعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُجُودِ فِي الْوَاقِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَمَنَعَ قَوْمٌ الْقِيَاسَ الْجُزْئِيَّ إلَخْ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَإِنَّمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْوَكِيلِ اهـ زَكَرِيَّا. وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُزْئِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ مَنْعَ الْقِيَاسِ الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ إفْرَادُهُ بِدَلِيلِ الْأَمْثِلَةِ لَا مِنْ حَيْثُ مَاهِيَّتُه الْكُلِّيَّةُ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ مَفْهُومُهُ الْجَوَازُ عِنْدَ الْوُرُودِ، وَقَدْ يُشْكِلُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ الْأَصْلِ شَامِلًا لِلْفَرْعِ اهـ. وَأَقُولُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ

لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَعَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ خِلَافٌ قَوِيٌّ حَتَّى نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْأَكْثَرِ جَوَازَ الْقِيَاسِ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّهُ الْمَحَلُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُجَوِّزِي الْقِيَاسِ وَعِنْدَ التَّقْيِيدِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ خُصُوصًا وَالْمَسْأَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ابْنِ الْوَكِيلِ وَهَذَا الْقَيْدُ فِي كَلَامِهِ وَلَعَلَّهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَنَقْلُ مَا قَالَهُ بِتَمَامِهِ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: كَضَمَانِ الدَّرْكِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَأَنْ يُقَاسَ عَلَى ضَمَانِ الْوَاجِبِ فِي الْجَوَازِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهَا وَوَجْهُ الْمَنْعِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَأَيْضًا فَيَكُونُ الْقِيَاسُ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْتَضِي مَنْعَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ مُطَابِقٌ وَلَا حَاجَةَ إلَّا مَا تَكَلَّفَهُ الشَّارِحُ، وَتَعْلِيلُ الْمَتْنِ بِهَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيهِ كَوْنُ مُقْتَضَى الْأُولَى الْجَوَازَ وَالثَّانِيَةِ الْمَنْعَ اهـ. وَأَقُولُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ عَلَى الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ الْمِثَالَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّرَهُ حَتَّى لَزِمَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْوَكِيلِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ ذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. مِنْ سم. (قَوْلُهُ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي إلَخْ) أَيْ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَجِبْ يَقْتَضِي مَنْعَ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ اشْتِرَاطَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ) هَذَا عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَكُونُ فِيمَا لَمْ يَجِبْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ) هُوَ الْقَاضِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ تَرْجَمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي الطَّبَقَاتِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ يُقَالُ لَهُ الْبَازُ الْأَشْهَبُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِشِيرَازَ وَكَانَ يُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ حَتَّى عَلَى الْمُزَنِيّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالشَّافِعِيِّ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْمُزَنِيِّ يَقُولُ رَبِّ هَذَا قَدْ أَفْسَدَ عُلُومِي فَأَقُولُ أَنَا مَهْلًا بِأَبِي إبْرَاهِيمَ فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ فِي إصْلَاحِ مَا أَفْسَدَهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أُرِيت الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لِي هَذَا رَبُّك تَعَالَى يُخَاطِبُك قَالَ فَسَمِعْت الْخِطَابَ بِمَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ قَالَ فَقِيلَ بِمَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ قَالَ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ يُرَادُ مِنِّي زِيَادَةٌ فِي الْجَوَابِ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ غَيْرَ أَنَّا أَصَبْنَا مِنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ فَقَالَ أَمَا إنِّي سَأَغْفِرُ لَك وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ لَنَا ابْنُ سُرَيْجٍ يَوْمًا أَحْسِبُ أَنَّ الْمَنِيَّةَ قَدْ قَرُبَتْ فَقُلْنَا وَكَيْفَ قَالَ رَأَيْت الْبَارِحَةَ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَالنَّاسَ قَدْ حُشِرُوا وَكَأَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي بِمَ أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ فَقَالَ مَا سَأَلْتُمْ عَنْ الْأَقْوَالِ بَلْ سَأَلْتُمْ عَنْ الْأَفْعَالِ فَقُلْت أَمَّا الْكَبَائِرُ فَقَدْ اجْتَنَبْنَاهَا. وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَعَوَّلْنَا فِيهَا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَقُلْنَا لَهُ مَا فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي سُرْعَةَ الْمَوْتِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] قَالَ فَمَاتَ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ قِيلَ إنَّ مُصَنَّفَاتِهِ بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَكَانَ يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ مُنَاظَرَاتٌ قَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ يَوْمًا أَبْلِعْنِي رِيقِي فَقَالَ أَبْلَعْتُك دِجْلَةَ، وَقَالَ مَرَّةً أَمْهِلْنِي السَّاعَةَ فَقَالَ أَمْهَلْتُك مِنْ السَّاعَةِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَتَنَاظَرَا مَرَّةً فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد تُبَاعُ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً تُبَاعُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَزُولُ بِوِلَادَتِهَا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا لَا تُبَاعُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا تُبَاعُ إذَا انْفَصَلَ الْحَمْلُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَبُهِتَ ابْنُ دَاوُد وَقَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَرَّةً فِي أَثْنَاءِ الْمُنَاظَرَةِ أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِكِتَابِ الزَّهْرَةِ أَمْهَرُ مِنْك فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَوَ بِكِتَابِ الزَّهْرَةِ تُعَيِّرُنِي وَاَللَّهِ مَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءَتَهُ قِرَاءَةَ مَنْ يَفْهَمُ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَجَلِّ الْمَنَاقِبِ إذْ كُنْت أَقُولُ فِيهِ: أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ الْمَحَاسِنِ مُقْلَتِي ... وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجِمِ خَاطِرِي ... فَلَوْلَا اخْتِلَاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا رَأَيْت الْهَوَى دَعْوَى مِنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... فَمَا أَنْ أَرَى حَيًّا صَحِيحًا مُسْلِمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَوَعَلَيَّ تَفْتَخِرُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَأَنَا الَّذِي أَقُولُ: وَمُسَاهِرٌ بِالْغُنْجِ مِنْ لَحَظَاتِهِ ... قَدْ بِتّ أَمْنَعُهُ لَذِيذَ سِنَاتِهِ أَصْبُو لِحُسْنِ حَدِيثِهِ وَعِتَابِهِ ... وَأُكَرِّرُ اللَّحَظَاتِ مِنْ وَجْنَاتِهِ حَتَّى إذَا مَا الصُّبْحُ لَاحَ عَمُودُهُ ... وَلَّى بِخَاتَمِ رَبِّهِ وَبَرَاتِهِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد لِأَبِي عُمَرَ وَكَانَ حَاضِرًا بِمَجْلِسِ الْوَزِيرِ وَقْتَ الْمُنَاظَرَةِ أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ قَدْ أَقَرَّ بِالْمَبِيتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِمَّا يُوجِبُهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ مَذْهَبِي أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا أَقَرَّ إقْرَارًا وَنَاطَهُ بِصِفَةٍ كَانَ إقْرَارُهُ مَوْكُولًا إلَى صِفَتِهِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْته اخْتِيَارِيٌّ السَّاعَةَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْوَزِيرُ مُنْحَرِفًا عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ لِفَضْلِ تَرَفُّعِهِ وَتَقَاعُدِهِ عَنْ زِيَارَتِهِ مَائِلًا إلَى أَبِي بَكْرٍ الْمَالِكِيِّ الْقَاضِي لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَى خِدْمَتِهِ وَلِذَلِكَ قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ وَكَانَ أَبُو عُمَرَ مُتَرَفِّعًا عَلَى أَكْفَائِهِ مِنْ فُقَهَاءِ بَغْدَادَ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ فَحَمَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَتَبُّعِ فَتَاوِيهِ حَتَّى ظَفِرُوا لَهُ بِفَتْوًى خَالَفَ فِيهَا الْجَمَاعَةَ وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَأَنْهَوْا ذَلِكَ إلَى الْخَلِيفَةِ وَالْوَزِيرِ فَعَقَدُوا مَجْلِسًا لِذَلِكَ وَفِيمَنْ حَضَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى السُّكُوتِ فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَا أَكَادُ أَقُولُ فِيهِمْ، وَقَدْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ وَأَعْيَاهُ الِانْفِصَالُ عَمَّا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ قَوْلُ عِدَّةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَعْجَبُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ قَوْلُ إمَامِهِ مَالِكٍ وَهُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ فَأَمَرَ الْوَزِيرُ بِإِحْضَارِ ذَلِكَ الْكِتَابِ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ فَأُعْجِبَ بِهِ غَايَةَ الْإِعْجَابِ وَتَعَجَّبَ مِنْ حِفْظِهِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَغَفْلَةِ أَبِي عُمَرَ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَسَارَ هَذَا مِنْ أَوْكَدِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَزِيرِ اهـ. أَقُولُ مَنْ تَأَمَّلَ مَا سَطَّرْنَاهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّصَدِّي لِتَرَاجُمِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رُسُوخِ قِدَمِهِمْ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ لَهُمْ اطِّلَاعٌ عَظِيمٌ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَإِحَاطَةٌ تَامَّةٌ بِكُلِّيَّاتِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا حَتَّى فِي كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ فِي الْعَقَائِدِ وَالْفُرُوعِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي كُتُبِهِمْ وَالتَّصَدِّي لِدَفْعِ شُبَهِهِمْ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَجَاوُزُهُمْ إلَى النَّظَرِ فِي كُتُبِ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنِّي وَقَفْت عَلَى مُؤَلَّفٍ لِلْقَرَافِيِّ رَدَّ فِيهِ عَلَى الْيَهُودِ شُبَهًا أَوْرَدُوهَا عَلَى الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَمْ يَأْتِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِنُصُوصِ التَّوْرَاةِ وَبَقِيَّةِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ حَتَّى يَظُنَّ النَّاظِرُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ مَا أَخَلُّوا فِي تَثْقِيفِ أَلْسِنَتِهِمْ وَتَرْقِيقِ طِبَاعِهِمْ مِنْ رَقَائِقِ الْأَشْعَارِ وَلَطَائِفِ الْمُحَاضَرَاتِ وَمَنْ نَظَرِ مَا دَارَ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَيْنَ عَصْرِيِّهِ الْأَدِيبِ الصَّلَاحِ الصَّفَدِيِّ مِنْ الْمُرَاسَلَاتِ الْبَلِيغَةِ وَالْأَشْعَارِ الرَّقِيقَةِ عَلِمَ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّنْ يَخْضَعُ لَهُ رِقَابُ الْبُلَغَاءِ وَتَجْرِي فِي مِضْمَارِهِ سَوَابِقُ الْأُدَبَاءِ وَكَذَا مَا دَارَ بَيْنَ سُلْطَانِ الْمُحَدِّثِينَ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ وَمَنْ عَاصَرَهُ مِنْ فُحُولِ الْأُدَبَاءِ مِنْ لَطَائِفِ الْأَشْعَارِ وَالنِّكَاتِ الْأَدَبِيَّةِ، وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الدَّمَامِينِيُّ بَلْ وَبَيْنَ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ وَالسَّخَاوِيِّ مِنْ الْمُنَاقَضَاتِ وَمَا أَلَّفَهُ مِنْ الْمَقَامَاتِ وَفِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ الْحَالُ فِي زَمَنٍ وَقَعْنَا فِيهِ عُلِمَ أَنَّ نِسْبَتَنَا إلَيْهِمْ كَنِسْبَةِ عَامَّةِ زَمَانِهِمْ فَإِنَّ قُصَارَى أَمْرِنَا النَّقْلُ عَنْهُمْ بِدُونِ أَنْ نَخْتَرِعَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، وَلَيْتَنَا وَصَلْنَا إلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ بَلْ اقْتَصَرْنَا عَلَى النَّظَرِ فِي كُتُبٍ مَحْصُورَةٍ أَلَّفَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُسْتَمِدُّونَ مِنْ كَلَامِهِمْ نُكَرِّرُهَا طُولَ الْعُمُرِ وَلَا تَطْمَحُ نُفُوسُنَا إلَى النَّظَرِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى كَانَ الْعِلْمُ انْحَصَرَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ عَلَيْنَا سُؤَالٌ مِنْ غَوَامِضِ عِلْمِ الْكَلَامِ تَخَلَّصْنَا عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا كَلَامُ الْفَلَاسِفَةِ وَلَا نَنْظُرُ فِيهِ أَوْ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ قُلْنَا لَمْ نَرَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَلَا أَصْلَ لَهَا أَوْ نُكْتَةٌ أَدَبِيَّةٌ قُلْنَا هَذَا مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ وَهَكَذَا فَصَارَ الْعُذْرُ أَقْبَحُ مِنْ الذَّنْبِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَّا فِي مَجْلِسٍ فَالْمُخَاطَبَاتُ مُخَاطَبَاتُ الْعَامَّةِ وَالْحَدِيثُ حَدِيثُهُمْ فَإِذَا جَرَى فِي الْمَجْلِسِ نُكْتَةٌ أَدَبِيَّةٌ رُبَّمَا لَا نَتَفَطَّنُ لَهَا، وَإِنْ تَفَطَّنَّا لَهَا بَالَغْنَا فِي إنْكَارِهَا وَالْإِغْمَاضِ عَنْ قَائِلِهَا إنْ كَانَ مُسَاوِيًا وَإِيذَائِهِ بِشَنَاعَةِ الْقَوْلِ إنْ كَانَ أَدْنَى وَنَسَبْنَاهُ إلَى عَدَمِ الْحِشْمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ غَامِضَةٌ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ تَقُومُ الْقِيَامَةُ وَتَكْثُرُ الْمَقَالَةُ وَيَتَكَدَّرُ الْمَجْلِسُ وَتَمْتَلِئُ الْقُلُوبُ بِالشَّحْنَاءِ وَتُغْمِضُ الْعُيُونُ عَلَى الْقَذْي فَالْمَرْمُوقُ

لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمُعَامَلَةِ الْغُرَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرُّجُوعِ حَيْثُ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا وَالْمِثَالُ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ فِيهِ إلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُهُ الْحَاجِيَّ بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى خِلَافِهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ابْنِ الْوَكِيلِ، وَقَدْ قَالَ قَاعِدَةُ الْقِيَاسِ الْجُزْئِيِّ إذَا لَمْ يَرِدْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ عَلَى وَفْقِهِ مَعَ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي زَمَانِهِ أَوْ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى خِلَافِهِ هَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْقِيَاسِ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَذَكَرَ لَهُ صُوَرًا مِنْهَا ضَمَانُ الدَّرْكِ ذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مِثَالٌ لِلشِّقِّ الثَّانِي مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْهَا وَهُوَ مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ صَلَاةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَغُسِّلُوا وَكُفِّنُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. الْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَهَا وَعَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ لِذَلِكَ لِنَفْعِ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرِدْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ لِذَلِكَ وَوَجْهُ مَنْعِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْءِ الْأَوَّلِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَفِي الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَظَرِ الْعَامَّةِ الْمَوْسُومِ بِمَا يُسَمَّى الْعِلْمَ إمَّا أَنْ يَتَسَتَّرَ بِالسُّكُوتِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الشَّيْخَ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ يَهْذُو بِمَا تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ وَتَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ وَقَالُوا سَكِرْنَا بِحُبِّ الْإِلَهِ وَمَا أَسْكَرَ الْقَوْمَ إلَّا الْقَطْعُ فَحَالُنَا الْآنَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَجْلِسِ وَعْظِهِ بِبَغْدَادَ مَا فِي الدِّيَارِ أَخُو وَجْدٍ نُطَارِحُهُ حَدِيثَ نَجْدٍ وَلَا خِلٌّ نُجَارِيهِ وَهَذِهِ نَفْثَةُ مَصْدُورٍ فَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَاللُّطْفَ. (قَوْلُهُ: لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) فِيهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عُمُومَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَضْمَنَهُ لَهُ أَحَدٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِمُعَامَلَةِ الْغُرَبَاءِ فَإِنَّهَا لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) نَعْتٌ لِقَبْضِ وَقَوْلُهُ حَيْثُ يَخْرُجُ ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ فَهُوَ سَبَبٌ مُقَيَّدٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَخْ) أَيْ وَالْمُمَثِّلُ لَهُ مَا اقْتَضَتْ الْحَاجَةُ فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ. 1 - (فَائِدَةٌ) يُشْبِهُ هَذَا التَّعْلِيلُ قَاعِدَةً ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهِيَ أَنَّ دَاعِيَةَ الطَّبْعِ تُجْزِي عَنْ تَكْلِيفِ الشَّرْعِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ مُغْنٍ عَنْ الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ قَالَ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَالُ عَلَى طَبْعِهِ مَا لَمْ يَقُمْ مَانِعٌ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُرَتِّبْ الشَّارِعُ عَلَى شُرْبِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَأَكْلِ الْعُذْرَةِ وَالْمَنِيِّ حَدًّا اكْتِفَاءً بِنَفْرَةِ الطِّبَاعِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لِقِيَامِ بَوَاعِثِهَا فَلَوْلَا الْحَدُّ لَعَمَّتْ مَفَاسِدُهَا قَالَ وَفِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ مِنْهَا لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَشَذَّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْوَطْأَةِ الْأُولَى لِتَقْرِيرِ الْمَهْرِ، وَمِنْهَا إقْرَارُ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَرْدَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ فِيمَا يَضُرُّ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ أَوْ عِرْضَهُ، وَمِنْهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ عَلَى وَجْهٍ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ رَادِعٌ عَنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَمَا يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، وَمِنْهَا أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْوَجْهِ النَّظَرُ إلَى بَقَاءِ النَّسْلِ وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَقَالَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الشَّهْوَةِ مَا يَبْعَثُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِهِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَالُ عَلَى طَبْعِهِ مَا لَمْ يَقُمْ مَانِعٌ، ثُمَّ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِ أَهْلِ قُطْرٍ رَغِبُوا عَنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا اهـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى خِلَافِهِ) أَيْ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ ثُبُوتًا وَنَفْيًا قَالَ الْكَمَالُ وَيَرِدُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّمْثِيلُ أَيْضًا بِضَمَانِ الدَّرْكِ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ مَنْعُ الْقِيَاسِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّتُهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَنْعُ الْقِيَاسِ فِيهِ مَرْجُوحًا (قَوْلُهُ: فِي زَمَانِهِ) أَيْ زَمَنَ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَاجَةُ الْمُصَاحِبَةُ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: هَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْقِيَاسِ) إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ) أَيْ ابْنُ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ: لِلشِّقِّ الثَّانِي) أَيْ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَكَفَّنُوا) لَيْسَ قَيْدًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْفُرُوعِ فَهُوَ قَيْدٌ لِوُقُوعِهَا كَامِلَةً إذْ الصَّلَاةُ بِلَا تَكْفِينٍ مَكْرُوهَةٌ قَالَهُ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: فِي الْقِيَاسِ) يَقْتَضِي جَوَازَهَا قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ) فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ

مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْحَاجَةِ لَهُ وَالْمُجِيزُ فِي الْأَوَّلِ قَالَ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ آخَرَ وَفِي الثَّانِي قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى عُمُومِ الْحَاجَةِ (وَ) مَنَعَ (آخَرُونَ) الْقِيَاسِ (فِي الْعَقْلِيَّاتِ) قَالُوا لِاسْتِغْنَائِهَا عَنْهُ بِالْعَقْلِ وَمَنْ أَجَازَ قَالَ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ مِثَالُ ذَلِكَ قِيَاسُ الْبَارِئِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ فِي أَنَّهُ يَرَى بِجَامِعِ الْوُجُودِ إذْ هُوَ عِلَّةُ الرُّؤْيَةِ (وَ) مَنَعَهُ (آخَرُونَ فِي النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ) أَيْ بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِأَنْ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ الْمُجْتَهِدُ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ يُشْبِهُ ذَلِكَ لَا حُكْمَ فِيهِ قِيلَ لَا يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْقِيَاسِ بِالنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، وَقِيلَ يُقَاسُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ (وَتَقَدَّمَ قِيَاسُ اللُّغَةِ) فِي مَبْحَثِهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَاكَ أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِ مُعْظَمِهِمْ لَهُ هُنَا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُ أَغْفَلَهُ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّ الْقِيَاسَ (حُجَّةٌ) لِعَمَلِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِهِ مُتَكَرِّرًا شَائِعًا مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَامَّةَ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ مَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَعَدَمُ التَّضْيِيقِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ» . وَحَدِيثِ أَحْمَدَ «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بِنَاءِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ وَالتَّوْسِيعِ الْمُنَافِي لِلتَّضْيِيقِ (قَوْلُهُ: مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْحَاجَةِ) لَهُ مُتَعَلِّقُ الْحَاجَةِ مَحْذُوفٌ أَيْ عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَارَضَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُجِيزُ) أَيْ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ قَالَ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ أَيْ كَالْقِيَاسِ إلَى آخَرَ كَعُمُومِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى عُمُومِ الْحَاجَةِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَدِّمُ لَهُ قَائِلًا بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ الدَّرْكِ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَأَنْ يَكُونَ قَائِلًا بِصِحَّتِهِ مُسْتَثْنِيًا لَهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ كَأَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مِثَالُ ذَلِكَ قِيَاسُ الْبَارِئِ إلَخْ) هَذَا الْقِيَاسُ يُسَمَّى عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ وَالْمَطْلُوبُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهِ فِيهَا الْيَقِينُ مَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْغَائِبِ إسَاءَةُ أَدَبٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ظَاهِرًا أَيْ الْغَائِبُ عَنْ الْعُيُونِ فِي دَارِ الدُّنْيَا إلَّا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ كَمَّلَ الرُّسُلَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ شَرْطَ الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُشْتَرَكًا وَالْوُجُودُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ عَيْنُ الْمَوْجُودِ (قَوْلُهُ: وَفِي النَّفْيِ الْأَصْلُ) أَيْ فِي صَاحِبِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّا لَا نَقِيسُ نَفْيًا عَلَى نَفْيٍ بَلْ نَقِيسُ شَيْئًا لَمْ نَجِدْ فِيهِ حُكْمًا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَهُوَ اسْتِمْرَارُ النَّفْيِ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ لِعَدَمِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَيُسْتَصْحَبُ النَّفْيُ عَلَى مَا كَانَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ فِيهِ) أَيْ فِي الشَّيْءِ وَقَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ أَيْ مُدْرَكِ الْحُكْمِ فِيهِ أَيْ مَكَانَ إدْرَاكِهِ وَهُوَ الدَّلِيلُ (قَوْلُهُ: يُشْبِهُ ذَلِكَ) أَيْ يُشْبِهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي لَا حُكْمَ فِيهِ قَالَ الْكَمَالُ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا بَحَثَ عَنْ حُكْمٍ وَافَقَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ اكْتَفَى فِيهَا بِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْعَقْلِ لِانْتِفَاءِ الْأَحْكَامِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ فَإِذَا وُجِدَ صُورَةٌ تُشْبِهُ الَّتِي اكْتَفَى فِيهَا بِالِاسْتِصْحَابِ بَعْدَ بَحْثِهِ عَنْ حُكْمِهَا فَهَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهَا بِقِيَاسِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَوْ يُسْتَدَلُّ اكْتِفَاءً عَنْ الْقِيَاسِ بِالِاسْتِصْحَابِ؟ الْمَذْهَبَانِ الْمَحْكِيَّانِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا انْتَفَى الْحُكْمُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَانِعَ إلَخْ) قِيلَ عَلَيْهِ لَا مُرَجِّحَ لِجَعْلِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ وَجَعْلِ الْآخَرِ فَرْعًا عَنْهُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا انْتَفَى الْحُكْمُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ اهـ. وَجَوَابُهُ بِعِلْمٍ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ قِيَاسُ اللُّغَةِ إلَخْ) لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَضْعِ قَدْ لَا يُرَاعِي الْوَاضِعُ الْمَعْنَى كَوَضْعِ الْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَدْ يُرَاعِي الْمَعْنَى كَمَا فِي الْقَارُورَةِ وَالْخَمْرِ لَكِنْ رِعَايَةُ الْمَعْنَى إنَّمَا هِيَ لِأَوْلَوِيَّةِ الْوَضْعِ لَا لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَا تُطْلَقَ الْقَارُورَةُ عَلَى الدَّنِّ لِقَرَارِ الْمَاءِ فِيهِ فَرِعَايَةُ الْمَعْنَى لِأَوْلَوِيَّةِ وَضْعِ هَذَا اللَّفْظِ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الصَّحِيحَ مُقَابِلُ الْمَنْعَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يُقَالُ إنَّ مُقَابِلَ الْمَنْعِ الْجَوَازُ إذْ لَا مَعْنَى لِجَوَازِهِ إلَّا لِكَوْنِهِ حُجَّةً إذْ الْجَوَازُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُجِّيَّةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ أَوْ الْخِلَافُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَكَوْنُهُ حُجَّةً يَتَضَمَّنُ وُقُوعَهُ (قَوْلُهُ: لِعَمَلِ

الَّذِي هُوَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وِفَاقٌ عَادَةً وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] وَالِاعْتِبَارُ قِيَاسُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ (إلَّا فِي) الْأُمُورِ (الْعَادِيَّةِ وَالْخِلْقِيَّةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثِيرٍ إلَخْ) قَدَّمَهُ عَلَى الدَّلِيلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَ مِنْهُ دَلَالَةً، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ جَعَلَ الدَّلِيلَ عَلَى الْحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ وَهُوَ ظَنِّيٌّ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ ظَنِّيًّا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةُ الرِّضَا وَإِلَّا كَانَ قَطْعِيًّا، وَقَدْ وُجِدَتْ هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَعَ سُكُوتِ إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) أَيْ السُّكُوتُ وَقَوْلُهُ وِفَاقَ خَبَرُ هُوَ (قَوْلُهُ: فِي مِثْل ذَلِكَ) أَيْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْأُصُولِ بَيَانٌ لِمِثْلِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ قَدْ ثَبَتَ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَفَاصِيلُ ذَلِكَ آحَادًا وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ بِالتَّعْيِينِ، ثُمَّ قَالَ وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا كَانَ فِي الْبَعْضِ لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَوْ لِعَدَمِ شَرَائِطِ الْقِيَاسِ، وَشُيُوعُ الْأَقْيِسَةِ الْكَثِيرَةِ بِلَا إنْكَارٍ مَقْطُوعٌ بِهِ مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ بِهَا لِظُهُورِهَا لَا بِخُصُوصِيَّاتِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِعَمَلِ دَلِيلٍ ثَانٍ الْحُجِّيَّةُ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارُ إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ الِاسْتِدْلَالِ وَطَرِيقُ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ تَقُولَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارٌ وَالِاعْتِبَارُ مَأْمُورٌ بِهِ يَنْتُجُ الْقِيَاسُ مَأْمُورٌ بِهِ. بَيَانُ الصُّغْرَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ افْتِعَالٌ مِنْ الْعُبُورِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عُبُورَ الذِّهْنِيِّ مِنْ النَّظَرِ فِي حَالِ الْأَصْلِ إلَى حَالِ الْفَرْعِ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] الْآيَةَ وَيُرَادُ أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ تَامِّ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَنْتَجَ وُجُوبَ الْقِيَاسِ لَا حُجِّيَّتَهُ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُجِّيَّةَ لَازِمٌ لِلنَّتِيجَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى وُجُوبِ الْقِيَاسِ وُجُوبُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِمُشَارَكَتِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الْعِلَّةِ وَهَذَا مَعْنَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْعُبْرِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ مِنْ مَنْعِ الصُّغْرَى بِسَنَدِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَغَيْرُ مُوَجَّهٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمُقَدِّمَةِ بَعْدَ إثْبَاتِهَا وَمَا ذَكَرَهُ سَنَدًا غَيْرُ صَالِحٍ لِلسَّنْدِيَّةِ فَإِنَّ إطْلَاقَ الْمُعْتَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ شَائِعٌ بَيْنَهُمْ وَمِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَضْعُ مَعَالِمِ الْعِلْمِ عَلَى مَسَالِكِ الْمُعْتَبِرِينَ أَرَادَ بِالْمَعَالِمِ الْعِلَلَ وَبِالْمُعْتَبَرِينَ الْقَائِسِينَ نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ لَا يُرَادُ بِالِاعْتِبَارِ فِي الْآيَةِ الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الِاتِّعَاظُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} [النور: 44] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّعِيدُ مَنْ اعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ» إذْ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ لَا يُنَاسِبُ صَدْرَ الْآيَةِ لِرَكَاكَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ تَحَقُّقَ الرَّكَاكَةِ إذَا أُرِيدَ الصُّورَةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ بِعَيْنِهَا لَا تُرَادُ بَلْ الْمُرَادُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَالِاتِّعَاظِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْمُجَاوَزَةِ فَإِنَّ فِي الِاتِّعَاظِ مُجَاوَزَةً مِنْ حَالِ الْغَيْرِ إلَى حَالِ نَفْسِهِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ تَمَامِيَّتِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْجُزْئِيِّ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى خَاصٍّ بِعَيْنِهِ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اعْتَبِرُوا عَامٌّ إذْ لَا عُمُومَ فِي الْفِعْلِ بَلْ فِي الضَّمِيرِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَمَا وُجِّهَ بِهِ عُمُومُهُ بِأَنَّ مَعْنَى اعْتَبِرُوا افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى افْعَلُوا اعْتِبَارًا وَالتَّعْرِيفُ فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ زَائِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ يُجْعَلُ مِنْ قِبَلِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ كَافٍ مَمْنُوعٌ أَيْضًا إذْ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ بَعْدَ إفْرَادِهِ كَالِاتِّعَاظِ مَثَلًا فَلَا يَشْمَلُ الْقِيَاسَ عَلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِيَّةِ الْعُلُومِ تَكُونُ الدَّلَالَةُ ظَنِّيَّةً فَلَا يَصِحُّ دَلِيلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِتَسْلِيمِ أَنَّهَا عِلْمِيَّةٌ أَيْ اعْتِقَادِيَّةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْعَمَلَ كَفَى الظَّنُّ. مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إلَى الْيَمَنِ قَالَ: بِمَ تَحْكُمَانِ؟ قَالَا إذَا لَمْ نَجِدْ الْحُكْمَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَقِيسُ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ فَمَا كَانَ أَقْرَبَ نَعْمَلُ بِهِ فَصَوَّبَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُجَّةِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْعَادِيَّةِ وَالْخِلْقِيَّةِ) قَدْ يُقَالُ يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ لِشُمُولِهِ لَهُ وَيُرَدُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ إذْ الْعَادِيَّةُ وَالْخِلْقِيَّةُ غَيْرُ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَوْ سُلِّمَ شُمُولُهُ لَهُ بِتَأْوِيلِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَحْكَامِ النَّسَبُ التَّامَّةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ الْعَادَةِ فَذِكْرُهُ مَعَهُ لِبَيَانِ الْمُقَابِلِ لَهُمَا الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ خِلَافًا لِلْمُعَمِّمِينَ، وَعَطْفُ

أَيْ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ وَالْخِلْقَةِ كَأَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهِ فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الصَّادِقِ وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْرَكُ (وَإِلَّا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ) فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلْقِيَّةِ عَلَى الْعَادِيَّةِ قِيلَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْأَوْجَهُ لَا لِتَغَايُرِهِمَا كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْعَادِي فِي نَحْوِ أَقَلِّ الْحَيْضِ كَمِّيَّةُ الْعَدَدِ وَهُوَ الْمُضَافُ وَالْخِلْقِيُّ فِيهِ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ أَقْصَى الرَّحِمِ خِلْقَةً وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا بِالْقِيَاسِ) أَيْ فَلَا يُقَاسُ مَثَلًا النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ فِي أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ أَكْثَرَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعَدَلَ إلَى ذَلِكَ وَإِلَى نَظِيرَيْهِ الْآتِيَيْنِ عَنْ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَكُونُ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِيهَا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إصْلَاحًا لِكَلَامِهِ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ لَا فِي عَدَمِ حُجِّيَّتِهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الصَّادِقِ) أَيْ الْمُخْبِرِ الصَّادِقِ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَهَذَا الْخَبَرُ هُوَ مُسْتَنَدُ الِاسْتِقْرَاءِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَكْثَرِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالصِّدْقِ الشَّارِعُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَرَّضَتْ لِبَعْضِ ذَلِكَ وَهَذَا أَقْرَبُ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ) أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا نَظَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُلَّ الْجَمِيعِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَشَيْءٍ يُقَاسُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَصْلٍ بِالنَّصِّ يُقَاسُ عَلَيْهِ

[القياس على منسوخ]

مَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ كَوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ بِمَعْنَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَحْكَامِ صَالِحٌ لَأَنْ يَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ بِأَنْ يُدْرَكَ مَعْنَاهُ. وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَهُ مَعْنًى يُدْرَكُ وَهُوَ إعَانَةُ الْجَانِي فِيمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ كَمَا يُعَانُ الْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِمَا يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ. (وَإِلَّا الْقِيَاسَ عَلَى مَنْسُوخٍ) فَلَا يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ اعْتِبَارِ الْجَامِعِ بِالنَّسْخِ وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لِحُكْمِ الْفَرْعِ الْكَمِينِ وَنَسْخُ الْأَصْلِ لَيْسَ نَسْخًا لِلْفَرْعِ (خِلَافًا لِلْمُعَمِّمِينَ) جَوَازَ الْقِيَاسِ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ (وَلَيْسَ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ) لِحُكْمٍ (وَلَوْ فِي) جَانِبِ التَّرْكِ (أَمْرًا بِالْقِيَاسِ) أَيْ لَيْسَ أَمْرًا بِهِ لَا فِي جَانِبِ الْفِعْلِ نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا لِعِلْمِهِ وَلَا فِي جَانِبِ التَّرْكِ نَحْوُ الْخَمْرُ حَرَامٌ لِإِسْكَارِهَا (خِلَافًا) (لِلْبَصْرِيِّ) أَبِي الْحُسَيْنِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ أَمَرَ بِهِ فِي الْجَانِبَيْنِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ الْعِلَّةِ إلَّا ذَاكَ حَتَّى لَوْ لَمْ يُرَدْ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ اُسْتُفِيدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ بَلْ الْفَائِدَةُ بَيَانُ مُدْرَكِ الْحُكْمِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ (وَثَالِثُهَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ (التَّفْصِيلُ) أَيْ أَنَّهُ أُمِرَ بِهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ دُونَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي التَّرْكِ الْمَفْسَدَةُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ انْعِدَامِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ) أَيْ لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فِي الْفَرْعِ، وَإِنْ أُدْرِكَ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: وَإِعَانَةُ الْجَانِي إلَخْ) وَخُصَّ ذَلِكَ بِالْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِمْ مُنَاصَرَةُ الْجَانِي وَالذَّبُّ عَنْهُ لِكَوْنِهِمْ عُصْبَةً فَكَانَ اعْتِبَارُهُمْ أَقْرَبَ قَالَ زَكَرِيَّا الْقَوْلُ الرَّاجِحُ أَنْ يَقُولَ هَذَا لَا يَكْفِي فِي إدْرَاكِ الْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى خُصُوصِ الْعَاقِلَةِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مَا اجْتَرَأَ عَلَى مَا فَعَلَ إلَّا اعْتِمَادًا عَلَيْهِمْ وَأَيْضًا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْصُرُونَ الْجَانِيَ وَيَذُبُّونَ عَنْهُ فَجَزَاهُمْ الشَّارِعُ بِتَحَمُّلِهِمْ (قَوْلُهُ: فِيمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ) أَيْ فِي قَتْلٍ أَيْ فِي بَدَلِهِ. [الْقِيَاسَ عَلَى مَنْسُوخٍ] (قَوْلُهُ: وَإِلَّا الْقِيَاسَ عَلَى مَنْسُوخٍ إلَخْ) هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي النُّسَخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ إلَخْ) قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يَخْلُو كَلَامُهُ عَنْ غُمُوضٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَكَأَنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إلَّا الْحُجِّيَّةُ وَعَدَمُهَا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ) فِيهِ نَظَرًا لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْأَحْكَامُ لِقِيَاسٍ وَلَا غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْكَمِينِ) أَيْ الْمُسْتَتِرِ (قَوْلُهُ: وَنَسْخُ الْأَصْلِ لَيْسَ نَسْخًا إلَخْ) لِأَنَّ الْفَرْعَ لَهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ وَهُوَ الْكَمِينُ (قَوْلُهُ: لِلْمُعَمِّمِينَ جَوَازَ الْقِيَاسِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لِلْمُعَمِّمِينَ حُجِّيَّةَ الْقِيَاسِ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُجِّيَّةِ لَكِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ النَّصُّ إلَخْ) مُرَادُهُ فِي هَذَا بَيَانُ دَلِيلٍ عَلَى حُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ غَيْرُ مَرَضِيٍّ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: فِي الْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ الْفِعْلِ وَجَانِبِ التَّرْكِ (قَوْلُهُ: إلَّا ذَلِكَ) أَيْ رَبْطَ الْحُكْمِ بِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا (قَوْلُهُ: لَوْ لَمْ يَرِدْ التَّعَبُّدُ إلَخْ) الْأَمْرُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] (قَوْلُهُ: اُسْتُفِيدَ) أَيْ الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ فِي صُورَةِ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْفَائِدَةُ بَيَانُ إلَخْ) هَذَا سَنَدٌ لِلْمَنْعِ فَاللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ الْجَوَازُ أَنْ يَكُونَ الْفَائِدَةُ إلَخْ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ النُّظَّارِ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ الْغَصْبُ وَهُوَ غَيْرُ مُوَجَّهٍ عِنْدَهُمْ إلَّا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَوَّزَهُ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ ذَكَرَ السَّنَدَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَتَمَامُ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْوَلَدِيَّةِ فِي عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ (قَوْلُهُ: يَحْصُلُ الْغَرَضُ) عَبَّرَ بِالْغَرَضِ لِكَوْنِهِ عَلَى

[أركان القياس]

بِالِامْتِنَاعِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا تَصْدُقُ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ وَالْعِلَّةُ فِي الْفِعْلِ الْمَصْلَحَةُ وَيَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ حُصُولِهَا بِفَرْدٍ. قُلْنَا قَوْلُهُ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا تَصْدُقُ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ مَمْنُوعٌ بَلْ يَكْفِي عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُعَلَّلُ. (وَأَرْكَانُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (أَرْبَعَةٌ) مَقِيسٌ عَلَيْهِ وَمَقِيسٌ وَمَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَحُكْمٌ لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ يَتَعَدَّى بِوَاسِطَةِ الْمُشْتَرَكِ إلَى الْمَقِيسِ وَلَمَّا كَانَ يُعَبَّرُ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ مِنْهَا بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي ضِمْنِ تَعَدِّيهَا فَقَالَ الْأَوَّلُ (الْأَصْلُ وَهُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهُ بِهِ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ الْمَحَلِّ أَيْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ دَلِيلُهُ) أَيْ دَلِيلُ الْحُكْمِ (وَقِيلَ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْفَرْعَ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ وَقِيلَ حُكْمُهُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّ دَلِيلَ الْحُكْمِ كَيْفَ وَدَلِيلُهُ الْقِيَاسُ فَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الثَّالِثِ وَكَذَا عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ تَفَرُّعُ الْحُكْمِ عَنْ الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِسَانِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ (قَوْلُهُ: بِالِامْتِنَاعِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ إلَخْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّرْكِ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ (قَوْلُهُ مِمَّا تَصْدُقُ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ) أَيْ تُوجَدُ فِيهِ وَهِيَ الْإِسْكَارُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ إسْكَارُ خَمْرٍ أَمْ إسْكَارُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُعَلَّلُ) أَيْ مُتَعَلِّقُ الْمُعَلَّلِ أَوْ مَحَلُّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُكْمُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَحَلُّ فَالْمُرَادُ الْمُعَلَّلُ مِنْ حَيْثُ حُكْمُهُ يَعْنِي فَلَا يَلْزَمُ الْقِيَاسُ. [أَرْكَانُ الْقِيَاسِ] [الرُّكْن الْأَوَّلُ الْأَصْلُ] (قَوْلُهُ: مَقِيسٌ عَلَيْهِ) لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا سَتَرَى (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَا هُمَا هَلْ هُمَا الْمَقِيسُ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُمَا كَحُكْمِ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَوْ الْأَصْلُ دَلِيلُ حُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ) فَفِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ (قَوْلُهُ: كَيْفَ وَدَلِيلُهُ الْقِيَاسُ) أَيْ فَيَلْزَمُ جَعْلُ الشَّيْءِ رُكْنًا فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ قَدْ جُعِلَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ، نَعَمْ إنْ لَمْ يُعَدَّ الْفَرْعُ رُكْنًا تَأَتَّى ذَلِكَ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ

صَحَّ تَفَرُّعُهُ عَلَى دَلِيلِهِ لِاسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي التَّسْمِيَةِ لَا تَخْرُجُ عَمَّا فِي اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْفَرْعَ مَا يَنْبَنِي عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيهَا أَقْرَبُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِكَوْنِ حُكْمِ الْفَرْعِ غَيْرَ حُكْمِ الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ كَانَ عَيْنُهُ بِالْحَقِيقَةِ صَحَّ تَفَرُّعُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي بِاعْتِبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَيْ الْفَرْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْ مِنْ أَقْوَالِ الْأَصْلِ وَهَذَا اقْتِصَارٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَنْسَبُ لِلتَّفْرِيعِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ بِالْأَوَّلِ هُنَا وَبِالثَّانِي فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: صَحَّ تَفَرُّعُهُ عَنْ دَلِيلٍ) لِأَنَّ فَرْعَ الْفَرْعِ فَرْعٌ (قَوْلُهُ: لِاسْتِنَادِ الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ فِي التَّسْمِيَةِ) أَيْ فِي مُتَعَلِّقِهَا (قَوْلُهُ: أَقْرَبُ) أَيْ لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِ حُكْمِ الْفَرْعِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى تَفَرُّعِ الْحُكْمِ عَنْ الْحُكْمِ ابْتِنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا وَتَقَدَّمَ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا فِي الْوُجُودِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ وَهُوَ وَصْفٌ وَاحِدٌ لَا تَكْثُرُ فِيهِ فَلَا يُوصَفُ بِالتَّأْخِيرِ لِقِدَمِهِ وَلَا بِالتَّغَيُّرِ لِوَحْدَتِهِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فِي ذَاتِهِ لِكَوْنِهِ صِفَةً وَاحِدَةً لَكِنَّهُ يَتَكَثَّرُ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَهِيَ الْمَحَالُّ فَفِي مَحَلٍّ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِالنَّصِّ وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ الْقِيَاسُ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ لِأَمَارَةٍ نَصَبَهَا الشَّارِعُ وَهِيَ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَهُمَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ غَيْرَ حُكْمِ الْفَرْعِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ يَعْنِي فَالتَّغْيِيرُ حَقِيقَتُهُ فِي الْمَحَلِّ لَا فِي الْحُكْمِ وَقَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا إلَخْ يَعْنِي فَالتَّفَرُّعُ حَقِيقَةٌ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ وَفِي عِلْمِ الْمُجْتَهِدِ بِالدَّلِيلِ لَا فِي الْحُكْمِ فَقَوْلُهُ عِلْمِ الْمُجْتَهِدِ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى مَا يَدُلُّ أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا وَبِاعْتِبَارِ عِلْمِ الْمُجْتَهَدِ بِهِ أَيْ بِمَا يَدُلُّ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَيْنُهُ بِالْحَقِيقَةِ) فَإِنَّ الْحُكْمَ خِطَابُ اللَّهِ وَهُوَ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ وَلَا تَفَرُّعَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحُدُوثَ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ لَنَا عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ فَلَا مَانِعَ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ وَالْفَرْعِ (قَوْلُهُ: مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا) وَهُوَ دَلِيلُ الْأَصْلِ وَهُوَ النَّصُّ وَدَلِيلُ الْفَرْعِ وَهُوَ الْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِ فَهْمِ الْمُجْتَهِدِ وَدُفِعَ بِهِ مَا يُقَالُ

وَعِلْمُ الْمُجْتَهِدِ بِهِ لِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ قَدِيمَةٌ وَلَا تَفَرُّعَ فِي الْقَدِيمِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْأَصْلِ الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ (دَالٌّ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ بِنَوْعِهِ أَوْ شَخْصِهِ وَلَا اتِّفَاقٌ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا) بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ زَاعِمِ اشْتِرَاطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَزَاعِمِ اشْتِرَاطِ الثَّانِي وَهُوَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ، فَعِنْدَ الْأَوَّلِ لَا يُقَاسُ فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ مَثَلًا إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهِ، وَعِنْدَ الثَّانِي لَا يُقَاسُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ بَلْ لَا بُدَّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُعَلَّلٌ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ كَذَا وَمَا اشْتَرَطَاهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاخْتِلَافُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ لَا يُصَحِّحُ التَّفَرُّعَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحُدُوثَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّفَرُّعَ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الْحُكْمِ بَلْ حَيْثُ دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ: وَعِلْمُ الْمُجْتَهِدِ بِهِ) أَيْ بِالدَّلِيلِ لَا الْحُكْمِ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ: عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ) أَيْ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّعْتُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُعَلَّلٌ (قَوْلُهُ: أَيْ زَاعِمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا عَلَى التَّوْزِيعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَعَمَ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (قَوْلُهُ: عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ نِسْبَةً إلَى بَيْعِ الْبُتُوتِ جَمْعُ بَتٍّ وَهِيَ الثِّيَابُ كَانَ يَبِيعُهَا بِالْبَصْرَةِ وَقِيلَ إلَى الْبَتِّ مَوْضِعٍ بِنَوَاحِي الْبَصْرَةِ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ فَقِيهُ الْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ نِسْبَةً إلَى مَرِّيسَةَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ وَهُوَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ كَانَ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَلَيْسَ هُوَ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا مِنْ مِصْرَ، وَإِنَّمَا كَانَ بِبَغْدَادَ قَالَ صَاحِبُ عُيُونِ التَّوَارِيخِ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمُعْتَزِلِيُّ قَالَ الْخَطِيبُ كَانَ أَبُوهُ يَهُودِيًّا وَسَمِعَ الْفِقْهَ مِنْ أَبِي يُوسُفَ اشْتَغَلَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَقَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ يَقُولُ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ زِنْدِيقٌ لَهُ أَقْوَالٌ شَنِيعَةٌ وَمَذَاهِبُ مُسْتَنْكَرَةٌ كَفَّرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَا، وَكَانَ إذَا دَعَا قَلَبَ يَدَهُ إلَى الْأَرْضِ وَجَعَلَ بَاطِنَهَا إلَيْهَا وَيَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ كَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ رُوِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِبَغْدَادَ فَمَرَّ بِهِمْ يَهُودِيٌّ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ احْذَرُوهُ لَا يَفْسُدْ عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ وَكِتَابَكُمْ كَمَا أَفْسَدَ عَلَيْنَا أَبُوهُ دِينَنَا وَكِتَابَنَا يَعْنِي التَّوْرَاةَ. قَالَ بَعْضُهُمْ رَأَيْت بِشْرًا شَيْخَنَا قَصِيرًا ذَمِيمًا قَبِيحَ الْمَنْظَرِ وَسِخَ الثِّيَابِ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالْيَهُودِ. قَالَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ دَخَلَ بِشْرٌ عَلَى الْمَأْمُونِ فَقَالَ إنَّ هَاهُنَا رَجُلًا قَدْ هَجَانَا فِيمَا أَحْدَثْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَعَاتَبَهُ فَقَالَ إنْ كَانَ شَاعِرًا لَمْ أَقْدَمْ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّهُ يَدَّعِي الشِّعْرَ وَلَيْسَ بِشَاعِرٍ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ حَتَّى أَخْتَبِرَهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ: قَدْ قَالَ مَأْمُونُنَا وَسَيِّدُنَا ... قَوْلًا لَهُ فِي الْكِتَابِ تَصْدِيقُ إنَّ عَلِيًّا يَعْنِي أَبَا حَسَنٍ ... أَفْضَلُ مِمَّا أَقَلَّتْ النُّوقُ بَعْدَ نَبِيِّ الْهُدَى وَإِنَّ لَنَا ... أَعْمَالُنَا وَالْقُرْآنُ مَخْلُوقُ فَكَتَبَ الْجَوَابَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ ... لِمَنْ يَقُولُ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقُ مَا قَالَ ذَاكَ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ ... وَلَا الرَّسُولُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ صِدِّيقُ وَلَمْ يَقُلْ ذَاكَ إلَّا مُبْتَدِعٌ ... عِنْدَ الْعِبَادِ وَعِنْدَ اللَّهِ زِنْدِيقُ وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ الزَّمِنِ قَالَ رَأَيْت إبْلِيسَ فِي الْمَنَامِ مُشَوَّهَ الْخَلْقِ وَهُوَ مُلَبَّسٌ بِالشَّعْرِ وَرَأْسُهُ إلَى أَسْفَلَ وَرِجْلَاهُ إلَى فَوْقُ وَفِي يَدَيْهِ عُيُونٌ مِثْلُ النَّارِ وَهُوَ يَقُولُ مَا مِنْ مَدِينَةٍ إلَّا وَلِي فِيهَا خَلِيفَةٌ قُلْت وَمَنْ خَلِيفَتُك بِالْعِرَاقِ قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ دَعَا النَّاسَ إلَى مَا عَجَزْت عَنْهُ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ

[الثاني من أركان القياس حكم الأصل]

(الثَّانِي) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (حُكْمُ الْأَصْلِ وَمِنْ شَرْطِهِ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ قِيلَ وَالْإِجْمَاعِ) إذْ لَوْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ كَانَ الْقِيَاسُ الثَّانِي عِنْدَ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ لَغْوًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقِيَاسِ الْفَرْعِ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِعَدَمِ اشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِيهِ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ قِيَاسُ الْغُسْلِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بِجَامِعِ الْعِبَادَةِ ثُمَّ قِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى الْغُسْلِ فِيمَا ذُكِرَ وَهُوَ لَغْوٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمِثَالُ الثَّانِي قِيَاسُ الرَّتْقِ وَهُوَ انْسِدَادُ مَحَلِّ الْجِمَاعِ عَلَى جَبِّ الذَّكَرِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِجَامِعِ فَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ، ثُمَّ قِيَاسُ الْجُذَامِ عَلَى الرَّتْقِ فِيمَا ذُكِرَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاسْتِمْتَاعِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْأَصْلِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ مُسْتَنَدُهُ النَّصُّ فَيُسْنَدُ الْقِيَاسُ إلَيْهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ عَنْ قِيَاسٍ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ كَوْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ حِينَئِذٍ عَنْ قِيَاسٍ مَانِعٌ فِي الْقِيَاسِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ. (وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَبَّدٍ فِيهِ بِالْقَطْعِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ مَا تُعُبِّدَ فِيهِ بِالْقَطْعِ إنَّمَا يُقَاسُ عَلَى مَحَلِّهِ مَا يُطْلَبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَيْ الْيَقِينُ كَالْعَقَائِدِ وَالْقِيَاسُ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ وَاعْتُرِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا) الْأَوْلَى عَلَى أَنَّهُ عِلَّتُهُ كَذَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ [الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ حُكْمُ الْأَصْلِ] (قَوْلُهُ: الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ) هَذَا رَابِعٌ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: حُكْمُ الْأَصْلِ) يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْأَصْلِ هُنَا مَحَلُّ الْحُكْمِ أَوْ دَلِيلُ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمُ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهِ إلَخْ) جَعْلُهُ شَرْطًا يَقْتَضِي فَسَادَ الْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ فَسَادٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُسَلَّمٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ (قَوْلُهُ: الْفَرْعُ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ الثَّانِي وَكَذَا مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اشْتِرَاكِ إلَخْ) فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا مُخْتَلِفَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى الْغُسْلِ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بِجَامِعِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِغْنَاءِ إلَخْ) لِأَنَّ الْجَامِعَ مُتَّحِدٌ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الثَّانِي قِيَاسُ الرَّتْقِ) فِيهِ تَسَامُحٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْجَبِّ وَالرَّتْقِ سَبَبٌ لِلْفَسْخِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ إذْ مَحَلُّ الْحُكْمِ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ كَفَسْخِ النِّكَاحِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَظَائِرَهُ (قَوْلُهُ: فِي فَسْخِ النِّكَاحِ) أَيْ فِي جَوَازِ فَسْخِ النِّكَاحِ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ حُكْمًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَوَاتَ الِاسْتِمْتَاعِ) غَيْرُ مَوْجُودٍ فَإِنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَنْ بِهِ الْجُذَامُ مُمْكِنٌ، فَإِنْ أَرَادَ فَوَاتَ تَمَامِهِ فَكَذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ فَوَاتُ أَصْلِ الِاسْتِمْتَاعِ لِإِتْمَامِهِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي التَّوَرُّكِ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ: وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: مُسْتَنَدُهُ النَّصُّ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَعَلَى هَذَا فَيُعْلَمُ بِمَعْنَى يُعْرَفُ لِعَدَمِ وُجُودِ مَفْعُولَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ يُعْلَمُ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ إلَخْ بِزِيَادَةِ أَنَّ فَالنَّصُّ خَبَرُهَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَيْ نَعَمْ هُنَاكَ دَلِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ قِيَاسٍ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ تَحَقَّقَ هَذَا الِاحْتِمَالُ (قَوْلُهُ: عَنْ قِيَاسٍ مَانِعٍ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ وُجُودِ شَرْطٍ لَا إلَى وُجُودِ مَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ عَنْ قِيَاسٍ وَالْأَصْلُ هَذَا الِاحْتِمَالُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ) لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَانِعِ لَا يُؤَثِّرُ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَبِّدٍ فِيهِ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ مِنْ جَوَازِهِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَ. أَقُولُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْعَقْلِيَّاتِ أَعَمُّ مِنْ الْقَطْعِيَّاتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَمُجَرَّدُ جَوَازِهِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ لَا يُنَافِي هَذَا الِاشْتِرَاكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الَّذِي أَوْرَدَهُ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُوَافِقَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَالْغَرَضُ مَنْعُ التَّعَارُضِ فِي كَلَامِهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ إلَخْ) اُعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الِاحْتِجَاجُ بِهِ إلَّا مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ جَرَيَانِهِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ كَالْغَزَالِيِّ بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ بِجَرَيَانِهِ فِيهَا كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا الْيَقِينُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ فَلَا يَتَأَتَّى الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ

بِأَنَّهُ يُفِيدُهُ إذَا عُلِمَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَمَا هُوَ الْعِلَّةُ فِيهِ وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ. (وَ) كَوْنُهُ (شَرْعِيًّا إنْ اسْتَلْحَقَ) حُكْمًا (شَرْعِيًّا) بِأَنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إثْبَاتُهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ بِأَنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إثْبَاتُهُ غَيْرَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاللُّغَوِيَّاتِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ وَلَا بُدَّ فَإِنَّ غَيْرَ الشَّرْعِيِّ لَا يَسْتَلْحِقُهُ إلَّا غَيْرُ الشَّرْعِيِّ كَمَا أَنَّ الشَّرْعِيَّ لَا يَسْتَلْحِقُهُ إلَّا شَرْعِيٌّ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الشَّرْطَ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاللُّغَوِيَّاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ زَادَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ لِيَبْقَى عَلَى شَرْطِيَّتِهِ مَعَ جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهِمَا الْمُرَجَّحِ عِنْدَهُ. (وَ) كَوْنُهُ (غَيْرَ فَرْعٍ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْوَسَطِ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ فَرْعًا. (فَائِدَةٌ) : فَإِنْ ظَهَرَتْ جَازَ كَوْنُهُ فَرْعًا (وَقِيلَ) يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ (مُطْلَقًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَقِينَ. اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يُفِيدُ إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي قِيَاسِ ثُبُوتِ الْإِدْرَاكِ لَهُ تَعَالَى عَلَى ثُبُوتِ الْعِلْمِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا صِفَةُ كَمَالٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ كَمَالًا فِي الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا فِي الْغَائِبِ (قَوْلُهُ: وَوُجُودُهَا) عَطْفٌ عَلَى " حُكْمُ " وَالضَّمِيرُ لِلْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعَقْلِيَّاتِ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ شَرْعِيَّةً وَلِذَا مَثَّلَ الْعَقْلِيَّةَ فِيمَا تَقَدَّمَ بِجَوَازِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ إلَخْ) أَيْ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ شَرْعِيًّا وَغَيْرَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَغَيْرُهُ إنْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَهُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ لِأَنَّ غَيْرَ الشَّرْعِيِّ لَا يَخُصُّنَا وَاعْتِنَاءً بِالشَّرْعِيِّ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ قِيَاسِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْعَقْلِيِّ خُصُوصًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ التَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ عَقْلِيَّانِ (قَوْلُهُ: هَذَا الشَّرْطُ) أَيْ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِقَوْلِهِ إنْ اسْتَلْحَقَ إلَخْ بِنَاءً وَهَذَا هُوَ مَحَطُّ الْبِنَاءِ فَكَانَ يَنْبَغِي زِيَادَتُهُ لِلشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: زَادَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْقَيْدَ) أَيْ فِي الشَّرْطِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي غَيْرِ الشَّرْعِيَّاتِ (قَوْلُهُ: لَا يَبْقَى عَلَى شَرْطِيَّتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ شَرْعِيًّا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْإِضَافَةُ إذْ هُوَ عِنْدَ الْآمِدِيِّ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ شَرْعِيًّا (قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ فِي اللُّغَوِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ (قَوْلُهُ: الْمُرَجَّحُ) أَيْ الْجَوَازُ (قَوْلُهُ: لِلْوَسَطِ) أَيْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ فَرْعًا وَلِذَلِكَ أَظْهَرَ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فَالْوَسَطُ هُوَ مَا بَيْنَ التُّفَّاحِ وَالْبُرِّ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ كَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْأُرْزِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِيَظْهَرُ تَوْضِيحٌ لِمَعْنَى كَوْنِهِ وَسَطًا فَالْوَسَطِيَّةُ

وَإِلَّا فَالْعِلَّةُ فِي الْقِيَاسَيْنِ إنْ اتَّحَدَتْ كَانَ الثَّانِي لَغْوًا أَوْ اخْتَلَفَتْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ مُنْعَقِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَدَفَعَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَظْهَرُ لِلْوَسَطِ الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ فِي الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِي مَثَلًا. فَائِدَةٌ: كَمَا يُقَالُ: التُّفَّاحُ رِبَوِيٌّ قِيَاسًا عَلَى الزَّبِيبِ بِجَامِعِ الطَّعْمِ، وَالزَّبِيبُ رِبَوِيٌّ قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ بِجَامِعِ الطَّعْمِ مَعَ الْكَيْلِ، وَالتَّمْرُ رِبَوِيٌّ قِيَاسًا عَلَى الْأُرْزِ بِجَامِعِ الطَّعْمِ وَالْكَيْلِ مَعَ الْقُوتِ، وَالْأُرْزُ رِبَوِيٌّ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ وَالْكَيْلِ وَالْقُوتِ الْغَالِبِ، ثُمَّ يَسْقُطُ الْكَيْلُ وَالْقُوتُ عَنْ الِاعْتِبَارِ بِطَرِيقَةٍ فَيَثْبُتُ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَحْدُهُ وَأَنَّ التُّفَّاحَ رِبَوِيٌّ كَالْبُرِّ وَلَوْ قِيسَ ابْتِدَاءً عَلَيْهِ بِجَامِعِ الطَّعْمِ لَمْ يَسْلَمْ مِمَّنْ يَمْنَعُ عِلِّيَّتَهُ فَقَدْ ظَهَرَ لِلْوَسَطِ بِالتَّدْرِيجِ فَائِدَةٌ وَهِيَ السَّلَامَةُ مِنْ مَنْعِ عِلِّيَّةِ الطَّعْمِ فِيمَا ذُكِرَ فَتَكُونُ تِلْكَ الْقِيَاسَاتُ صَحِيحَةً بِخِلَافِ مَا قِيسَ التُّفَّاحُ عَلَى السَّفَرْجَلِ وَالسَّفَرْجَلُ عَلَى الْبِطِّيخِ وَالْبِطِّيخُ عَلَى الْقِثَّاءِ وَالْقِثَّاءُ عَلَى الْبُرِّ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْوَسَطِ فِيهَا؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ مَا عَدَا الْبُرَّ إلَيْهِ بِالطَّعْمِ دُونَ الْكَيْلِ وَالْقُوتِ نَعَمْ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ هُنَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ وَمِنْ شَرْطِهِ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ تَكْرَارٌ. وَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَبْنِيَّةٌ عَلَى تَقْرِيرِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ بِنَاءِ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ غَيْرَ فَرْعٍ بَلْ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ فَرْعًا (قَوْلُهُ: كَانَ الثَّانِي لَغْوًا) لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: وَدَفَعَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَخِيرُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَسَمَّاهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ أَوَّلًا وَهُوَ قِيَاسُ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ طَرِيقَ التَّرَقِّي فِي الْعِلَّةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التُّفَّاحِ وَمَا بَعْدَهُ يَزِيدُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِعِلَّتِهِ وَلَوْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلُ فِي الْمِثَالِ لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ فِي الْمِثَالِ هُوَ قِيَاسُ التُّفَّاحِ عَلَى الزَّبِيبِ وَالتُّفَّاحُ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ أَصْلًا فِي الثَّانِي وَأَيْضًا لَيْسَ هُوَ وَسَطًا وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ فِي مِثَالِ الشَّارِحِ لِمَا ذَكَرَ فَإِنَّ الْأُرْزَ فَرْعٌ فِي الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ أَعْنِي قِيَاسَ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ وَهُوَ وَسَطٌ وَأَصْلٌ فِي الْقِيَاسِ الثَّانِي أَعْنِي قِيَاسَ التَّمْرِ عَلَى الْأُرْزِ (قَوْلُهُ: مَثَلًا) رَاجِعٌ إلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْقُطُ الْكَيْلُ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ الْكَيْلُ غَيْرُ عِلَّةٍ لِوُجُودِهِ فِي الْحَبْسِ، وَالْقُوتُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْخَوْخِ مَعَ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِهِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ الْآتِي فِي السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيسَ إلَخْ) إشَارَةٌ لِفَائِدَةِ الْوَسَطِ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ يَمْنَعُ عِلَّتَهُ) أَيْ الطَّعْمَ وَيَقُولُ الْعِلَّةُ الْقُوتُ الْغَالِبُ (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ تِلْكَ الْقِيَاسَاتُ إلَخْ) أَيْ كُلُّ قِيَاسٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ صَحِيحًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعِلَلُ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهَا كَيْفَ تَكُونُ صَحِيحَةً وَمَا عَدَا الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ لَمْ يُشَارِكْ فِيهِ الْفَرْعُ الْأَصْلَ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ إذْ عِلَّةُ الرِّبَوِيَّةِ فِي الْأُرْزِ هِيَ الطَّعْمُ وَالْكَيْلُ وَالْقُوتُ الْغَالِبُ وَهَذِهِ مُنْتَفِيَةٌ فِيمَا قَبْلَ قِيَاسِ الْأُرْزِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ صَحِيحَةٌ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ وَتَحْقِيقِ مَا هُوَ عِلَّةٌ فِي الْوَاقِعِ وَإِسْقَاطِ الزَّائِدِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَفِيهِ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ قِيَاسَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا فَائِدَةَ لِلْوَسَطِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ جَعْلَهَا قِيَاسَاتٍ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ اُعْتُرِضَ إلَخْ) دَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمُجَارَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ بِقَوْلِهِ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ غَيْرَ فَرْعٍ فِيهِ قِيَاسٌ مُرَكَّبٌ مِنْ قِيَاسَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ قَبْلُ، فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْقِيَاسِ مُرَكَّبٌ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْوَسَطِ فَائِدَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْقِيَاسِ الْخَاصِّ أَعْنِي الْمُرَكَّبَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ ثَابِتًا بِغَيْرِ الْقِيَاسِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ بِقِيَاسٍ وَلَا يَكُونُ فَرْعًا فِي هَذَا الْقِيَاسِ الْخَاصِّ وَإِنْ كَانَ فَرْعًا لِأَصْلٍ آخَرَ كَقِيَاسِ الزَّبِيبِ عَلَى التَّمْرِ فِي الرِّبَوِيَّةِ بِجَامِعِ الطَّعْمِ، وَالتَّمْرِ عَلَى الْأُرْزِ بِجَامِعِ الطَّعْمِ مَعَ الْكَيْلِ ثُمَّ يَبْطُلُ مَا عَدَا الطَّعْمَ بِطَرِيقَةِ فَالْأُرْزُ غَيْرُ فَرْعٍ فِي هَذَا الْقِيَاسِ الْخَاصِّ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ مَثَلًا وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَخْ بَيَّنَ بِهِ نَفْيَ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الْمَشْرُوطَيْنِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ نَفْيَهَا بَيْنَ الِاشْتِرَاطَيْنِ وَأَحَدُ النَّفْيَيْنِ لَازِمٌ لِلْآخَرِ وَتَعْلِيلُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَعْلِيلٌ لِلْآخَرِ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي عَنَاهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ

مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ غَيْرَ فَرْعٍ اشْتِرَاطُ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَلَا يَكُونُ فَرْعًا لِلْقِيَاسِ الْمُرَادِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فَرْعًا لِأَصْلٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ فَرْعٍ أَنْ لَا يَكُونَ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فَرْعًا فِي هَذَا الْقِيَاسِ الَّذِي يُرَادُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِيهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى التَّكْرَارِ لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ وَكَيْفَ يَنْدَفِعُ وَالْمُدْرَكُ وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى الْمَقُولِ أَوَّلًا وَالْآمِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى الْمَقُولِ ثَانِيًا أَعْنِي كَوْنَهُ غَيْرَ فَرْعٍ فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَاسْتَرْوَحَ بِمَا أَجَابَ، وَتَقْيِيدُهُ لِلثَّانِي بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْوَسَطِ فَائِدَةٌ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْجُوَيْنِيِّ فِي السَّلْسَلَةِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَعَلَى تَقْدِيرٍ بِاعْتِبَارِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ لَا أَنْ يَحْكِيَ بِقِيلَ وَيُصَرِّحَ فِيهِ مُطْلَقًا وَهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ. (وَأَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ) فَمَا عَدَلَ عَنْ سُنَنِهِ أَيْ خَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّكْرَارِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ غَيْرَ فَرْعٍ) أَيْ الْمَذْكُورِ هُنَا وَقَوْلُهُ اشْتِرَاطُ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا هُنَاكَ أَيْ فَمَا هُنَا لَا يُغْنِي عَمَّا هُنَاكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إلَخْ) أَيْ فَيُوجَدُ الشَّرْطُ الثَّانِي بِدُونِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ فَرْعًا إلَخْ) أَيْ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ فَرْعٌ فِي الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ) أَيْ حُكْمُ الْفَرْعِ فِي الْقِيَاسِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ فَرْعًا فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا صِحَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ حَتَّى يُنْفَى (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فَرْعًا لِأَصْلٍ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَخْ أَيْ فَاحْتِيجَ لِلثَّانِي هُوَ غَيْرُ قَوْلِهِ اشْتِرَاطُ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَوَّلَ زَادَ فِيهِ اشْتِرَاطٌ. (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكُونَ ثَابِتًا إلَخْ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ وَلَا يَكُونُ إلَخْ (قَوْلُهُ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُرَادُهُ بِهِ الْجَوَابُ) لَمْ يَعْنُونَهُ بِهِ إشَارَةً لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ لِسُقُوطِهِ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّكْرَارِ) إمَّا لِتَكْرِيرِ سَنَدِ الْمَنْعِ وَهُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ أَحَدِهِمَا، وَإِمَّا لِأَنَّ أَحَدَ النَّفْيَيْنِ لَازِمٌ لِلْآخَرِ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِاللَّازِمِ لَا يُعَدُّ تَكْرَارًا فِي عُرْفِهِمْ (قَوْلُهُ: لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الْفَرْعِيَّةِ فِي خُصُوصِ الْقِيَاسِ الَّذِي يُرَادُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِيهِ بَلْ الْمُرَادُ كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ أَصْلًا وَمَتَى كَانَ غَيْرَ فَرْعٍ أَصْلًا كَانَ ثَابِتًا بِغَيْرِ الْقِيَاسِ وَمَتَى كَانَ فَرْعًا كَانَ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَالْمُدْرَكُ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ وَاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ غَيْرَ فَرْعٍ وَاحِدٌ وَهُوَ لُزُومُ كَوْنِ الْقِيَاسِ الثَّانِي لَغْوًا أَوْ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ (قَوْلُهُ: لَا طَائِلَ تَحْتَهُ) لِأَنَّ غَايَتَهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّطْوِيلِ السَّلَامَةُ عَنْ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ إذْ الْمَنْعُ لِعِلِّيَّةِ مَا ذُكِرَ عِلَّةٌ فِي قِيَاسِ التَّمْرِ وَمَا قَبْلَهُ مُتَوَجِّهٌ لَا مَحَالَةَ وَيُغْنِي عَمَّا ذَكَرَهُ بِتَقْدِيرِ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ إثْبَاتُهَا بِطَرِيقَةِ (قَوْلُهُ: حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ) أَيْ الْقَوْمِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا وَكَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْوَسَطِ فَائِدَةٌ كَمَا قَيَّدَ بِهِ وَلَمْ يَقُولُوا مُطْلَقًا فَعِبَارَتُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لِلْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ بِمَا قَيَّدَ (قَوْلُهُ: لَا أَنْ يَحْكِيَ) أَيْ إطْلَاقَهُمْ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ) أَيْ طَرِيقِهِ وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلِلْفَاعِلِ وَإِلَى الثَّانِي مَيْلُ الشَّارِحِ وَالْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ إمَّا بِأَنْ لَا يُعْقَلَ الْمَعْنَى فِي الْحُكْمِ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ أَوْ بِأَنْ يُعْقَلَ الْمَعْنَى لَكِنْ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ كَرُخَصِ السَّفَرِ لَمَّا امْتَنَعَ تَعْلِيلُهَا بِمَا يَتَعَدَّى وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَشَقَّةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرْتَبَةٍ مِنْهَا تُعْتَبَرُ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ تَعَيَّنَتْ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَهِيَ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ أَيْضًا فَاعْتُبِرَتْ مَظِنَّتُهَا وَهِيَ السَّفَرُ لِانْضِبَاطِهِ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ فَامْتَنَعَتْ التَّعْدِيَةُ

عَنْ مِنْهَاجِهِ لَا لِمَعْنًى لَا يُقَاسُ عَلَى مَحَلِّهِ لِتَعَذُّرِ التَّعْدِيَةِ حِينَئِذٍ كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ فَحَسْبُهُ» فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ رُتْبَةً فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ مِنْ التَّدَيُّنِ وَالصِّدْقِ كَالصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِصَّةُ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَحَاصِلُهَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ فَجَحَدَهُ الْبَيْعَ وَقَالَ هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ عَلَيَّ فَشَهِدَ عَلَيْهِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْ دُونَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرًا مَعَنَا فَقَالَ صَدَّقْتُك فِيمَا جِئْتَ بِهِ وَعَلِمْتُ أَنَّك لَا تَقُولُ إلَّا حَقًّا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَحَسْبُهُ» هَذَا لَفْظُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ ذَلِكَ الْفَرَسَ هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ خَيْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُرْتَجِلِ لِحُسْنِ صَهِيلِهِ» . (وَ) أَنْ (لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عَنْ مِنْهَاجِهِ) وَهُوَ أَنْ يُعْقَلَ الْمَعْنَى فِي الْحُكْمِ وَيُوجَدَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا لِمَعْنًى يُقَاسُ عَلَى مَحَلِّهِ) أَيْ لَا لِمَعْنًى يَتَعَدَّى؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْمَعْنَى فِي مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا لِمَعْنًى لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى لَا يَتَعَدَّى ثُمَّ إنَّ اخْتِصَاصَ خُزَيْمَةَ بِمَا ذُكِرَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ مُقَيِّدَ الِاخْتِصَاصِ هُوَ النَّصُّ فَقَطْ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي تَحْرِيرِهِ إنَّ مُفِيدَ الِاخْتِصَاصِ لَيْسَ هُوَ النَّصُّ وَحْدَهُ بَلْ هُوَ مَعَ دَلِيلِ مَنْعِ التَّعْدِيَةِ وَهُوَ تَكْرِيمُ خُزَيْمَةَ لِاخْتِصَاصِهِ بِفَهْمِ حِلِّ الشَّهَادَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِنَادًا إلَى إخْبَارِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ وَالتَّعْدِيَةُ تُبْطِلُ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ غَيْرَ خُزَيْمَةَ فَهِمَ ذَلِكَ أَيْضًا تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ فِي سَبْقِهِ إلَى هَذَا الْفَهْمِ (قَوْلُهُ: فَحَسْبُهُ) أَيْ كَافِيهِ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ) أَيْ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: فَجَحَدَهُ الْبَيْعَ) أَيْ جَحَدَ الْأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: بِمَا جِئْت بِهِ) أَيْ وَمِنْ جُمْلَتِهِ اشْتِرَاءُ هَذَا الْفَرَسِ مِنْ الْأَعْرَابِيِّ (قَوْلُهُ: لَا تَقُولُ إلَّا حَقًّا) أَيْ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ أَخْذًا مِنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَرِدُ الزِّنَا (قَوْلُهُ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ إذْ لَا يُعْلَمُ لَهُ مَعْنًى وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْإِيمَاءُ وَهُوَ أَنْ يَقْتَرِنَ الْحُكْمُ بِمَعْنًى لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالتَّعْلِيلِ كَانَ مُسْتَبْعَدًا كَمَا فِي «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَلَا إذَنْ» ، وَهُنَا قَدْ اقْتَرَنَ الْحُكْمُ وَهُوَ مَنْ شَهِدَ لَهُ إلَخْ بِقَوْلِهِ صَدَّقْتُك إلَخْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّصْدِيقُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَانَ الِاقْتِرَانُ مُسْتَبْعَدًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ مَنْ شَارَكَهُ لِجَوَازِ الْخُصُوصِيَّةِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الِاقْتِرَانَ كَمَا فِي حَدِيثِ «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ» أَقْوَى لِاقْتِرَانِهِ بِالْفَاءِ وَإِذًا فَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ شَهِدَ لَهُ إلَخْ فَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ يَرُدُّهُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا مِنْ أَمْثِلَةِ الْإِيمَاءِ حَدِيثَ الْمُوَاقِعِ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ اقْتِرَانَ الْأَمْرِ بِالْعِتْقِ فِيهِ بِالسُّؤَالِ عَنْ الْوِقَاعِ دَلِيلٌ عَلَى

لِلِاسْتِغْنَاءِ حِينَئِذٍ عَنْ الْقِيَاسِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ جَعْلُ بَعْضِ الصُّوَرِ الْمَشْمُولَةِ أَصْلًا لِبَعْضِهَا بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ مِثَالُهُ مَا لَوْ اُسْتُدِلَّ عَلَى رِبَوِيَّةِ الْبُرِّ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ، ثُمَّ قِيسَ عَلَيْهِ الذُّرَةُ بِجَامِعِ الطَّعَامِ فَإِنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ الذُّرَةَ كَالْبُرِّ سَوَاءً، وَسَيَأْتِي مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ دَلِيلُهَا حُكْمَ الْفَرْعِ بِعُمُومِهِ أَوْ خُصُوصِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَمُقَابِلُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى جَوَازِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ كَمَا سَيَأْتِي لَا يَأْتِي هُنَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْعِلَاوَةِ السَّابِقَةِ فِي التَّوْجِيهِ وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِالظَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لِعِلَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرَتَّبْ بِالْفَاءِ وَإِذَا. وَأَجَابَ سم أَخْذًا مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ بِأَنَّ الْإِيمَاءَ غَايَةُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ آخَرُ قَائِمٌ بِخُزَيْمَةَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْحُكْمَ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ إيمَاءٍ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ كَمَا أَفَادَهُ هُوَ أَيْضًا أَنَّ الْمَنْفِيَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْمَعْنَى الْمُتَعَدِّي عَلَى مَا مَرَّ وَاَلَّذِي أَفَادَهُ الْمَسْلَكُ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَعَدَّى فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ الْعِلَّةَ وَهُوَ إيمَانُ خُزَيْمَةَ الْقَائِمُ بِهِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالتَّصْدِيقِ فَإِنَّ اقْتِرَانَهُ أَوْجَبَ عِلَّةً لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَزِيَّةَ لَا تُوجِبُ الْأَفْضَلِيَّةَ وَالْعِلَّةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً كَانَ الْحُكْمُ خَارِجًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِغْنَاءِ) عِلَّةٌ لِلِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّلِيلُ شَامِلًا فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إلَخْ) أَيْ فَفِي جَعْلِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ فَالْقِيَاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ، وَكَانَ الشَّارِحُ ذَكَرَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْعِلَاوَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ مُرَجِّحٌ لِأَحَدِهِمَا كَالشُّهْرَةِ أَوْ الْمُلَاحَظَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الطَّعَامَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مِثَالُهُ أَيْ وَجْهُ كَوْنِهِ مِثَالًا؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَخْ) وَذَلِكَ كَقِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الْإِسْكَارِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْإِسْكَارِ بِمَا وَرَدَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فَهَذَا الدَّلِيلُ شَامِلٌ لِلنَّبِيذِ فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: بِعُمُومِهِ) بِأَنْ يَعُمَّ الْأَصْلَ وَفُرُوعًا كَثِيرَةً وَقَوْلُهُ أَوْ خُصُوصِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ الْوَاحِدِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إذَا كَانَ خَاصًّا كَيْفَ يَتَعَدَّى (قَوْلُهُ: لَا يَتَأَتَّى هُنَا) أَيْ فِي دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ الشَّامِلِ لِحُكْمِ الْفَرْعِ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الْمُقَابِلُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ نَفْيِهِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّحَكُّمُ إذْ الْحُكْمَانِ مَدْلُولَانِ لِلدَّلِيلِ عَلَى السَّوَاءِ فَالْقِيَاسُ مُنْتَفٍ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ وَهُوَ التَّحَكُّمُ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَا تَحَكُّمَ إذْ مَحَلُّ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْأَصْلُ غَيْرُ مَدْلُولٍ لِدَلِيلِهَا فَالْحُكْمَانِ غَيْرُ مَدْلُولَيْنِ لِلدَّلِيلِ عَلَى السَّوَاءِ إذْ الْمَدْلُولُ هُوَ الْفَرْعُ دُونَ الْأَصْلِ فَالْقِيَاسُ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اجْتِمَاعِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ، وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلَّةِ دَالٌّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ قَطْعًا إذْ مَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلَّةِ الدَّلَالَةُ عَلَى كَوْنِهَا مُعَرِّفَةً لِلْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بَاعِثًا عَلَيْهِ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ كَانَ دَالًّا عَلَى الْحُكْمَيْنِ قَطْعًا فَمَا قِيلَ فِي أَحَدِهِمَا يُقَالُ فِي الْآخَرِ إذْ هُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا إثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ فَإِذَا كَانَ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ أَيْضًا فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا وَالْآخَرِ فَرْعًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَيْنِ تَسَاوَيَا فِي شُمُولِ النَّصِّ لَهُمَا مَعَ قَصْدِ إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ حَتَّى يُجْعَلَ أَصْلًا لَهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ ذَلِكَ الْمُقَابِلُ هُنَا بِخِلَافِ مَا سَيَأْتِي فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ إثْبَاتُ مُجَرَّدِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الدَّلِيلِ الشَّامِلِ لِحُكْمِ الْفَرْعِ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ آخَرَ يَخُصُّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَذَا الدَّلِيلِ إثْبَاتَهُ بَلْ مُجَرَّدَ إثْبَاتِ عِلَّتِهِ حَتَّى صَارَ هَذَا الدَّلِيلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَهُ مَزِيَّةٌ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْعِلَاوَةِ السَّابِقَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّحَكُّمَ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ أَصْلًا لِلْأُخْرَى مَعَ تَنَاوُلِ الدَّلِيلِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الصُّوَرِ وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ دَلِيلَانِ وَقَوْلُ النَّاصِرِ الْعِلَّةُ وَالدَّلِيلُ مُتَلَازِمَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى دَلِيلِ الْعِلَّةِ أَيْ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَمَا قِيلَ فِي أَحَدِهِمَا يُقَالُ فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ فَارِقٍ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ التَّحَكُّمِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِالظَّاهِرِ إلَخْ)

بَدَلَ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ دَلِيلُ حُكْمِهِ وَفِي قَوْلِهِ (وَكَوْنُ الْحُكْمِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ (مُتَّفَقًا عَلَيْهِ) وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ عِنْدَ مَنْعِهِ إلَى إثْبَاتِهِ فَيَنْتَقِلُ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَيَنْتَشِرُ الْكَلَامُ وَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ (قِيلَ بَيْنَ الْأُمَّةِ) حَتَّى لَا يَتَأَتَّى الْمَنْعُ بِوَجْهٍ (وَالْأَصَحُّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يَعْدُوهُمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) مَعَ اشْتِرَاطِ اتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ (اخْتِلَافُ الْأُمَّةِ) غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ بَلْ يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ فِيهِ كَالْخَصْمَيْنِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ لِيَتَأَتَّى لِلْخَصْمِ الْبَاحِثِ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا مَذْهَبَ لَهُ (فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَّفَقًا) عَلَيْهِ (بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ لِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ) كَمَا فِي قِيَاسِ حُلِيِّ الْبَالِغَةِ عَلَى الصَّبِيَّةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ عَدَمَهُ فِي الْأَصْلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْعِلَّةُ فِيهِ عِنْدَنَا كَوْنُهُ حُلِيًّا مُبَاحًا، وَعِنْدَهُمْ كَوْنُهُ مَالَ صَبِيَّةٍ (فَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (مُرَكَّبُ الْأَصْلِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَرْكِيبِ الْحُكْمِ (فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَأَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُهُ بِحَذْفِ لَفْظَةِ حُكْمٍ إذْ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ مِنْ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَكَانَ وَجْهُ الْعُدُولِ دَفْعَ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى غَيْرِ الْحُكْمِ مِنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ. (قَوْلُهُ: بَدَلَ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَخْ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أَتَى بِهِ (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَتَى (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْحُكْمِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ بِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَقِيسَ عَلَى مَا وَافَقَ مَذْهَبَهُ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ مَحَلَّ الشَّرْطِ إذَا أَوْرَدَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى وَجْهٍ يَقْبَلُ الْمَنْعَ بِأَنْ ذَكَرَهُ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِدَلِيلٍ وَإِلَّا قُبِلَ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ مَنْعِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: فَيَنْتَقِلُ الْكَلَامُ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَرُمْ الْمُسْتَدِلُّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ مَمْنُوعًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَلَا يُؤَثِّرُ حِينَئِذٍ عَدَمُ الِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ: وَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ) وَهُوَ إثْبَاتُ حُكْمِ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) أَيْ بِالْفِعْلِ أَوْ مَنْ يُوجَدُ عَلَى فَرْضِ أَنْ لَوْ رَدَّ الْغَيْرُ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِيَتَأَتَّى إلَخْ) فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ اشْتِرَاطِ اتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَيْهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَأَتِّي مَنْعِهِ مِنْ حَيْثُ الْعِلَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ مَنْعُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَاشْتِرَاطُ اتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِسَدِّ بَابِ الْمَنْعِ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ فَلَا يُنَافِي التَّمْكِينَ مِنْ مَنْعِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَكْفِي اخْتِلَافُ الْأُمَّةِ فِي الْعِلَّةِ دُونَ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا مَذْهَبَ لَهُ) أَيْ لَا مَذْهَبَ لَهُ يَلْتَزِمُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ خَصْمًا بَاحِثًا وَإِنْ كَانَ لَهُ مَذْهَبٌ مِنْ حَيْثُ الِاتِّفَاقُ مَعَ خَصْمِهِ وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَتَأَتَّى لِلْخَصْمِ الْمَنْعُ مِنْ كَوْنِهِ مُوَافِقًا عَلَى الْحُكْمِ (قَوْلُهُ:، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ إلَخْ) تَعْبِيرُهُ بِأَدَاةِ الشَّكِّ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ:، فَإِنَّ عَدَمَهُ) أَيْ الْوُجُوبَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْقِيَاسُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ) تَحْوِيلٌ لِلْعِبَارَةِ عَنْ

أَيْ بِنَائِهِ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى الْخَصْمَيْنِ (أَوْ) كَانَ الْحُكْمُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا (لِعِلَّةٍ يَمْنَعُ الْخَصْمُ وُجُودَهَا فِي الْأَصْلِ) كَمَا فِي قِيَاسِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ عَلَى فُلَانَةَ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فِي عَدَمِ وُجُودِ الطَّلَاقِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَإِنَّ عَدَمَهُ فِي الْأَصْلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْعِلَّةُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ قَبْلَ مِلْكِهِ، وَالْحَنَفِيُّ يَمْنَعُ وُجُودَهَا فِي الْأَصْلِ وَيَقُولُ هُوَ تَنْجِيزٌ (فَمُرَكَّبُ الْوَصْفِ) يُسَمَّى الْقِيَاسُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِذَلِكَ لِتَرْكِيبِ الْحُكْمِ فِيهِ أَيْ بِنَائِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي مَنَعَ الْخَصْمُ وُجُودَهُ فِي الْأَصْلِ (وَلَا يُقْبَلَانِ) أَيْ الْقِيَاسَانِ الْمَذْكُورَانِ لِمَنْعِ الْخَصْمِ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الْأَصْلِ فِي الثَّانِي (خِلَافًا لِلْخِلَافَيْنِ) فِي قَوْلِهِمْ يُقْبَلَانِ نَظَرًا لِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (وَلَوْ سَلَّمَ) الْخَصْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرِهَا مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذْ الْمُرَكَّبُ هُوَ الْقِيَاسُ لَا الْحُكْمُ (قَوْله أَيْ بِنَاؤُهُ) قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مُرَكَّبًا فِي مُرَكَّبِ الْأَصْلِ وَمُرَكَّبِ الْوَصْفِ مِنْ التَّرْكِيبِ بِمَعْنَى الْبِنَاءِ أَيْ تَرَتُّبُ شَيْءٍ عَلَى الْآخَرِ لَا مِنْ التَّرْكِيبِ ضِدُّ الْأَفْرَادِ كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْعَضُدِ حَيْثُ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ مُرَكَّبًا لِإِثْبَاتِهِمَا الْحُكْمَ كُلٌّ بِقِيَاسٍ فَقَدْ اجْتَمَعَ قِيَاسَاهُمَا، ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ اتَّفَقَا فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَصْلُ بِاصْطِلَاحٍ دُونَ الْوَصْفِ الَّذِي يُعَلِّلُ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ فَسُمِّيَ مُرَكَّبَ الْوَصْفِ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ صَاحِبِهِ بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ اهـ. أَيْ فَلَمَّا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى الْوَصْفِ فِي الثَّانِي سُمِّيَ الْأَوَّلَ بِمُرَكَّبِ الْأَصْلِ وَالثَّانِي بِمُرَكَّبِ الْوَصْفِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ؛ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الِاتِّفَاقِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فَقَدْ اجْتَمَعَ قِيَاسَاهُمَا أَنَّ التَّرْكِيبَ فِي الْقِيَاسِ فَيُعْتَرَضُ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِتَسْمِيَةِ الْقِيَاسِ مُرَكَّبًا لَا مُرَكَّبَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّرْكِيبَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ التَّرْكِيبِ ضِدُّ الْأَفْرَادِ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى الْخَصْمَيْنِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الْبِنَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّعَدُّدَ إلَّا إنْ كَانَ عَلَى مُتَعَدِّدٍ وَفِي قَوْلِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْخَصْمَيْنِ دَفْعٌ لِمَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَيْهِمَا بِالنَّظَرِ إلَى مَجْمُوعِ الْخَصْمَيْنِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَمْنَعُ الْخَصْمُ وُجُودَهَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْعَ وُجُودِهَا فِيهِ صَادِقٌ مَعَ قَوْلِهِ بِهَا وَبِعَدَمِهَا فَمَنْعُ الْحَنَفِيِّ فِي الْمِثَالِ وُجُودَ التَّعْلِيقِ فِي الْأَصْلِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عِلَّةٌ عِنْدَهُ وَإِلَّا تَخَالَفَا فِي الْفَرْعِ فِي الْمِثَالِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ) أَيْ الْمُشَبَّهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْعِلَّةُ) أَيْ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: هُوَ تَنْجِيزٌ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ تَعْلِيقٌ وَالْأَصْلَ تَنْجِيزٌ (قَوْلُهُ: فَمُرَكَّبُ وَصْفٍ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ فِي قَوْلِهِمْ مُرَكَّبِ الْوَصْفِ هُوَ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ وُجُودَهَا فِيهِ وَصْفٌ لَهَا وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُرَكَّبًا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَحَدُهُمَا يُثْبِتُهُ وَالْآخَرُ يَنْفِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْبَلَانِ) أَيْ لَا يَنْهَضَانِ عَلَى الْخَصْمِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسِ فَيُعْتَدُّ بِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْفَرْعِ) وَهُوَ كَوْنُهُ مَالَ صَبِيَّةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ الْخَصْمُ إلَخْ) بِأَنْ سَلَّمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَا الْمَطْعُومِيَّةُ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْبُرِّ فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا فِيهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لِعِلَّةٍ

(الْعِلَّةَ) لِلْمُسْتَدِلِّ أَيْ سَلَّمَ أَنَّهَا مَا ذَكَرَهُ (فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا) حَيْثُ اخْتَلَفَا فِيهِ (أَوْ سَلَّمَهُ) أَيْ سَلَّمَ وُجُودَهَا (الْمُنَاظِرُ انْتَهَضَ الدَّلِيلُ) عَلَيْهِ لِتَسْلِيمِهِ فِي الثَّانِي وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ (فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا) أَيْ الْخَصْمَانِ (عَلَى الْأَصْلِ) مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ (وَلَكِنْ رَامَ الْمُسْتَدِلُّ إثْبَاتَ حُكْمِهِ) بِدَلِيلٍ (ثُمَّ إثْبَاتَ الْعِلَّةِ) بِطَرِيقٍ (فَالْأَصَحُّ قَبُولُهُ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَهُ بِمَنْزِلَةِ اعْتِرَافِ الْخَصْمِ بِهِ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَصْلِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الِانْتِشَارِ. (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ) فِي الْقِيَاسِ (الِاتِّفَاقُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (عَلَى تَعْلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ (أَوْ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ) الْمُسْتَلْزِمُ لِتَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي إثْبَاتُ التَّعْلِيلِ بِدَلِيلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْنَعُ الْخَصْمُ إلَخْ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ سَلَّمَ أَنَّ الْعِلَّةَ مَا ذَكَرَ لَكِنْ مَنَعَ وُجُودَهَا وَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ لِقَوْلِهِ فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ إلَخْ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي حَيْثُ اخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فِي وُجُودِهَا فِي الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ أَوْ سَلَّمَهُ إلَخْ أَيْ سَلَّمَ كَوْنَ الْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِلَّةُ وَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْفَرْعِ اهـ. خَالِدٌ. وَمُرَادُهُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مُرَكَّبُ الْأَصْلِ وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى التَّوْزِيعِ وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ وُجُودَهَا أَيْ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ وَكَلَامُ سم حَيْثُ قَالَ أَيْ فِي الْفَرْعِ رُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّوْزِيعِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَخَذَهُ مِنْ عَطْفِ قَوْلِهِ أَوْ سَلَّمَهُ الْمُنَاظِرُ عَلَيْهِ فَالْمُنَاظِرُ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ أَوَّلًا بِالْخَصْمِ وَاخْتِلَافُ الْعِبَارَةِ مُجَرَّدُ تَفَنُّنٍ مَعَ وُضُوحِ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: الْمُنَاظِرُ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ الْخَصْمِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ (قَوْلُهُ: انْتَهَضَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنْ رَامَ الْمُسْتَدِلُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ بِطَرِيقٍ إلَخْ) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْعِلَّةِ بِطَرِيقٍ لِيُجَارِيَ عِبَارَتَهُمْ فِي أَنَّ دَلِيلَ الْعِلَّةِ يُسَمَّى مَسْلَكًا وَطَرِيقًا (قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ قَبُولُهُ) لَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ تَصْحِيحِ اشْتِرَاطِ اتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا مُقَيِّدٌ لِإِطْلَاقِ مَفْهُومِ ذَاكَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ الِاتِّفَاقِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُشْتَرَطَ إمَّا الِاتِّفَاقُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ أَوْ إثْبَاتُ الْمُسْتَدِلِّ مَا ذَكَرَ إذَا رَامَهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ اعْتِرَافٍ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّ الْحُكْمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ السَّابِقُ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ) أَيْ لَا تَعَبُّدِيٌّ (قَوْلُهُ: الْمُسْتَلْزِمُ لِتَعْلِيلِهِ) لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ هُوَ بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ كَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مُعَلَّلًا (قَوْلُهُ: عَنْ الِانْتِشَارِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَا فِي الْفَرْعِ فَقَطْ

[الثالث من أركان القياس الفرع]

لِمُنَاسَبَةِ الْمَحَلَّيْنِ. (الثَّالِثُ) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (الْفَرْعُ وَهُوَ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ) بِالْأَصْلِ (وَقِيلَ حُكْمُهُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى قَوْلٌ كَالْأَصْلِ بِأَنَّهُ دَلِيلُ الْحُكْمِ (وَمِنْ شَرْطِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (وُجُودُ تَمَامِ الْعِلَّةِ) الَّتِي فِي الْأَصْلِ (فِيهِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَوْ مَعَهَا كَالْإِسْكَارِ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْإِيذَاءِ فِي قِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ لِيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْفَرْعِ وَعَدَلَ كَمَا قَالَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ يُسَاوِيَ فِي الْعِلَّةِ عِلَّةَ الْأَصْلِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِمُنَاسَبَةِ الْمَحَلَّيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَهِيَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ مَحَلُّهَا الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وُجُودِهَا فَنَاسَبَ ذِكْرَهَا فِي مَبَاحِثِ الْأَصْلِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ لَعَلَّ مَحَلَّهَا حُكْمُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَبَاحِثِهِ فَنَاسَبَ ذِكْرَهَا فِيهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ مِنْ عَوَارِضِ الْأَصْلِ وَالتَّعْلِيلُ مِنْ عَوَارِضِ الْحُكْمِ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ الْمُعَارِضِ عِنْدَ ذِكْرِ مَبَاحِثَ مَعْرُوضَةٍ اهـ. نَاصِرٌ [الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ الْفَرْعُ] (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَتَأَتَّى) أَيْ مَعَ عَدِّهِ رُكْنًا؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ الْقِيَاسِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهِ إلَخْ) أَتَى بِمِنْ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ صَرِيحًا شُرُوطَ الْفَرْعِ إذْ بَقِيَ مِنْهَا أَنْ لَا يُعَارَضَ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: تَمَامِ الْعِلَّةِ) يَشْمَلُ الْمُرَكَّبَةَ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الْفَرْعِ بِمَعْنَى الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ تَمَامِ الْعِلَّةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَحَلِّ لَا فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ الْقُوَّةُ (قَوْلُهُ: لِإِيهَامِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَضُرُّ) وَلِإِيهَامِهِ أَنَّ عِلَّةَ الْفَرْعِ مُغَايِرَةٌ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ مَفْهُومًا وَإِنْ تَسَاوَيَا صَدَقَا مَعَ أَنَّ عِلَّتَهُمَا وَاحِدَةٌ اهـ. زَكَرِيَّا

تَضُرُّ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْعِلَّةُ (قَطْعِيَّةً) فَإِنْ قَطَعَ بِعِلِّيَّةِ الشَّيْءِ فِي الْأَصْلِ وَبِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ كَالْإِسْكَارِ وَالْإِيذَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ (فَقَطْعِيٌّ) قِيَاسُهَا حَتَّى كَانَ الْفَرْعُ فِيهِ تَنَاوَلَهُ دَلِيلُ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ ظَنِّيًّا كَانَ حُكْمُ الْفَرْعِ كَذَلِكَ (أَوْ) كَانَتْ (ظَنِّيَّةً) بِأَنْ ظَنَّ عِلِّيَّةَ الشَّيْءِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ قَطَعَ بِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ (فَقِيَاسُ الْأَدْوَنِ) أَيْ فَذَلِكَ الْقِيَاسُ ظَنِّيٌّ وَهُوَ قِيَاسُ الْأَدْوَنِ (كَالتُّفَّاحِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (عَلَى الْبُرِّ) فِي بَابِ الرِّبَا (بِجَامِعِ الطَّعْمِ) فَإِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ مَا قِيلَ إنَّهَا الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ وَلَيْسَ فِي التُّفَّاحِ إلَّا الطَّعْمُ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ أَدْوَنُ مِنْ ثُبُوتِهِ فِي الْبُرِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ فَأَدْوَنِيَّةُ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الْعِلَّةُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَوَّلُ أَيْ الْقَطْعِيُّ يَشْمَلُ أَقْيَاسَ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِيَ أَيْ مَا يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْأَصْلِ أَوْ مُسَاوِيًا كَقِيَاسِ الضَّرْبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ لَهُمَا وَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِيهِمَا. (وَتُقْبَلُ الْمُعَارَضَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (بِمُقْتَضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ النَّاصِرُ إنْ صَحَّ هَذَا الْإِيهَامُ هُنَا فَلْيَصِحَّ أَيْضًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّ الْقِيَاسِ لِمُسَاوَاتِهِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ فَيَضُرُّ فِيهِ بِخُرُوجِ الْقِيَاسِ الْأَوْلَى مِنْهُ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْإِيهَامِ وَإِنْ ضَعُفَ أَرْجَحُ مِنْ تَرْكِهِ قَطْعًا وَأَنَّ مُرَاعَاتَهُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ وَإِنْ أُهْمِلَ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَبِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ) لَيْسَ هَذَا مِنْ مَفْهُومِ الْعِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ بَلْ زَائِدٌ عَلَيْهَا ذُكِرَ تَتْمِيمًا لِمَا يَكُونُ بِهِ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا إذْ مَعْنَى كَوْنِ الْعِلَّةِ قَطْعِيَّةً أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا دُونَ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: فَقَطْعِيٌّ قِيَاسُهَا) أَيْ أَنَّ إلْحَاقَ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ مَجْزُومٌ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ قَطْعِيَّةُ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ ظَنِّيًّا) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِيَّةِ الْقِيَاسِ قَطْعِيَّةُ الْحُكْمِ بَلْ إذَا كَانَ الدَّلِيلُ قَطْعِيًّا (قَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ فَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ بِخِلَافِ التُّفَّاحِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الطُّعْمُ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ الْعِلَّةُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَا بُعْدَ فِي أَنَّ أَدْوَنِيَّتَهُ مِنْ حَيْثُ الْعِلَّةُ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَمَامَهَا فِي نَفْسِهَا (قَوْلُهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِهَا) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْجَامِعِ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ الْمُشْتَرَكُ بِتَمَامِهِ فِي الْفَرْعِ وَفِي كَلَامِهِ دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْأَدْوَنِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الْعِلَّةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ أَوْصَافٌ كُلٌّ مِنْهَا صَالِحٌ لِلْعِلِّيَّةِ وَلَيْسَ فِي الْفَرْعِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْأَدْوَنِيَّةِ فِي الْعِلَّةِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ الْعِلَّةُ تَمَامُ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْعِلَّةِ لَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ مِنْ أَصْلِهَا فِي الْفَرْعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَدْوَنِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَدْوَنِيَّةَ تَقْتَضِي وُجُودَ أَصْلِ الْعِلَّةِ بِدُونِ تَمَامٍ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَشْمَلُ قِيَاسَ إلَخْ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَقِيَاسُ الْأَدْوَنِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسِ إحْرَاقِ إلَخْ) فَإِنَّهُ مُسَاوٍ فِي الْإِتْلَافِ عَلَى الْيَتِيمِ وَإِنْ كَانَ الْإِحْرَاقُ أَشَدَّ (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ الْمُعَارَضَةُ إلَخْ) هِيَ اصْطِلَاحًا مُقَابَلَةُ الدَّلِيلِ بِدَلِيلٍ آخَرَ مُمَانِعٍ لِلْأَوَّلِ فِي ثُبُوتِ مُقْتَضَاهُ وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي حَوَاشِي الْوَلَدِيَّةِ الْكُبْرَى (قَوْلُهُ: بِمُقْتَضٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ مُقْتَضٍ بِأَنْ يَأْتِيَ الْخَصْمُ بِقِيَاسٍ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضٍ أَوْ ضِدِّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ وَقَوْلُهُ نَقِيضَ أَوْ ضِدَّ إلَخْ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَنْصُوبٌ بِمُقْتَضٍ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِذِكْرِهِ فِي الثَّالِثِ ثُمَّ إنَّ نَقِيضَ كُلِّ شَيْءٍ رَفْعُهُ كَإِنْسَانٍ وَلَا إنْسَانٍ بِنَاءً

نَقِيضَ أَوْ ضِدَّ لَا خِلَافَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُخْتَارِ) وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا لَانْقَلَبَ مَنْصِبُ الْمُنَاظَرَةِ إذْ يَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا وَبِالْعَكْسِ وَذَلِكَ خُرُوجٌ عَمَّا قُصِدَ مِنْ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَلِيلِهِ إلَى غَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ هَدْمُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لَا إثْبَاتُ مُقْتَضَاهَا الْمُؤَدِّي إلَى مَا تَقَدَّمَ وَصُورَتُهَا فِي الْفَرْعِ أَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ لِلْمُسْتَدِلِّ مَا ذَكَرْتَ مِنْ الْوَصْفِ وَإِنْ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ أَوْ ضِدَّهُ، مِثَالُ النَّقِيضِ الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالْوَجْهِ فَيَقُولُ الْمُعَارِضُ مَسْحٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ، وَمِثَالُ الضِّدِّ الْوِتْرُ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ كَالتَّشَهُّدِ فَيَقُولُ الْمُعَارِضُ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ فَيُسْتَحَبُّ كَالْفَجْرِ. وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ بِمُقْتَضَى خِلَافِ الْحُكْمِ فَلَا تَقْدَحُ قَطْعًا لِعَدَمِ مُنَافَاتِهَا لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ كَمَا يُقَالُ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قَوْلٌ يَأْثَمُ قَائِلُهُ فَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ كَشَهَادَةِ الزُّورِ فَيَقُولُ الْمُعَارِضُ قَوْلٌ مُؤَكِّدٌ لِلْبَاطِلِ يُظَنُّ بِهِ حَقِّيَّتُهُ فَيُوجِبُ التَّعْزِيرَ كَشَهَادَةِ الزُّورِ (وَالْمُخْتَارُ) فِي دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَةِ زِيَادَةً عَلَى دَفْعِهَا بِكُلِّ مَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ ابْتِدَاءً (قَبُولُ) (التَّرْجِيحِ) لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى وَصْفِ الْمُعَارِضِ بِمُرَجِّحٍ مِمَّا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ لِتَعَيُّنِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ يَجْرِي فِي الْمُفْرَدَاتِ كَالْقَضَايَا وَتَحْقِيقُهُ ذَكَرْنَاهُ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيُّ. وَأَمَّا الضِّدَّانِ فَهُمَا الْأَمْرَانِ الْوُجُودِيَّانِ الْمُمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْخِلَافَانِ أَعَمُّ، وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ أَوْ ضِدَّ؛ لِأَنَّ النَّقِيضَ أَخَصُّ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْأَخَصِّ ذِكْرُ الْأَعَمِّ فَإِنَّ السَّوَادَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَيَاضِ يَشْمَلُهُ قَوْلُنَا لَا بَيَاضَ (قَوْلُهُ: عَمَّا قَصَدَ) أَيْ قَصَدَهُ الْمُتَنَاظِرَانِ بِالْمُنَاظَرَةِ (قَوْلُهُ إلَى غَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " خُرُوجٌ " وَضَمِيرُ غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا قَصَدَ إلَخْ وَذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَصَدَ) أَيْ قَصَدَ الْمُعْتَرِضُ (قَوْلُهُ: لَا إثْبَاتُ مُقْتَضَاهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةِ وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ (قَوْلُهُ: إلَى مَا تَقَدَّمَ) أَيْ الِانْقِلَابِ (قَوْلُهُ: فَعِنْدِي إلَخْ) أَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الرُّكْنِيَّةَ أَيْ فَبِسَبَبِ رُكْنِيَّتِهِ يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ) نَقِيضُ يُسَنُّ (وَقَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ) ضِدُّ يَجِبُ (وَقَوْلُهُ فَيُوجِبُ التَّعْزِيرَ) خِلَافُ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: كَمَسْحِ الْخُفِّ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مَسْحٌ فِي الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ إلَخْ) فِيهِ تَوَرُّكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمَا يُقَالُ إلَخْ) أَيْ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: كَشَهَادَةِ الزُّورِ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَأْثَمُ قَائِلُهُ (قَوْلُهُ فَيُوجِبُ التَّعْزِيرَ) فَهَذَا خِلَافُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ (قَوْلُهُ: زِيَادَةً عَلَى دَفْعِهَا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَدِلِّ بِكُلِّ قَادِحٍ يَعْتَرِضُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَدَلِّ كَإِبْدَاءِ فَارِقٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ بِأَنْ يَقُولَ هُنَاكَ فَارِقٌ بَيْنَ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْخُفِّ بِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَحَاصِلُهُ إبْدَاءُ قَادِحٍ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَلِيلِ

لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُعَارَضَةِ حُصُولُ أَصْلِ الظَّنِّ لَا مُسَاوَاتُهُ لِظَنِّ الْأَصْلِ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِهَا وَأَصْلُ الظَّنِّ لَا يَنْدَفِعُ بِالتَّرْجِيحِ (وَ) الْمُخْتَارُ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ التَّرْجِيحِ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِيمَاءُ إلَيْهِ فِي الدَّلِيلِ) ابْتِدَاءً وَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَتِمُّ بِدُونِ دَفْعِ الْمُعَارِضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ حِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَفْعِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي الِاعْتِرَاضَاتِ وَذِكْرُهَا هُنَا أَنْسَبُ؛ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى شَرْطٍ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعَارَضُ كَمَا عَدَّهُ الْآمِدِيُّ هُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُثْبِتُ الْمُدَّعَى إلَّا إذَا سَلِمَ عَنْ الْمُعَارِضِ. (وَلَا يَقُومَ الْقَاطِعُ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ خِلَافِ الْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ (وِفَاقًا) إذْ لَا صِحَّةَ لِلْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَاطِع عَلَى خِلَافِهِ (وَلَا) يَقُومُ (خَبَرُ الْوَاحِدِ) عَلَى خِلَافِهِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) فَيُقَدَّمُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِهِ (وَلْيُسَاوِ) الْفَرْعُ (الْأَصْلَ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِنْسٍ) أَيْ عَيْنِ الْعِلَّةِ أَوْ جِنْسِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَعَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي مِثَالُ الْمُسَاوَاةِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ قِيَاسُ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ بِجَامِعِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّبِيذِ بِعَيْنِهَا نَوْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُعَارَضَةِ حُصُولُ أَصْلِ الظَّنِّ) أَيْ بِنَقِيضِ الْحُكْمِ أَوْ ضِدِّهِ وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَاقْتَضَى مَنْعَ قَبُولِ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُفِيدُ رُجْحَانَ ظَنٍّ عَلَى ظَنٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ بَاطِلًا (قَوْلُهُ: حُصُولُ أَصْلِ الظَّنِّ) وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ الْإِيمَاءُ إلَيْهِ فِي الدَّلِيلِ) أَيْ لِأَنَّ تَرْجِيحَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى وَصْفِ مُعَارِضِهِ خَارِجٌ عَنْ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: ابْتِدَاءً) إنَّمَا قَالَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْمُعَارِضَ صَارَ مُسْتَدِلًّا (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ ابْتِدَاءِ الِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ: فِي الِاعْتِرَاضَاتِ) أَيْ فِي مَبْحَثِ الِاعْتِرَاضَاتِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَئُولُ) أَيْ فَيَئُولُ ذَلِكَ إلَى جَمِيعِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ لَا يُعَارِضَ) أَيْ دَلِيلُ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقُومَ إلَخْ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ لِعَطْفِهِ عَلَى مَصْدَرٍ صَرِيحٍ وَهُوَ وُجُودُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا شَرْطٌ لِلْعَمَلِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ صَحِيحٌ غَايَتُهُ أَنَّهُ قَدَّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ إذْ لَا صِحَّةَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ خِلَافُ الْفَرْعِ) أَيْ مُخَالَفَةُ الْفَرْعِ الْأَصْلَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقُومَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا فِي نَفْسِهِ بِذِكْرِ الْمُعَارِضِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ الْمُعَارِضُ الْعَمَلَ (قَوْلُهُ: وَلْيُسَاوِ إلَخْ) مَعْنَاهُ وَلْتَكُنْ مُسَاوَاتُهُ لِلْأَصْلِ وَمُسَاوَاةُ حُكْمِهِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فِيمَا ذَكَرَ فَمُفَادُ هَذَا الْكَلَامِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا ذُكِرَ لَا اشْتِرَاطُ نَفْسِ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْ فَلَا تَكْرَارَ، وَإِسْنَادُ الْأَمْرِ بِالْمُسَاوَاةِ إلَى الْفَرْعِ وَالْحُكْمِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْأَصْلُ وَلْيُسَاوِ الْقَائِسُ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَى أَوَّلِ) أَيْ مُسَاوَاةِ الْفَرْعِ الْأَصْلَ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْمُسَاوَاةِ) أَيْ مِثَالُ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ (قَوْلُهُ: فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ) بِأَنْ يَكُونَ نَوْعُهَا وَاحِدًا (قَوْلُهُ: قِيَاسُ النَّبِيذِ) أَيْ الْمُسَاوَاةُ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ إذْ لَا بُدَّ فِي الْحَمْلِ مِنْ اتِّحَادِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ فِي الصِّدْقِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّبِيذِ) فَالشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ مُخْتَلِفَةٌ بِالْعَدَدِ دُونَ الْحَقِيقَةِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ نَوْعًا بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَالطَّرَفِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ هُنَا النَّوْعُ اسْتِحَالَةُ إرَادَةِ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ إنَّمَا تَتَشَخَّصُ بِمَحَالِّهَا فَالشَّخْصُ الَّذِي فِي الْأَصْلِ يَسْتَحِيلُ

لَا شَخْصًا. وَمِثَالُ الْمُسَاوَاةِ فِي جِنْسِ الْعِلَّةِ قِيَاسُ الطَّرَفِ عَلَى النَّفْسِ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِجَامِعِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا جِنْسٌ لِإِتْلَافِهِمَا وَمِثَالُ الْمُسَاوَاةِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ قِيَاسُ الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ عَلَى الْقَتْلِ بِمَحْدُودٍ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَالْجَامِعُ كَوْنُ الْقَتْلِ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَمِثَالُ الْمُسَاوَاةِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ قِيَاسُ بُضْعِ الصَّغِيرَةِ عَلَى مَالِهَا فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِجَامِعِ الصِّغَرِ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ جِنْسٌ لِوِلَايَتَيْ النِّكَاحِ وَالْمَالِ (فَإِنْ خَالَفَ) الْمَذْكُورُ مَا ذُكِرَ أَيْ لَمْ يُسَاوِهِ فِيمَا ذُكِرَ (فَسَدَ الْقِيَاسُ) لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ عَنْ الْفَرْعِ فِي الْأَوَّلِ وَانْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ عَنْ الْفَرْعِ فِي الثَّانِي، عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ وُجُودِ تَمَامِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَلَوْ قَالَ هُنَاكَ مِنْ عَيْنِهَا أَوْ جِنْسِهَا الْمَقْصُودَ بِالذِّكْرِ هُنَا لَوَفَّى بِهِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ التَّكْرَارِ وَمِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا عَدَلَ عَنْهُ هُنَاكَ مِنْ لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ يُسَاوِيَ فِي الْعِلَّةِ عِلَّةَ الْأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِنْسٍ وَأَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِنْسٍ. (وَجَوَابُ الْمُعْتَرِضِ بِالْمُخَالَفَةِ) فِيمَا ذُكِرَ (بِبَيَانِ الِاتِّحَادِ) فِيهِ مِثَالُهُ أَنْ يَقِيسَ الشَّافِعِيُّ ظِهَارَ الذِّمِّيِّ عَلَى ظِهَارِ الْمُسْلِمِ فِي حُرْمَةِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ الْحُرْمَةُ فِي الْمُسْلِمِ تَنْتَهِي بِالْكَفَّارَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ مِنْهَا لِفَسَادِ نِيَّتِهِ فَلَا تَنْتَهِي الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ فِي الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: لَا شَخْصًا) فَالشِّدَّةُ الْقَائِمَةُ بِالْخَمْرِ غَيْرُ الْقَائِمَةِ بِالنَّبِيذِ فَإِنَّ الْعَرْضَ لَا يُقَوَّمُ بِمَحَلَّيْنِ (قَوْلُهُ: قِيَاسُ الطَّرَفِ) أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا جِنْسٌ) وَلَمْ تُجْعَلْ نَوْعًا؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الطَّرَفِ كُلِّيٌّ فَهُوَ نَوْعٌ وَكَذَلِكَ إتْلَافُ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْجَدِّ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْوِلَايَةَ لِلْجَدِّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْوِلَايَةَ) أَيْ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَالَفَ الْمَذْكُورُ) أَيْ الْفَرْعُ أَوْ حُكْمُهُ مَا ذُكِرَ أَيْ الْأَصْلُ أَوْ حُكْمُهُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِنْسٍ وَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ أَيْ مُخَالَفَةِ الْفَرْعِ الْأَصْلَ وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي أَيْ مُخَالَفَةِ حُكْمِ الْفَرْعِ الْأَصْلَ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ) أَيْ مُسَاوَاتِهَا (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودَ) بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِمَعْمُولِ قَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ إنَّهُ ذُكِرَ هُنَا تَبَعًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَجِنْسِهِ. وَقَدْ أَجَابَ سم عَنْ التَّكْرَارِ بِمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ قَدْ يُنَاقَشُ فِي جَوَابِهِ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ وُجُودُ الْعِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوُجُودِ وَفِي قَوْلِهِ الْمَقْصُودَ دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ ذُكِرَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِي الْفَرْعِ وَقَوْلُهُ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى سَلَامَةِ كَلَامِهِ مِنْ التَّكْرَارِ وَإِنْ وَقَعَ فِي لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْوُقُوعِ فِي التَّكْرَارِ، وَالْوُقُوعِ فِيمَا فَرَّ مِنْهُ هُنَاكَ مِنْ لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ (قَوْلُهُ: بَيَانُ الِاتِّحَادِ) الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ بَيَانُ الْمُسَاوَاةِ وَهُوَ خَبَرُ جَوَابٍ وَقَوْلُهُ بِالْمُخَالَفَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَعَرِّضِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ مِنْهَا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ بَعْضَ خِصَالِهَا أَوْ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ إذْ الْمُرَادُ بِالْكَفَّارَةِ الْمُكَفَّرُ بِهِ (قَوْلُهُ: فَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ) أَيْ فِيمَا قَصَدَ مِنْ عَيْنِهِ فَإِنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَتِلْكَ مُغَيَّاةٌ بِحُصُولِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ قِيَاسُهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْكَفَّارَةُ فَيَلْزَمُ تَأْبِيدُ الْحُرِّيَّةِ وَهَذَا غَيْرُ

فَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ يُمْكِنُهُ الصِّيَامُ بِأَنْ يُسْلِمَ وَيَأْتِيَ بِهِ وَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَإِطْعَامُهُ مَعَ الْكُفْرِ اتِّفَاقًا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ فَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ وَالْقِيَاسُ صَحِيحٌ. (وَلَا يَكُونُ) الْفَرْعُ (مَنْصُوصًا) عَلَيْهِ (بِمُوَافِقٍ) لِلْقِيَاسِ لِلِاسْتِغْنَاءِ حِينَئِذٍ بِالنَّصِّ عَنْ الْقِيَاسِ (خِلَافًا لِمُجَوِّزِ دَلِيلَيْنِ) مَثَلًا عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ مَا ذُكِرَ لِمَا جَوَّزَهُ وَيُفِيدُ الْقِيَاسُ عِنْدَهُ مَعْرِفَةَ الْعِلَّةِ (وَلَا بِمُخَالِفٍ) لِلْقِيَاسِ لِتَقَدُّمِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ (إلَّا لِتَجْرِبَةِ النَّظَرِ) فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمُخَالِفَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ لَهُ. (وَلَا) يَكُونُ حُكْمُ الْفَرْعِ (مُتَقَدِّمًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ) فِي الظُّهُورِ كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ تُعُبِّدَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمِ الْأَصْلِ فَلَا يَنْعَقِدُ الظِّهَارُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ الْفَرْعُ مَنْصُوصًا إلَخْ) أَيْ بِنَصٍّ غَيْرِ شَامِلٍ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَكُونُ دَلِيلُ حُكْمِهِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ، وَإِنَّمَا جَرَى الْخِلَافُ هُنَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ لِانْتِفَاءِ التَّحَكُّمِ اللَّازِمِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ وَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ عَدَمِ الشُّمُولِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِمُوَافِقٍ) أَيْ بِنَصٍّ مُوَافِقٍ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِغْنَاءِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْمُوَافَقَةِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُجَوِّزِ دَلِيلَيْنِ إلَخْ) هَذَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْأَكْثَرِ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ الْبَعْضِ وَرَجَّحَهُ هُنَا لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ عِنْدَهُ وَالْمُخْتَارُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِ وَرَجَّحَهُ هُنَا أَيْضًا بَعْدُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ أَيْ لَا مَعَ حُكْمِ الْأَصْلِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَأَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِهِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ) أَيْ لَا يَكُونُ مَنْصُوصًا (قَوْلُهُ: لِمَا جَوَّزَهُ) أَيْ مِنْ اجْتِمَاعِ دَلِيلَيْنِ إلَخْ وَهُوَ عِلَّةٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ (قَوْلُهُ: وَيُفِيدُ الْقِيَاسُ إلَخْ) أَيْ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ النَّصِّ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُفِيدَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْعِلَّةِ هُوَ أَحَدُ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ سَبَبًا بَاعِثًا عَلَيْهِ نُسِبَتْ الْإِفَادَةُ إلَيْهِ وَلَوْ حَذَفَ الشَّارِحُ هَذَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَ اجْتِمَاعَ الْأَدِلَّةِ يَقُولُ عَلَى طَرِيقِ تَقْوِيَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِمُخَالِفٍ) أَيْ بِنَصٍّ مُخَالِفٍ كَمَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِتَقَدُّمِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ ثُمَّ إنَّ هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَقُومُ الْقَاطِعُ عَلَى خِلَافِهِ إلَخْ فَإِنَّ النَّصَّ إمَّا قَاطِعٌ أَوْ خَبَرُ آحَادٍ وَلَعَلَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ إلَّا لِتَجْرِبَةٍ إلَخْ ثُمَّ إنَّ الْمُخَالِفَ لِلْقِيَاسِ قَدْ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا فِي التَّارِيخِ عَلَى دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ الْقِيَاسُ وَيَكُونُ نَاسِخًا لِذَلِكَ النَّصِّ الْمُخَالِفِ كَمَا مَرَّ فِي النَّسْخِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ فَيَجِبُ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ وَلَا بِمُخَالِفٍ بِهَذَا النَّصِّ الْمَنْسُوخِ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِتَجْرِبَةٍ) هِيَ تَمْرِينُ الذِّهْنِ وَرِيَاضَتُهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ فِي الْمَسَائِلِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقِيَاسِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ) أَيْ فَهُوَ صَالِحٌ لِتَجْرِبَةِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ) أَيْ لَا لِفَسَادِ صُورَتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْفَرْعِ مُتَقَدِّمًا إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُهُ قَبْلَ عِلَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ وَالْمُتَقَدِّمِ عَلَى مَا مَعَ الشَّرْحِ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ وَيَنْدَرِجُ هَذَا تَحْتَ شَرْطِ التَّعْدِيَةِ لِاسْتِدْعَائِهَا تَقَدُّمَ الْمُعَدَّى عَنْهُ (قَوْلُهُ: فِي الظُّهُورِ) أَيْ لِلْمُكَلَّفِ لَا فِي الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ قَدِيمَةٌ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْوُضُوءَ تُعُبِّدَ بِهِ إلَخْ) هَذَا الْمِثَالُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ

قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالتَّيَمُّمُ إنَّمَا تُعُبِّدَ بِهِ بَعْدَهَا إذْ لَوْ جَازَ تَقَدُّمُهُ لَلَزِمَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ حَالَ تَقَدُّمِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُعْلَمُ. نَعَمْ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ جَازَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لِلْحَنَفِيَّةِ طَهَارَتَانِ أَنَّى تَفْتَرِقَانِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى (وَجَوَّزَهُ) أَيْ جَوَّزَ تَقَدُّمَهُ (الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (عِنْدَ دَلِيلٍ آخَرَ) يَسْتَنِدُ إلَيْهِ حَالَةَ التَّقَدُّمِ دَفْعًا لِلْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ وَبِنَاءً عَلَى جَوَازِ دَلِيلَيْنِ أَوْ أَدِلَّةٍ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَأَخَّرَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ كَمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ الْمُعْجِزَةِ الْمُقَارِنَةِ لِابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْفَرْعِ (ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِالنَّصِّ جُمْلَةً) (خِلَافًا فَالْقَوْمُ) فِي قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَيُطْلَبُ بِالْقِيَاسِ تَفْصِيلُهُ قَالُوا فَلَوْلَا الْعِلْمُ بِوُرُودِ مِيرَاثِ الْجَدِّ جُمْلَةً حَرَامٌ لَمَا جَازَ الْقِيَاسُ فِي تَوْرِيثِهِ مَعَ الْإِخْوَةِ وَرُدَّ اشْتِرَاطُهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ قَاسُوا أَنْتِ حَرَامٌ عَلَى الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتُعُبِّدَ بِهَا قَبْلَ التَّعَبُّدِ بِالنِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّعَبُّدِ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ التَّعَبُّدِ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ تُعُبِّدَ بِالنِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ قَبْلَ التَّعَبُّدِ بِالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ) عِنْدَ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا تُعُبِّدَ بِهِ بَعْدَهَا) قِيلَ نَزَلَتْ آيَتُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَقِيلَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقِيلَ بَعْدَهَا فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِلُزُومِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ) أَيْ ظُهُورِهِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَعِلْمِهِمْ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ مَتَى مَا حَصَلَ حَصَلَ مَعَهُ حُكْمُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ) لِأَنَّ دَلِيلَهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ فَإِذَا فُرِضَ تَقَدُّمُ حُكْمِ الْفَرْعِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لَزِمَ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْقِيَاسِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَمْ يُعْلَمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُعْلَمُ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ قَالَ النَّاصِرُ: وَالْأَوَّلُ تَكْلِيفٌ لَا يُعْلَمُ. ذَلِكَ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِمَا لَا يُعْلَمُ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَتَقَدَّمَ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ وَأَمَّا التَّكْلِيفُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ فَهُوَ تَكْلِيفٌ مُحَالٌ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: إلْزَامًا) أَيْ لَا اسْتِدْلَالًا عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ ثَابِتٌ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) جَعَلَ هَذَا مِثَالًا لِلْإِلْزَامِ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلٍ لِلْفَرْعِ مَعَ أَنَّ لِلْوُضُوءِ دَلِيلًا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ مِثَالٌ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا دَلِيلَ وَدَلِيلُ الْوُضُوءِ وَهُوَ مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ كَحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَأَشَارَ بِالْإِفْرَادِ فِي الشَّافِعِيِّ وَبِالْجَمْعِ فِي الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: بِتَسَاوِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ) أَيْ وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْمَعْنَى لَزِمَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التُّرَابَ لَمَّا كَانَ مُجَرَّدَ تَعَبُّدٍ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فِي الْحِسِّ اُحْتِيجَ فِيهِ لِلنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ فِي الْحِسِّ بِذَاتِهِ فَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِ لِلنِّيَّةِ يَرُدُّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا اُشْتُرِطَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِدَفْعِ الْمَانِعِ شَرْعًا لَا لِوَصْفٍ طَبِيعِيٍّ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ فِيهِ سَوَاءٌ وَوَصْفُ الْمَاءِ الطَّبِيعِيِّ لَا دَخْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِتَسَاوِي الْأَصْلِ) وَهُوَ كَوْنُ كُلٍّ طَهَارَةً (قَوْلُهُ: يَسْتَنِدُ إلَيْهِ) فَإِذَا وُجِدَ الدَّلِيلُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ كَانَ مَقِيسًا عَلَى الْأَصْلِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: دَفْعًا لِلْمَحْذُورِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَبِنَاءً عَلَى جَوَازِ دَلِيلَيْنِ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ (قَوْلُهُ: جُمْلَةً) حَالٌ مِنْ النَّصِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الشَّيْخِ خَالِدٍ أَيْ إجْمَالًا أَيْ بِدَلِيلٍ إجْمَالِيٍّ (قَوْلُهُ: جُمْلَةً) أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ إرْثِهِ مَعَ الْإِخْوَةِ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ لَمَا جَازَ الْقِيَاسُ أَيْ عَلَى الْأَبِ فَلَا يَأْخُذُ الْأَخُ مَعَهُ أَوْ عَلَى الْأَخِ فَيُشَارِكُ الْإِخْوَةَ وَدَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ تَجَارُؤٌ عَلَى الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْقِيَاسَ نَفْسَهُ مُسْتَنَدٌ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ) أَيْ هَلْ حُرْمَتُهُ كَحُرْمَةِ الطَّلَاقِ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ أَوْ كَحُرْمَةِ الظِّهَارِ

[الرابع من أركان القياس العلة]

وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا. (وَلَا) يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْعِ (انْتِفَاءُ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ يُوَافِقُهُ) فِي حُكْمِهِ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ مَعَ مُوَافَقَتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا لَهُ (خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ) فِي اشْتِرَاطِهِمَا انْتِفَاءَهُمَا مَعَ تَجْوِيزِهِمَا دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ نَظَرَا إلَى أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقِيَاسِ إنَّمَا تَدْعُو عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مَسْأَلَتُهُ بَعْدُ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدَانَ السَّابِقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَدِلَّةَ الْقِيَاسِ مُطْلَقَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ نَعَمْ فِي نَفْيِ الْمُصَنِّفِ اشْتِرَاطَ انْتِفَاءِ النَّصِّ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا يَكُونُ مَنْصُوصًا. (الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (الْعِلَّةُ) وَفِي مَعْنَاهَا حَيْثُمَا أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ أَقْوَالٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا مَسَائِلُ تَأْتِي (قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ) هِيَ (الْمُعَرِّفُ) لِلْحُكْمِ فَمَعْنَى كَوْنِ الْإِسْكَارِ عِلَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَنْتَهِي بِكَفَّارَتِهِ كَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَوْ كَحُرْمَةِ الْإِيلَاءِ فَيَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَالْمُرَجَّحِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: بَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ مَعَ مُوَافَقَتِهِمَا إلَخْ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ عِنْدَ انْتِفَائِهِمَا لَا عِنْدَ مُخَالَفَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُخَالِفُ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ: مَعَ تَجْوِيزِهِمَا إلَخْ) قِيلَ مَحَلُّ تَجْوِيزِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ قِيَاسًا فَلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: نَظَرَا إلَخْ) الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَأُجِيبَا أَنْ يُقْرَأَ بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ وَيَكُونَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مَسْأَلَتُهُ إلَخْ) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ تَدْعُو يَعْنِي أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ مُجَرَّدِ فَقْدِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ مَسْأَلَتُهُ أَوْ لَمْ تَقَعْ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدَانَ فَإِنَّهَا لَا تَدْعُو إلَيْهِ عِنْدَهُ إلَّا عِنْدَ فَقْدِهِمَا وَوُقُوعِ مَسْأَلَتِهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ أَدِلَّةَ الْقِيَاسِ إلَخْ) أَيْ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] (قَوْلُهُ مُطْلَقَةٌ) أَيْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ فَلَا يُرْتَكَبُ إلَّا بِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ الْمُوهِمِ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدْ نُقِلَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْأَكْثَرِ مَا هُنَا مِنْ نَفْيِ الِاشْتِرَاطِ مَعَ أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ نَفْسِهِ وَهَذَا فِي النَّصِّ عَلَى مُشَبَّهِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّ النَّصَّ عَلَى مُشَبَّهِهِ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِيهِ وَهَلْ النَّصُّ عَلَى مُشَبَّهِهِ إلَّا النَّصَّ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ مُشَبَّهُهُ وَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِلْقِيَاسِ لَا مَانِعٌ مِنْهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَمْعَ الزَّرْكَشِيّ بِمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ لَا يَصْلُحُ جَمْعًا فَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: مُخَالَفَةٌ إلَخْ) حَاوَلَ بَعْضٌ الْجَوَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَرَّ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَمَا هُنَا فِيمَا يُشْبِهُهُ وَفِيهِ أَنَّ مُشَبَّهَهُ هُوَ الْأَصْلُ وَالنَّصُّ عَلَيْهِ مُصَحِّحٌ لِلْقِيَاسِ [الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ الْعِلَّةُ] (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهَا) أَيْ مَعْنَى لَفْظِ الْعِلَّةِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الْعِلَّةِ لِمَا أَنَّ تَأْثِيرَهَا فِي الْحُكْمِ كَتَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِي الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ: حَيْثُمَا أُطْلِقَتْ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَمَاكِنِ الْإِطْلَاقِ وَالْمَعْنَى ذُكِرَتْ مُطْلَقَةً كَأَنْ قِيلَ مَثَلًا الْعِلَّةُ الْإِسْكَارُ وَقَوْلُهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْحُكَمَاءِ حَيْثُ يُطْلِقُونَهَا عَلَى الْمُؤَثِّرِ (قَوْلُهُ: تَنْبَنِي عَلَيْهَا مَسَائِلُ تَأْتِي) مِنْهَا مَجِيءُ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِهَا أَوْ بِالنَّصِّ وَمِنْهَا جَوَازُ كَوْنِهَا حُكْمًا شَرْعِيًّا (قَوْلُهُ: هِيَ الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ) اعْتَرَضَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ الْعَلَامَةَ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْأَحْكَامَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا مُضَافَةٌ لَهَا كَالْمِلْكِ إلَى الشِّرَاءِ وَالْقِصَاصِ إلَى الْقَتْلِ وَلَيْسَتْ الْأَحْكَامُ مُضَافَةً إلَى الْعَلَامَاتِ كَالرَّجْمِ إلَى الْإِحْصَانِ وَالْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الْعَلَامَةَ مَا يُعْرَفُ بِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُودُهُ وَلَا وُجُوبُهُ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُ جَامِعٍ أَيْضًا لِخُرُوجِ الْمُسْتَنْبَطَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا عُرِفَتْ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ طَلَبِ عِلَّتِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فَلَوْ عُرِفَ الْحُكْمُ بِهَا لَكَانَ الْعِلْمُ بِهَا سَابِقًا عَنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُعَرِّفَ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهَا هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَالْمُعَرِّفُ بِالْعِلَّةِ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهَا هُوَ حُكْمُ الْفَرْعِ فَلَا دَوْرَ، فَإِنْ قِيلَ هُمَا مِثْلَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَاهِيَّةِ وَلَوَازِمِهَا قُلْنَا لَا يُنَافِي

أَنَّهُ مُعَرِّفٌ أَيْ عَلَامَةٌ عَلَى حُرْمَةِ الْمُسْكِرِ كَالْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ. (وَحُكْمُ الْأَصْلِ) عَلَى هَذَا (ثَابِتٌ بِهَا لَا بِالنَّصِّ) (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُفِيدُ لِلْحُكْمِ قُلْنَا لَمْ يُفِدْهُ بِقَيْدِ كَوْنِ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَالْمُفِيدُ لَهُ هُوَ الْعِلَّةُ إذْ هِيَ مَنْشَأُ التَّعْدِيَةِ الْمُحَقِّقَةِ لِلْقِيَاسِ (وَقِيلَ) الْعِلَّةُ (الْمُؤَثِّرُ بِذَاتِهِ) فِي الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَتْبَعُ الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنَ أَحَدِهِمَا أَجْلَى مِنْ الْآخَرِ بِعَارِضٍ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَامَةٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّنَا إذَا اطَّلَعْنَا عَلَى الْعِلَّةِ اسْتَفَدْنَا مِنْهَا عِلْمًا وَهُوَ حُرْمَةُ الْمُسْكِرِ فِي الْمِثَالِ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِ الْعِلَّةِ عَلَامَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْنَاهَا عَلَى قَوْلِ الْغَزَالِيِّ الْآتِي (قَوْلُهُ عَلَى حُرْمَةِ الْمُسْكِرِ) أَيْ تَعَلُّقُ الْحُرْمَةِ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ أَيْ عَلَى ظُهُورِ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَهُوَ قَدِيمٌ (قَوْلُهُ كَالْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ) مِثَالٌ لِلْفَرْعِ وَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تُنْسَبُ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الْأَصْلِ) أَيْ كَوْنُ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْمَحَلُّ لِلْفَاءِ فَكَانَ الْأَوْلَى فَحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ (قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا) احْتَرَزَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ فَلَا يَجِيءُ فِيهَا خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ عَنْ مَجْمُوعِهِمَا لِاحْتِمَالِ مَجِيئِهِ عَلَى الْأَخِيرِ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِيمَا أَعْلَمُ اهـ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: ثَابِتٌ بِهَا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الثُّبُوتِ إنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ لَزِمَ كَوْنُ الْعِلَّةِ مُؤَثِّرَةً وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ لَزِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَعْرِفُ الْحُكْمَ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ إلَّا مِنْ النَّصِّ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي أَنَّ الْمُرَادَ الثُّبُوتُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا لَمْ يُفِدْهُ) أَيْ الْحُكْمُ فَإِنَّ الْعِلَّةَ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ مَنُوطًا بِهَا حَتَّى إذَا وُجِدَتْ بِمَحَلٍّ آخَرَ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ أَيْضًا، وَالنَّصُّ يُعَرِّفُ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى ذَلِكَ فَلَيْسَا مُعَرِّفَيْنِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَعَدُّدَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ) أَيْ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ أَيْ إفَادَةِ الْحُكْمِ مَعَ كَوْنِ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُفِيدُ لَهُ الْعِلَّةُ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ مُفِيدَةٌ لِلْحُكْمِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَلَا مِنْ حَيْثُ تَعَدِّيهِ، وَإِنَّمَا الْمُفِيدُ لَهُ النَّصُّ وَهُوَ مُنَوِّهٌ بِالْعِلَّةِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ تَقَيُّدُهُ بَعْدَ تَقَرُّرِ النَّصِّ وَعَلَيْهِ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: إذْ هِيَ مَنْشَأُ التَّعْدِيَةِ) أَيْ الْمَحَلِّ وَأَوْرَدَ أَنَّ التَّعْدِيَةَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ تَكُونُ هِيَ الْمَنْشَأُ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ هِيَ الْمَحَلُّ الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِهِ فَهِيَ الْمُحَقِّقَةُ لَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرُ بِذَاتِهِ) أَيْ حَقِيقَةً كَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ لِقَوْلِهِمْ بِالْوُجُوبِ عَلَى اللَّهِ وَرِعَايَةِ الْأَصْلَحِ فَالْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ شَرْعَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَعِنْدَنَا كَمَا أَنَّ آثَارَ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً، وَمَعْنَى تَأْثِيرِهَا جَرَيَانُ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهَا عَقِبَهَا كَذَلِكَ الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ أَمَارَاتٌ لِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَحْكَامَ عِنْدَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُؤَثِّرَةً بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا بِمَعْنَى نَوْطِهِ الْمَصَالِحَ بِهَا تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا حَتَّى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ إذْ كَوْنُ الْبَعْثِ لِاهْتِدَاءِ النَّاسِ وَكَوْنُ الْمُعْجِزَةِ لِتَصْدِيقِهِمْ لَازِمَهَا فَمُنْكِرُهُ مُنْكِرُهَا لَكِنْ لَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ

وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ) هِيَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ (بِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ بِجَعْلِهِ لَا بِالذَّاتِ (وَقَالَ الْآمِدِيُّ) هِيَ (الْبَاعِثُ عَلَيْهِ) وَقَالَ إنَّهُ مُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِهَا أَيْ أَنَّهَا بَاعِثٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ مُرَادَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّصَّ مُعَرِّفٌ لَهُ وَأَنَّ كُلًّا لَا يُخَالِفُ الْآخَرَ فِي مُرَادِهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ إنَّمَا نُفَسِّرُ الْعِلَّةَ بِالْمُعَرِّفِ وَلَا نُفَسِّرُهَا بِالْبَاعِثِ أَبَدًا وَنُشَدِّدُ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ فَسَّرَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يَبْعَثُهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ عَبَّرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَنْهَا بِالْبَاعِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُنِطْهَا بِهَا لَكَانَ عَبَثًا وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَصِيرُ عَبَثًا لَوْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا الْمَصَالِحُ وَلَيْسَتْ أَغْرَاضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُشْرَعْ لِقَصْدِ حُصُولِهَا، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدَهُ بِإِرَادَتِهِ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَكْمِلًا بِهَا حَيْثُ تَرَجَّحَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَهِيَ مَصَالِحُ لِأَغْرَاضِ التَّعْلِيلَاتِ الْوَارِدَةِ مِثْلَ: {إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْأَغْرَاضِ وَالْبَوَاعِثِ كَذَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ لِلْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ وَأَنَّ الْحُكْمَ حَادِثٌ بِنَاءً عَلَى نَفْيِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِيهِ) أَيْ فِي تَعَلُّقِهِ لَا فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ قَدِيمٌ يَمْتَنِعُ التَّأْثِيرُ فِيهِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْعِلَّةَ حَادِثَةٌ وَالْحُكْمُ قَدِيمٌ وَالْحَادِثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ: بِإِذْنِ اللَّهِ) فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ الْعَادِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ يَجْعَلُهُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا مَتَى تَحَقَّقَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهِ الِارْتِبَاطِ الْعَادِيِّ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَبِهَذَا يَرْجِعُ كَلَامُهُ إلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ الِارْتِبَاطُ بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ وَعَلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ مُرَادَ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يَبْعَثُهُ شَيْءٌ إلَخْ) لِأَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ بِالْأَغْرَاضِ. وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الْبَارِي تَابِعَةٌ لِلْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ تَفَضُّلًا لَا وُجُوبًا كَمَا يَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ فَمُرَادُهُمْ أَنَّهَا مُرْتَبِطَةٌ بِالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا فِي الْوُجُودِ بَلْ بِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ عَلَى شَرْعِيَّتِهَا وَأَنَّهَا ثَمَرَاتٌ لِتَعَلُّقِهَا تَعُودُ تِلْكَ الْحِكَمُ وَالْمَصَالِحُ عَلَيْنَا لَا أَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا فِي الْوُجُودِ حَتَّى تَكُونَ عِلَّةً غَائِيَّةً بَاعِثَةً لَهُ تَعَالَى كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَقَوْلِهِ {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: 178] مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِمَالِ الْأَفْعَالِ عَلَى الْمَصَالِحِ الَّتِي تَعُودُ عَلَيْنَا دُونَ الْغَرَضِ وَالْعِلَّةِ الْغَائِبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ السَّابِقُ وَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ أَيْ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْبَاعِثِ لَمْ يَلْزَمْ التَّشْنِيعُ الْمَذْكُورُ

أَرَادَ أَنَّهَا بَاعِثَةٌ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى الِامْتِثَالِ نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. (وَقَدْ تَكُونُ) الْعِلَّةُ (دَافِعَةً) لِلْحُكْمِ (وَرَافِعَةً) لَهُ (أَوْ فَاعِلَةً الْأَمْرَيْنِ) أَيْ الدَّفْعَ وَالرَّفْعَ مِثَالُ الْأَوَّلِ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ حِلَّ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ وَلَا تَرْفَعُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَنْ شُبْهَةٍ وَمِثَالُ الثَّانِي الرَّضَاعُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ حِلَّ النِّكَاحِ وَيَرْفَعُهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ. (وَ) تَكُونُ الْعِلَّةُ (وَصْفًا حَقِيقِيًّا) وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عُرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا) كَالطُّعْمِ فِي بَابِ الرِّبَا (أَوْ) وَصْفًا (عُرْفِيًّا مُطَّرِدًا) لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَالشَّرَفِ وَالْخِسَّةِ فِي الْكَفَاءَةِ (وَكَذَا) تَكُونُ (فِي الْأَصَحِّ) وَصْفًا (لُغَوِيًّا) كَتَعْلِيلِ حُرْمَةِ النَّبِيذِ بِأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا كَالْمُشْتَدِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَرَادَ أَنَّهَا بَاعِثَةٌ لِلْمُكَلَّفِ) هَذَا أَمْرٌ مُخْتَرَعٌ لِوَالِدِ الْمُصَنِّفِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَعْثَ لِلْحَاكِمِ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمِ أَيْ إظْهَارِ تَعَلُّقِهِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ لَا لِلْمُكَلَّفِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْحُكْمِ قَالَهُ الْكُورَانِيُّ وَكَلَامُ سم مَعَهُ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ: دَافِعَةً لِلْحُكْمِ هُنَا إلَخْ) فِي التَّعْبِيرِ بِالدَّفْعِ وَالرَّفْعِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الِاصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِ تَسَمُّحٌ وَإِلَّا فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ تَكُونُ عَلَامَةً لِلدَّفْعِ أَوْ الرَّفْعِ إذْ التَّعْبِيرُ بِالدَّفْعِ وَالرَّفْعِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ وَمَعْنَى كَوْنِهَا دَافِعَةً لِلْحُكْمِ أَنَّهَا دَافِعَةٌ لِحُدُوثِهِ وَطُرُوِّهِ بِتَعَلُّقِهِ تَنْجِيزًا وَقَوْلُهُ أَوْ رَافِعَةً أَيْ قَاطِعَةً لِاسْتِمْرَارِهِ. وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ مَا تَدْفَعُهُ أَوْ تَرْفَعُهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَقْتَضِي وُجُودَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ حُكْمًا آخَرَ وَهُوَ ضِدُّهُ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ الدَّافِعِ وَالرَّافِعِ فِي أَقْسَامِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِاعْتِبَارِ ضِدِّ حُكْمِهَا مَانِعَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَبَاحِثِ الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِلَّةٌ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ سم لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ ضِدَّ حُكْمِهَا فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ اصْطِلَاحٌ لَا مُشَاحَّةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَرْفَعُهُ) أَيْ النِّكَاحَ أَوْ حِلَّهُ بِمَعْنَى حِلِّ اسْتِمْرَارِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ عَنْ شُبْهَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ نِكَاحَ الزَّوْجِ وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ بَعْدَهَا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَإِنَّمَا تَرْفَعُ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنَّمَا قَالَ كَمَا لَوْ كَانَتْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ عِدَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ مَعَ وُجُودِ النِّكَاحِ مِنْ قَبْلُ (قَوْلُهُ: إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا طَرَأَ الرَّضَاعُ عَلَى النِّكَاحِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ بِرَضِيعَةٍ فَأَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ (قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْعِلَّةُ) لَمْ يَعُدَّ قَدْ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا كَثِيرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ مِنْ لُغَةٍ أَوْ شَرْعٍ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ: عَلَى عُرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ لُغَةٍ أَوْ شَرْعٍ وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا) أَيْ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ لَا خَفِيًّا وَذَلِكَ كَعُلُوقِ الرَّحِمِ أَوْ الْإِنْزَالِ أَوْ الْوَطْءِ فَلَا تُعَلَّلُ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى، وَإِنَّمَا تُعَلَّلُ بِالْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ: مُنْضَبِطًا) أَيْ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْرَادِ فَخَرَجَ الْمَشَقَّةُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ بَلْ يُعَلَّلُ بِالْمُشَاقَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَصْفًا عُرْفِيًّا) فِي زِيَادَةِ وَصْفًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ عُرْفِيًّا قَسِيمُ قَوْلِهِ حَقِيقِيًّا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَمَا بَعْدَهُ بِكَوْنِهِ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ) إذْ لَوْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِهَا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ (قَوْلُهُ: كَالشَّرَفِ) مِثَالٌ لِلنَّفْيِ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ لَا النَّفْيُ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَكُونُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ مَحَلُّ كَذَا نَصْبٌ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مُقَدَّرٍ أَيْ تَكُونُ فِي الْأَصَحِّ وَصْفًا لُغَوِيًّا كَوْنًا كَذَا أَيْ مِثْلَ هَذَا الْكَوْنِ السَّابِقِ اهـ. وَأَقُولُ إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا إنْ جَوَّزْنَا نَصْبَ الْفِعْلِ النَّاقِصِ لِمَصْدَرِهِ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعْنَاهُ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَيَنْبَغِي تَعَلُّقُ هَذَا الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بِالْفِعْلِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: كَالْمُشْتَدِّ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ يُسَمَّى

لَا يُعَلَّلُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِالْأَمْرِ اللُّغَوِيِّ. (أَوْ حُكْمًا شَرْعِيًّا) سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْلُولُ حُكْمًا شَرَعَا أَيْضًا كَتَعْلِيلِ جَوَازِ رَهْنِ الْمُشَاعِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ أَمْ كَانَ أَمْرًا حَقِيقِيًّا كَتَعْلِيلِ حَيَاةِ الشَّعْرِ بِحُرْمَتِهِ بِالطَّلَاقِ وَحِلِّهِ بِالنِّكَاحِ كَالْيَدِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ حُكْمًا؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لَا عِلَّةً، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعَرِّفَ حُكْمٌ حُكْمًا أَوْ غَيْرَهُ (وَثَالِثُهَا) تَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا (إنْ كَانَ الْمَعْلُولُ حَقِيقِيًّا) هَذَا مُقْتَضَى سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ وَفِيهِ سَهْوٌ وَصَوَابُهُ أَنْ يُزَادَ لَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَثَالِثُهَا وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ خِلَافًا وَعَلَى الْجَوَازِ الرَّاجِحِ هَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْأَمْرِ الْحَقِيقِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؟ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ الْحَقُّ الْجَوَازُ فَمُقَابِلُهُ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ تَجْوِيزِهِ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ هُوَ التَّفْصِيلُ فِي الْمَسْأَلَةِ. (أَوْ) وَصْفًا (مُرَكَّبًا) وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمُرَكَّبِ يُؤَدِّي إلَى مُحَالٍ فَإِنَّهُ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهُ فَبِانْتِفَاءٍ آخَرَ يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْجُزْءِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعَامَّةِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عِلَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمُ شَرْطٍ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ شَرْطٌ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ عِلَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا يُعَلَّلُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْأُمُورِ اللُّغَوِيَّةِ فِي الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: أَمْ كَانَ أَمْرًا) عَبَّرَ بِهِ دُونَ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُولَ قَدْ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ وَصْفٍ (قَوْلُهُ: كَتَعْلِيلِ حَيَاةِ الشَّعْرِ) أَيْ كَتَعْلِيلِ ثُبُوتِ الْحَيَاةِ لِلشَّعْرِ لِيَكُونَ الْمُعَلَّلُ نِسْبَةً وَحُكْمًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى حَيَاةِ الشَّعْرِ عَدَمُ تَأَثُّرِهِ بِالْمَنَافِرِ كَالْإِحْرَاقِ وَالْقَطْعِ مَثَلًا لِمَا أَنَّ ذَلِكَ الْإِحْسَاسَ بِالْعَصَبِ الْمُنْبَثِّ وَلَا عَصَبَ فِيهَا وَلِذَلِكَ لَا إحْسَاسَ لِلْعَظْمِ وَمَا نُحِسّهُ أَلَمُ الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعَظْمِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الْمُشَرِّحِينَ، فَفِي الْحَقِيقَةِ الْإِيلَامُ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْمَادَّةِ الْمُحْتَبِسَةِ تَحْتَهَا بِسَبَبِ الِانْضِغَاطِ وَدَفْعِ الطَّبِيعَةِ لِلْجِسْمِ الْغَرِيبِ أَمَّا عَلَى أَنَّهَا مِنْ نَوْعِ الْأَعْصَابِ فَلَا إشْكَالَ كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِنَا الَّتِي فِي عِلْمِ التَّشْرِيحِ (قَوْلُهُ: هَذَا مُقْتَضَى) أَيْ قَوْلُهُ تَكُونُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ) أَيْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْلُولُ حَقِيقِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا، فَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا جَازَ (قَوْلُهُ: أَوْ مُرَكَّبًا) مَعْطُوفٌ عَلَى لُغَوِيًّا فَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الْخِلَافِ السَّابِقِ وَالْأَوْلَى أَمْرًا مُرَكَّبًا لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مُرَكَّبَةً مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ كَتَعْلِيلِ حَيَاةِ الشَّعْرِ بِحِلِّهِ بِالنِّكَاحِ وَحُرْمَتِهِ بِالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: إلَى مُحَالٍ) أَيْ مُحَالٍ عَقْلِيٍّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُرَكَّبَ لَا التَّعْلِيلَ بِهِ (قَوْلُهُ: تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهُ) أَيْ كَوْنُهُ عِلَّةً فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ) أَيْ وَهُوَ إعْدَامُ الْمَعْدُومِ وَرُدَّ زِيَادَةً عَلَى مَا رَدَّ بِهِ الشَّارِحُ بِأَنَّ هَذَا اللُّزُومَ إنَّمَا يَأْتِي فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ لَا الْمُعَرِّفَاتِ وَكُلٌّ مِنْ الِانْتِفَاءَاتِ هُنَا مَعْرُوفٌ لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي اجْتِمَاعِ مُعَرِّفَاتٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْجُزْءِ) أَيْ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا فَكُلَّمَا انْتَفَى جُزْءٌ انْتَفَتْ مَعَهُ الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ: قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْجُزْءِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمُ شَرْطٍ) أَيْ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عِلَّةٌ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ دَفْعُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُؤَثِّرُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْعَدَمِ وَالدَّافِعُ لِذَلِكَ إنَّمَا

فَحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ أَيْ انْتِفَاءُ جُزْءٍ آخَرَ كَمَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَمِنْ التَّعْلِيلِ بِالْمُرَكَّبِ تَعْلِيلُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِمُكَافِئٍ غَيْرِ وَلَدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا أَرَى لِلْمَانِعِ مِنْهُ مُخَلِّصًا إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِوَصْفٍ مِنْهُ وَيُجْعَلَ الْبَاقِي شُرُوطًا فِيهِ وَيَئُولُ الْخِلَافُ حِينَئِذٍ إلَى اللَّفْظِ (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ لَكِنْ (لَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسٍ) مِنْ الْأُجَرَاءِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ وَحَكَاهُ عَنْ حِكَايَتِهِ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ بِلَفْظِ سَبْعَةٍ وَكَأَنَّهَا تَصَحَّفَتْ فِي نُسْخَتِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَيْ الْإِمَامُ وَلَا أَعْرِفُ لِهَذَا الْحَصْرِ حُجَّةً وَقَدْ يُقَالُ فِي حُجِّيَّتِهِ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ قَائِلِهِ وَتَأْنِيثُ الْعَدَدِ عِنْدَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ الْمُذَكَّرِ كَمَا هُنَا جَائِزٌ عَدَلَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَصْلِ اخْتِصَارًا. (وَمِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِهَا) أَيْ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَخْ) فَبَعْدَ انْعِدَامِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لَا يُقَالُ الْبَاقِي عِلَّةٌ (قَوْلُهُ: بِالْقَتْلِ إلَخْ) فَالْوَصْفُ هُنَا مُرَكَّبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ (قَوْلُهُ: غَيْرِ وَلَدٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِخُرُوجِ الْوَلَدِ بِالْمُكَافِئِ إذْ مَعْنَى الْمُكَافَأَةِ أَنْ لَا يَفْضُلَ الْقَاتِلُ قَتِيلَهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ أَمَانٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ أَصْلِيَّةٍ أَوْ سِيَادَةٍ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ انْتِفَاءَ الْوَالِدِيَّةِ جُزْءٌ مِنْ الْعِلَّةِ فَالْوَالِدِيَّةُ مَانِعُ عِلَّةٍ فَجَعْلُهَا فِيمَا مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَانِعَ حُكْمٍ فِيهِ تَجَوُّزٌ. اهـ. زَكَرِيَّا وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ كُفُؤٌ لَهُ، وَعَدَمُ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِالْمُرَكَّبِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَوَّلُ الْخِلَافُ إلَخْ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ وَالْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ، وَمُنِعَ كَوْنُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا بِأَنَّ مَنْ قَالَ بِعِلِّيَّةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا يَشْتَرِطُ الْمُنَاسَبَةَ فِي جَمِيعِهَا وَمَنْ قَالَ جُزْءٌ مِنْهَا الْعِلَّةُ وَالْبَاقِي شُرُوطٌ لَا يَشْتَرِطُ الْمُنَاسَبَةَ فِي الْبَاقِي (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهَا تَصَحَّفَتْ فِي نُسْخَتِهِ) أَيْ الْإِمَامِ مِنْ شَرْحِ اللُّمَعِ (قَوْلُهُ: وَلَا أَعْرِفُ لِهَذَا الْحَصْرِ) أَيْ فِي سَبْعَةٍ (قَوْلُهُ: حُجِّيَّتِهِ الِاسْتِقْرَاءُ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الزَّائِدِ لَا عَلَى امْتِنَاعِهِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ لَا يَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ قَطْعًا لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَنًّا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ جَازَ مَعَ كَثْرَةِ التَّعْلِيلَاتِ لَوَقَعَ وَلَوْ قَلِيلًا فَعَدَمُ وُقُوعِهِ يُوجِبُ ظَنَّ امْتِنَاعِهِ (قَوْلُهُ: وَتَأْنِيثُ الْعَدَدِ) أَيْ الْإِتْيَانُ فِيهِ بِالصِّيغَةِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُؤَنَّثِ وَهِيَ الْمُجَرَّدَةُ مِنْ التَّاءِ (قَوْلُهُ: عَنْ الْأَصْلِ) أَيْ الْكَثِيرِ الْغَالِبِ أَوْ الْأَصْلِ الَّذِي تَبِعَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِالْعِلَّةِ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا لِلتَّعْدِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُلْحَقَ بِهِ هُوَ الْأَصْلُ فَبَاءُ التَّعْدِيَةِ مَحْذُوفَةٌ مَعَ مَدْخُولِهَا أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْأَصْلِ

(اشْتِمَالُهَا عَلَى حِكْمَةٍ تَبْعَثُ) الْمُكَلَّفَ (عَلَى الِامْتِثَالِ وَتَصْلُحُ شَاهِدًا لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ) بِالْعِلَّةِ كَحِفْظِ النُّفُوسِ فَإِنَّهُ حِكْمَةُ تَرَتُّبِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى عِلَّتِهِ مِنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ اُقْتُصَّ مِنْهُ انْكَفَّ عَنْ الْقَتْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: اشْتِمَالُهَا) أَيْ اشْتِمَالُ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ عَلَى حِكْمَةٍ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ بِانْتِفَائِهَا فِي صُورَةٍ وَقَوْلُهُ يَصْلُحُ شَاهِدًا لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ أَيْ دَلِيلًا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ كَأَنْ يُقَالَ لِمَاذَا كَانَ السَّفَرُ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ فَيُقَالُ لِلْمَشَقَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةٍ مُقَدَّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ دِينَنَا يُسْرٌ مَثَلًا وَتُلَاحَظُ الْمُقَدِّمَةَ فِي قَوْلِنَا مَثَلًا لِمَاذَا تَرَتَّبَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى عِلَّتِهِ؟ فَيُقَالُ لِحِفْظِ النُّفُوسِ بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنْ تَضْيِيعِ النُّفُوسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: حِكْمَةُ تَرَتُّبِ) بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا وَلَا يَرِدُ عَلَى الْإِضَافَةِ اقْتِضَاؤُهَا أَنَّ الْمُشْتَمِلَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْحِكْمَةُ دُونَ الْعِلَّةِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مُفَادِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَهَا ارْتِبَاطٌ

وَقَدْ يُقَدِّمُ عَلَيْهِ تَوْطِينًا لِنَفْسِهِ عَلَى تَلَفِهَا وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ تَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ مِنْ الْقَاتِلِ وَوَلِيَّ الْأَمْرِ عَلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ إيجَابُ الْقِصَاصِ بِأَنْ يُمَكِّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَارِثَ الْقَتِيلِ مِنْ الِاقْتِصَاصِ، وَتَصْلُحُ شَاهِدًا لِإِنَاطَةِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِعِلَّتِهِ فَيَلْحَقُ حِينَئِذٍ الْقَتْلُ بِمُثَقَّلٍ بِالْقَتْلِ بِمُحَدِّدٍ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِلَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ تَبْعَثُ عَلَى الِامْتِثَالِ أَيْ حَيْثُ يُطَّلَعُ عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِمَا لَا يُطَّلَعُ عَلَى حِكْمَتِهِ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْعِلَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (كَانَ مَانِعُهَا وَصْفًا وُجُودِيًّا يُخِلُّ بِحِكْمَتِهَا) كَالدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَدِينِ فَإِنَّهُ وَصْفٌ وُجُودِيٌّ يُخِلُّ بِحِكْمَةِ الْعِلَّةِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ الْمُعَلَّلِ بِمِلْكِ النِّصَابِ وَهِيَ الِاسْتِغْنَاءُ بِمِلْكِهِ فَإِنَّ الْمَدِينَ لَيْسَ مُسْتَغْنِيًا بِمِلْكِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ بِهِ وَلَا يَضُرُّ خُلُوُّ الْمِثَالِ عَنْ الْإِلْحَاقِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ. (وَمِنْ) شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِهَا (أَنْ تَكُونَ) وَصْفًا (ضَابِطًا لِحِكْمَةٍ) كَالسَّفَرِ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ مَثَلًا لَا نَفْسَ الْحِكْمَةِ كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَدَّمُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ هُنَا تَقْلِيلُ مَفْسَدَةِ الْقَتْلِ لَا دَفْعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ إذْ قَدْ يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْقَتْلِ مُوَطِّنًا نَفْسَهُ عَلَى تَلَفِهَا (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ تَبْعَثُ إلَخْ) أَمَّا وَلِيُّ الْأَمْرِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً. وَأَمَّا الْقَاتِلُ نَفْسُهُ إذَا رَجَعَ إلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ وَمَالَ عَنْ التَّعَصُّبِ لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ حَيْثُ امْتِثَالُ أَمْرِ الشَّارِعِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الْحِكْمَةِ (قَوْلُهُ: وَتَصْلُحُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تُبْعَثُ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُجُودِ شَرْطِ الْإِلْحَاقِ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ وَهُوَ اشْتِمَالُهَا عَلَى الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي إلَخْ) أَيْ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) قَالَ زَكَرِيَّا لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ مَانِعِ الْعِلَّةِ مَا يُخِلُّ بِحِكْمَتِهَا لَا كَوْنُهُ وَصْفًا وُجُودِيًّا أَيْضًا وَكَأَنَّهُ ضَمَّهُ إلَيْهِ لِيُفِيدَ تَفْرِيعَ مَانِعِ الْعِلَّةِ بِاخْتِصَارٍ عَلَى أَنَّ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ مَانِعُ الْإِلْحَاقِ بِهَا لَا مَانِعُهَا (قَوْلُهُ يُخِلُّ بِحِكْمَتِهَا) هَذَا هُوَ مَحَطُّ التَّفْرِيعِ (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ) أَيْ لَا عَلَى أَنَّهُ عَدَم اشْتِرَاطٍ أَوْ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ خُلُوُّ الْمِثَالِ) أَيْ فَإِنَّ الْمِثَالَ لِلْمَانِعِ الْمُخِلِّ بِالْحِكْمَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِهَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَانِعٌ مِنْ التَّعْلِيلِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْعِلَّةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا ثُمَّ هَذَا إنَّمَا يُنَاسِب مَنْ يَخُصُّ الْقِيَاسَ بِالْفِقْهِ. وَأَمَّا مَنْ يُجِيزُهُ فِي اللُّغَوِيَّاتِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا؛ لِأَنَّ اللُّغَوِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ لَا حُكْمَ فِيهَا وَلَا حِكْمَةَ يُنَاطُ بِهَا (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ انْضِبَاطهَا) ؛ لِأَنَّ مَرَاتِبَ الْمَشَقَّةِ لَا تُحْصَى لِاخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ

(وَقِيلَ يَجُوزُ كَوْنُهَا نَفْسَ الْحِكْمَةِ) ؛ لِأَنَّهَا الْمَشْرُوعُ لَهَا الْحُكْمُ (وَقِيلَ) يَجُوزُ (إنْ انْضَبَطَتْ) لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ. (وَ) مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِهَا (أَنْ لَا تَكُونَ عَدَمًا فِي الثُّبُوتِيِّ) (وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ (وَخِلَافًا لِلْآمِدِيِّ) هَذَا انْقَلَبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ سَهْوًا ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْهَا مَنَاطًا وَلَا تَتَعَيَّنُ مَرْتَبَةٌ مِنْهَا إذْ لَا طَرِيقَ إلَى تَمْيِيزِهَا بِنَفْسِهَا فَنِيطَ الْقَصْرُ وَنَحْوُهُ بِرُخْصِ السَّفَرِ بِالسَّفَرِ الْخَاصِّ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: إنْ انْضَبَطَتْ) أَيْ كَحِفْظِ النُّفُوسِ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الِانْضِبَاطِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ عَدَمًا إلَخْ) الْوَجْهُ عَدَمُ هَذَا الِاشْتِرَاطِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُؤَثِّر

وَصَوَابُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وِفَاقًا لِلْآمِدِيِّ وَخِلَافًا لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ تَعْلِيلَ الثُّبُوتِيِّ بِالْعَدَمِيِّ لِصِحَّةِ أَنْ يُقَالَ ضَرَبَ فُلَانٌ عَبْدَهُ لِعَدَمِ امْتِثَالِهِ فِي أَمْرِهِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِالْكَفِّ عَنْ الِامْتِثَالِ وَهُوَ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ وَالْخِلَافُ فِي الْعَدَمِ الْمُضَافِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّلِيلِ وَجَوَابِهِ لَكِنَّ الْآمِدِيَّ إنَّمَا مَنَعَ الْعَدَمَ الْمَحْضَ أَيْ وَالْمُطْلَقَ وَأَجَازَ الْمُضَافَ الصَّادِقَ بِالْوُجُودِيِّ كَالْإِمَامِ وَالْأَكْثَرِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا جُزْؤُهُ عَدَمِيٌّ وَيَجُوزُ وِفَاقًا تَعْلِيلُ الْعَدَمِيِّ بِمِثْلِهِ أَوْ بِالثُّبُوتِيِّ كَتَعْلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ أَوْ بِالْإِسْرَافِ كَمَا يَجُوزُ قَطْعًا تَعْلِيلُ الْوُجُودِيِّ بِمِثْلِهِ كَتَعْلِيلِ حُرْمَةِ الْخَمْرِ بِالْإِسْكَارِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّعْلِيلِ الثُّبُوتِيِّ بِالْعَدَمِيِّ مَا يُقَالُ يَجِبُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ إسْلَامِهِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ لِكُفْرِهِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ عَدَمِ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَتَيْنِ مَنْفِيَّةٍ وَمُثْبَتَةٍ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي التَّعْبِيرِ (وَالْإِضَافِيُّ) كَالْأُبُوَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْعَدَمِيَّ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الثُّبُوتِيُّ وَقَوْلُهُ فِي الثُّبُوتِيِّ أَيْ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ بِدَلِيلِ الْمِثَالِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ ضَرَبَ فُلَانٌ عَبْدَهُ فَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِالشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَصَوَابُهُ) أَيْ لِمُجَرَّدِ مُوَافَقَةِ النَّقْلِ وَإِنْ كَانَ يَأْتِي لَهُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي تَجْوِيزِهِ تَعْلِيلٌ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فِي تَجْوِيزِهِ عِنْدَ الْإِلْحَاقِ عِنْدَ تَعْلِيلِ الثُّبُوتِيِّ بِالْعَدَمِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِلْحَاقِ (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ) أَيْ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا وَقَوْلُهُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ إنَّمَا مَعَ إلَخْ نَفْيٌ لِلْخِلَافِ فِي الْوَاقِعِ وَالْحَقِيقَةِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ تَوَارُدِ الْخِلَافِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْعَدِمِ الْمَحْضِ وَالْجَوَازَ فِي الْمُضَافِ (قَوْلُهُ: يُؤْخَذُ مِنْ الدَّلِيلِ إلَخْ) جِهَةُ الْأَخْذِ مِنْ الدَّلِيلِ إضَافَةُ الْعَدَمِ فِيهِ إلَى امْتِثَالِ أَمْرِ السَّيِّدِ وَمِنْ الْجَوَابِ الْإِشَارَةُ إلَى الْعَدَمِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ مَعَ التَّفْسِيرِ بِالْكَفِّ عَنْ الِامْتِثَالِ (قَوْلُهُ: وَأَجَازَ) أَيْ الْآمِدِيُّ الْمُضَافَ أَيْ التَّعْلِيلَ بِهِ وَقَوْلُهُ الصَّادِقَ بِالْوُجُودِيِّ أَيْ كَمَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ إذْ يَصْدُقُ عَدَمُ الِامْتِثَالِ بِكَفِّ النَّفْسِ عَنْ الِامْتِثَالِ وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَمَا مَرَّ وَفِي قَوْلِهِ الصَّادِقَ بِالْوُجُودِيِّ دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الصَّادِقَ بِالْوُجُودِيِّ لَيْسَ مِنْ الْعَدَمِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَلْ مِنْ الْوُجُودِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْعَدَمِ الْإِضَافِيِّ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِنْ صَدَقَ بِالْوُجُودِيِّ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي الْخِلَافُ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُرَكَّبَةً مِنْ جُزْأَيْنِ مَثَلًا وَأَحَدُهُمَا عَدَمِيٌّ كَأَنْ يُعَلَّلَ تَعَيُّنُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِأَنَّهُ قَتْلٌ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ لِكُفْرِهِ) أَيْ فَصِحَّةُ هَذَا لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: عَدَمِيٌّ) نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَا وُجُودَ

[العلة القاصرة]

(عَدَمِيٌّ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ فَفِي جَوَازِ تَعْلِيلِ الثُّبُوتِيِّ بِهِ الْخِلَافُ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَانِعِ التَّمْثِيلُ لِلْوُجُودِيِّ بِالْأُبُوَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَدَمَ شَيْءٍ وَمَرْجِعُ الْقِيَاسِ إلَيْهِمْ فَلَا يُنَاسِبُهُمْ أَنْ يُقَالَ فِيهِ وَالْإِضَافِيُّ عَدَمِيٌّ. (وَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِمَا لَا يُطَّلَعُ عَلَى حِكْمَتِهِ) كَمَا فِي تَعْلِيلِ الرِّبَوِيَّاتِ بِالطُّعْمِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَخْلُو عِلَّةٌ عَنْ حِكْمَةٍ لَكِنْ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَطَعَ بِانْتِفَائِهَا فِي صُورَةٍ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَ) صَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ (بْنُ يَحْيَى يَثْبُتُ الْحُكْمُ) فِيهَا (لِلْمَظِنَّةِ وَقَالَ الْجَدَلِيُّونَ لَا) يَثْبُتُ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْمَظِنَّةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْمَئِنَّةِ مِثَالُهُ مَنْ مَسْكَنُهُ عَلَى الْبَحْرِ وَنَزَلَ مِنْهُ فِي سَفِينَةٍ قَطَعَتْ بِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فِي لَحْظَةٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِهِ هَذَا. (وَ) الْعِلَّةُ (الْقَاصِرَةُ) وَهِيَ الَّتِي لَا تَتَعَدَّى مَحَلَّ النَّصِّ (مَنَعَهَا قَوْمٌ) عَنْ أَنْ يُعَلَّلَ بِهَا (مُطْلَقًا وَالْحَنَفِيَّةُ) مَنَعُوهَا (إنْ لَمْ تَكُنْ) ثَابِتَةً (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) قَالُوا جَمِيعًا لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا وَحِكَايَةُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ مُعْتَرَضَةٌ بِحِكَايَةِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخِلَافَ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ (وَالصَّحِيحُ جَوَازُهَا) مُطْلَقًا (وَفَائِدَتُهَا مَعْرِفَةُ الْمُنَاسَبَةِ) بَيْنَ الْحُكْمِ وَمَحَلِّهِ فَيَكُونُ أَدْعَى لِلْقَبُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا فِي الْخَارِجِ (قَوْلُهُ: فَفِي جَوَازِ تَعْلِيلِ إلَخْ) كَتَعْلِيلِ وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ بِالْأُبُوَّةِ (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَدَمَ شَيْءٍ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِيِّ مَا لَيْسَ عَدَمَ شَيْءٍ (قَوْلُهُ: أَنْ يُقَالَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي مَبْحَثِ الْقِيَاسِ أَوْ فِي بَابِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَالثَّمَنِيَّةِ فِي الْأَثْمَانِ (قَوْلُهُ: وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) يُنْظَرُ مَا وَجْهُ الْفَهْمِ مِنْهُ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِمَا لَا نَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ صَادِقٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ حِكْمَةٌ أَصْلًا أَوْ تَكُونَ وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا لَكِنْ لَوْ ضَمَّ مَا هُنَا قَوْلُهُ: فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِهَا اشْتِمَالُهَا عَلَى حِكْمَةٍ لَفُهِمَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ تَحَقُّقِ الْمَئِنَّةِ) أَيْ الْجَزْمِ بِالْعَدَمِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْأَوْلَى عِنْدَ تَخَلُّفِ الْمَئِنَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَئِنَّةَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَتَحَقُّقُهَا تَبَيُّنُهَا مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ أَنَّهُ عَلَى حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ انْتِفَاءِ الْمَئِنَّةِ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِهِ هَذَا) أَيْ عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ يَحْيَى الْمُوَافِقِ لِلْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا وَمِثْلُهُ اسْتِبْرَاءُ الصَّغِيرَةِ إذْ حِكْمَةُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ تَحَقُّقُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِيهَا بِدُونِ اسْتِبْرَاءٍ وَلَيْسَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ مُطَّرِدًا بَلْ قَدْ يُرَجَّعُ فِيهِ انْتِفَاؤُهُ كَمَنْ قَامَ مِنْ النَّوْمِ مُتَيَقِّنًا طَهَارَةَ يَدِهِ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ غَمْسُهَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيمَا ذَكَرَ يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ كَإِلْحَاقِ الْفِطْرِ بِالْقَصْرِ لِلْمَظِنَّةِ فَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ اشْتِمَالُهَا عَلَى حِكْمَةٍ شَرْطٌ لِلْقَطْعِ بِجَوَازِ الْإِلْحَاقِ [الْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ] (قَوْلُهُ: مَنَعَهَا قَوْمٌ) مَعْنَى الْمَنْعِ فِي جَانِبِ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا النَّصُّ لَا أَنَّهُ إذَا وَرَدَ بِهَا النَّصُّ يُقَالُ هَذِهِ مَمْنُوعَةٌ إذْ مَنْعُ النَّصِّ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَسْتَقِيمُ (قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ الِاعْتِرَاضِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ ثَبَتَتْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوَّلًا. وَأَوْرَدَ الشِّهَابُ أَنَّ الثَّابِتَةَ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهَا قَالَ سم وَهُوَ إشْكَالٌ وَارِدٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عِلِّيَّتَهَا وَيَتَأَوَّلُونَ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَالُوا جَمِيعًا) أَيْ الْمَانِعُونَ الْمُطْلِقُونَ وَغَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا) يَأْتِي جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَتُهَا مَعْرِفَةُ الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ فَلَيْسَتْ الْفَائِدَةُ مُنْحَصِرَةً فِي التَّعْدِيَةِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ احْتِجَاجِ الْمَانِعِينَ لِلتَّعْلِيلِ بِهَا بِعَدَمِ فَائِدَتِهَا (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْحُكْمِ) كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَقَوْلُهُ وَمَحَلِّهِ أَيْ كَوْنُهُ خَمْرًا (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ أَدْعَى لِلْقَبُولِ) أُورِدَ أَنَّ «أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحَمْزُهَا» وَمَعْرِفَةُ الْمُنَاسِبِ تُؤَدِّي إلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّعَبُّدُ بِعَدَمِهَا أَفْضَلُ

(وَمَنْعُ الْإِلْحَاقِ) بِمَحَلِّ مَعْلُولِهَا حَيْثُ يَشْتَمِلُ عَلَى وَصْفٍ مُتَعَدٍّ لِمُعَارَضَتِهَا لَهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ اسْتِقْلَالُهُ بِالْعِلِّيَّةِ (وَتَقْوِيَةُ النَّصِّ) الدَّالِّ عَلَى مَعْلُولِهَا بِأَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (وَزِيَادَةُ الْأَجْرِ عِنْدَ قَصْدِ الِامْتِثَالِ لِأَجْلِهَا) لِزِيَادَةِ النَّشَاطِ فِيهِ حِينَئِذٍ بِقُوَّةِ الْإِذْعَانِ لِقَبُولِ مَعْلُولِهَا وَمِنْ صُوَرِهَا مَا ضَبَطَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَعَدِّيَ لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ (عِنْدَ كَوْنِهَا مَحَلَّ الْحُكْمِ أَوْ جُزْأَهُ الْخَاصَّ) بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي غَيْرِهِ (أَوْ وَصْفَهُ اللَّازِمَ) بِأَنْ لَا يَتَّصِفَ بِهِ غَيْرُهُ لِاسْتِحَالَةِ التَّعَدِّي حِينَئِذٍ. مِثَالُ الْأَوَّلِ تَعْلِيلُ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ بِكَوْنِهِ ذَهَبًا وَفِي الْفِضَّةِ كَذَلِكَ وَمِثَالُ الثَّانِي تَعْلِيلُ نَقْضِ الْوُضُوءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا حَاجَةَ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُنَاسَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ إنَّمَا عَبَدَ لِتِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ كَذَا اعْتَرَضَ الْكُورَانِيُّ وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ أَمْرُ اللَّهِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا وَهُوَ أَشَدُّ فِي الِامْتِثَالِ لِامْتِثَالِ النَّصِّ وَامْتِثَالِ حِكْمَةِ الشَّارِعِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَمَنْعُ الْإِلْحَاقِ إلَخْ) كَتَعْلِيلِ حُرْمَةِ الرِّبَا بِكَوْنِهِ بُرًّا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَمْنَعُ إلْحَاقَ الْأُرْزِ بِالْبُرِّ وَالْبُرُّ اشْتَمَلَ عَلَى وَصْفٍ مُتَعَدِّدٍ وَهُوَ الطُّعْمُ فَتَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَشْتَمِلُ عَلَى وَصْفٍ مُتَعَدٍّ إلَخْ) قَيَّدَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لِيَنْدَفِعَ بِهَا الِاعْتِرَاضُ بِدُونِهَا عَلَى مَنْ قَرَّرَ الْفَائِدَةَ الْمَذْكُورَةَ بِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ قُصُورَ الْعِلَّةِ عَلِمَ امْتِنَاعَ إلْحَاقِ فَرْعٍ بِمَحَلِّ مَعْلُولِهَا لِانْتِفَائِهَا عَنْهُ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ بِلَا فَرْعٍ وَلَا فَرْعَ هُنَا. فَأَجَابَ الشَّارِحُ كَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ تَكُونُ حَيْثُ اشْتَمَلَ مَحَلُّ الْمَعْلُولِ عَلَى وَصْفٍ آخَرَ مُتَعَدٍّ إذْ الْقَاصِرَةُ تُعَارِضُهُ فَلَا يُقَاسُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُزْئَيْ الْعِلَّةِ فَلَا تَعْدِيَةَ وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً فَتَحْصُلُ التَّعْدِيَةُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يَثْبُتُ بِهِ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُتَعَدِّيَ مُسْتَقِلٌّ بِالْعِلِّيَّةِ لَا جُزْءٌ لِتَصِحَّ التَّعْدِيَةُ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي التَّرْجِيحَاتِ مِنْ أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا قُدِّمَتْ الْمُتَعَدِّيَةُ عَلَى قَوْلٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَتَا لِحُكْمَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لِمُعَارَضَتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْوَاقِعِ أَوْ الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا) أَيْ لَا قَطْعِيًّا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّقْوِيَةِ وَإِلَّا فَالنَّصُّ الْقَطْعِيُّ قَوِيٌّ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ قَبُولِهِ التَّأْوِيلَ، وَفِيهِ أَنَّ مَرَاتِبَ النَّصِّ وَالْيَقِينِ تَتَفَاوَتُ (قَوْلُهُ: لِزِيَادَةِ النَّشَاطِ) عِلَّةٌ لِزِيَادَةِ الْأَجْرِ عِنْدَ قَصْدِ الِامْتِثَالِ لِأَجْلِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ هُنَاكَ عِبَادَتَانِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالْحِكْمَةُ وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُنَاسَبَةِ وَالنَّشَاطُ لَا يُنَافِي كَوْنَ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ أَحَمْزَهَا أَيْ أَشَدَّهَا عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَشَدِّيَّةُ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ وَصُعُوبَتِهِ فِي نَفْسِهِ لَا لِعَدَمِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ لَهُ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حِكْمَتِهِ وَإِنْ قَلَّ وَهَذَا لَا يُنَافِي النَّشَاطَ فَانْدَفَعَ بَحْثُ الْكُورَانِيِّ بِأَنَّ مَا لَا يُطَّلَعُ عَلَى حِكْمَتِهِ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحَمْزُهَا (قَوْلُهُ: لِقُوَّةِ الْإِذْعَانِ) عِلَّةٌ لِزِيَادَةِ النَّشَاطِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى بِنَاءِ هَذِهِ الْفَائِدَةِ عَلَى الْفَائِدَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: أَوْ وَصْفِهِ اللَّازِمِ) يَعْنِي اللَّازِمَ الْخَاصَّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ إلَخْ لِيُخْرِجَ اللَّازِمَ الْعَامَّ فَإِنَّهُ كَالْجُزْءِ الْعَامِّ اهـ زَكَرِيَّا. وَفِيهِ أَنَّ اللَّازِمَ لَا يَكُونُ خَاصًّا بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا أَوْ مُسَاوِيًا ثُمَّ إنَّ تَعْبِيرَهُ أَوَّلًا بِالْخَاصِّ وَثَانِيًا بِاللَّازِمِ تَفَنُّنٌ وَكَذَا قَوْلُهُ بِأَنْ لَا يُوجَدَ وَأَنْ لَا يَتَّصِفَ (قَوْلُهُ: بِكَوْنِهِ ذَهَبًا) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْعِلَّةِ الْمَحَلُّ أَنْ تُجْعَلَ الْعِلَّةُ الذَّهَبَ نَفْسَهُ قَالَهُ النَّاصِرُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا مَحَطُّ التَّعْلِيلِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَلْزَمُ الرِّكَّةَ إذَا قَالَ حُرْمَةُ

[التعليل بمجرد الاسم]

فِي الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ بِالْخُرُوجِ مِنْهُمَا وَمِثَالُ الثَّالِثِ حُرْمَةُ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِكَوْنِهِمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ وَخَرَجَ بِالْخَاصِّ وَاللَّازِمِ غَيْرُهُمَا فَلَا يَنْتَفِي التَّعَدِّي عَنْهُ كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيَّةِ النَّقْضَ فِيمَا ذُكِرَ بِخُرُوجِ النَّجَسِ مِنْ الْبَدَنِ الشَّامِلِ لِمَا يَنْقُضُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ وَكَتَعْلِيلِ رِبَوِيَّةِ الْبُرِّ بِالطُّعْمِ (وَيَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ اللَّقَبِ) كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَجَاسَةَ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِأَنَّهُ بَوْلٌ كَبَوْلِ الْآدَمِيِّ (وِفَاقًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَخِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي نَفْيِهِ ذَلِكَ حَاكِيًا فِيهِ الِاتِّفَاقَ مُوَجِّهًا لَهُ بِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ لِتَسْمِيَتِهِ خَمْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ عَدَلُوا عَنْهُ (قَوْلُهُ: فِي الْخَارِجِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ (قَوْلُهُ: بِالْخُرُوجِ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُمَا جُزْءُ مَعْنَى الْخَارِجِ مِنْهُمَا إذْ مَعْنَى الْخَارِجِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا وَصْفُ الْخُرُوجِ فَالْخَارِجُ هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ أَعْنِي النَّقْضَ إذْ هُوَ النَّاقِضُ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ هُوَ الْوُضُوءُ حَتَّى لَا يَصِحَّ التَّمْثِيلُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مَحَلُّ الِانْتِفَاضِ (قَوْلُهُ بِالطَّعْمِ) فَإِنَّهُ وَصْفٌ عَامٌّ لِوُجُودِهِ فِي غَيْرِ الْبُرِّ [التَّعْلِيلُ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ] (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِاللَّقَبِ مَا لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ وَلَا شِبْهِ صُورِيٍّ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِهِمَا عَلَمًا كَانَ أَوْ اسْمَ جِنْسٍ أَوْ مَصْدَرًا وَإِنْ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفَاهِيمِ إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةٌ لُغَةٌ اهـ. زَكَرِيَّا. ثُمَّ إنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ فَإِنَّهُ إمَّا لَقَبٌ شَرْعِيٌّ أَوْ لُغَوِيٌّ أَوْ عُرْفِيٌّ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ بَوْلٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّقَبِ مَا لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: لَا أَثَرَ مَمْنُوعٌ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ بَلْ هِيَ عَلَامَةٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ

[التعليل للحكم الواحد بعلتين فأكثر]

بِخِلَافِ مُسَمَّاهُ مِنْ كَوْنِهِ مُخَامِرًا لِلْعَقْلِ فَهُوَ تَعْلِيلُ الْوَصْفِ (أَمَّا الْمُشْتَقُّ) الْمَأْخُوذُ مِنْ الْفِعْلِ كَالسَّارِقِ وَالْقَاتِلِ (فَوِفَاقٌ) صِحَّةُ التَّعْلِيلِ بِهِ، (وَأَمَّا نَحْوُ الْأَبْيَضِ) مِنْ الْمَأْخُوذِ مِنْ الصِّفَةِ كَالْبَيَاضِ (فَشِبْهُ صُورِيٍّ) وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ. (وَجَوَّزَ الْجُمْهُورُ) (التَّعْلِيلَ) لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ (بِعِلَّتَيْنِ) فَأَكْثَرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لِلْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَامَاتٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ عَلَامَاتٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ (وَادَّعَوْا وُقُوعَهُ) كَمَا فِي اللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَالْبَوْلِ الْمَانِعِ كُلٌّ مِنْهَا مِنْ الصَّلَاةِ مَثَلًا (وَ) جَوَّزَهُ (ابْنُ فُورَكٍ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ (فِي) الْعِلَّةِ (الْمَنْصُوصَةِ دُونَ الْمُسْتَنْبَطَةِ) لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْمُسْتَنْبَطَةَ الصَّالِحَ كُلٌّ مِنْهَا لِلْعِلِّيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهَا الْعِلَّةَ عِنْدَ الشَّارِعِ فَلَا يَتَعَيَّنُ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا نُصَّ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ بِالْعِلِّيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ مُجَرَّدَ الِاسْمِ عَلَامَةً عَلَى الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُسَمَّاهُ إلَخْ) أَيْ وَصْفَ مُسَمَّاهُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُخَامِرًا لِلْعَقْلِ لَيْسَ مُسَمَّاهُ إنَّمَا مُسَمَّاهُ الْمَاءُ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ الْمُسْكِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ لَا يَصِحُّ بَلْ مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْفِعْلُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَالصِّفَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَدَائِرَةُ الْأَخْذِ أَوْسَعُ مِنْ دَائِرَةِ الِاشْتِقَاقِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْمَصَادِرِ لَا الْأَفْعَالِ وَإِرَادَةُ الْفِعْلِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْحَدَثُ الصَّادِرُ بِاخْتِيَارِ فَاعِلِهِ وَبِالصِّفَةِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْمَوْصُوفِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ لِلْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ (قَوْلُهُ: فَوِفَاقٌ) مَمْنُوعٌ فَفِي التَّقْرِيبِ لِسُلَيْمٍ الرَّازِيّ حِكَايَةُ قَوْلٍ بِالْمَنْعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: صِحَّةُ التَّعْلِيلِ بِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وِفَاقٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وِفَاقٌ خَبَرًا لِلْمُشْتَقِّ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذُو وِفَاقٍ (قَوْلُهُ: مِنْ الصِّفَةِ) أَيْ الْقَائِمَةِ بِالْغَيْرِ (قَوْلُهُ: فَشَبَهٌ صُورِيٌّ) لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ وَلَا فِيمَا هُوَ نَحْوُهُ كَالْأَسْوَدِ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ) أَيْ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ [التَّعْلِيلَ لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ] (قَوْلُهُ: لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ) أَيْ بِالشَّخْصِ إذْ الْوَاحِدُ بِالنَّوْعِ يَجُوزُ تَعَدُّدُ عِلَلِهِ كَتَعْلِيلِ حِلِّ قَتْلِ زَيْدٍ بِالرِّدَّةِ وَعُمَرَ بِالْقَوَدِ وَبَكْرٍ بِالزِّنَا كَذَا قَالُوا وَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت عَدَمَ التَّعَدُّدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ. وَأَمَّا النَّوْعُ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْقَتْلِ فَلَمْ يُعَلَّلْ، وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ لِأَفْرَادِهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ مُسْتَنْبَطَةٌ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: عَلَامَاتٍ) أَيْ لَا مُؤَثِّرَاتٍ حَتَّى يَلْزَمَ اجْتِمَاعُ مُؤَثِّرَيْنِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: الْمَانِعِ كُلٌّ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ فَكُلُّ وَاحِدٍ عِلَّةٌ لِلْمَنْعِ يَسْتَقِلُّ بِهِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْمُسْتَنْبَطَةِ) أَيْ فَلَمْ يَجْزِمْ بِالْجَوَازِ فِيهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ إذْ لَوْ كَانَ جَازِمًا بِالنَّفْيِ مَا صَحَّ التَّعْلِيلُ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهَا الْعِلَّةَ) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ اعْتَبَرَ الْمُجْتَهِدُ كُلًّا مِنْهَا عِلَّةً بِرَأْسِهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَيَّنُ)

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِقْلَالُ بِالِاسْتِنْبَاطِ أَيْضًا وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَكْسَ هَذَا أَيْضًا أَيْ جَوَازَهُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ قَطْعِيَّةٌ فَلَوْ تَعَدَّدَتْ لَزِمَ الْمُحَالُ الْآتِي بِخِلَافِ الْمُسْتَنْبَطَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِيهَا عِنْدَ الشَّارِعِ مَجْمُوعَ الْأَوْصَافِ وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَوْلَ لِقَوْلِهِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ (وَمَنَعَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَرْعًا مُطْلَقًا) مَعَ تَجْوِيزِهِ عَقْلًا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ شَرْعًا لَوَقَعَ وَلَوْ نَادِرًا لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ. وَأُجِيبَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ اللُّزُومِ بِمَنْعِ عَدَمِ الْوُقُوعِ وَأُسْنِدَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَدَثِ وَالْإِمَامُ يَجْعَلُ الْحُكْمَ فِيهَا مُتَعَدِّدًا أَيْ: الْحُكْمَ الْمُسْتَنِدَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرَ الْمُسْتَنِدِ إلَى آخَرَ وَإِنْ اتَّفَقَا نَوْعَانِ (وَقِيلَ يَجُوزُ فِي التَّعَاقُبِ) دُونَ الْمَعِيَّةِ لِلُزُومِ الْمُحَالِ الْآتِي لَهَا بِخِلَافِ التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوجَدُ فِي الثَّانِيَةِ مَثَلًا مِثْلُ الْأَوَّلِ لَا عَيْنُهُ (وَالصَّحِيحُ الْقَطْعُ بِامْتِنَاعِهِ) عَقْلًا لِلُّزُومِ الْمُحَالِ مِنْ وُقُوعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فَلَا نَجْزِمُ بِهِ بَلْ يُحْتَمَلُ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ بِأَنْ يَتَعَيَّنَ الِاسْتِقْلَالُ إلَخْ أَيْ فَلَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِنْبَاطِ) أَيْ اسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ كُلَّ وَصْفٍ بِالْعِلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لَزِمَ الْمُحَالَ الْآتِي) الَّذِي هُوَ جَمْعُ النَّقِيضَيْنِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا قَطْعِيَّةٌ لَا تَتَخَلَّفُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْصُوصٍ قَطْعِيٍّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْعَلَامَاتِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ الْمُحَالَ الْآتِي وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ يَهْدِمُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّعَدُّدِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ جَوَازَ التَّعَدُّدِ ظَنًّا وَهُوَ لَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الشَّارِعِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا عِلَّةً عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ إذْ الْعِبْرَةُ بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لَمْ أَرَهُ مَحْكِيًّا لِغَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلًا لِابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً فِي التَّعَاقُبِ أَوْ فِي الْمُعَيَّنَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمٍ إلَخْ) وَإِلَّا فَالْجَوَازُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ (قَوْلُهُ: وَأَسْنَدَ) أَيْ قَوَّى الْمَنْعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اتَّفَقَا نَوْعًا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا نَوْعًا فِي مُطْلَقِ الْحَدَثِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَعَسُّفٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ وَمُجَرَّدُ تَجْوِيزِ التَّعَدُّدِ لَا يَكْفِي الْإِمَامَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَدِلٌّ (قَوْلُهُ: فِي التَّعَاقُبِ) أَيْ تَعَاقُبِ الْعِلَلِ بِأَنْ يَكُونَ الْعِلَّةُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ لَا ذِكْرِهِمَا فِي زَمَانَيْنِ كَمَا قَرَّرَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ إذْ الْمُلْتَفَتُ إلَيْهِ عِلَّةُ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مِثْلُ الْأَوَّلِ إلَخْ) نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ إلَّا أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالتَّعَاقُبِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ كَانَ التَّعَدُّدُ ظَاهِرِيًّا فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا تَعَدُّدَ حِينَئِذٍ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: امْتِنَاعُهُ عَقْلًا) قَالَ سم يُوهِمُ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ عَقْلًا جَوَازَهُ شَرْعًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا إذْ الْمُمْتَنِعُ عَقْلًا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا اهـ. وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً فِي التَّعَاقُبِ أَوْ فِي الْمَعِيَّةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِمَاعُ عِلَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الْأَصْلُ مَهَّدْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَنَاضَلْنَا عَنْهُ وَادَّعَيْنَا قِيَامَ الْقَاطِعِ عَلَيْهِ وَحَكَمْنَا بِأَنَّ مُخَالِفَهُ مَحْجُوجٌ بِبَرَاهِينِ الْعُقُولِ. وَكَلَامُ الْعُقَلَاءِ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ مُطَابِقٌ عَلَى هَذَا وَمَا هِيَ عِنْدِي إلَّا قَاعِدَةٌ كَامِنَةٌ فِي أَفْئِدَةِ الْعُقَلَاءِ وَاخْتِلَافُ الْأُصُولِيِّينَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ نَظَرِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا، ثُمَّ إذَا خَاضُوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعِيدًا عَنْهَا وَجَدْت أَفْئِدَتَهُمْ تَحُومُ حَوْلَ الْمَنْعِ فَلَا يُوجَدُ وَصْفَانِ فَصَاعِدًا يَحْسُنُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَعَاقَبَا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي السَّبَبَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا كَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا عَلَى حَدَثٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا طَهَارَةٌ أَنَّ الْحَدَثَ الثَّانِيَ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَدِيمِ فِي أَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ بَاقِيَ حَدَثِهِ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَقَدْ يُضَافُ إلَى الثَّانِي فَقَطْ كَمَا فِي اجْتِمَاعِ السَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَقَدْ يُضَافُ إلَى أَمْثَلِهِمَا وَأَشْبَهِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يُوجَدَا مَعًا فَإِمَّا أَنْ يَبْطُلَ عَمَلُهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يَعْمَلَ أَنْسَبُهُمَا أَوْ يَعْمَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ أَوْ يَعْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَكِنْ يَكُونُ النَّاشِئُ حُكْمَيْنِ لَا حُكْمًا وَاحِدًا فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ لَا سَادِسَ لَهَا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إعْمَالُ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ بَلْ إمَّا لَا إعْمَالَ فَلَا حُكْمَ فِرَارًا مِنْ الْعَمَلِ بِعِلَّتَيْنِ، وَإِمَّا إعْمَالٌ وَلَكِنْ حُكْمَانِ أَوْ إعْمَالٌ وَلَكِنْ لِعِلَّةٍ وَالشَّرِيعَةُ عَلَى هَذَا جَارِيَةٌ وَفُرُوعُ الْفِقْهِ دَائِرَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ فُرُوعًا نَفِيسَةً أَذْكُرُ لَك بَعْضَهَا مِنْهَا أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِي خُلْعِ امْرَأَتِهِ هَذَا عَلَى أَلْفٍ وَهَذَا عَلَى أَلْفَيْنِ فَأَوْقَعَا الْخُلْعَ مَعًا، فَقَالَتْ قَبِلْت مِنْكُمَا أَوْ كَانَتْ وَكَّلَتْ وَكِيلَيْنِ فَطَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَكِيلَيْ الزَّوْجِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ وَكِيلَيْ الزَّوْجَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ مُعَاوَضَةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَآخَرَ بِبَيْعِهِ بِأَلْفَيْنِ فَبَاعَا مَعًا لَا يَصِحُّ وَمِنْهَا الْقَاتِلُ الْمُرْتَدُّ ازْدَحَمَ عَلَى قَتْلِهِ عِلَّتَانِ الْقَتْلُ فَنَأْخُذُهُ قِصَاصًا، وَالرِّدَّةُ فَنَأْخُذُهُ تَطْهِيرًا لِلْأَرْضِ مِنْ الْمُفْسِدِينَ وَلَا يُمْكِنُ إعْمَالُهُمَا لِضِيقِ الْمَحَلِّ عَنْهُمَا وَلَوْ ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَعْفُوَ عَنْهُ وَلِيُّ الدَّمِ لَعَمِلَتْ الْعِلَّةُ الْأُخْرَى عَمَلَهَا غَيْرَ أَنَّ الْغَرَضَ ازْدِحَامُ الْعِلَّتَيْنِ فَنُعْمِلُ عِلَّةَ الْقِصَاصِ وَنُسَلِّمُهُ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ غَرَضَ الشَّارِعِ مِنْ تَطْهِيرِ الْأَرْضِ مِنْ الْمُفْسِدِينَ حَاصِلٌ بِإِزْهَاقِ الْوَجْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَغَرَضُ وَلِيِّ الدَّمِ مِنْ التَّشَفِّي لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِإِعْمَالِ الْعِلَّتَيْنِ وَأَنَّ الْقَتْلَ يَقَعُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَمِنْهَا لَوْ اسْتَوْلَدَ مُدَبَّرَتَهُ فَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ أَكْثَرُ سَلَفِ الْأَصْحَابِ وَخَلَفُهُمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى فَيَرْتَفِعُ بِهِ الْأَضْعَفُ كَمَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُسْتَوْلَدَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ وَمِنْهَا الْوَارِثُ الْحَائِزُ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مُوَرِّثِهِ فَفِيهِ سَبَبَا الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَوَّلِ لِقُوَّتِهِ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ فِي جِهَةِ الدَّيْنِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إقْبَاضٍ وَتَعْوِيضٍ وَهُمَا مُتَعَذِّرَانِ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مِلْكُهُ، وَمِنْهَا عِتْقُ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ وَاقِعٌ لِكَوْنِهِ مَالِكًا مُوسِرًا وَبِهَذَا خَرَجَ الْمُعْسِرُ وَالْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْيَسَارِ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا ازْدَحَمَ عِلَّتَانِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ فَالْعِلَّةُ الْعَامَّةُ لِعُمُومِهَا وَتَسْقُطُ الْخَاصَّةُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ مُطْلَقًا وَقَدْ يُقَالُ الْعِلَّةُ فِي مَوْضِعِ الْخُصُوصِ الْخَاصَّةُ وَفِيمَا عَدَاهُ الْعَامَّةُ وَهَذَا إجْحَافٌ وَإِخْرَاجٌ لِوَصْفِ الْعُمُومِ عَنْ صَلَاحِيَةِ الْعِلَّةِ فِي مَوْضِعِ الْخُصُوصِ بِلَا دَاعٍ فَمِنْ ذَلِكَ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا تُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتُ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ. كَذَا قَالُوا وَأَنَا أَرَى الْعِلَّةَ الْفَوَاتَ لَا التَّفْوِيتَ وَأَنَّ خُصُوصَ التَّفْوِيتِ يُلْغَى فَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَالْعَمَلُ مِنْهُمَا لِمَا هُوَ أَقْوَى فِي كُلِّ صُورَةٍ بِخُصُوصِهَا وَلَهُ نَظَائِرُ، مِنْهَا إذَا كَانَ لِلْقَاضِي وَصِيَّةٌ عَلَى يَتِيمٍ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاضٍ وَتِلْكَ صِفَةٌ تَعُمُّ الْيَتِيمَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْيَتَامَى وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَصِيٌّ وَتِلْكَ صِفَةٌ تَبْقَى وَإِنْ زَالَتْ صِفَةُ الْقَضَاءِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْقَضَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَالَ خُصُوصُ كَوْنِهِ قَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْيَتِيمِ بَقِيَ عُمُومُ كَوْنِهِ وَصِيًّا فَلَا يَخْتَصُّ تَصَرُّفُهُ بِزَمَنِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ تَتَعَقَّبُ الْمَحَلَّ عِلَّتَانِ مُقْتَضَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مُقْتَضَى أُخْتِهَا وَنَعْلَمُ أَنَّهُمَا غَيْرَ مُجْتَمِعَيْنِ وَأَنَّ إحْدَاهُمَا وَاقِعَةٌ وَالْأُخْرَى زَائِلَةٌ غَيْرَ أَنَّا لَا نَدْرِي عَيْنَ الذَّاهِبَةِ وَلَا نُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيلِ بِالْمُبْهَمَةِ كَمَا قَدْ

(كَجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ) فَإِنَّ الشَّيْءَ بِاسْتِنَادِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ عِلَّتَيْنِ يَسْتَغْنِي عَنْ الْأُخْرَى فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَغَيْرَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَيَلْزَمُ أَيْضًا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي التَّعَاقُبِ حَيْثُ يُوجَدُ بِالثَّانِيَةِ مَثَلًا نَفْسُ الْمَوْجُودِ بِالْأُولَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ الْمُحَالَ الْأَوَّلَ عَلَى الْمَعِيَّةِ. وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْمُحَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مُعَرِّفَاتٌ مُفِيدَةٌ لِلْعِلْمِ بِهِ فَلَا وَعَلَى الْمَنْعِ حَيْثُ قِيلَ فَمَا يَذْكُرُهُ الْمُجِيزُ مِنْ التَّعَدُّدِ إمَّا أَنْ يُقَالَ فِيهِ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَوَهَّمُ بَلْ هَاهُنَا وَصْفَانِ أُجْمِعَ عَلَى انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ فَهَلْ يَضُرُّ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْحُكْمُ لِلْجَهْلِ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ لَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَهْلِ لَا يَضُرُّ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا كَافِيَةٌ فِي إقَامَةِ الْحُكْمِ؟ هَذَا مَوْضِعُ تَرَدُّدٍ فَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَهَلْ لَهُ وَطْؤُهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مَنْكُوحَةً أَوْ مَمْلُوكَةً أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ يَطَأُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ الْمَنْصُوصُ مِنْهُمَا الثَّانِي وَمِنْهَا مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَارِثٌ وَاحِدٌ وَأَوْصَى لَهُ بِمَالِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَأْخُذُ التَّرِكَةَ إرْثًا وَالثَّانِي يَأْخُذُ وَصِيَّةً وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ دَيْنٌ، فَإِنْ قُلْنَا يَأْخُذُهَا إرْثًا فَلَهُ إمْسَاكُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا وَصِيَّةً قَضَاهُ مِنْهَا وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الِامْتِنَاعُ لَوْ قَضَى مِنْ غَيْرِهَا وَوَافَقَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَأَطَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْوَالِدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُبَاحَثَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ كِتَابَتِهِ لَهَا فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ فِي دَرْسِ الْغَزَالِيَّةِ، وَقُلْت قَدْ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ قَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ، فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا إرْثًا جَازَ لَهُ الْوَطْءُ وَإِنْ قُلْنَا وَصِيَّةً فَهُوَ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَ مَالِكٍ بِالْوَصِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْوَطْءُ حَتَّى يَرُدَّ فَعُلِمَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطَأُ بِمِلْكِ الْإِرْثِ وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَرُدَّ لَا يَدْرِي بِأَيِّ الْمِلْكَيْنِ يَطَأُ فَيَمْتَنِعُ وَطْؤُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْقَابِلِ بِنَظِيرِهِ فِيمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ: كَجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ) إثْبَاتُهُ بِالْكَافِ يَقْتَضِي عَدَمَ انْحِصَارِ الْمُحَالِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيَلْزَمُ أَيْضًا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْنِيًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ اسْتِنَادِهِ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ مُسْتَغْنٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ اسْتِنَادُهُ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ) لَا يُقَالُ شَرْطُ التَّنَاقُضِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَهِيَ هُنَا مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَمَاثِلَةٌ وَهُنَا وَاحِدٌ مُتَّحِدٌ بِالشَّخْصِ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَيْضًا) أَيْ مَعَ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ بِالْكَافِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي التَّعَاقُبِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي الْمَعِيَّةِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُمَا حَصَلَا مَعًا (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُوجَدُ بِالثَّانِيَةِ مَثَلًا) أَيْ كَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَقَوْلُهُ نَفْسُ الْمَوْجُودِ بِالْأُولَى أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِثْلُهُ لَا عَيْنُهُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ إلَخْ) أَيْ خَصَّصَ الْمُحَالَ الْأَوَّلَ بِالْمَعِيَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ الْمُحَالَ الثَّانِيَ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِلتَّعَاقُبِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ الْمُحَالُ الْأَوَّلُ فِي التَّعَاقُبِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ، قَالَ الْعَضُدُ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ هِيَ مَا يُفِيدُ وُجُودَ أَمْرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ شَرْعِيَّةً وَهِيَ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ أَمْرٍ فَلَا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الدَّلِيلِ وَيَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: فَلَا) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ الْمُحَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْعَلَامَاتِ، وَالْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا مُؤَكِّدٌ لِلْعِلْمِ بِالْآخَرِ فَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَبِهَذَا يُرَدُّ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ وَبِالتَّأْكِيدِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَلَامَتَيْنِ وَعَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ لَازِمٌ عَلَى أَنَّهَا مُعَرِّفَاتٌ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِنَادِ الْمَعْرِفَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْأُخْرَى فَيَلْزَمُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ كُلٍّ وَكَذَا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالثَّانِيَةِ غَيْرُ الْحَاصِلِ بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: حَيْثُ قِيلَ بِهِ) أَيْ حَيْثُ سَلَّمَهُ الْخَصْمُ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَذْكُرُهُ الْمُجِيزُ) وَهُمْ الْجُمْهُورُ مُطْلَقًا وَغَيْرُهُمْ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ فِي الْمَعِيَّةِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَحَدُهُمَا

مَثَلًا أَوْ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَالُ فِيهِ بِتَعَدُّدِ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. (وَالْمُخْتَارُ وُقُوعُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ إثْبَاتًا كَالسَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ وَالْغُرْمِ) حَيْثُ يَتْلَفُ الْمَسْرُوقُ أَيْ لِوُجُوبِهِمَا (وَنَفْيًا كَالْحَيْضِ لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا) كَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَيْ لِحُرْمَتِهَا وَقِيلَ يَمْتَنِعُ تَعْلِيلُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُنَاسَبَتَهَا لِحُكْمٍ تَحَصَّلَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا فَلَوْ نَاسَبَتْ آخَرَ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا الْقَطْعُ زَجْرًا عَنْهَا، وَالْغُرْمُ جَبْرًا لِمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ تَعْلِيلُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ (إنْ لَمْ يَتَضَادَّا) بِخِلَافِ مَا إذَا تَضَادَّا كَالتَّأْبِيدِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ (أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ) سَوَاءٌ فُسِّرَتْ بِالْبَاعِثِ أُمّ الْمُعَرِّفِ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الشَّيْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِعَيْنِهِ أَيْ فِي التَّعَاقُبِ (قَوْلُهُ: وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ جَوَازَ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُعَلَّلِ أَشَارَ إلَى أَنَّ عَكْسَهُ جَائِزٌ بَلْ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ بِقَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ وُقُوعُ حُكْمَيْنِ إلَخْ ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْعِلَّةِ بِالْبَاعِثِ أَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمُعَرِّفِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ فَوَاقِعٌ قَطْعًا كَمَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَمَثَّلُوهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْإِفْطَارِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ وَبِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الْفِطْرِ وَوُجُوبِ الصُّبْحِ (قَوْلُهُ: إثْبَاتًا وَنَفْيًا) أَيْ فِي نَفْسِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ أَيْ فِي الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا تَمْيِيزَيْنِ مُحَوَّلَيْنِ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ وُقُوعِ إثْبَاتِ حُكْمَيْنِ أَوْ نَفْيِهِمَا وَلَا إشْكَالَ فِي تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِلنَّفْيِ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ حُكْمًا ثَابِتًا فَهِيَ نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ النَّهْيَ يُشْبِهُ النَّفْيَ (قَوْلُهُ: كَالْحَيْضِ لِلصَّوْمِ) أَيْ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ مَانِعَةٌ لَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُنَاسَبَتَهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْبِنَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ: يَتَرَتَّبُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْمَقْصُودِ فَالْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَيُحْتَمَلُ السَّبَبِيَّةُ وَالْمُرَادُ بِالْمَقْصُودِ الْحِكْمَةُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ: تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ) وَهُوَ حُصُولُ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ ذَلِكَ) أَيْ لُزُومِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ (قَوْلُهُ: تَعَدُّدِ الْمَقْصُودِ) إذْ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يَشْتَمِلَ الْوَصْفُ الْوَاحِدُ عَلَى مَصَالِحَ جَمَّةٍ فَالْحَاصِلُ ثَانِيًا غَيْرُ الْحَاصِلِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْقَطْعُ) أَيْ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الزَّجْرُ عَنْهَا وَقَوْلُهُ وَالْغُرْمِ أَيْ وُجُوبُ الْغُرْمِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْجَبْرُ لِمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ فَتَعَدُّدُ الْمَقْصُودِ لِتَعَدُّدِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَضَادَّا) كَالسَّرِقَةِ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْغُرْمِ وَكَالْحَيْضِ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَبُطْلَانُ الْإِجَارَةِ) لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ تَتَّحِدَ بِزَمَنٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَضَادَّ هُنَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ وَالْبَيْعُ لَا يُضَادُّ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ الذَّوَاتِ وَالْإِجَارَةَ نَقْلُ الْمَنَافِعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ تَصْحِيحُ الثَّانِي وَبِهَذَا تَعْلَمُ رَدَّ قَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إلَخْ؛ لِأَنَّ التَّنَاسُبَ لِلْمُتَضَادَّيْنِ بِجِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لَا يُنَاسِبُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) أَعَادَ الْعَامِلَ هُنَا لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَلْيُنْظَرْ النُّكْتَةُ فِي إعَادَتِهِ فِي الَّذِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الشَّيْءِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِمَ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِ بَاعِثٍ وَلَوْ تَأَخَّرَ الْمُعَرِّفُ لَزِمَ تَعْرِيفُ الْمُعَرِّفِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّ الْحُكْمَ عُرِفَ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ وَكُلٌّ مِنْ اللَّازِمَيْنِ مُحَالٌ، لَكِنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا فُسِّرَ الْمُعَرِّفَ بِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ أَمَّا إذَا فُسِّرَ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ فَلَا كَمَا لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمُعَرِّفِ إلَّا بِتَفْسِيرِ الْمُعَرِّفِ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ لَا بِتَفْسِيرِهِ بِاَلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ، إذْ سَبْقُ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِالتَّعْرِيفِ مَانِعٌ مِنْ حُصُولِ التَّعْرِيفِ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ بِخِلَافِ تَفْسِيرِ الْمُعَرِّفِ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمُتَأَخِّرَ حِينَئِذٍ لِمُتَقَدِّمٍ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ إذْ الْحَادِثُ يُعَرِّفُ بِهَذَا الْمَعْنَى الْقَدِيمَ كَالْعَالَمِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي النَّاصِرِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْعِلَلَ الْغَائِيَّةَ بَوَاعِثٌ عَلَى مَعْلُولِهَا ذِهْنًا وَهِيَ مَعْلُولَةٌ لَهُ خَارِجًا وَالْمَعْلُولُ الْخَارِجِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عِلَّتِهِ بِالذَّاتِ وَبِالزَّمَانِ

أَوْ الْمُعَرِّفَ لَهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ (خِلَافًا لِلْقَوْمِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ، وَتَأَخُّرُ ثُبُوتِهَا بِنَاءٌ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمُعَرِّفِ كَمَا يُقَالُ عَرَقُ الْكَلْبِ نَجِسٌ كَلُعَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ فَإِنَّ اسْتِقْذَارَهُ إنَّمَا ثَبَتَ بَعْدَ ثُبُوتِ نَجَاسَتِهِ. (وَمِنْهَا أَنْ لَا تَعُودَ عَلَى الْأَصْلِ) الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ (بِالْإِبْطَالِ) لِأَنَّهُ مَنْشَؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْجُلُوسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّرِيرِ وَاَلَّذِي يَحْسِمُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُهَا مُتَأَخِّرًا أَيْ ثُبُوتُ اعْتِبَارِهَا عِلَّةً يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ يَجِبُ اعْتِبَارُ كَوْنِهَا عِلَّةً عِنْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ وَلَا يَجُوزُ تَأَخُّرُ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ عَنْ الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَمَا أَجَابَ بِهِ سم مِنْ أَنَّ الْبَاعِثَ قَصْدُ ذَلِكَ الْفِعْلِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ وَالْبَاعِثَةُ مُتَّحِدَةٌ بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَةٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا ذَكَرَهُ النَّاصِرُ مِنْ تَأَخُّرِ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ زَمَانًا مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِمْ بِالْقَوْلِ بِالتَّعْلِيلِ أَوْ الَّتِي يَقَعُ التَّأْثِيرُ عِنْدَهَا كَحَرَكَةِ الْخَاتَمِ مَعَ الْإِصْبَعِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ أَنَّهُ لَا مُؤَثِّرَ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّ تَأْثِيرَهُ اخْتِيَارِيٌّ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ عَلَى كُلّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُقَارِنَةٌ لِلْمَعْلُولِ زَمَانًا عَلَى مَا حُقِّقَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَلِلْمُصَنِّفِ هَاهُنَا كَلَامٌ نَفِيسٌ ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِلَّةُ تَسْبِقُ الْمَعْلُولَ زَمَانًا عِنْدَ أَقْوَامٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّيْخُ الْوَالِدُ وَتُقَارِنُهُ عِنْدَ أَقْوَامٍ آخَرِينَ وَلَعَلَّهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَسَمِعْت الشَّيْخَ الْإِمَامَ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ وَفَصَّلَ قَوْمٌ فَقَالُوا الْعَقْلِيَّةُ لَا تَسْبِقُ، الْوَضْعِيَّةُ تَسْبِقُ، وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْوَضْعِيَّةُ تَسْبِقُ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعَقْلِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَفَّالِ وَالشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ حَيْثُ قَالَا فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقُ لَا يُقَارِنُ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ بَلْ يَتَأَخَّرُ بِلَا شَكٍّ 1 - ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا مِنْهَا لَوْ نَكَحَ الْكَافِرُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بَالِغَةً وَأَسْلَمَ أَبُو الطِّفْلِ وَالْمَرْأَةُ مَعًا قَالَ الْبَغَوِيّ يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْوَلَدِ حَصَلَ عَقِبَ إسْلَامِ الْأَبِ فَتَقَدَّمَ إسْلَامُهَا عَلَى إسْلَامِ الزَّوْجِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مُتَقَدِّمَةٌ أَوْ مُقَارِنَةٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ الْمُقَارَنَةُ وَعَلَيْهِ يَتَّجِهُ قَوْلُ الْبَغَوِيّ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْمَعْلُولِ وَإِنْ قُلْنَا مَعَهُ، فَإِنْ جَعَلْنَا مَا مَصْدَرِيَّةً غَيْرَ ظَرْفِيَّةٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا ظَرْفِيَّةً لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ ظَرْفِيَّةً فَالْمَعْنَى كُلُّ وَقْتٍ فَإِذَا قُلْنَا أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ وَوَاحِدَةٌ مِنْ الْمُعَلَّقِ كِلَاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ لَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثَالِثَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فِي كُلِّ وَقْتٍ غَيْرَ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إذْ لَا تَكْرَارَ فِي كُلٍّ، وَإِنَّمَا لَهَا عُمُومٌ فَقَطْ هَذَا إنْ قُلْنَا الْمَعْلُولُ مَعَ الْعِلَّةِ وَإِنْ قُلْنَا مُتَأَخِّرٌ لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلْقَتَانِ إذْ جَعَلْنَا مَا ظَرْفِيَّةً وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمَا فَالْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ تَعْيِينُ غَانِمٍ لِلْعِتْقِ وَلَا قُرْعَةَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ عَلَى سَالِمٍ وَرَقَّ غَانِمٌ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ عِتْقِ سَالِمٍ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي التَّوْجِيهِ عِتْقُ سَالِمٍ مُرَتَّبٌ عَلَى عِتْقِ غَانِمٍ وَالْأَسْبَقُ أَوْلَى بِالنُّفُوذِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْتِيبِ لَا يَقْتَضِي سَبْقًا زَمَانِيًّا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْأَوْلَوِيَّةُ لِمَا هُوَ الْأَسْبَقُ فِي الزَّمَانِ فَالتَّوْجِيهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا التَّخْرِيجُ عَلَى الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ سَابِقَةٌ، فَإِنْ قُلْنَا سَابِقَةٌ فَقَدْ يُقَالُ يَتَعَيَّنُ عِتْقُ غَانِمٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عِتْقِ سَالِمٍ لَيْسَ عِتْقَ غَانِمٍ بَلْ إعْتَاقَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّ الْإِعْتَاقَ إيقَاعٌ وَالْعِتْقَ وُقُوعٌ وَالْإِعْتَاقَ سَابِقٌ وَزَمَنَ عِتْقِ سَالِمٍ وَغَانِمٍ وَاحِدٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعِيَّةِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهَا سَابِقَةٌ بِالْمَرْتَبَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَافٍ فِي تَعْيِينِ غَانِمٍ اهـ. مُخْتَصَرًا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ اسْتِقْذَارَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ يَجُوزُ مُقَارَنَتُهُ أَوْ تَقَدُّمُهُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِقْذَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّجَاسَةِ أَلَا تَرَى مُخَاطَ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ مَعَ طَهَارَتِهِ وَمَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِقْذَارُ الشَّرْعِيُّ فَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ النَّجَاسَةُ لَزِمَ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُهَا فَلَا يَنْدَفِعُ

فَإِبْطَالُهَا لَهُ إبْطَالٌ لَهَا كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ الشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ مُجَوِّزٌ لِإِخْرَاجِ قِيمَةِ الشَّاةِ مُفْضٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى التَّعْيِينِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا (وَفِي عَوْدِهَا) عَلَى الْأَصْلِ (بِالتَّخْصِيصِ) لَهُ (لَا التَّعْمِيمِ قَوْلَانِ) قِيلَ يَجُوزُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ وَقِيلَ لَا فَيُشْتَرَطُ مِثَالُهُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ فِي آيَةِ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] بِأَنَّ اللَّمْسَ مَظِنَّةُ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النِّسَاءِ الْمَحَارِمُ فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهُنَّ الْوُضُوءَ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. الثَّانِي يَنْقُضُ عَمَلًا بِالْعُمُومِ وَتَعْلِيلُ الْحُكْمِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» بِأَنَّهُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِأَصْلِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّ أَظْهَرَهُمَا الْمَنْعُ نَظَرًا لِلْعُمُومِ، وَلِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ فِي الْفُرُوعِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُهُ لَا التَّعْمِيمِ أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَوْدُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَتَعْلِيلِ الْحُكْمِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» بِتَشْوِيشِ الْفِكْرِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ غَيْرَ الْغَضَبِ أَيْضًا. (وَ) مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَكُونَ الْمُسْتَنْبَطَةُ) مِنْهَا (مُعَارَضَةً بِمُعَارِضٍ مُنَافٍ) لِمُقْتَضَاهَا (مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ) إذْ لَا عَمَلَ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِثَالُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي نَفْيِ التَّبْيِيتِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ صَوْمُ عَيْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَحْثُ وَقَدْ مَثَّلَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ لِلتَّأَخُّرِ بِتَعْلِيلِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى صَغِيرٍ عَرَضَ لَهُ جُنُونٌ بِالْجُنُونِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَبْلَهُ قَالَ زَكَرِيَّا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْجُنُونِ لَيْسَتْ عَيْنَ وِلَايَةِ الصِّغَرِ فَلَيْسَتْ قَبْلَ الْجُنُونِ بَلْ بَعْدَهُ أَوْ مُقَارِنَةً لَهُ (قَوْلُهُ: فَإِبْطَالُهَا لَهُ إبْطَالٌ لَهَا) أَيْ يَسْتَلْزِمُهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ الْأَخَصِّ إبْطَالُ الْأَعَمِّ لِجَوَازِ ثُبُوتِهَا مَعَ فَرْدٍ آخَرَ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْأَعَمِّيَّةُ كَدَفْعِ الْحَاجَةِ الْمُتَحَقِّقِ مَعَ وُجُوبِ الشَّاةِ وَمَعَ جَوَازِهَا، وَجَوَازُ الْقِيمَةِ تَوْسِيعٌ فَهُوَ لِلْوُجُوبِ لَا إبْطَالٌ لَهُ فَيَرْجِعُ لِقَوْلِهِمْ يَسْتَنْبِطُ مِنْ النَّصِّ مَعْنَى يَعُمُّهُ إذْ قَدْ يُسْتَنْبَطُ مِنْ وُجُوبِ الشَّاةِ دَفْعُ الْحَاجَةِ الْمُوجِبُ لِتَعْمِيمِ الْوُجُوبِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الشَّاةِ وَبَدَلِهَا الَّذِي هُوَ جَوَازُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخُصُوصِهِ فَلَمْ يَبْطُلْ إلَّا وُجُوبُهَا مِنْ حَيْثُ الْمَخْصُوصُ لَا مُطْلَقًا فَقَوْلُهُ مُفْضٍ إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْخَاصِّ مَعْنًى يَعُمُّهُ (قَوْلُهُ وَفِي عَوْدِهَا عَلَى الْأَصْلِ) أَيْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ) أَيْ وُجُوبُ التَّيَمُّمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (قَوْلُهُ: مَظِنَّةُ الِاسْتِمْتَاعِ) يَعْنِي التَّلَذُّذَ بِسَبَبِ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ بِاللَّمْسِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيلُ يُخْرِجُ مِنْ النِّسَاءِ الْمَحَارِمَ وَهَذَا إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الْجَدَلِيِّينَ السَّابِقِ لَا عَلَى قَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِهِ ابْنِ يَحْيَى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعُمُومِ) أَيْ عُمُومِ النَّصِّ وَهُوَ الْآيَةُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ) تَعْمِيمٌ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَلَكِنْ رَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الْجَوَازَ قِيَاسًا عَلَى تَخْصِيصِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَوْدُ بِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِإِبْطَالِ شَيْءٍ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَنْبَطَةُ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْمُسْتَنْبَطَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ أَوْ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا إذَا قَارَنَتْهَا أُخْرَى كَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً بِخِلَافِ مَظْنُونَةِ الْمُجْتَهِدِ إذْ بِظُهُورِ أُخْرَى مِثْلِهَا يَجِبُ التَّوَقُّفُ كَالشَّهَادَةِ إذَا عُورِضَتْ بِأُخْرَى يَتَوَقَّفُ فِيهَا إلَى أَنْ تَتَرَجَّحَ إحْدَاهُمَا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ الشَّامِلَةُ لِلْمُسْتَنْبَطَةِ وَغَيْرِهَا وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ هَذَا مُقَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي مُرَكَّبِ الْأَصْلِ وَمُرَكَّبِ الْوَصْفِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَيْثُ انْدِرَاجُهُ فِي الْقِيَاسِ وَمَا هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ عَدَمَهُ شَرْطٌ فِي الْعِلَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ حَاسِمٍ. (قَوْلُهُ: بِمُعَارِضٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ فَائِدَةَ الْمُعَارَضَةِ التَّوَقُّفُ وَجَعْلُهُ شَرْطًا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ عِنْدَ عَدَمِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهَا) يُفْهِمُ أَنَّ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ وَبَيْنَ مُقْتَضَى الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْآتِيَيْنِ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ الْمُقْتَضَيَيْنِ أَيْ مُقْتَضَى الْمُسْتَنْبَطَةِ وَمُقْتَضَى الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ لَا بَيْنَ الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ وَمُقْتَضَى الْمُسْتَنْبَطَةِ (قَوْلُهُ صَوْمُ عَيْنٍ) أَيْ

فَيَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ فَيُعَارِضُهُ الشَّافِعِيُّ فَيَقُولُ صَوْمُ فَرْضٍ فَيَحْتَاطُ فِيهِ وَلَا يَبْنِي عَلَى السُّهُولَةِ اهـ. وَهَذَا مِثَالٌ لِلْمُعَارِضِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مُنَافِيًا وَلَا مَوْجُودًا فِي الْأَصْلِ (قِيلَ وَلَا) فِي (الْفَرْعِ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَكُونَ مُعَارَضَةً بِمُنَافٍ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ثُبُوتِهَا ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَمَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي فِيهِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قِيَاسٍ آخَرَ لَا يَثْبُتُ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِثَالُهُ قَوْلُنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ يُعَارِضُ الْخَصْمُ فَيَقُولُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اهـ. وَهُوَ مِثَالٌ لِلْمُعَارِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ أَنَّ وَقْتَهُ مُتَعَيَّنٌ لَهُ فَلَوْ نَوَى غَيْرَهُ وَقَعَ عَنْهُ عِنْدَهُمْ وَيَصِحُّ ضَبْطُهُ مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مِنْ التَّعْيِينِ أَيْ عُيِّنَ زَمَانُهُ كَعَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ فَإِنَّهُ صَوْمٌ عُيِّنَ زَمَنُهُ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) فَإِنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كُلٍّ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ مُنَافِيًا فِيهِ مَنْعٌ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْفَرْضِيَّةِ بِنَاءٌ فِي الْبِنَاءِ عَلَى السُّهُولَةِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى النَّفْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا مَوْجُودَ إلَخْ) لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ الَّتِي عَارَضَتْ الْعَيْنِيَّةَ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي النَّفْلِ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْفَرْعِ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَعْطُوفَةَ هِيَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ وَالْوُجُودُ فِي الْأَصْلِ مُثْبَتٌ لَا مَنْفِيٌّ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى إيهَامِ اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى وَدَفَعَهُ بِأَنَّ لَا النَّافِيَةَ دَاخِلَةٌ عَلَى يَكُونُ مَعَ مَا فِي خَبَرِهَا الْمُقَدَّرِ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ مِثْلِهِ قَبْلَهُ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: الْمُسْتَنِدُ إلَى قِيَاسٍ آخَرَ) بِأَنْ يُثْبِتَ فِي الْفَرْعِ عِلَّةً تُوجِبُ خِلَافَ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ) أَيْ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ يَعْنِي إلَّا مَعَ تَرْجِيحٍ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ التَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ الْمُعَارِضِ الْمُنَافِي الْوُجُودَ فِي الْفَرْعِ وَقَوْلُهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَيْ

فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مُنَافِيًا وَإِنَّمَا ضَعَّفُوا هَذَا الشَّرْطَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَهَذَا شَرْطٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ أَخْذُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَتُقْبَلُ الْمُعَارَضَةُ فِيهِ إلَخْ وَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْعِلَّةِ فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُعَارِضَ بِالْمُنَافِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُنَافِي كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عِلَّةٌ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ. (وَ) مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ (أَنْ لَا تُخَالِفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا) لِأَنَّهُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْقِيَاسِ. مِثَالُ مُخَالَفَةِ النَّصِّ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ الْمَرْأَةُ مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ قِيَاسُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ عَلَى صَوْمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي إثْبَاتِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَوْلُهُ رُكْنٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ مَقُولُ الْقَوْلِ وَالْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ هِيَ قَوْلُهُ رُكْنٌ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مُنَافِيًا لَهُ) إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَسْحًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ رُكْنًا إنَّمَا التَّنَافِي بَيْنَ مُقْتَضَاهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ وَالثَّانِي يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مُقْتَضَاهَا تَنَافٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ) أَيْ فِي هَذَا الْبَحْثِ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ بَلْ فِي شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِهَا أَيْ بِسَبَبِهَا وَالْإِلْحَاقُ بِسَبَبِهَا هُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِسَبَبِهَا فَشُرُوطُهُ شُرُوطُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهَا تَؤَوَّلُ إلَى شَرْطٍ فِي الْفَرْعِ وَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ تَؤَوَّلُ إلَى شَرْطٍ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ لِلْفَرْعِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْعِلَّةِ فِي نَفْسِهَا) أَيْ فَهِيَ صَحِيحَةٌ فِي نَفْسِهَا لَكِنْ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ لِمُعَارِضٍ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَتُقْبَلُ الْمُعَارَضَةُ فِيهِ بِمُقْتَضَى نَقِيضِ أَوْ ضِدِّ الْحُكْمِ عَلَى الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَالْمُعَارِضُ هُنَا إلَخْ وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ ثَمَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَا تُخَالِفُ) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ الْعِلَّةُ مِنْ حَيْثُ مُقْتَضَاهَا وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْيَاءِ وَالْمَعْنَى أَنْ لَا يُخَالِفَ الْإِلْحَاقَ قَالَ النَّاصِرُ مُحَصَّلُ كَلَامِ الشَّارِحِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يُخَالِفَ حُكْمُهَا بِالثَّابِتِ بِهَا فِي الْفَرْعِ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْفَرْعِ وَلَا يَقُومُ الْقَاطِعُ عَلَى خِلَافِهِ وِفَاقًا وَلَا خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ

فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ بِجَامِعِ السَّفَرِ الْمُشِقِّ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ (وَ) أَنْ (لَا تَتَضَمَّنَ زِيَادَةً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّصِّ (إنْ نَافَتْ الزِّيَادَةُ مُقْتَضَاهُ) بِأَنْ يَدُلَّ النَّصُّ عَلَى عِلِّيَّةِ وَصْفٍ وَيَزِيدُ الِاسْتِنْبَاطُ قَيْدًا فِيهِ مُنَافِيًا لِلنَّصِّ فَلَا يُعْمَلُ بِالِاسْتِنْبَاطِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ (وِفَاقًا لِلْآمِدِيِّ) فِي هَذَا الشَّرْطِ بِقَيْدِهِ، وَغَيْرُهُ أَطْلَقَهُ عَنْ هَذَا الْقَيْدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْهِنْدِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجَابَ سم بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ وَمَا هُنَا مِنْ حَيْثُ الْإِلْحَاقُ بِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهَا) وَالْجَامِعُ مُطْلَقُ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ) أَيْ فِي جَوَازِ التَّرْكِ بِالْمَرَّةِ وَيَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْمُشِقِّ) قَدْ يَقَعُ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالْقِيَاسُ الشَّاقُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ثُلَاثِيٌّ مُجَرَّدٌ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ رُبَاعِيًّا وَلَا ثُلَاثِيًّا مَزِيدًا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ) لَمْ يَجْعَلْهُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَهُوَ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي حَالَةِ السَّفَرِ لِجَوَازِ التَّخْصِيصِ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ لَا تُنَافِي مُخَالَفَةَ النَّصِّ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا تَتَضَمَّنَ) أَيْ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ (قَوْلُهُ: عَلَى النَّصِّ) أَيْ الْعِلَّةُ الثَّابِتَةُ بِالنَّصِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِأَنْ يَدُلَّ إلَخْ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: إنْ نَافَتْ الزِّيَادَةُ مُقْتَضَاهُ) أَيْ حُكْمَهُ (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ الِاسْتِنْبَاطُ قَيْدًا فِيهِ) أَيْ فِي الْوَصْفِ مُنَافِيًا لِلنَّصِّ أَيْ لِمُقْتَضَاهُ أَيْ لِحُكْمِهِ وَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ هُنَا وَلَا فِي الْعَضُدِ وَيُمْكِنُ التَّمْثِيلُ لَهُ بِأَنْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ الْكِتَابِيِّ لَا يُجْزِئُ لِكُفْرِهِ فَيُعَلَّلُ بِأَنَّهُ عِتْقُ كَافِرٍ يَتَدَيَّنُ بِدَيْنٍ فَهَذَا الْقَيْدُ يُنَافِي حُكْمَ النَّصِّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ وَهُوَ إجْزَاءُ عِتْقِ الْمُؤْمِنِ الْمَفْهُومُ مِنْهُ بِالْمُخَالَفَةِ وَعَدَمُ إجْزَاءِ عِتْقِ الْمَجُوسِيِّ الْمَفْهُومُ بِالْمُوَافَقَةِ الْأُولَى اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: كَالْهِنْدِيِّ) مَقُولُ الْقَوْلِ قَالَهُ تَفْسِيرًا لِلْغَيْرِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَكَلَامُ الشَّيْخِ خَالِدٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَقُولَ

وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ (أَنْ تَتَعَيَّنَ) (خِلَافًا لِمَنْ اكْتَفَى بِعِلِّيَّةِ مُبْهَمٍ) مِنْ أَمْرَيْنِ مَثَلًا (مُشْتَرَكٍ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَنْشَأُ التَّعْدِيَةِ الْمُحَقِّقَةِ لِلْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ الدَّلِيلُ، وَمِنْ شَأْنِ الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا فَكَذَا مَنْشَأُ الْمُحَقِّقِ لَهُ وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ الْمُبْهَمُ الْمُشْتَرَكُ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ. (وَ) مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَكُونَ وَصْفًا مُقَدَّرًا) (وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِثَالُهُ قَوْلُهُمْ الْمِلْكُ مَعْنًى مُقَدَّرٌ شَرْعِيٌّ فِي الْمَحَلِّ أَثَرُهُ إطْلَاقُ التَّصَرُّفَاتِ اهـ. وَكَأَنَّهُ يُنَازِعُ فِي كَوْنِ الْمِلْكِ مُقَدَّرًا وَيَجْعَلُهُ مُحَقَّقًا شَرْعًا وَيَرْجِعُ كَلَامُهُ إلَى أَنَّهُ لَا مُقَدَّرَ يُعَلَّلُ بِهِ كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُ التَّبْرِيزِيُّ فَيَنْتَفِي الْإِلْحَاقُ بِهِ كَمَا قَصَدَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَ) مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلِ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ إلَخْ حَيْثُ قَالَ قَالَ الْهِنْدِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ) أَيْ الْإِطْلَاقُ، وَكَانَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّهَا نَسْخٌ فَهِيَ أَبَدًا مُنَافِيَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا لَيْسَتْ نَسْخًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ إلَخْ) وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنْ الزِّيَادَةِ أَنْ تُخَالِفَ الْأَصْلَ (قَوْلُهُ: مَنْشَأُ التَّعْدِيَةِ) أَيْ تَعْدِيَةِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ الْمُحَقِّقَةِ لِلْقِيَاسِ أَيْ الْمُوجِدَةِ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ مِنْ تَحَقُّقِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ بِنَاءً عَلَى دُخُولِهَا فِيهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْقِيَاسِ مُحَقِّقًا لَهَا بِاعْتِبَارِ الْفَهْمِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ بِالْمُسَاوَاةِ لَا بِالْحَمْلِ إذْ التَّعْدِيَةُ نَفْسُ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ: فَكَذَا مَنْشَأُ الْمُحَقِّقِ) أَيْ مَنْشَأُ التَّعْدِيَةِ الْمُحَقِّقَةِ لَهُ وَالْمَنْشَأُ هُوَ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ نَاشِئَةٌ عَنْ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضٍ) قِيلَ إنَّهُ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ مِنْ مَقُولِ الرَّازِيّ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَيَرْجِعُ كَلَامُهُ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ مَقُولِهِ وَلَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ خِلَافًا لِمَنْ ذَكَرَ فِي إثْبَاتِ الْمُقَدَّرِ وَالتَّعْلِيلِ بِهِ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرَكُ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ) رَدَّهُ الْجُمْهُورُ كَمَا قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُسَاوَاةُ الْعَامِّيِّ لِلْمُجْتَهِدِ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ بِأَنْ يَعْلَمَ مُسَاوَاةَ ذَلِكَ الْفَرْعِ لِأَصْلٍ مِنْ الْأُصُولِ فِي وَصْفٍ عَامٍّ فِي الْجُمْلَةِ وَالْكَلَامُ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْأَحَدِ الدَّائِرِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ إذَا لَمْ يُثْبِتْ عِلِّيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهَا فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُنَا مَنْ مَسَّ مِنْ الْخُنْثَى غَيْرِ الْمَحْرَمِ فَرْجَيْهِ أَحْدَثَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَاسَّ فَرْجَ آدَمِيٍّ أَوْ لَامَسَ غَيْرَ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسِّ وَاللَّمْسِ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ لِلْحَدَثِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَصْفًا مُقَدَّرًا أَيْ فَرْضِيًّا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ (قَوْلُهُ: مُقَدَّرٌ شَرْعِيٌّ) أَيْ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ وَفَرَضَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَفِي الْمَحَلِّ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمَمْلُوكُ وَمَعْنَى إطْلَاقِ التَّصَرُّفَاتِ عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى اسْتِئْذَانٍ أَوْ إجَازَةٍ (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ) أَيْ الْإِمَامَ يُنَازِعُ فِي كَوْنِ الْمِلْكِ مُقَدَّرًا أَيْ لَا مُعَلَّلًا بِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فَلَا يُمْكِنُهُ مَنْعُ التَّعْلِيلِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُقَدَّرًا فَهُوَ عِنْدَهُ وَصْفٌ مُحَقَّقٌ وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْمُحَقَّقِ أَنْ يُحِسَّ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ يَجْعَلُونَ الصِّفَاتِ كَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحَقَّقَةِ وَلَيْسَتْ مَحْسُوسَةً وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ جَعْلَ الْمُقَدَّرِ مُحَقَّقًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا كَيْفَ وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ طَافِحٌ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمُقَدَّرِ كَقَوْلِهِمْ الْحَدَثُ وَصْفٌ مُقَدَّرٌ قَائِمٌ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَقَدْ يُقَالُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاطِ طَرِيقَةُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ طَرِيقَةُ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: فَيَنْتَفِي الْإِلْحَاقُ) لِأَنَّ الْإِلْحَاقَ يَسْتَلْزِمُ التَّعْلِيلَ بِهِ وَنَفْيَ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَلْزُومِ (قَوْلُهُ: كَمَا قَصَدَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ أَنْ لَا تَكُونَ مُقَدَّرَةً وَالشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمُقَدَّرِ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ. نَاصِرٌ. وَنُقِلَ عَنْ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا نَصَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كَمَا قَصَدَهُ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ أَنْ لَا تَكُونَ وَصْفًا مُقَدَّرًا مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فِي نَفْسِ التَّعْلِيلِ لَا فِي الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَازِمٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فِي نَفْسِ التَّعْلِيلِ عَدَمُهُ فِي الْإِلْحَاقِ فَصَحَّ

[لا يشترط في العلة المستنبطة القطع بحكم الأصل]

(أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ دَلِيلُهَا حُكْمَ الْفَرْعِ) (بِعُمُومِهِ أَوْ خُصُوصِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) لِلِاسْتِغْنَاءِ حِينَئِذٍ عَنْ الْقِيَاسِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ مِثَالُهُ فِي الْعُمُومِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ الطَّعَامِ فَلَا حَاجَةَ فِي إثْبَاتِ رِبَوِيَّةِ التُّفَّاحِ مَثَلًا إلَى قِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَمِثَالُهُ فِي الْخُصُوصِ حَدِيثُ «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَتَوَضَّأْ» فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْخَارِجِ النَّجِسِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ فَلَا حَاجَةَ لِلْحَنَفِيِّ إلَى قِيَاسِ الْقَيْءِ أَوْ الرُّعَافِ عَلَى الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِجَامِعِ الْخَارِجِ النَّجِسِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِخُصُوصِ الْحَدِيثِ، وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ لَا يُوجِبُ إلْغَاءَهُ لِجَوَازِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ) فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (الْقَطْعُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ) بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ (وَلَا انْتِفَاءُ مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ) أَيْ مُخَالَفَتُهَا لَهُ (وَلَا الْقَطْعُ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ) بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ بِذَلِكَ وَبِحُكْمِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ وَالْمُخَالِفُ كَأَنَّهُ يَقُولُ الظَّنُّ يَضْعُفُ بِكَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ فَرُبَّمَا يَضْمَحِلُّ فَلَا يَكْفِي. وَأَمَّا مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ فَمَذْهَبُهُ الَّذِي خَالَفَتْهُ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ عَلَّلَ هُوَ بِغَيْرِهَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِدَ فِيهِ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَالْخَصْمُ يَقُولُ الظَّاهِرُ اسْتِنَادُهُ إلَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ. (أَمَّا انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ) لِلْعِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي شُرُوطِ الْأَصْلِ وَأَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِهِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ وَبِقَوْلِهِ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَلَا يَكُونُ الْفَرْعُ مَنْصُوصًا بِمُوَافِقٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَوَاضِعَ الثَّلَاثَةَ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الِاشْتِرَاطَ يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ فِي جَانِبِ كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْعِلَّةِ، وَعَلَّلْتُهُ بَيَانُ قُوَّةِ خَلَلِ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ حَيْثُ عَمَّ الْخَلَلُ أَرْكَانَهُ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ الطُّعْمِ) أَيْ وَعَلَى رِبَوِيَّةِ التُّفَّاحِ بِالْعُمُومِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا قِيلَ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى رِبَوِيَّةِ التُّفَّاحِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَنَاوُلِ دَلِيلِهَا حُكْمَ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ مِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ فِي الْفَرْعِ نَصَّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْبُرِّ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ نَظَرًا إلَى هَذَا الشَّرْطِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الشَّرْطِ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَجَّحَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَهُوَ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: مَنْ قَاءَ) مِنْ بَابِ بَاعَ وَرَعَفَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَضَمُّهَا لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ (قَوْلُهُ: بِخُصُوصِ الْحَدِيثِ) أَيْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِمَا بِخُصُوصِهِمَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى عُذْرِ الشَّافِعِيَّةِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَقُولُوا بِمُقْتَضَاهُ مِنْ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَيْءِ وَالرُّعَافِ [لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ الْقَطْعُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ] (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) ذِكْرُهُ لَهُ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ صَحِيحٌ وَمُنَاسِبٌ فِي الْجُمْلَةِ لِبَعْضِ مَا عَطَفَ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْأَنْسَبَ ذِكْرُهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ) أَيْ أَوْ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ ثُمَّ إنَّ كَوْنَ الدَّلِيلِ قَطْعِيُّ الْمَتْنِ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْقَطْعِيُّ بِمَدْلُولِهِ؛ لِأَنَّ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِيِّ مَا كَانَ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ وَالدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ وَالْمَقَامُ لِلضَّمِيرِ مَعَ أَنَّ فِي إتْيَانِهِ بِمَا يُشَارُ بِهِ لِلْبَعِيدِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ) وَهُوَ الْفُرُوعُ الْعَمَلِيَّةُ (قَوْلُهُ: بِكَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ) أَيْ الْمُعَارِضَةِ لَهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْوَسَائِلُ وَالْمَعُونَاتُ فَإِنَّ مَا كَثُرَتْ وَسَائِلُهُ أَضْعَفُ مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَلَرُبَّمَا يَضْمَحِلُّ فَلَا يَكْفِي إلَخْ) أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَهُ مِنْ احْتِمَالِ حُصُولِ الِاضْمِحْلَالِ دُونَ لُزُومِهِ فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَال وَإِنْ أُرِيدَ لُزُومُهُ فَمَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ

[انتفاء المعارض للعلة]

بِالْمَعْنَى الْآتِي لَهُ (فَمَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ) إنْ قُلْنَا يَجُوزُ وَهُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهُ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ (وَالْمُعَارِضُ هُنَا) بِخِلَافِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ وَصَفَ بِالْمُنَافِي (وَصْفٌ صَالِحٌ لِلْعِلِّيَّةِ كَصَلَاحِيَةِ الْمُعَارَضِ) بِفَتْحِ الرَّاء لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (غَيْرَ مُنَافٍ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَصْلِ (وَلَكِنْ يَئُولَ) الْأَمْرُ (إلَى الِاخْتِلَافِ) بَيْنَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ فِي الْفَرْعِ (كَالطُّعْمِ مَعَ الْكَيْلِ فِي الْبُرِّ) فَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِعِلِّيَّةِ الرِّبَا فِيهِ (لَا يُنَافِي) الْآخَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (وَ) لَكِنْ (يَئُولَ) الْأَمْرُ (إلَى الِاخْتِلَافِ) بَيْنَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ (فِي التُّفَّاحِ) مَثَلًا فَعِنْدَنَا هُوَ رِبَوِيٌّ كَالْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ، وَعِنْدَ الْخَصْمِ الْمُعَارِضِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْكَيْلُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ لِانْتِفَاءِ الْكَيْلِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَمْنُوعٌ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ) فِي بِمَعْنَى عَلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِالنَّصِّ أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ الْوَارِدَةُ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ عَلَّلَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْمُخَالَفَةِ مِثَالُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْبُرِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لِلذُّرَةِ مَثَلًا الْقُوتُ، وَقَدْ نُصَّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِحَدِيثِ «الْبُرُّ بِالْبُرِّ» فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ غَيْرَ الصَّحَابِيِّ اسْتَنْبَطَ كَوْنَ الْعِلَّةِ الْقُوتَ مِنْ هَذَا النَّصِّ وَالْحَالُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ قَائِلٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ هِيَ الطُّعْمُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِدَ فِيمَا قَالَهُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ النَّصِّ عَلَى الْأَصْلِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ» إلَخْ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ: إلَى دَلِيلٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ النَّصِّ وَهُوَ لَا يَضُرُّ فِي اسْتِنْبَاطِ الْعِلَّةِ مِنْ النَّصِّ الْمُخَالِفَةِ لِمَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ لَوْ كَانَ الصَّحَابِيُّ اسْتَنْبَطَ مِنْ هَذَا [انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ لِلْعِلَّةِ] (قَوْلُهُ: أَمَّا انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَلَا انْتِفَاءُ مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ (قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْآتِي لَهُ) أَيْ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهُ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ قَالَ الْكَمَالُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ هُنَا اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ كَمَا فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُنْتَهَى (قَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا يَجُوزُ إلَخْ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ عِلَّةً (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ هُنَا وَقَوْلُهُ حَيْثُ إلَخْ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: إلَى الْأَصْلِ) أَيْ إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: فَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِعِلِّيَّةِ الرِّبَا) أَيْ فِي الْبُرِّ فَكُلٌّ مِنْ الْوَصْفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُنَافِي الْآخَرَ فِي مُقْتَضَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْبُرُّ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الرِّبَا (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْخَصْمِ) إنْ أَرَادَ أَبَا حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ التُّفَّاحَ عِنْدَهُ رِبَوِيٌّ لَكِنْ لِعِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ إذْ عِلَّةُ الرِّبَا عِنْدَهُ إمَّا الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ

[للمستدل دفع المعارضة في العلة]

وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ مُدَّعَاهُ مِنْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ إلَى تَرْجِيحِهِ عَلَى الْآخَرِ. (وَلَا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ نَفْيُ الْوَصْفِ الَّذِي عَارَضَ بِهِ) أَيْ بَيَانُ انْتِفَائِهِ (عَنْ الْفَرْعِ) مُطْلَقًا لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ مِنْ هَدْمِ مَا جَعَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ الْعِلَّةَ بِمُجَرَّدِ الْمُعَارَضَةِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِيُفِيدَ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عَنْ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ (وَثَالِثُهَا) يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (إنْ صَرَّحَ بِالْفَرْقِ) بَيْنَ الْأَصْلِ بِالْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ فَقَالَ مَثَلًا لَا رِبَا فِي التُّفَّاحِ بِخِلَافِ الْبُرِّ وَعَارَضَ عِلِّيَّةَ الطُّعْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْرِيحِهِ بِالْفَرْقِ الْتَزَمَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. (وَلَا) يَلْزَمُهُ أَيْضًا (إبْدَاءُ أَصْلٍ) يَشْهَدُ لِمَا عَارَضَ بِهِ بِالِاعْتِبَارِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) وَقِيلَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ حَتَّى تُقْبَلَ مُعَارَضَتُهُ كَأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ فِي الْبُرِّ الطُّعْمُ دُونَ الْقُوتِ بِدَلِيلِ الْمِلْحِ فَالتُّفَّاحُ مَثَلًا رِبَوِيٌّ وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمُعَارَضَةِ بِالْوَصْفِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْهَدْمِ. (وَلِلْمُسْتَدِلِّ الدَّفْعُ) أَيْ دَفْعُ الْمُعَارَضَةِ بِأَوْجُهٍ (بِالْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ بِهِ فِي الْأَصْلِ كَأَنْ يَقُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخَصْمِ مُجْتَهِدٌ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْكَيْلُ (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ إلَخْ) أَيْ يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ عِلَّتِهِ إلَى تَرْجِيحِهَا عَلَى عِلَّةِ الْآخَرِ فِي الْأَصْلِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مُدَّعَاهُ فِي الْفَرْعِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هِيَ عِبَارَةُ الْآمِدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُنْتَهَى وَعَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَفِي لُزُومِ بَيَانِ نَفْيِ الْوَصْفِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ بَيَانُ انْتِفَائِهِ مَيْلٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ بِمَعْنَى عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ النَّفْيَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الِانْتِفَاءِ أَيْ لَا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ كَأَنْ يَقُولَ لِلْمُسْتَدِلِّ وَالْوَصْفُ الَّذِي عَارَضْت بِهِ وَصْفَك فِي الْأَصْلِ مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ أَوْ لَيْسَ فِي الْفَرْعِ وَقَدْ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَعْنَى الِانْتِفَاءِ فَاحْتِيجَ لِذَلِكَ إلَى لَفْظَةِ بَيَانٍ وَفِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ مَصْدَرُ نَفَى يَنْفِي فَلَمْ يَحْتَجْ لِلَفْظَةِ بَيَانٍ وَإِنَّ كِلْتَا الْعِبَارَتَيْنِ صَحِيحَةٌ وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ أَظْهَرُ وَهُوَ كَلَامٌ جَيِّدٌ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ بَعْضُ شَارِحِي الْكِتَابِ بَعْدَهُمَا اهـ. كَتَبَ سم بِهَامِشِ تِلْكَ الْحَاشِيَةِ قَوْلَهُ إنَّ النَّفْيَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الِانْتِفَاءِ مَمْنُوعٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ النَّفْيَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَيَانِ الِانْتِفَاءِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الِانْتِفَاءَ وَقَوْلُهُ بَعْضُ شَارِحِي الْكِتَابِ هُوَ الْكُورَانِيُّ وَقَدْ أَوْضَحْنَا فَسَادَ اعْتِرَاضِهِ وَأَنَّهُ وَهْمٌ صِرْفٌ فِي الْآيَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ هَدْمٌ مَا جَعَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ إلَخْ) وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ وَعَدَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ صَرَّحَ الْمُعْتَرِضُ بِالْفَرْقِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: لِيُفِيدَ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِنْ الْهَدْمِ يُصَيِّرُهُمَا مُتَعَارِضَيْنِ وَلَا حُكْمَ مَعَ التَّعَارُضِ (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا إنْ صَرَّحَ إلَخْ) هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ (قَوْلُهُ: إنْ صَرَّحَ بِالْفَرْقِ إلَخْ) وَيَلْزَمُ مِنْ تَصْرِيحِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعِلَّةِ أَيْ عِلَّةُ الرِّبَا مَثَلًا ثَابِتَةٌ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: وَعَارَضَ عِلِّيَّةَ إلَخْ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ قَالَ وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ قَالَ الْعِلَّةُ الْكَيْلُ (قَوْلُهُ: الْتَزَمَهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْوَصْفِ الَّذِي عَارَضَ بِهِ عَنْ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: إبْدَاءُ أَصْلٍ) أَيْ دَلِيلٌ يَشْهَدُ لِمَا عَارَضَ بِهِ أَيْ لِلْوَصْفِ الَّذِي عَارَضَ إلَخْ وَقَوْلُهُ بِالِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقٌ بِيَشْهَدُ أَيْ يَشْهَدُ لِلْوَصْفِ الَّذِي عَارَضَ بِهِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْمُعَارَضَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا فَإِنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ كُلَّ الظُّهُورِ إلَّا مِنْ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى رِبَوِيَّةِ الْبُرِّ دُونَ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ حَاصِلَ سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا نَفْيِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِعِلِّيَّةِ الْمُسْتَدِلِّ وَيَكْفِيهِ أَنْ لَا تَثْبُتَ عِلِّيَّتُهَا بِالِاسْتِقْلَالِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُثْبِتَ عِلِّيَّةَ مَا أَبْدَاهُ بِالِاسْتِقْلَالِ فَإِنَّ كَوْنَهُ جُزْءَ الْعِلَّةِ يُحَصِّلُ مَقْصُودَهُ، وَإِمَّا صَدِّ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ لِجَوَازِ تَأْثِيرِ هَذَا وَالِاحْتِمَالُ كَافٍ وَهُوَ لَا يَدَّعِي عِلِّيَّةَ مَا أَبْدَاهُ لِيَحْتَاجَ إلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: كَافٍ فِي حُصُولِ إلَخْ) أَيْ وَمَنْ كَانَ كَافِيًا قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يُبْدِ شَاهِدًا (قَوْلُهُ: مِنْ الْهَدْمِ) أَيْ هَدْمِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِ مِنْ الْفَرْعِ [لِلْمُسْتَدِلِّ دَفْعُ الْمُعَارَضَةِ فِي الْعِلَّةِ] (قَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وُجُودِ

فِي دَفْعِ مُعَارَضَةِ الْقُوتِ بِالْكَيْلِ فِي شَيْءٍ كَالْجَوْزِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَكِيلٌ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَادَةِ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ إذْ ذَاكَ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا (وَالْقَدْحِ) فِي عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ بِهِ بِبَيَانِ خَفَائِهِ أَوْ عَدَمِ انْضِبَاطِهِ (وَبِالْمُطَالَبَةِ) لِلْمُعْتَرِضِ (بِالتَّأْثِيرِ أَوْ الشَّبَهِ) لِمَا عَارَضَ بِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ (سَبْرًا) بِأَنْ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ شَبَهًا لِتَحْصُلَ مُعَارَضَةُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ السَّبْرِ فَمُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ قَادِحٌ فِيهِ وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْبَاءَ لِدَفْعِ إيهَامِ عَوْدِ الشَّرْطِ إلَى مَا قَبْلَ مَدْخُولِهَا مَعَهُ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ عَارَضَ الْقُوتَ بِالْكَيْلِ لِمَ قُلْت إنَّ الْكَيْلَ مُؤَثِّرٌ (وَبِبَيَانِ اسْتِقْلَالِ مَا عَدَاهُ) أَيْ مَا عَدَا الْوَصْفَ الْمُعْتَرَضَ بِهِ (فِي صُورَةٍ وَلَوْ) كَانَ الْبَيَانُ (بِظَاهِرٍ عَامٍّ) كَمَا يَكُونُ بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي دَفْعِ مُعَارَضَةِ الْقُوتِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الطَّعْمَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّيْخُ خَالِدٍ؛ لِأَنَّ الْجَوْزَ لَيْسَ مُقْتَاتًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِثَالٌ فَرْضِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ) أَيْ شَيْءٍ هُوَ أَصْلٌ كَالْجَوْزِ إذَا جَعَلْنَاهُ أَصْلًا وَجَعَلْنَا عِلَّةَ الرِّبَا فِيهِ الْقُوتَ وَقِسْنَا عَلَيْهِ الذُّرَةَ مَثَلًا بِجَامِعِ الْقُوتِ فَإِذَا عُورِضَ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْكَيْلُ دُفِعَتْ الْمُعَارَضَةُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: بِالْكَيْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُعَارَضَةٍ وَقَوْلُهُ فِي شَيْءٍ تَنَازَعَهُ الْقُوتُ وَالْكَيْلُ (قَوْلُهُ: وَكَانَ إذْ ذَاكَ) أَيْ إذْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَوْجُودٌ (قَوْلُهُ: وَالْقَدْحُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرْت مِنْ الْوَصْفِ خَفِيٌّ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ أَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ أَوْ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ أَوْ غَيْرُ وُجُودِيٍّ وَنَحْوِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا إفْسَادُ الْعِلَّةِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ إفْسَادِهَا وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِهِ مُطْلَقَ الْقَدْحِ فِي الدَّلِيلِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى الْمَنْعِ مَعَ أَنَّ الْمَنْعَ قَدْحٌ وَكَذَا الْمُطَالَبَةُ بِالتَّأْثِيرِ وَمَا بَعْدَهُ وَمِنْ هَذَا الْعَطْفِ يُعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ قَدْحًا خَاصًّا أَيْ قَدْحًا لَا يَشْمَلُ الْمَنْعَ وَلَا الْمُطَالَبَةَ الْمَذْكُورَةَ (قَوْلُهُ: بِبَيَانِ خَفَائِهِ) كَتَعْلِيلِ الْعِدَّةِ بِالْإِمْنَاءِ أَوْ عُلُوقِ الرَّحِمِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَمِ انْضِبَاطِهِ) كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ (قَوْلُهُ: بِالتَّأْثِيرِ) أَيْ تَأْثِيرِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْحُكْمِ كَحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي (قَوْلُهُ: أَوْ الشَّبَهِ) وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى وَصْفٍ قَائِمٍ بِالْفَاعِلِ وَلَيْسَ اخْتِيَارِيًّا (قَوْلُهُ: لِمَا عَرَضَ بِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاثْنَيْنِ قَبْلَهُ وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ شَبَهًا) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ لَا الْمُنَاسِبُ فَإِنَّهُ هُوَ نَفْسُ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لَا دَلِيلُ الْعِلَّةِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَبْنَى الِاعْتِرَاضِ رُجُوعُ اسْمِ كَانَ لِلدَّلِيلِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ رُجُوعِهِ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالسِّيَاقِ وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ وَصْفَهُ مُنَاسِبًا أَوْ شَبَهًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلُهُ سَبْرًا بَلْ مُنَاسَبَةً أَوْ شَبَهًا (قَوْلُهُ: قَادِحٌ فِيهِ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَدْخُلُ فِي السَّبْرِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُنَاسِبًا وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُنَاسَبَةٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِمَ قُلْت إلَخْ) فَيُجِيبُهُ بِبَيَانِ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ بِالدَّلِيلِ وَإِلَّا انْدَفَعَتْ الْمُعَارَضَةُ. (قَوْلُهُ: وَبِبَيَانِ اسْتِقْلَالٍ) قَالَ سم فِي ذِكْرِ الِاسْتِقْلَالِ إشَارَةٌ إلَى تَصْوِيرِ الْمُعَارَضَةِ بِإِبْدَاءِ أَنَّ وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ جُزْءٌ مِنْ الْعِلَّةِ وَأَنَّ مَا أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ جُزْءٌ آخَرُ لَهَا (قَوْلُهُ: مَا عَدَاهُ) صَادِقٌ بِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الَّذِي نَصَبَهُ وَبِوَصْفٍ آخَرَ يُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَهُ بِالْعِلِّيَّةِ فِي صُورَةٍ انْتَفَى فِيهَا وَصْفُ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: فِي صُورَةٍ كَالْجَوْزِ) بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ الْجَوْزُ رِبَوِيٌّ لِلْقُوتِ، فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ بَلْ لِلْقُوتِ وَالْكَيْلِ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُعْتَرِضُ مُرَكَّبَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ اسْتِقْلَالٌ. (قَوْلُهُ: بِظَاهِرٍ) عَامٌّ بِالْوَصْفِ وَالْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَكُونُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ أَوْ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ أَوْ بِالظَّاهِرِ الْخَاصِّ وَكَأَنَّهُ

(إذَا لَمْ يَعْرِضْ) الْمُسْتَدِلُّ (لِلتَّعْمِيمِ) كَأَنْ يُبَيِّنَ اسْتِقْلَالَ الطَّعْمِ الْمُعَارَضِ بِالْكَيْلِ فِي صُورَةٍ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَالْمُسْتَقِلُّ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ تَعَرَّضَ لِلتَّعْمِيمِ فَقَالَ فَتَثْبُتُ رِبَوِيَّةُ كُلِّ مَطْعُومٍ خَرَجَ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ الدَّفْعِ عَنْهُ إلَى النَّصِّ وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْبَاءَ لِطُولِ الْفَصْلِ. (وَلَوْ) (قَالَ) الْمُسْتَدِلُّ لِلْمُعْتَرِضِ (ثَبَتَ الْحُكْمُ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (مَعَ انْتِفَاءِ وَصْفِك) الَّذِي عَارَضْت بِهِ وَصْفِي عَنْهَا (لَمْ يَكْفِ) فِي الدَّفْعِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدْ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ انْتِفَاءِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ عَنْهَا (وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ) فِيهَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي انْتِفَاءِ وَصْفَيْهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ فِيهَا فَيَكْفِي فِي الدَّفْعِ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ) لَمْ يَكْفِ (مُطْلَقًا) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي انْتِفَاءِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ زِيَادَةٌ عَلَى عَدَمِ الْكِفَايَةِ الَّذِي اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ (وَعِنْدِي أَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (يَنْقَطِعُ) بِمَا قَالَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاقْتَصَرَ عَلَى الْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ مُقَابِلًا لِلنَّصِّ الْمُنْقَسِمِ إلَى مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ) قَيْدٌ فِي مَدْخُولِ لَوْ (قَوْلُهُ: خَرَجَ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ) أَيْ وَتَبْقَى الْمُعَارَضَةُ سَالِمَةً مِنْ الْقَدْحِ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ: إلَى النَّصِّ) أَيْ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالنَّصِّ وَالْعَامِّ دُونَ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّمْثِيلِ الْآتِي أَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ جُزْءَ عِلَّةٍ فَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ عِلَّةً مُرَكَّبَةً (قَوْلُهُ: وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ) بِأَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ الْكَيْلَ وَالْحَالُ أَنَّ الْجَوَّازَ غَيْرُ مَكِيلٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وُجَدِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاتِّفَاقٍ فِي الْمُتَنَاظِرَيْنِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الدَّفْعِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ إذْ الْغَرَضُ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ وُجُودَ الْحُكْمِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِذَا فَرَضَ مَعَ ذَلِكَ وُجُودَ وَصْفِهِ فِيهَا دُونَ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ فَكَيْفَ لَا يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ وُجُودِ عِلَّةٍ إذْ الْكَلَامُ فِي حُكْمٍ مُعَلَّلٍ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إبْدَاءُ الْمُعْتَرِضِ الْوَصْفَ أَوْرَثَ شَكًّا فِيمَا أَبْدَاهُ الْمُسْتَدِلُّ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شَيْئًا آخَرَ تُوجَدُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ إلَخْ) لِأَنَّ انْتِفَاءَ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ لَا يَقْدَحُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ عِلَّتَانِ إذَا انْتَفَتْ إحْدَاهُمَا خَلَفَتْهَا الْأُخْرَى قَالَ سم وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ فِيمَا إذَا وُجِدَ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ دُونَ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ فَإِنَّ جَوَازَ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مِمَّا يُنَاسِبُ عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ بِتَقْدِيرِ عِلِّيَّتِهِ أَيْضًا لَا يُنَافِي عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْجَوَازُ الْمَذْكُورُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ وَلَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ أَنَّ الْعِلَّةَ هُنَاكَ وَصْفُ الْمُعْتَرِضِ دُونَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَشْيَاءَ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي انْتِفَاءِ) أَيْ فِي شَأْنِ انْتِفَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: يَنْقَطِعُ بِمَا قَالَهُ)

(لِاعْتِرَافِهِ) فِيهِ بِإِلْغَاءِ وَصْفِهِ حَيْثُ سَاوَى وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ فِيمَا قَدَح هُوَ بِهِ فِيهِ (وَلِعَدَمِ الِانْعِكَاسِ) لِوَصْفِهِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِ الْحُكْمُ مَعَ انْتِفَائِهِ وَالِانْعِكَاسُ شَرْطٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الِانْعِكَاسِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الِانْقِطَاعُ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَقْوِيَةً لِلْأَوَّلِ. (وَلَوْ) (أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ) فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَلْغَى وَصْفَهُ فِيهَا الْمُسْتَدِلُّ (مَا) أَيْ وَصْفًا (يَخْلُفُ الْمَلْغِيَّ سُمِّيَ) مَا أَبْدَاهُ (تَعَدُّدَ الْوَضْعِ) لِتَعَدُّدِ مَا وَضَعَ أَيْ بَنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ يَنْقَطِعُ بِإِيرَادِهِ الصُّورَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا وَصْفُهُ وَلَوْ جَوَّزْنَا التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: فِيمَا قَدَحَ هُوَ بِهِ فِيهِ) أَيْ مِنْ الِانْتِفَاءِ (قَوْلُهُ: وَبِعَدَمِ الِانْعِكَاسِ) هُوَ أَنْ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ حَيْثُ يَنْتَفِي الْوَصْفُ وَالِاطِّرَادُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ حَيْثُ وُجِدَ الْوَصْفُ فَالِانْعِكَاسُ التَّلَازُمُ فِي الِانْتِفَاءِ وَالِاطِّرَادُ التَّلَازُمُ فِي الثُّبُوتِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ إلَخْ) أَمَّا عَلَى جَوَازِهِ فَلَيْسَ يُشْتَرَطُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى حَيْثُ انْتَفَتْ الثَّانِيَةُ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ عَدَمَ الِانْعِكَاسِ إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَنْعِ كَوْنِ عَدَمِ الِانْعِكَاسِ عِلَّةً لِلِانْقِطَاعِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ الِانْعِكَاسُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الِانْقِطَاعُ) أَيْ انْقِطَاعُ الْمُسْتَدِلِّ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ خَلَفَ عِلَّةً أُخْرَى بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ أَوْ أَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِاخْتِلَافِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ الِاعْتِرَافُ (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَقْوِيَةً لِلْأَوَّلِ) أَيْ لَا تَعْلِيلًا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِانْعِكَاسِ عِلَّةٌ لِلِانْقِطَاعِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فَيَصْلُحُ مُقَوِّيًا لِلِاعْتِرَافِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِلِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ بِنَاءِ التَّعْلِيلِ الثَّانِي عَلَى امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ وَظَاهِرٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ فَعَدَمُ الِانْعِكَاسِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا مُقَوِّيَةٌ وَهَذَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ أَمَّا جَوَازُهُ فَلَا انْقِطَاعَ بِمَا ذَكَرَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ عِنْدِيَّةَ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُطْلَقًا اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: سَمَّى مَا أَبْدَاهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ هُوَ الْإِذْنُ فَقَطْ وَلَا تَعَدُّدَ فِيهِ فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ سَمَّى الْإِبْدَاءَ لِيَكُونَ شَامِلًا لِإِبْدَاءِ الْحُرِّيَّةِ الَّتِي أَبْدَاهَا الْحَنَفِيُّ الْمُعْتَرِضُ وَإِبْدَاءِ الْإِذْنِ أَيْضًا الَّذِي أَبْدَاهُ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ سَمَّى مَا أَبْدَاهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِبْدَاءُ الْمُطْلَقُ وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ مَا أَبْدَاهُ شَامِلٌ أَيْضًا لِإِبْدَاءِ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَالَةُ إبْدَائِهِ الْحُرِّيَّةَ لَمْ يَكُنْ مُعْتَرِضًا إذْ لَا يُقَالُ لَهُ مُعْتَرِضٌ إلَّا بَعْدَ إبْدَائِهِ الْحُرِّيَّةَ فَهُوَ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُعْتَرِضًا لَمْ يَنْفِ إلَّا شَيْئًا وَاحِدًا وَهُوَ الْإِذْنُ.

عَلَيْهِ الْحُكْمَ عِنْدَهُ مِنْ وَصْفٍ بَعْدَ آخَرَ (وَزَالَتْ) بِمَا أَبْدَاهُ (فَائِدَةُ الْإِلْغَاءِ) وَهِيَ سَلَامَةُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ الْقَدْحِ وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَسَدَ الْإِلْغَاءُ (مَا لَمْ يُلْغِ) الْمُسْتَدِلُّ (الْخَلَفَ بِغَيْرِ دَعْوَى قُصُورِهِ أَوْ دَعْوَى مَنْ سَلَّمَ وُجُودَ الْمَظِنَّةِ) الْمُعَلَّلِ بِهَا لِوُجُودِهِ (ضَعْفَ الْمَعْنَى) فِيهِ الَّذِي اُعْتُبِرَتْ الْمَظِنَّةُ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُسْتَدِلُّ لِلْخَلَفِ أَصْلًا أَوْ تَعَرَّضَ لَهُ بِدَعْوَى قُصُورِهِ أَوْ بِدَعْوَى ضَعْفِ مَعْنَى الْمَظِنَّةِ فِيهِ (خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُمَا) أَيْ الدَّعْوَيَيْنِ (إلْغَاءً) لِلْخَلَفِ بِنَاءً فِي الْأُولَى عَلَى امْتِنَاعِ الْقَاصِرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى تَأْثِيرِ ضَعْفِ الْمَعْنَى فِي الْمَظِنَّةِ فَلَا تَزُولُ عِنْدَ هَذَا الزَّاعِمِ فِيهِمَا فَائِدَةُ الْإِلْغَاءِ الْأَوَّلِ، أَمَّا إذَا أَلْغَى الْمُسْتَدِلُّ الْخَلَفَ بِغَيْرِ الدَّعْوَيَيْنِ فَتَبْقَى فَائِدَةُ إلْغَائِهِ الْأَوَّلِ. مِثَالُ تَعَدُّدِ الْوَضْعِ مَا يَأْتِي فِيمَا يُقَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَضَعَ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَيْ بَنَى فَتَفْسِيرٌ لِوَضَعَ وَقَوْلُهُ مِنْ وَصْفٍ بَيَانِ مَا وَضَعَ أَيْ بَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَفِي قَوْلِهِ مِنْ وَصْفٍ بَعْدَ آخَرَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّعَدُّدِ اجْتِمَاعَ الْأَوْصَافِ مَعَ كَوْنِهَا عِلَّةً بَلْ أَرَادَ وَضْعَ وَصْفٍ بَعْدَ آخَرَ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ تَرْكِيبِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ سَلَامَةُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ إلَخْ) أَيْ فَيَسْتَدِلُّ بِالْعِلِّيَّةِ وَتَرَتُّبُهَا عَلَى الْأَلْفَاظِ ظَاهِرًا وَيَتَبَيَّنُ بِإِبْدَاءِ الْمُعَارِضِ الْخَلَفَ الَّذِي لَمْ يُلْغِهِ الْمُسْتَدِلُّ بِمَا ذَكَرَ عَدَمُ تَرَتُّبِهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْضَحُ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِلْغَاءَ مَا زَالَ صَحِيحًا وَإِتْيَانُ الْمُعْتَرِضِ بِمَا يَخْلُفُهُ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي زَالَ فَائِدَتُهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى إبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا قَالَ أَوْضَحُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِفَسَادِ الْإِلْغَاءِ زَوَالُ فَائِدَتِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُلْغِ إلَخْ) قَيْدٌ فِي زَالَتْ فَائِدَةُ الْإِلْغَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ دَعْوَى مَنْ سَلَّمَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ غَيْرٍ، أَيْ أَوْ بِغَيْرِ دَعْوَى مَنْ أَيِّ مُسْتَدِلٍّ سَلَّمَ، وَأَوْ لِنَفْيِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ الْأَمْرَيْنِ وَنَفْيُ إلْغَائِهِمَا صَادِقٌ بِالْإِلْغَاءِ بِغَيْرِهِمَا وَبِعَدَمِ الْإِلْغَاءِ أَصْلًا (قَوْلُهُ: لِوُجُودِهِ) أَيْ الْخَلَفِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ سَلَّمَ أَيْ سَلَّمَ وُجُودَ هَذَا الْكُلِّيِّ لِوُجُودِ جُزْئَيْهِ. (قَوْلُهُ: ضَعْفَ الْمَعْنَى) مَفْعُولَيْ دَعْوَى مَنْ سَلَّمَ وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ لِلْخَلَفِ وَفِي لَهُ لِلْمَعْنَى، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْحِكْمَةُ الَّتِي لِلْعِلَّةِ وَاللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ أَوْ بِغَيْرِ دَعْوَاهُ ضَعْفَ الْمَعْنَى وَقَدْ سَلَّمَ وُجُودَ الْمَظِنَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِذَلِكَ مِثَالُهُ إذَا اسْتَدَلَّ عَلَى رِبَوِيَّةِ التُّفَّاحِ لِقِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطُّعْمِ، فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ الطُّعْمُ بَلْ الْقُوتُ فَدَفَعَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِفَقْدِهِ فِي الْمِلْحِ فَأَبْدَى الْمُعْتَرِضُ بَدَلَهُ الْكَيْلَ مَثَلًا فَدَفَعَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِقُصُورِهِ لِعَدَمِ شُمُولِهِ نَحْوَ الْجَوْزِ فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ أَوْ مَعْدُودٌ أَوْ بِأَنَّ الْكَيْلَ إنَّمَا كَانَ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّطْفِيفِ فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْمَكِيلِ لَزِمَ التَّجَارُؤُ عَلَى الرِّبَا لَكِنَّ التَّطْفِيفَ الْحَاصِلَ أَمْرٌ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ضَعِيفٌ فَقَدْ سَلَّمَ الْمُفْتَرِضُ وُجُودَ الْمَظِنَّةِ الْمُعَلَّلِ لِأَجْلِهَا بِوُجُودِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا وَهُوَ التَّفَاوُتُ وَلَكِنْ أَرَى ضَعْفَ هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّفَاوُتُ إلَّا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، هَذَا مَا يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ هُنَا خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُلْغِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ تَعَرَّضَ لَهُ بِدَعْوَى قُصُورِهِ إلَخْ) بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَصَوُّرَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صَلَاحِ الْعِلِّيَّةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُرَجِّحُ الْوَصْفَ الْمُتَعَدِّيَ عَلَى الْقَاصِرِ كَمَا سَيَأْتِي وَعَلَى أَنَّ ضَعْفَ الْمَعْنَى فِي الْمَظِنَّةِ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي ضَعْفِ الْمَشَقَّةِ لِلْمَلِكِ الْمُتَرَفِّهِ فِي السَّفَرِ، وَزَاعِمُ خِلَافِ ذَلِكَ بَنَاهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ بِنَاءً فِي الْأُولَى عَلَى امْتِنَاعِ الْقَاصِرَةِ أَيْ عَلَى امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِهَا. اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: الدَّعْوَيَيْنِ) بِيَاءَيْنِ تَثْنِيَةُ دَعْوَى بِقَلْبِ آخِرِهِ يَاءً قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ آخِرُ مَقْصُورٍ تُثَنِّي اجْعَلْهُ يَا إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مُرْتَقِيَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا) فَإِنَّ دَعْوَى اسْمٌ مَقْصُورٌ زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا دَعْوَتَيْنِ بِتَاءٍ وَيَاءٍ فَهُوَ تَثْنِيَةُ دَعْوَةٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَظِنَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَأْثِيرِ وَفِيهِ أَنَّ ضَعْفَ الْمَعْنَى لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الدَّعْوَيَيْنِ إلَخْ) فِي هَذَا الْمِثَالِ كَلَامَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَهُمَا الِاسْتِدْلَال وَالْإِلْغَاءُ وَلِلْحَنَفِيِّ كَلَامَانِ أَيْضًا وَهُمَا الِاعْتِرَاضُ. وَالْجَوَابُ (قَوْلُهُ: فِيمَا يُقَالُ) صِلَةُ يَأْتِي ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ مَا يَأْتِي فِيمَا يُقَالُ هُنَا وَفِيمَا

يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ لِلْحَرْبِيِّ كَالْحُرِّ بِجَامِعِ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ فَإِنَّهُمَا مَظِنَّتَانِ لِإِظْهَارِ مَصْلَحَةِ الْإِيمَانِ مِنْ بَدَلِ الْأَمَانِ فَيَعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ فَرَاغِ الْقَلْبِ لِلنَّظَرِ بِخِلَافِ الرِّقِّيَّةِ لِاشْتِغَالِ الرَّقِيقِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فَيُلْغِي الْمُسْتَدِلُّ الْحُرِّيَّةَ بِثُبُوتِ الْأَمَانِ بِدُونِهَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ اتِّفَاقًا فَيُجِيبُ الْمُعْتَرِضُ بِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ خَلَفُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ وُسْعِهِ فِي النَّظَرِ فِي مَصْلَحَةِ الْقِتَالِ وَالْأَمَانِ. (وَيَكْفِي) فِي دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ (رُجْحَانُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ) عَلَى وَصْفِهَا بِمُرَجِّحٍ كَكَوْنِهِ أَنْسَبَ مِنْ وَصْفِهَا أَوْ أَشْبَهَ (بِنَاءً عَلَى مَنْعِ التَّعَدُّدِ) لِلْعِلَّةِ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَكْفِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ جَوَازِ التَّعَدُّدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْوَصْفَيْنِ عِلَّةً (وَقَدْ يُعْتَرَضُ) عَلَى الْمُسْتَدِلِّ (بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ) فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (وَإِنْ اتَّحَدَ ضَابِطُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ) كَمَا يَأْتِي فِيمَا يُقَالُ يُحَدُّ اللَّائِطُ كَالزَّانِي بِجَامِعِ إيلَاجِ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا مُحَرَّمٍ شَرْعًا فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي حُرْمَةِ اللِّوَاطِ الصِّيَانَةُ عَنْ رَذِيلَتِهِ وَفِي حُرْمَةِ الزِّنَا الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا الْحَدُّ دَفْعُ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُؤَدِّي هُوَ إلَيْهِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُهُمَا بِأَنْ يَقْصُرَ الشَّارِعُ الْحَدَّ عَلَى الزِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْتِي مَا يُقَالُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُمَثَّلَ لَهُ لَيْسَ هُوَ مَا يُقَالُ إلَخْ بَلْ هُوَ مَا يَأْتِي فِيهِ مِنْ جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ هُنَا وَاعْتِرَاضِهِ فِيمَا يَأْتِي اهـ. زَكَرِيَّا وَظَاهِرُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنْ تُصَوَّرَ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعْتَرِضُ يُنَازِعُ فِي اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَالْعَقْلِ) الْأَوْلَى وَالتَّكْلِيفِ اهـ. زَكَرِيَّا أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الصَّبِيِّ وَعِبَارَتُهُ فِي مَتْنِ مَنْهَجِهِ لِمُسْلِمٍ مُخْتَارٍ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَسِيرِ أَمَانُ حَرْبِيٍّ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْوَصْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ الْحُرِّيَّةُ جُزْءَ عِلَّةٍ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ الْإِذْنُ خَلَّفَ الْحُرِّيَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَأْيَهُ سَدِيدٌ (قَوْلُهُ: فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ) فَهَذِهِ صُورَةٌ أَلْغَى فِيهَا الْمُسْتَدِلُّ وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي رُجْحَانُ إلَخْ) لَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ التَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْفَرْعِ وَهَذَا فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَصْفِهَا بِمُرَجِّحٍ) أَيْ عِنْدَ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَشْبَهَ) أَيْ أَشَدُّ شَبَهًا وَالشَّبَهُ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ الْوَصْفَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ وَرُجْحَانُ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي عِلِّيَّةَ الْآخَرِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعِلَلِ أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ إذَا جَازَ مَا ذُكِرَ فَمَا فَائِدَةُ الْمُعَارَضَةِ بِوَصْفِ الْمُعْتَرِضِ مَعَ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا نَفَى الْمُسْتَدِلُّ الْحُكْمَ عَنْ الْفَرْعِ لِعَدَمِ وُجُودِ عِلَّتِهِ فِيهِ وَعَارَضَهُ الْمُعْتَرِضُ بِوُجُودِ وَصْفٍ فِي الْفَرْعِ يَقْتَضِي تَعَدِّيَ الْحُكْمِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُفْتَرَضُ إلَخْ) هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحِكْمَةِ وَمَا قَبْلَهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ) أَيْ الْعِلَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْمَصْلَحَةِ إشَارَةً إلَى تَرَادُفِهِمَا وَكَذَلِكَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْحِكْمَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اتَّحَدَ إلَخْ) الْأَنْسَبُ جَعْلُ الْوَاوِ لِلْحَالِ بِدَلِيلِ الْمِثَالِ لَا لِلتَّعْمِيمِ قَالَ سم لَيْسَ الْمُرَادُ بِضَابِطِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَا هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا لَأَضَافَهُ إلَى الْحُكْمِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ

فَيَكُونَ خُصُوصُهُ مُعْتَبَرًا فِي عِلَّةِ الْحَدِّ (فَيُجَابُ) عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (بِحَذْفِ خُصُوصِ الْأَصْلِ عَنْ الِاعْتِبَارِ) فِي الْعِلَّةِ بِطَرِيقٍ فَيَسْلَمُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِثَالِ لَا مَعَ خُصُوصِ الزِّنَا فِيهِ. (وَأَمَّا الْعِلَّةُ إذَا كَانَتْ وُجُودَ مَانِعٍ أَوْ انْتِفَاءَ شَرْطٍ) بِأَنْ كَانَتْ عِلَّةً لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ (فَلَا يَلْزَمُ) مِنْ كَوْنِهَا كَذَلِكَ (وُجُودُ الْمُقْتَضِي) لِلْحُكْمِ (وِفَاقًا) (لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ (وَخِلَافًا لِلْجُمْهُورِ) فِي قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ وُجُودُهُ وَإِلَّا بِأَنْ جَازَ انْتِفَاؤُهُ كَانَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ لِانْتِفَائِهِ لَا لِمَا فُرِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّادِقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَضْبِطُ كُلًّا مِنْهُمَا فَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَوْ عَوَّلَ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ التَّعْوِيلَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يُفِيدُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَلْ مَجْمُوعُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مَعَ خُصُوصِ الْمَحَلِّ فَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى بَيَانِ الْمُعْتَرِضِ اعْتِبَارُ خُصُوصِ الْمَحَلِّ فِي الْعِلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الضَّابِطَ لَمْ يَتَّحِد بَلْ هُوَ مُتَّحِدٌ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَمْرًا آخَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَبَيَّنُ مَا ذَكَرَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالضَّابِطِ الْعِلَّةَ فِي الْوَاقِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا أَضَافَ الضَّابِطَ لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْحُكْمِ لَا لِلْحُكْمِ وَلَوْ أُرِيدَ الْعِلَّةُ لَمْ يَكُنْ لِإِضَافَتِهِ لِلْفَرْعِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بَعْدُ فِي إلْحَاقِ الْفَرْعِ بِسَبَبِ الضَّابِطِ فَتَأَمَّلْهُ تَعْرِفْ بِهِ بُطْلَانَ مَا أَطَالَ بِهِ شَيْخُنَا اللَّقَانِيِّ هُنَا الْمَبْنِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّابِطِ الْعِلَّةُ وَهُوَ بَاطِلٌ كَذَا بِخَطِّ سم بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ خُصُوصُهُ إلَخْ) بِأَنْ يُقَالَ يُحَدُّ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَوْلَجَ فَرْجًا فِي فَرْجٍ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ: بِحَذْفِ خُصُوصِ الْأَصْلِ) كَالزِّنَا فِي الْمِثَالِ (قَوْلُهُ: بِطَرِيقٍ) أَيْ مِنْ طُرُقِ الْإِبْطَالِ الْآتِي بَعْضُهَا فِي السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا بَيَانُ أَنَّ الْوَصْفَ مُطَّرِدٌ أَيْ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ هُنَا فَيُقَالُ قَوْلُنَا عَلَى وَجْهِ الزِّنَا لَا مَفْهُومَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعِلَّةُ إلَخْ) مُقَابِلهُ مَحْذُوفٍ أَيْ أَمَّا الْعِلَّةُ الَّتِي لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ إلَى هُنَا وَأَمَّا الْعِلَّةُ الَّتِي لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ فَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ عِلَّةً لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ عِنْدَ مَدْخُولِ الْبَاءِ هُوَ وُجُودُ الْمَانِعِ وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ لَا غَيْرُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ قَدْ يَكُونُ الْمُتَسَبِّبُ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْمُقْتَضِي اهـ. وَأَقُولُ يَدْفَعُهُ أَنَّ إذَا لِلْإِهْمَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَنْطِقِ وَالْمُهْمَلَةُ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ فَالْمُتَسَبِّبُ عَنْ مَدْخُولِ الْبَاءِ كَوْنُهَا وُجُودَ مَانِعٍ أَوْ انْتِفَاءَ شَرْطٍ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ كَوْنُهَا قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ اهـ. كَتَبَهُ سم بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ لَا يُقَالُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مُهْمَلَاتِ الْعُمُومِ كُلِّيَّاتٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ الْعُمُومُ الْحُكْمِيَّةُ لَا مُطْلَقُ الْعُمُومِ كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِي الشَّارِحِ الْحَنَفِيِّ عَلَى آدَابِ الْبَحْثِ لِلْعَضُدِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ إلَخْ) مَثَلًا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ مِنْ الْأَبِ بِقَتْلِ ابْنِهِ الْأُبُوَّةَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ الْقَتْلِ الْمُقْتَضِي لِلْقِصَاصِ بَلْ يُعَلَّلُ عَدَمُ الْقِصَاصِ بِالْأُبُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْقَتْلُ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يُعَلَّلُ عَدَمُ الْقِصَاصِ حِينَئِذٍ بِالْأُبُوَّةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا انْتَفَى لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَتْلِ لِعَدَمِ الْقِصَاصِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ الَّذِي هُوَ الْأُبُوَّةُ. (قَوْلُهُ: وُجُودُ الْمُقْتَضِي) أَيْ الْعِلَّةِ الطَّالِبَةِ لِلْحُكْمِ وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ لَا تُصَلِّي مَثَلًا (قَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) أَيْ وَلِابْنِ الْحَاجِبِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي فَمَعَ عَدَمِهِ أَجْدَرُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ جَازَ انْتِفَاؤُهُ) أَيْ وَإِنْ انْتَفَى كَانَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ إلَخْ فَهُوَ مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهِ إذْ الْمَفْرُوضُ جَوَازُ الِانْتِفَاءِ لَا وُقُوعُهُ (قَوْلُهُ: لَا لِمَا فَرَضَ إلَخْ) فَالرَّجْمُ مَثَلًا إنَّمَا انْتَفَى لِعَدَمِ وُجُودِ الزِّنَا لَا لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى مَقْضِيِّهِ فَاسْتِنَادُ انْتِفَائِهِ إلَى انْتِفَاءِ مُقْتَضِيهِ أَوْلَى مِنْهُ إلَى انْتِفَاءِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعِهِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ

[مسالك العلة]

مِنْ وُجُودِ مَانِعٍ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَا فُرِضَ أَيْضًا لِجَوَازِ دَلِيلَيْنِ مَثَلًا عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَالْمَانِعُ كَأُبُوَّةِ الْقَاتِلِ لِلْمَقْتُولِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ كَعَدَمِ إحْصَانِ الزَّانِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (مَسَالِكُ الْعِلَّةِ) أَيْ هَذَا مَبْحَثُ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى عِلِّيَّةِ الشَّيْءِ (الْأَوَّلُ) مِنْهَا (الْإِجْمَاعُ) كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَانُ» تَشْوِيشُ الْغَضَبِ لِلْفِكْرِ وَقَدَّمَ الْإِجْمَاعَ عَلَى النَّصِّ كَابْنِ الْحَاجِبِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي وَعَكَسَ الْبَيْضَاوِيُّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَصْلٌ لِلْإِجْمَاعِ. (الثَّانِي) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (النَّصُّ الصَّرِيحُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُقَالُ إنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا النَّفْيُ (قَوْلُهُ: مِنْ وُجُودِ مَانِعٍ) أَيْ مَانِعٍ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ كَنَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ الْأَبِ بِقَتْلِ وَلَدِهِ لِمَانِعٍ وُجُودِيٍّ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ وَقَوْلُهُ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ كَانْتِفَاءِ رَجْمِ الْبِكْرِ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ الْمُشْتَرَطِ فِي وُجُوبِ الرَّجْمِ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ لَا عَلَى امْتِنَاعِهِ الْمُصَحِّحِ لِلْمُصَنِّفِ فَهُوَ جَوَابٌ إلْزَامِيٌّ. وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي كَانَ انْتِفَاؤُهُ مَعَ عَدَمِهِ أَجْدَرَ وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إنَّ الْخَصْمَ لَا يَلْتَزِمُ مَذْهَبًا؛ لِأَنَّهُ هَادِمٌ بِرَدِّهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ غَيْرُ خَصْمٍ بَلْ بِصَدَدِ تَقْدِيرِ الْأَحْكَامِ [مَسَالِكُ الْعِلَّةِ] [الْأَوَّلُ مِنْهَا الْإِجْمَاعُ] (قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا مَبْحَثُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَسَالِكَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَأَنَّ الْمَسْلَكَ اسْمُ مَكَان لَا اسْمُ زَمَانٍ، وَلَا مَصْدَرٌ أَيْ مَوْضِعُ السُّلُوكِ وَمَكَانُهُ وَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّ الْمَسَالِكَ تُوَصِّلُ إلَى الْمَقْصُودِ أَيْ هَذِهِ قَضَايَا وَمَبْحَثٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى عِلِّيَّةِ الشَّيْءِ أَيْ كَوْنِهِ عِلَّةً؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى عِلِّيَّةِ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ: تَشْوِيشُ الْغَضَبِ لِلْفِكْرِ) قَالَ النَّاصِرُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِلَّةَ وَصْفٌ ضَابِطٌ لِحِكْمَةٍ لَا نَفْسَ الْحِكْمَةِ فَالْمُطَابِقُ لَهُ أَنَّ الْعِلَّةَ غَضَبٌ لَا التَّشْوِيشُ. وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ نَفْسُ التَّشْوِيشِ هُوَ الْعِلَّةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَصْفٌ ضَابِطٌ لِحِكْمَةٍ، وَهِيَ خَوْفُ الْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ إلَى خِلَافِهِ بَلْ صَرَّحَ الْفَخْرُ فِي مَحْصُولِهِ بِخَطَأِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْغَضَبُ وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ كَالْعِرَاقِيِّ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ عُذْرٍ، وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ إلَى الْبَيْضَاوِيِّ وَتَقْدِيمُ النَّصِّ إلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَهْمٌ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ دَلِيلٌ عَلَى قَدْحٍ فِي ذَلِكَ النَّصِّ إمَّا بِضَعْفٍ أَوْ نَسْخٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَالنَّصُّ فَقَوْلُهُ الْآتِي وَصْفٌ لِلْأَصَحِّ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَصَحِّيَّةُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَ هُنَا هُنَاكَ خِلَافًا. [الثَّانِي مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ النَّصُّ الصَّرِيحُ] (قَوْلُهُ: النَّصُّ الصَّرِيحُ) قَابَلَ بِهِ الظَّاهِرَ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَدْرَجَ فِيهِ الظَّاهِرَ وَقَابَلَ بِالصَّرِيحِ التَّنْبِيهَ، وَالْإِيمَاءَ وَأَدْرَجَ الثَّلَاثَةَ فِي النَّصِّ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ لَكِنْ

بِأَنْ لَا يَحْتَمِلَ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ (مِثْلُ لِعِلَّةِ كَذَا فَلِسَبَبِ) كَذَا (فَمِنْ أَجْلِ) كَذَا (فَنَحْوُ كَيْ وَإِذَنْ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] وَفِيمَا عَطَفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَاءِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فِي الرُّتْبَةِ بِخِلَافِ مَا عَطَفَهُ بِالْوَاوِ (وَالظَّاهِرُ) بِأَنْ يَحْتَمِلَ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا (كَاللَّامِ ظَاهِرَةٌ) نَحْوُ {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1] (فَمُقَدَّرَةٌ نَحْوُ إنْ كَانَ كَذَا) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْعَدُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ كَذَا فَلِسَبَبِ كَذَا) تَرَكَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَا أَصْرَحَ الْأَشْيَاءِ (قَوْلُهُ: فَنَحْوُ كَيْ) أَيْ التَّعْلِيلِيَّةِ بِخِلَافِ كَيْ الْمَصْدَرِيَّةِ، فَإِنَّهَا بِمَعْنَى أَنْ وَتَنْصِبُ الْمُضَارِعَ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا لَامُ التَّعْلِيلِ ظَاهِرَةً أَوْ مُقَدَّرَةً (قَوْلُهُ: وَإِذَنْ) جَعَلَهَا مِنْ الصَّرِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْجَزَاءِ دَائِمًا لَا غَالِبًا (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. . الْآيَةَ) مِثْلُهُ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ» أَيْ إنَّمَا شُرِعَ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي دَارٍ لِئَلَّا يَقَعَ النَّظَرُ عَلَى مَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ لِأَجْلِ الدَّافَّةِ» أَيْ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِهَا لِتُفَرِّقُوهَا بِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالدَّافَّةُ جَمَاعَةٌ يَذْهَبُونَ مَهْلًا لِطَلَبِ الْكَلَأِ فِي سَنَةِ الْقَحْطِ مِنْ الدَّفِيفِ، وَهُوَ الدَّبِيبُ أَيْ السَّيْرُ اللَّيِّنُ وَالْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ الْقَافِلَةُ السَّيَّارَةُ كَذَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ، وَفِي الصِّحَاحِ الدَّافَّةُ الْجَيْشُ يَدِفُّونَ نَحْوَ الْعَدُوِّ أَيْ يَدِبُّونَ اهـ. قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: 7] أَيْ أَنَّ الْفَيْءَ الَّذِي أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ إنَّمَا خُمِّسَ وَصُرِفَ إلَى الْمَصَارِفِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْآيَةِ كَيْلَا يَكُونَ دُولَةً وَهِيَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَا يَدُوَّلُ وَيَدُورُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ الْجَدِّ وَالْجَمْعُ دَوْلَاتٌ وَدُوَلٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِشَيْءٍ يُتَدَاوَلُ بِعَيْنِهِ أَيْ إنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَخْتَصَّ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ فَيَكُونُ مَرَّةً لِهَذَا أَوْ مَرَّةً لِذَاكَ قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ مُقَدَّرَةً فَتَكُونُ كَيْ مَصْدَرِيَّةً فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي التَّعْلِيلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ أَوْ يُقَالُ: إنَّهَا أَبَدًا دَالَّةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا عَطَفَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى، وَفِي عَطْفِهِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْعَطْفِ بِالْفَاءِ لَا فِي الْمَعْطُوفِ بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْطُوفُ مِنْ حَيْثُ الْعَطْفُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: وَفِي عَطْفِ مَا عَطَفَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا عَطَفَهُ بِالْوَاوِ) أَيْ فَلَيْسَ فِيهِ الْإِشَارَةُ وَكَوْنُهُ فِي رُتْبَتِهِ أَوْ لَا شَيْءٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ) عَطْفٌ عَلَى الصَّرِيحِ فَهُوَ قَسِيمٌ لَهُ وَقِسْمٌ مِنْ النَّصِّ فَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ هُنَا مُطْلَقُ اللَّفْظِ اهـ. نَاصِرٌ (قَوْلُهُ: احْتِمَالًا مَرْجُوحًا)

{أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] أَيْ لَأَنْ (فَالْبَاءُ) نَحْوُ {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] أَيْ مَنَعْنَاهُمْ مِنْهَا لِظُلْمِهِمْ. (فَالْفَاءُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ) وَتَكُونُ فِيهِ لِلْحُكْمِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، وَفِي الْوَصْفِ نَحْوُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «لَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» (فَالرَّاوِي الْفَقِيهُ فَغَيْرُهُ) وَتَكُونُ فِي ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ «كَقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَجَدَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ مَجَازًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] فَأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ إلَخْ حَمَلَهُ عَلَى الطُّغْيَانِ فِي ارْتِكَابِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ، وَهُوَ الْغَيْرَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ؛ لِأَنَّ) جَعْلَ الْمُقَدَّرَ اللَّامَ دُونَ بَاءِ السَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: فَالْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ) مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلَاصُقِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لِمَا حُقِّقَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا الْإِلْصَاقُ وَبَقِيَّةُ الْمَعَانِي مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ الْحَقُّ أَنَّ مَعْنَى ظُهُورِ التَّعْلِيلِ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ تَبَادُرُ الذِّهْنِ إلَى فَهْمِ التَّعْلِيلِ مِنْهَا فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَوْ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَالسِّيَاقُ لَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْلِيلِ بِخُصُوصِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي. (قَوْلُهُ: أَيْ مَنَعْنَاهُمْ مِنْهَا لِظُلْمِهِمْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبَاتِ الْمُسْتَلَذَّاتُ وَبِالتَّحْرِيمِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الْمَنْعُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِالطَّيِّبَاتِ الْحَلَالَاتُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وَصْفِهَا بِأَنَّهَا أُحِلَّتْ لَهُمْ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ) أَيْ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَصْفِ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ «لَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» فَإِنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ {فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] صِيغَةُ إيجَابٍ وَالْإِيجَابُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْفَاءُ عَلَيْهِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا تُمِسُّوهُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَاءُ مَفْعُولٌ أَوَّلُ وَطِيبًا مَفْعُولٌ ثَانٍ وَقَوْلُهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا أَيْ تُغَطُّوا يُقَالُ خَمَّرَ رَأْسَهُ أَيْ غَطَّاهُ وَالْعِلَّةُ هِيَ الْبَعْثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا فَوَجَبَ إبْقَاءُ أَثَرِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ: فَالرَّاوِي الْفَقِيهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُهُ) أَيْ فَغَيْرُ الرَّاوِي الْفَقِيهِ، وَهُوَ الرَّاوِي غَيْرُ الْفَقِيهِ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَلَامِ الرَّاوِي فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ فَقَطْ) أَيْ فِي مُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ، وَهُوَ طَلَبُ السُّجُودِ فِي الْحَدِيثِ لَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ أَوْ تَرَتُّبُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ الْمُسْتَحِيلِ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْحُدُوثِ قَالَ النَّاصِرُ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ إنَّمَا يَحْكِي بِالْفَاءِ مَا كَانَ فِي الْوُجُودِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا يَكُونُ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ فَمَدْخُولُهَا فِي كَلَامِهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَمَّا قَبْلَهَا وَالْوَصْفُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مَدْخُولُهَا إلَّا الْحُكْمُ لَا الْوَصْفُ وَأَمَّا الشَّارِعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَاكٍ لِمَا فِي الْوُجُودِ بَلْ مُنْشِئٌ لِلْحُكْمِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إنْشَاءِ الْحُكْمِ ثُمَّ بَيَانِ عِلَّتِهِ كَعَكْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ) هُوَ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ وَقَصَدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ، وَعِبَارَتُهُ فِي تَلْوِيحِهِ هَكَذَا النَّصُّ إمَّا صَرِيحٌ، وَهُوَ مَا دَلَّ بِوَضْعِهِ، وَإِمَّا إيمَاءٌ وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَلَهُ مَرَاتِبُ مِنْهَا مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالْعِلِّيَّةِ، مِثْلُ لِعِلَّةِ كَذَا وَلِأَجْلِ كَذَا وَكَيْ يَكُونَ وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِيهِ حَرْفٌ ظَاهِرٌ فِي التَّعْلِيلِ مِثْلُ لِكَذَا أَوْ بِكَذَا، وَإِنْ كَانَ كَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ قَدْ تَجِيءُ لِغَيْرِ الْعِلِّيَّةِ كَلَامِ الْعَاقِبَةِ وَبَاءِ الْمُصَاحَبَةِ، وَإِنْ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مُجَرَّدِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِصْحَابِ وَمِنْهَا مَا دَخَلَ فِيهِ الْفَاءُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَمَّا فِي الْوَصْفِ مِثْلُ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا» وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ نَحْوُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْبَاعِثُ مُقَدَّمٌ فِي الْعَقْلِ مُتَأَخِّرٌ فِي الْخَارِجِ فَيَجُوزُ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِلِاعْتِبَارَيْنِ، وَهَذَا

[الثالث من مسالك العلة الإيماء]

إنَّهَا فِي ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ يَحْكِي مَا كَانَ فِي الْوُجُودِ لَمْ يُرِدْ بِالْوَصْفِ فِيهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا فِي الْأَوَّلِ فَالْفَاءُ فِيمَا ذُكِرَ لِلسَّبَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْعِلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ الصَّرِيحِ لِمَجِيئِهَا لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ كَالْعَاقِبَةِ فِي اللَّامِ وَالتَّعْدِيَةِ فِي الْبَاءِ وَمُجَرَّدِ الْعَطْفِ فِي الْفَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْحُرُوفِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ (إنَّ) الْمَكْسُورَةُ الْمُشَدَّدَةُ نَحْوُ {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا - إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ} [نوح: 26 - 27] الْآيَةَ (وَإِذْ) نَحْوُ ضَرَبْت الْعَبْدَ إذْ أَسَاءَ أَيْ لِإِسَاءَتِهِ (وَمَا مَضَى فِي الْحُرُوفِ) أَيْ مَبْحَثِهَا مِمَّا يَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَهُوَ بَيْدَ وَحَتَّى وَعَلَى، وَفِي وَمِنْ فَلْتُرَاجَعْ، وَإِنَّمَا فَصَلَ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ وَمِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأُصُولِيُّونَ وَاحْتِمَالُ إنَّ لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ كَأَنْ تَكُونَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَمَا تَكُونُ إذْ وَمَا مَضَى لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْحُرُوفِ. (الثَّالِثُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ اسْتِدْلَالِيَّةٌ، وَمِنْهَا مَا دَخَلَ فِيهِ الْفَاءُ فِي لَفْظِ الرَّاوِي مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ، وَهَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفِي الظُّهُورَ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: إنَّهَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَلَامِ الرَّاوِي الْفَقِيهِ فِي الْوَصْفِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْحُكْمِ بِخِلَافِهَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فَإِنَّهَا فِيهِ قَدْ تَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي فَاقْطَعُوا؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ إيجَابٍ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ بِالْوَصْفِ إلَخْ) أَيْ بَلْ أَرَادَ بِهِ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ، وَهُوَ السُّجُودُ الْمَأْخُوذُ مِنْ فَسَجَدَ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ بِصَدَدِ وَصْفِ أَيْ حِكَايَةِ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَبِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَهُوَ مَحْسُوسٌ بِخِلَافِ الْحُكْمِ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ النَّدْبُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ وَأَوْرَدَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَيْفَ عُمِلَ بِقَوْلِ الرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ. وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ فَهْمِ الْأَلْفَاظِ لُغَةً لَا يُرْجَعُ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ نَحْوِ هَذَا مَنْسُوخٌ؛ وَلِهَذَا إذَا قَالَ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا يُعْمَلُ بِهِ حَمْلًا عَلَى الرَّفْعِ لَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَمَنْ مَنَعَ فِي هَذَا إنَّمَا قَالَ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْفَاءُ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلسَّبَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْعِلِّيَّةِ فَفِي الْأَخِيرِ مَثَلًا الْمَعْنَى فَبِسَبَبِ سَهْوِهِ سَجَدَ. وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى رَدِّ اعْتِرَاضِ الْعِرَاقِيِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْبَيْضَاوِيَّ جَعَلَ الْفَاءَ مُطْلَقًا مِنْ قَبِيلِ الْإِيمَاءِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَحِيحٌ، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَعَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ التَّابِعُ لِابْنِ الْحَاجِبِ أَقْعَدُ مِنْ قَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ التَّابِعِ لِلْمَحْصُولِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ هَكَذَا الثَّانِي الْإِيمَاءُ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ - تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْفَاءِ، وَتَكُونُ فِي الْوَصْفِ أَوْ فِي الْحُكْمِ إمَّا فِي لَفْظِ الشَّارِعِ أَوْ فِي لَفْظِ الرَّاوِي، مِثْلُ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ، «لَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا» ، زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ، وَوَفَّقَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ لَمَّا احْتَاجَتْ دَلَالَةُ الْفَاءِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ إلَى النَّظَرِ لَمْ تَكُنْ وَضْعِيَّةً صِرْفَةً؛ فَلِذَا جَعَلَهَا مِنْ الْإِيمَاءِ وَلَمَّا دَلَّتْ عَلَى التَّرْتِيبِ بِالْوَضْعِ جَعَلَهَا غَيْرَهُ مِنْ أَقْسَامِ مَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ اهـ. وَطَرِيقُ النَّظَرِ أَنْ يُقَالَ: الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ عَقِيبَ مَا رَتَّبَ عَلَيْهِ فَتَلْزَمُ سَبَبِيَّتُهُ لِلْحُكْمِ إذْ لَا تَعْنِي بِهَا سِوَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْمَذْكُورَاتُ) أَيْ مِنْ اللَّامِ وَالْبَاءِ وَالْفَاءِ (قَوْلُهُ: لِمَجِيئِهَا لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ) يَرِدُ عَلَيْهِ كَيْ فَإِنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهَا قَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْمَقْدُورِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ وَالتَّعْدِيَةُ فِي الْبَاءِ اللَّائِقُ بِتَمْثِيلِهِ لِلْبَاءِ أَنْ يُقَالَ: وَالْمُقَابَلَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي مِثَالِهِ مُحْتَمَلَةٌ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا وَالْبَعْدِيَّةُ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأُصُولِيُّونَ) أَيْ مُتَقَدِّمُوهُمْ فَلَا يُنَافِي ذِكْرَ بَعْضِ مُتَأَخِّرِيهِمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَالِكِ قِيلَ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ فِي التَّعْلِيلِ إنَّمَا يَكُونُ لِقَرِينَةٍ فَلَا يَصْدُقُ تَعْرِيفُ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً أَيْ ظَاهِرَةً بِطَرِيقِ الْوَضْعِ كَالْأَسَدِ أَوْ الْعُرْفِ كَالْغَائِطِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا، وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ مُؤَوَّلٌ (قَوْلُهُ: وَاحْتِمَالُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَأَنْ يَكُونَ. [الثَّالِثُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْإِيمَاءُ] (قَوْلُهُ: الْإِيمَاءُ) أَيْ مِنْ الشَّارِعِ إلَى الْعِلَّةِ فَتَفْسِيرُهُ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ اقْتِرَانُ إلَخْ

(الْإِيمَاءُ) ، وَهُوَ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ الْمَلْفُوظِ قِيلَ: أَوْ الْمُسْتَنْبَطِ بِحُكْمٍ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ (مُسْتَنْبَطًا) كَمَا يَكُونُ مَلْفُوظًا (لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيلِ هُوَ) أَيْ الْوَصْفُ (أَوْ نَظِيرُهُ) لِنَظِيرِ الْحُكْمِ حَيْثُ يُشَارُ بِالْوَصْفِ وَالْحُكْمِ إلَى نَظِيرِهِمَا أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اقْتِرَانِهِ بِالْحُكْمِ لِتَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِهِ (كَانَ) ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ (بَعِيدًا) مِنْ الشَّارِعِ لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَتِهِ وَإِتْيَانِهِ بِالْأَلْفَاظِ فِي مَوَاضِعِهَا (كَحُكْمِهِ) أَيْ الشَّارِعِ (بَعْدَ سَمَاعِ وَصْفٍ) كَمَا فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ «وَاقَعْت أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً» إلَخْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَمْرُهُ بِالْإِعْتَاقِ عِنْدَ ذِكْرِ الْوِقَاعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْسِيرٌ بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إيمَاءِ الشَّارِعِ الِاقْتِرَانُ وَفِي الْحَقِيقَةِ الِاقْتِرَانُ صِفَةٌ لِلْوَصْفِ (قَوْلُهُ: الْمَلْفُوظِ) أَيْ الْمُصَرَّحِ بِعِلِّيَّتِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ لِتَقْدِيرٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَنْبَطًا) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ رَاجِعَةٌ لِمَا قَبْلَ قَوْلِهِ، وَقِيلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ، وَقِيلَ إنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِمَا لَيْسَ بِإِيمَاءٍ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ مُسْتَنْبَطًا فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ، وَقَوْلُهُ بِحُكْمٍ أَيْ مَلْفُوظٍ أَوْ مُسْتَنْبَطٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ مُسْتَنْبَطًا فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ وَالْحُكْمَ إمَّا مَلْفُوظَانِ أَوْ مُسْتَنْبَطَانِ أَوْ الْوَصْفُ مَلْفُوظٌ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ وَعَكْسُهُ وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْوَصْفُ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطَيْنِ يَكُونُ لَيْسَ بِإِيمَاءٍ (قَوْلُهُ: أَوْ نَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ الْوَصْفِ إنْ كَانَ نَظِيرٌ فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُشَارُ إلَخْ) أَيْ، وَإِنَّمَا يُلْتَفَتُ لِلنَّظِيرِ حَيْثُ يُشَارُ، وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ اقْتِرَانُهُ) فَالضَّمِيرُ لِلْوَصْفِ مِنْ حَيْثُ اقْتِرَانُهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ (قَوْلُهُ: لِتَعْلِيلِ الْحُكْمِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ مِنْ قَوْلِهِ لِلتَّعْلِيلِ عِوَضٌ عَنْ الضَّمِيرِ الرَّابِطِ وَقَوْلُهُ لِتَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِهِ أَيْ بِالْوَصْفِ أَيْ أَوْ بِنَظِيرِ الْوَصْفِ مِنْ حَيْثُ اقْتِرَانُهُ بِنَظِيرِ الْحُكْمِ، وَلَكِنَّ الِاقْتِرَانَ فِي الْحُكْمِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَفِي نَظِيرِ الْحُكْمِ مُقَدَّرٌ مُشَارٌ إلَيْهِ فَالِاقْتِرَانُ فِيهِ حُكْمِيٌّ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا فَانْدَفَعَ بَحْثُ النَّاصِرِ (قَوْلُهُ: كَانَ ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ بَعِيدًا) بَحَثَ فِيهِ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ الْكَمَالِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِفَصَاحَةِ الشَّارِعِ وَوَضْعِهِ الْأَلْفَاظَ فِي مَحَلِّهَا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِلَفْظٍ إلَّا لِفَائِدَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَالْفَائِدَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي التَّعْلِيلِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَائِدَةُ بَيَانَ مَحَلِّ الْحُكْمِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلِمَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَسْلَمْ فِي جَمِيعِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَحُكْمِهِ) أَيْ كَالِاقْتِرَانِ الْحَاصِلِ فِي حُكْمِهِ بَعْدَ إلَخْ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّمْثِيلُ إلَى الْإِيمَاءِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْكَافَ مَعَ الْكَافَاتِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَيْهَا لِلِاسْتِقْصَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى الْإِيمَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِلتَّمْثِيلِ بِالنَّظَرِ إلَى مُطْلَقِ الْإِيمَاءِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ حَصْرُ مَنْ حَصَرَ الْإِيمَاءَ فِي مَدْخُولَاتِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِإِعَادَةِ الْكَافِ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً) فَوُجُوبُ الْإِعْتَاقِ حُكْمٌ قَارَنَ وَصْفًا، وَهُوَ الْوِقَاعُ (قَوْلُهُ: فَأَمْرُهُ) أَيْ فَالِاقْتِرَانُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ أَمْرُهُ

وَإِلَّا لَخَلَا السُّؤَالُ عَنْ الْجَوَابِ وَذَلِكَ بَعِيدٌ فَيُقَدَّرُ السُّؤَالُ فِي الْجَوَابِ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاقَعْتَ فَأَعْتِقْ (وَكَذِكْرِهِ فِي الْحُكْمِ وَصْفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً) لَهُ (لَمْ يُفِدْ) ذِكْرُهُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَانُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَتَقْيِيدُهُ الْمَنْعَ مِنْ الْحُكْمِ بِحَالَةِ الْغَضَبِ الْمُشَوِّشِ لِلْفِكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ، وَإِلَّا لَخَلَا ذِكْرُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَذَلِكَ بَعِيدٌ (وَكَتَفْرِيقِهِ بَيْنَ حُكْمَيْنِ بِصِفَةٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا أَوْ ذِكْرِ أَحَدِهِمَا) فَقَطْ مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ أَيْ صَاحِبِهِ سَهْمًا» فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ:، وَإِلَّا لَخَلَا السُّؤَالُ إلَخْ) جَعَلَهُ سُؤَالًا بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُؤَالًا بِحَسَبِ الصُّورَةِ قَالَ النَّاصِرُ، وَهَذِهِ اللَّامُ تَقَعُ فِي جَوَابِ إنْ الشَّرْطِيَّةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ كَثِيرًا سَهْوًا وَتَوَهُّمًا أَنَّهَا فِي جَوَابِ لَوْ (قَوْلُهُ: فَيُقَدَّرُ السُّؤَالُ إلَخْ) الدَّاعِي إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَحَقُّقُ الِاقْتِرَانِ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ إذْ الِاقْتِرَانُ بَيْنَهُمَا فِي كَلَامَيْنِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَجَعَلَهُ مَلْفُوظًا بِعِلِّيَّتِهِ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ. (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ) أَيْ مَعَهُ أَوْ فِي مُتَعَلَّقِهِ (قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْغَضَبَ عِلَّةٌ لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَضَبِ هُنَا لَازِمُهُ، وَهُوَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ فَالْوَصْفُ كَاشِفٌ وَالْحِكْمَةُ خَوْفُ الْمَيْلِ فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: وَكَتَفْرِيقِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الشَّارِعِ وَالْمُرَادُ بِتَفْرِيقِهِ فَرَّقَهُ وَبِالصِّفَةِ الصِّفَةُ الْأُصُولِيَّةُ، وَهِيَ اللَّفْظُ الْمُقَيِّدُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ غَايَةً، وَلَا شَرْطًا، وَلَا اسْتِثْنَاءً وَالْمُرَادُ جِنْسُ الصِّفَةِ فَإِنَّ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ تَفْرِيقًا بَيْنَ صِفَتَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ إلَخْ، فَفِيهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ:، وَإِلَّا خَلَا ذِكْرُهُ إلَخْ) عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ لِإِفَادَةِ مَحَلِّ الْحُكْمِ أَيْ صَاحِبُهُ قَدَّرَ ذَلِكَ إلَخْ لِيَكُونَ الثَّلَاثَةُ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ، وَإِلَّا فَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ فَرَسٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ) ، وَهُمَا جَعْلُ سَهْمٍ وَجَعْلُ سَهْمَيْنِ وَقَوْلُهُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ هُمَا الرَّجُلِيَّةُ وَالْفَرَسِيَّةُ أَيْ هَذَا الْمَفْهُومُ لَا نَفْسُ الرَّجُلِ وَالْفَرَسِ فَإِنَّهُمَا لَقَبَانِ لَا مَدْخَلَ لِلتَّسْمِيَةِ بِهِمَا فِي الْحُكْمَيْنِ ثُمَّ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ مَنُوطٌ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِالْقِتَالِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بِنِيَّتِهِ وَإِمَّا بِالْحُضُورِ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَأَمَّا خُصُوصُ كَوْنِهِ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ فَعِلَّتُهُ الْفَرَسِيَّةُ وَالرَّجْلِيَّةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ عِلَّةً لِمَا ذُكِرَ بَلْ الْعِلَّةُ الْقِتَالُ. (قَوْلُهُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلَّتِهِ إلَخْ) لَمْ يُبْرِزْ هُنَا ضَمِيرَ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةٌ لِوَصْفًا فَهِيَ جَارِيَةٌ عَلَى مَا هِيَ صِفَةٌ لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ سَابِقًا هُوَ أَوْ نَظِيرُهُ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ هُنَاكَ صِفَةٌ

لَكَانَ بَعِيدًا. وَمِثْلُ الثَّانِي حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ الْمَعْلُومِ إرْثُهُ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ عَدَمِ الْإِرْثِ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ الْإِرْثِ الْمَعْلُومِ بِصِفَةِ الْقَتْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ عَدَمِ الْإِرْثِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّتِهِ لَهُ لَكَانَ بَعِيدًا (أَوْ) تَفْرِيقِهِ بَيْنَ حُكْمَيْنِ (بِشَرْطٍ أَوْ غَايَةٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ اسْتِدْرَاكٍ) مِثَالُ الشَّرْطِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْعِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَفَاضِلًا وَبَيْنَ جَوَازِهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الِاخْتِلَافِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا، وَمِثَالُ الْغَايَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ فَإِذَا طَهُرْنَ فَلَا مَنْعَ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ عَقِبَهُ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] بَيْنَ الْمَنْعِ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ فِي الْحَيْضِ وَبَيَّنَ جَوَازِهِ فِي الطُّهْرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الطُّهْرِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا، وَمِثَالُ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ الزَّوْجَاتُ عَنْ ذَلِكَ النِّصْفِ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ ثُبُوتِ النِّصْفِ لَهُنَّ وَبَيْنَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ عَفْوِهِنَّ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْعَفْوِ لِلِانْتِفَاءِ لَكَانَ بَعِيدًا وَمِثَالُ الِاسْتِدْرَاكِ قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْأَيْمَانِ وَبَيْنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا عِنْدَ تَعْقِيدِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ التَّعْقِيدِ لِلْمُؤَاخَذَةِ لَكَانَ بَعِيدًا (وَكَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ) نَحْوُ أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ فَتَرْتِيبُ الْإِكْرَامِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْعِلْمِ لَهُ لَكَانَ بَعِيدًا (وَكَمَنْعِهِ) أَيْ الشَّارِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحُكْمٍ فَهِيَ جَارِيَةٌ عَلَى غَيْرِ مَا هِيَ صِفَةٌ لَهُ؛ فَلِذَلِكَ أَبْرَزَهُ عَلَى أَنَّ هُوَ أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلْمُسْتَتِرِ لِيَصِحَّ عَطْفُ نَظِيرِهِ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: فَكَانَ بَعِيدًا) أَيْ لَكَانَ التَّفْرِيقُ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الِاقْتِرَانَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِصِفَةِ الْقَتْلِ) لَمْ يَقُلْ هُنَا بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْقَتْلِ وَعَدَمِهِ إذْ عَدَمُهُ لَيْسَ عَمَلُهُ لِلْإِرْثِ بَلْ عِلَّتُهُ النَّسَبُ أَوْ السَّبَبُ قَالَهُ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: لِعِلِّيَّتِهِ) أَيْ لِعِلِّيَّةِ الْقَتْلِ لِعَدَمِ الْإِرْثِ وَقَوْلُهُ بَعِيدًا أَيْ عَنْ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ حَيْثُ يَذْكُرْ شَيْئًا لِغَيْرِ حُكْمِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ شَرْطٌ إلَخْ) فَصَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ الْأُصُولِيَّةِ قَوْلُهُ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ» إلَخْ مَوْضِعُ التَّمْثِيلِ مِنْ الْحَدِيثِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ إلَخْ قَوْلُهُ «مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ الْأَوَّلُ فِي الْمَكِيلِ، وَالثَّانِي فِي الْمَوْزُونِ أَوْ عَكْسُهُ وَقَوْلُهُ يَدًا بِيَدٍ أَيْ مُقَابَضَةً وَيَلْزَمُهُ الْحُلُولُ (قَوْلُهُ: فَالتَّفْرِيقُ) أَيْ فَالِاقْتِرَانُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّفْرِيقُ (قَوْلُهُ: مَنْعِ الْبَيْعِ) أَيْ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِثْلًا بِمِثْلٍ» إلَخْ (قَوْلُهُ: مُتَفَاضِلًا) حَالٌ مِنْ الْبَيْعِ بِمَعْنَى الْمَبِيعِ أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ وَصْفِ الشَّيْءِ بِحَالِ مُتَعَلَّقِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ فَإِذَا طَهُرْنَ) التَّفْرِيقُ بِالْغَايَةِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهَا إذْ هِيَ نَفْسُهَا لَا يَحْصُلُ بِهَا تَفْرِيقٌ فَتَقْدِيرُ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ مَفْهُومِهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ، تَنْبِيهًا عَنْ أَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّرٌ فَلَا يَرِدُ قَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْطِ يُخْرِجُهُ عَنْ الْغَايَةِ إلَى التَّفْرِيقِ بِالشَّرْطِ، وَلَا قَوْلُ الشِّهَابِ هَلَّا كَانَ التَّفْرِيقُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اعْتِبَارِ تَقْدِيرِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا لَكِنَّهُمْ سَلَكُوا الْأَوَّلَ لِأَجْلِ التَّمْثِيلِ بِالْغَايَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْحَيْضِ) الْأَوْلَى قَبْلَ الطُّهْرِ اهـ. زَكَرِيَّا؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا، وَلَمْ تَطْهُرْ بِالِاغْتِسَالِ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] الْوَاوُ لَامُ الْكَلِمَةِ وَالنُّونُ لِلنِّسْوَةِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ وَنُونُ النِّسْوَةِ فَاعِلٌ خِلَافًا لِبَعْضِ مَنْ جَعَلَ النُّونَ نُونَ الرَّفْعِ وَالْوَاوَ فَاعِلًا تَعُودُ عَلَى الْأَزْوَاجِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ فَسَادٌ فِي اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ عَمَلِ النَّاصِبِ، وَهُوَ أَنْ، وَفِي الْمَعْنَى أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ) أَيْ مِنْ نِصْفٍ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ) بِالْأَيْمَانِ الَّتِي هِيَ لَغْوٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَصْفِ)

(مِمَّا قَدْ يُفَوِّتُ الْمَطْلُوبَ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَالْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ الَّذِي قَدْ يُفَوِّتُهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَظِنَّةِ تَفْوِيتِهَا لَكَانَ بَعِيدًا. وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِمَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ إيمَاءٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ وَالْحُكْمُ مَلْفُوظَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا تَقْدِيرٌ وَعَكْسُ هَذَا الْقِسْمُ لَيْسَ بِإِيمَاءٍ قَطْعًا، وَفِي الْوَصْفِ الْمَلْفُوظِ وَالْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ وَعَكْسِهِ، وَفِي أَكْثَرِ الْعِلَلِ خِلَافٌ مُخْتَلِفُ التَّرْجِيحِ كَمَا أَفَادَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قِيلَ: إنَّهَا إيمَاءٌ تَنْزِيلًا لِلْمُسْتَنْبَطِ مَنْزِلَةَ الْمَلْفُوظِ فَيُقَدَّمَانِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الْمُسْتَنْبَطِ بِلَا إيمَاءٍ، وَقِيلَ لَيْسَا إيمَاءً وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ إيمَاءٌ لِاسْتِلْزَامِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا أَوْ لَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: أَكْرِمْ الْجَاهِلَ وَأَهِنْ الْعَالِمَ نُسِبَ إلَى الْقُبْحِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِإِكْرَامِ الْجَاهِلِ وَإِهَانَةِ الْعَالِمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْسُنُ لِشَرَفِ الْجَاهِلِ بِنَسَبٍ أَوْ شَجَاعَةٍ مَثَلًا وَلِفِسْقِ الْعَالِمِ وَخُبْثِهِ وَدَنَاءَةِ نَفْسِهِ وَحَسَبِهِ فَالِاسْتِقْبَاحُ لِسَبْقِ التَّعْلِيلِ إلَى الْفَهْمِ مِنْ جَعْلِ الْجَهْلِ عِلَّةً لِلْإِكْرَامِ وَالْعِلْمِ عِلَّةً لِلْإِهَانَةِ فَمُطْلَقُ التَّرْتِيبِ مُفِيدٌ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ دَلَالَتُهُ عَلَى التَّعْلِيلِ هُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ دَلَالَتُهَا عَلَيْهِ فِي الْكُلِّ إذْ الْمِثَالُ الْجُزْئِيُّ لَا يُصَحِّحُ الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا فِي الْجَمِيعِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَالًّا عَلَى غَيْرِ الْعِلِّيَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَاشْتَرَكَ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَرَدَّهُ الْخَنْجِيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ لَوْ دَلَّ التَّرْكِيبُ عَلَى عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الدَّلَالَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْعَدَمِ اهـ. وَقِيلَ إنَّمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ إذَا كَانَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا (قَوْلُهُ: بِمَا قَدْ يَفُوتُ) أَيْ فِعْلٌ يَفُوتُ قَوْلُهُ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] مِثَالٌ لِلْمَطْلُوبِ (قَوْلُهُ: لِمَظِنَّةِ تَفْوِيتِهَا) أَيْ لِأَجْلِ كَوْنِ التَّشَاغُلِ بِالْبَيْعِ عَنْ السَّعْيِ مَظِنَّةً لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا فِي الْآيَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَلْفُوظَيْنِ) أَيْ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا لَا مُسْتَنْبَطَيْنِ وَالْمُقَدَّرُ مِنْ قَبِيلِ الْمَلْفُوظِ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا تَقْدِيرٌ) أَيْ كَمِثَالِ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فَإِنَّ الْوَصْفَ وَالْحُكْمَ فِيهِ مُقَدَّرَانِ مِثَالُ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُقَدَّرٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْعَضُدُ: إذَا ذُكِرَ كُلٌّ مِنْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ فَإِنَّهُ إيمَاءٌ اتِّفَاقًا فَإِنْ ذُكِرَ الْوَصْفُ وَاسْتُنْبِطَ الْحُكْمُ مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ حِلَّ الْبَيْعِ وَتُسْتَنْبَطَ مِنْهُ الصِّحَّةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] أَوْ بِالْعَكْسِ مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ حُرْمَةَ الْخَمْرِ وَيَسْتَنْبِطَ الْإِسْكَارَ فِي مِثْلِ حُرْمَةِ الْخَمْرَةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ إيمَاءً حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا إيمَاءٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ كِلَاهُمَا إيمَاءٌ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِإِيمَاءٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ الْأَوَّلُ إيمَاءٌ دُونَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَحَدُهُمَا وَالثَّانِي - عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِهِمَا لِيَتَحَقَّقَ الِاقْتِرَانُ. وَالثَّالِثُ - عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ مُسْتَلْزَمِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي إثْبَاتَهُ وَالْعِلَّةُ كَالْحِلِّ تَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُولَ كَالصِّحَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاقْتِرَانُ تَقْدِيرًا أَوْ اللَّازِمُ حَيْثُ لَيْسَ إثْبَاتُهُ إثْبَاتًا لِلْمَلْزُومِ وَلَا يَقْتَضِي إثْبَاتُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاقْتِرَانُ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِإِيمَاءٍ قَطْعًا) أَيْ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَنْبَطًا وَالْوَصْفُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ:، وَفِي الْوَصْفِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَخِلَافُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَعَكْسِهِ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْوَصْفِ وَالْعَكْسُ هُوَ الْوَصْفُ الْمُسْتَنْبَطُ وَالْحُكْمُ الْمَلْفُوظُ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ أَيْ فِي عَكْسِهِ خَبَرُ قَوْلِهِ أَكْثَرُ الْعِلَلِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَثِيرًا مَا يُذْكَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَالْعِلَلُ تَسْتَنْبِطُهَا الْأَئِمَّةُ (قَوْلُهُ: مُخْتَلِفُ التَّرْجِيحِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي اقْتِرَانِ الْوَصْفِ الْمَلْفُوظِ بِالْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ خِلَافُ الْمُرَجَّحِ فِي عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَتْهُ) أَيْ أَفَادَتْ اخْتِلَافَ التَّرْجِيحِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ أَتَى فِي جَانِبِ الْوَصْفِ الْمُسْتَنْبَطِ بِقِيلِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّضْعِيفِ، وَفِي الْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ بِلَوْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحّ إلَخْ) بَيَانٌ لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِ الْوَصْفِ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُمَا مَنْصُوصَانِ

[الرابع من مسالك العلة السبر والتقسيم]

بِخِلَافِ الثَّانِي لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَصْفِ أَعَمَّ. مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَحِلُّهُ مُسْتَلْزِمُ لِصِحَّتِهِ، وَالثَّانِي كَتَعْلِيلِ الرِّبَوِيَّاتِ بِالطَّعْمِ أَوْ غَيْرِهِ وَمِثَالُ النَّظِيرِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» أَيْ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهَا سَأَلَتْهُ عَنْ دَيْنِ اللَّهِ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَوَازِ قَضَائِهِ عَنْهُ فَذَكَرَ لَهَا دَيْنَ الْآدَمِيِّ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهَا عَلَى جَوَازِ قَضَائِهِ عَنْهُ، وَهُمَا نَظِيرَانِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَوَازُ الْقَضَاءِ فِيهِمَا لِعِلِّيَّةِ الدَّيْنِ لَهُ لَكَانَ بَعِيدًا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْإِيمَاءِ (مُنَاسَبَةُ) الْوَصْفِ (الْمُومَأِ إلَيْهِ) لِلْحُكْمِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرَّفِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ. (الرَّابِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وَهُوَ حَصْرُ الْأَوْصَافِ) الْمَوْجُودَةِ (فِي الْأَصْلِ) الْمَقِيسِ عَلَيْهِ (وَإِبْطَالُ مَا لَا يَصْلُحُ) مِنْهَا لِلْعِلِّيَّةِ (فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي) لَهَا كَأَنْ يُحَصِّلَ أَوْصَافَ الْبُرِّ فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ مَثَلًا عَلَيْهِ فِي الطَّعْمِ وَغَيْرِهِ وَيُبْطِلَ مَا عَدَا الطَّعْمِ بِطَرِيقِهِ فَيَتَعَيَّنُ الطَّعْمُ لِلْعِلِّيَّةِ. وَالسَّبْرُ لُغَةً الِاخْتِبَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَعَمَّ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ فَلَا يَسْتَلْزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهِ، تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْعُمُومِ كَتَعْلِيلِ الرِّبَوِيَّاتِ بِالْكَيْلِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِي الْجِنْسِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ قَالَ النَّاصِرُ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ كَوْنُ الْحُكْمِ أَعَمَّ أَيْ مِنْ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَازِمٌ لِلْعِلَّةِ وَاللَّازِمُ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ مَلْزُومَهُ إذَا كَانَ اللَّازِمُ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَخَصَّ لَا أَعَمَّ. وَأَجَابَ سم أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَيْ الْمُسْتَنْبَطُ بِنَاءً عَلَى خَطَأِ الْمُسْتَنْبِطِ فِي اسْتِنْبَاطِهِ لَيْسَ هُوَ الْوَصْفُ فِي الْوَاقِعِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْحُكْمِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَصْفِ مَعَ الْحُكْمِ لَا فِي الْوَصْفَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَحِلُّهُ مُسْتَلْزِمٌ إلَخْ) حِلُّهُ هُوَ الْوَصْفُ الْمَلْفُوظُ فِي الْآيَةِ وَصِحَّتُهُ هُوَ الْحُكْمُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ النَّظِيرِ) أَيْ وَمِثَالُ الْمَنْصُوصِ الَّذِي هُوَ النَّظِيرُ أَيْ نَظِيرُ الْوَصْفِ (قَوْلُهُ: سَأَلَتْهُ عَنْ دَيْنِ اللَّهِ إلَخْ) فَدَيْنُ الْآدَمِيِّ هُوَ الْوَصْفُ الْمَلْفُوظُ، وَنَظِيرُهُ دَيْنُ اللَّهِ وَالْحُكْمُ الَّذِي قَارَنَهُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ هُوَ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهَا قَالَ الْكَمَالُ، وَفِي الْمِثَالِ تَنْبِيهٌ أَيْضًا عَلَى أَرْكَانِ الْقِيَاسِ الْأَرْبَعَةِ فَالْأَصْلُ دَيْنُ الْعِبَادِ وَالْفَرْعُ دَيْنُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْحُكْمُ جَوَازُ الْقَضَاءِ وَعِلَّتُهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَوْنُهُ دَيْنًا (قَوْلُهُ: لَكَانَ إلَخْ) أَيْ اقْتِرَانُ الْجَوَازِ بِالدَّيْنِ بَعِيدًا (قَوْلُهُ:، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِيمَاءِ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ) هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِمَا سَبَقَ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِلْحَاقِ بِهَا اشْتِمَالُهَا عَلَى حِكْمَةٍ تَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الِامْتِثَالِ وَتَصْلُحُ شَاهِدًا لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ. اهـ. وَالشِّهَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ فَكَيْفَ يَسْتَلْزِمُ مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ نَظِيرُ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ اهـ. وَفِي التَّلْوِيحِ نَقْلًا عَنْ الْآمِدِيِّ فِي الْإِحْكَامِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ حُصُولُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ شَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْصُودُ جَلْبَ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعَ مَفْسَدَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَتْلِ حُصُولُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ مِنْ بَقَاءِ النُّفُوسِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] . [الرَّابِعُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ] (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ فَالتَّسْمِيَةُ بِمَجْمُوعِ الِاسْمَيْنِ ثُمَّ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَإِلَّا فَالسَّبْرُ التَّتَبُّعُ (قَوْلُهُ وَإِبْطَالٌ) تَفْسِيرٌ لِلتَّقْسِيمِ (قَوْلُهُ: فَيَتَعَيَّنَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الِاسْمِ الصَّرِيحِ فَيَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ (قَوْلُهُ: وَالسَّبْرُ لُغَةً الِاخْتِبَارُ) فِيهِ تَسَامُحٌ إذْ حَقِيقَةُ السَّبْرِ التَّتَبُّعُ

فَالتَّسْمِيَةُ بِمَجْمُوعِ الِاسْمَيْنِ وَاضِحَةٌ، وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى السَّبْرِ (وَيَكْفِي قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ) فِي الْمُنَاظَرَةِ فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَذْكُرُهَا (بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ) غَيْرَهَا (وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا) لِعَدَالَتِهِ مَعَ أَهْلِيَّةِ النَّظَرِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ بِذَلِكَ مَنْعُ الْحَصْرِ (وَالْمُجْتَهِدُ) أَيْ النَّاظِرُ لِنَفْسِهِ (يَرْجِعُ) فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ (إلَى ظَنِّهِ) فَيَأْخُذُ بِهِ، وَلَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ (فَإِنْ كَانَ الْحَصْرُ وَالْإِبْطَالُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَطْعِيًّا فَقَطْعِيٌّ) أَيْ فَهَذَا الْمَسْلَكُ قَطْعِيٌّ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ظَنِّيًّا أَوْ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا (فَظَنِّيٌّ، وَهُوَ) أَيْ الظَّنِّيُّ (حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ) لِنَفْسِهِ (وَالْمُنَاظِرِ) غَيْرَهُ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ، وَقِيلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَاضِحَةٌ) ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ يَقْسِمُ الْأَوْصَافَ وَيَخْتَبِرُ صَلَاحِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِلْعِلِّيَّةِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ يَقْتَصِرُ عَلَى السَّبْرِ) أَيْ الِاخْتِصَارِ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ وَالْإِبْطَالَ طَرِيقٌ فِي السَّبْرِ لِكَوْنِهِ ثَمَرَتَهَا، وَقَدْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّقْسِيمِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى الْإِبْطَالِ الْمُحَصِّلِ لِلسَّبْرِ وَيَكْفِي أَيْ فِي دَفْعِ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ بِأَنْ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَا وَصْفٌ، وَلَمْ يُبْدِهِ فَإِنْ أَبْدَاهُ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُنَاظَرَةِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِيَكْفِي (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا) بَقِيَّةُ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ إذْ الْأَصْلُ فِي الْوَاوِ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا مِنْ الْجَمْعِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، وَقِيلَ إنَّهَا بِمَعْنَى أَوْ كَمَا هِيَ فِي بَعْضِ نُسَخٍ مِنْ الْمَتْنِ فَيَصِحُّ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ بِعَدَالَةِ النَّاظِرِ، وَأَمَّا الِاكْتِفَاءُ بِالثَّانِي فَظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَالَتِهِ) عِلَّةً لِلْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ فِي قَوْلِهِ بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ مَا ذُكِرَ وَلَهُ اتِّجَاهٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ شَرْعًا (قَوْلُهُ: لِنَفْسِهِ) أَيْ لِلْعَمَلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلِمَنْ قَلَّدَهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَحْوَجَهُ إلَى ذَلِكَ إفْرَادُ خَبَرِ كَانَ مَعَ تَثْنِيَةِ اسْمِهَا لِكَوْنِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: قَطْعِيًّا) أَيْ لِقَطْعِيَّةِ دَلِيلِهِ بِأَنْ قَطَعَ الْعَقْلُ أَنْ لَا عِلَّةَ إلَّا كَذَا (قَوْلُهُ: فَقَطْعِيٌّ) ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِنَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالنَّاظِرِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ حُجَّةً لِلنَّاظِرِ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ فِي حَقِّهِ وَقَاطِعٌ لِخَصْمِهِ، ثُمَّ إنَّ فِيهِ نَوْعَ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ وَيَكْفِي قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَالْمُجْتَهِدُ يَرْجِعُ إلَخْ وَكَأَنَّهُ اغْتَفَرَهُ لِتَفَاصِيلِ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الظَّانِّ وَمُقَلِّدِيهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَوْجِيهِ الرَّابِعِ فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُنَاظِرِ، وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْمُنَاظَرَةُ لَا يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ ذَلِكَ الظَّانِّ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْلِيدِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ إلَّا مُجَرَّدَ الظَّنِّ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَدْفَعُهُ بِطَرِيقِهِ. اهـ. سم (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لِلنَّاظِرِ وَلَا لِلْمُنَاظِرِ أَجْمِعَ أَمْ لَا فَالْإِطْلَاقُ يُفَسِّرُهُ

لِجَوَازِ بُطْلَانِ الْبَاقِي (وَثَالِثُهَا) حُجَّةٌ لَهُمَا (إنْ أُجْمِعَ عَلَى تَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ) فِي الْأَصْلِ (وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) حَذَرًا مِنْ أَدَاءِ بُطْلَانِ الْبَاقِي إلَى خَطَأِ الْمُجْمِعِينَ (وَرَابِعُهَا) حُجَّةُ (النَّاظِرِ) لِنَفْسِهِ (دُونَ الْمُنَاظِرِ) غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ لَا يَقُومُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ (فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ) عَلَى حَصْرِ الْمُسْتَدِلِّ الظَّنِّيِّ (وَصْفًا زَائِدًا) عَلَى أَوْصَافِهِ (لَمْ يُكَلَّفْ بَيَانَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ) ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْحَصْرِ بِإِبْدَائِهِ كَافٍ فِي الِاعْتِرَاضِ فَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ دَفْعُهُ بِإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ بِهِ (وَلَا يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ) بِإِبْدَائِهِ (حَتَّى يَعْجِزَ عَنْ إبْطَالِهِ) فَإِنَّ غَايَةَ إبْدَائِهِ مَنْعُ لِمُقَدِّمِهِ مِنْ الدَّلِيلِ، وَالْمُسْتَدِلُّ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمُنْقَطِعِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ لِيَتِمَّ دَلِيلُهُ فَيَلْزَمُهُ إبْطَالُ الْوَصْفِ الْمُبْدَأِ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إبْطَالِهِ انْقَطَعَ. (وَقَدْ يَتَّفِقَانِ) أَيْ الْمُتَنَاظِرَانِ (عَلَى إبْطَالِ مَا عَدَا وَصْفَيْنِ) مِنْ أَوْصَافِ الْأَصْلِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَيِّهِمَا الْعِلَّةُ (فَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ التَّرْدِيدُ بَيْنَهَا) مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى ضَمِّ مَا عَدَاهُمَا إلَيْهِمَا فِي التَّرْدِيدِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى إبْطَالِهِ فَيَقُولُ الْعِلَّةُ أَمَّا هَذَا أَوْ ذَاكَ لَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ ذَاكَ لِكَذَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ هَذَا (وَمِنْ طُرُقِ الْإِبْطَالِ) لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ (بَيَانُ أَنَّ الْوَصْفَ طَرْدٌ) أَيْ مِنْ جِنْسِ مَا عُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ إلْغَاؤُهُ (وَلَوْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ بُطْلَانِ الْبَاقِي) أَيْ الَّذِي أَبْقَاهُ بِلَا إبْطَالٍ يَعْنِي وَلِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ بِلَا عِلَّةٍ أَوْ بِعِلَّةٍ خَفِيَتْ، وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: إنْ أُجْمِعَ عَلَى تَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّلَةِ لَا التَّبْدِئَةِ (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ أَدَاءِ بُطْلَانِ الْبَاقِي) أَيْ لِلْعِلِّيَّةِ بَعْدَ إبْطَالِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ إلَى خَطَأِ الْمُجْمِعِينَ لِعَدَمِ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الْعِلَّةِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهُ يُرَدُّ بِمَنْعِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِشَيْءٍ مِمَّا أُبْطِلَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ لَا يَقُومُ إلَخْ) كَانَ الظَّنُّ مِنْ حَيْثُ الْحَصْرُ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْإِبْطَالُ فَغَايَرَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى حَصْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُعْتَرِضِ، وَقَوْلُهُ الظَّنِّيِّ صِفَةُ حَصْرٍ (قَوْلُهُ: لَمْ يُكَلَّفْ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ بَيَانَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّلَاحِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ دَفْعُهُ) أَيْ بُطْلَانُ الْحَصْرِ بِإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْوَصْفِ (قَوْلُهُ:، وَلَا يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ يَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَصْرًا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَنْقَطِعُ إنْ كَانَ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ مُسَاوِيًا فِي الْعِلَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي حَصْرِهِ وَأَبْطَلَهُ إذْ لَيْسَ ذِكْرُ الْمَذْكُورِ وَإِبْطَالُهُ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ الْمُسَاوِي اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: حَتَّى يَعْجِزَ عَنْ إبْطَالِهِ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِهِ أَوْ الْوَصْفِ بِإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ بِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ غَايَةَ إبْدَائِهِ أَيْ الْوَصْفِ الزَّائِدِ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ) ، وَهِيَ الْحَصْرُ وَالْمُسْتَدِلُّ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مُطَالَبَةٌ بِالدَّلِيلِ، وَلَكِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ أَيْ الْمَنْعِ لِيَتِمَّ دَلِيلُهُ بِإِثْبَاتِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ) أَيْ دَفْعُ مَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ بِدَلِيلٍ يُبْطِلُ عَلَيْهِ الْوَصْفَ الْمُبْدَى. (قَوْلُهُ: عَنْ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) ضَمَّنَ الْإِبْطَالَ مَعْنَى الْإِخْرَاجِ فَعَدَّاهُ بِعَنْ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ يَتَّفِقَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ حَصْرُ الْأَوْصَافِ إلَخْ أَيْ فَمَحَلُّ حَصْرِ الْأَوْصَافِ وَإِبْطَالِهَا كُلِّهَا مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى إبْطَالِ مَا عَدَا وَصْفَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْطَالِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: فِي أَيِّهِمَا الْعِلَّةُ) أَيْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ أَيْ مَوْصُولَةً وَحُذِفَ صَدْرُ صِلَتِهَا لَا اسْتِفْهَامِيَّةً؛ لِأَنَّ لَهَا الصَّدَارَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْمُولُهَا، وَهُوَ يَخْتَلِفَانِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ طُرُقِ الْإِبْطَالِ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ إبْطَالُ مَا لَا يَصْلُحُ إلَخْ (قَوْلُهُ: طَرْدٌ) وَيُقَالُ أَيْضًا طَرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسٍ) أَيْ

[الخامس من مسالك العلة المناسبة والإخالة]

كَمَا يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ (كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْعِتْقِ) فَإِنَّهُمَا لَمْ يُعْتَبَرَا فِيهِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِرْثِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ. وَالطَّرْدُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُعْتَبَرَا فِي الْقِصَاصِ، وَلَا الْكَفَّارَةِ، وَلَا الْإِرْثِ وَلَا الْعِتْقِ، وَلَا غَيْرِهِمَا فَلَا يُعَلَّلُ بِهِمَا حُكْمٌ أَصْلًا (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ طُرُقِ الْإِبْطَالِ (أَنْ لَا تَظْهَرَ مُنَاسَبَةُ) الْوَصْفِ (الْمَحْذُوفِ) عَنْ الِاعْتِبَارِ لِلْحُكْمِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهَا لِانْتِفَاءِ مُثْبِتِ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الْإِيمَاءِ (وَيَكْفِي) فِي عَدَمِ ظُهُورِ مُنَاسَبَتِهِ (قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ: بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ) فِيهِ (مُوهِمَ مُنَاسَبَةٍ) أَيْ مَا يُوقِعُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ مُنَاسَبَةً لِعَدَالَتِهِ مَعَ أَهْلِيَّةِ النَّظَرِ (فَإِنْ ادَّعَى الْمُعْتَرِضُ أَنَّ) الْوَصْفَ (الْمُسْتَبْقَى كَذَلِكَ) أَيْ لَمْ تَظْهَرْ مُنَاسَبَتُهُ (فَلَيْسَ لِلْمُسْتَدِلِّ بَيَانُ مُنَاسَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ) مِنْ طَرِيقِ السَّبْرِ إلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالِانْتِقَالُ يُؤَدِّي إلَى الِانْتِشَارِ الْمَحْذُورِ (وَلَكِنْ يُرْجِعُ سَبْرَهُ) عَلَى سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ النَّافِي لِعِلِّيَّةِ الْمُسْتَبْقَى كَغَيْرِهِ (بِمُوَافَقَةِ التَّعْدِيَةِ) حَيْثُ يَكُونُ الْمُسْتَبْقَى مُتَعَدِّيًا فَإِنَّ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ مَحَلُّهُ أَفْيَدُ مِنْ قُصُورِهِ عَلَيْهِ. (الْخَامِسُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ) سُمِّيَتْ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ بِالْإِخَالَةِ؛ لِأَنَّ بِهَا يُخَالُ أَيْ يُظَنُّ أَنَّ الْوَصْفَ عِلَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَفْرَادِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَكُونُ إلَخْ) تَشْبِيهٌ، وَهُوَ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: وَالطَّرْدُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ) أَيْ الَّذِي هُوَ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا لَمْ يُعْتَبَرَا إلَخْ) لَا يُقَالُ قَدْ اُعْتُبِرَا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ الطُّولُ وَالْقِصَرُ الْمُتَعَلِّقَانِ بِالْآدَمِيِّينَ (قَوْلُهُ: وَلَا الْكَفَّارَةِ) أَيْ، وَلَوْ بِغَيْرِ عِتْقٍ كَكِسْوَةٍ وَصَوْمٍ وَفِدْيَةِ حَجٍّ بِحَيَوَانٍ فَلَا يُعْتَبَرْ طُولٌ أَوْ قِصَرٌ فِي الْعَتِيقِ، وَلَا فِي مَنْ يُعْطَى الْكِسْوَةَ، وَلَا فِي نَهَارِ الصَّوْمِ، وَلَا فِي حَيَوَانِ الْفِدْيَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ:، وَلَا الْعِتْقِ) ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ كَالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ عَبْدٍ وَنَذْرِهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: الْوَصْفُ الْمَحْذُوفُ) أَيْ الَّذِي يُرَادُ حَذْفُهُ وَإِلْغَاؤُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ: لِلْحُكْمِ) صِلَةُ مُنَاسَبَةُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبَحْثِ) ظَرْفٌ لِلْمَنْفِيِّ أَيْ الظُّهُورُ بَعْدَ الْبَحْثِ انْتَفَى، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ ظَرْفًا لِلنَّفْيِ أَيْ انْتَفَى الظُّهُورُ بَعْدَ الْبَحْثِ (قَوْلُهُ: مُثْبِتٌ لِلْعِلَّةِ) ، وَهُوَ ظُهُورُ الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي الْإِيمَاءِ) أَيْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ظُهُورُ الْمُنَاسَبَةِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْأَوْصَافُ اُحْتِيجَ إلَى بَيَانِ صَلَاحِيَّةِ بَعْضِهَا لِلْعِلِّيَّةِ بِظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِ فَاشْتِرَاطُهُ هُنَا لِعَارِضٍ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ تَرْجِيحِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ اهـ. زَكَرِيَّا. فَقَوْلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْإِيمَاءِ أَيْ عَدَمِ الظُّهُورِ فِي الْإِيمَاءِ فَلَا يُقْدَحُ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَا يُوقِعُ فِي الْوَهْمِ) أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّرَفَ الْمَرْجُوحَ (قَوْلُهُ: الْمُسْتَبْقَى) أَيْ الَّذِي أَبْقَاهُ الْمُسْتَدِلُّ (قَوْلُهُ: مِنْ طَرِيقِ السَّبْرِ) الْإِضَافَةُ وَفِيمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: إلَى الِانْتِشَارِ) أَيْ فِي الْمُنَاظَرَةِ (قَوْلُهُ: الْمَحْذُورِ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْغَضَبِ وَالْحَمِيَّةِ فَيُؤَدِّي إلَى إخْفَاءِ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُرْجِعُ سَبْرِهِ) أَيْ لَهُ ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ عِلَّتِي مُتَعَدِّيَةٌ فِي سَائِرِ الْمَحَلَّاتِ بِخِلَافِ عِلَّتِكَ فَإِنَّهَا قَاصِرَةٌ عَلَى بَعْضِ الْمَحَلَّاتِ فَهُوَ يُسَلِّمُ لَهُ بِعَدَمِ مُنَاسَبَةِ وَصْفِهِ جَدَلًا لَكِنْ أَفْحَمَهُ بِمُرَجِّحٍ لِوَصْفِهِ عَلَى وَصْفِهِ (قَوْلُهُ: النَّافِي) نَعْتٌ لِلْمُعْتَرِضِ أَوْ يُسْبَرُ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: بِمُوَافَقَةِ التَّعْدِيَةِ) أَيْ بِمُوَافَقَةِ سَبْرِهِ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَمِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ وَكَوْنُ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ مُوَافِقًا لِعَدَمِ التَّعْدِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ أَوْلَى لِعُمُومِ حُكْمِهَا وَكَثْرَةِ فَائِدَتِهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَكُونُ) ظَرْفٌ لِلتَّعْدِيَةِ، قُيِّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنَاظَرَةَ قَدْ تَكُونُ فِي ثُبُوتِ عِلَّةِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ) تَشْبِيهٌ فِي الْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ: مَحَلَّهُ) مَفْعُولُ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ. [الْخَامِسُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ] (قَوْلُهُ: الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ) ظَاهِرَةٌ أَنَّهُمَا اسْمَانِ لِلْمَسْلَكِ الْمَخْصُوصِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِخَالَةُ مِنْ عَطْفِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى، ثُمَّ إنَّ الْإِخَالَةَ مَصْدَرُ أَخَالَهُ إذَا جَعَلَهُ ظَنًّا وَالْمُنَاسَبَةُ الْمُلَاءَمَةُ، وَفِي شَرْحِ الْبُدَخْشِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ الرَّابِعُ - مِنْ الطُّرُقِ الْمُنَاسَبَةُ وَتُسَمَّى إخَالَةً؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَصْفِ يُخَالُ أَنَّهُ عِلَّةٌ أَيْ يُظَنُّ ذَلِكَ وَيُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ؛ لِأَنَّهُ إبْدَاءُ مَنَاطِ الْحُكْمِ

(وَيُسَمَّى اسْتِخْرَاجُهَا) بِأَنْ يُسْتَخْرَجَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ (تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ) ؛ لِأَنَّهُ إبْدَاءُ مَا نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ (وَهُوَ) أَيْ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ (تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِإِبْدَاءِ مُنَاسَبَةٍ) بَيْنَ الْمُعَيِّنِ وَالْحُكْمِ (مَعَ الِاقْتِرَانِ) بَيْنَهُمَا (وَالسَّلَامَةِ) لِلْمُعَيَّنِ (عَنْ الْقَوَادِحِ) فِي الْعِلِّيَّةِ (كَالْإِسْكَارِ) فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فَهُوَ لِإِزَالَتِهِ الْعَقْلَ الْمَطْلُوبَ حِفْظُهُ مُنَاسِبٌ لِلْحُرْمَةِ، وَقَدْ اقْتَرَنَ بِهَا وَسَلِمَ عَنْ الْقَوَادِحِ وَبِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذَا يَنْفَصِلُ عَنْ التَّرْتِيبِ مِنْ الْإِيمَاءِ ثُمَّ السَّلَامَةُ عَنْ الْقَوَادِحِ كَأَنَّهَا قَيْدٌ فِي التَّسْمِيَةِ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ، وَإِلَّا فَكُلُّ مَسْلَكٍ لَا يَتِمُّ بِدُونِهَا، وَهِيَ وَالِاقْتِرَانُ مَزِيدَانِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْحَدِّ لَكِنَّهُ حَدَّ بِهِ الْمُنَاسَبَةَ وَسَمَّاهَا تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَمَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْعَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُسَمَّى اسْتِخْرَاجُهَا) أَيْ اسْتِخْرَاجَ الْعِلَّةِ بِهَذَا الْمَسْلَكِ وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ أَيْ اسْتِخْرَاجُ الْعِلَّةِ الْمُنَاسِبَةِ وَصَوَّرَ الشَّارِحُ اسْتِخْرَاجَ الْمُنَاسَبَةِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يُسْتَخْرَجَ إلَخْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الَّذِي نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ لَا الْمُنَاسَبَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَصْفِ (قَوْلُهُ: الْمَنَاطُ) اسْمُ مَكَانِ النَّوْطِ، وَهُوَ الرَّبْطُ سُمِّيَ بِهِ الْوَصْفُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِخْرَاجَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ اسْتِخْرَاجٌ لِلْمُنَاسَبَةِ لِاشْتِمَالِ الْمُنَاسِبِ عَلَى الذَّاتِ وَالْوَصْفِ (قَوْلُهُ: تَعْيِينُ الْعِلَّةِ) بِأَنْ يَقُولَ عِلَّةُ الْحُكْمِ هِيَ هَذَا الْوَصْفُ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمُعَيِّنِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَيِّنِ لِلْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: مَعَ الِاقْتِرَانِ) خَرَجَ بِهِ إبْدَاءُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمُسْتَبْقَى فِي السَّبْرِ (قَوْلُهُ: كَالْإِسْكَارِ) أَيْ اسْتِخْرَاجُ عِلِّيَّةِ الْإِسْكَارِ مِنْ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (قَوْلُهُ: مُنَاسِبٌ لِلْحُرْمَةِ) لِإِزَالَتِهِ مَا يُطْلَبُ حِفْظُهُ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ اقْتَرَنَ بِهَا) أَيْ فِي الْقَضِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذَا) أَيْ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ (قَوْلُهُ: يَنْفَصِلُ) أَيْ يَتَمَيَّزُ عَنْ التَّرْتِيبِ أَيْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ قِسْمٌ مِنْ الْإِيمَاءِ كَأَكْرِمْ الْعَالِمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إبْدَاءُ الْمُنَاسَبَةِ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّهَا قَيْدٌ فِي التَّسْمِيَةِ) يَعْنِي جُزْءًا مِنْ مُسَمَّى هَذَا الْمَسْلَكِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَشَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ مُسَمَّاهُ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي حَدِّ الْمَسْلَكِ لِيَحْتَاجَ إلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ بَلْ فِي اسْتِخْرَاجِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ:، وَإِلَّا فَكُلُّ مَسْلَكٍ إلَخْ) أَيْ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِمَا هُنَا ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا تَكَلُّفًا أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْكَأَنِّيَّةِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ (قَوْلُهُ: مَزِيدَانِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ) أَيْ عَلَى حَدِّهِ (قَوْلُهُ: وَمَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْعَدُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِاقْتِرَانَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّعْلِيلِ لَا لِبَيَانِ حَقِيقَتِهَا؛ وَلِأَنَّ تَسْمِيَةَ الِاسْتِخْرَاجِ تَخْرِيجًا أَنْسَبُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُنَاسَبَةِ تَخْرِيجًا وَلِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ أَخَذَ الْمُنَاسَبَةَ فِي حَدِّ الْمُنَاسَبَةِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ فَاحْتِيجَ إلَى الْجَوَابِ أَنَّ الْمَحْدُودَ الْمُنَاسَبَةُ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَالْمَأْخُوذُ فِي الْحَدِّ الْمُنَاسَبَةُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمُصَنِّفُ أَخَذَهَا فِي تَعْرِيفِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ فَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَتُحُقِّقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ وَيَتَحَقَّقُ (قَوْلُهُ: فِي الْعِلِّيَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْلَالِ وَبِعَدَمِ مُتَعَلِّقٌ

(وَتُحُقِّقَ الِاسْتِقْلَالُ) أَيْ اسْتِقْلَالُ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ فِي الْعِلِّيَّةِ (بِعَدَمِ مَا سِوَاهُ بِالسَّبْرِ) لَا يَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّبْرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْإِثْبَاتُ، وَهُنَاكَ النَّفْيُ. (وَالْمُنَاسِبُ) الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (الْمُلَائِمُ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ) عَادَةً كَمَا يُقَالُ هَذِهِ اللُّؤْلُؤَةُ مُنَاسِبَةٌ لِهَذِهِ اللُّؤْلُؤَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَهَا مَعَهَا فِي سِلْكٍ مُوَافِقٌ لِعَادَةِ الْعُقَلَاءِ فِي فِعْلِ مِثْلِهِ، فَمُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مُوَافِقَةٌ لِعَادَةِ الْعُقَلَاءِ فِي ضَمِّهِمْ الشَّيْءَ إلَى مَا يُلَائِمُهُ (وَقِيلَ) هُوَ (مَا يَجْلِبُ) لِلْإِنْسَانِ (نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ) عَنْهُ (ضَرَرًا) قَالَ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُعَلِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ بِالْمَصَالِحِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ يَأْبَاهُ وَالنَّفْعُ اللَّذَّةُ وَالضَّرَرُ الْأَلَمُ (وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ) الدَّبُوسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ (مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ لَتَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ) مِنْ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتُحُقِّقَ وَقَوْلُهُ بِالسَّبْرِ مُتَعَلِّقٌ بِعَدَمِ أَوْ أَنَّ بِعَدَمِ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْلَالِ وَقَوْلُهُ بِالسَّبْرِ مُتَعَلِّقٌ بِتُحَقَّقُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ السَّبْرَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ بَلْ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ أَيْ التَّتَبُّعُ الْحَقِيقِيُّ فَانْدَفَعَ مَا قَالَ زَكَرِيَّا قَدْ يُقَالُ فِي إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ اسْتِقْلَالُ الْوَصْفِ بِعَدَمِ غَيْرِهِ الْمُثْبَتِ لَهُ بِالسَّبْرِ انْتِقَالٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ إلَى طَرِيقِ السَّبْرِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلِانْتِشَارِ الْمَحْذُورِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَسْلَكِ إلَى آخَرَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُنَا لَمْ يَنْتَقِلْ بَلْ تَمَّمَ دَلِيلَهُ بِمَسْلَكٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ (قَوْلُهُ: الْإِثْبَاتُ) أَيْ إثْبَاتُ اسْتِقْلَالِ الْوَصْفِ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَنَدٍ وَقَوْلُهُ، وَهُنَاكَ النَّفْيُ أَيْ نَفْيُ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: الْمُلَائِمُ) أَيْ ضَمُّهُ لِلْحُكْمِ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ فَمُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ إلَخْ فَالْمُرَادُ الْمُلَاءَمَةُ مِنْ حَيْثُ جَعْلُهُ عِلَّةً لِهَذَا الْحُكْمِ لَا الْمُنَاسَبَةُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتَيْنِ، وَالْمُلَائِمُ بِالْهَمْزِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ، وَفِي الْقَامُوسِ لَائَمَهُ مُلَاءَمَةً وَافَقَهُ (قَوْلُهُ:، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُعَلِّلُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يَجْلِبُ مَصْلَحَةً أَيْ عَلَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ وَمُنَاسَبَةٌ فَيُرْجَعُ لِلْأَوَّلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا أَبْعَدَ عَنْ الْحَقِّ مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِهَا فَإِنَّ بَعْثَ الْأَنْبِيَاءِ لِاهْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَإِظْهَارَ الْمُعْجِزَاتِ لِتَصْدِيقِهِمْ فَمَنْ أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ وَقَوْلُهُ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَقَوْلُهُ {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: 5] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَدَالَّةٌ عَلَى مَا قُلْنَا، وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لِغَرَضٍ أَصْلًا يَلْزَمُ الْعَبَثُ وَدَلِيلُهُمْ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ لِغَرَضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُصُولُ ذَلِكَ الْغَرَضِ أَوْلَى بِهِ مِنْ عَدَمِهِ امْتَنَعَ مِنْهُ فِعْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَانَ مُسْتَكْمِلًا بِهِ فَيَكُونُ نَاقِصًا، وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَكْمِلًا بِهِ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ رَاجِعًا إلَيْهِ، وَهُنَا رَاجِعٌ إلَى الْعَبْدِ اهـ. وَوَجَّهَ فِي التَّلْوِيحِ قَوْلَهُ فَمَنْ أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ بِأَنَّ تَعْلِيلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاهْتِدَاءِ الْخَلْقِ لَازِمٌ لَهَا، وَكَذَا تَعْلِيلُ إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَصْدِيقِ الْخَلْقِ، وَإِنْكَارُ اللَّازِمِ إنْكَارٌ لِلْمَلْزُومِ لِانْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ اهـ. وَقَدْ أَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ مُنَاسِبٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْ الْجَانِي لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِعْلٌ مُلَائِمٌ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ عَادَةً، وَلَا أَنَّهُ وَصْفٌ جَالِبٌ لِلنَّفْعِ أَوْ دَافِعٌ لِلضَّرَرِ بَلْ الْجَالِبُ أَوْ الدَّافِعُ إنَّمَا هُوَ الْمَشْرُوعِيَّةُ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُلَائِمٌ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَالِبٌ أَوْ دَافِعٌ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ انْتَهَى، وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي التَّلْوِيحِ عَلَى قَوْلِ الدَّبُوسِيِّ أَيْضًا، وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: الدَّبُوسِيُّ) نِسْبَةً إلَى دَبُوسَ بِتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَالَ زَكَرِيَّا بَيْنَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَلَا تَنَافِيَ فَإِنَّ الْبَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَانِ، وَهُمَا مِنْ أَعْظَمِ

التَّعْلِيلُ بِهِ، وَهَذَا مَعَ الْأَوَّلِ مُتَقَارِبَانِ، وَقَوْلُ الْخَصْمِ فِيمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَلَقَّاهُ عَقْلِيٌّ بِالْقَبُولِ غَيْرُ قَادِحٍ (وَقِيلَ) هُوَ (وَصْفٌ ظَاهِرُهُ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا لِلشَّارِعِ) فِي شَرْعِيَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ (مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ فَإِنْ كَانَ) الْوَصْفُ (خَفِيًّا أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ اُعْتُبِرَ مُلَازِمُهُ) الَّذِي هُوَ ظَاهِرًا مُنْضَبِطٌ (وَهُوَ الْمَظِنَّةُ) لَهُ فَيَكُونُ هُوَ الْعِلَّةُ كَالسَّفَرِ مَظِنَّةً لِلْمَشَقَّةِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا التَّرَخُّصُ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَنْضَبِطْ لِاخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ نِيطَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُدُنِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ، وَهُوَ أَجَلُّ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ جُغْرَافِيَا وَسَمَرْقَنْدَ مِنْ حَيْثُ الْبِنَاءُ وَالْمُنْتَزَهَاتُ وَكَثْرَةُ الْخَيْرَاتِ أَجَلُّ مِنْ بُخَارَى، وَإِنْ فُضِّلَتْ بُخَارَى عَنْهَا بِكَوْنِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ مَنْسُوبًا إلَيْهَا وَبِخُرُوجِ عُلَمَاءَ كَثِيرِينَ مِنْهَا وَقَالُوا: إنَّ مُنْتَزَهَاتِ الدُّنْيَا أَرْبَعٌ غُوطَةُ دِمَشْقَ وَشِعْبُ بَوَّانَ وَصُغْدُ سَمَرْقَنْدَ وَصَنْعَاءُ الْيَمَنِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيلُ) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ (قَوْلُهُ: مُتَقَارِبَانِ) لِاتِّحَادِهِمَا مَا صَدَقَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا مَفْهُومًا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْخَصْمِ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِتَلَقِّي الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ بِالْقَبُولِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ عَدَمُ تَلَقِّي عَقْلِ الْمُعْتَرِضِ، وَهَذَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ اعْتَنَى كَالشَّارِحِ بِكَلَامِ الدَّبُوسِيِّ وَاَلَّذِي حَرَّرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَالْعَضُدِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الدَّبُوسِيَّ قَائِلٌ بِامْتِنَاعِ التَّمَسُّكِ بِذَلِكَ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ لَا فِي مَقَامِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ فِيمَا يَقْتَضِي بِهِ عَقْلُهُ. اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ هُوَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْمُنَاسِبَ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ انْقِسَامِهِ إلَيْهَا حَيْثُ قَالُوا: إنْ كَانَ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا اُعْتُبِرَ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ اُعْتُبِرَتْ مَظِنَّتُهُ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ بِاعْتِبَارِ مَا يَصْلُحُ بِنَفْسِهِ لِلتَّعْلِيلِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: مَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ إلَخْ) فَاعِلُ يَحْصُلُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْحِكْمَةُ وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَحْكُومُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ إلَخْ) الْمَصْلَحَةُ اللَّذَّةُ أَوْ سَبَبُهَا وَالْمَفْسَدَةُ الْأَلَمُ أَوْ سَبَبُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ مُلَازِمُهُ) أَيْ عَادَةً وَالْمُرَادُ بِالْمُلَازِمِ الْمَلْزُومُ، وَهُوَ السَّفَرُ فِي الْمِثَالِ فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ بِهِ لَا بِاللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الْمَشَقَّةُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى وَجْهِ اعْتِبَارِ الْمُلَازِمِ (قَوْلُهُ: كَالسَّفَرِ) مِثَالٌ لِمَظِنَّةِ غَيْرِ الْمُنْضَبِطِ وَمِثَالُ مَظِنَّةِ

التَّرْخِيصُ بِمَظِنَّتِهَا. (وَقَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا كَالْبَيْعِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ) مِنْ شَرْعِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ يَقِينًا (وَالْقِصَاصِ) يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهِ، وَهُوَ الِانْزِجَارُ عَنْ الْقَتْلِ ظَنًّا فَإِنَّ الْمُمْتَنِعِينَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُقْدِمِينَ عَلَيْهِ (وَقَدْ يَكُونُ) حُصُولُ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ (مُحْتَمِلًا) كَاحْتِمَالِ انْتِفَائِهِ (سَوَاءً كَحَدِّ الْخَمْرِ) فَإِنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهِ، وَهُوَ الِانْزِجَارُ عَنْ شُرْبِهَا وَانْتِفَاؤُهُ مُتَسَاوِيَانِ بِتَسَاوِي الْمُمْتَنِعِينَ عَنْ شُرْبِهَا وَالْمُقْدِمِينَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ (أَوْ) يَكُونُ (نَفْيُهُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْمَقْصُودِ مِنْ نَفَى الشَّيْءُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ انْتَفَى (أَرْجَحُ) مِنْ حُصُولِهِ (كَنِكَاحِ الْآيِسَةِ لِلتَّوَالُدِ) الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ فَإِنَّ انْتِفَاءَهُ فِي نِكَاحِهَا أَرْجَحُ مِنْ حُصُولِهِ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ) أَيْ بِالْمَقْصُودِ الْمُتَسَاوِي الْحُصُولِ وَالِانْتِفَاءِ وَالْمَقْصُودِ الْمَرْجُوحِ الْحُصُولِ نَظَرًا إلَى حُصُولِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ (كَجَوَازِ الْقَصْرِ لِلْمُتَرَفِّهِ) فِي سَفَرِهِ الْمُنْتَفِي فِيهِ الْمَشَقَّةُ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَفِيِّ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِشَغْلِ الرَّحِمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ لَكِنَّهُ لَمَّا خَفِيَ نِيطَ بِوُجُوبِهَا بِمَظِنَّتِهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ) أَيْ كَالْمَقْصُودِ مِنْ الْبَيْعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَحْصُلُ إلَخْ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ وَذَلِكَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمِلْكُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ مُتَرَتِّب عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ. (قَوْلُهُ:، وَهُوَ الِانْزِجَارُ) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ التَّمْثِيلُ لِلْحِكْمَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْقِصَاصِ بِحِفْظِ النُّفُوسِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَقْصُودَةَ بِالذَّاتِ هِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ، وَهِيَ الْمُمَثَّلُ بِهَا فِيمَا سَبَقَ، وَهَذَا الِانْزِجَارُ حِكْمَةٌ عَرَضِيَّةٌ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي حِفْظِ النُّفُوسِ فَلَا مُنَافَاةَ (قَوْلُهُ: مُحْتَمِلًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مُمْكِنًا وَقَوْلُهُ سَوَاءً نَعْتُ مُحْتَمِلًا أَيْ مُسَاوِيًا لِاحْتِمَالِ انْتِفَائِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُمْتَنِعِينَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ كَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا) أَيْ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِتَعَذُّرِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَهُوَ تَقْرِيبِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفَى الشَّيْءُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ نَفَى بِصِيغَةِ الْفِعْلِ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا كَمَا يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا، وَإِنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمَتْنِ مَصْدَرًا لِلَّازِمِ بِمَعْنَى الِانْتِفَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نُفِيَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: لِلتَّوَالُدِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّوَالُدِ فَاللَّامُ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ تَعْلِيلُ التَّمْثِيلِ لِمَا يَكُونُ نَفْيُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ أَرْجَحَ فَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ نِكَاحِ الْآيِسَةِ صَادِرًا لِأَجْلِ التَّوَالُدِ بَلْ يَحْصُلُ مَعَ كَوْنِهِ صَادِرًا لِأَجْلِ عَدَمِ التَّوَالُدِ أَوْ لِأَجْلِ شَيْءٍ آخَرَ أَوْ صَادِرًا لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ، وَإِنْ أَرَادَ تَعْلِيلَ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يُنَاسِبْ هَاهُنَا، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ التَّعْلِيلَ مُطْلَقًا فَهُوَ زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ) أَيْ الَّذِي قُصِدَ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ التَّعْلِيلِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَمَحَلُّهُ إذَا انْضَبَطَتْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَبْلُ فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ خَفِيًّا أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي أَوَائِلِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ مَا مَرَّ أَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا عُلِّلَ بِهَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُهُ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ النَّجَّارِيُّ الْمَقْصُودُ الْمُتَسَاوِي الْحُصُولِ مَعْنَى، الثَّالِثِ وَالْمَقْصُودُ الْمَرْجُوحُ الْحُصُولِ مَعْنَى الرَّابِعِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعْلِيلِ هُوَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ: وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى حِكْمَةٍ جَازَ أَنْ يُسْنَدَ التَّعْلِيلُ إلَى نَفْسِ الْحِكْمَةِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُ الْوَصْفِ عَلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَالْأَصَحُّ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: كَجَوَازِ الْقَصْرِ لِلْمُتَرَفِّهِ) نَظِيرٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَهُ كَمَا صَنَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَعْنَى كَجَوَازِ الْقَصْرِ لِمَنْ ذَكَرَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِيهِ السَّفَرُ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ ظَنًّا أَوْ شَكًّا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَيْنِكَ انْتِفَاءُ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ فِي هَذَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ

هِيَ حِكْمَةُ التَّرْخِيصِ نَظَرًا إلَى حُصُولِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ مَشْكُوكُ الْحُصُولِ وَالرَّابِعَ مَرْجُوحُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِمَا قَطْعًا (فَإِنْ كَانَ) الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ (فَائِتًا قَطْعًا) فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. (فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يُعْتَبَرُ) الْمَقْصُودُ فِيهِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ الْحُكْمُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَظْهَرُ (وَالْأَصَحُّ لَا يُعْتَبَرُ) لِلْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ (سَوَاءٌ) فِي الِاعْتِبَارِ وَعَدَمِهِ (مَا) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي (لَا تَعَبُّدَ فِيهِ كَلُحُوقِ نَسَبِ الْمَشْرِقِيِّ بِالْمَغْرِبِيَّةِ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا مَنْ تَزَوَّجَ بِالْمَشْرِقِ امْرَأَةً بِالْمَغْرِبِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّزَوُّجِ، وَهُوَ حُصُولُ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ لِيَحْصُلَ الْعُلُوقُ فَيَلْحَقَ النَّسَبُ فَائِتٌ قَطْعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْقَطْعِ عَادَةً بِعَدَمِ تَلَاقِي الزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِيهَا لِوُجُودِ مَظِنَّتِهِ وَهِيَ التَّزَوُّجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ النَّاصِرُ إنَّهُ تَنْظِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ فِي الِاعْتِبَارِ لِأَجْلِ الْحُصُولِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ الْمُنْتَفِي فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ الرُّجْحَانِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ إذْ هُوَ التَّحْقِيقُ، وَهُوَ حَاصِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ: هِيَ حِكْمَةُ التَّرَخُّصِ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ إذَا نَظَرْت فِي هَذَا الْكَلَامِ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ التَّعْلِيلِ إلَى آخِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ تَحَصَّلَ لَك مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ التَّرَخُّصِ الْمَشَقَّةُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ انْتِفَاؤُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي إلَخْ) هَذَا مُقَيِّدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ أَوْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهِمَا إنْ انْضَبَطَتْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ) الَّذِي هُوَ الْحِكْمَةُ (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ الْمَقْصُودُ إلَخْ) أَيْ يُقَدَّرُ حُصُولُهُ فِي الْمَحَلِّ نَظَرًا لِلْمَظِنَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَقْصُودِ أَوْ لِلْحُكْمِ الْمُرَادِ التَّرَتُّبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بِوَاسِطَةِ تَرَتُّبِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ لَا يُعْتَبَرُ) أَيْ لَا يُقَدَّرُ حُصُولُهُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فِي الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَعَدَمِهِ أَيْ كَمَا عِنْدَنَا (قَوْله كَلُحُوقِ نَسَبٍ) أَيْ كَالْحُكْمِ بِاللُّحُوقِ إلَخْ أَيْ ارْتِبَاطُ نَسَبِ الْمَشْرِقِيِّ بِالْمَغْرِبِيَّةِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا قِيلَ: فِي الْعِبَارَةِ تَقْدِيرٌ وَقَلْبٌ وَالْمَعْنَى كَلُحُوقِ نَسَبِ وَلَدِ الْمَغْرِبِيَّةِ لِلْمَشْرِقِيِّ (قَوْلُهُ: بِالْمَشْرِقِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ

حَتَّى يَثْبُتَ اللُّحُوقُ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَقَالَ لَا عِبْرَةَ بِمَظِنَّتِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ فَلَا لُحُوقَ (وَمَا) أَيْ وَالْحُكْمُ الَّذِي (فِيهِ تَعَبُّدٌ كَاسْتِبْرَاءِ جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا) لِرَجُلٍ مِنْهُ (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْبَيْعِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ مِنْ رَجُلٍ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْهُ الْمَسْبُوقَةُ بِالْجَهْلِ بِهَا فَاتَتْ قَطْعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِانْتِفَاءِ الْجَهْلِ فِيهَا قَطْعًا، وَقَدْ اعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهَا تَقْدِيرًا حَتَّى يَثْبُتَ فِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَقَالَ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِيهَا تَعَبُّدًا كَمَا فِي الْمُشْتَرَاةِ مِنْ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِيهِ نَوْعُ تَعَبُّدٍ كَمَا عُلِمَ فِي مَحَلِّهِ بِخِلَافِ لُحُوقِ النَّسَبِ. (وَالْمُنَاسِبُ) مِنْ حَيْثُ شَرْعُ الْحُكْمِ لَهُ أَقْسَامٌ (ضَرُورِيٌّ، فَحَاجِيٌّ فَتَحْسِينِيٌّ) عَطَفَهُمَا بِالْفَاءِ لِيُفِيدَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دُونَ مَا قَبْلَهُ فِي الرُّتْبَةِ (وَالضَّرُورِيُّ) ، وَهُوَ مَا تَصِلُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ حَدَّ الضَّرُورَةِ (كَحِفْظِ الدِّينِ) الْمَشْرُوعِ لَهُ قَتْلُ الْكُفَّارِ وَعُقُوبَةُ الدَّاعِينَ إلَى الْبِدَعِ (فَالنَّفْسِ) أَيْ حِفْظُهَا الْمَشْرُوعُ لَهُ الْقِصَاصُ (فَالْعَقْلِ) أَيْ حِفْظُهُ الْمَشْرُوعُ لَهُ حَدُّ السُّكْرِ (فَالنَّسَبِ) أَيْ حِفْظُهُ الْمَشْرُوعُ لَهُ حَدُّ الزِّنَا (فَالْمَالِ) أَيْ حِفْظُهُ الْمَشْرُوعُ لَهُ حَدُّ السَّرِقَةِ وَحَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ (وَالْعِرْضِ) أَيْ حِفْظُهُ الْمَشْرُوعُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزَوَّجَ وَبِالْمَغْرِبِ حَالٌ مِنْ امْرَأَةٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ ذَهَابُهُ إلَيْهَا وَعُلُوقُهَا مِنْهُ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرُكَ اللَّهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ هِيَ شَامِيَّةٌ إذَا مَا اسْتَهَلَّتْ ... وَسُهَيْلٌ إذَا مَا اسْتَهَلَّ يَمَانِي (قَوْلُهُ: حَتَّى يَثْبُتَ) ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ) عَطْفٌ عَلَى فَالْمَقْصُودُ فَائِتٌ أَوْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي فَائِتٌ (قَوْلُهُ: لَا عِبْرَةَ بِمَظِنَّتِهِ) أَيْ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: وَمَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَا تَعَبُّدَ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَاسْتِبْرَاءِ جَارِيَةٍ) أَيْ كَوُجُوبِ اسْتِبْرَائِهَا (قَوْلُهُ: لِرَجُلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِبَائِعِهَا وَقَوْلُهُ مِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَاهَا (قَوْلُهُ: الْمَسْبُوقَةُ) نَعْتٌ لِمَعْرِفَةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بِالِاسْتِبْرَاءِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ تَعَبُّدًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فِيهِ نَوْعُ تَعَبُّدٍ) ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْعِلْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لُحُوقِ النَّسَبِ) أَيْ الْحُكْمِ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَوْعُ تَعَبُّدٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمُنَاسِبُ) بِمَعْنَى الْحِكْمَةِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْعِلَّةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا مَرَّ بِالْمَقْصُودِ لِلشَّارِعِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ شَرْعُ الْحُكْمِ لَهُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ مَقْصُودُ شَرْعِ الْحُكْمِ لِأَجْلِهِ أَيْ تَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ (قَوْلُهُ: لِيُفِيدَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعَاطِيفَ بِحَرْفٍ مُرَتَّبٌ كُلٌّ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فِي الرُّتْبَةِ) أَيْ فَيُقَدَّمُ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَقَدْ اجْتَمَعَتْ أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ فِي النَّفَقَةِ فَنَفَقَةُ النَّفْسِ ضَرُورِيَّةٌ، وَالزَّوْجَةِ حَاجِيَّةٌ وَالْأَقَارِبِ تَحْسِينِيَّةٌ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْحَاجِيِّ بِالْمَصْلَحِيِّ كَمَا صَنَعَ الْبَيْضَاوِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ وَمَصْلَحِيٌّ كَنَصْبِ الْوَلِيِّ لِلصَّغِيرِ كَيْ لَا تَضِيعَ حُقُوقُهُ. (قَوْلُهُ: إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ) مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ وَالْمُرَادُ حَدُّهَا الْأَوَّلُ لَا غَايَتُهَا وَنِهَايَتُهَا بِدَلِيلِ تَفَاوُتِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ اشْتِرَاكِهَا فِي الْبُلُوغِ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ نِهَايَةَ الضَّرُورَةِ لَمْ يَصْدُقْ بِغَيْرِ أَعْلَاهَا اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: كَحِفْظِ الدَّيْنِ إلَخْ) الْكَافُ فِيهِ اسْتِقْصَائِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْمُرَادَةَ هُنَا مَحْصُورَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: الْمَشْرُوعُ لَهُ قَتْلُ إلَخْ) فَالْحُكْمُ بِمَعْنَى الْمَحْكُومِ بِهِ الْقَتْلُ وَالْعِلَّةُ الْكُفْرُ وَالْمُنَاسِبُ حِفْظُ الدِّينِ وَقِسْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَعُقُوبَةُ الدَّاعِينَ إلَخْ) الْأَوْلَى

حَدُّ الْقَذْفِ وَهَذَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ كَالطُّوفِيِّ وَعَطَفَهُ بِالْوَاوِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْمَالِ وَعَطَفَ كُلًّا مِنْ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ بِالْفَاءِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فِي الرُّتْبَةِ (وَيُلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِالضَّرُورِيِّ فَيَكُونُ فِي رُتْبَتِهِ (مُكَمِّلُهُ كَحَدِّ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ) فَإِنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ الْمُفَوِّتِ لِحِفْظِ الْعَقْلِ فَبُولِغَ فِي حِفْظِهِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْقَلِيلِ وَالْحَدِّ عَلَيْهِ كَالْكَثِيرِ (وَالْحَاجِيُّ) ، وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ (كَالْبَيْعِ فَالْإِجَارَةِ) الْمَشْرُوعَيْنِ لِلْمِلْكِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لَوْ لَمْ يُشْرَعَا شَيْءٌ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ السَّابِقَةِ وَعَطَفَ الْإِجَارَةَ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا دُونَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيْعِ (وَقَدْ يَكُونُ) الْحَاجِيُّ فِي الْأَصْلِ (ضَرُورِيًّا) فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (كَالْإِجَارَةِ لِتَرْبِيَةِ الطِّفْلِ) فَإِنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا وَهِيَ تَرْبِيَتُهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لَوْ لَمْ تُشْرَعْ الْإِجَارَةُ حِفْظَ نَفْسِ الطِّفْلِ (وَمُكَمِّلَهُ) أَيْ الْحَاجِيِّ (كَخِيَارِ الْبَيْعِ) الْمَشْرُوعِ لِلتَّرَوِّي كَمُلَ بِهِ الْبَيْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَعْلُهَا مِنْ مُكَمِّلِ الضَّرُورِيِّ الْآتِي اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: حَدُّ الْقَذْفِ) أَيْ أَوْ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي قَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ فِي الْإِيذَاءِ فِي الْعِرْضِ بِغَيْرِ قَذْفٍ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْمَالِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَعْرَاضَ تَتَفَاوَتُ فَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ، وَهُوَ الْأَنْسَابُ وَهِيَ أَرْفَعُ مِنْ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ حِفْظَهَا ` تَارَةً بِتَحْرِيمِ الزِّنَا وَتَارَةً بِتَحْرِيمِ الْقَذْفِ الْمُفْضِي إلَى الشَّكِّ فِي الْأَنْسَابِ، وَتَحْرِيمُ الْأَنْسَابِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَمْوَالِ وَمِنْهَا مَا هُوَ دُونَهَا، وَهُوَ مَا عَدَا الْأَنْسَابِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا هُوَ دُونَهَا أَيْ وَمِنْ الْأَعْرَاضِ مَا هُوَ دُونَ الْكُلِّيَّاتِ فَهُوَ دُونَ الْأَمْوَالِ لَا فِي رُتْبَتِهَا كَمَا زَعَمَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ فِي رُتْبَتِهِ) لَكِنَّ الطَّرِيقَ الْمُتَّبَعَ (قَوْلُهُ: مُكَمِّلُهُ) مَعْنَى كَوْنِهِ مُكَمِّلًا لَهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ ضَرُورِيًّا بِنَفْسِهِ بَلْ بِطَرِيقِ الِانْضِمَامِ فَلَهُ تَأْثِيرٌ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الضَّرُورِيِّ مُبَالَغَةً فِي مُرَاعَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ هُنَا هُوَ كَوْنُ الْقَلِيلِ يَدْعُو إلَى الْكَثِيرِ الْمُفَوِّتِ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْحَدُّ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحَدِّ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحِفْظِ بِالْحِفْظِ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الْمُفَوِّتِ فَجَعَلَ الْمُبَالَغَةَ فِي الْحِفْظِ مُسَبَّبَةً عَنْ الْحَدِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهَا الْحِكْمَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ شَرْعِ ذَلِكَ الْحَدِّ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَبُولِغَ إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالتَّكْمِيلِ الْمُبَالَغَةُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْحَاجِيُّ) أَيْ الْمَقْصُودُ الْحَاجِيُّ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْحِكْمَةِ فَقَوْلُهُ كَالْبَيْعِ أَيْ كَالْمَقْصُودِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّمْثِيلُ لِلْحِكْمَةِ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي نَظِيرِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَصِلُ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ تَمَيَّزَ الضَّرُورِيُّ عَنْ الْحَاجِيِّ اصْطِلَاحًا لِصِدْقِ الْحَاجِيِّ لُغَةً بِالضَّرُورِيِّ إذْ هُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مُطْلَقًا وَصَلَتْ الْحَاجَةُ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: لِلْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَالْحُكْمُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْعِلَّةُ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ وَالْحِكْمَةُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْمِلْكِ فَقَوْلُهُ كَالْبَيْعِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَمُنَاسِبِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ:، وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ) أَيْ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْبَيْعِ) أَيْ لِأَنَّ أَفْرَادَ الْبَيْعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَفْرَادِ الْإِجَارَةِ إذْ قَدْ يَحْتَاجُ لِأَفْرَادٍ بِالْبَيْعِ، وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِيهَا كَثِيرًا كَرَغِيفٍ يَأْكُلُهُ أَوْ مَاءٍ يَشْرَبُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِالْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ الْحَاجِيُّ ضَرُورِيًّا مَعَ أَنَّ الْحَاجِيَّ قَسِيمُ الضَّرُورِيِّ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ اتِّصَافَهُ بِالضَّرُورَةِ بِحَسَبِ الْعُرُوضِ وَكَوْنُهُ حَاجِيًّا الْأَصْلُ (قَوْلُهُ: يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ) الْمُرَادُ أَنَّ فَوَاتَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَوْ لَمْ تُشْرَعْ الْإِجَارَةُ مَظِنَّةً لِفَوَاتِ حِفْظِ نَفْسِ الطِّفْلِ فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ضَرُورِيٌّ وَالتَّبَرُّعُ نَادِرٌ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَمِنْ الْجِعَالَةِ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِتَحْصِيلِهِ الْمَقْصُودَ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّهُ قَدْ يَفُوتُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَفُوتُ حِفْظُ نَفْسِ الطِّفْلِ بِأَنْ يُوجَدَ مُتَبَرِّعٌ أَوْ مَنْ يُرَبِّيهِ بِجُعْلٍ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: كَخِيَارِ الْبَيْعِ) أَيْ كَمُنَاسِبِ خِيَارِ الْبَيْعِ

لِيَسْلَمَ عَنْ الْغَبْنِ (وَالتَّحْسِينِيُّ) ، وَهُوَ مَا اُسْتُحْسِنَ عَادَةً مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَيْهِ قِسْمَانِ (غَيْرُ مُعَارِضِ الْقَوَاعِدِ كَسَلْبِ الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ لَوْ أُثْبِتَتْ لَهُ الْأَهْلِيَّةُ مَا ضَرَّ لَكِنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ فِي الْعَادَةِ لِنَقْصِ الرَّقِيقِ عَنْ هَذَا الْمَنْصِبِ الشَّرِيفِ الْمُلْزِمِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ (وَالْمُعَارِضُ كَالْكِتَابَةِ) فَإِنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا إذْ لَوْ مُنِعَتْ مَا ضَرَّ لَكِنَّهَا مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الْعَادَةِ لِلتَّوَسُّلِ بِهَا إلَى فَكِّ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ وَهِيَ خَارِمَةٌ لِقَاعِدَةِ امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّخْصِ بَعْضَ مَا لَهُ بِبَعْضٍ آخَرَ إذْ مَا يُحَصِّلُهُ الْمُكَاتَبُ فِي قُوَّةِ مِلْكِ السَّيِّدِ لَهُ بِأَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ. (ثُمَّ الْمُنَاسِبُ) مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهُ أَقْسَامٌ؛ لِأَنَّهُ (إنْ اُعْتُبِرَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَيْنُ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ فَالْمُؤَثِّرُ) لِظُهُورِ تَأَثُّرِهِ بِمَا اُعْتُبِرَ بِهِ مِثَالُ الِاعْتِبَارِ بِالنَّصِّ تَعْلِيلُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَمِثَالُ الِاعْتِبَارِ بِالْإِجْمَاعِ تَعْلِيلُ وِلَايَةِ الْمَالِ عَلَى الصَّغِيرِ بِالصِّغَرِ فَإِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِيَسْلَمَ مِنْ الْغَبْنِ) وَجْهُ كَوْنِهِ مُكَمِّلًا أَنَّ الْغَبْنَ يُوجِبُ الرَّدَّ فَيَفُوتُ مَا شُرِعَ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: قِسْمَانِ) ظَاهِرُ حَلِّ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ وَالتَّحْسِينِيُّ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ وَتَقْدِيرُهُ قِسْمَانِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعَارِضِ الْقَوَاعِدِ بِالْإِضَافَةِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ قِسْمٌ مِنْهُمَا غَيْرُ مُعَارِضِ الْقَوَاعِدِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعَارِضِ الْقَوَاعِدِ نَعْتٌ لِلتَّحْسِينِيِّ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ كَسَلْبِ الْعَبْدِ إلَخْ، وَإِنَّ قَوْلَهُ وَالْمُعَارِضُ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَالتَّحْسِينِيُّ الْمُعَارِضُ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ كَالْكِتَابَةِ، وَالْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَمَقْصُودُ السِّيَاقِ التَّمْثِيلُ لِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَيُسْتَفَادُ التَّقْسِيمُ إلَيْهِمَا تَبَعًا اهـ. كَمَالٌ. وَكَتَبَ بِهَامِشِهِ سم يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لِلشَّارِحِ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ أَنَّ التَّقْسِيمَ سَابِقٌ فِي الِاعْتِبَارِ عَلَى التَّمْثِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّمْثِيلِ إيضَاحُ كُلِّ قِسْمٍ بِخُصُوصِهِ فَلَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ تَمْيِيزِ خُصُوصِهِ لِيَرِدَ عَلَيْهِ التَّمْثِيلُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْأَقْعَدَ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ اهـ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُعَارِضِ الْقَوَاعِدِ) أَيْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ كَسَلْبِ الْعَبْدِ إلَخْ فَسَلْبُ الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ هُوَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ هِيَ النَّقْصُ وَالْحِكْمَةُ هِيَ الْجَرْيُ عَلَى مُسْتَحْسَنِ الْعَادَاتِ (قَوْلُهُ: الْمَلْزَمُ) أَيْ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِإِلْزَامِ الْحُقُوقِ لِأَهْلِهَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ) فَإِنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَالْمُعَارِضُ) اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ التَّنْكِيرَ لِسِيَاقِ مَا قَبْلَهُ لَكِنَّهُ لَمَّا سَبَقَ التَّلْوِيحُ لَهُ بِذِكْرِ قَسِيمِهِ صَارَ لَهُ تَقَرُّرٌ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي أَمْثَالِ الْمُعَارِضِ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ وَالْمُعَارِضُ أَيْ الْمَعْهُودُ فِي ذَلِكَ كَالْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ مُنِعَتْ مَا ضَرَّ) فَإِنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ الْعِتْقُ وَيَكُونُ بِدُونِ شَيْءٍ (قَوْلُهُ: فِي قُوَّةِ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ فِي قُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ إذْ قَدْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُنَاسِبُ) أَيْ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ الْمُعَلَّلُ بِهِ أَيْ الْعِلَّةُ الْمُنَاسَبَةُ لَا الْحِكْمَةُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهُ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ اُعْتُبِرَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَحَاصِلُ هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ لَهُ أَوْ يُعْلَمَ إلْغَاؤُهُ أَوْ لَا يُعْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْأَوَّلُ يُعَلَّلُ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَالثَّانِي عَكْسُهُ، وَالثَّالِثُ لَا يُعَلَّلُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ: أَقْسَامٌ) أَيْ أَرْبَعَةٌ مُؤَثِّرٌ وَمُلَائِمٌ وَغَرِيبٌ وَمُرْسَلٌ وَسَتَأْتِي (قَوْلُهُ: بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) أَيْ عَلَى الْعِلَّةِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَيُشْكَلُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُنَاسِبَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي هِيَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِهِ لَا بِنَصٍّ، وَلَا غَيْرِهِ فَكَيْفَ يَنْقَسِمُ الْمُنَاسِبُ إلَى مُعْتَبَرٍ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَإِلَى غَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُنَاسِبَ الْمُنْقَسِمَ أَعَمُّ مِنْ الْمُنَاسِبِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ فَهْمَ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ

عَيْنُ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ (بِهِمَا) أَيْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (بَلْ) اُعْتُبِرَ (بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ الْوَصْفِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَهُ (وَلَوْ) كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالتَّرْتِيبِ (بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ) أَيْ جِنْسِ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي جِنْسِهِ أَوْ الْعَكْسِ كَذَلِكَ الْأَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنَاسِبِ لَا يُنَافِي اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ (قَوْلُهُ: عَيْنُ الْوَصْفِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ النَّوْعُ لَا الشَّخْصُ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ نَقْضٌ مُشَخَّصٌ، وَلَا الْمَسُّ فِي الْحَدِيثِ مَسٌّ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَيُّ نَقْضٍ كَانَ وَمَسُّ أَيِّ ذَكَرٍ كَانَ (قَوْلُهُ: فَالْمُؤَثِّرُ) أَيْ فَهُوَ الْوَصْفُ الْمُسَمَّى بِالْمُؤَثِّرِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ تَأْثِيرِهِ) أَيْ مُنَاسَبَتِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُؤَثِّرِ الْمُوجِبَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: بِمَا اُعْتُبِرَ بِهِ) أَيْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الَّذِي اُعْتُبِرَ بِهِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِظُهُورِ وَقَوْلُهُ نَقْضُ الْوُضُوءِ لَيْسَ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الْحُكْمُ لَازِمُهُ، وَهُوَ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْحُكْمَ الْوَضْعِيَّ وَنَقْضُ الْوُضُوءِ حُكْمٌ وَضْعِيٌّ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ عَيْنُ الْوَصْفِ إلَخْ) الْمَنْفِيُّ هُوَ الْقَيْدُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ، وَهُوَ الِاعْتِبَارُ بِهِمَا أَيْ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَاعْتِبَارُ عَيْنِ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: بَلْ اُعْتُبِرَ) أَيْ اُعْتُبِرَ عَيْنُ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ تَرَتُّبِ الشَّارِعِ الْحُكْمَ عَلَى مُوَافِقِهِ وَجَعَلَهُ مُوَافِقًا مِنْ تَرَتُّبِ جِنْسِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لِلْمُغَايَرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَيْهِ غَيْرُ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبُ الْآخَرِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَثْبُتُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلتَّرْتِيبِ فَالشَّارِعُ رَتَّبَ عَيْنَ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى عَيْنِ هَذَا الْوَصْفِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَفَادَ هَذَا الْحُكْمَ مَعَ هَذَا الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ إفَادَةِ أَنَّهُ عِلَّةٌ فَالْمُرَادُ بِالتَّرَتُّبِ مُجَرَّدُ الْمُوَافَقَةِ فِي الثُّبُوتِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِعُ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ فَنَعْتَبِرُ عَيْنَ هَذَا الْوَصْفِ فِي عَيْنِ هَذَا الْحُكْمِ وَطَرِيقَةُ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْجِنْسَ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْعَيْنَ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْعَكْسَ (قَوْلُهُ: مَعَهُ) أَيْ الْوَفْقُ فَهُوَ مِثْلُ الْقَضِيَّةِ الِاتِّفَاقِيَّةِ الَّتِي قَالَ بِهَا الْمَنَاطِقَةُ (قَوْلُهُ:، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ اعْتِبَارُ الْمُجْتَهِدِ الْحَاصِلُ مِنْ التَّرْتِيبِ بِسَبَبِ اعْتِبَارِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُجْتَهِدِ سَبَبُهُ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْجِنْسَ فِي الْجِنْسِ مَثَلًا مَعَ أَنَّ سَبَبَ اعْتِبَارِ الْمُجْتَهِدِ هُوَ التَّرْتِيبُ الْمُسَبَّبُ عَنْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَا نَفْسُ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّاصِرُ الصَّوَابُ حَذْفُ الِاعْتِبَارِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ سَبَبٌ لِاعْتِبَارِ الْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَخَرَجَ بِاعْتِبَارِ الْمُنَاسِبِ بِأَحَدِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ مَا إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى غَرِيبًا لَا مُلَائِمًا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَضُدُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: الْأَوْلَى) نَعْتُ اعْتِبَارٍ عَنْهُ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ

مِنْ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِلَوْ (فَالْمُلَائِمُ) لِمُلَاءَمَتِهِ لِلْحُكْمِ فَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ، مِثَالُ الْأَوَّلِ أَيْ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِالتَّرْتِيبِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْعَيْنُ فِي الْجِنْسِ تَعْلِيلُ وِلَايَةِ النِّكَاحِ بِالصِّغَرِ حَيْثُ تَثْبُتَ مَعَهُ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا لَهُ أَوْ لِلْبَكَارَةِ أَوْ لَهُمَا، وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثَالُ الثَّانِي أَيْ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْجِنْسُ فِي الْعَيْنِ تَعْلِيلُ جَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ حَالَةَ الْمَطَرِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ بِالْحَرَجِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي الْجَوَازِ فِي السَّفَرِ بِالْإِجْمَاعِ وَمِثَالُ الثَّالِثِ أَيْ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْجِنْسُ فِي الْجِنْسِ تَعْلِيلُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ حَيْثُ ثَبَتَ مَعَهُ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْقِصَاصِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي الْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ بِالْإِجْمَاعِ. (وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ) أَيْ الْمُنَاسِبُ (فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إلْغَائِهِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ) كَمَا فِي مُوَاقَعَةِ الْمَلِكِ فَإِنَّ يُنَاسِبُ التَّكْفِيرَ ابْتِدَاءً بِالصَّوْمِ لِيَرْتَدِعَ بِهِ دُونَ الْإِعْتَاقِ إذْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَالِ فِي شَهْوَةِ الْفَرْجِ، وَقَدْ أَفْتَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلًّا مِنْ الْقِسْمَيْنِ، وَهُمَا اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَاعْتِبَارُ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ أَوْلَى فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِلَوْ أَيْ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْغَايَةِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِمَّا بَعْدَهَا وَلِذَا صَدَّرَ الشَّارِحُ الْأَمْثِلَةَ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَذْكُورِ) أَيْ بَعْدَ لَوْ (قَوْلُهُ: لِمُلَاءَمَتِهِ لِلْحُكْمِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ (قَوْلُهُ: فَأَقْسَامُهُ) أَيْ أَقْسَامُ الِاعْتِبَارِ بِالتَّرْتِيبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْأَمْثِلَةِ أَيْ الْمُنَاسِبُ الْمُعْتَبَرُ (قَوْلُهُ: أَيْ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ) أَيْ مِنْ الْمُجْتَهِدِ وَقَوْلُهُ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْعَيْنُ فِي الْجِنْسِ أَيْ مِنْ الشَّارِعِ، وَالْوَاوُ الدَّاخِلَةُ عَلَى قَدْ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ اعْتَبَرَ) أَيْ الشَّارِعُ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا يَأْتِي أَنْ يَقُولَ أَيْ مِنْ الْمُجْمِعِينَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ مُسْتَنِدًا لِنَصِّ الشَّارِعِ عَبَّرَ بِالشَّارِعِ (قَوْلُهُ: فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ) ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَوِلَايَةِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ اُعْتُبِرَ) بَيَانٌ لِاعْتِبَارِ الصِّغَرِ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ الْفَرْدِ (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِهِمْ فَلَوْ عَبَّرَ بِالنَّصِّ كَانَ أَوْلَى اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْله، وَقَدْ اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ) أَيْ الْحَرَجُ الشَّامِلُ لِحَرَجِ السَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: فِي الْجَوَازِ) أَيْ فِي عَيْنِ هَذَا الْحُكْمِ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ:، وَقَدْ اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي فَرْدٍ وَقَوْلُهُ فِي جِنْسِ الْقِصَاصِ أَيْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ هَذَا الْجِنْسِ فِي فَرْدٍ آخَرَ، وَهُوَ الْقَتْلُ بِمُحَدَّدٍ وَقَوْلُهُ فِي الْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ أَيْ فِي خُصُوصِ هَذَا الْفَرْدِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ اُعْتُبِرَ) أَيْ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ جَامِعٌ لِلْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ وَالْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْقِصَاصُ بِمُحَدَّدٍ فِي الْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ) أَيْ لَا بِنَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ وَمَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ عَدَمُ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى اعْتِبَارِهِ أَيْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَشْمَلْ الْمُرْسَلَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ) أَيْ مِنْ صُعُوبَةِ الصَّوْمِ وَسُهُولَةِ الْإِعْتَاقِ عَلَيْهِ يُنَاسِبُ التَّكْفِيرَ ابْتِدَاءً بِالصَّوْمِ فَالْوَصْفُ الْمُلْغَى حَالُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوَافَقَتُهُ فِي الْحُكْمِ هُوَ التَّكْفِيرُ ابْتِدَاءً بِالصَّوْمِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ أَفْتَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْمَغْرِبِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ) إمَامُ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ تَرْجَمَةُ الْمُقْرِي فِي نَفْحِ الطِّيبِ وَغَيْرِهِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً ارْتَحَلَ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَخَذَ عَنْهُ ثُمَّ قَدِمَ الْأَنْدَلُسَ وَحَصَلَتْ لَهُ حَظْوَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ مُلُوكِهَا وَالْمَلِكُ الَّذِي أَفْتَاهُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ الْأُمَوِيُّ وَاقَعَ جَارِيَةً لَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَسَأَلَ يَحْيَى فَقَالَ تَصُومُ

يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْمَغْرِبِيُّ مَلِكًا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ نَظَرًا إلَى ذَلِكَ لَكِنَّ الشَّارِعَ أَلْغَاهُ بِإِيجَابِهِ الْإِعْتَاقَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَلِكٍ وَغَيْرِهِ، وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ بِالْغَرِيبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الِاعْتِبَارِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إلْغَائِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ (فَهُوَ الْمُرْسَلُ) لِإِرْسَالِهِ أَيْ إطْلَاقِهِ عَمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ أَوْ إلْغَائِهِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَبِالِاسْتِصْلَاحِ (وَقَدْ قَبِلَهُ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ مُطْلَقًا) رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ حِكْمَةِ مُخَالَفَتِهِ لِإِمَامِ مَذْهَبِهِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ فَقَالَ: لَوْ فَتَحْنَا لَهُ هَذَا الْبَابَ سَهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ كُلَّ يَوْمٍ وَيَعْتِقَ فَحَمَلْتُهُ عَلَى أَصْعَبِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوْمُ (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى أَنَّ يُنَاسِبُ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ قَالَ الْقَرَافِيُّ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِكَوْنِ مَشْرُوعِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لِلزَّجْرِ، وَلَمْ يُفْتِهِ يَحْيَى عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ اهـ. أَيْ فَكَأَنَّهُ أَفْتَاهُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: بِإِيجَابِهِ الْإِعْتَاقَ ابْتِدَاءً) هُوَ مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: بِالْغَرِيبِ) أَيْ الْمُنَاسِبِ الْغَرِيبِ (قَوْلُهُ:، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُرْسَلُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَحَلُّهُ لِيَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي إذَا عُلِمَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَضُدُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَالِاعْتِبَارِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ قَبِلَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مُطْلَقًا) هُوَ مُقَابِلُ التَّقْيِيدِ الْآتِي أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِبَادَاتِ أَوْ غَيْرِهَا كَذَا قِيلَ: هُنَا لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ ضَرُورِيًّا قَطْعِيًّا كُلِّيًّا اُعْتُبِرَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ مُطْلَقًا قَالَ شَارِحُهُ أَيْ سَوَاءٌ اشْتَمَلَ عَلَى هَذِهِ الْقُيُودِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ) فَإِنَّ اعْتِبَارَ جِنْسِ الْمَصَالِحِ يُوجِبُ ظَنَّ اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ أَنَّ فِي الْحُكْمِ مَصْلَحَةً غَالِبَةً عَلَى الْمَفْسَدَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَصْلَحَةٍ كَذَلِكَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا لَزِمَ ظَنُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَصْلَحَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَنَعُوا فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ بِمَعْرِفَةِ الْمَصَالِحِ وِفَاقًا، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الزَّمَانِ فِي الْقِيَاسِ وَالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّرَائِعِ الْمَصَالِحُ كَمَا عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ فَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الشَّرَائِطُ الثَّلَاثَةُ كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْعَلَّامَةِ الْبُدَخْشِيِّ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ إذَا وَجَبَ اتِّبَاعُ الْمَصَالِحِ لَزِمَ تَغْيِيرُ الْأَحْكَامِ عِنْدَ تَبَدُّلِ الْأَشْخَاصِ وَتَغَيُّرِ الْأَوْقَاتِ وَاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ عِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا يُفْضِي إلَى تَغَيُّرِ الشَّرْعِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُرْسَلِ فِي الشَّرْعِ لَا يُتَصَوَّرُ حَتَّى يُتَكَلَّمَ فِيهِ بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ إذْ الْوَقَائِعُ لَا حَصْرَ لَهَا، وَكَذَا الْمَصَالِحُ وَمَا مِنْ مَسْأَلَةٍ تَعْرِضُ إلَّا وَفِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا إمَّا بِالْقَبُولِ أَوْ بِالرَّدِّ فَإِنَّا نَعْتَقِدُ اسْتِحَالَةَ خُلُوِّ وَاقِعَةٍ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ. وَقَدْ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَانْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]

حَتَّى جَوَّزَ ضَرْبَ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ لِيُقِرَّ وَعُورِضَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَرِيئًا وَتَرْكُ الضَّرْبِ لِمُذْنِبٍ أَهْوَنُ مِنْ ضَرْبِ بَرِيءٍ (وَكَادَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُوَافِقُهُ مَعَ مُنَادَاتِهِ عَلَيْهِ بِالنَّكِيرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَصَوُّرِهِ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ تَنْقَسِمُ إلَى مَوَاقِعِ التَّعَبُّدَاتِ وَالْمُتَّبَعُ فِيهَا النُّصُوصُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَمَا لَمْ تُرْشِدْ النُّصُوصُ إلَيْهِ فَلَا تَعَبُّدَ بِهِ، وَإِلَى مَا لَيْسَ مِنْ التَّعَبُّدَاتِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ كَالْأَيْمَانِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالطَّلَاقِ، وَقَدْ أَحَالَنَا الشَّرْعُ فِي مُوجِبَاتِهَا إلَى قَضَايَا الْعُرْفِ فِيهَا بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالِاكْتِفَاءِ بِالْعُثْكَالِ الَّذِي عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ إذَا حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ مِائَةً لِمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ يُنْسَخْ فِي شَرْعِنَا وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى مَا يَنْضَبِطُ فِي نَفْسِهِ كَالنَّجَاسَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ وَطُرُقِ تَلَقِّي الْمِلْكِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مُنْضَبِطَةٌ وَمُسْتَنِدَاتُهَا مَعْلُومَةٌ وَإِلَى مَا لَا يَنْضَبِطُ إلَّا بِالضَّبْطِ فِي مُقَابَلَةٍ كَالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ تَنْضَبِطُ بِضَبْطِ النَّجَاسَةِ وَالْحَظْرِ وَكَذَلِكَ الْأَمْلَاكُ مُنْتَشِرَةٌ تَنْضَبِطُ بِضَبْطِ طُرُقِ النَّقْلِ، وَالْإِبْدَاءُ مُحَرَّمٌ عَلَى الِاسْتِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ وَيَنْضَبِطُ بِضَبْطِ مَا اسْتَثْنَى الشَّرْعُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَالْوَقَائِعُ إنْ وَقَعَتْ فِي جَانِبِ الضَّبْطِ أُلْحِقَتْ بِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ أُلْحِقَتْ بِهِ، وَإِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا وَتَجَاذَبَهَا الطَّرَفَانِ أُلْحِقَتْ بِأَقْرَبِهِمَا وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَلُوحَ التَّرْجِيحُ لَا مَحَالَةَ فَخَرَجَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَصْلَحَةٍ تُتَخَيَّلُ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ مَحْبُوسَةٍ بِالْأُصُولِ الْمُتَعَارِضَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَشْهَدَ الْأُصُولُ بِرَدِّهَا أَوْ قَبُولِهَا (قَوْلُهُ: حَتَّى جَوَازُ إلَخْ) فَجَوَازُ الضَّرْبِ هُوَ الْحُكْمُ وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ تَوَقُّعُ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: الْمُتَّهَمُ) بِالشُّهْرَةِ لَا بِسُوءِ الظَّنِّ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَذْهَبِكُمْ وَمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ انْتَهَى الْأَمْرُ بِهِ فِي اتِّبَاعِ الْمَصَالِحِ إلَى الْقَتْلِ فِي التَّعْزِيرِ وَالضَّرْبِ بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ وَقَتْلِ ثُلُثِ الْأُمَّةِ لِاسْتِصْلَاحِ ثُلُثَيْهَا وَمُصَادَرَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَقَطْعِ اللِّسَانِ فِي الْهَذْرِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ وَمَا الَّذِي مَنَعَكُمْ مِنْ اتِّبَاعِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، وَالْحَاجَةُ قَدْ تَمَسُّ إلَى التَّعْزِيرِ بِالتُّهْمَةِ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ مَحْبُوبَةٌ وَالسَّارِقُ لَا يُقِرُّ وَإِثْبَاتُهَا بِالْبَيِّنَةِ أَمْرٌ عَسِرٌ وَلَا وَجْهَ لِإِظْهَارِهَا إلَّا بِالضَّرْبِ، وَهَذِهِ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَدَاهَا؟ . قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَنَا أَنَّنَا انْتَبَهْنَا لِأَصْلٍ عَظِيمٍ لَمْ يَكْتَرِثْ مَالِكٌ بِهِ، وَهُوَ أَنَّا قَدَّمْنَا إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمَصْلَحَةِ وَكُلُّ مَصْلَحَةٍ نَعْلَمُ عَلَى الْقَطْعِ وُقُوعَهَا زَمَنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَامْتِنَاعَهُمْ عَنْ الْقَضَاءِ بِمُوجَبِهَا فَهِيَ مَتْرُوكَةٌ وَنَعْلَمُ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّ الْأَعْصَار لَا تَنْفَكُّ عَنْ السَّرِقَةِ وَكَانَ ذَلِكَ يَكْثُرُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعَزِّرُوا بِالتُّهْمَةِ، وَلَمْ يَقْطَعُوا لِسَانًا فِي الْهَذْرِ مَعَ كَثْرَةِ الْهَذَّارِينَ، وَلَا صَادَرُوا غَنِيًّا مَعَ كَثْرَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَمَسِيسِ الْحَاجَاتِ، وَكُلُّ مَا امْتَنَعُوا عَنْهُ نَمْتَنِعُ عَنْهُ وَمَالِكٌ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَادَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى نِصْفِ الْمَالِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَقَالَ لِمَنْ مَدَّ يَدَهُ إلَى لِحْيَتِهِ لِيَأْخُذَ الْقَذَى مِنْهَا أَبِنْ مَا أَبَنْت، وَإِلَّا أَبَنْت يَدَك وَقَطْعُ الْيَدِ لَا يُوجِبُونَهُ فِي مِثْلِهِ، وَلَا الْمُصَادَرَةُ، وَقَدْ فَعَلَهُ، قُلْنَا: إنَّهُ لَوْ لَمْ يُبِنْ مَا أَبَانَ مَا قَطَعَ يَدَهُ لَكِنْ ذَكَرَهُ تَهْوِيلًا وَتَخْوِيفًا وَتَعْظِيمًا لِأُبَّهَةِ الْإِمَامَةِ كَيْ لَا يُبَاسَطَ فَتَضْعُفَ حِشْمَتُهُ فِي الصُّدُورِ وَأَمَّا مُصَادَرَةُ خَالِدٍ وَعَمْرٍو فَلَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُصَادَرَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ أَعْلَمَ بِأَحْوَالِهِمْ وَكَانَ يَتَجَسَّسُ بِالنَّهَارِ وَيَتَعَسَّسُ بِاللَّيْلِ فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ سَوَّغَ لَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ مُسَلَّمٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى مُصَادَرَةِ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَشُقُّ بُطُونَ أَصَابِعِ الصِّبْيَانِ فِي السَّرِقَةِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ وَأَنْتُمْ تَرَكْتُمْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةَ، قُلْنَا: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَظِنَّةِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الشَّقَّ الْيَسِيرَ قَرِيبٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي التَّخْوِيفِ، وَالصِّبْيَانُ يُضْرَبُونَ عَلَى السَّرِقَةِ فَنَحْنُ رَاعَيْنَا مَعْنًى أَظْهَرَ مِنْهُ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَاهُ. (قَوْلُهُ: قَدْ يَكُونُ بَرِيئًا) فَيَلْزَمُ ضَرْبُ بَرِيءٍ (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الضَّرْبِ إلَخْ) أَيْ اللَّازِمِ عَلَى عَدَمِ الضَّرْبِ، وَقَدْ كَانَ مُذْنِبًا فِي الْوَاقِعِ لَكِنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُضْرَبْ لَزِمَ ضَيَاعُ الْأَمْوَالِ (قَوْلُهُ: مَعَ مُنَادَاتِهِ عَلَيْهِ إلَخْ)

أَيْ قَرُبَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ (وَرَدَّهُ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ (مُطْلَقًا) لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ (وَ) رَدَّهُ (قَوْمٌ فِي الْعِبَادَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهَا لِلْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالْبَيْعِ وَالْحَدِّ (وَلَيْسَ مِنْهُ مَصْلَحَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهَا فَهِيَ حَقٌّ قَطْعًا وَاشْتَرَطَهَا الْغَزَالِيُّ لِلْقَطْعِ بِالْقَوْلِ بِهِ لَا لِأَصْلِ الْقَوْلِ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْإِنْكَارِ بِالنَّظَرِ لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ، وَإِلَّا فَالْمُجْتَهِدُ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِي فَرْعٍ مِنْ الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: أَيْ قَرُبَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اعْتَبَرَ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ؛ لِأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَيَّدَ مَا اعْتَبَرَهُ مِنْهَا بِكَوْنِهَا مُشَبَّهَةً لِمَا عُلِمَ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا وَمَالِكٌ لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ (قَوْلُهُ:، وَلَمْ يُوَافِقْهُ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كَادَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَبَرَهَا مَنْفِيٌّ إذَا كَانَتْ مُثْبَتَةً، وَهُوَ قَوْلٌ مُشْتَهِرٌ بَيْنَ النُّحَاةِ، وَإِنْ كَانَ التَّحْقِيقُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ، وَلَا إثْبَاتِهِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَمَنَعَهُ سم بِأَنَّ قَوْلَهُ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِنْ جُمْلَةِ مَدْلُولِهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَيْهِ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ الْوَاقِعِ هُنَا، وَلَا نُسَلِّمُ رُجْحَانَ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْمُرْسَلِ (قَوْلُهُ: ضَرُورِيَّةٌ) أَيْ دَعَتْ إلَيْهَا الضَّرُورَةُ بِأَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسَبِ وَالْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا قَطْعِيَّةً أَنْ يَكُونَ الْجَزْمُ بِوُجُودِهَا حَاصِلًا وَبِالْكُلِّيَّةِ أَنْ لَا تَكُونَ مَخْصُوصَةً بِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ بَعْضٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّ) أَيْ مِنْ مُنَاسِبٍ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ هُوَ أَنَّ حِفْظَ الْكُلِّيِّ أَهَمُّ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ حِفْظِ الْجُزْئِيِّ (قَوْلُهُ: وَاشْتَرَطَهَا) أَيْ الْمَصْلَحَةَ الْمَذْكُورَةَ الْغَزَالِيُّ قَالَ فِي الْمَنْخُولِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا فِي عَصْرِ الْأَوَّلِينَ وَنُسِخَتْ مَصْلَحَةٌ لَا يَرُدُّهَا أَصْلٌ، وَلَكِنَّهَا حَدِيثَةٌ فَهَلْ تَتَّبِعُونَهَا، قُلْنَا: نَعَمْ وَلِذَلِكَ نَقُولُ لَوْ فَرَضْنَا انْقِلَابَ أَمْوَالِ الْعَالَمِ بِجُمْلَتِهَا مُحَرَّمَةً لِكَثْرَةِ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ وَاشْتِبَاهِ الْغُصُوبِ بِغَيْرِهَا وَعُسْرِ الْوُصُولُ إلَى الْحَلَالِ الْمَحْضِ، وَقَدْ وَقَعَ فَنُبِيحُ لِكُلِّ مُحْتَاجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّنَاوُلِ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَتَخْصِيصَهُ بِمِقْدَارِ سَدِّ الرَّمَقِ يَكُفُّ النَّاسَ عَنْ مُعَامَلَاتِهِمْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَيَتَدَاعَى ذَلِكَ إلَى فَسَادِ الدُّنْيَا وَخَرَابِ الْعَالَمِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ وَهُمْ عَلَى حَالَتِهِمْ مُشْرِفُونَ عَلَى الْمَوْتِ إلَى صِنَاعَتِهِمْ وَأَشْغَالِهِمْ، وَالشَّرْعُ لَا يَرْضَى بِمِثْلِهِ فَنُبِيحُ لِكُلِّ غَنِيٍّ مِنْ مَالِهِ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا اقْتِصَارٍ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَنُبِيحُ لِكُلِّ مُقْتِرٍ فِي مَالِ مَنْ فَضَلَ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرُ مِثْلَهُ وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَاعِدَةُ، وَهُوَ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ أَوْ إلَى مَيْتَةٍ يُبَاحُ لَهُ مِقْدَارُ الِاسْتِقْلَالِ مُحَافَظَةً عَلَى الرُّوحِ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَرْوَاحِ أَوْلَى وَأَحَقُّ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمُسْتَظْهِرِ بِشَوْكَتِهِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى النَّاسِ الْمُطَاعِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَقَدْ سَفَرَ الزَّمَانُ عَنْ مُسْتَجْمِعٍ لِشَرَائِطِ الْإِمَامَةِ يَتَعَذَّرُ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُجْرِي فَسَادًا عَظِيمًا لَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ اهـ. أَقُولُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا حَصَلَ فِي عَصْرِهِ وَأَمَّا الْعَصْرُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ الْآنَ

فَجَعَلَهَا مِنْهُ مَعَ الْقَطْعِ بِقَبُولِهَا (قَالَ وَالظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْقَطْعِ كَالْقَطْعِ) فِيهَا مِثَالُهَا رَمْيُ الْكُفَّارِ الْمُتَتَرِّسِينَ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ الْمُؤَدِّي إلَى قَتْلِ التُّرْسِ مَعَهُمْ إذَا قُطِعَ أَوْ ظُنَّ ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُرْمَوْا اسْتَأْصَلُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْقَتْلِ التُّرْسَ وَغَيْرَهُ وَبِأَنَّهُمْ إنْ رُمُوا سَلِمَ غَيْرُ التُّرْسِ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ بِخِلَافِ رَمْيِ أَهْلِ قَلْعَةٍ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فَإِنَّ فَتْحَهَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَرَمْيُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ لِنَجَاةِ الْبَاقِينَ فَإِنَّ نَجَاتَهُمْ لَيْسَ كُلِّيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْأُمَّةِ وَرَمْيُ الْمُتَتَرِّسِينَ فِي الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُقْطَعْ أَوْ لَمْ يُظَنَّ ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ بِاسْتِئْصَالِهِمْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْحَالُ أَقْوَى وَأَشَدُّ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لَنَا بِهَا تَمَسُّكٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ كَلَامًا يَقْرُبُ مِمَّا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ فِي ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَاسْتَخْرَجَهَا قَالَ: مَنْ جَاءَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا مُسَائِلٍ، يَأْخُذُهُ حَرَامًا كَانَ أَمْ حَلَالًا ثُمَّ إنْ كَانَ حَلَالًا لَا تَبِعَةَ فِيهِ تَمَوَّلَهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ فِي مَرَدِّهِ إنْ عَرَفَ مُسْتَحِقَّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَالِ الضَّائِعِ قَالَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَك» قَالَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا مَا يَدْفَعُ مَا نَقُولُهُ؛ لِأَنَّا عَلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ خُصُوصَ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ كُلِّ حَلَالٍ أَوْ الْأَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ مَالٍ قَالَ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ، وَأَمْلَى عَلَى الْمَسْأَلَةِ كَلَامًا عَلَى الْأُخْتِ سُتَيْتَةَ إمْلَاءً عَلَيْهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ فَكَتَبَتْهُ عَنْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اهـ. وَهَذَا الْكِتَابُ أَعْنِي: تَرْشِيحَ التَّوْشِيحِ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الْمُصَنِّفِ وَقَعَتْ إلَيَّ نُسْخَتُهُ وَأَنَا بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ الشَّامِ وَمُقَدِّمَةُ ذَلِكَ الْكِتَابِ بِخَطِّهِ فَاشْتَرَيْتهَا، وَقَدْ أَلَّفَ هُوَ ذَلِكَ الْكِتَابَ بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَرَغْت مِنْ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ الْمُكَرَّمِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِمَنْزِلِي فِي الدَّهْشَةِ ظَاهِرِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ وَأَرْسَلْت فِي صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنْهُ نُسْخَةً إلَى أَخِي الشَّيْخِ الْأُسْتَاذِ الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ الْحَبْرِ الْبَحْرِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي حَامِدٍ أَحْمَدَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَأَخُوهُ بَهَاءُ الدِّينِ هَذَا هُوَ الَّذِي شَرَحَ تَلْخِيصَ الْمِفْتَاحِ وَسَمَّى شَرْحَهُ بِعَرُوسِ الْأَفْرَاحِ، وَلَا أَعْلَمُ مُؤَلِّفًا غَيْرَهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْخِ سَكَنَ دِمَشْقَ أَنَّهُ وُلِدَ بِهَا بَلْ مَوْلِدُهُ بِمِصْرَ وَالِدُهُ مِنْ قَرْيَةِ سُبْكٍ، وَإِنَّمَا تَوَلَّى وَالِدُهُ قَضَاءَ الشَّامِ وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ وَسُتَيْتَةُ أُخْتُ الشَّيْخِ ثَبَتَ لَهَا مُشَارَكَةٌ مَعَهُ فِي الْأَخْذِ عَنْ وَالِدِهِ فَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ عِلْمٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَقَدْ ظَفِرْت وَأَنَا بِدِمَشْقَ أَيْضًا بِمُؤَلَّفَيْنِ صَغِيرَيْ الْحَجْمِ مِنْ تَأْلِيفِ وَالِدِ الشَّيْخِ بِخَطِّهِ، وَهُمَا عِنْدِي إلَى الْآنَ (قَوْلُهُ: فَجَعَلَهَا مِنْهُ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ يُفِيدُك أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ وَاشْتَرَطَهَا الْغَزَالِيُّ إلَخْ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فَقَوْلُهُ فَجَعَلَهَا مُقَابِلَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ زَادَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ لَكِنْ اُنْظُرْ مَا مَذْهَبُ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُرْسَلِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هَلْ يَقُولُ بِهِ كَمَالِكٍ أَمْ لَا اهـ. وَأَقُولُ قَدْ يُفْهَمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا لِأَصْلِ الْقَوْلِ بِهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الْكَمَالِ لَكِنَّ اقْتِصَارَ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَهَا مِنْهُ مَعَ الْقَطْعِ بِقَبُولِهَا قَدْ يُفْهَمُ عَدَمُ قَوْلِهِ بِهِ اهـ. سم. أَقُولُ قَدْ سَبَقَ لَك مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي إنْكَارِهِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: كَالْقَطْعِ فِيهَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ بَاقِيَ الْأُمَّةِ قَبْلَ حُصُولِ الرَّمْيِ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ حَتَّى يَكُونَ حِفْظُهُمْ كُلِّيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْأُمَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ حِفْظُ الْبَاقِي كُلِّيًّا قَبْلَ الرَّمْيِ لَمْ يَجُزْ الرَّمْيُ إذْ الْمُجَوِّزُ إنَّمَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْكُلِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْكُلِّيَّةَ فِي الْمِثَالِ هِيَ انْدِفَاعُ الِاسْتِئْصَالِ فَإِنَّهُ كُلِّيٌّ لِتَعَلُّقِهِ بِالِاسْتِئْصَالِ الَّذِي هُوَ قَتْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ فَيَكُونُ الِاسْتِئْصَالُ كُلِّيًّا فَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ كُلِّيٌّ إذْ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكُلِّيِّ كُلِّيٌّ بِخِلَافِ انْدِفَاعِ غَرَقِ مَنْ فِي السَّفِينَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلِّيًّا إذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِغَرَقِ أَهْلِ السَّفِينَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ اهـ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا بَحْثٌ ضَعِيفٌ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ لِمَا اُشْتُهِرَ مَنْ جَعْلِ الْأَكْثَرِ فِي حُكْمِ الْكُلِّ فِي مَسَائِلَ لَا تُحْصَى، وَخُصُوصًا إذَا اقْتَضَى الْمَعْنَى

[مسألة المناسبة تنخرم بمفسدة تلزم الحكم راجحة على مصلحته أو مساوية لها]

وَإِنْ أُقْرِعَ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةُ الْمُنَاسَبَةُ تَنْخَرِمُ) أَيْ تَبْطُلُ (بِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ) الْحُكْمَ (رَاجِحَةٍ) عَلَى مَصْلَحَتِهِ (أَوْ مُسَاوِيَةٌ) لَهَا (خِلَافًا لِإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي قَوْلِهِ بِبَقَائِهَا مَعَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فَهُوَ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي. (السَّادِسُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مَا يُسَمَّى بِالشَّبَهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ كَمَا هُنَا، وَإِنَّمَا الْبَحْثُ فِي أَنَّ قَضِيَّةَ الْعِبَارَةِ اسْتِئْصَالُ جَمِيعِ مَنْ عَدَا التُّرْسِ مِنْ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْأُمَّةِ، وَقَضِيَّتُهُ مَا فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ اعْتِبَارُ اسْتِئْصَالِ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ فَقَطْ، وَقَدْ يُوَجَّهُ قَضِيَّةُ الْعِبَارَةِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حِفْظُ الْأُمَّةِ بِحِفْظِ الْجَيْشِ؛ لِأَنَّهُ الدَّافِعُ عَنْهَا وَالْقَائِمُ بِحِفْظِهَا كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَانَ اسْتِئْصَالُهُ بِمَنْزِلَةِ اسْتِئْصَالِ الْجَمِيعِ أَوْ مَظِنَّةً لَهُ فَجُعِلَ فِي حُكْمِهِ لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ اسْتِئْصَالُ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ بِحَيْثُ يُخْشَى مَعَهُ عَلَى الْأُمَّةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْوَقْعَةَ إلَّا بَعْضُ جَيْشِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ الْحِفْظُ التَّامُّ لِلْأُمَّةِ، وَقَدْ تُسْتَشْكَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ غَرَقِ السَّفِينَةِ إذَا كَانَ مَنْ بِهَا جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ اسْتِئْصَالَ الْجَيْشِ فِي الْحَرْبِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُ مَفْسَدَتِهِ لِمُسَارَعَةِ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ إلَى اسْتِئْصَالِ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِنَحْوِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَهْيِئَةِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْجَيْشِ، وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْغَرَقِ ثُمَّ قَدْ تُشْكِلُ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ الْأَسْرَى أَكْثَرَ مِنْ الْمُحَارِبِينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَحْتَ الْقَهْرِ، وَلَمْ يَقُومُوا بِالدَّفْعِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْمُقَاتِلِينَ فَإِنَّهُمْ قَامُوا بِالدَّفْعِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَتْلُهُمْ يُؤَدِّي لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ أُقْرِعَ) قِيلَ هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ لَكِنْ بَعْدَ رَمْيِ الْأَمْوَالِ غَيْرِ الرَّقِيقِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْحُرِّ وَالرَّقِيقِ (اسْتِطْرَادٌ) ذَكَرَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ أَنَّ مَرْكَبًا كَانَ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ فَأَشْرَفُوا عَلَى الْغَرَقِ وَأَرَادُوا أَنْ يَرْمُوا بَعْضَهُمْ إلَى الْبَحْرِ لِتَخِفَّ الْمَرْكَبُ وَيَنْجُوا فَقَالُوا: نَقْتَرِعُ وَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فَقَالَ الرَّئِيسُ نَعُدُّ الْجَمَاعَةَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ تَاسِعًا فِي الْعَدَدِ أَلْقَيْنَاهُ فَارْتَضَوْا بِذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ يَعُدُّهُمْ وَيُلْقِي التَّاسِعَ فَالتَّاسِعَ إلَى أَنْ أَلْقَى الْكُفَّارَ أَجْمَعِينَ وَسَلِمَ الْمُسْلِمُونَ وَكَانَ وَضَعَهُمْ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِأَنْ وَضَعَ أَرْبَعَةً مُسْلِمِينَ وَخَمْسَةً كُفَّارًا ثُمَّ مُسْلِمَيْنِ ثُمَّ كَافِرًا إلَى آخِرِ ذَلِكَ وَوَضَعَ لَهُمْ ضَابِطًا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: اللَّهُ يَقْضِي بِكُلِّ يُسْرٍ ... وَيَرْزُقُ الضَّيْفَ حَيْثُ كَانَ فَمُهْمَلُ الْحُرُوفِ لِلْمُسْلِمِينَ وَمُعْجَمُهَا لِلْكُفَّارِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْمُسْلِمِينَ وَالسَّيْرُ إلَى جِهَةِ الشِّمَالِ بِالْعَدَدِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَدْت إيضَاحَهُ فَضَعْ نُقَطًا سَوْدَاءَ مَكَانَ الْمُسْلِمِينَ مَثَلًا بِعَدَدِ الْحُرُوفِ الْمُهْمَلَةِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ضَعْ نُقَطًا حَمْرَاءَ بِعَدَدِ الْكُفَّارِ، وَهَكَذَا مُرَاعِيًا الْمُهْمَلَ مِنْ حُرُوفِ الْبَيْتِ وَالْمُعْجَمَ مِنْهُ يَتَّضِحُ لَك الْحَالُ. [مَسْأَلَةُ الْمُنَاسَبَةُ تَنْخَرِمُ بِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ الْحُكْمَ رَاجِحَةٍ عَلَى مَصْلَحَتِهِ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لَهَا] (قَوْلُهُ: بِمَفْسَدَةٍ) أَيْ بِاشْتِمَالِ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ عَلَى مَفْسَدَةٍ مُعَارِضَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَإِنَّمَا انْخَرَمَتْ لِقَضَاءِ الْعَقْلِ بِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ مَعَ وُجُودِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَيُمَثَّلُ لِذَلِكَ بِمَا إذَا سَلَكَ مُسَافِرٌ الطَّرِيقَ الْبَعِيدَ لَا لِغَرَضٍ غَيْرِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ، وَهُوَ السَّفَرُ الْبَعِيدُ عُورِضَ بِمَفْسَدَةٍ وَهِيَ الْعُدُولُ عَنْ الْقَرِيبِ لَا لِغَرَضٍ غَيْرِ الْقَصْرِ حَتَّى كَأَنَّهُ حَصَرَ قَصْدَهُ فِي تَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي السَّفَرِ الْمُنَاسِبِ لِلْقَصْرِ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مَصْلَحَةُ التَّخْفِيفِ بِالْقَصْرِ فَإِذَا عَدَلَ عَنْ طَرِيقٍ قَصِيرَةٍ إلَى طَوِيلَةٍ كَانَ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِدُخُولِهِ عَلَى إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ بِدُونِ عُذْرٍ فَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ مَصْلَحَةَ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَصْلَحَتِهِ) أَيْ عَلَى عِلَّةِ مَصْلَحَتِهِ أَوْ عَلَى مُقْتَضَى مَصْلَحَتِهِ (قَوْلُهُ: مَعَ مُوَافَقَتِهِ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ هَلْ يَبْقَى فِيهِ مَعَ ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ أَمْ لَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ. [السَّادِسُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مَا يُسَمَّى بِالشَّبَهِ] (قَوْلُهُ: مَا يُسَمَّى بِالشَّبَهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ السَّادِسُ إلَخْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مُقَدَّرٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ الشَّبَهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مَنْزِلَةٌ إلَخْ ثُمَّ إنَّ الشَّبَهَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَسْلَكِ وَبَيْنَ الْوَصْفِ فِيهِ

كَالْوَصْفِ فِيهِ الْمُعَرَّفِ بِقَوْلِهِ (الشَّبَهُ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمُنَاسِبِ وَالطَّرْدِ) أَيْ ذُو مَنْزِلَةٍ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الطَّرْدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ بِالذَّاتِ وَيُشْبِهُ الْمُنَاسِبَ بِالذَّاتِ مِنْ حَيْثُ الْتِفَاتُ الشَّرْعِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ تَكَاثَرَ التَّشَاجُرُ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، وَلَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ تَعْرِيفًا صَحِيحًا فِيهَا (وَقَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (هُوَ الْمُنَاسِبُ بِالتَّبَعِ) كَالطَّهَارَةِ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَرَّفِ بِقَوْلِهِ الشَّبَهُ إلَخْ فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ وَالطَّرْدَ مِنْ قَبِيلِ الْأَوْصَافِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّبَهِ فِي التَّعْرِيفِ الْوَصْفُ لَا الْمَسْلَكُ وَأَمَّا الْمَسْلَكُ الْمُسَمَّى بِالشَّبَهِ فَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ شَبِيهًا أَيْ لَيْسَ مُنَاسِبًا بِالذَّاتِ، وَهُوَ مِمَّا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَتَحْقِيقُ كَوْنِهِ أَيْ الشَّبَهِ بِمَعْنَى الْوَصْفِ مِنْ الْمَسَالِكِ أَنَّ الْوَصْفَ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُنَاسِبًا فَيُظَنُّ بِذَلِكَ كَوْنُهُ عِلَّةً كَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ شَبِيهًا فَيُفِيدُ ظَنًّا بِالْعِلِّيَّةِ، وَقَدْ يُنَازِعُ فِي إفَادَتِهِ الظَّنَّ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ، وَإِلَّا لَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ شَبِيهًا إلَى كَوْنِهِ مُنَاسِبًا مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّقَابُلِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْوَصْفِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَسْلَكِ وَقَوْلُهُ الْمُعَرَّفِ صِفَةٌ لِلْوَصْفِ (قَوْلُهُ: أَيْ ذُو مَنْزِلَةٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الشَّبَهَ بِمَعْنَى الْوَصْفِ وَأَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُنَاسِبِ وَالطَّرْدِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ وَالطَّرْدَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَسْلَكِ فَيَصِحُّ جَعْلُ التَّعْرِيفِ لِلْمَسْلَكِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا تَكَلَّفَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْتِفَاتُ الشَّرْعِ إلَيْهِ) أَيْ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّ الْأُنُوثَةَ اُلْتُفِتَ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ نَفْيُهَا فِي نَحْوِ الْقَضَاءِ لَا الْعِتْقِ (قَوْلُهُ: فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ) أَيْ ذِي الْمَنْزِلَةِ، وَهُوَ الْوَصْفُ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: بِالتَّبَعِ) أَيْ بِالِاسْتِلْزَامِ مَثَّلَ لَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِتَعْلِيلِ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ بِكَوْنِهِ طَهَارَةً يُقَاسُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا تُنَاسِبُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ النَّجِسِ لَكِنْ تُنَاسِبُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ مُنَاسِبَةٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ سم بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُنَاسِبُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ جِهَةَ الْعِبَادَةِ فَهَلَّا اُشْتُرِطَتْ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ النَّجِسِ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الْجِهَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ لَمْ تُوضَعْ لِلتَّعَبُّدِ، وَقَدْ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً وَلَا مَنْدُوبَةً كَإِزَالَتِهَا عَنْ أَرْضٍ فَإِنَّهَا قَدْ تُزَالُ دَفْعًا لِلِاسْتِقْذَارِ اهـ. وَأُورِدَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُجْمَعُ بِالْمُسْتَلْزِمِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ لِلَازِمِ الْمُنَاسِبِ

فَإِنَّهَا إنَّمَا تُنَاسِبُهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ بِخِلَافِ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ كَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ، (وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ) بِأَنْ يُصَارَ إلَى قِيَاسِهِ (مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ) الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ (إجْمَاعًا فَإِنْ تَعَذَّرَتْ) أَيْ الْعِلَّةُ بِتَعَذُّرِ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ (فَقَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ (حُجَّةٌ) نَظَرًا لِشَبَهِهِ بِالْمُنَاسِبِ (وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ (الصَّيْرَفِيُّ وَ) أَبُو إِسْحَاقَ (الشِّيرَازِيُّ مَرْدُودٌ) نَظَرًا لِشَبَهِهِ بِالطَّرْدِ (وَأَعْلَاهُ) عَلَى الْقَوْلِ بِحُجِّيَّتِهِ (قِيَاسُ غَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ فِي الْحُكْمِ وَالصِّفَةِ) ، وَهُوَ إلْحَاقُ فَرْعٍ مُرَدَّدٍ بَيْنَ أَصْلَيْنِ بِأَحَدِهِمَا الْغَالِبِ شَبَهُهُ بِهِ فِي الْحُكْمِ وَالصِّفَةِ عَلَى شَبَهِهِ بِالْآخَرِ فِيهِمَا إلْحَاقَ الْعَبْدِ بِالْمَالِ فِي إيجَابِ الْقِيمَةِ بِقَتْلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْمَالِ فِي الْحُكْمِ وَالصِّفَةِ أَكْثَرُ مِنْ شَبَهِهِ بِالْحُرِّ فِيهِمَا (ثُمَّ) الْقِيَاسُ (الصُّورِيُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالذَّاتِ فَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يُقَالُ بِغَيْرِ الْمُنَاسِبِ مَعَ وُجُودِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُجْمَعُ بِالْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ حِينَئِذٍ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْجَمْعَ بِالْمُسْتَلْزَمِ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ فَالْجَمْعُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اكْتَفَى بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا) أَيْ الطَّهَارَةَ إنَّمَا تُنَاسِبُهُ أَيْ الِاشْتِرَاطَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ ظُهُورُ الْعِلَّةِ إذَا عُرِضَتْ عَلَى ذَوِي الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ (قَوْلُهُ:، وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ جِهَاتُ الْقِيَاسِ يُصَارُ إلَى أَقْوَاهَا وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ يُصَارُ إلَى قِيَاسِهِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ، وَلَا يُصَارُ إلَى قِيَاسِهِ لِيُوَافِقَ قَوْلُهُ مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ إذْ الْمُقَابَلَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ لَا بَيْنَ الشَّبَهِ وَالْقِيَاسِ لَكِنَّهُ أَقَامَ الْمُسَبَّبَ مَقَامَ السَّبَبِ فَإِنَّ الصَّيْرُورَةَ إلَى قِيَاسِهِ سَبَبٌ لِلصَّيْرُورَةِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَتْ أَيْ الْعِلَّةُ إلَخْ) يَعْنِي كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ تَعَذَّرَ قِيَاسُ اللُّغَةِ لَكِنَّهُ أَقَامَ الْمُسَبَّبَ مَقَامَ السَّبَبِ إذْ تَعَذُّرُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ سَبَبٌ فِي تَعَذُّرِهَا (قَوْلُهُ: وَأَعْلَاهُ) أَيْ أَعْلَى أَقْيِسَتِهِ قِيَاسُ غَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ، وَهُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْأَشْبَاهُ جَمْعُ شَبَهٍ وَقَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ جَعَلَهُ نَوْعًا مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ وَقَالَ الْعَضُدُ لَيْسَ نَوْعًا مِنْ الشَّبَهِ بَلْ حَاصِلُهُ تَعَارُضُ مُنَاسِبَيْنِ رَجَحَ أَحَدُهُمَا أَيْ فَهُوَ مِنْ مَسْلَكِ الْمُنَاسِبِ لَا مِنْ الْمَسْلَكِ الْمُسَمَّى بِالشَّبَهِ وَخَالَفَ أَيْضًا فِي الْإِلْحَاقِ فَجَعَلَ إلْحَاقَ الْعَبْدِ بِالْحُرِّ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْمَالِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ شَبَهَ الْوَصْفِ بِمُنَاسِبَيْنِ لَا يُنَافِي شَبَهَهُ بِالطَّرْدِيِّ أَيْضًا فَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْعَدُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَعْلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ مُطْلَقًا مَا لَهُ أَصْلٌ وَاحِدٌ لِسَلَامَةِ أَصْلِهِ مِنْ مُعَارَضَةِ أَصْلٍ آخَرَ لَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ) كَبَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالصِّفَةِ) كَقِلَّةِ الْقِيمَةِ وَكَثْرَتِهَا بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ (قَوْلُهُ: أَكْثَرَ مِنْ شَبَهِهِ إلَخْ) الَّذِي فِي الْعَضُدِ أَنَّ شَبَهَهُ بِالْحُرِّ فِيهَا أَكْثَرَ يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ يُشَابِهُهُ فِي الصِّفَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسَانِيَّةِ، وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ اهـ. نَاصِرٌ. قَالَ سم الْمُعَارَضَةُ بِمَا فِي الْعَضُدِ لَا تُفِيدُ إذْ مُتَابَعَةُ الشَّارِحِ لَهُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَأَنَّ مَا وَجَّهَ بِهِ كَلَامَهُ لَا يُفِيدُ أَكْثَرِيَّةَ الْمُشَابَهَةِ لِلْحُرِّ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهُ يُشَابِهُهُ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمُشَابَهَةُ أَكْثَرَ مِنْ مُشَابَهَتِهِ لِلْمَالِ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ إلْحَاقِ الْعَبْدِ فِي الضَّمَانِ بِالْأَمْوَالِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْقِيَاسُ الصُّورِيُّ) أَيْ قِيَاسُ الشَّبَهِ فِي الصُّورَةِ

[السابع من مسالك العلة الدوران]

كَقِيَاسِ الْخَيْلِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِلشَّبَهِ الصُّورِيِّ بَيْنَهُمَا (وَقَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (الْمُعْتَبَرُ) فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ لِيَكُونَ صَحِيحًا (حُصُولُ الْمُشَابَهَةِ) بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ (لِعِلَّةِ الْحُكْمِ أَوْ مُسْتَلْزِمِهَا) وَعِبَارَتُهُ فِيمَا يُظَنُّ كَوْنُهُ عِلَّةَ الْحُكْمِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ أَمْ فِي الْحُكْمِ. (السَّابِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الدَّوَرَانُ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ عِنْدَ وُجُودِ وَصْفٍ وَيَنْعَدِمَ عِنْدَ عَدَمِهِ قِيلَ: لَا يُفِيدُ) الْعِلِّيَّةَ أَصْلًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُلَازِمًا لِلْعِلَّةِ لَا نَفْسِهَا كَرَائِحَةِ الْمُسْكِرِ الْمَخْصُوصَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَائِلُ بِالشَّبَهِ الصُّورِيِّ ابْنُ عُلَيَّةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَنَقَلَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ إلْحَاقُ الْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ فِي التَّحْرِيمِ بِالْإِنْسِيَّةِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ فِيهَا لَيْسَ لِلْإِلْحَاقِ وَمِنْهَا عَلَى وَجْهٍ إعْطَاءُ الْخَلِّ عِوَضًا عَنْ الْخَمْرِ فِي صَدَاقٍ وَنَحْوِهِ وَالْبَقَرِ عَنْ الْخِنْزِيرِ فَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ حُجَّةٌ مَحْمُولٌ عَلَى قِيَاسِ غَيْرِ الصُّورِيِّ ثُمَّ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قَوْلِهِ ثُمَّ الصُّورِيُّ ثُمَّ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ فِي الصِّفَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الصِّحَّةِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: لِعِلَّةِ الْحُكْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُشَابَهَةِ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي أَوْ لِلتَّعْلِيلِ وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ بِعِبَارَتِهِ الَّتِي نَقَلَهَا الشَّارِحُ مِثَالُ ذَلِكَ مَا لَوْ رَأَيْنَا سَمَكًا عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ خَرَجَ عَلَى الْبَرِّ لَمْ يَعِشْ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِعِلَّةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ كَوْنُهُ بَحْرِيًّا لَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى صُورَةِ الْمُشَابَهَةِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَتُهُ فِيمَا) أَيْ حُصُولُ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا يُظَنُّ كَوْنُهُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْحُصُولُ فِي الصُّورَةِ أَيْ صُورَةِ الْعِلَّةِ أَوْ صُورَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهَا أَمْ فِي الْحُكْمِ أَيْ حُكْمِ الْعِلَّةِ أَوْ حُكْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهَا فَلَمْ يَجْزِمْ بِالْعِلَّةِ وَمُسْتَلْزِمِهَا كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بَلْ جَعَلَ الْمُشَابَهَةَ فِيمَا يُظَنُّ كَوْنُهُ عِلَّةً أَوْ مُسْتَلْزِمُهَا لَهَا وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ الشَّبَهِ الصُّورِيِّ جَزَاءُ الصَّيْدِ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] الْآيَةَ فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَحِمَارِهِ بَقَرَةٌ وَبَدَلُ الْقَرْضِ فِي الْمُتَقَوِّمِ، وَهُوَ الْمِثْلُ صُورَةً فَقَدْ «اقْتَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ اهـ. نَجَّارِيٌّ. [السَّابِعُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الدَّوَرَانُ] (قَوْلُهُ: الدَّوَرَانُ) وَيُقَالُ لَهُ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ) أَيْ يَحْدُثَ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ التَّنْجِيزِيِّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِ وَصْفٍ إلَخْ) فَالْوَصْفُ هُوَ الْمَدَارُ، وَالْحُكْمُ هُوَ الدَّائِرُ، مِثَالُهُ عَصِيرُ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ فَإِذَا صَارَ مُسْكِرًا حَرُمَ فَإِذَا صَارَ خَلًّا وَزَالَ الْإِسْكَارُ حَلَّ فَدَارَ التَّحْرِيمُ مَعَ الْإِسْكَارِ وُجُودًا وَعَدَمًا (قَوْلُهُ: وَيَنْعَدِمَ) قِيلَ: هُوَ لَحْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِهِ إلَّا فِيمَا يَكُونُ فِيهِ عِلَاجٌ، وَهَذَا يَنْعَدِمُ بِلَا عِلَاجٍ فَلَوْ قَالَ وَيُعْدَمَ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهِ عِلَاجًا بِطَرِيقِ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ بِأَنْ شَبَّهْنَا هَذَا الْعَدَمَ بِمَا يَفْنَى بِعِلَاجٍ أَوْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُقَيَّدِ فِي الْمُطْلَقِ، وَلَا يَكُونُ لَحْنًا إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ حَقِيقِيًّا (قَوْلُهُ: عِنْدَ عَدَمِهِ) فَيَكُونُ كُلِّيًّا طَرْدًا وَعَكْسًا بِخِلَافِ الطَّرْدِ الْآتِي فَإِنَّهُ كُلِّيٌّ طَرْدًا لَا عَكْسًا (قَوْلُهُ: قِيلَ: لَا يُفِيدُ) ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا وَتَسْمِيَتُهُ

فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ مَعَهُ وُجُودًا، وَعَدَمًا بِأَنْ يَصِيرَ خَلًّا وَلَيْسَ عِلَّةً (وَقِيلَ) هُوَ (قَطْعِيٌّ) فِي إفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ وَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ قَالَهُ عِنْدَ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ كَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) أَنَّهُ (ظَنِّيٌّ) لَا قَطْعِيُّ لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ السَّابِقِ (وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ) بِهِ (بَيَانُ نَفْيٍ) أَيْ انْتِفَاءِ (مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ) بِإِفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ بَلْ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِدْلَالِ بِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّبَهِ (فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ) أَيْ غَيْرَ الْمَدَارِ (تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُسْتَدِلِّ بِالتَّعْدِيَةِ) لِوَصْفِهِ عَلَى جَانِبِ الْمُعْتَرِضِ حَيْثُ يَكُونُ وَصْفُهُ قَاصِرًا (وَإِنْ كَانَ) وَصْفُ الْمُعْتَرِضِ (مُتَعَدِّيًا إلَى الْفَرْعِ) الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (ضَرَّ) إبْدَاؤُهُ (عِنْدَ مَانِعِ الْعِلَّتَيْنِ) دُونَ مُجَوِّزِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى هَذَا مَسْلَكًا أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فِيمَا إذَا اُلْتُفِتَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُسْكِرِ مِنْ حَيْثُ الْإِسْكَارُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَيُوجَدُ الْحُكْمُ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ عِنْدَ وُجُودِهَا وَيَنْعَدِمُ عِنْدَ انْعِدَامِهَا فَالشَّارِحُ سَكَتَ عَنْ مُلَازَمَةِ الْحُكْمِ لَهَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْمَتْنِ، وَقَدَّرَ مُلَازَمَتَهَا لِلْعِلْمِ الْمَانِعَةَ مِنْ إفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ انْطِبَاقَ الدَّوَرَانِ عَلَى الْمِثَالِ فَيَكُونُ ضَمِيرُ مَعَهُ لِلْحُكْمِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَتَخَلَّفَتْ الْعِلِّيَّةُ عَنْ هَذَا الدَّوَرَانِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ قَالَهُ عِنْدَ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ إلَخْ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ فَغَيْرُ قَطْعِيٍّ فَاشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ: لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ السَّابِقِ) ، وَهُوَ قَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا إلَخْ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ نَفْيَ الْقَطْعِيَّةِ لَا إثْبَاتَ الظَّنِّيَّةِ إذْ قِيَامُ الِاحْتِمَالِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا يُوجِبُ ظَنَّ الطَّرَفِ الْآخَرِ بَلْ يُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ الشَّكُّ أَيْضًا أَوْ الْوَهْمُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِدْلَال عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ الْقَطْعِيَّةِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا قَطْعِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ انْتِفَاءِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ نَفْيَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِانْتِفَاءِ إذْ الْمُتَوَهَّمُ بِتَقْدِيرِ اللُّزُومِ هُوَ بَيَانُ انْتِفَاءِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ الْمَالِكِ لَا بَيَانُ وُقُوعِ النَّفْيِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّبَهِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ كَمَا أَفَادَهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّعَذُّرِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ إلَخْ) كَأَنْ اسْتَدَلَّ بِالدَّوَرَانِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ النَّقْدِيَّةُ فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ الذَّهَبِيَّةُ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُسْتَدِلِّ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُ مُتَعَدِّيَةٌ لِلْفِضَّةِ. (قَوْلُهُ: ضَرَّ إبْدَاؤُهُ) الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِضَرَرِ الْإِبْدَاءِ الِانْقِطَاعَ بَلْ الِاحْتِيَاجَ إلَى التَّرْجِيحِ فَإِنْ عَجَزَ انْقَطَعَ وَقَوْلُهُ الْآتِي طَلَبَ التَّرْجِيحَ أَيْ عِنْدَ مَانِعِ الْعِلَّتَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ غَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ جَعَلَ حُكْمَ الْأَوَّلِ الضَّرَرَ وَبَنَاهُ عَلَى مَنْعِ الْعِلَّتَيْنِ وَحُكْمَ الثَّانِي طَلَبَ التَّرْجِيحِ وَبَنَاهُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَعَ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ يَجْرِي فِي الْآخَرِ

[الثامن من مسالك العلة الطرد]

(أَوْ إلَى فَرْعٍ آخَرَ طُلِبَ التَّرْجِيحُ) مِنْ خَارِجٍ لِتَعَادُلِ الْوَصْفَيْنِ حِينَئِذٍ. (الثَّامِنُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الطَّرْدُ، وَهُوَ مُقَارَنَةُ الْحُكْمِ لِلْوَصْفِ) مِنْ غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي الْخَلِّ مَائِعٌ لَا تُبْنَى الْقَنْطَرَةُ عَلَى جِنْسِهِ فَلَا تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ كَالدُّهْنِ أَيْ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَتُبْنَى الْقَنْطَرَةُ عَلَى جِنْسِهِ فَتُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ فَبِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ وَعَدَمُهُ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ لِلْحُكْمِ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ مُطَّرِدًا لَا نَقْضَ عَلَيْهِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ (عَلَى رَدِّهِ) لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ عَنْهُ (قَالَ عُلَمَاؤُنَا قِيَاسُ الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَصْفِ (الْمُنَاسِبِ وَ) قِيَاسُ (الشَّبَهِ تَقْرِيبٌ وَ) قِيَاسُ (الطَّرْدِ تَحَكُّمٌ) فَلَا يُفِيدُ (وَقِيلَ إنْ قَارَنَهُ) أَيْ قَارَنَ الْحُكْمُ الْوَصْفَ (فِيمَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ أَفَادَ) الْعِلِّيَّةَ فَيُفِيدُ الْحُكْمُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ (وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (وَكَثِيرٌ) مِنْ الْعُلَمَاءِ (وَقِيلَ تَكْفِي الْمُقَارَنَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ التَّفَنُّنَ، وَحَذَفَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ مَا أَثْبَتَهُ فِي الْآخَرِ اهـ. سم. قَوْلُهُ دُونَ مُجَوِّزِهِمَا أَيْ فَلَا يَضُرُّ وَمَحَلُّهُ إذَا اتَّحَدَ مُقْتَضَى الْوَصْفَيْنِ، وَإِلَّا فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: مِنْ خَارِجٍ) أَيْ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ الْوَصْفَيْنِ لِتَعَادُلِ الْوَصْفَيْنِ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ تَعَدَّى كُلٌّ إلَى فَرْعٍ آخَرَ، وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ، أَمَّا عِنْدَ الْمُجَوِّزِ فَلَا يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ عِنْدَهُ إلَّا إذَا اخْتَلَفَ مُقْتَضَى الْوَصْفَيْنِ بِالْحَدِّ وَالْحُرْمَةِ مَثَلًا اهـ. نَجَّارِيٌّ. [الثَّامِنُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الطَّرْدُ] (قَوْلُهُ: الثَّامِنُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَالْأَكْثَرُ عَلَى رَدِّهِ (قَوْلُهُ: الطَّرْدُ) قَالَ زَكَرِيَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَبَيْنَ كَوْنِ الْعِلَّةِ غَيْرَ مُنْتَقَضَةٍ، الْمُقَابِلُ لِلْعَكْسِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ:، وَهُوَ مُقَارَنَةُ الْحُكْمِ لِلْوَصْفِ) أَيْ وُجُودًا وَعَدَمًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي قَالَ النَّاصِرُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الدَّوَرَانِ إذْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الطَّرْدِ كُلِّيَّةُ الْمُقَارَنَةِ ثُبُوتًا، وَلَا عَدَمًا كَمَا اُشْتُرِطَتْ فِيهِمَا فِي الدَّوَرَانِ اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَعَمُّ مُطْلَقًا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُ لَكِنْ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ وَجَدْت بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا وُجِدَتْ فِيهِ كُلِّيَّةُ الْمُقَارَنَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا مِنْ غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ وَيَنْفَرِدُ الدَّوَرَانُ عَنْهُ فِيمَا وُجِدَتْ فِيهِ الْكُلِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ وَيَنْفَرِدُ الطَّرْدُ عَنْهُ فِيمَا انْتَفَتْ عَنْهُ الْكُلِّيَّةُ وَالْمُنَاسَبَةُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ) أَيْ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ فَخَرَجَ بَقِيَّةُ الْمَسَالِكِ (قَوْلُهُ: فِي الْخَلِّ) أَيْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ التَّطَهُّرِ بِهِ (قَوْلُهُ: مَائِعٌ) أَيْ هُوَ مَائِعٌ (قَوْلُهُ: لَا تُبْنَى الْقَنْطَرَةُ إلَخْ) أَيْ لَمْ يُعْتَدْ بِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا كَالْمَاءِ (قَوْلُهُ: فَبِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ وَقَوْلُهُ، وَعَدَمُهُ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْخَلِّ وَقَوْلُهُ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ لِلْحُكْمِ، وَهُوَ زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ وَعَدَمُهُ بِالنَّظَرِ لِلْخَلِّ قَوْلُهُ أَصْلًا أَيْ لَا بِالذَّاتِ، وَلَا بِالتَّبَعِ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ كَانَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: لَا نَقْضَ فِيهِ) كَالتَّفْسِيرِ أَوْ التَّعْلِيلِ لِلِاطِّرَادِ. (قَوْلُهُ: عَلَى رَدِّهِ) أَيْ رَدِّ التَّعْلِيلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ خَالِيَةٍ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ كَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ وَعَدَمِهِ قَالَ بَعْضُ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ: لَوْ كَفَتْ الْمُقَارَنَةُ فِي صُورَةٍ لَزِمَ فَتْحُ بَابِ الْهَذَيَانِ كَمَا يُقَالُ: مَسُّ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ كَالْفَرَسِ؛ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالتَّشَهِّي وَالْهَوَى، وَهُوَ بَاطِلٌ فِي الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26] (قَوْلُهُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا) كَالدَّلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: قِيَاسُ الْمَعْنَى) أَيْ الْوَصْفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى حِكْمَةٍ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: تَقْرِيبٌ) ؛ لِأَنَّهُ قَرَّبَ الْفَرْعَ مِنْ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: تَحَكُّمٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَحْتَمِلُ الْعِلِّيَّةَ وَعَدَمَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَجَعْلُهُ عِلَّةٍ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُفِيدُ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ (قَوْلُهُ، وَقِيلَ إنْ قَارَنَهُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَكْتَفِي بِالْمُقَارَنَةِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَبِهِ تَعْلَمُ انْفِصَالَ هَذَا عَنْ الدَّوَرَانِ اهـ. عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ أَيْ قَارَنَ) أَيْ ثَبَتَ مَعَهُ. هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ هُنَا كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَيْ قَارَنَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ وَهِيَ رَفْعُ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ: صُورَةُ النِّزَاعِ) الَّتِي هِيَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْخَلِّ فِيمَا مَرَّ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُ مَائِعًا لَا تُبْنَى الْقَنْطَرَةُ عَلَى جِنْسِهِ

[التاسع من مسالك العلة تنقيح المناط]

فِي صُورَةٍ) وَاحِدَةٍ لِإِفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ (وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُفِيدُ) الطَّرْدَ (الْمُنَاظِرَ دُونَ النَّاظِرِ) لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَقَامِ الدَّفْعِ وَالثَّانِي فِي مَقَامِ الْإِثْبَاتِ. (التَّاسِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ، وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ) نَصٌّ (ظَاهِرٌ عَلَى التَّعْلِيلِ بِوَصْفٍ) فَيُحْذَفَ خُصُوصُهُ عَنْ الِاعْتِبَارِ بِالِاجْتِهَادِ (وَيُنَاطَ) الْحُكْمُ (بِالْأَعَمِّ أَوْ تَكُونَ أَوْصَافٌ) فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ (فَيُحْذَفَ بَعْضُهَا) عَنْ الِاعْتِبَارِ بِالِاجْتِهَادِ (وَيُنَاطَ) الْحُكْمُ (بِالْبَاقِي) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْحَذْفِ وَالتَّعْيِينِ وَيُمَثَّلُ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمُوَاقَعَةِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِيهَا مَوْجُودَةٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ: لِإِفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ) عِلَّةً لِقَوْلِهِ تَكْفِي (قَوْلُهُ: الْمُنَاظِرَ) أَيْ الدَّافِعَ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ دُونَ النَّاظِرِ لِنَفْسِهِ أَيْ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: فِي مَقَامِ الْإِثْبَاتِ) أَيْ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ قَوِيٍّ. [التَّاسِعُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ] (قَوْلُهُ: تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ) أَيْ تَهْذِيبُ مَا نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ الْوَصْفُ، وَأَصْلُ الْمَنَاطِ مَوْضِعُ النَّوْطِ أَيْ التَّعْلِيقِ وَأَصْلُهُ مَنْوَطٌ كَمَنْوَرٍ وَالْمَحَلُّ كَمَا يَكُونُ حِسِّيًّا يَكُونُ مَعْنَوِيًّا كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ: نَصٌّ ظَاهِرٌ) كَقِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَاقَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: عَلَى التَّعْلِيلِ) أَيْ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ فَيُحْذَفُ أَيْ يُلْغَى خُصُوصُهُ أَيْ الْوَصْفِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَقَوْلُهُ بِالِاجْتِهَادِ مُتَعَلِّقٌ بِيُحْذَفُ، وَفِي التَّقْيِيدِ بِهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَذْفَ فِي ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ الْحَاصِلِ بِالِاجْتِهَادِ، وَقَدْ يَكُونُ بِدَلِيلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ تَكُونُ أَوْصَافٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَمَسْلَكِ السَّبْرِ أَنَّ السَّبْرَ يَجِبُ فِيهِ حَصْرُ الْأَوْصَافِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ ثُمَّ إلْغَاؤُهَا مَا عَدَا مَا ادَّعَى عِلَّتَهُ وَتَنْقِيحُ الْمَنَاطِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يُلَاحَظُ فِيهِ الْأَوْصَافُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا ظَاهِرُ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ الْحَصْرُ فِيهِ أَيْضًا مَوْجُودًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُلَاحَظٍ فَهُوَ حَاصِلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: مَعَ عَدَمِ الْحَصْرِ لَا يَتَأَتَّى مَعْرِفَةُ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُحْذَفَ غَيْرُ الصَّالِحِ عَنْ الِاعْتِبَارِ (قَوْلُهُ: وَحَاصِلُهُ) أَيْ حَاصِلُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ الِاجْتِهَادُ) أَيْ لَا الدَّلَالَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ بَلْ هُوَ الْمَعْطُوفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَيُحْذَفُ. (قَوْلُهُ: وَيُمَثَّلُ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) لَا يُنَافِي التَّمْثِيلَ بِهِ فِيمَا مَرَّ لِلْإِيمَاءِ لِأَنَّ التَّمْثِيلَ بِهِ لِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اقْتِرَانِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتِقْ رَقَبَةً» بِقَوْلِ السَّائِلِ وَاقَعْت أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَلِمَا هُنَا بِاعْتِبَارِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فِي الْمُوَاقَعَةِ) أَيْ فِي شَأْنِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَسْتَعْمِلُ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ مَنَعَ الْقِيَاسَ فِيهَا لَكِنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ قِيَاسًا بَلْ اسْتِدْلَالًا وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَا أُلْحِقَ فِيهِ حُكْمٌ بِآخَرَ بِجَامِعٍ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَالِاسْتِدْلَالُ مَا أُلْحِقَ فِيهِ ذَلِكَ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ

[العاشر من مسالك العلة إلغاء الفارق]

حَذَفَا خُصُوصَهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ وَأَنَاطَا الْكَفَّارَةَ بِمُطْلَقِ الْإِفْطَارِ كَمَا حَذَفَ الشَّافِعِيُّ غَيْرَهَا مِنْ أَوْصَافِ الْمَحَلِّ كَكَوْنِ الْوَاطِئِ أَعْرَابِيًّا وَكَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ زَوْجَةً وَكَوْنِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَأَنَاطَ الْكَفَّارَةَ بِهَا (أَمَّا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ فَإِثْبَاتُ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ صُوَرِهَا كَتَحْقِيقِ أَنَّ النَّبَّاشَ) ، وَهُوَ مَنْ يَنْبُشُ الْقُبُورَ وَيَأْخُذُ الْأَكْفَانَ (سَارِقٌ) بِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ أَخْذُ الْمَالِ خِفْيَةً، وَهُوَ السَّرِقَةُ فَيُقْطَعُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ (وَتَخْرِيجُهُ) أَيْ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ (مَرَّ) فِي مَبْحَثِ الْمُنَاسَبَةِ وَقَرَنَ بَيْنَ الثَّلَاثِ كَعَادَةِ الْجَدَلِيِّينَ (الْعَاشِرُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (إلْغَاءُ الْفَارِقِ) بِأَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ فَيَثْبُتَ الْحُكْمُ لِمَا اشْتَرَكَا فِيهِ (كَإِلْحَاقِ الْأَمَةِ بِالْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ) الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا عَتَقَ» ، فَالْفَارِقُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْأُنُوثَةُ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي مَنْعِ السِّرَايَةِ فَتَثْبُتُ السِّرَايَةُ فِيهَا لِمَا شَارَكَتْ فِيهِ الْعَبْدَ (وَهُوَ) أَيْ إلْغَاءُ الْفَارِقِ (وَالدَّوَرَانُ وَالطَّرْدُ) عَلَى الْقَوْلِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافٌ لَفْظِيٌّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: حَذَفَا خُصُوصَهَا) أَيْ حَذَفَاهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا (قَوْلُهُ: كَمَا حَذَفَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هَذَا مِثَالٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَكُونَ أَوْصَافٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ الْمُوَاقَعَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَوْصَافِ الْمَحَلِّ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمَقِيسِ، وَهُوَ قِصَّةُ الْأَعْرَابِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَنَاطَ الْكَفَّارَةَ بِهَا) أَيْ بِالْمُوَاقَعَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ (قَوْلُهُ: فَإِثْبَاتُ الْعِلَّةِ) أَيْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فِي آحَادِ صُوَرِهَا) الْأَوْلَى فِي إحْدَى صُوَرِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي آحَادِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ إلَّا إثْبَاتَ الْعِلَّةِ فِي آحَادٍ مِنْ صُوَرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسَمَّى إثْبَاتَ الْعِلَّةِ فِي إحْدَى صُوَرِهَا بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، وَالْمُرَادُ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ فِي صُورَةٍ خَفِيَتْ فِيهَا الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ: مَنْ يَنْبُشُ) بِضَمِّ الْبَاءِ مِنْ بَابِ نَصَرَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) أَيْ فَلَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمْ لِعَدَمِ وُجُودِ الْحِرْزِ (قَوْلُهُ: وَقَرَنَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ مَرَّ فَلِأَيِّ شَيْءٍ ذُكِرَ هُنَا فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى نُكْتَةِ إعَادَةِ الْمُصَنِّفِ ذِكْرَ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ. [الْعَاشِرُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ إلْغَاءُ الْفَارِقِ] (قَوْلُهُ: إلْغَاءُ الْفَارِقِ) أَيْ الْوَصْفِ الْفَارِقِ، وَقَدْ جَعَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ نَفْسَ تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ حَيْثُ قَالَ التَّاسِعُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ بِأَنْ يُبَيِّنَ إلْغَاءَ الْفَارِقِ وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِهِ أَيْ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ كَأَنْ يُقَالُ مَثَلًا: لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا إلَّا كَذَا، وَهُوَ مَلْغِيٌّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ فَالْمُؤَثِّرُ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ فَيَلْزَمُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْحُكْمِ اهـ. وَالْمُصَنِّفُ غَايَرَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَايَرَا تَغَايُرًا كُلِّيًّا إذْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ إلْغَاءَ الْفَارِقِ يَعُمُّ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ، وَتَنْقِيحُ الْمَنَاطِ خَاصٌّ بِالظَّنِّيِّ فَيَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ قِسْمٌ مِنْ إلْغَاءِ الْفَارِقِ (قَوْلُهُ: لِمَا اشْتَرَكَا) أَيْ لِأَجْلِ وَصْفٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَالرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ: كَإِلْحَاقِ الْأَمَةِ) أَيْ كَالْإِلْغَاءِ الْكَائِنِ فِي إلْحَاقِ الْأَمَةِ، وَهَذَا مِثَالٌ لِلظَّنِّيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَخَيَّلُ فِيهِ احْتِمَالُ اعْتِبَارِ الشَّارِحِ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ اسْتِقْلَالُهُ فِي جِهَادٍ وَجُمُعَةٍ وَغَيْرهمَا مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلْأُنْثَى فِيهِ وَمِثَالُ الْقَطْعِيِّ قِيَاسُ صَبِّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عَلَى الْبَوْلِ فِيهِ فِي الْكَرَاهَةِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: شِرْكًا لَهُ) أَيْ نَصِيبًا (قَوْلُهُ: ثَمَنَ الْعَبْدِ) أَيْ بَاقِي قِيمَتِهِ. (قَوْلُهُ: قِيمَةَ عَدْلٍ) مَصْدَرٌ مُبَيِّنٌ لِلنَّوْعِ أَيْ تَقْوِيمًا عَادِلًا لَا جَوْرَ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ) أَيْ جِنْسَ الشُّرَكَاءِ الصَّادِقَ بِالْوَاحِدِ فَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ (قَوْلُهُ: وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قُوِّمٍ وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْعِتْقَ سَابِقٌ عَلَى التَّقْوِيمِ فَكَيْفَ يَعْطِفُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ:، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ بَاقِي الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: مَا عَتَقَ) أَيْ مُبَاشَرَةً (قَوْلُهُ: فَالْفَارِقُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ) أَيْ فَالْوَصْفُ الْفَارِقُ (قَوْلُهُ: لِمَا شَارَكَتْ فِيهِ الْعَبْدَ) أَيْ مِنْ الْأَوْصَافِ، وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَالْمِلْكُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ بِهِ) لَمْ يَقُلْ مِثْلَهُ فِي الدَّوَرَانِ كَأَنَّهُ لِذَهَابِ الْأَكْثَرِ إلَى الْعَمَلِ بِهِ

[خاتمة في نفي مسلكين ضعيفين]

(تَرْجِعُ) ثَلَاثَتُهَا (إلَى ضَرْبِ شَبَهٍ إذْ تَحَصَّلَ الظَّنُّ فِي الْجُمْلَةِ) لَا مُطْلَقًا (وَلَا تُعَيَّنُ جِهَةُ الْمَصْلَحَةِ) الْمَقْصُودَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ. (خَاتِمَةٌ فِي نَفْيِ مَسْلَكَيْنِ ضَعِيفَيْنِ لَيْسَ تَأَتِّي الْقِيَاسِ بِعِلِّيَّةِ وَصْفٍ، وَلَا الْعَجْزِ عَنْ إفْسَادِهِ دَلِيلُ عِلِّيَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا) ، وَقِيلَ نَعَمْ فِيهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ مَأْمُورٌ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] عَلَى تَقْدِيرِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ يَخْرُجُ بِقِيَاسِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ الْوَصْفُ عِلَّةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَتَعَيَّنُ عِلِّيَّتُهُ أَنْ لَوْ لَمْ يُخْرَجْ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ إلَّا بِقِيَاسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَمَا فِي الْمُعْجِزَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ لِلْعَجْزِ عَنْ مُعَارَضَتِهَا، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ الْعَجْزَ هُنَاكَ مِنْ الْخَلْقِ، وَهُنَا مِنْ الْخَصْمِ. (الْقَوَادِحُ) أَيْ هَذَا مَبْحَثُهَا وَهِيَ مَا يَقْدَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تَرْجِعُ ثَلَاثَتُهَا إلَخْ) أَيْ أَنَّهَا تُفِيدُ شَبَهًا لِلْعِلَّةِ لَا عِلَّةً حَقِيقِيَّةً لِمَا ذَكَرَهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَسَالِكِ الْمُرَادَةِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ وَقَوْلُهُ يَحْصُلُ الظَّنُّ أَيْ لِلْعِلِّيَّةِ. اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ إنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّبَهَ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالطَّرْدِ فَكَيْفَ يَرْجِعُ الطَّرْدُ إلَى الشَّبَهِ الَّذِي هُوَ مَنْزِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنَاسِبِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ إذَا اجْتَمَعَتْ تَرْجِعُ إلَى نَوْعِ شَبَهٍ وَلَعَلَّ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ ثَلَاثَتُهَا إشَارَةٍ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَتْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دُونَ سَائِرِ الصُّوَرِ وَقَوْلُهُ لَا مُطْلَقًا أَيْ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: جِهَةُ الْمَصْلَحَةِ) وَهِيَ الْحِكْمَةُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تُحَصِّلُ الظَّنَّ وَتُعَيِّنُ جِهَةَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُنَاسَبَةَ أُخْتَ الْإِخَالَةِ حَتَّى يُعْتَرَضَ بِأَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَسَالِكِ. [خَاتِمَةٌ فِي نَفْيِ مَسْلَكَيْنِ ضَعِيفَيْنِ] (قَوْلُهُ: خَاتِمَةٌ) اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَخْتُومٌ بِهَا فَهِيَ مَجَازٌ فِي الْمُفْرَدِ أَوْ أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ فَمَعْنَى كَوْنِهَا خَاتِمَةً أَنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ خَتَمَهُ بِهَا (قَوْلُهُ: لَيْسَ تَأَتِّي الْقِيَاسِ إلَخْ) كَأَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ عِلَّةَ الْحُكْمِ أَمْكَنَ الْقِيَاسُ عَلَى مَحَلِّ نَصِّهِ (قَوْلُهُ: عَنْ إفْسَادِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَجْعُولِ عِلَّةً، وَلَوْ قَالَ إفْسَادُهَا أَيْ الْعِلَّةِ كَانَ أَنْسَبَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: يَخْرُجُ بِقِيَاسِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الْمُسْتَنِدِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْوَصْفُ عِلَّةً) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلَّةِ، وَقَدْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ بِقِيَاسٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: فَكَمَا فِي الْمُعْجِزَةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْجِزَةِ فَهُوَ تَنْظِيرٌ (قَوْلُهُ:، وَهُنَا مِنْ الْخَصْمِ) وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِيَ الْعَجْزُ عَنْ خَصْمٍ آخَرَ. [الْقَوَادِحُ] (قَوْلُهُ: الْقَوَادِحُ) وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَذَكَرَ مِنْهَا هَاهُنَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَادِحًا؛ وَلِذَا قَالَ مِنْهَا إلَخْ وَعَدَّهَا الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ سِتَّةً قَالَ الْعَضُدُ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى مَنْعٍ وَمُعَارَضَةٍ، وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ إثْبَاتُ مُدَّعَاهُ بِدَلِيلِهِ وَالْإِلْزَامُ وَغَرَضُ الْمُعْتَرِضِ إفْحَامُهُ بِمَنْعِهِ عَنْ الْإِثْبَاتِ فَالْمُسْتَدِلُّ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْإِثْبَاتُ هُوَ مُدَّعَاهُ وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَصَلَاحِيَّتُهُ لِلشَّهَادَةِ بِصِحَّةِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَفَاذُهَا بِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَإِلَّا يَكُونُ كَتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالدَّافِعُ لِلدَّعْوَى وَالدَّفْعُ يَكُونُ بِهَدْمِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَهَدْمُ شَهَادَةِ الدَّلِيلِ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّتِهِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَطَلَبُ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا وَعَدَمُ نَفَاذِ شَهَادَتِهِ بِالْمُعَارَضَةِ بِمَا يُقَاوِمُهَا وَيَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا فَمَا لَيْسَ مِنْ الْقَبِيلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَلَا يُسْمَعُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بِالْجَوَابِ بَلْ الْجَوَابُ عَنْهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابٌ لِمَنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَابَ، وَإِنْ فُرِضَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ اهـ. وَقَدْ لَخَّصَ فِي التَّلْوِيحِ التَّفْتَازَانِيُّ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّ النَّقْضَ وَفَسَادَ الْوَضْعِ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْعِ وَالْقَلْبِ وَالْعَكْسِ، وَالْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ وَعِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ الْمُنَاقَضَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّنَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّقْضِ وَمَرْجِعُهَا إلَى الْمُمَانَعَةِ؛ لِأَنَّهَا امْتِنَاعٌ عَنْ تَسْلِيمِ بَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ السَّنَدِ لَهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ

فِي الدَّلِيلِ مِنْ حَيْثُ الْعِلَّةُ أَوْ غَيْرُهَا (مِنْهَا تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ) بِأَنْ وُجِدَتْ فِي صُورَةٍ مَثَلًا بِدُونِ الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَارَضَةُ مِنْ أَقْسَامِ الِاعْتِرَاضِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْخَصْمِ قَدْ ثَبَتَ بِتَمَامِ دَلِيلِهِ، قُلْنَا: هِيَ فِي الْمَعْنَى نَفْيٌ لِتَمَامِ الدَّلِيلِ وَنَفَاذِ شَهَادَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ حَيْثُ قُوبِلَ بِمَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مَدْلُولِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الدَّلِيلِ) الْمُرَادُ بِهِ الْقِيَاسُ وَبِالْغَيْرِ أَرْكَانُهُ كَالْفَرْعِ، وَالْأَصْلِ مَثَلًا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَوْضَحُ عِلَّةً كَانَ الدَّلِيلَ أَوْ غَيْرَهَا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ لَا يَكُونُ عِلَّةً (قَوْلُهُ: مِنْهَا تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ) مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ يَعْرَى أَوَّلُ صَوْمِهِ عَنْ النِّيَّةِ فَلَا يَصِحُّ فَيَنْقُضُهُ الْحَنَفِيُّ بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا تَبْيِيتٍ فَقَدْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وَهِيَ الْعُرْيُ عَنْ النِّيَّةِ بِدُونِ الْحُكْمِ، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ ثُمَّ إنَّ إطْلَاقَهُ التَّخَلُّفَ يَصْدُقُ بِوُجُودِ مَانِعٍ وَفَقْدِ شَرْطٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِطْلَاقُهُ الْعِلَّةَ يَصْدُقُ بِالْمَنْصُوصَةِ قَطْعًا وَالْمَنْصُوصَةِ ظَنًّا وَالْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهَا الْخَارِجَةُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ لَكِنَّ النَّقْضَ إنَّمَا يَأْتِي فِيمَا أَمْكَنَ فِيهِ مِنْهَا قَالَ النَّاصِرُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي الْمَنْصُوصَةِ إذْ الْقَدْحُ فِيهَا بِذَلِكَ رَدٌّ لِلنَّصِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّخَلُّفُ فِي صُورَةِ نَاسِخٍ لِلْعِلِّيَّةِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَدْحَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْعِلَّةِ، وَفِي ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهَا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَثَلًا اهـ. أَقُولُ الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ فِي التَّلْوِيحِ وَعِبَارَتُهُ هَكَذَا: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ النَّقْضَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْمُنَاقَضَةُ فِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ التَّأْثِيرِ قَدْ يَكُونُ ظَنًّا فَيَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ بِالنَّقْضِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَقَالَ سم إنَّ الْعِلَّةَ، وَإِنْ كَانَ نَصُّهَا قَطْعِيَّ الْمَتْنِ وَالدَّلَالَةِ فَإِنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ، وَإِنْ أَفَادَ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ كَذَا لَكِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ بِأَنَّ كَذَا بِمُجَرَّدِهِ، أَوْ مُطْلَقًا هُوَ الْعِلَّةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ كَانْتِفَاءِ مَانِعٍ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ النَّصَّ أَفَادَ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مُجَرَّدُ كَذَا وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ كَأَنْ قَالَ: الْعِلَّةُ كَذَا بِمُجَرَّدِهِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ، وَلَا شَرْطَ لَمْ يُتَصَوَّرْ تَخَلُّفٌ حِينَئِذٍ حَتَّى يُتَصَوَّرَ اخْتِلَافٌ فِي الْقَدْحِ بِهِ. قَالَ، وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي فَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَخْطِئَةَ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّخَلُّفِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَسْتَبِينُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَلَى كُلٍّ مَعَ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ شَرْطًا أَوْ شَطْرًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهَا وَسَلَّمُوا تَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي الْمَادَّةِ الْمَخْصُوصَةِ فَقَدْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَعْتَبِرُوا مَعَ كَوْنِ الْعِلَّةِ أَحَدَهَا شَيْئًا آخَرَ لَا تَصْدُقُ الْعِلَّةُ مَعَهُ عَلَى الْمَادَّةِ الْمَخْصُوصَةِ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ هِيَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ أَوْ ذَلِكَ الْوَصْفُ بِشَرْطِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْآخَرِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ لَا أَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَيَكُونُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْإِجْمَاعِ هُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ الْأَقْوَالِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْقَدْحِ بِالتَّخَلُّفِ هُوَ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ

(وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنَّهُ قَادِحٌ فِي الْعِلَّةِ (وَسَمَّاهُ النَّقْضَ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَقْدَحُ) فِيهَا (وَسَمَّوْهُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ، وَقِيلَ لَا) يَقْدَحُ (فِي) الْعِلَّةِ (الْمُسْتَنْبَطَةِ) ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهَا اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِهَا، وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَنْصُوصَةِ فَإِنَّ دَلِيلَهَا النَّصُّ الشَّامِلُ لِصُورَةِ التَّخَلُّفِ وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِيهَا يُبْطِلُهُ بِأَنْ يُوقِفَهُ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ، وَالْحَنَفِيَّةُ تَقُولُ: يُخَصِّصُهُ وَيُجَابُ عَنْ دَلِيلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ بِأَنَّ اقْتِرَانَ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّتِهِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ كَدَلِيلِ الْمَنْصُوصَةِ (وَقِيلَ عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ وَيَقْدَحُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ الْعَامَّ وَيَرُدَّ بَعْضَهُ مُؤَخِّرًا بَيَانَهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ إذَا عَلَّلَ بِشَيْءِ وَنُقِضَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَرَدْت غَيْرَ ذَلِكَ لِسَدِّهِ بَابَ إبْطَالِ الْعِلَّةِ (وَقِيلَ يَقْدَحُ) فِيهِمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) التَّخَلُّفُ (لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ) لِلْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ قَوْلٍ لَيْسَ هُوَ تَمَامُ الْعِلَّةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ تَخْطِئَةُ الْإِجْمَاعِ اهـ. وَأَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ إنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصٌّ كَأَنَّهُ أَرَادَ صَرِيحًا أَوْ فِيمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَمُنَاظَرَاتُ الشَّافِعِيِّ مَعَ خُصُومِهِ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَزَادَ فِي بَيَانِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ فَإِنَّ صَاحِبَ التَّوْضِيحِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَمَعْنَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ تَخْصِيصُهَا بِبَعْضِ صُوَرِهَا وَالتَّخْصِيصُ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً فَمِنْ الشَّارِعِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ:، وَلَا وُجُودَ لَهُ) لِعَدَمِ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ دَلِيلَهَا) أَيْ دَلِيلَ عِلِّيَّتِهَا فَالْمُرَادُ بِدَلِيلِهَا مَسْلَكُهَا؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَدُّ النَّصِّ مِنْ الْمَسَالِكِ. (قَوْلُهُ: الشَّامِلُ لِصُورَةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ شَامِلًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُوقِفَهُ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ) أَيْ حَتَّى يُوجَدَ مُرَجِّحٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِبْطَالِ وَالْإِلْغَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ) أَيْ مِنْ طَرَفِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: عَنْ دَلِيلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ) أَيْ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ الْخَصْمُ (قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّتِهِ) أَيْ فَيَقْدَحُ فِيهِ بِالتَّخَلُّفِ كَالْمَنْصُوصَةِ (قَوْلُهُ: مُؤَخِّرًا بَيَانَهُ) أَيْ الْعَامِّ بِبَيَانِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ أَيْ إلَى الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ الشَّارِعِ، وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: غَيْرَ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ الْمَنْقُوضِ بِهِ (قَوْلُهُ: لِسَدِّهِ بَابَ إبْطَالِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا بَطَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: لِمَانِعٍ) كَتَعْلِيلِ إيجَابِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ

فَلَا يَقْدَحُ (وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ فُقَهَائِنَا، وَقِيلَ يَقْدَحُ إلَّا أَنْ يَرِدَ عَلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ كَالْعَرَايَا) ، وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ قَبْلَ الْقَطْعِ بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، فَإِنَّ جَوَازَهُ وَارِدٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ فِي عِلَّةِ حُرْمَةِ الرِّبَا مِنْ الطَّعْمِ وَالْقُوتِ وَالْكَيْلِ وَالْمَالِ فَلَا يَقْدَحُ. (وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا لَا تُعَلَّلُ إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ (وَقِيلَ يَقْدَحُ فِي) الْعِلَّةِ (الْحَاظِرَةِ) دُونَ الْمُبِيحَةِ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَتُقَدَّمَ فِيهِ الْإِبَاحَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَقِيلَ) يَقْدَحُ (فِي الْمَنْصُوصَةِ إلَّا) إذَا ثَبَتَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ فِي الْأَبِ وَالسَّيِّدِ لِمَانِعِ الْأُبُوَّةِ وَالسِّيَادَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ كَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الرَّجْمِ بِالزِّنَا فَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ فِي الْبِكْرِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْإِحْصَانِ فَلَا يَقْدَحُ التَّخَلُّفُ فِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً. (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْدَحُ) ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لِمَانِعٍ لَا يُبْطِلُ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرِدَ) أَيْ التَّخَلُّفُ أَيْ الِاعْتِرَاضُ بِهِ وَيُجِيبُ الْفُقَهَاءُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّخَلُّفَ فِيهِ لِفِقْدَانِ شَرْطٍ مَثَلًا أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ أَوْ يَجْعَلُهُ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا الطَّعْمُ عِلَّةُ الرِّبَا لَا فِي بَيْعِ الْعَرَايَا لِدَلِيلٍ يَخُصُّهَا لِئَلَّا يَرِدَ النَّقْضُ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُصَرَّحُ بِهِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجَمِيعُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ الَّذِي بِالْقُوَّةِ (قَوْلُهُ: كَالْعَرَايَا) أَيْ كَبَيْعِ الْعَرَايَا قَالَ النَّاصِرُ: فِيهِ إشْكَالٌ، الْعَرَايَا رُخْصَةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَالرُّخْصَةُ مَا شُرِعَ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْهُ لَوْلَا الْعُذْرُ وَالْمَانِعُ لَيْسَ إلَّا الْعِلَّةُ فَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّ قِيَامَ الْعِلَّةِ بِدُونِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْعُذْرِ، وَلَا يَمْنَعُ عِلَّتَهَا فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الطَّعْمِ) أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ وَالْقُوتِ أَيْ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ وَالْكَيْلِ أَيْ وَالْوَزْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - قَوْلُهُ، وَالْمَالِ يُنْظَرُ مَنْ عَلَّلَ بِهِ وَعَلَى التَّعْلِيلِ بِهِ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْمَالِيَّةُ كَانَ رِبَوِيًّا مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا وُجِدَتْ فِيهِ الْمَالِيَّةُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ إلَخْ) اُعْتُرِضَ هَذَا النَّقْلُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الِاقْتِنَاءُ وَالِادِّخَارُ لِلْعَيْشِ غَالِبًا قَالَهُ النَّجَّارِيُّ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مَذْهَبِيٌّ أَوْ لَعَلَّ مَالِكًا يَجْعَلُ الِادِّخَارَ شَرْطًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجْمَاعِ الْوِفَاقُ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: فَيُقْدَحُ فِيهِ بِالْإِبَاحَةِ) أَيْ التَّخَلُّفُ بِهَا كَالْإِبَاحَةِ فِي التُّفَّاحِ بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا لَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي التُّفَّاحِ لِعَدَمِ الِاقْتِيَاتِ فَهَذِهِ عِلَّةٌ مُبِيحَةٌ فَإِذَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ، وَهُوَ عَدَمُ الرِّبَوِيَّةِ فِي صُورَةٍ وُجِدَتْ فِيهَا الرِّبَوِيَّةُ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي الْمِلْحِ

(بِظَاهِرٍ عَامٍّ) لِقَبُولِهِ لِلتَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْقَاطِعِ (وَ) يَقْدَحُ فِي (الْمُسْتَنْبَطَةِ) أَيْضًا (إلَّا) أَنْ يَكُونَ التَّخَلُّفُ (لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ) لِلْحُكْمِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهَا وَقَالَ الْآمِدِيُّ إنْ كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ أَوْ فِي مِعْرَضِ الِاسْتِثْنَاءِ مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً (أَوْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِمَا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ لَمْ يَقْدَحْ) ، وَإِلَّا قَدَحَ إلَّا فِي الْمَنْصُوصَةِ بِمَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَيُؤَوَّلُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِمَا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ لَمْ يَقْدَحْ هُوَ لَازِمُ قَوْلِهِ فِيهَا إنْ كَانَ التَّخَلُّفُ لِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فَالظَّنِّيُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ أَوْ قَطْعِيٍّ فَتَعَارُضُ قَطْعِيَّيْنِ مُحَالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقْدَحُ بِالتَّخَلُّفِ حِينَئِذٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَأَمَّا الْحَاظِرَةُ فَكَمَا لَوْ قِيلَ: تَحْرُمُ الْمُفَاضَلَةُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ لِلْكَيْلِ فَإِذَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فِي صُورَةٍ كَالْبِرْسِيمِ مَثَلًا تَأَتَّيْ الْقَدْحُ حِينَئِذٍ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. (قَوْلُهُ: بِظَاهِرٍ عَامٍّ) كَحَدِيثِ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ رِبًا» وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَاطِعِ أَيْ كَمَا لَوْ قِيلَ: إنَّ كُلَّ مَطْعُومٍ رِبَوِيٌّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْ وَبِخِلَافِ الظَّاهِرِ الْخَاصُّ بِمَحَلِّ النَّقْضِ أَوْ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ عَمَّ الْقَاطِعُ الْمَحَالَّ أَمْ اخْتَصَّ بِمَحَلِّ النَّقْضِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَيَقْدَحُ النَّقْضُ حِينَئِذٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا ثَبَتَتْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا نَقْضَ لِاسْتِحَالَةِ التَّخَلُّفِ فِي الْقَاطِعِ الْعَامِّ، وَفِي الْخَاصِّ، وَلَوْ ظَاهِرًا بِمَحَلِّ النَّقْضِ وَعَدَمِ التَّعَارُضِ فِي الْخَاصِّ بِغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا قَدْحَ فِي الْمَنْصُوصَةِ مُطْلَقًا كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ حَتَّى الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَدْحَ عَلَى هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ بِلَا مَانِعٍ أَوْ فَقْدٍ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَلِي بِهِمْ أُسْوَةٌ اهـ. وَقَالَ النَّجَّارِيُّ لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَةُ الْقَاطِعِ سَوَاءٌ كَانَ خَاصًّا بِمَحَلِّ النَّقْضِ أَوْ عَامًّا لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْمَحَالِّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ نَسْخُهُ بِدَلِيلٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: مِعْرَضِ الِاسْتِثْنَاءِ) كَتَخَلُّفِ حُكْمِ الرِّبَا فِي الْعَرَايَا مَعَ وُجُودِ عِلَّةِ الرِّبَا فِيهَا وَهِيَ الطَّعْمُ وَمِعْرَضُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ كَمِبْضَعٍ (قَوْلُهُ: مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً) أَيْ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِمَا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ بِمَا أَيْ بِنَصٍّ (قَوْلُهُ: وَالْقَدْحُ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّخَلُّفُ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً بِمَا ذُكِرَ بَلْ كَانَ التَّخَلُّفُ لِغَيْرِهَا وَكَانَتْ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً أَوْ مَنْصُوصَةً بِمَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَافْهَمْ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْمَنْصُوصَةِ بِمَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ) فِيهِ إشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْآمِدِيِّ بِمَا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ مُنْتَقَدٌ (قَوْلُهُ: فَيُؤَوَّلُ) أَيْ النَّصُّ، وَقَوْلُهُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَيْ دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَدَلِيلِ التَّخَلُّفِ (قَوْلُهُ: لَازِمُ قَوْلِهِ) أَيْ الْآمِدِيِّ فِيهَا أَيْ فِي الْمَنْصُوصَةِ وَوَجْهُ لُزُومِهِ أَنَّ الْقَدْحَ فَرْعُ التَّعَارُضِ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْقَدْحِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْآمِدِيِّ تَمَامُ عَشْرَةِ أَقْوَالٍ مَحْكِيَّةٍ فِي الْقَدْحِ قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ، وَفِي النَّجَّارِيِّ أَنَّ مُحَصَّلَ عِبَارَةِ

قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا (وَالْخِلَافُ) فِي الْقَدْحِ (مَعْنَوِيٌّ لَا لَفْظِيٌّ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ) فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ إنْ فُسِّرَتْ بِمَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ وُجُودَ الْحُكْمِ، وَهُوَ مَعْنَى الْمُؤَثِّرِ فَالتَّخَلُّفُ قَادِحٌ، أَوْ بِالْبَاعِثِ وَكَذَا بِالْمُعَرِّفِ فَلَا (وَمِنْ فُرُوعِهِ) أَيْ فُرُوعِ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ (التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ) فَيَمْتَنِعُ إنْ قَدَحَ التَّخَلُّفُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا التَّفْرِيعُ نَشَأَ عَنْ سَهْوٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْكَلَامُ فِي عَكْسِ ذَلِكَ (وَالِانْقِطَاعُ) لِلْمُسْتَدِلِّ فَيَحْصُلُ إنْ قَدَحَ التَّخَلُّفُ، وَإِلَّا فَلَا وَيُسْمَعُ قَوْلُهُ أَرَدْتُ الْعِلِّيَّةَ فِي غَيْرِ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّخَلُّفُ (وَانْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ بِمَفْسَدَةٍ) فَيَحْصُلُ إنْ قَدَحَ التَّخَلُّفُ، وَإِلَّا فَلَا وَلَكِنْ يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ (وَغَيْرُهَا) بِالرَّفْعِ أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الْمَذْكُورَاتِ كَتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآمِدِيِّ فِيهَا أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَنْصُوصَةِ بِمَا ذُكِرَ لَا يُمْكِنُ إذْ التَّخَلُّفُ لَوْ فُرِضَ فَإِمَّا بِظَنِّيٍّ، وَلَا يُمْكِنُ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ لِلْقَطْعِيِّ وَإِمَّا بِقَطْعِيٍّ، وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ لِاسْتِلْزَامِ تَعَارُضِ قَطْعِيَّيْنِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْقَدْحِ فِي الْمَنْصُوصَةِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ وُجُودِ الْقَادِحِ، وَهُوَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ مِنْ أَصْلِهِ إذْ السَّالِبَةُ تَصْدُقُ بِعَدَمِ الْمَوْضُوعِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْآمِدِيِّ وَأَنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْآمِدِيِّ نَفْسِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِحْكَامِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ فِي الْقَدْحِ) أَيْ بِأَقْوَالِهِ التِّسْعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: فِي تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ بِدُونِهَا فَعَلَى مَنْعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ يَمْتَنِعُ لِوُجُودِ الْحُكْمِ بِدُونِ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْجَوَازِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا إذَا تَخَلَّفَتْ خَلَفَهَا عِلَّةٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَدْحَ فِي تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ فَرْعٌ عَنْ امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ لَا عَكْسُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْمَتْنِ وَتَقْرِيرُ الشَّارِحِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَيُسْمَعُ قَوْلُهُ) عَطْفٌ عَلَى لَا مَعَ الْمُقَدَّرِ بَعْدَهَا أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدَحْ التَّخَلُّفُ فَلَا يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ، وَيُسْمَعُ قَوْلُهُ أَرَدْتُ إلَخْ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَانْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالْمُسَافِرِ الَّذِي لَهُ طَرِيقَانِ، وَيَسْلُكُ الْبَعِيدَ لَا لِغَرَضٍ غَيْرِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ فَقَدْ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ، وَهُوَ جَوَازُ التَّرَخُّصِ عَنْ الْعِلَّةِ، وَهُوَ السَّفَرُ فَيَحْصُلُ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ إنْ قَدَحَ التَّخَلُّفُ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ، وَهُوَ السَّفَرُ عُورِضَ بِمَفْسَدَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْقَرِيبِ لَا لِغَرَضٍ غَيْرِ الْقَصْرِ، وَإِلَّا يَقْدَحُ التَّخَلُّفُ فَلَا يَحْصُلُ الِانْخِرَامُ لَكِنْ يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْمَفْسَدَةُ. (قَوْلُهُ: فَيَحْصُلُ) أَيْ الِانْخِرَامُ إنْ قَدَّمَ التَّخَلُّفَ أَيْ إنْ قُلْنَا: النَّقْضُ قَادِحٌ فَتَبْطُلُ بِهِ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَإِنْ، قُلْنَا: إنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُنَاسَبَةُ وَلَكِنْ يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْمَفْسَدَةُ إذْ لَا عَمَلَ لِلْمُقْتَضِي مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. وَقَوْلُهُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْمَانِعِ الْمَفْسَدَةُ، وَهِيَ إنَّمَا تُوجَدُ بِوُجُودِ الْحُكْمِ فَلَيْسَتْ مَعَ عَدَمِهِ مَوْجُودَةً وَوُجُودُهَا عِلَّةٌ لِانْتِفَائِهِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِوُجُودِهَا مَانِعَةً بَلْ مِنْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ بِسَبَبِ الْمَفْسَدَةِ الْمُقَاوِمَةِ لَهَا اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: بِالرَّفْعِ) بَيَّنَ إعْرَابَهُ لِئَلَّا

فَيَمْتَنِعُ إنْ قَدَحَ التَّخَلُّفُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَجَوَابُهُ) أَيْ التَّخَلُّفِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَادِحٌ (مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ) فِيمَا اُعْتُرِضَ بِهِ (أَوْ) مَنْعُ (انْتِفَاءِ الْحُكْمِ) عَنْ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَكُنْ انْتِفَاؤُهُ مَذْهَبَ الْمُسْتَدِلِّ) ، وَإِلَّا فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ بِمَنْعِهِ (وَعِنْدَ مَنْ يَرَى الْمَوَانِعَ) أَيْ يَعْتَبِرُهَا بِالنَّفْيِ فِي قَدْحِ التَّخَلُّفِ حَتَّى إذَا وُجِدَتْ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَقْدَحُ عِنْدَهُ (بَيَانُهَا) فَيَحْصُلُ الْجَوَابُ عَلَى رَأْيِهِ بِبَيَانِهَا أَوْ بَيَانِ وَاحِدٍ مِنْهَا. (وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ) بِالتَّخَلُّفِ (الِاسْتِدْلَال عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ) فِيمَا اُعْتُرِضَ (بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ النُّظَّارِ، وَلَوْ بَعْدَ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ وُجُودَهَا (لِلِانْتِقَالِ) مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ الْمُؤَدِّي إلَى الِانْتِشَارِ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِيَتِمَّ مَطْلُوبُهُ مِنْ إبْطَالِهِ الْعِلَّةِ (وَقَالَ الْآمِدِيُّ) لَهُ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ أَوْلَى) مِنْ التَّخَلُّفِ (بِالْقَدْحِ) فَإِنْ كَانَ فَلَا، وَلَوْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِهِ لَهُ لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ نَفْيِهَا أَيْ إيقَاعِهِ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ وَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَوَهَّمَ أَنَّهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَفْسَدَةٍ بَلْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ إنْ قَدَحَ التَّخَلُّفُ، وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ الْقَدْحَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْعِلِّيَّةِ وَالتَّخْصِيصُ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهَا (قَوْلُهُ: مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ) يَعْنِي أَنَّ الْفَرْعَ الَّذِي ادَّعَى الْمُعْتَرِضُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِيهِ وَتَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْهُ يَمْنَعُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِيهِ فَلَا تَخَلُّفَ فِيهِ لِلْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَمِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ: النَّبَّاشُ آخِذٌ لِلنِّصَابِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ عُدْوَانًا فَهُوَ سَارِقٌ يَسْتَحِقُّ الْقَطْعَ فَإِنْ اعْتَرَضَ الْخَصْمُ بِمَا إذَا سَرَقَ الْكُتُبَ مِنْ مَقْبَرَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَلَا يُقْطَعُ فِي الْأَصَحِّ فَجَوَابُهُ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْعُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ) مِثَالُهُ قَوْلُنَا: السَّلَمُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْجِيلُ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَالًّا فَإِنْ اعْتَرَضَ الْخَصْمُ بِالْإِجَارَةِ لِكَوْنِهَا عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ، وَالتَّأْجِيلُ شَرْطٌ فِيهَا فَجَوَابُهُ مَنْعُ انْتِفَاءٍ الْحُكْمِ، وَهُوَ شَرْطُ التَّأْجِيلِ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَجَلِ فِيهَا لَيْسَ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ بَلْ لِيَسْتَقِرَّ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مَنْ يَرَى الْمَوَانِعَ) مَانِعَةً مِنْ الْقَدْحِ بِأَنْ يَرَى أَنَّ التَّخَلُّفَ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ لَا يَكُونُ قَادِحًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَادِحًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَانِعٍ، وَهَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ أَيْ يَعْتَبِرُهَا بِالنَّفْيِ فِي قَدْحِ التَّخَلُّفِ أَيْ يَعْتَبِرُ انْتِفَاءَهَا فِي كَوْنِ التَّخَلُّفِ قَادِحًا وَكَالْمَوَانِعِ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ الْجَوَابُ بِبَيَانِ انْتِفَائِهِ وَقَوْلُهُ بَيَانُهَا قَالَ الْكَمَالُ وَتَبِعَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ التَّقْدِيرُ، وَجَوَابُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْمَوَانِعَ بَيَانُهَا أَيْ الْمَوَانِعِ وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا اهـ. قُلْت لَا يُتَّجَهُ تَعَيُّنُ ذَلِكَ وَلَا الِاحْتِجَاجُ إلَيْهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ الدَّاخِلَةِ عَلَى عِنْدَ مَنْ يَرَى عَلَى مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ خَبَرًا عَنْ الْمُبْتَدَأِ الْمَذْكُورِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْقَيْدِ أَعْنِي عِنْدَ مَنْ يَرَى، وَإِنَّمَا قَدَّمَ هَذَا الْقَيْدَ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ رُجُوعِهِ لِلْجَمِيعِ لَوْ أَخَّرَهُ بِأَنْ قَالَ، وَبَيَانُ الْمَوَانِعِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لِئَلَّا يَقْوَى ذَلِكَ الْإِيهَامُ اهـ. سم (قَوْلُهُ: أَيْ يَعْتَبِرُهَا بِالنَّفْيِ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُجْعَلُ نَفْيُهَا مُؤَثِّرًا فِي الْقَدْحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْحُكْمِ فِي الْمَحَلِّ الْمُعْتَرَضِ بِهِ مَوْجُودًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ التَّخَلُّفُ قَادِحًا (قَوْلُهُ: بِبَيَانِهَا) إنَّمَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَوْ بَيَانِ الْمَوَانِعِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا لِئَلَّا يُوهِمَ عَطْفُهُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ مِثَالُ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ كَالْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ فَإِنْ نُقِضَ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ تَخَلَّفَ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ، فَجَوَابُهُ أَنَّ التَّخَلُّفَ لِمَانِعٍ، وَهُوَ كَوْنُ الْأَبِ سَبَبًا لِإِيجَادِ ابْنِهِ فَلَا يَكُونُ ابْنُهُ سَبَبًا لِإِعْدَامِ أَبِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى تَخَلُّفِ الْحُكْمِ مُتَعَلِّقَانِ بِالْجَوَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَهُمَا مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ أَوْ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ الْآتِي، وَلَيْسَ لَهُ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَوَابِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: الْمُؤَدِّي) صِفَةٌ لِلِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ: أَوْلَى) أَيْ أَوْلَى بِالْقَدْحِ بِهِ (قَوْلُهُ: سَلِمَ مِنْ إيهَامِ نَفْيِهَا) أَيْ لَفْظَةُ لَهُ إذْ يُتَوَهَّمُ مِنْ إسْقَاطِهَا أَنَّ قَوْلَهُ مَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ قَيْدٌ فِي النَّفْيِ إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي

مَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَيْ بِأَنْ كَانَ عَقْلِيًّا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ قَالَ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّخَلُّفَ فِي الْقَطْعِيِّ قَادِحٌ بِخِلَافِ الشَّرْعِيِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لِوُجُودِ مَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ (وَلَوْ دَلَّ) الْمُسْتَدِلُّ (عَلَى وُجُودِهَا) فِيمَا عَلَّلَهُ بِهَا (بِمُوجِدٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَهَا) فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ. (فَقَالَ) لَهُ الْمُعْتَرِضُ (يُنْتَقَضُ دَلِيلُك) عَلَى الْعِلَّةِ حَيْثُ وُجِدَ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ دُونَهَا عَلَى مُقْتَضَى مُنْفَكِّ وُجُودِهَا فِيهِ (فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ) قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ (لِانْتِقَالِهِ مِنْ نَقْضِ الْعِلَّةِ إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا) وَالِانْتِقَالُ مُمْتَنِعٌ وَأَشَارَ بِالصَّوَابِ إلَى دَفْعِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ السَّمَاعِ نَظَرٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَدْحَ فِي الدَّلِيلِ قَدْحٌ فِي الْمَدْلُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ خِلَافُ الْفَرْضِ الْمَقْصُودِ إذْ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا قَيْدٌ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَكَأَنَّ وَجْهَ صِحَّةِ تَرْكِهَا الِاتِّكَالُ عَلَى الْمَعْنَى فَإِنَّ مُلَاحَظَتَهُ تُرْشِدُ إلَى الْمَقْصُودِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْأَوْلَى وَالْجَوَازِ بِوُجُودِهِ بَلْ لَا مَعْنَى إلَّا لِلْعَكْسِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ شَرْعًا إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ) صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي يَكُنْ إلَى الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لَا إلَى مَا يُعَلَّلُ بِهِ إذْ لَوْ بَنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ لِغَيْرِهِ كَصَاحِبِ الْمُقْتَرَحِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَرَوِيِّ بِمُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ أَيْ مَا يُعَلَّلُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيِّ وُجُوبَ الْمَضْمَضَةِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِأَنَّ الْفَمَ مَحَلٌّ يَجِبُ غَسْلُهُ عَنْ الْخَبَثِ فَيَجِبُ عَنْهَا فَإِذَا نُقِضَ بِالْعَيْنِ فَلِلْمُسْتَدِلِّ مَنْعُ وُجُوبِ غَسْلِهَا عَنْ الْخَبَثِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ أَمَّا إذَا كَانَ مَا يُعَلَّلُ بِهِ أَمْرًا حَقِيقِيًّا فَلَهُ ذَلِكَ كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيِّ عَدَمَ الْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ بِالْعَقْدِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَا يَمْلِكُ عِوَضَهَا بِالْعَقْدِ كَالْمُضَارَبَةِ فَإِنْ نُقِضَ بِالنِّكَاحِ مُنِعَ وُرُودُهُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ إثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُقْتَرَحُ اسْمُ الْكِتَابِ هَكَذَا الْمُقْتَرَحُ فِي الْمُصْطَلَحِ كِتَابُ فِي عِلْمِ الْجَدَلِ وَمُؤَلِّفُهُ الْمَذْكُورُ فَقِيهٌ شَافِعِيٌّ، وَقَدْ شَرَحَ هَذَا الْكِتَابَ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مُظَفَّرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ شَرْحًا مُسْتَوْفًى وَعُرِفَ بِهِ وَاشْتُهِرَ بِاسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُهُ وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ كُبْرَاهُ قَالَ الْمُقْتَرَحُ مُرَادًا بِهِ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ بِالْبَاءِ لَا بِالْمِيمِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ حَوَاشِي الْكُبْرَى. (قَوْلُهُ: فِي الْقَطْعِيِّ) أَيْ الْعَقْلِيِّ لِمُقَابَلَتِهِ بِالشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ) أَيْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: قَادِحٌ) أَيْ فَيُمْكِنُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ) أَيْ التَّخَلُّفُ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ مَانِعٍ إلَخْ) أَيْ وَالتَّخَلُّفُ لِذَلِكَ لَيْسَ بِقَادِحٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَلَّ) أَيْ اسْتَدَلَّ وَقَوْلُهُ فِيمَا عَلَّلَهُ بِهِ أَيْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي عَلَّلَهُ أَيْ عَلَّلَ حُكْمَهُ بِهَا (قَوْلُهُ: بِمَوْجُودٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ (قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ النَّقْض) ، وَهُوَ التُّفَّاحُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَهَا إلَخْ) كَأَنْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْبُرِّ مَطْعُومًا بِدَلِيلٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ يُدَارُ فِي الْفَمِ وَيُمْضَغُ فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَرِضُ مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ يُنْتَقَضُ بِالتُّفَّاحِ فَإِنَّهُ مَطْعُومٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فَقَالَ الْمُسْتَدِلُّ: لَا أُسَلِّمُ كَوْنَ التُّفَّاحِ مَطْعُومًا. فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْت مِنْ الدَّلِيلِ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي التُّفَّاحِ فَحِينَئِذٍ يُنْتَقَضُ دَلِيلُك وَمَثَّلَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ بِأَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ قَبْلِ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ وَيَسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ فَيَنْقُضُهُ الشَّافِعِيُّ بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهَا لَا تَكْفِي فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَيَمْنَعُ الْحَنَفِيُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ مَا أَقَمْته دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ دَالٌّ عَلَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ النَّقْضِ. (قَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ إلَخْ) قَالَ الْعَضُدُ هَذَا إذَا ادَّعَى انْتِقَاضَ دَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ مُعَيَّنًا، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ يَلْزَمُ إمَّا انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ انْتِقَاضُ دَلِيلِهَا، وَكَيْفَ كَانَ فَلَا تَثْبُتُ الْعِلِّيَّةُ إنْ كَانَ مَسْمُوعًا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ فِيهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: قَدْحٌ فِي الْمَدْلُولِ) لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهِ بُطْلَانُ الْمَدْلُولِ لِظُهُورِ فَسَادِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحْوِجٌ إلَى الِانْتِقَالِ إلَى إثْبَاتِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَإِلَّا كَانَ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.

فَلَا يَكُونُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ مُمْتَنِعًا (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ (الِاسْتِدْلَال عَلَى تَخَلُّفِ الْحُكْمِ) فِيمَا اُعْتُرِضَ بِهِ، وَلَوْ بَعْدَ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ تَخَلُّفَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ الْمُؤَدِّي إلَى الِانْتِشَارِ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِيَتِمَّ مَطْلُوبُهُ مِنْ إبْطَالِ الْعِلَّةِ (وَثَالِثُهَا) لَهُ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ أَوْلَى) مِنْ التَّخَلُّفِ بِالْقَدْحِ فَإِنْ كَانَ فَلَا (وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّخَلُّفِ بِأَنْ يَذْكُرَ فِي الدَّلِيلِ مَا يَخْرُجُ مَحَلُّهُ لِيَسْلَمَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ (عَلَى الْمُنَاظِرِ مُطْلَقًا وَعَلَى النَّاظِرِ) لِنَفْسِهِ (إلَّا فِيمَا اشْتَهَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ) كَالْعَرَايَا (فَصَارَ كَالْمَذْكُورِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (وَقِيلَ يَجِبُ) عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (مُطْلَقًا) وَلَيْسَ غَيْرُ الْمَذْكُورِ كَالْمَذْكُورِ (وَقِيلَ) يَجِبُ عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (إلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ مُطْلَقًا) أَيْ مَشْهُورَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَشْهُورَةٍ فَلَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ (وَدَعْوَى صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ) بِالْإِثْبَاتِ أَيْ إثْبَاتِهَا (أَوْ نَفْيِهَا يُنْتَقَضُ بِالْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ الْعَامَّيْنِ) بَدَأَ بِالْإِثْبَاتِ الرَّاجِعِ إلَى النَّفْيِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ طَبْعًا (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ الْإِثْبَاتِ الْعَامِّ فَيُنْتَقَضُ بِصُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ مُمْتَنِعًا) أَيْ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِمَّا كَانَ فِيهِ لِمَا بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ مِنْ الِارْتِبَاطِ فَكَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِدْلَال إلَخْ) أَيْ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ الِانْتِقَالِ) أَيْ مِنْ مَنْعِ الِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا إلَخْ) أَيْ وَثَانِيهَا لَهُ ذَلِكَ لِيَتِمَّ مَطْلُوبُهُ مِنْ إبْطَالِ الْعِلَّةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ هُمَامٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ اهـ. خَالِدٌ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ) أَيْ قَادِحٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فَلَا) كَأَنْ عَلَّلَ الرِّبَوِيَّةَ بِالْكَيْلِ فَيُعْتَرَضُ بِالتَّخَلُّفِ فِي الْبِرْسِيمِ، فَهَذَا التَّخَلُّفُ قَادِحٌ فِي الْعِلَّةِ وَلَكِنْ وُجِدَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْقَدْحِ، وَهُوَ حَدِيثُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ الِاسْتِدْلَال (قَوْلُهُ: فِي الدَّلِيلِ) أَيْ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُنَاظِرِ مُطْلَقًا) أَيْ اُشْتُهِرَ أَوْ لَا، وَالْمُنَاظِرُ مُقَلِّدٌ يَسْتَدِلُّ لِإِمَامِهِ وَيَذُبُّ عَنْ مَذْهَبِهِ وَيُسَمَّى جَدَلِيًّا وَخِلَافِيًّا وَالنَّاظِرُ لِنَفْسِهِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ النَّاظِرِ لِنَفْسِهِ نَجَّارِيٌّ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ مُنَاظِرًا كَانَ أَوْ نَاظِرًا لِنَفْسِهِ لِيُوَافِقَ مَا فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ فَيَكُونُ الرَّاجِحُ مُفَصِّلًا بَيْنَ الْمُنَاظِرِ وَالنَّاظِرِ، وَالْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ بَعْدَهُ عَامَّانِ فِيهِمَا، وَإِنْ قُيِّدَا بِأَمْرٍ آخَرَ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ أَنَّهُمَا فِي النَّاظِرِ فَقَطْ كَالْعَرَايَا أَيْ وَالْمُصَرَّاةِ وَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ التَّخَلُّفِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: بِالْإِثْبَاتِ) الْبَاءِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ دَعْوَى صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ مُلْتَبِسَةٍ بِالْإِثْبَاتِ وَبَيَّنَ بِهَذَا الْكَلَامِ مَا يُتَّجَهُ مِنْ النُّقُوضِ وَيَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَمَانِ صُوَرٍ وَلِأَنَّ دَعْوَى الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ فِي صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ أَوْ جَمِيعِ الصُّوَرِ هُوَ الْمُفَادُ بِقَوْلِهِ وَبِالْعَكْسِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا فَالْمُدَّعَى إمَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيُهُ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فِي الثَّالِثَةِ فَالنَّقْضُ إمَّا بِصُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ (قَوْلُهُ: أَيْ إثْبَاتُهَا) أَيْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِيهَا، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ بِالرَّفْعِ تَفْسِيرُ دَعْوَى، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ أَوْ نَفْيُهَا، وَمُحَصَّلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمَنَاطِقَةُ فِي بَابِ التَّنَاقُضِ مِنْ أَنَّ نَقِيضَ الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَنَقِيضَ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ، وَقَدْ وَضَّحَ الشَّارِحُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْعَامَّيْنِ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّنَاقُضِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْكَيْفِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا وَمَا وَقَعَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ السُّلَّمِ تَنَاقُضٌ خَلَفَ الْقَضِيَّتَيْنِ فِي كَيْفَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْكَيْفِ تَسَاهُلٌ مِنْهُ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي هَذَا الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ طَبْعًا) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ أَنَّهُ لَا ثُبُوتَ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَقُّلِ ثُبُوتِهِ فَانْدَفَعَ بَحْثُ النَّاصِرِ بِأَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ مُتَوَارِدَانِ عَلَى النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ لَا تَقَدُّمَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى

نَحْوُ زَيْدٌ كَاتِبٌ أَوْ إنْسَانٌ مَا كَاتِبٌ يُنَاقِضُهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٍ، وَنَحْوُ زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ أَوْ إنْسَانٌ مَا لَيْسَ بِكَاتِبٍ يُنَاقِضُهُ كُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (الْكَسْرُ) هُوَ (قَادِحٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضُ الْمَعْنَى) أَيْ الْمُعَلَّلِ بِهِ بِإِلْغَاءِ بَعْضِهِ كَمَا قَالَ (وَهُوَ إسْقَاطُ وَصْفٍ مِنْ الْعِلَّةِ) أَيْ بِأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ مَلْغِيٌّ بِوُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ وَصَرَّحَ بِقَادِحٍ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ الْجَارُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرِ. (قَوْلُهُ: فَنَحْوُ: زَيْدٌ كَاتِبٌ أَوْ إنْسَانٌ كَاتِبٌ) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَدَعْوَى صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ أَيْ بِالْإِثْبَاتِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ وَنَحْوُ زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ أَوْ إنْسَانٌ مَا لَيْسَ بِكَاتِبٍ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ نَفْيِهَا (قَوْلُهُ: يُنَاقِضُهُ كُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ تُنَاقِضُ السَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ وَالْمُهْمَلَةُ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَلَمْ يُمَثِّلْ لِلْعَكْسِ لِوُضُوحِهِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: الْكَسْرُ) وَيُسَمَّى النَّقْضُ الْمَكْسُورُ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُرَكَّبِ مِنْ جُزْأَيْنِ أَحَدُهُمَا مَلْغِيٌّ وَالْآخَرُ مَنْقُوضٌ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْحٌ فِي تَمَامِ الْعِلَّةِ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَفِي جُزْئِهَا بِالنَّقْضِ قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ إلَخْ) أَيْ مَآلُهُ إلَى النَّقْضِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ لَيْسَ نَقْضًا (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُعَلَّلُ بِهِ) فَسَّرَ الْمَعْنَى بِالْمُعَلَّلِ بِهِ مَعَ أَنَّ الْأَقْرَبَ تَفْسِيرُهُ بِالْحِكْمَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذْ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضُ الْمَعْنَى رَاجِعٌ لِلْكَسْرِ فَإِذَا فَسَّرَهُ مَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ إسْقَاطُ وَصْفٍ مِنْ الْعِلَّةِ تَعَيَّنَ أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْنَى الْعِلَّةُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِنَقْضِهِ إلْغَاءُ بَعْضِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ أَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى لَفْظِ الْمَعْنَى أَنَّهُ الْحِكْمَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ إسْقَاطُ وَصْفٍ مِنْ الْعِلَّةِ) أَيْ وَنَقَضَ بَاقِيهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ ثُمَّ يُنْقَضُ إلَى أَخْذِهِ فَفِي التَّعْرِيفِ حَذْفٌ لِقَرِينَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرْضِيٍّ لَا سِيَّمَا مَعَ انْفِصَالِ الْقَرِينَةِ وَتَأَخُّرِهَا وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَحَاشَا عَنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي التَّعَارِيفِ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُ نَظَائِرُ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ أَمَّا مَعَ إبْطَالِ إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ، وَفِي ضِمْنِهِ التَّمْثِيلُ، وَهُوَ أَشَدُّ بُعْدًا مِمَّا قَبْلَهُ لِوُجُودِ حَرْفِ التَّفْصِيلِ الْمُنَافِي لِلتَّعْرِيفِ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ مَعْنَى الْكَسْرِ مَا ذُكِرَ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْقَدْحِ بِالتَّخَلُّفِ، وَلَكِنَّهُ يَنْفَرِدُ عَنْهُ بِأَنَّ الْقَدْحَ بِهِ تَمَّ ابْتِدَاءً، وَهُنَا إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ الْإِلْغَاءِ مَعَ الْإِبْدَالِ أَوْ بِدُونِهِ فَذِكْرُ الْمُصَنِّفُ إيَّاهُ اسْتِقْلَالٌ مَعَ اسْتِفَادَةِ الْقَدْحِ بِهِ مِمَّا سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ تَخَلُّفٌ مَعَ زِيَادَةٍ وَإِفَادَةُ تَسْمِيَتِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِيَتَعَلَّقَ بِهِ الْجَارُّ إلَخْ)

وَالْمَجْرُورُ وَقَوْلُهُ (إمَّا مَعَ إبْدَالِهِ) أَيْ الْإِتْيَانُ بَدَلَ الْوَصْفِ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا الْمَعْلُومُ مِنْ ذِكْرِ مُقَابِلِهِ بَيَانٌ لِصُورَتَيْ الْكَسْرِ (كَمَا يُقَالُ فِي) إثْبَاتِ صَلَاةِ (الْخَوْفِ) هِيَ (صَلَاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا) لَوْ لَمْ تُفْعَلْ (فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا كَالْأَمْنِ) فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا لَوْ لَمْ تُفْعَلْ يَجِبُ أَدَاؤُهَا (فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ خُصُوصَ الصَّلَاةِ مَلْغِيٌّ) وَيُبَيَّنُ بِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبُ الْأَدَاءِ كَالْقَضَاءِ (فَلْيُبَدِّلْ) خُصُوصَ الصَّلَاةِ (بِالْعِبَادَةِ) لِيَنْدَفِعَ الِاعْتِرَاضُ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ عِبَادَةٌ إلَخْ (ثُمَّ يُنْقَضُ) هَذَا الْمَقُولُ (بِصَوْمِ الْحَائِضِ) فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا بَلْ يَحْرُمُ (أَوْ لَا يُبَدِّلُ) خُصُوصَ الصَّلَاةِ (فَلَا يَبْقَى) عِلَّةٌ لِلْمُسْتَدِلِّ (إلَّا) قَوْلُهُ (يَجِبُ قَضَاؤُهَا) فَيُقَالُ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ يُؤَدَّى، دَلِيلُهُ الْحَائِضُ) فَإِنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ أَدَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ عَرَّفَ الْبَيْضَاوِيُّ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ أَحَدِ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَنَقْضِ الْآخَرِ، وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِصُورَتَيْهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ بِالنَّقْضِ الْمَكْسُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ أَنَّ لِذِكْرِهِ فَائِدَةً مَعَ ذَلِكَ وَهِيَ دَفْعُ إيهَامِ تَعَلُّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بِالْكَسْرِ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ عَدَمُ التَّصْرِيحِ وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ مِنْهَا كَذَا وَقَوْلُ سم إنَّمَا صَرَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ كَوْنُهُ مِنْ الْقَوَادِحِ لَا لِكَوْنِهِ قَادِحًا، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ قَادِحًا إلَّا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَاصِلِ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بَيِّنٌ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ إمَّا إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بَيَانٌ لِصُورَتَيْ الْكَسْرِ (قَوْلُهُ: الْمَعْلُومُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ لَا مَعَ إبْدَالِهِ وَفِي سم أَنَّ الْمُتَبَادَرَ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ إبْدَالُهُ إلَخْ بِقَوْلِهِ إسْقَاطٍ وَذَلِكَ لَا يُوَافِقُ الرَّفْعَ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ الْمَعْلُومُ مَثَلًا وَطَرِيقُ الْقَدْحِ بِهِ أَنْ يُقَالَ لِلْمُسْتَدِلِّ: إنْ عَنَيْتَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَجْمُوعُ لَمْ يَصِحَّ لِإِلْغَاءِ الْوَصْفِ الْفُلَانِيِّ، وَإِنْ عَنَيْت أَنَّ الْعِلَّةَ مَا سِوَى الْمَلْغِيِّ لَمْ يَصِحَّ لِلنَّقْضِ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ الْمَعْلُومُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ مَا لِلتَّقْسِيمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَعَدُّدِ الْأَقْسَامِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قِسْمَانِ فَأَكْثَرُ، وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا قِسْمًا وَاحِدًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْقِسْمَ الثَّانِي لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ مُقَابِلِهِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: كَمَا يُقَالُ فِي الْخَوْفِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافَاتٍ أَرْبَعٍ أَيْ فِي إثْبَاتِ وُجُوبِ أَدَاءِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَالْمَقِيسُ صَلَاةُ الْخَوْفِ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْأَمْنِ وَالْحُكْمُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَالْعِلَّةُ الْمُرَكَّبَةُ هِيَ قَوْلُهُ صَلَاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا (قَوْلُهُ: خُصُوصَ الصَّلَاةِ) أَيْ الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ كَالْأَمْنِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَمْنِ هِيَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ لَا الْأَمْنُ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبُ الْأَدَاءِ كَالْقَضَاءِ) نَظَرَ فِيهِ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْحَجَّ الْمُتَطَوَّعَ بِهِ إذَا أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِ أَدَائِهِ. وَأَجَابَ الْبُدَخْشِيُّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَدَاءُ حَجِّ التَّطَوُّعِ بَلْ يَجِبُ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ عِبَادَةٍ يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ نَعَمْ لَوْ قِيلَ: الْمِثَالُ مِنْ أَصْلِهِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لَكَانَ وَجِيهًا؛ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى النَّقْضُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ إلْغَاءَ خُصُوصِيَّةِ الصَّلَاةِ بِصَلَاةِ النَّائِمِ فَإِنَّهَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا، وَلَوْ دُفِعَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مِنْ شَأْنِهَا الْوُجُوبُ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يَتَأَتَّ النَّقْضُ بِصَوْمِ الْحَائِضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا مِنْ شَأْنِهَا الْوُجُوبُ لَوْلَا الْمَانِعُ الْعَقْلِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَبْقَى إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ وَطَرِيقُ الْقَدْحِ بِالْكَسْرِ أَنْ يُقَالَ لِلْمُسْتَدِلِّ إنْ عَنَيْت أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَجْمُوعُ لَمْ يَصِحَّ لِإِلْغَاءِ وَصْفِ كَذَا، وَإِنْ عَنَيْت أَنَّ الْعِلَّةَ مَا سِوَى الْوَصْفِ الْمَلْغِيِّ لَمْ يَصِحَّ لِلنَّقْضِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيُقَالُ عَلَيْهِ) أَيْ نَقْضًا فَلَيْسَ الْكَسْرُ مُجَرَّدَ الْإِسْقَاطِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كُلُّ مَا إلَخْ) بَيَانٌ لِلنَّقْضِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ عَرَّفَ الْبَيْضَاوِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ هَكَذَا: هُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ وَنَقْضُ الْآخَرِ وَالْغَرَضُ مِنْ نَقْلِ هَذَا بَيَانُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَالْإِمَامُ وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي إنَّ غَرَضَ الشَّارِحِ مِنْ نَقْلِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ خَلَلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ نَقْضَ الْجُزْءِ الْآخَرِ فَتَعْرِيفُهُ غَيْرُ جَامِعِ ذُهُولٌ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى ظَاهِرِ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ وَبَعْدَمَا ذَكَرْنَا

وَعَرَّفَا الْكَسْرَ بِوُجُودِ حِكْمَةِ الْعِلَّةِ بِدُونِ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِنَقْضِ الْمَعْنَى أَيْ الْحِكْمَةِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْعِلَّةِ، وَقِيلَ يَقْدَحُ لِاعْتِرَاضِهِ الْمَقْصُودَ، مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُسَافِرٌ فَيَتَرَخَّصُ كَغَيْرِ الْعَاصِي لِحِكْمَةِ الْمَشَقَّةِ فَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِذِي الْحِرْفَةِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ كَمَنْ يَحْمِلُ الْأَثْقَالَ وَيَضْرِبُ بِالْمَعَاوِلِ فَإِنَّهُ لَا يُتَرَخَّصُ لَهُ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (الْعَكْسُ) أَيْ تَخَلُّفُهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَهُوَ) أَيْ الْعَكْسُ (انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ مُقَابِلُهُ) ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لِثُبُوتِ الْعِلَّةِ أَبَدًا الْمُسَمَّى بِالطَّرْدِ (فَأَبْلَغُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ يُدْفَعُ فَتَذَكَّرْ (قَوْلُهُ: وَعَرَّفَا الْكَسْرَ إلَخْ) عَرَّفَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا بِأَنَّهُ نَقْضُ الْمَعْنَى أَيْ الْمُعَلَّلِ بِهِ بِمَعْنَى تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ فَلِلْكَسْرِ عِنْدَهُ مَعْنَيَانِ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ عَنْ حِكْمَتِهَا وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ الْحِكْمَةُ اُحْتُرِزَ عَنْ نَقْضِ الْمَعْنَى بِمَعْنَى نَقْضِ الْعِلَّةِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لِاعْتِرَاضِهِ الْمَقْصُودَ) أَيْ مِنْ الْعِلَّةِ، وَهُوَ الْحِكْمَةُ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَخَلُّفُهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْدُودَ مِنْ الْقَوَادِحِ هُوَ تَخَلُّفُ الْعَكْسِ لَا نَفْسَ الْعَكْسِ إذْ الْعَكْسُ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فَفِي الْكَلَامِ إضْمَارٌ أَوْ مَجَازٌ وَالْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي وَتَخَلُّفُهُ قَادِحٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ:، وَهُوَ أَيْ الْعَكْسُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ شِبْهَ اسْتِخْدَامٍ حَيْثُ أَطْلَقَ

فِي الْعَكْسِيَّةِ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ مُقَابِلُهُ بِأَنْ ثَبَتَ الْحُكْمُ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَكْسٌ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ وَفِي الثَّانِي لِبَعْضِهَا (وَشَاهِدُهُ) أَيْ الْعَكْسِ فِي صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَيْ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ» ) فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ: «فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» فِي جَوَابِ) قَوْلِهِمْ (أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ) أَيْ الدَّاعِي إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي تَعْدِيدِ وُجُوهِ الْبِرِّ «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ اُسْتُنْتِجَ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ أَيْ الْوِزْرُ فِي الْوَطْءِ الْحَرَامِ انْتِفَاؤُهُ فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ الصَّادِقِ بِحُصُولِ الْأَجْرِ حَيْثُ عَدَلَ بِوَضْعِ الشَّهْوَةِ عَنْ الْحَرَامِ إلَى الْحَلَالِ وَهَذَا الِاسْتِنْتَاجُ يُسَمَّى قِيَاسَ الْعَكْسِ الْآتِي فِي الْكِتَابِ الْخَامِسِ وَبَادَرَ الْمُصَنِّفُ بِإِفَادَتِهِ هُنَا مَعَ الْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبْحَثُ فِي الْقَدْحِ بِتَخَلُّفِهِ كَمَا قَالَ (وَتَخَلُّفُهُ) أَيْ الْعَكْسُ بِأَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ بِدُونِ الْعِلَّةِ (قَادِحٌ) فِيهَا (عِنْدَ مَانِعِ عِلَّتَيْنِ) بِخِلَافِ مُجَوِّزِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ الْأُخْرَى (وَنَعْنِي بِانْتِفَائِهِ) أَيْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ (انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ) بِهِ لَا انْتِفَاءَهُ فِي نَفْسِهِ (إذْ لَا يَلْزَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَكْسَ أَوَّلًا عَلَى تَخَلُّفِهِ وَثَانِيًا عَلَى الْعَكْسِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْعَكْسِيَّةِ) أَيْ فِي حُصُولِ شَرْطِ الْعِلَّةِ مِنْ كَوْنِهَا مُنْعَكِسَةً عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ تَعَدُّدَ الْعِلَلِ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ مُقَابِلُهُ) أَيْ مِنْ عَكْسٍ لَمْ يَثْبُتْ مُقَابِلُهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ ثَبَتَ الْحُكْمُ إلَخْ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ الْمُقَابِلِ مُصَوَّرٌ بِمَا ذُكِرَ لَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَصْوِيرٌ لِلْعَكْسِ غَيْرِ الْأَبْلَغِ بِاللَّازِمِ فَيَكُونُ تَصْوِيرًا لِمَا مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا إلَخْ لَا لِلنَّفْيِ أَعْنِي لَمْ يَثْبُتْ كَمَا فَهِمَهُ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْعَكْسِ الَّذِي ثَبَتَ مَعَهُ الطَّرْدُ وَقَوْلُهُ، وَفِي الثَّانِي أَيْ، وَهُوَ مَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ (قَوْلُهُ: فِي صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ) فِيهِ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْعَكْسِ الَّذِي هُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لَا انْتِفَاءُ الْعِلَّةِ يَحْصُلُ بِأَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا بِأَنْ يُسْتَدَلَّ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِأَحَدِ جُزْأَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الِاسْتِشْهَادُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى صِحَّةِ مَا فُهِمَ مِنْ الْعَكْسِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: أَرَأَيْتُمْ) أَيْ أَخْبِرُونِي، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ قَوْلُهُ «فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ» أَيْ مِثْلُ ثُبُوتِ الْوِزْرِ لِثُبُوتِ الْوَضْعِ فِي الْحَرَامِ ثُبُوتٌ أَيْضًا الصَّادِقُ بِثُبُوتِ الْأَجْرِ لِثُبُوتِ الْوَضْعِ فِي الْحَلَالِ فِي أَنَّ كُلًّا تَرَتَّبَ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الدَّاعِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ:) فَاعِلُ الدَّاعِي قَوْلُهُ، «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ» أَيْ وَطْئِهِ أَهْلَهُ (قَوْلُهُ: اُسْتُنْتِجَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ النَّبِيُّ أَوْ الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: انْتِفَاؤُهُ فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ) لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ فَفِيهِ الِاسْتِدْلَال بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوِزْرُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْأَجْرِ لِصِدْقِ انْتِفَاءِ الْوِزْرِ بِحُصُولِهِ مَعَ اقْتِضَاءِ الْمَقَامِ بَيَانَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا انْتَفَى الْوَطْءُ الْحَرَامُ فَلَا وِزْرَ وَحِينَئِذٍ قَدْ يَثْبُتُ الْأَجْرُ اهـ. سم (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ نَعْتُ الِانْتِفَاءِ وَصَحَّ نَصْبُهُ وَرَفْعُهُ نَظَرًا لِقِرَاءَةِ اُسْتُنْتِجَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْوَطْءِ الْحَلَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَرْنِهِ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ كَأَنْ يَقْصِدَ بِالْوَطْءِ الْعُدُولَ بِوَضْعِ الشَّهْوَةِ عَنْ الْحَرَامِ إلَى الْحَلَالِ أَوْ حُصُولَ الْوَلَدِ لِتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَأَمَّا إذَا قُصِدَ اسْتِيفَاءُ اللَّذَّةِ فَلَا أَجْرَ، وَهَكَذَا كُلُّ مُبَاحٍ. (قَوْلُهُ: وَبَادَرَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) أَيْ فَاسْتَطْرَدَ أَمْرَيْنِ الْعَكْسَ وَدَلِيلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبْحَثَ لِلْقَوَادِحِ، وَالْعَكْسُ لَيْسَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَتَخَلُّفُهُ، وَلَوْ فِي صُورَةِ قَادِحٌ) أَيْ كَمَا يَقْدَحُ تَخَلُّفُ الِاطِّرَادِ إذْ شَرْطُ الْعِلَّةِ أَنْ تَكُونَ مُطَّرِدَةً مُنْعَكِسَةً كَمَا عُرِفَ فَإِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ فَهُوَ النَّقْضُ أَوْ غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ فَهُوَ تَخَلُّفُ الْعَكْسِ فَيُقْدَحُ عِنْدَ مَانِعِ عِلَّتَيْنِ دُونَ مُجَوِّزِهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لَا انْتِفَاؤُهُ فِي نَفْسِهِ) قَالَ الْعَضُدُ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ

مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ) الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْعِلَّةُ (عَدَمُ الْمَدْلُولِ) لِلْقَطْعِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَخْلُقْ الْعَالَمَ الدَّالَّ عَلَى وُجُودِهِ لَمْ يَنْتَفِ وُجُودُهُ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْعِلْمُ بِهِ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (عَدَمُ التَّأْثِيرِ أَيْ أَنَّ الْوَصْفَ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ) لِلْحُكْمِ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا، وَهُوَ نَفْيُ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (اُخْتُصَّ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُنَاسِبِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالشَّبَهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ (وَبِالْمُسْتَنْبَطَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا) فَلَا يَتَأَتَّى فِي الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا (وَهُوَ أَرْبَعَةٌ) الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقْرِيرُ دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ وَعَلَى رَأْيِنَا أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِسُقُوطِ الْحُكْمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ الْمُحَالِ، وَقَدْ يُقَالُ الْعِلَّةُ الدَّلِيلُ الْبَاعِثُ عَلَى الْحُكْمِ، وَقَدْ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الدَّلِيلِ فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ وَكَيْفَ لَا وَالْحُكْمُ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَاعِثٍ إمَّا وُجُوبًا أَوْ تَفَضُّلًا اهـ. نَاصِرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ) أَيْ مِنْ عَدَمِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْعِلَّةُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الْمُعَرِّفُ. (قَوْلُهُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ) أَيْ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ وَعَدَمُ تَأْثِيرِهِ إمَّا بِاعْتِبَارِ كُلِّهِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَإِنَّهُ فِيهِمَا إنَّمَا أَثَّرَ جُزْؤُهُ لَا كُلُّهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَيْ أَنَّ الْوَصْفَ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ) تَفْسِيرٌ لِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْثِيرِ الْمُنَاسَبَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ لَا الْمُؤَثِّرِ، وَلَا الْبَاعِثِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَا يُقَالُ الْمُنَاسِبُ لِمَا يَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الطَّرْدِيِّ أَنْ يَزِيدَ وَلَا شُبْهَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامُ هُنَا فِي تَفْسِيرِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَثَمَّ فِي تَفْسِيرِ الطَّرْدِيّ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يُقَالُ تَفْسِيرُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ بِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِيهِ فِي وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ مَوْجُودَةٌ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِيهِ فَلَوْ فَسَّرَهُ بِبَقَاءِ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَغْنَى عَنْهُ فِي الثَّانِي عُدَّ غَيْرَ مُنَاسِبٍ تَغْلِيبًا بَلْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْمُنَاسِبِ مَا دَارَ مَعَهُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الثَّانِي كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ فِيهِ وَعَدَمُهَا مَوْجُودٌ مَعَ الرُّؤْيَةِ مَعَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِمَا قَالَهُ هُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِهِ وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ) أَيْ ظَاهِرَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ لَا بُدَّ مِنْهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ) إذْ لَمْ يَدَّعِ فِيهِ مُنَاسَبَةً فَلَا يَتَأَتَّى الْقَدْحُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ فِيهِ (قَوْلُهُ: اُخْتُصَّ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى) أَيْ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِيهِ عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِالْمُنَاسَبَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِاشْتِمَالِهِ أَيْ قِيَاسِ الْمَعْنَى عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ لِوُجُودِ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِ بِخِلَافِ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَالطَّرْدِ فَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ وَالْمَقْصُورُ قَدْحُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَتَّى فِي الْمَنْصُوصَةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا عِلَّةً

عَدَمُ التَّأْثِيرِ (فِي الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ طَرْدِيًّا) كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الصُّبْحِ صَلَاةٌ لَا يُقْصَرُ فَلَا يُقَدَّمُ آذَانُهَا كَالْمَغْرِبِ فَعَدَمُ الْقَصْرِ فِي عَدَمِ تَقْدِيمِ الْآذَانِ طَرْدِيٌّ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ، وَلَا شُبْهَةَ وَعَدَمُ التَّقْدِيمِ مَوْجُودٌ فِيمَا يُقْصَرُ وَحَاصِلُ هَذَا الْقِسْمِ طَلَبُ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ (وَ) الثَّانِي عَدَمُ التَّأْثِيرِ (فِي الْأَصْلِ) بِإِبْدَاءِ عِلَّةِ الْحِكْمَةِ (مِثْلُ) أَنْ يُقَالَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (مَبِيعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَلَا يَصِحُّ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ) فِي الْأَصْلِ (فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ التَّسْلِيمِ) فِيهِ (كَافٍ) فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ وَعَدَمُهَا مَوْجُودٌ مَعَ الرُّؤْيَةِ (وَحَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ) بِإِبْدَاءِ غَيْرِ مَا عُلِّلَ بِهِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ (وَ) الثَّالِثُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ (فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ أَضْرُبٌ) ثَلَاثَةٌ (لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِذِكْرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ. (فَائِدَةٌ كَقَوْلِهِمْ) أَيْ الْخُصُومِ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْمُرْتَدِّينَ) الْمُتْلِفِينَ مَالَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ اسْتَدَلُّوا عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ (مُشْرِكُونَ أَتْلَفُوا مَالًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِمْ (كَالْحَرْبِيِّ) الْمُتْلِفِ مَالَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَاقِعِ صَوْنًا لِلنَّصِّ وَالِاسْتِنْبَاطِ عَنْ الْخَطَأِ فَلَا يُقْدَحُ فِيهِمَا بِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْعِلِّيَّةُ لِشَبَهِ أَمْرٍ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّأْثِيرِ أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ الْكَائِنِ فِي الْوَصْفِ فَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ وَالْمَعْنَى عَدَمُ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ أَوْ حُكْمِ الْفَرْعِ أَيْ عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَحَاصِلُهُ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ أَصْلًا فَلَوْ قَالَ كَالْعَضُدِ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ كَانَ أَوْضَحَ. (قَوْلُهُ: طَرْدِيًّا) أَيْ أَوْ شَبَهِيًّا لِصِدْقِ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ الذَّاتِيَّةِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ قُلْت هُمَا مَسْلَكَانِ لِلْعِلَّةِ فَكَيْفَ يَكُونَا قَادِحَيْنِ لَهَا قُلْت هُمَا مَسْلَكَانِ لِلْعِلَّةِ مُطَابِقَانِ وَقَادِحَانِ لِعِلَّةٍ خَاصَّةٍ فِي قِيَاسِ الْمَعْنَى فَلَا مَحْذُورَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَعَدَمُ الْقَصْرِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ، وَلَا شَبَهَ) أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُنَاسِبٍ، وَهُوَ بَيَانٌ لِكَوْنِهِ طَرْدِيًّا، وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا شَبَهَ فِيهِ، وَإِلَّا فَيَتَأَتَّى فِيهِ قِيَاسُ الشَّبَهِ كَأَنْ يُقَالَ تَرَدَّدَ بَيْنَ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ فَوَجَدْنَاهُ أَكْثَرَ شَبَهًا بِالثُّلَاثِيَّةِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ التَّقْدِيمِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ مَوْجُودٌ أَيْ فَقَدْ تَخَلَّفَ الْعَكْسُ، وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي عَدَمَ الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ لِحِكْمَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ بَعْدُ مُؤَثِّرٌ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ هُنَا أَبْدَى عِلَّةً أُخْرَى بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ وَأَيْضًا الْوَصْفُ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ مَعًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَضُدِ. (قَوْلُهُ: بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ) أَيْ غَيْرِ الَّذِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا فِيهِ مُنَاسَبَةٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فَلَا يَصِحُّ إدْرَاجُهُ فِي عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا عُورِضَتْ ضَعُفَتْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُهَا مَوْجُودٌ إلَخْ) أَيْ فَتَخَلَّفَ الْعَكْسُ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ إلَخْ) أَيْ قَبُولُ الْمُعَارَضَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ الْحَوَاشِي بِأَنَّ الْمَبْنِيَّ عَلَى ذَلِكَ هُوَ عَدَمُ قَبُولِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ يَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ اتَّفَقَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ، وَأَنْتَ اصْطَلَحْت عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ قَبُولَ الْمُعَارَضَةِ وَعَدَمَ قَبُولِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ ذَلِكَ الْجَوَازِ وَعَدَمُ ثُبُوتِهِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ الْجَوَازُ لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قُبِلَتْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِنَاءً إلَخْ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْمُعَارَضَةِ مَبْنِيَّةً مِنْ حَيْثُ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا عَلَى ذَلِكَ الْجَوَازِ ثُبُوتًا وَعَدَمًا، وَهَذَا الْمَعْنَى قَرِيبٌ صَحِيحٌ لَا قَلْبَ فِيهِ، وَلَا سَهْوَ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي جُزْءُ الْعِلَّةِ) ، وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ أَيْ الْوَصْفُ إلَخْ أَنَّ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَخْدُوشَ لِجُزْءِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا جُزْآهُ الْآخَرَانِ، وَهُمَا مُشْرِكُونَ

(وَدَارُ الْحَرْبِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْخُصُومِ (طَرْدِيٌّ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ، إذْ مَنْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي إتْلَافِ الْمُرْتَدِّ مَالَ الْمُسْلِمِ كَالشَّافِعِيَّةِ (أَوْجَبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ إتْلَافٌ (فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَنْ نَفَاهُ) مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْحَنَفِيَّةِ نَفَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِتْلَافُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي الشِّقَّيْنِ وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ عِنْدَهُمْ شِقُّ النَّفْيِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَزَادَ هُوَ شِقَّ الْإِثْبَاتِ تَقْوِيَةً لِلِاعْتِرَاضِ وَبَدَأَ بِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى النَّفْيِ (وَيَرْجِعُ) الِاعْتِرَاضُ فِي ذَلِكَ (إلَى) الْقِسْمِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (يُطَالِبُ) الْمُسْتَدِلَّ (بِتَأْثِيرِ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِتْلَافِ (فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَكُونُ لَهُ) أَيْ لِذِكْرِ الْوَصْفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ. (فَائِدَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كَقَوْلِ مُعْتَبِرِ الْعَدَدِ فِي الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ: عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَحْجَارِ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْعَدَدُ كَالْجِمَارِ فَقَوْلُهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةٌ عَدِيمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَكِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذِكْرِهِ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ) مَا عَلَّلَ بِهِ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ (بِالرَّجْمِ) لِلْمُحْصَنِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَحْجَارِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا الْعَدَدُ (أَوْ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ فَإِنْ لَمْ تُغْتَفَرْ الضَّرُورِيَّةُ) بِأَنْ صَحَّ الِاعْتِرَاضُ بِمَحَلِّهَا (لَمْ تُغْتَفَرْ) هَذِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (، وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ) أَيْ، وَإِنْ اُغْتُفِرَتْ الضَّرُورِيَّةُ فَ قِيلَ: يُغْتَفَرُ غَيْرُهَا أَيْضًا، وَقِيلَ لَا (مِثَالُهُ الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فَلَمْ تَفْتَقِرْ) فِي إقَامَتِهَا (إلَى إذْنِ الْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ (كَالظُّهْرِ فَإِنَّ " مَفْرُوضَةٌ " حَشْوٌ إذْ لَوْ حُذِفَ) مَا عَلَّلَ بِهِ (لَمْ يُنْتَقَضْ) أَيْ الْبَاقِي مِنْهُ بِشَيْءٍ لَكِنَّهُ ذُكِرَ لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ بِتَقْوِيَةِ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا إذْ الْغَرَضُ بِالْغَرَضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَتْلَفُوا مَالًا فَلَهُ فَائِدَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَالْعِلَّةُ مُشْرِكُونَ أَتْلَفُوا مَالًا فِي دَارِ الْحَرْبِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَصْفٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: وَدَارُ الْحَرْبِ إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى الْخُصُومِ وَالْأَوْلَى فَدَارُ الْحَرْبِ بِالْفَاءِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: عِنْدَهُمْ) أَيْ وَعِنْدَنَا أَيْضًا لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْمُسْتَدِلُّونَ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ، وَهُوَ بِالضَّمَانِ مِنْهَا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَسَامَحَ فِي ذَلِكَ لِتَكُونَ الْمُبَالَغَةُ فِي مَحَلِّهَا فِيمَا أَحَالَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَكَذَا مَنْ نَفَاهُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إتْلَافِ الْمُرْتَدِّ مَالَ الْمُسْلِمِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ الِاعْتِرَاضُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: شِقٌّ لِلنَّفْيِ) بِأَنْ يَقُولَ إذْ مَنْ نَفَى الضَّمَانَ نَفَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: وَزَادَ هُوَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ شِقَّ الْإِثْبَاتِ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إذْ مَنْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ طَرْدِيٌّ، وَالْمُعَوَّلُ فِي التَّعْلِيلِ هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ، وَكَذَا مَنْ نَفَاهُ إذْ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِمْ لِكَوْنِهِمْ هُمْ الْقَائِلِينَ بِالنَّفْيِ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي التَّعْلِيلِ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ لَكِنَّهُ زَادَ شِقَّ الْإِثْبَاتِ تَقْوِيَةً لِلِاعْتِرَاضِ إذْ يَظْهَرُ بِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْقَيْدِ وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ عِنْدَ الْمُثْبِتِ لِلضَّمَانِ وَالنَّافِي لَهُ وَبَدَأَ بِشِقِّ الْإِثْبَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ هُوَ النَّفْيُ لِتَقَدُّمِ الْإِثْبَاتِ عَلَى النَّفْيِ بِاعْتِبَارِ مَا تَعَلَّقَا بِهِ مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمٌ وَارِدٌ عَلَى النِّسْبَةِ لَا تَقَدُّمَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ الِاعْتِرَاضُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِذِكْرِ الْوَصْفِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ فَائِدَةً إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِتَأْثِيرِ كَوْنِهِ إلَخْ) أَيْ بِبَيَانِ كَوْنِ دَارِ الْحَرْبِ مُؤَثِّرًا؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ طَلَبُ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَوْ تَكُونُ لَهُ فَائِدَةٌ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ طَرْدِيًّا، وَهُوَ قَسِيمٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا إمَّا أَنْ يَكُونَ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ مُعْتَبَرِ الْعَدَدِ إلَخْ) قَالَ سم لَا يُنَافِي اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكْفِي سَبْعُ رَمَيَاتٍ، وَلَوْ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ فَاللَّازِمُ تَعَدُّدُ الرَّمْيِ لَا الْمَرْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَرْعِ كَذَلِكَ إذْ لَوْ مَسَحَ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ كَفَى بِشَرْطِهِ فَاللَّازِمُ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَسْحِ لَا الْمَمْسُوحِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُغْتَفَرْ) أَيْ فَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِاغْتِفَارِ الذِّكْرِ لِلْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِمَحَلِّهَا) ، وَهُوَ الْوَصْفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَحَلٌّ لِجُزْئِهِ، وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ اشْتِمَالُ الْعِلَّةِ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ مُنَاسِبٍ، وَفِي قَوْلِهِ بِأَنْ صَحَّ الِاعْتِرَاضُ لِمَحَلِّهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَعْنَى عَدَمِ اغْتِفَارِهَا لِلْمُسْتَدِلِّ صِحَّةُ الِاعْتِرَاضِ لِمَحَلِّهَا إذْ لَوْ اُغْتُفِرَتْ لَاعْتُدَّ بِهَا، وَلَمْ يُعْتَرَضْ بِمَحَلِّهَا. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ اُغْتُفِرَتْ الضَّرُورِيَّةُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِرَاضُ بِمَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ)

بِهِ مِنْ غَيْرِهِ (الرَّابِعُ) عَدَمُ التَّأْثِيرِ (فِي الْفَرْعِ) مِثْلُ أَنْ يُقَالَ فِي تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا (زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ كُفْءٍ. (وَهُوَ) أَيْ الرَّابِعُ (كَالثَّانِي إذْ لَا أَثَرَ) فِي مِثَالِهِ (لِلتَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْكُفْءِ) فَإِنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَا لَا أَثَرَ لِلتَّقْيِيدِ فِي مِثَالِ الثَّانِي بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ، وَإِنْ كَانَ نَفْيُ الْأَثَرِ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْعِ، وَهُنَاكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَصْلِ (وَيَرْجِعُ) هَذَا (إلَى الْمُنَاقَشَةِ فِي الْفَرْضِ، وَهُوَ) أَيْ الْفَرْضُ (تَخْصِيصُ بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ بِالْحِجَاجِ) كَمَا فَعَلَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمُدَّعَى فِيهِ مَنْعَ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مُطْلَقًا وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَنْعِهِ بِغَيْرِ كُفْءٍ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ) أَيْ الْفَرْضِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا (وَثَالِثًا) يَجُوزُ (بِشَرْطِ الْبِنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ عِنْدَهُمْ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِيمَا إذَا أَنْشَأَ مَسْجِدًا وَأَرَادَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِهِ مِنْ غَيْرِهِ) إشَارَةً قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ بِالْغَرَضِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِأَشْبَهَ وَأَنَّ الْمَعْنَى إذْ الْغَرَضُ بِالْقِيَاسِ إلَى الْغَرَضِ أَوْ مَعَ الْغَرَضِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِأَشْبَهَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَالتَّقْدِيرُ إذْ الْغَرَضُ أَشْبَهُ بِالْغَرَضِ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ بَدَلٌ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: الرَّابِعُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ) أَيْ فِي حُكْمِهِ وَجَعَلَ هَذَا قَادِحًا عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ أَيْ الْغَرَضِ مُطْلَقًا أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ فِي كُلِّ الصُّوَرِ أَوْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ فِي بَعْضِهَا فَيَسْتَفِيدُ بِالْغَرَضِ غَرَضًا صَحِيحًا (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ كُفْءٍ) مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ عَقْدَهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا أَوْ لَا فَقَدَ الْأَوْلِيَاءَ كُلَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ أَوْ لَمْ يَفْقِدُونَهُ وَتَمَسَّكَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهَا رَوَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعَمَّ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ مَا وَأَيُّ وَإِذَا ابْتَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمًا، وَلَمْ يُجْرِهِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ، وَلَمْ يُطَبِّقْهُ عَلَى حِكَايَةِ حَالٍ كَانَ الظَّاهِرُ الْعُمُومَ فَمَنْ ظَنَّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْمُكَاتَبَةَ عَلَى حِيَالِهَا دُونَ الْحَرَائِرِ اللَّوَاتِي هُنَّ الْغَالِبَاتُ وَالْمَقْصُودَاتُ فَقَدْ قَالَ مُحَالًا، وَلَا يَكَادُ يَخْفَى أَنَّ الْفَصِيحَ إذَا أَرَادَ بَيَانَ خَاصٍّ شَاذٍّ فَإِنَّهُ يَنُصُّ عَلَيْهِ، وَلَا يُضْرِبُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ يُرِيدُهُ، وَلَا يَأْتِي بِعِبَارَةٍ مَعَ قَرَائِنَ دَالَّةٍ عَلَى قَصْدِ التَّعْمِيمِ، وَهُوَ يَبْغِي النَّادِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّاذُّ يُنْتَحَى بِالنَّصِّ عَلَيْهِ، وَلَا يُرَادُ عَلَى الْخُصُوصِ بِالصِّفَةِ الْعَامَّةِ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَرُدَّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً فِي حُكْمِ اللِّسَانِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْأَمَةُ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَمَهْرُ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا اهـ. مُلَخَّصًا. وَلَمَّا أَوَّلُوا الْحَدِيثَ بِهَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ جَوَّزُوا عَقْدَهَا لِنَفْسِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ كُفُؤًا فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ طَلَبُ الْفَسْخِ مِنْ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كُفُؤٍ فَلَهُمْ الِاعْتِرَاضُ وَطَلَبُ الْفَسْخِ مِنْ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا بِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ فِي الْفَسْخِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ كَانَ نَفْيُ الْأَثَرِ هُنَا) أَيْ فِي الرَّابِعِ، وَهُنَاكَ أَيْ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ: إلَى الْمُنَاقَشَةِ فِي الْفَرْضِ) أَيْ مَا فُرِضَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ بِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ (قَوْلُهُ بِالْحِجَاجِ) أَيْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ كَأَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ فِي الْمَرْأَةِ الْمُزَوِّجَةِ نَفْسَهَا إنَّمَا فَرْضُهُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَأُقِيمَ الدَّلِيلُ خَاصَّةً فَقَدْ خَصَّ الْخَصْمُ دَلِيلَهُ بِبَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ إذْ الْمُدَّعَى مَنْعُ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مُطْلَقًا فَمَنْ مَنَعَ الْفَرْضَ رَدَّ هَذَا وَمَنْ أَجَازَهُ قَبِلَهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ) وَعِلَّةُ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ بِخَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَالْمُجِيزُ مُطْلَقًا يَقُولُ الْمَمْنُوعُ هُوَ

أَيْ بِنَاءِ غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ عَلَيْهِ) كَأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ بِجَامِعٍ أَوْ يُقَالَ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلْيَثْبُتْ فِي بَاقِيهَا إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ جَوَّزُوا تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (الْقَلْبُ وَهُوَ دَعْوَى) الْمُعْتَرِضِ (أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ) الْمُسْتَدِلُّ (فِي الْمَسْأَلَةِ) الْمُتَنَازَعِ فِيهَا (عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ) فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ (لَا لَهُ إنْ صَحَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِدْلَال بِالْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بَيْنَ ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقَاعِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ وَالثَّالِثُ يَشْتَرِطُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ) أَيْ بَيْنَ الْبَعْضِ وَالْبَاقِي (قَوْلُهُ:، وَقَدْ قَالَ بِهِ) أَيْ بِالْفَرْقِ الْحَنَفِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْقَلْبُ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ الْقَلْبُ هُوَ أَنْ يَرْبِطَ خِلَافَ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى عِلَّتِهِ إلْحَاقًا بِأَصْلِهِ اهـ. قَالَ الْبُدَخْشِيُّ بِأَنْ يُقَالَ بَيَّنْت هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ خِلَافُ حُكْمِك فِي الْأَصْلِ بِعِلَّتِك فَثَبَتَ فِي الْفَرْعِ بِهَا أَيْضًا فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ الَّذِي ادَّعَيْت ثُبُوتَهُ بِهَا لِلْوِفَاقِ عَلَى عَدَمِ اجْتِمَاعِهَا فِي الْفَرْعِ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِلْقَلْبِ بِمَعْنَاهُ الْأَعَمِّ وَهُوَ الَّذِي يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ قَلْبُ الْقِيَاسِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ ثُمَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَلْبِ أَنْ يُصَرِّحَ الْمُعْتَرِضُ بِالدَّعْوَى بَلْ حَقِيقَةُ الْقَلْبِ هُوَ أَنْ يَسْتَنْتِجَ الْقَالِبُ مِنْ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ خِلَافَ حُكْمِهِ وَذَلِكَ فِي الْمَعْنَى هُوَ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ (قَوْلُهُ: الْمُتَنَازَعِ فِيهَا) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْقَوَادِحِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ) بِأَنْ يَكُونَ جِهَةُ الْمُسْتَدِلِّ جِهَةَ الْمُعْتَرِضِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ ذَا وَجْهَيْنِ فَنَظَرَ الْمُسْتَدِلُّ لِجِهَةٍ وَالْمُعْتَرِضُ لِجِهَةٍ فَلَا يُسَمَّى قَلْبًا فَقَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَهُ فَائِدَةٌ وَمَثَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِ الْحَنَفِيِّ الْخَالُ يَرِثُ لِخَبَرِ «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ هَذَا يَدُلُّ عَلَيْك لَا لَك إذْ مَعْنَاهُ نَفْيُ تَوْرِيثِ الْخَالِ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ الْخَالُ لَا يَرِثُ كَمَا تَقُولُ الْجُوعُ زَادُ مَنْ لَا زَادَ لَهُ وَالصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ أَيْ لَيْسَ الصَّبْرُ حِيلَةً وَلَا الْجُوعُ زَادًا (قَوْلُهُ: لَا لَهُ) أَيْ فَقَطْ وَذَلِكَ صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَلَهُ فَانْدَفَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَلْ يَكْفِي أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْك (قَوْلُهُ: إنْ صَحَّ) مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَكُنْ مُصَحِّحًا لِمَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ وَلَا مُبْطِلًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ صِحَّتُهُ فِي الْوَاقِعِ أَوْ عِنْدَ الْمُعْتَرِضِ وَلَا يُنَافِيهِ عَدَمُ تَسْلِيمِ الْمُعْتَرِضِ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ مَعْنَى عَدَمِ التَّسْلِيمِ طَلَبُ الدَّلِيلِ

ذَلِكَ الْمُسْتَدَلِّ بِهِ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ قَوْلُنَا إنْ صَحَّ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (أَمْكَنَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْقَلْبِ (تَسْلِيمُ صِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الْقَلْبُ (تَسْلِيمٌ لِلصِّحَّةِ مُطْلَقًا) أَيْ صِحَّةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَمْ لَا (وَقِيلَ) هُوَ (إفْسَادٌ) لَهُ (مُطْلَقًا) لِأَنَّ الْقَالِبَ مِنْ حَيْثُ جَعْلُهُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ لِصِحَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَمِنْ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ مُفْسِدٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا يُذْكَرُ فِي الْحَدِّ قَوْلُهُ إنْ صَحَّ (وَعَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ مِنْ الْقَلْبِ (فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ: أَمْكَنَ مَعَهُ) أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَ عَدَمُهُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فَلَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِنَا إنْ صَحَّ كَمَا لَا مَعْنَى لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا إلَخْ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَالِبَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلَيْنِ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ) أَيْ الْأَخِيرَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَحْتَاجُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْقَلْبُ مَقْبُولٌ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَقَوْلُهُ مُعَارَضَةٌ خَبَرٌ ثَانٍ وَقَوْلُهُ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْمُعْتَرِضِ صِحَّتَهُ أَيْ

مَقْبُولٌ، مُعَارَضَةٌ عِنْدَ التَّسْلِيمِ قَادِحٌ عِنْدَ عَدَمِهِ) وَقِيلَ هُوَ (شَاهِدُ زُورٍ) يَشْهَدُ (لَك وَعَلَيْك) أَيُّهَا الْقَالِبُ حَيْثُ سَلَّمْت فِيهِ الدَّلِيلَ وَاسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَى خِلَافِ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يُقْبَلُ (وَهُوَ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْمَسْأَلَةِ إمَّا مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ) فِيهَا (صَرِيحًا كَمَا) يُقَالُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدِلِّ كَالشَّافِعِيِّ (فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ عَقْدٌ) فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ عَلَيْهِ (فَلَا يَصِحُّ كَالشِّرَاءِ) أَيْ كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ فَلَا يَصِحُّ لِمَنْ سَمَّاهُ (فَقَالَ) مِنْ جَانِبِ الْمُعْتَرِضِ كَالْحَنَفِيِّ (عَقْدٌ فَيَصِحُّ كَالشِّرَاءِ) أَيْ كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ فَيَصِحُّ لَهُ وَتَلْغُو تَسْمِيَتُهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَنَا (أَوَّلًا) مَعَ الْإِبْطَالِ صَرِيحًا (مِثْلَ) أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ الْمُشْتَرِطُ لِلصَّوْمِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَكُونُ قَادِحًا وَيَكُونُ قَادِحًا عِنْدَ عَدَمِ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُ قَادِحٌ خَبَرُ ثَالِثٍ أَوْ أَنَّ مُعَارَضَةً خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ مُعَارَضَةٌ إلَخْ وَهَذِهِ الْمُعَارَضَةُ غَيْرُ قَادِحَةٍ بَلْ يُجَابُ عَنْهَا بِالتَّرْجِيحِ وَأَنَّ قَوْلَهُ قَادِحٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْضًا فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْقَلْبَ عَلَى الْمُخْتَارِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَعِنْدَ التَّسْلِيمِ يَكُونُ مُعَارَضَةً وَعِنْدَ عَدَمِهِ يَكُونُ قَادِحًا وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ مُعَارَضَةٌ لَا غَيْرُ وَعَلَى الثَّالِثِ قَادِحٌ لَا غَيْرُ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَارَضَةً لَا يَكُونُ قَادِحًا وَقَدْ جُعِلَ مِنْ الْقَوَادِحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوَادِحِ مَا يَعُمُّ الْمُفْسِدَ لِلدَّلِيلِ وَالْمُوقِفَ لَهُ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُرَجِّحُ وَالْمَنْفِيُّ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُعَارَضَةِ لِلْإِفْسَادِ تَأَمَّلْ فَإِنْ قِيلَ الْمُعَارَضَةُ مُمْتَنِعَةٌ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إذَا سَلِمَ لَزِمَ ثُبُوتُ الْمَدْلُولِ فَإِذَا أُقِيمَ الدَّلِيلُ عَلَى مُنَافِيهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي الْوَاقِعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْلِيمِهِ ذَلِكَ لَوْ سُلِّمَ لِصِحَّتِهِ لَكِنَّهُ إنَّمَا سُلِّمَ لِخَفَاءِ خَلَلِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْلِيمِهِ لِذَلِكَ ثُبُوتُ الْمَدْلُولِ فِي الْوَاقِعِ حَتَّى يَلْزَمَ اجْتِمَاعُ الْمُتَنَافِيَيْنِ (قَوْلُهُ: شَاهِدُ زُورٍ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عَيْنُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إفْسَادٌ مُطْلَقًا وَقَدْ مَرَّ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا هُنَا غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا قَادِحٌ لِأَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ وَمَا مَرَّ مَقْبُولٌ قَادِحٌ لِإِفْسَادِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ اهـ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: يَشْهَدُ لَك وَعَلَيْك) كَالدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِهِ شَاهِدَ زُورٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَهِدَ بِالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ شَاهِدَ زُورٍ لَا كَوْنِهِ شَاهِدًا بِبَاطِلٍ (قَوْلُهُ: حَيْثُ سَلَّمَتْ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَشْهَدُ عَلَيْك وَقَوْلُهُ وَاسْتَدْلَلْت بِهِ إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَشْهَدُ لَك فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قِسْمَانِ) وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْهُمَا فِيهِ قِسْمَانِ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ غَيْرُ مُتَكَرِّرَةٍ فَإِنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ مَعَ الْإِبْطَالِ صَرَاحَةً وَالثَّانِي لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ مَعَ إبْطَالِهِ الْتِزَامًا وَالثَّالِثُ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِهِ صَرَاحَةً وَالرَّابِعُ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِهِ الْتِزَامًا (قَوْلُهُ: صَرِيحًا) يَأْتِي فِي الشَّارِحِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَذْهَبٍ وَلِإِبْطَالٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ لِمَنْ سَمَّاهُ) أَيْ شَخْصٌ سَمَّاهُ وَيَلْزَمُهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: عَقْدٌ) أَيْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ لِيَكُونَ الدَّلِيلُ وَاحِدًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَنَا) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِ بِعَيْنِ مَالِ مَنْ عَقَدَ لَهُ وَلَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَى ذِمَّتِهِ بَلْ قَالَ اشْتَرَيْت لَهُ كَذَا بِكَذَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إلْغَاءُ الْعَقْدِ لِقَوْلِ الْوَسَطِ إنَّهُ الْأَوْلَى بِخِلَافِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ الْمُخَالِفِ لِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ وُقُوعُهُ لِلْوَكِيلِ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ ثَمَّ وَكِيلٌ وَعَقْدُهُ صَحِيحٌ إمَّا لَهُ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فَإِذَا وَقَعَ مَعَ الْمُخَالَفَةِ وَقَعَ لَهُ بِخِلَافِهِ هُنَا لَا وَكَالَةَ وَهُوَ

الِاعْتِكَافِ (لُبْثٌ فَلَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ قُرْبَةً كَوُقُوفِ عَرَفَةَ) فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ بِضَمِيمَةِ الْإِحْرَامِ فَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ يَكُونُ قُرْبَةً بِضَمِيمَةِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ وَهِيَ الصَّوْمُ إذْ هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ (فَيُقَالُ) مِنْ جَانِبِ الْمُعْتَرِضِ كَالشَّافِعِيِّ الِاعْتِكَافُ لُبْثٌ (فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ كَعَرَفَةَ) لَا يُشْتَرَطُ الصَّوْمُ فِي وُقُوفِهَا فَفِي هَذَا إبْطَالٌ لِمَذْهَبِ الْخَصْمِ الَّذِي لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ (الثَّانِي) مِنْ قِسْمَيْ الْقَلْبِ (لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ بِالصَّرَاحَةِ) كَأَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ (عُضْوُ وُضُوءٍ فَلَا يَكْفِي) فِي مَسْحِهِ (أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْوَجْهِ) لَا يَكْفِي فِي غَسْلِهِ ذَلِكَ (فَيُقَالُ) مِنْ جَانِبِ الْمُعْتَرِضِ كَالشَّافِعِيِّ عُضْوُ وُضُوءٍ (فَلَا يَتَقَدَّرُ غَسْلُهُ بِالرُّبُعِ كَالْوَجْهِ) لَا يَتَقَدَّرُ غَسْلُهُ بِالرُّبُعِ (أَوْ بِالِالْتِزَامِ) كَأَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمُعَوَّضِ كَالنِّكَاحِ) يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالزَّوْجَةِ أَيْ عَدَمِ رُؤْيَتِهَا (فَيُقَالُ) مِنْ جَانِبِ الْمُعْتَرِضِ كَالشَّافِعِيِّ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ (خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ) ، وَنَفْيُ الِاشْتِرَاطِ يَلْزَمُهُ نَفْيُ الصِّحَّةِ إذْ الْقَائِلُ بِهَا يَقُولُ بِالِاشْتِرَاطِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَلْبِ فَيُقْبَلُ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي رَدِّهِ (قَلْبُ الْمُسَاوَاةِ مِثْلُ) قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (طَهَارَةٌ بِالْمَائِعِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا لِنِيَّةٍ كَالنَّجَاسَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَشْتَرِ لِنَفْسِهِ وَمَا قَالَهُ أَوْجَهُ مِمَّا قَدْ زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ حَتَّى يَكُونَ الرَّاجِحُ هُنَا كَالرَّاجِحِ ثَمَّ مِنْ وُقُوعِ الْعَقْدِ لِلْعَاقِدِ بِجَامِعِ أَنَّهُ فِيهِمَا تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنٍ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ اهـ زَكَرِيَّا. وَفِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الصِّحَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ وَالِدِهِ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ اقْتَصَرَا عَلَى حِكَايَةِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهَا نَاجِزَةٌ اهـ. قَالَ النَّاصِرُ وَالسِّرُّ فِي قَوْلِهِ هُنَا يَصِحُّ لَهُ وَفِيمَا قَبْلَهُ فَلَا يَصِحُّ لِمَنْ سَمَّاهُ أَنَّ حُكْمَ أَصْلِ الْقِيَاسِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ هُنَا هُوَ عَدَمُ صِحَّةِ شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ لِمَنْ سَمَّاهُ وَصِحَّةُ شِرَائِهِ لِنَفْسِهِ لَكِنَّ صِحَّتَهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ عِنْدَهُمْ هُوَ الْأَصَحُّ فَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الِاعْتِكَافُ لُبْثٌ) نَظْمُ الدَّلِيلِ هَكَذَا الِاعْتِكَافُ كَالْوُقُوفِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لُبْثٌ فَلَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ قُرْبَةً فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ الِاعْتِكَافُ كَالْوُقُوفِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لُبْثٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صَوْمٌ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوفِ صَوْمٌ (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ الصَّوْمُ فِي وُقُوفِهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ مُضَافٍ أَيْ كَوُقُوفِ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ فَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ إبْطَالُ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ بِالصَّرَاحَةِ وَلَكِنْ تَعَرَّضَ فِيهِ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ وَقَوْلُهُ بِالصَّرَاحَةِ مُتَعَلِّقٌ بِإِبْطَالٍ لَا بِمَذْهَبٍ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ بِالِالْتِزَامِ وَبِهَذَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ لَهُمَا بِالْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالصَّرَاحَةِ الدَّلَالَةُ الْمُطَابِقِيَّةُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهَا بِالِالْتِزَامِ (قَوْلُهُ: عُضْوُ وُضُوءٍ) أَيْ الرَّأْسُ عُضْوُ وُضُوءٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبُعِ) إبْطَالٌ لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ تَقْدِيرُهُ بِالرُّبُعِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ) أَيْ لَا يَثْبُتُ فَالْمُرَادُ بِالِاشْتِرَاطِ الثُّبُوتُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهِ وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ لَا أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي الْعَقْدِ فَيَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ لَكِنْ إذَا رَآهُ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ (قَوْلُهُ: كَالنِّكَاحِ) فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِاتِّفَاقٍ (قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ نَفْيُ الصِّحَّةِ) أَيْ وَالصِّحَّةُ يَلْزَمُهَا الِاشْتِرَاطُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَقِبَ ذَلِكَ وَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ وَهَذَا لُزُومٌ اصْطِلَاحِيٌّ لَا مَنْطِقِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيُقْبَلُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَفَى قَبُولَهُ لَا أَصْلَهُ (قَوْلُهُ: قَلْبُ الْمُسَاوَاةِ) هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةِ الْأَصْلِ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا مُنْتَفٍ عَنْ جِهَةِ الْفَرْعِ اتِّفَاقًا وَالْآخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيُثْبِتُ الْمُسْتَدِلُّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فِي الْفَرْعِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَصْلِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فِي جِهَةِ الْفَرْعِ كَمَا وَجَبَتْ بَيْنَهُمَا فِي جِهَةِ الْأَصْلِ فَفِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ فِي جِهَةِ الْأَصْلِ عَدَمُ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ بِالْجَامِدَةِ مُنْتَفٍ عَنْ جِهَةِ

لَا تَجِبُ فِي الطَّهَارَةِ عَنْهَا النِّيَّةُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ (فَنَقُولُ) نَحْنُ مُعْتَرِضِينَ (فَيَسْتَوِي جَامِدُهَا وَمَائِعُهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ (كَالنَّجَاسَةِ) يَسْتَوِي جَامِدُهَا وَمَائِعُهَا فِي حُكْمِهَا السَّابِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي التَّيَمُّمِ فَيَجِبُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِالْمُسَاوَاةِ وَاضِحٌ مِنْ الْمِثَالِ وَالْقَاضِي يَقُولُ فِي رَدِّهِ وَجْهُ اسْتِدْلَالِ الْقَالِبِ فِيهِ غَيْرُ وَجْهِ اسْتِدْلَالِ الْمُسْتَدِلِّ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَشَاهِدُهُ) قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8] فِي جَوَابِ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] الْمَحْكِيِّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْعِ اتِّفَاقًا وَالْآخَرُ عَدَمُ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَائِعِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيُثَبِّتُهُ الْمُسْتَدِلُّ فِي الْفَرْعِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فِي جِهَةِ الْفَرْعِ كَمَا وَجَبَتْ بَيْنَهُمَا فِي جِهَةِ الْأَصْلِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَيَسْتَوِي جَامِدُهَا) أَيْ الْجَامِدُ مِنْ آلَتِهَا وَمَائِعُهَا أَيْ الْمَائِعُ مِنْهَا كَالتُّرَابِ وَالْمَاءِ فَالْمُرَادُ فِي الْفَرْعِ بِجَامِدِ الطَّهَارَةِ وَالتَّيَمُّمِ وَمَائِعُهَا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَفِي الْأَصْلِ بِجَامِدِ الطَّهَارَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَبِمَائِعِهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ قَلْبُ الْمُسَاوَاةِ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى لِلِاسْمِ (قَوْلُهُ: وَاضِحٌ) أَيْ مِنْ الْمِثَالِ حَيْثُ قَالَ فَيَسْتَوِي (قَوْلُهُ: وَجْهُ اسْتِدْلَالِ الْقَالِبِ) وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِوَاءُ وَقَوْلُهُ غَيْرُ وَجْهِ اسْتِدْلَالِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ أَنَّ الْمَقِيسَ عِنْدَهُ مَانِعُ الْحَدَثِ أَيْ فَالدَّلِيلُ لَيْسَ عَلَى نَظْمٍ وَاحِدٍ وَلَعَلَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَلْبَ الْمُسَاوَاةِ بِخُصُوصِهِ لَا يَضُرُّ فِيهِ اخْتِلَافُ نَظْمِ الدَّلِيلَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِأَصْلِ الِاسْتِوَاءِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ جَامِعًا وَهُوَ الطَّهَارَةُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ نَتِيجَةَ الْقِيَاسِ اسْتِدْلَالًا وَقَلْبًا لَا وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ أَيْ كَيْفِيَّتَهُ فَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالْوَجْهُ بِمَعْنَى النَّوْعِ أَيْ نَوْعِ نَتِيجَةِ اسْتِدْلَالِ الْقَالِبِ وَنَوْعِ نَتِيجَةِ اسْتِدْلَالِ الْمُسْتَدِلِّ وَيُمْكِنُ مَعَ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الْوَجْهِ بِمَعْنَى الْكَيْفِيَّةِ أَيْ كَيْفِيَّةِ النَّتِيجَةِ (قَوْلُهُ: بِالْمُوجِبِ) بِالْفَتْحِ مَا يَقْتَضِيهَا الدَّلِيلُ وَبِالْكَسْرِ الدَّلِيلُ أَيْ تَسْلِيمُ مُوجَبِ الدَّلِيلِ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْأَعَزِّ مَنْ هُوَ وَالْأَذَلِّ مَنْ هُوَ وَلَيْسَ هُوَ تَلَقِّي الْمُخَاطَبِ بِغَيْرِ مَا يَتَرَقَّبُ فَقَطْ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْمَعَانِي (قَوْلُهُ: وَشَاهِدُهُ) أَيْ الدَّالُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَلَمْ يَقُلْ دَلِيلُهُ لِأَنَّ الْمَبْحُوثَ عَنْهُ هُوَ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا قَالَ سم وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ التَّعْرِيفِ عَلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ إلَخْ) أَعَادَ اللَّامَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ عِزَّةَ اللَّهِ لَا تُشَارِكُ عِزَّةَ رَسُولِهِ وَكَذَلِكَ عِزَّةُ رَسُولِهِ لَا تُشَارِكُ عِزَّةَ الْمُؤْمِنِينَ (قَوْلُهُ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ إلَخْ) فَأَثْبَتُوا حُكْمًا وَهُوَ

أَيْ صَحِيحٌ ذَلِكَ لَكِنْ هُمْ الْأَذَلُّ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ وَقَدْ أَخْرَجْنَاهُمْ (وَهُوَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ) بِأَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ اسْتِلْزَامِ الدَّلِيلِ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ (كَمَا يُقَالُ فِي) الْقِصَاصِ بِقَتْلِ الْمُثَقَّلِ (مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدِلِّ كَالشَّافِعِيِّ) قُتِلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَا يُنَافِي الْقِصَاصَ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ لَا يُنَافِي الْقِصَاصَ (فَيُقَالُ) مِنْ جَانِبِ الْمُعْتَرِضِ كَالْحَنَفِيِّ (سَلَّمْنَا عَدَمَ الْمُنَافَاةِ) بَيْنَ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ وَبَيْنَ الْقِصَاصِ (وَلَكِنْ لِمَ قُلْت) إنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثَقَّلِ (يَقْتَضِيهِ) أَيْ الْقِصَاصَ وَذَلِكَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلَمْ يَسْتَلْزِمْهُ الدَّلِيلُ (وَكَمَا يُقَالُ) فِي الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ أَيْضًا (التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ) مِنْ آلَاتِ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ (لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَالْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ مِنْ قَتْلٍ وَقَطْعٍ وَغَيْرِهِمَا) لَا يَمْنَعُ تَفَاوُتُهُ الْقِصَاصَ (فَيُقَالُ) مِنْ جَانِبِ الْمُعْتَرِضِ (مُسَلَّمٌ) أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْوَسِيلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ فَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْهُ (وَ) لَكِنْ (لَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ مَانِعٍ انْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ وَالْمُقْتَضِي) وَثُبُوتُ الْقِصَاصِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ (وَالْمُخْتَارُ تَصْدِيقُ الْمُعْتَرِضِ فِي قَوْلِهِ) لِلْمُسْتَدِلِّ (لَيْسَ هَذَا) أَيْ الَّذِي تُفْتِيهِ بِاسْتِدْلَالِك تَعْرِيضًا بِي مِنْ مُنَافَاةِ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ بِالْقِصَاصِ (مَأْخَذِي) فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِخْرَاجُ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْعِزَّةُ إذْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ (قَوْلُهُ: أَيْ صَحِيحُ ذَلِكَ) حَاصِلُهُ أَنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ الْكَلَامِ وَلَا نُسَلِّمُ مَا ذَكَرْت (قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ إنَّ قَوْلَهُ الْأَعَزُّ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ وَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ عَلَى وَفْقِ الْآيَةِ بِمَا يُفِيدُ قَصْرَ الْعِزَّةِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ اهـ. بِمَعْنَاهُ. وَأَقُولُ إذَا كَانَ الْأَعَزُّ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ أَيْ بِأَنْ لَا يُرَادَ مَعْنَى التَّفْضِيلِ كَانَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ مُفِيدًا الْحُصْرَ الْمَذْكُورَ لِتَعْرِيفِ الطَّرَفَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ صَنِيعُ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ قَصَدَ مُوَافَقَةَ عِبَارَةِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْإِشَارَةَ إلَى كِفَايَةِ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَأَنَّ فِي الْآيَةِ مُبَالَغَةً فِي الرَّدِّ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ) أَيْ مُقْتَضَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَظْهَرَ إلَخْ وَجَعْلُهُ مِنْ الْقَوَادِحِ لَا يُنَافِي تَسْلِيمَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَسْلِيمَ الدَّلِيلِ عَلَى مُدَّعَى الْمُسْتَدِلِّ بَلْ تَسْلِيمَ صِحَّتِهِ عَلَى خِلَافِهِ فَهُوَ قَادِحٌ فِي الْعِلَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ وُرُودَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ عَلَى ثَلَاثِ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ أَنْ يُسْتَنْتَجَ مِنْ الدَّلِيلِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ مُلَازِمٌ لَهُ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا يُقَالُ فِي الْمُثَقَّلِ إلَخْ وَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلنَّوْعِ الثَّانِي الْآتِي أَيْضًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ مِنْ مُنَافَاةِ الْقَتْلِ إلَخْ الثَّانِي أَنْ يُسْتَنْتَجَ مِنْهُ إبْطَالُ أَمْرٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ مَذْهَبِ الْخَصْمِ وَالْخَصْمُ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَأْخَذَهُ وَلَا يُلْزِمُ إبْطَالُهُ إبْطَالَ مَذْهَبِهِ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَكَمَا يُقَالُ التَّفَاوُتُ الثَّالِثُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ مُقَدِّمَةٍ صُغْرًى غَيْرِ مَشْهُورَةٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَرُبَّمَا سَكَتَ إلَخْ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: عَدَمُ اسْتِلْزَامِ الدَّلِيلِ) وَهُوَ أَنَّ الْأَعَزَّ يُخْرِجُ الْأَذَلَّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَ الْمُنَافِقُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ (قَوْلُهُ: لِمَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ الْفَرْعُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ كَالْقِصَاصِ بِقَتْلِ الْمُثَقَّلِ (قَوْلُهُ: مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدِلِّ) أَيْ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِ الْمُثَقَّلِ كَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فَلَا يُنَافِي الْقِصَاصَ) أَيْ فَيَثْبُتُ وَهُوَ الْفَرْعُ الْمَقِيسُ لَا عَدَمُ الْمُنَافَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ بَلْ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ الدَّلِيلِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَقَدْ سَبَقَ لِلشَّارِحِ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَلَوْ أَسْقَطَ الْفَاءَ كَانَ أَجْلَى لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ مَدْخُولَهَا هُوَ الْفَرْعُ اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: لِمَ قُلْت) أَيْ فِي الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: يَقْتَضِيهِ إلَخْ) هَذَا بِحَسَبِ غَرَضِ الْمُسْتَدِلِّ وَإِلَّا فَفِي الدَّلِيلِ لَمْ يَذْكُرْ الِاقْتِضَاءَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَسْتَلْزِمْهُ الدَّلِيلُ) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ الثُّبُوتُ (قَوْلُهُ: وَكَمَا يُقَالُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ الْآتِي وَرُبَّمَا سَكَتَ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ آلَاتِ الْقَتْلِ) بَيَانٌ لِلْوَسِيلَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ قَطْعٍ إلَخْ بَيَانٌ لِلْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَالْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ) أَيْ بِجَامِعِ مُطْلَقِ التَّفَاوُتِ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ مَانِعٍ) أَيْ كَالتَّفَاوُتِ هُنَا انْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ أَيْ بَاقِي الْمَوَانِعِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ وَوُجُودُ عَطْفٌ عَلَى انْتِفَاءٍ (قَوْلُهُ: تَعْرِيضًا بِي) أَيْ بِأَنِّي أَثْبَتَّهُ وَجَعَلْته مَأْخَذًا لِي (قَوْلُهُ: مِنْ مُنَافَاةِ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ إلَخْ) فَسَّرَ بِهِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا فَجَعَلَهُ رَاجِعًا لِلْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَلَوْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ مَنْعِ التَّفَاوُتِ فِي الْوَسِيلَةِ لِيَرْجِعَ إلَى الْمِثَالِ الثَّانِي لَكَانَ

لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيَانِ مَأْخَذٍ آخَرَ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَانِدُ بِمَا قَالَهُ (وَرُبَّمَا سَكَتَ الْمُسْتَدِلُّ عَنْ مُقَدَّمَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ مَخَافَةَ الْمَنْعِ) لَهَا لَوْ صَرَّحَ بِهَا (فَيُرَدُّ) بِسُكُوتِهِ عَنْهَا (الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ) كَمَا يُقَالُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَيَسْكُتُ عَنْ الصُّغْرَى وَهِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ قُرْبَةً فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ مُسَلِّمٌ أَنَّ مَا هُوَ قُرْبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاطُهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ صَرَّحَ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّهُمَا قُرْبَةٌ وَرَدَ عَلَيْهِ مَنْعُ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ عَنْ الْمَشْهُورِ فَهِيَ كَالْمَذْكُورَةِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ (وَفِي صَلَاحِيَّةِ إفْضَاءِ الْحُكْمِ إلَى الْمَقْصُودِ) مِنْ شَرْعِهِ (وَفِي الِانْضِبَاطِ) لِلْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ (وَالظُّهُورِ) لَهُ بِأَنْ يَنْفِيَ كُلًّا مِنْ الْأَرْبَعَةِ (وَجَوَابُهَا) أَيْ جَوَابُ الْقَدْحِ فِيهَا (بِالْبَيَانِ) لَهَا مِثَالُ الصَّلَاحِيَّةِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ أَنْ يُقَالَ تَحْرِيمُ الْمُحَرَّمِ بِالْمُصَاهَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقْرَبَ وَمُوَافِقًا لِكَلَامِ غَيْرِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَدَالَتَهُ إلَخْ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ تَعْلِيلِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ إلَخْ وَتَعْلِيلُ مُقَابِلِهِ بِأَنَّهُ قَدْ يُعَانِدُ مَعَ أَنَّ الْعِنَادَ يُوقِعُ فِي الْكَذِبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الظَّاهِرَ الْعَدَالَةُ وَمِنْ شَأْنِهَا انْتِفَاءُ الْكَذِبِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يُنَافِيهَا (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا سَكَتَ الْمُسْتَدِلُّ) أَيْ بِقِيَاسٍ مَنْطِقِيٍّ وَقَوْلُهُ عَنْ مُقَدِّمَةٍ هِيَ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ) أَيْ مُوجَبِ الْمُقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاطُهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُنْتَجُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مَنْعُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُمَا قُرْبَةٌ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يَرَى أَنَّهُمَا لِلنَّظَافَةِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ) لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ تَسْلِيمٌ لِلدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ وَهَذَا مَنْعٌ لِلدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَتَّى إلَخْ) وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى الْمَنْعُ (قَوْلُهُ: وَفِي صَلَاحِيَّةِ إفْضَاءِ الْحُكْمِ إلَخْ) أَيْ وَفِي كَوْنِ الْحُكْمِ صَالِحًا لَأَنْ يُفْضِيَ أَيْ يُوَصِّلَ إلَى الْمَقْصُودِ كَمَا أَشَارَ الشَّارِحُ بَعْدُ فِي الْمِثَالِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهِ الْمَوْصُوفَ بِالصَّلَاحِيَّةِ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ وَجَعَلَ الْإِفْضَاءَ مُتَعَلِّقَ صَلَاحِيَّتِهِ فَفِي الْعِبَارَةِ قَلْبٌ وَالْأَصْلُ وَفِي صَلَاحِيَّةِ الْحُكْمِ لِإِفْضَائِهِ لِلْمَقْصُودِ أَوْ أَنَّ الصَّلَاحِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ صِفَةٌ لِلْحُكْمِ إلَّا أَنَّهَا سَبَبٌ فِي إفْضَائِهِ فَأُضِيفَتْ إلَيْهَا إضَافَةَ السَّبَبِ إلَى الْمُسَبِّبِ (قَوْلُهُ: وَفِي الِانْضِبَاطِ) أَيْ كَالْمَشَقَّةِ لِلسَّفَرِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَنْفِيَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْقَدْحِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَيْ يَنْفِي كُلَّ وَاحِدٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ قَادِحٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ الْجَمِيعِ كَمَا قَدْ تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُبْدِيَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا مَفْسَدَةً رَاجِحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً وَيُبَيِّنَ فِي الثَّانِي عَدَمَ الصَّلَاحِيَّةِ لِلْإِفْضَاءِ وَفِي الثَّالِثِ عَدَمَ الِانْضِبَاطِ وَفِي الرَّابِعِ عَدَمَ الظُّهُورِ وَالْأَوَّلَانِ يَخْتَصَّانِ بِالْمُنَاسَبَةِ وَالْأَخِيرَانِ يَعُمَّانِهَا وَغَيْرَهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْقَدْحَ فِي الْمُنَاسَبَةِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ الْمُنَاسَبَةُ بِتَحْرِيمِ مَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ إلَخْ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَلِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الْجَوَابِ (قَوْلُهُ: بِالْبَيَانِ لَهَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَجَوَابُهُ بِبَيَانِ تَرْجِيحِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا عَلَيْهِ تَفْصِيلًا أَوْ إجْمَالًا وَالثَّانِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَجَوَابُهُ بِبَيَانِ انْضِبَاطِهِ كَالتَّعْلِيلِ بِالْمَشَقَّةِ فِي الْقَصْرِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ الْمَشَقَّةُ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ فَيُجَابُ بِانْضِبَاطِهَا عُرْفًا وَأَمَّا الرَّابِعُ فَجَوَابُهُ بِبَيَانِ ظُهُورِهِ بِصِفَةٍ ظَاهِرَةٍ كَالرِّضَا فِي الْعُقُودِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ فَيُجَابُ بِصِفَةٍ ظَاهِرَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَهِيَ الصِّيَغُ كَبِعْتُكَ وَزَوَّجْتُكَ وَاشْتَرَيْتُ وَقَبِلْتُ اهـ. خَالِدٌ. (قَوْلُهُ: تَحْرِيمُ الْمُحَرَّمِ)

مُؤَبَّدًا صَالِحٌ لَأَنْ يُفْضِيَ إلَى عَدَمِ الْفُجُورِ بِهَا الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ التَّحْرِيمِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ لَيْسَ صَالِحًا لِذَلِكَ بَلْ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْفُجُورِ فَإِنَّ النَّفْسَ مَائِلَةٌ إلَى الْمَمْنُوعِ فَيُجَابُ بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا الْمُؤَبَّدَ يَسُدُّ بَابَ الطَّمَعِ فِيهَا بِحَيْثُ تَصِيرُ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ كَالْأُمِّ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (الْفَرْقُ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَ (هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ وَقِيلَ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْمُعَارَضَتَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (مَعًا) لِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ إبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ تُجْعَلُ شَرْطًا لِلْحُكْمِ بِأَنْ تُجْعَلَ مِنْ عِلَّتِهِ أَوْ إبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْفَرْعِ تُجْعَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَتَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِالْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ لِارْتِفَاعِ الْحِجَابِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْمُؤَدِّي لِلْفُجُورِ فَإِذَا تَأَبَّدَ التَّحْرِيمُ انْسَدَّ بَابُ الطَّمَعِ فِي الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ: مُؤَبَّدًا) حَالٌ مِنْ تَحْرِيمٍ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فِي جَوَازِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ: إلَى عَدَمِ الْفُجُورِ) أَيْ الزِّنَا وَقَوْلُهُ الْمَقْصُودِ نَعْتُ عَدَمِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ صَالِحًا) أَيْ الْإِفْضَاءُ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ) أَيْ عَادَةً (اسْتِطْرَادٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ دَاعِيَةٌ لِلطَّبْعِ تَجْزِي عَنْ تَكْلِيفِ الشَّرْعِ وَبَعْضُهُمْ بِقَوْلِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ مُغْنٍ عَنْ الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْقَاعِدَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَالُ عَلَى طَبْعِهِ مَا لَمْ يَقُمْ مَانِعٌ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُرَتِّبْ الشَّارِعُ عَلَى شُرْبِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَأَكْلِ الْعَذِرَةِ حَدًّا اكْتِفَاءً بِنُفْرَةِ الطِّبَاعِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لِقِيَامِ بَوَاعِثِهَا فَلَوْلَا الْحَدُّ لَعَمَّتْ مَفَاسِدُهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ مِنْهَا لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَشَذَّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْوَطْأَةِ الْأُولَى لِتَقْرِيرِ الْمَهْرِ أَمَّا الْمَوْلَى فَوَاجِبُهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَمِنْهَا إقْرَارُ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ مَقْبُولٌ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَرْدَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ فِيمَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ وَمِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ مِمَّا يَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ وَمَا تَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ لَا يُحْتَاجُ لِلزَّجْرِ عَنْهُ وَمِنْهَا لَيْسَ النِّكَاحُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْوَجْهِ النَّظَرُ إلَى بَقَاءِ النَّسْلِ وَقَدَّرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَالَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الشَّهْوَةِ مَا يَبْعَثُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِهِ ثُمَّ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِ أَهْلِ قُطْرٍ رَغِبُوا عَنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا اهـ. ثُمَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ فِي الْأَشْبَاهِ أَعَادَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ فَقَالَ وَمَالَ أَيْ وَالِدُهُ إلَى قِتَالِ أَهْلِ قُطْرٍ رَغِبُوا عَنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ وَإِنْ قَنَعُوا بِالتَّسَرِّي مَعَ تَضْعِيفِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا سَعِيدٍ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أَهْلُ قُطْرٍ أُجْبِرُوا عَلَيْهِ اهـ. وَمِمَّا يُلْتَحَقُ بِمَا هُنَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ أَنَّ النَّوَوِيَّ ذَكَرَ فِي الدَّقَائِقِ أَنَّهُ يُثْبِتُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ كَالصَّحِيحِ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْمِنْهَاجِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الْوَالِدُ فِي شَرْحِهِ سَاكِتًا عَلَيْهِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ النِّكَاحِ صَحِيحًا وَأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةٌ جَزَمَ بِذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَكَثِيرُونَ وَلَا أَعْرِفُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إلَّا وَجْهًا غَرِيبًا حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ الْفَرْعِ) أَوْ مَانِعَةِ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ فَصُوَرُهُ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةٌ وَعَلَى الثَّانِي وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَيْهِمَا إلَخْ) تَضْعِيفُهُ بِالنَّظَرِ إلَى حَصْرِ الْفَرْقِ فِيهِ وَإِلَّا فَالْفَرْقُ حَاصِلٌ بِرُجُوعِهِ إلَيْهِمَا كَحُصُولِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى فَأَوْ فِي كَلَامِهِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: إبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ إلَخْ) سَمَّاهُ مُعَارَضَةً فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الْوَصْفَ الْمُشْتَرَكَ وَالْمُعْتَرَضُ عِلِّيَّتُهُ مَعَ خُصُوصِيَّتِهِ لَا تُوجَدُ فِي الْفَرْعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْخَفَاءُ فِي كَوْنِ إبْدَاءِ الْمَانِعِ فِي الْفَرْعِ مُعَارَضَةً فِيهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَانِعَ عَنْ الشَّيْءِ فِي قُوَّةِ الْمُقْتَضِي لِنَقِيضِهِ فَيَكُونُ الْمَانِعُ فِي الْفَرْعِ وَصْفًا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ وَهَذَا مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ كَمَا قَالَهُ الْعَضُدُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تُجْعَلَ مِنْ عِلَّتِهِ) تَنْبِيهٌ عَلَى تَوْجِيهِ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ ادَّعَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْعِلَّةُ وَادَّعَى الْمُعْتَرِضُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْوَصْفُ مَعَ خُصُوصِيَّةٍ لَا تُوجَدُ فِي الْفَرْعِ وَلَمْ

مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ وَعَلَى الثَّانِي إبْدَاءُ الْخُصُوصِيَّتَيْنِ مَعًا مِثَالُهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِشِقَّيْهِ أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ كَالتَّيَمُّمِ بِجَامِعِ الطَّهَارَةِ عَنْ حَدَثٍ فَيَعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ الطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ وَأَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ كَغَيْرِ الْمُسْلِمِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَيَعْتَرِضُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِي الْفَرْعِ مَانِعٌ مِنْ الْقَوَدِ وَقَدْ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ الذَّاكِرُ لِرُجُوعِ الْفَرْقِ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُسَمَّى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ إبْدَاءُ قَيْدٍ فِي الْعِلَّةِ وَمِنْ مُسَمَّى الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ إبْدَاءُ مَانِعٍ مِنْ الْحُكْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فَأَحَالَ مَعْنَى الْفَرْقِ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْهُ بِخِلَافِ الْآمِدِيِّ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) أَيْ الْفَرْقَ (قَادِحٌ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ سُؤَالَانِ) بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِيهِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي جَمْعِ الْمُسْتَدِلِّ وَقِيلَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَقِيلَ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُؤَالَانِ لِأَنَّ جَمْعَ الْأَسْئِلَةِ الْمُخْتَلِفَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَوَابِ الْفَرْقِ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ مَنْعُ كَوْنِ الْمُبْدِئِ فِي الْأَصْلِ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ وَفِي الْفَرْعِ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ وَمَهَّدَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْقِ قَوْلُهُ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ يَمْنَعُ تَعَدُّدُ الْأُصُولِ) بِفَرْعٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِتَوْجِيهِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشَّيْءِ فِي قُوَّةِ الْمُقْتَضِي لِنَقِيضِهِ فَيَكُونُ الْمَانِعُ فِي الْفَرْعِ وَصْفًا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَهَذَا مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ) فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: بِشِقَّيْهِ) أَيْ الْأَصْلِ فَقَطْ أَوْ الْفَرْعِ فَقَطْ فَذَكَرَ لِكُلِّ شِقٍّ مِثَالًا (قَوْلُهُ: كَالتَّيَمُّمِ) هُوَ الْأَصْلُ وَالْحُكْمُ وُجُوبُ النِّيَّةِ وَالْوَصْفُ هُوَ الطَّهَارَةُ (قَوْلُهُ: الطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ) أَيْ كَوْنُهُ طَهَارَةً تُرَابِيَّةً لَا مُطْلَقَ طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ: بِالذِّمِّيِّ) أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] (قَوْلُهُ: كَغَيْرِ الْمُسْلِمِ) هُوَ الْأَصْلُ وَالْوَصْفُ هُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ وَقَوْلُهُ يُقَادُ الْمُسْلِمُ هُوَ الْفَرْعُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ) حَاصِلُهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَحَالَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْهُ لَا سَابِقًا وَلَا لَاحِقًا (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ مُسَمَّى الْمُعَارَضَةِ إلَخْ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَارَضَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الدَّلِيلِ بِدَلِيلٍ وَهَذَا لَا يَرْجِعُ لَهُ الْفَرْقُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ أَنَّ رُجُوعَ الْفَرْقِ لِلْمُعَارَضَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَيْ فَيُوهَمُ رُجُوعُهُ لِلْمُعَارَضَةِ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ: سُؤَالَانِ) أَيْ اعْتِرَاضَانِ اعْتِرَاضٌ رَاجِعٌ إلَى الْأَصْلِ وَاعْتِرَاضٌ رَاجِعٌ إلَى الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ وَمُعَارَضَةٌ فِي الْفَرْعِ وَمَعْنَى كَوْنِهِ سُؤَالًا وَاحِدًا اتِّحَادُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ قَطْعُ الْجَمْعِ وَمَعْنَى كَوْنِهِ سُؤَالَيْنِ اشْتِمَالُهُ عَلَى مُعَارَضَةِ عِلَّةِ الْأَصْلِ بِعِلَّةٍ وَعَلَى مُعَارَضَةِ الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ فِي جَانِبِهِ لِأَنَّ الْفَارِقَ لَمَّا أَتَى بِالْمَانِعِ اُعْتُبِرَ فِي عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ قَيْدٌ آخَرُ كَالْمُكَافَأَةِ فِي مِثَالِ الشَّارِحِ فَصَارَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَ غَيْرِهِ الْعِلَّةُ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ مَا قَالَهُ بِنَاءً عَلَى رُجُوعِ الْفَرْقِ إلَيْهِمَا كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهَمَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ حَصْرُ رُجُوعِ الْفَرْقِ إلَيْهِمَا وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ قَوْلُهُ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ السَّابِقِ وَقِيلَ إلَخْ تَضْعِيفُهُ بِالنَّظَرِ إلَى حَصْرِ الْفَرْقِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي جَمْعِ الْمُسْتَدِلِّ) أَيْ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا شَابَهَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَقِيلَ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: الْأَسْئِلَةِ الْمُخْتَلِفَةِ) لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ فِي الْأَصْلِ إبْدَاءُ قَيْدٍ فِي الْعِلَّةِ وَفِي الْفَرْعِ إبْدَاءُ مَانِعٍ مِنْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مَنْعُ كَوْنِ الْمُبْدِئِ إلَخْ) أَيْ أَوْ بَيَانُ وُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ وَقَوْلُهُ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ أَيْ أَوْ مَنْعُ وُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ فَفِيهِ احْتِبَاكٌ (قَوْلُهُ: تَعَدُّدُ الْأُصُولِ) لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تِلْكَ الْأُصُولِ مُتَّحِدَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يَبْعُدُ

أَنْ يُقَاسَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا (لِلِانْتِشَارِ) أَيْ انْتِشَارِ الْبَحْثِ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ جُوِّزَ عِلَّتَانِ) لِمَعْلُولٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ مُطْلَقًا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ انْتِشَارٌ (قَالَ الْمُجِيزُونَ) لِلتَّعَدُّدِ (ثُمَّ) عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ (لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنْهَا كَفَى) فِي الْقَدْحِ فِيهَا لِأَنَّهُ يُبْطِلُ جَمْعُهَا الْمَقْصُودَ قِيلَ لَا يَكْفِي لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا (وَثَالِثُهَا) يَكْفِي (إنْ قَصَدَ الْإِلْحَاقَ بِمَجْمُوعِهَا) لِأَنَّهُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِكُلٍّ مِنْهَا (ثُمَّ فِي اقْتِصَارِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى وُجُوبِ أَصْلٍ وَاحِدٍ) مِنْهَا حَيْثُ فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ جَمِيعِهَا (قَوْلَانِ) قِيلَ يَكْفِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالدَّفْعِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقِيلَ لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْجَمِيعَ فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (فَسَادُ الْوَضْعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ) عَلَيْهِ كَأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ نَقِيضِهِ (كَتَلَقِّي التَّخْفِيفِ مِنْ التَّغْلِيظِ وَالتَّوْسِيعِ مِنْ التَّضْيِيقِ وَالْإِثْبَاتِ مِنْ النَّفْيِ) وَعَكْسُهُ الْأَوَّلُ (مِثْلُ) قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (الْقَتْلُ) عَمْدًا (جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَلَا يُكَفَّرُ) أَيْ لَا تَجِبُ لَهُ كَفَّارَةٌ (كَالرِّدَّةِ) فَعِظَمُ الْجِنَايَةِ يُنَاسِبُ تَغْلِيظَ الْحُكْمِ لَا تَخْفِيفَهُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالثَّانِي قَوْلُهُمْ الزَّكَاةُ وَجَبَتْ عَلَى وَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ تَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَّحِدَةً وَأَنْ تَكُونَ مُخْتَلِفَةً بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ بِأَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ عِلَلٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَيَرِدُ النَّصُّ بِهِ فِي ثَلَاثِ أُصُولٍ مُعَلِّلًا لَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بِعِلَّةٍ وَتُوجَدُ الْعِلَلُ كُلُّهَا فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ قَالَهُ سم وَقَدْ صَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ جَوَازَ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَاسَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا) الْأَنْسَبُ بِالْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا الصَّادِقُ بِكُلٍّ مِنْهَا وَبِمَجْمُوعِهَا اهـ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُوِّزَ عِلَّتَانِ) أَيْ فَأَكْثَرُ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ عَلَى يَمْتَنِعُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الْقِيَاسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ الْمَجْمُوعَ فَهُوَ قَوْلٌ مَطْوِيٌّ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ لَا يَحْصُلُ انْتِشَارٌ) أَيْ بِأَنْ يُسَلِّمَ الْمُعْتَرِضُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُبْطِلُ جَمْعَهَا) يَعْنِي جَمْعَهَا مَعَ الْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُسْتَدِلِّ جَمْعُهَا مَعَهُ فِي الْعِلَّةِ وَهُوَ يَبْطُلُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَصْلٍ مِنْهَا وَالْفَرْعِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إلَخْ) قِيَاسُ تَرْجِيحِ حُصُولِ الْقَدْحِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ وَاحِدٍ تَرْجِيحُ هَذَا وَقِيَاسُ الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ السَّابِقِ فِي كَلَامِهِ أَنْ يَأْتِيَ نَظِيرُهُ هُنَا فَيُقَالُ إنْ قَصَدَ الْإِلْحَاقَ بِمَجْمُوعِ الْأَصْلِ لَمْ يَكْفِ الِاقْتِصَارُ وَإِلَّا كَفَى اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا) أَيْ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ الْإِلْحَاقَ بِمَجْمُوعِهَا) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُخْرِجُ الْمَسْأَلَةَ عَنْ مَوْضُوعِهَا مِنْ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ قَصَدَ الْإِلْحَاقَ أَيْ مَعَ فَرْضِ صَلَاحِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْإِلْحَاقِ بِهِ عَلَى حِدَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَمْ تَخْرُجْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ مَوْضُوعِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَبْطُلُ) لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ يَبْطُلُ بِإِبْطَالِ جُزْئِهِ (قَوْلُهُ: قِيلَ يَكْفِي إلَخْ) هَذَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي جَانِبِ الْفَرْقِ وَقِيلَ لَا يَكْفِي لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا إلَخْ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ لَا يَكْفِي فِي الْقَدْحِ إلَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَجَمِيعِ الْأُصُولِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكْفِي فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْجَمِيعِ الْجَوَابُ عَنْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَحْصُلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَمِيعِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْقَدْحِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ فَلَعَلَّ قَائِلَهُمْ وَاحِدٌ اهـ. سم (قَوْله بِأَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ) لَمْ يَقُلْ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْقِيَاسُ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي قَوَادِحِ الْقِيَاسِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ لَا يَخْتَصُّ بِالْقِيَاسِ وَكَذَلِكَ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَكُونَ صَالِحًا إلَخْ) مِثَالُ قَوْلِهِ لَا يَكُونُ وَقَوْلُهُ لِضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَيْ كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَقِيضِهِ أَيْ وَذَلِكَ فِي الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ (قَوْلُهُ: كَتَلَقِّي التَّخْفِيفِ) أَيْ كَأَخْذِ حُكْمٍ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ مِنْ دَلِيلٍ يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ (قَوْلُهُ: وَالتَّوْسِيعُ إلَخْ) يُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِيمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عَكْسُ الْأَخِيرِ فَقَطْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عَكْسُ الْجَمِيعِ بِتَأْوِيلِ مَا ذُكِرَ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَالرَّابِعُ كَأَنْ يُقَالَ إلَخْ وَإِلَّا لَقَالَ وَالسَّابِعُ بَدَلَ قَوْلِهِ وَالرَّابِعُ وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ عَكْسَ الْجَمِيعِ وَيَسْتَوْفِيَ فِي أَمْثِلَةِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ بِعَدَمِ وُجُودِ بَقِيَّةِ الْعَكْسِ فِي كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يُنَاسِبُ تَغْلِيظَ الْحُكْمِ إلَخْ)

الِارْتِفَاقِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فَكَانَتْ عَلَى التَّرَاخِي كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالتَّرَاخِي الْمُوَسِّعُ لَا يُنَاسِبُ دَفْعَ الْحَاجَةِ الْمُضَيَّقَ وَالرَّابِعُ كَأَنْ يُقَالَ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْمُحَقَّرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا سِوَى الرِّضَا فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا بَيْعٌ كَمَا فِي غَيْرِ الْمُحَقَّرِ فَالرِّضَا الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْبَيْعِ يُنَاسِبُ الِانْعِقَادَ لَا عَدَمَهُ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ (كَوْنُ الْجَامِعِ) فِي قِيَاسِ الْمُسْتَدِلِّ (ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ) فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ مِثَالُ الْجَامِعِ ذِي النَّصِّ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْهِرَّةُ سَبُعٌ ذُو نَابٍ فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا كَالْكَلْبِ فَيُقَالُ السَّبُعِيَّةُ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ عِلَّةً لِلطَّهَارَةِ حَيْثُ «دُعِيَ إلَى دَارٍ فِيهَا كَلْبٌ فَامْتَنَعَ وَإِلَى أُخْرَى فِيهَا سِنَّوْرٌ فَأَجَابَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ السِّنَّوْرُ سَبُعٌ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِثَالُ ذِي الْإِجْمَاعِ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مِنْ التَّغْلِيظِ لَا مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ إذْ فِي عَدَمِ التَّكْفِيرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لِغِلَظِهِ يَجِلُّ عَنْ أَنْ يُكَفِّرَ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الِارْتِفَاقِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْمُرَادُ بِهِ الرِّفْقُ بِالْمَالِكِ وَالْمُسَاهَلَةُ فِي شَأْنِهِ وَعَدَمُ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ وَمِنْ آثَارِ كَوْنِهَا عَلَى وَجْهِ الِارْتِفَاقِ تَجْوِيزُ إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ وَامْتِنَاعُ أَخْذِ نَحْوِ الْحَوَامِلِ وَالْكَرِيمَةِ وَمِمَّا يَمْنَعُ مِنْ إرَادَةِ رِفْقِ الْمُسْتَحِقِّ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي كَأَنْ يَكُونَ لَهُ جِهَتَانِ إلَخْ حَيْثُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ نَظَرَ فِي التَّخْفِيفِ إلَى الِارْتِفَاقِ أَيْ أَخْذُ التَّخْفِيفِ مِنْ الِارْتِفَاقِ إنَّمَا يُنَاسِبُ أَخْذَهُ مِنْهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ ارْتِفَاقُ الْمُزَكِّي لِأَنَّ قَصْدَ الْمُسَاهَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ يُنَاسِبُهُ التَّرَاخِي بِخِلَافِ ارْتِفَاقِ الْمُسْتَحِقِّ إنَّمَا يُنَاسِبُهُ الْفَوْرِيَّةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لِدَفْعِ الْحَاجَةِ) مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) قَضِيَّتُهُ تَحَقُّقُ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ مِنْ الِارْتِفَاقِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ هُنَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ دَفْعَ حَاجَةِ الْجَانِي إلَى خَلَاصِهِ مِنْ عُهْدَةِ جِنَايَتِهِ الَّتِي تَكْثُرُ مِنْهُ وَيُعْذَرُ فِيهَا وَأَنَّ فِي الِاقْتِصَارِ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى نِصْفِ دِينَارٍ عَلَى الْغَنِيِّ وَرُبُعِ دِينَارٍ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ وَعَدَمِ أَخْذِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آخِرِ الْحَوْلِ زِيَادَةً عَلَى مَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يَفُوا بِالدِّيَةِ رِفْقًا بِهِمْ وَتَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لَا يُنَاسِبُ دَفْعَ الْحَاجَةِ) أَيْ الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ تَمْثِيلَ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِهَذَا الْمِثَالِ لِلثَّالِثِ وَهُوَ تَلَقِّي الْإِثْبَاتِ مِنْ النَّفْيِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمُتَلَقِّيَ هُنَا إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَهُوَ نَفْيُ مُتَلَقًّى مِنْ وُجُودِ الرِّضَا وَهُوَ إثْبَاتٌ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ إنَّمَا يُنَاسِبُ الِانْعِقَادَ وَأَمَّا مِثَالُ الثَّالِثِ فَكَأَنْ يُقَالَ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي غَيْرِ الْمُحَقَّرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَعَ الرِّضَا صِيغَةٌ يَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ كَمَا فِي الْمُحَقَّرِ عَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِهِ بِهَا فِيهِ فَعَدَمُ الصِّيغَةِ يُنَاسِبُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ لَا الِانْعِقَادِ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا قَدْحٌ فِي الْمُنَاسَبَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَدْحِ فِيهَا وَقَدْ مَرَّ بِأَنَّ مَا هُنَا قَدْحٌ فِي وُجُودِهَا وَمَا مَرَّ قَدْحٌ فِيهَا بِانْخِرَامِهَا بِمُفْسِدٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ هُوَ كَمَا يُوهِمُهُ تَفْسِيرُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ لَهُ بِهِ وَقَوْلُهُ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ أَيْ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهِ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّقِيضَانِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِي أَحَدِهِمَا لَا فِي ثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْآخَرِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: كَوْنُ الْجَامِعِ) أَيْ الْوَصْفِ الْجَامِعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَهُوَ السَّبُعِيَّةُ فِي الْمِثَالِ (قَوْلُهُ: فِي نَقِيضِ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِبَارِهِ وَفِيهِ فَصْلُ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ بِمَعْمُولِ غَيْرِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مَعْمُولُ ثَبَتَ وَأَرَادَ بِالنَّقِيضِ مَا يَشْمَلُ الضِّدَّ (قَوْلُهُ: الْهِرَّةُ) خَاصَّةٌ بِالْمُؤَنَّثِ وَتُجْمَعُ عَلَى هِرَرٍ كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ وَأَمَّا الْهِرُّ فَيُجْمَعُ عَلَى هِرَرَةٍ كَقِرْدٍ وَقِرَدَةٍ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا كَالْكَلْبِ) بِجَامِعِ السَّبُعِيَّةِ لَكِنَّ قَوْلَ السِّنَّوْرُ سَبُعٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ سَبُعٍ وَشَرْطُ الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلِذَا قَالَ النَّاصِرُ جَعْلُ الْجَامِعِ السَّبُعِيَّةَ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّنْزِيلِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ دُعِيَ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ لِدَارِ قَوْمٍ فَأَجَابَ وَإِلَى دَارٍ أُخْرَى فَامْتَنَعَ وَقَالَ إنَّ فِي دَارِهِمْ كَلْبًا فَقِيلَ لَهُ وَفِي دَارِ

يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ حَيْثُ يُسْتَحَبُّ الْإِيتَارُ فِيهِ فَيُقَالُ الْمَسْحُ فِي الْخُفِّ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ إجْمَاعًا فِيمَا قِيلَ وَإِنْ حَكَى ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ (وَجَوَابُهُمَا) أَيْ قِسْمَيْ فَسَادِ الْوَضْعِ (بِتَقْرِيرِ كَوْنِهِ كَذَلِكَ) فَيُقَرَّرُ كَوْنُ الدَّلِيلِ صَالِحًا لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ جِهَتَانِ يَنْظُرُ الْمُسْتَدِلُّ فِيهِ مِنْ إحْدَاهُمَا وَالْمُعْتَرِضُ مِنْ الْأُخْرَى كَالِارْتِفَاقِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ وَيُجَابَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ بِأَنَّهُ غُلِّظَ فِيهِ بِالْقِصَاصِ فَلَا يُغَلَّظُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ وَعَنْ الْمُعَاطَاةِ بِأَنَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ بِهَا مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الصِّيغَةِ لَا عَلَى الرِّضَا وَيُقَرَّرُ كَوْنُ الْجَامِعِ مُعْتَبَرًا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيَكُونُ تَخَلُّفُهُ عَنْهُ بِأَنْ وُجِدَ مَعَ نَقِيضِهِ لِمَانِعٍ كَمَا فِي مَسْحِ الْخُفِّ فَإِنَّ تَكْرَارَهُ يُفْسِدُهُ كَغَسْلِهِ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (فَسَادُ الِاعْتِبَارِ بِأَنْ يُخَالِفَ) الدَّلِيلُ (نَصًّا) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (أَوْ إجْمَاعًا) كَأَنْ يُقَالَ فِي التَّبْيِيتِ فِي الْأَدَاءِ صَوْمٌ مَفْرُوضٌ فَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ كَالْقَضَاءِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلَخْ) فَإِنَّهُ رَتَّبَ فِيهِ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ عَلَى الصَّوْمِ كَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلتَّبْيِيتِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِينَ أَجَبْتَهُمْ هِرَّةٌ فَقَالَ الْهِرَّةُ سَبُعٌ» (قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ) أَيْ مَسْحٌ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مَسْحٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُسْتَحَبُّ الْإِيتَارُ فِيهِ) أَيْ بِأَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ تَثْلِيثَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ عِنْدَنَا وَاجِبٌ لَا مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ إجْمَاعًا) أَيْ فَجَعْلُ الْمَسْحِ جَامِعًا فَاسِدُ الْوَضْعِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ إجْمَاعًا فِي نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُمَا) أَيْ قِسْمَيْ فَسَادِ الْوَضْعِ رَدُّ أَقْسَامِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ تَلَقِّي تَخْفِيفٍ مِنْ تَغْلِيظٍ وَتَوْسِيعٍ مِنْ تَضْيِيقٍ وَإِثْبَاتٍ مِنْ نَفْيٍ وَعَكْسُهُ وَكَوْنُ الْجَامِعِ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ إلَى قِسْمَيْنِ تَلَقِّي الشَّيْءِ مِنْ ضِدِّهِ أَوْ نَقِيضِهِ وَكَوْنُ الْجَامِعِ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَجَوَابُهُمَا وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَاجِبُهُمَا أَيْ أَقْسَامِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَقُولَ وَجَوَابُهُ أَيْ فَسَادِ الْوَضْعِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: كَوْنُ الدَّلِيلِ) بَيَّنَ بِهِ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فِي كَوْنِهِ وَقَوْلُهُ صَالِحًا إلَخْ بَيَّنَ بِهِ الْمُشَارَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَيُجَابَ) مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَكُونَ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ يَكُونَ إلَخْ وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فَيُقَرَّرُ إلَخْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ هَذَا وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِدَفْعِ الْإِثْمِ وَهِيَ لَا تُنَاسِبُ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْمُعَاطَاةِ إلَخْ) هُوَ كَمَا تَرَى جَوَابٌ عَنْهَا فِي مِثَالِ الرَّابِعِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْهَا فِي مِثَالِ الثَّالِثِ الَّذِي قَدَّمْته فَبِأَنَّ الِانْعِقَادَ بِهَا مُرَتَّبٌ عَلَى الرِّضَا لَا عَلَى عَدَمِ الصِّيغَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَيُقَرَّرُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيُقَرَّرُ لَا عَلَى وَيُجَابُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَسَمَ الثَّانِيَ يُشْبِهُ النَّقْضَ مِنْ حَيْثُ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْوَصْفِ إلَّا أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا يُثْبِتُ نَقِيضَ الْحُكْمِ وَفِي النَّقْضِ لَا يَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ بَلْ يَقْنَعُ فِيهِ بِثُبُوتِ نَقِيضِ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ وَشَبَهَ الْقَلْبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إثْبَاتُ نَقِيضِ الْحُكْمِ بِعِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُهُ بِأَنَّ فِي الْقَلْبِ إثْبَاتَ النَّقِيضِ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُنَا بِأَصْلٍ آخَرَ وَيُشْبِهُ الْقَدْحَ فِي الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْقِي مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِنَقِيضِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ هُنَا بَيَانَ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ بِأَنَّ بَيَانَ نَقِيضِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي أَصْلٍ آخَرَ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ) أَيْ الَّذِي قَالَ الْمُعْتَرِضُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي النَّقِيضِ وَهُوَ التَّكْرَارُ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ تَخَلُّفُهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ كَشَيْخِنَا الشِّهَابِ فَيَنْدَفِعُ فَسَادُ الْوَضْعِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ النَّقْضُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَادِحٌ وَلَوْ لِمَانِعٍ اهـ. وَأَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ قَادِحٌ إلَّا إنْ كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ فَالْجَوَابُ بِمَا ذَكَرَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: بِأَنْ وُجِدَ) أَيْ الْجَامِعُ وَقَوْلُهُ مَعَ نَقِيضِهِ وَهُوَ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَقَوْلُهُ لِمَانِعٍ كَخَوْفِ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُخَالِفَ الدَّلِيلُ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ بِأَنْ يُخَالِفَ الْقِيَاسَ وَلَمْ يَقُلْ الشَّارِحُ ذَلِكَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ فَسَادَ الِاعْتِبَارِ لَا يَخْتَصُّ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ إلَخْ) وَيُرَدُّ بِأَنَّ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لَيْسَ

وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِصِحَّةِ دُونِهِ وَكَأَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ فِي الْحَيَوَانِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ كَالْمُخْتَلِطَاتِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا وَقَالَ إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَالْبَكْرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالرُّبَاعِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَكَانَ يُقَالُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ زَوْجَتَهُ الْمَيِّتَةَ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ فِي تَغْسِيلِ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ) لِصِدْقِهِ حَيْثُ يَكُونُ الدَّلِيلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ (تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُنَوَّعَاتِ) فِي الْمُقَدِّمَاتِ (وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا) لِمُجَمَاعَتِهِ لَهَا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ (وَجَوَابُهُ الطَّعْنُ فِي سَنَدِهِ) أَيْ سَنَدِ النَّصِّ بِإِرْسَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ الْمُعَارَضَةُ لَهُ) بِنَصٍّ آخَرَ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَسْلَمُ الْأَوَّلُ (أَوْ مَنْعُ الظُّهُورِ) لَهُ فِي مَقْصِدِ الْمُعْتَرِضِ (أَوْ التَّأْوِيلُ) لَهُ بِدَلِيلٍ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَرُّضًا لِلْعَدَمِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ التَّرْتِيبُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُسْتَلْزِمٌ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِ) يُقَالُ فِي دَفْعِهِ بِأَنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِصِحَّتِهِ دُونَهُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي النَّفْلِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا دُونَهُ دَائِمًا فَمَمْنُوعٌ لِمُخَالِفَتِهِ خَبَرَ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَحَاصِلُ هَذَا جَوَابٌ بِالْمُعَارَضَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَكَأَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ الْقَرْضُ إلَخْ) مِثَالٌ لِمُخَالِفَتِهِ لِلنَّصِّ الَّذِي مِنْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ فِي الْحَيَوَانِ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا الْقَرْضُ فِي الْمَنَافِعِ فَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ وَمَنَعَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ نَقَلَهُ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ سَاكِتًا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْت بِخَطِّ الْوَالِدِ عَلَى حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ رَأْي فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَرْضِ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ يَقُولَ أَقْرَضْتُك مَنْفَعَةَ دَارِي هَذِهِ شَهْرًا قَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ وَالسَّلَمُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنَافِعِ (قَوْلُهُ: كَالْمُخْتَلِطَاتِ) كَأَنْوَاعِ الْمَعَاجِينِ (قَوْلُهُ: اسْتَسْلَفَ) أَيْ اسْتَسْلَفَ بِالْفِعْلِ فَالتَّاءُ زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ وَكَأَنْ يُقَالَ) مِثَالٌ لِلْمُخَالَفَةِ لِلْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا وَقَضِيَّةُ تَعْرِيفِهِمَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِهِ فَقَطْ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصُدِّقَ فَسَادُ الْوَضْعِ فَقَطْ بِأَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ وَلَا يُعَارِضُهُ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ (قَوْلُهُ: وَصِدْقُهُمَا مَعًا) بِأَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةُ مَعَ مُعَارَضَةِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ لَهُ فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ أَعَمُّ وَمِنْ أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَمِنْ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ سَهْوٌ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُنَوَّعَاتِ) عَبَّرَ بِالْمُنَوَّعَاتِ دُونَ الِاعْتِرَاضَاتِ لِأَنَّ الْمُنَوَّعَاتِ طَلَبُ الدَّلِيلِ عَلَى مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَاتِ تَشْمَلُ الْمُنَوَّعَاتِ وَغَيْرَهَا كَالنَّقْضِ وَالتَّأْثِيرِ (قَوْلُهُ: فِي الْمُقَدِّمَاتِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ حَصْرِ الْجَوَابِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ مِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ كَالْقَوْلِ الْمُوجِبِ بِأَنْ يَبْقَى دَلِيلُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَدَّعِي أَنَّ مَدْلُولَهُ لَا يُنَافِي الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ: فِي سَنَدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ حَدِيثًا مَنْقُولًا بِالْآحَادِ أَمَّا إذَا كَانَ سُنَّةً مُتَوَاتِرَةً أَوْ كِتَابًا فَلَا يَنْفَعُهُ هَذَا الْجَوَابُ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا كَأَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا آحَادًا فَيُطْعَنُ فِي سَنَدِهِ بِضَعْفِ النَّاقِلِ أَوْ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَسْلَمُ الْأَوَّلُ) أَيْ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ عَارَضَ الْمُعْتَرِضُ الْقِيَاسَ بِنَصٍّ آخَرَ لَمْ يُفِدْهُ لِأَنَّ النَّصَّ الْوَاحِدَ يُعَارِضُ النَّصَّيْنِ فَأَكْثَرَ كَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ تُعَارِضُ شَهَادَةَ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ نَعَمْ إنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ رُجِّحَ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فَعُلِمَ أَنَّ النَّصَّ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ تَعَارُضِ النُّصُوصِ يَرْجِعُونَ إلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْعِ الظُّهُورِ) كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلَخْ فَإِنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي عَدَمِ

أَيْ مَنْعُ كَوْنِهِ الْعِلَّةَ (وَيُسَمَّى الْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ وَالْأَصَحُّ قَبُولُهُ) وَإِلَّا لَأَدَّى الْحَالُ إلَى تَمَسُّكِ الْمُسْتَدِلِّ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَوْصَافِ لِأَمْنِهِ الْمَنْعَ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ لِأَدَائِهِ إلَى الِانْتِشَارِ بِمَنْعِ كُلِّ مَا يَدَّعِي عِلِّيَّتَهُ (وَجَوَابُهُ بِإِثْبَاتِهِ) أَيْ بِإِثْبَاتِ كَوْنِهِ الْعِلَّةَ بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا (مَنْعُ وَصْفِ الْعِلَّةِ) أَيْ مَنْعُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِيهَا وَهُوَ مَقْبُولٌ جَزْمًا (كَقَوْلِنَا فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ) كَالْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ (الْكَفَّارَةُ) شُرِعَتْ (لِلزَّجْرِ عَنْ الْجِمَاعِ الْمَحْذُوفِ فِي الصَّوْمِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهَا بِهِ كَالْحَدِّ) فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ عَنْ الْجِمَاعِ زِنًا وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ. (فَيُقَالُ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ عَنْ الْجِمَاعِ بِخُصُوصِهِ (بَلْ عَنْ الْإِفْطَارِ الْمَحْذُوفِ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّوْمِ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَجَوَابُهُ بِتَبْيِينِ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِيَّةِ) أَيْ خُصُوصِيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْعِلَّةِ كَأَنْ يُبَيِّنَ اعْتِبَارَ الْجِمَاعِ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ الشَّارِعَ رَتَّبَهَا عَلَيْهِ حَيْثُ أَجَابَ بِهَا مَنْ سَأَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَكَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ) بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ (يُنَقِّحُ الْمَنَاطَ) بِحَذْفِهِ خُصُوصَ الْوَصْفِ عَنْ الِاعْتِبَارِ (وَالْمُسْتَدِلُّ يُحَقِّقُهُ) بِتَبْيِينِهِ اعْتِبَارَ خُصُوصِيَّةِ الْوَصْفِ (وَ) مِنْ الْمَنْعِ (مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ) وَهُوَ الْمَسْمُوعُ كَأَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالنِّكَاحِ فَيُقَالُ لَهُ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ أَيْ بَلْ يَنْتَهِي بِهِ (وَفِي كَوْنِهِ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ مَذَاهِبُ) أَرْجَحُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مَنْعِ كَوْنِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْيَاءَ فِي الْعِلِّيَّةِ يَاءُ الْمَصْدَرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ) أَيْ قَوْلُهُ لَا أُسَلِّمُ بِغَيْرِ قَادِحٍ مِنْ الْقَوَادِحِ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا) فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْعَ وَصْفِ الْعِلِّيَّةِ غَيْرُ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَصْفِ الْعِلَّةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَقْبُولٌ جَزْمًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ مِمَّا قَبْلَهُ لَجَرَى فِيهِ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ: فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ) أَيْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إفْسَادِهِ فَالْمَقِيسُ هُوَ الْكَفَّارَةُ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ هُوَ الْحَدُّ وَالْحُكْمُ هُوَ اخْتِصَاصُ كُلٍّ بِالْجِمَاعِ، وَالْعِلَّةُ الزَّجْرُ عَنْ الْجِمَاعِ فِي كُلٍّ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِفْسَادٍ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي مَبْحَثِ الْإِيمَاءِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ الْمُعْتَرِضُ يُنَقِّحُ الْمَنَاطَ) قَالَ سم تَعْبِيرُهُ بِكَانَ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَلَا تَحْقِيقِهِ وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ كَمَا تَقَدَّمَ حَاصِلُهُ الِاجْتِهَادُ فِي حَذْفِ بَعْضِ الْأَوْصَافِ وَتَعْيِينِ الْبَاقِي لِلْعِلِّيَّةِ وَلَيْسَ هُنَا اجْتِهَادٌ وَلَا تَعْيِينٌ بَلْ مَنْعُ وَصْفِ الْعِلِّيَّةِ فَقَطْ وَوَجْهُ شَبَهِهِ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ أَنَّ الْمَانِعَ قَائِلٌ بِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعِلِّيَّةِ بِمُقْتَضَى مَنْعِهِ فَقَدْ حَذَفَهُ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَإِذَا حَذَفَهُ عَنْ الِاعْتِبَارِ تَعَيَّنَ الْبَاقِي فَأَشْبَهَ مَنْ حَذَفَ الْبَعْضَ بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَعَيَّنَ الْبَاقِي وَأَنَّ تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ كَمَا تَقَدَّمَ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ صُوَرِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْلُومَةَ مُسَلَّمَةٌ قَدْ يَخْفَى وُجُودُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَيُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ كَبَيَانِهِ أَنَّ السَّرِقَةَ الَّتِي هِيَ أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ وَهِيَ عِلَّةُ الْقَطْعِ مَوْجُودَةٌ فِي النَّبَّاشِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ لَمَّا مَنَعَ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْعِلَّةِ ثُمَّ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ اعْتِبَارَهُ فِيهَا أَشْبَهَ مَنْ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ فِي آحَادِ صُوَرِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَدِلُّ يُحَقِّقُهُ) أَيْ فَيُقَدَّمُ الْمُسْتَدِلُّ لِرُجْحَانِ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فَإِنَّهُ لِرَفْعِ النِّزَاعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. زَكَرِيَّا. ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَدْخُولِ الْكَائِنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّحْقِيقَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَدْخُولِهَا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِثْبَاتُ (قَوْلُهُ: خُصُوصِيَّةِ الْوَصْفِ) الَّذِي هُوَ الْجِمَاعُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَنْعِ إلَخْ) هَذَا مِنْ مُوجِبَاتِ الِاسْتِخْدَامِ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَسْمُوعٌ) أَيْ فَيَكُونُ قَادِحًا (قَوْلُهُ كَالنِّكَاحِ) فَهُوَ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ هُوَ الْإِجَارَةُ وَالْجَامِعُ هُوَ الْبُطْلَانُ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَفِي كَوْنِهِ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ السَّمَاعَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي كَوْنِهِ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ فَرْعُ قَبُولِهِ وَسَمَاعِهِ وَيُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا الْمُقَابَلَةُ بِمَا سَيَأْتِي

أَخْذًا مِنْ التَّفْرِيعِ الْآتِي لَا لِتَوَقُّفِ الْقِيَاسِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالثَّانِي نَعَمْ لِلِانْتِقَالِ عَنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِهِ إلَى غَيْرِهِ (ثَالِثُهَا قَالَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ يَكُونُ قَطْعًا لَهُ (إنْ كَانَ ظَاهِرًا) يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا خَوَاصُّهُمْ (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْمَكَانِ) الَّذِي فِيهِ الْبَحْثُ فِي الْقَطْعِ بِهِ أَوَّلًا (وَقَالَ) الشَّيْخُ (أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ لَا يُسْمَعُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِضْ الْمَقْصُودَ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْمُلَخَّصِ وَالْمَعُونَةِ لِلشَّيْخِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ السَّمَاعُ وَعَدَمُ الْقَطْعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ. (فَإِنْ دَلَّ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ أَتَى بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ (لَمْ يَنْقَطِعْ الْمُعْتَرِضُ) بِمُجَرَّدِ الدَّلِيلِ (عَلَى الْمُخْتَارِ بَلْ لَهُ أَنْ يَعُودَ وَيَعْتَرِضَ) الدَّلِيلَ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَقِيلَ يَنْقَطِعُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَرِضَهُ لِخُرُوجِهِ بِاعْتِرَاضِهِ عَنْ الْمَقْصُودِ (وَقَدْ يُقَالُ) فِي الْإِثْبَاتِ بِمَمْنُوعٍ مُرَتَّبَةً (لَا نُسَلِّمُ حُكْمَ الْأَصْلِ سَلَّمْنَا) ذَلِكَ (وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ إفَادَةِ مَا هُنَا لِيُفِيدَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي السَّمَاعِ وَعَدَمِهِ وَاخْتَلَفُوا عَنْ الْأَوَّلِ هَلْ يَحْصُلُ الِانْقِطَاعُ أَوْ لَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُفِيدُ الْأَمْرَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَأْخُوذُ الْمُقَابَلَةِ بِمَا سَيَأْتِي عَنْ الشَّيْخِ وَبِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الِانْقِطَاعِ وَأَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ التَّفْرِيعِ الْآتِي) أَيْ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ مَحْكِيَّةٍ يَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْهُ لِجَوَازِ التَّفْرِيعِ عَلَى غَيْرِ الرَّاجِحِ عِنْدَهُ لِغَرَضٍ مَا كَغَرَابَةِ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ أَوْ إشْكَالِهِ أَوْ تَوَهُّمِ عَدَمِ صِحَّتِهِ اهـ. سم. وَأَرَادَ الشَّارِحُ بِالتَّفْرِيعِ الْآتِي قَوْلُهُ فَإِنْ دَلَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا) أَيْ لَيْسَ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِهِ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَطْعًا لَهُ إذَا عَجَزَ عَنْ إتْيَانِهِ بِالدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِ الْقِيَاسِ إلَخْ) أَيْ فَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لَيْسَ انْتِقَالًا لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ إثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ظَاهِرًا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ بَدَلًا عَنْ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ (وَنَقَلَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى) مِنْهُ مَا إذَا قَالَ الْمُسْتَدِلُّ فِي اسْتِدْلَالِهِ إنْ سَلَّمْت حُكْمَ الْأَصْلِ وَإِلَّا نَقَلْت الْكَلَامَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْمَكَانِ) فَإِنَّ لِلْجَدَلِ عُرْفًا وَمَرَاسِمَ فِي كُلِّ مَكَان فَإِنْ عَدَّ أَهْلُ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْبَحْثُ ذَلِكَ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ لَمْ يَعْتَرِضْ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَدْمِ حُكْمِ الْأَصْلِ هَدْمُ حُكْمِ الْفَرْعِ وَيَكْفِي الِاعْتِرَاضُ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ إلَخْ) عَلَى لِلِاسْتِدْرَاكِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ لَكِنَّ الْمَوْجُودَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِلشَّيْخِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُلَخَّصِ وَالْمَعُونَةِ فَكِلَاهُمَا لِلشَّيْخِ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَلَى السَّمَاعِ) أَيْ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَقَوْلُهُ وَعَدَمُ الْقَطْعِ أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: بَلْ لَهُ أَنْ يَعُودَ) أَيْ لِمُطْلَقِ الِاعْتِرَاضِ وَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالْعَجْزِ كَالْمُسْتَدِلِّ (قَوْلُهُ: لِخُرُوجِهِ بِاعْتِرَاضِهِ عَنْ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الدَّلِيلِ. وَأُجِيبَ مِنْ طَرَفِ الْمُخْتَارِ بِمَنْعِ كَوْنِهِ خَارِجًا عَنْ الْمَقْصُودِ إذْ الْمَقْصُودُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ (قَوْلُهُ: بِمُنُوعٍ مُرَتَّبَةٍ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا مُرَتَّبٌ عَلَى تَسْلِيمِ مَا قَبْلَهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا شَامِلٌ لِمَنْعِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً وَمَنْعِ وَصْفِهَا وَمَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِثَالٌ لِلْمُعَارَضَاتِ مِنْ نَوْعٍ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ فَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يُمَثِّلْ لِلْمُرَتَّبَةِ مِنْ نَوْعٍ اهـ. (قَوْلُهُ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ) قَدْ يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَعَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ مَنْعُ تَعْلِيلِهِ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ لَازِمٌ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ إذْ مَا لَمْ يُعَلَّلْ لَا يُمْكِنُ تَعَدِّيَةُ حُكْمِهِ إلَى غَيْرِهِ فَتَسْلِيمُ أَنَّهُ مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ وَمَنْعُ كَوْنِهِ مُعَلَّلًا مُتَنَافِيَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ سَلَّمْنَا ذَلِكَ أَيْ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عِلَّتُهُ وَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِيهِ قَدْ يَسْتَشْكِلُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةَ حُكْمِ الْأَصْلِ وُجُودُ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ عِلَّةَ حُكْمِهِ فَتَسْلِيمُ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَنْعُ كَوْنِ الْوَصْفِ مَوْجُودًا فِي الْأَصْلِ مُتَنَافِيَانِ وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ

مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ) لِمَ لَا يَكُونُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهِ (سَلَّمْنَا) ذَلِكَ (وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ) لِمَ لَا يُقَالُ أَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ (سَلَّمْنَا) ذَلِكَ (وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عِلَّتُهُ) لِمَ لَا يُقَالُ الْعِلَّةُ غَيْرُهُ (سَلَّمْنَا) ذَلِكَ (وَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِيهِ) أَيْ وُجُودَ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ (سَلَّمْنَا) ذَلِكَ (وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ (مُتَعَدٍّ) لِمَ لَا يُقَالُ إنَّهُ قَاصِرٌ (سَلَّمْنَا) ذَلِكَ (وَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي الْفَرْعِ) فَهَذِهِ سَبْعَةٌ مُنُوعٍ تَتَعَلَّقُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا بِحُكْمِ الْأَصْلِ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ بِالْعِلَّةِ مَعَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي بَعْضِهَا (فَيُجَابُ) عَنْهَا (بِالدَّفْعِ) لَهَا (بِمَا عُرِفَ مِنْ الطُّرُقِ) فِي دَفْعِهَا إنْ أُرِيدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى دَفْعِ الْأَخِيرِ مِنْهَا. (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَجَوَازُهَا الْمَعْلُومُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْهَا أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (عُرِفَ جَوَازُ إيرَادَاتِ الْمُعَارَضَاتِ مِنْ نَوْعٍ) كَالنُّقُوضِ أَوْ الْمُعَارَضَاتِ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ لِأَنَّهَا كَسُؤَالٍ وَاحِدٍ مُتَرَتِّبَةً كَانَتْ أَوْ لَا (وَكَذَا) يَجُوزُ إيرَادُ الْمُعَارَضَاتِ (مِنْ أَنْوَاعٍ) كَالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْمُعَارَضَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يُقَاسُ فِيهِ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ يُقَاسُ عَلَيْهِ حَتَّى يُنَافِيَهُ مَنْعُ كَوْنِهِ مُعَلَّلًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ نَوْعِهِ غَيْرَ نَوْعِ الْكَفَّارَاتِ وَالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ نَفْسَهُ مُعَلَّلًا حَتَّى يَتَأَتَّى الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأَصْلِ وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا قَاصِرَةٌ عَنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ أُرِيدَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي لَمْ تُوجَدْ فِيهِ تِلْكَ الْأُخْرَى صَدَقَ عَلَى الْحُكْمِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّتُهُ لِأَنَّهُ أَحَدُ عِلَّتَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَصَدَقَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ فَحَيْثُ تُصَوِّرَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةَ حُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهُ فِيهِ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ فَرْدٍ مَعَ عَدَمِ وُجُودِهِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْأَصْلِ أَمْكَنَ تَسْلِيمُ أَنَّ الْوَصْفَ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ مَعَ مَنْعِ وُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي أُرِيدَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ قَبُولَ ذَلِكَ الْمُسَلَّمِ وَاعْتِقَادَ حَقِيقَتِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ عَدَمَ الِاعْتِرَاضِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى سَلَّمْنَا كَذَا لَا نَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ وَلَا نَعْتَرِضُ بِهِ بَلْ نَقْتَصِرُ عَلَى الِاعْتِرَاضِ بِشَيْءٍ آخَرَ وَهَذَا صَادِقٌ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُسَلَّمِ مَرْدُودًا عِنْدَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الشَّرِيفُ الصَّفَوِيُّ وَحِينَئِذٍ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الشَّيْءِ مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ وَمَنْعِ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ وَلَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عِلَّتُهُ وَمَنْعُ وُجُودِهِ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ بِهَذَا الْمَعْنَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم. (قَوْلُهُ: مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجْرِي الْقِيَاسُ فِيهَا (قَوْلُهُ لِمَ لَا يَكُونُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهِ) أَيْ وَالْمُسْتَدِلُّ لَا يَرَاهُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَتَعَقَّبَهُ ثَمَّ بِأَنَّ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرًا بَلْ يُتَّجَهُ اكْتِفَاءُ الْمُعْتَرِضِ فِي إسْنَادِ مَنْعِهِ بِتَجْوِيزِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ قَالَ ثُمَّ إنَّ الِاقْتِصَارَ فِي إسْنَادِ الْمَنْعِ بِمَا ذُكِرَ كَأَنَّهُ اقْتِصَارٌ عَلَى أَقَلِّ مَا يَكْفِي فِيهِ فَيَكْفِي مَا فَوْقَهُ بِالْأَوْلَى نَحْوَ لِمَ لَا يَكُونُ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى مَنْعِ الْقِيَاسِ فِيهِ وَنَحْوَ الْجَزْمِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ الْقِيَاسِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِهَا) رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ بِالْعِلَّةِ مَعَ الْأَصْلِ وَالسَّادِسُ بِالْعِلَّةِ فَقَطْ وَالسَّابِعُ بِالْعِلَّةِ مَعَ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: وَجَوَازُهَا إلَخْ) لَا يُقَالُ فِي هَذَا تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَلَّلَ مَعْرِفَةَ جَوَازِ إيرَادِ الْمُعَارَضَاتِ بِعِلْمِ ذَلِكَ الْجَوَازِ مِنْ الْجَوَابِ عَنْهُمَا لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّ الْجَوَازَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْجَوَابِ عُلِمَ مِنْهُ الْجَوَازُ فِي الْوَاقِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: مِنْ الْجَوَابِ عَنْهَا) لِأَنَّهُ لَا جَوَابَ إلَّا عَنْ الْجَائِزِ (قَوْلُهُ: إيرَادَاتُ الْمُعَارَضَاتِ) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ الشَّامِلَةِ لِلنُّقُوضِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُقَالُ فِيهِ وَفِيمَا عُطِفَ عَلَيْهِ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَسَّمَ فِيهِمَا الْمُعَارَضَاتِ إلَى مُعَارَضَاتٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ إلَخْ) قَدَّرَ مُتَعَلِّقَ كَذَا يَجُوزُ دُونَ عُرِفَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ

(وَإِنْ كَانَتْ مُتَرَتِّبَةً أَيْ يَسْتَدْعِي تَالِيهَا تَسْلِيمَ مَتْلُوِّهَا لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ تَقْدِيرِيٌّ) وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مِنْ أَنْوَاعٍ لِلِانْتِشَارِ (وَثَالِثُهَا التَّفْصِيلُ) فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمُتَرَتِّبَةِ دُونَ الْمُتَرَتِّبَةِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ فِي الْمُتَرَتِّبَةِ مُسَلَّمٌ فَذِكْرُهُ ضَائِعٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ تَسْلِيمَهُ تَقْدِيرِيٌّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا تَحْقِيقِيٌّ مِثَالُ النَّوْعِ أَنْ يُقَالَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ عِلَّةٌ مَنْقُوضٌ بِكَذَا أَوْ مَنْقُوضٌ بِكَذَا أَوْ مُعَارَضٌ بِكَذَا أَوْ مُعَارَضٌ بِكَذَا وَمِثَالُ الْأَنْوَاعِ غَيْرِ الْمُتَرَتِّبَةِ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْوَصْفُ مَنْقُوضٌ بِكَذَا أَوْ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ لِكَذَا وَمِثَالُ الْأَنْوَاعِ الْمُتَرَتِّبَةِ أَنْ يُقَالَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَصْفِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ وَلَئِنْ سَلِمَ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِكَذَا (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (اخْتِلَافُ الضَّابِطِ فِي الْأَصْلِ لِعَدَمِ الثِّقَةِ) فِيهِ (بِالْجَامِعِ) وُجُودًا وَمُسَاوَاةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْجَوَابِ كَأَنْ يُقَالَ فِي شُهُودِ الزُّورِ بِالْقَتْلِ تَسَبَّبُوا فِي الْقَتْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ كَالْمُكْرِهِ غَيْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ الضَّابِطَ فِي الْأَصْلِ الْإِكْرَاهُ وَفِي الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ فَأَيْنَ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمَقْصُودِ فَأَيْنَ مُسَاوَاةُ ضَابِطِ الْفَرْعِ لِضَابِطِ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ (وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ) أَيْ الْجَامِعَ (الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ الضَّابِطَيْنِ كَالتَّسَبُّبِ فِي الْقَتْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُنْضَبِطٌ عُرْفًا (أَوْ بِأَنَّ الْإِفْضَاءَ سَوَاءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ إيرَادَ الْمُعَارَضَاتِ مِنْ أَنْوَاعٍ لَمْ يُعْرَفْ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا الْمُعَارَضَاتِ أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ مِنْ نَوْعٍ، وَجَوَازُ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِيرَادِ مِنْ أَنْوَاعٍ وَكَانَ ذِكْرُ الْخِلَافِ قَرِينَةً اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ مُتَرَتِّبَةً) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَرَتِّبَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْمُتَرَتِّبَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ التَّوْجِيهِ الْآتِي لِلثَّالِثِ الْمُفَصَّلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِجَوَازِ الْمُتَرَتِّبَةِ الَّذِي تَضَمَّنْته هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ دَفْعًا لِتَوْجِيهِ التَّفْصِيلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: تَقْدِيرِيٌّ) أَيْ فَالْمَنْعُ بَاقٍ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ ضَائِعًا (قَوْلُهُ: فَذِكْرُهُ ضَائِعٌ) أَيْ فَلَا ثَمَرَةَ فِي ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ تَسْلِيمَهُ تَقْدِيرِيٌّ) أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالِاعْتِرَاضُ بِهِ مَقْبُولٌ (قَوْلُهُ: مِثَالُ النَّوْعِ إلَخْ) هُوَ مِثَالٌ لِلنَّوْعِ فِي الْمُعَارَضَاتِ غَيْرِ الْمُتَرَتِّبَةِ وَمِثَالُهُ فِي الْمُتَرَتِّبَةِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ وَهَذِهِ نُكْتَةُ عَدَمِ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لَهُ وَقَوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمِثَالُهُ فِي الْمُتَرَتِّبَةِ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرْته عِلَّةُ مَنْقُوضٍ بِكَذَا وَلَئِنْ سَلِمَ فَهُوَ مَنْقُوضٌ بِكَذَا اهـ. يَقْتَضِي أَنَّ مِثَالَ الْمُتَرَتِّبَةِ مَتْرُوكٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَمِعْت (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الضَّابِطِ) الْمُرَادُ بِهِ الْوَصْفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحِكْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسَ الْعِلَّةِ كَالْمَشَقَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحِكْمَةِ وَهِيَ السُّهُولَةُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الثِّقَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وُجُودًا وَمُسَاوَاةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ وَالْأَصْلُ لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِوُجُودِ الْجَامِعِ وَالْمُسَاوَاةِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ) أَنَّ التَّعْمِيمَ (قَوْلُهُ: فَأَيْنَ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الضَّابِطَيْنِ وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وُجُودًا وَقَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَكَا إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مُسَاوَاةً (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمُسَاوَاةِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ أَقْوَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْضَبِطٌ عُرْفًا) فَصَحَّ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِأَنَّ الْإِفْضَاءَ سَوَاءٌ) أَيْ أَوْ بِأَنَّهُ فِي الْفَرْعِ أَرْجَحُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ اُعْتُرِضَ بِعَدَمِ وُجُودِ الْجَامِعِ أُجِيبَ بِالْأَوْلَى أَوْ بِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فَالثَّانِي

أَيْ إفْضَاءُ الضَّابِطِ فِي الْفَرْعِ إلَى الْمَقْصُودِ مُسَاوِيًا لِإِفْضَاءِ الضَّابِطِ فِي الْأَصْلِ كَحِفْظِ النَّفْسِ فِيمَا تَقَدَّمَ (لَا إلْغَاءُ التَّفَاوُتِ) بَيْنَ الضَّابِطِينَ بِأَنْ يُقَالَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مَلْغِيٌّ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ بِهِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ قَدْ يُلْغَى كَمَا فِي الْعَالِمِ يُقْتَلُ بِالْجَاهِلِ وَقَدْ لَا يُلْغَى كَمَا فِي الْحُرِّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ (وَالِاعْتِرَاضَاتُ) كُلُّهَا (رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنْعِ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَأَكْثَرِ الْجَدَلِيِّينَ أَوْ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِدَلِيلِهِ يَكُونُ لِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِهِمَا فِيهِمَا بِأَنْ تُجْعَلَ أَوْ مَانِعَةِ خُلُوٍّ اهـ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: أَيْ إفْضَاءُ الضَّابِطِ) كَالشَّهَادَةِ فِي الْفَرْعِ أَيْ إفْضَاءٌ تَرَتَّبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ إلَى الْمَقْصُودِ أَيْ كَحِفْظِ النَّفْسِ وَقَوْلُهُ مُسَاوٍ لِإِفْضَاءِ الضَّابِطِ أَيْضًا أَيْ كَالْإِكْرَاهِ فِي الْأَصْلِ أَيْ إفْضَاءٌ تَرَتَّبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا إلْغَاءِ التَّفَاوُتِ إلَخْ) إمَّا عَطْفٌ عَلَى الْخَبَرِ أَوْ عَلَى مَدْخُولِ الْبَاءِ لَا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ خِلَافًا لِلنَّجَّارِيِّ فَإِنَّ هَذَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَذَاكَ مِنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَالِاعْتِرَاضَاتُ) هِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا فِيمَ مَرَّ بِالْقَوَادِحِ الشَّامِلَةِ لِمَا يَأْتِي مِنْ التَّقْسِيمِ وَلِهَذَا زَادَ الشَّارِحُ كُلُّهَا وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَنْ التَّقْسِيمِ كَمَا فَعَلَ الْبِرْمَاوِيُّ كَانَ أَوْلَى اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ سم إنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ أَخَّرَ إلَخْ صَرِيحٌ فِي رُجُوعِ التَّقْسِيمِ وَالِاسْتِفْسَارِ إلَى الْمَنْعِ وَقَدْ يُوَجَّهُ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ الْمُرَدَّدِ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَكَانَ حَاصِلُ الِاعْتِرَاضِ بِهِ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ أَحَدَ مَحْمَلَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ مَمْنُوعٌ وَلَا مُرَجِّحَ لِإِرَادَةِ الْآخَرِ وَفِي الثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ بِوُرُودِهِ بِأَنَّ حَاصِلَهُ مَنْعُ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى وَاضِحٍ فَلَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ اهـ. وَفِي التَّلْوِيحِ مَرْجِعُ الِاعْتِرَاضَاتِ إلَى الْمَنْعِ وَالْمُعَارَضَةِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ الْإِلْزَامُ بِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِدَلِيلِهِ وَغَرَضُ الْمُعْتَرِضِ عَدَمُ الِالْتِزَامِ بِمَنْعِهِ عَنْ إثْبَاتِهِ بِدَلِيلِهِ وَالْإِثْبَاتُ يَكُونُ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ وَسَلَامَتِهِ عَنْ الْمَعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَالدَّفْعُ يَكُونُ بِهَدْمِ أَحَدِهِمَا فَهَدْمُ شَهَادَةِ الدَّلِيلِ يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّتِهِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَطَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَهَدْمُ سَلَامَتِهِ يَكُونُ بِفَسَادِ شَهَادَتِهِ فِي الْمُعَارَضَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا وَبِمَنْعِ ثُبُوتِ حُكْمِهَا فَمَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَالنَّقْصُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْعِ وَالْقَلْبِ وَالْعَكْسِ وَالْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُعَارَضَةُ مِنْ أَقْسَامِ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْخَصْمِ قَدْ ثَبَتَ بِتَمَامِ دَلِيلِهِ قُلْنَا هِيَ فِي الْمَعْنَى نَفْيٌ لِتَمَامِ الدَّلِيلِ وَنَفَاذُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ حَيْثُ قُوبِلَ بِمَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مَدْلُولِهِ وَلَمَّا كَانَ الشُّرُوعُ بَعْدَ تَمَامِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ غَصْبًا لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ قَامَ عَنْ مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ إلَى مَوْقِفِ الِاسْتِدْلَالِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَدْحَ الْمُعْتَرِضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالْقَصْدِ فِي الدَّلِيلِ أَوْ فِي الْمَدْلُولِ وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْعِ شَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْمُمَانَعَةُ وَالْمَمْنُوعُ إمَّا مُقَدِّمَةٌ مُعَيَّنَةٌ مَعَ ذِكْرِ السَّنَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَيُسَمَّى مُنَاقَضَةً أَمَّا مُقَدِّمَةٌ لَا يُعَيِّنُهَا وَهُوَ النَّقْضُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الدَّلِيلُ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى نَفْيِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُعَلِّلِ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِهَا وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَيَدْخُلُ فِي أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا وَهُوَ الْغَضَبُ الْغَيْرُ الْمَسْمُوعِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْخَبْطَ فِي الْبَحْثِ بِوَاسِطَةٍ بَعْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُعَلِّلِ وَالسَّائِلِ عَمَّا كَانَا فِيهِ وَضَلَالُهُمَا عَمَّا هُوَ طَرِيقُ التَّوْجِيهِ وَالْمَقْصُودُ بِنَاءً عَلَى انْقِلَابِ حَالِهِمَا وَاضْطِرَابِ مَقَالِهِمَا كُلَّ سَاعَةٍ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدْحُ فِي الْمَدْلُولِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلدَّلِيلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْعِ الْمَدْلُولِ وَهُوَ مُكَابَرَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَأَمَّا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ وَتَجْرِي فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ وَفِي عِلَّتِهِ بِأَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ وَالْأُولَى تُسَمَّى مُعَارَضَةً فِي الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةُ مُعَارَضَةً فِي الْمُقَدِّمَةِ وَتَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَمَامِ الدَّلِيلِ مُنَاقَضَةً وَالْمُعَارَضَةُ فِي الْحُكْمِ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَلَوْ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فَمِنْ حَيْثُ إثْبَاتُ نَقِيضِ الْحُكْمِ وَأَمَّا الْمُنَاقَضَةُ فَمِنْ حَيْثُ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ إذْ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ لَا يَقُومُ عَلَى

لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ لَهُ وَلِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ وَغَرَضُ الْمُعْتَرِضِ مِنْ هَدْمِ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْهُ أَوْ مُعَارَضَتِهِ بِمَا يُقَاوِمُهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ كَبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ إنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنْعِ وَحْدَهُ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُنَا لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ مَنْعُ الْعِلَّةِ عَنْ الْجَرَيَانِ (وَمُقَدِّمُهَا) بِكَسْرِ الدَّالِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوَائِلَ الْكِتَابِ أَيْ الْمُتَقَدِّمُ أَوْ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهَا (الِاسْتِفْسَارُ) فَهُوَ طَلِيعَةٌ لَهَا كَطَلِيعَةِ الْجَيْشِ (وَهُوَ طَلَبُ ذِكْرِ مَعْنَى اللَّفْظِ حَيْثُ غَرَابَةٌ أَوْ إجْمَالٌ) فِيهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيَانَهُمَا عَلَى الْمُعْتَرِضِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقِيضِ فَإِنْ قُلْت فِي الْمُعَارَضَةِ تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْخَصْمِ وَفِي الْمُنَاقَضَةِ إنْكَارُهُ فَكَيْفَ هَذَا قُلْت يَكْفِي فِي الْمُعَارَضَةِ التَّسْلِيمُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْإِنْكَارِ قَصْدًا فَإِنْ قُلْت فَفِي كُلِّ مُعَارَضَةٍ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ لِأَنَّ نَفْيَ حُكْمِ الْخَصْمِ وَإِبْطَالَهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ دَلِيلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهُ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ قُلْت عِنْدَ تَغَايُرِ الدَّلِيلَيْنِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْبَاطِلُ دَلِيلَ الْمُعَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَ الدَّلِيلُ (قَوْلُهُ: لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ لَهُ) أَيْ فَيَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ بِالْمَنْعِ وَقَوْلُهُ وَلِسَلَامَتِهِ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى لِصِحَّةِ وَقَوْلُهُ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ أَيْ فَيَمْتَنِعُ الِاعْتِرَاضُ بِالْمُعَارَضَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ إلَخْ) تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ إذْ حَقِيقَتُهَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ دَلِيلَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَقَدِّمِ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْكَسْرِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْمُقَدَّمِ رَاجِعٌ لِلْفَتْحِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى بَاقِيهَا وَالِاسْتِفْسَارُ طَيِّبُ التَّفْسِيرِ وَإِنَّمَا كَانَ مُقَدِّمُهَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَدْلُولَ اللَّفْظِ اسْتَحَالَ مِنْهُ تَوَجُّهُ الْمَنْعِ وَهُوَ مَرَدُّ الِاعْتِرَاضَاتِ كُلِّهَا (قَوْلُهُ: غَرَابَةٍ) كَقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ السَّيِّدُ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ الذِّئْبُ وَقَوْلُهُ أَوْ إجْمَالٍ كَقَوْلِهِ تَلْزَمُ الْمُطَلَّقَةَ الْعِدَّةُ بِالْإِقْرَاءِ فَيُقَالُ مَا الْمُرَادُ بِالْإِقْرَاءِ قَالَ سم يُمْكِنُ جَرُّهُمَا لِأَنَّ حَيْثُ قَدْ تُضَافُ إلَى الْمُفْرَدِ وَرَفْعُهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْمُسَوِّغُ تَقْدِيرًا الْوَصْفُ أَيْ فِيهِ أَيْ فِي لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَوْجُودٌ وَلَا يُنَافِيهِ كَلَامُ الشَّارِحِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ فِيهِ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْخَبَرِيَّةِ بَلْ يَحْتَمِلُ الْوَصْفِيَّةَ أَوْ تَقْدِيرَ الْخَبَرِ مُقَدَّمًا أَيْ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيَانَهُمَا) أَيْ بَيَانَ الْغَرَابَةِ بِأَنْ يُبَيِّنَ اللَّفْظَ الْغَرِيبَ غَرَابَتَهُ وَبَيَانَ الْإِجْمَالِ بِأَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَ اللَّفْظِ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى مُتَعَدِّدٍ لِيَتِمَّ اسْتِفْسَارُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ) أَيْ الْغَالِبَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ

وَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ بَيَانُ عَدَمِهِمَا لِيَظْهَرَ دَلِيلُهُ (وَلَا يُكَلَّفُ) الْمُعْتَرِضُ بِالْإِجْمَالِ (بَيَانَ تَسَاوِي الْمَحَامِلِ) الْمُحَقِّقَ لِلْإِجْمَالِ لِعُسْرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ (وَيَكْفِيهِ) فِي بَيَانِ ذَلِكَ حَيْثُ تَبَرَّعَ بِهِ (أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَفَاوُتِهَا) وَإِنْ عُورِضَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجْمَالِ (فَيُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ عَدَمَهُمَا) أَيْ عَدَمَ الْغَرَابَةِ وَالْإِجْمَالِ حَيْثُ تَمَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِهِمَا بِأَنْ يُبَيِّنَ ظُهُورَ اللَّفْظِ فِي مَقْصُودِهِ كَمَا إذَا اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ الْوُضُوءُ قُرْبَةٌ فَلْتَجِبْ فِيهِ النِّيَّةُ بِأَنْ قِيلَ الْوُضُوءُ يُطْلَقُ عَلَى النَّظَافَةِ وَعَلَى الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ فَيَقُولُ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ (الثَّانِي) (أَوْ يُفَسِّرُ اللَّفْظَ بِمُحْتَمَلٍ) مِنْهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ (قِيلَ أَوْ بِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ) مِنْهُ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَاطِقٌ بِلُغَةٍ جَدِيدَةٍ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابٍ لَا يَنْسَدُّ (وَفِي قَبُولِ دَعْوَاهُ الظُّهُورُ فِي مَقْصِدِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ (دَفْعًا لِلْإِجْمَالِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ الْآخَرِ خِلَافٌ) أَيْ لَوْ وَافَقَ الْمُسْتَدِلُّ الْمُعْتَرِضَ بِالْإِجْمَالِ عَلَى عَدَمِ ظُهُورِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَقْصِدِهِ وَادَّعَى ظُهُورَهُ فِي مَقْصِدِهِ فَقِيلَ يُقْبَلُ دَفْعًا لِلْإِجْمَالِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ بَيَانُ عَدَمِهِمَا) أَيْ بَعْدَ اسْتِفْسَارِ الْمُعْتَرِضِ وَقَبْلَ بَيَانِهِ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ عُورِضَ) أَيْ هَذَا الْأَصْلُ بِمِثْلِهِ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيُبَيِّنُ) الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَإِذَا بَيَّنَهُمَا الْمُعْتَرِضُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُمَا عَلَيْهِ فَيُبَيِّنُ إلَخْ أَوْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَمَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِهِمَا) أَيْ بِبَيَانِهِمَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُبَيِّنَ ظُهُورَ اللَّفْظِ فِي مَقْصُودِهِ) أَيْ يَنْتَقِلُ عَنْ لُغَةٍ أَوْ عُرْفٍ أَوْ بِقَرِينَةٍ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا اُعْتُرِضَ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْإِجْمَالِ (قَوْلُهُ: يُطْلَقُ عَلَى النَّظَافَةِ) أَيْ لُغَةً قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْوَضَاءَةُ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ تَقُولُ مِنْهُ وُضُوءُ الرَّجُلِ أَيْ صَارَ وَضِيئًا وَتَوَضَّأْت لِلصَّلَاةِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى النَّظَافَةِ حَقِيقَةً هِيَ الطَّهَارَةُ وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى الْوُضُوءِ كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالطَّهَارَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الطَّهَارَةِ وَمَاصَدَقَاتِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ يُفَسِّرُ اللَّفْظَ إلَخْ) هَذَا وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْغَرَابَةَ وَالْإِجْمَالَ إلَّا أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ مَقْصُودُ الْمُسْتَدِلِّ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دَفْعِ الْإِجْمَالِ وَالْغَرَابَةِ بَيَانُ مَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُسْتَدِلُّ (قَوْلُهُ: قِيلَ وَبِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ) هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعَطْفِ التَّلْقِينِيِّ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِ الْوَاوِ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ فَقَوْلُ شَيْخِنَا الشِّهَابِ أَنَّ الْوَاوَ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ اصْطِلَاحِيَّةٌ) أَيْ بِوَضْعِ الْبَشَرِ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ الْمُسَوِّغُ لِتَفْسِيرِ اللَّفْظِ بِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ (قَوْلُهُ: فَتْحَ بَابٍ لَا يَنْسَدُّ) لِصِحَّةِ إطْلَاقِ أَيِّ لَفْظٍ عَلَى أَيِّ مَعْنًى عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ: فِي مَقْصِدِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْنَى وَالْجَوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ فِيهِ بَيَانُ مُرَادِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى التَّعْيِينِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ الثَّالِثَ يَعُودُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ يُفَسِّرُ اللَّفْظَ إلَخْ بِالْإِبْطَالِ إذْ هَذَا أَخَصُّ مِنْ ذَاكَ وَإِذَا كَانَ يَحْصُلُ الْجَوَابُ بِالْأَعَمِّ فَلَأَنْ يَحْصُلَ الْجَوَابُ بِالْأَخَصِّ بِالْأَوْلَى وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ذَاكَ فِيهِ بَيَانُ الْمُرَادِ مَعَ التَّعْيِينِ وَهَذَا فِيهِ ظُهُورُ مَقْصِدِ الْمُسْتَدِلِّ لَكِنْ مَعَ عَدَمِ التَّعْيِينِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الصَّادِ) اسْمُ مَكَان وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ (قَوْلُهُ: دَفْعًا لِلْإِجْمَالِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ دَلِيلَ دَعْوَاهُ الظُّهُورُ كَأَنْ يَقُولَ هُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي غَيْرِ مَقْصِدِي اتِّفَاقًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي مَقْصِدِي لَزِمَ الْإِجْمَالُ أَمَّا إذَا جُعِلَ دَلِيلُهَا النَّقْلَ أَوْ الْقَرِينَةَ فَيُقْبَلُ جَزْمًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْته اهـ زَكَرِيَّا. قَالَ سم لَا يُقَالُ الِاسْتِدْلَال بِلُزُومِ الْإِجْمَالِ لَا يَنْهَضُ مَعَ كَوْنِ الْغَرَضِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ يَدَّعِي الْإِجْمَالَ وَيَعْتَرِضُ بِهِ فَبُطْلَانُ هَذَا اللَّازِمِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَنْهَضَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ أَنْ يُحْتَجَّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا اللَّازِمِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُ الشَّارِحُ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الظُّهُورِ فِي الْآخَرِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِقَبُولٍ وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ دَفْعًا وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ إلَخْ أَنَّ عَدَمَ الظُّهُورِ فِي الْآخَرِ أَمْرٌ مُسَلَّمٌ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ ادَّعَى الْإِجْمَالَ وَتَسَاوِيَ الْمَحَامِلِ فَوَافَقَهُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى عَدَمِ الظُّهُورِ فِي أَحَدِ الْمَحْمَلَيْنِ وَخَالَفَهُ فِي الْآخَرِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ مَقْصُودُهُ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَك قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ

وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الظُّهُورَ بَعْدَ بَيَانِ الْمُعْتَرِضِ الْإِجْمَالَ لَا أَثَرَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَوَادِحِ (التَّقْسِيمُ وَهُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ) الْمُورَدِ فِي الدَّلِيلِ (مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ) مَثَلًا عَلَى السَّوَاءِ (أَحَدُهُمَا مَمْنُوعٌ) بِخِلَافِ الْآخَرِ الْمُرَادِ (وَالْمُخْتَارُ وُرُودُهُ) لِعَدَمِ تَمَامِ الدَّلِيلِ مَعَهُ وَقِيلَ لَا يَرِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِضْ الْمُرَادَ (وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ) فِي الْمُرَادِ (وَلَوْ عُرْفًا) كَمَا يَكُونُ لُغَةً (أَوْ) أَنَّهُ (ظَاهِرٌ وَلَوْ بِقَرِينَةٍ فِي الْمُرَادِ) كَمَا يَكُونُ ظَاهِرًا بِغَيْرِهَا وَيُبَيِّنُ الْوَضْعَ وَالظُّهُورَ (ثُمَّ الْمَنْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ وَافَقَ اهـ. سم. وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الْمُسْتَدِلُّ لَا الْمُعْتَرِضُ خِلَافًا لِلنَّجَّارِيِّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ) هُوَ الْحَقُّ قَالَهُ زَكَرِيَّا نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ) أَيْ ذُو كَوْنِ اللَّفْظِ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ وَالتَّرْدِيدَ فِعْلُ الْفَاعِلِ أَوْ أَنَّهَا تَسْمِيَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ (قَوْلُهُ: مَثَلًا) يَعْنِي أَوْ أَكْثَرَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ التَّقْسِيمُ رَاجِعٌ لِلِاسْتِفْسَارِ مَعَ مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْ اللَّفْظِ مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ فِي مِثَالِ الِاسْتِفْسَارِ لِلْإِجْمَالِ فِيمَا مَرَّ الْوُضُوءُ النَّظَافَةُ أَوْ الْأَفْعَالُ الْمَخْصُوصَةُ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِثَالُهُ فِي التَّرَدُّدِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ خِيَارِ الشَّرْطِ بِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ الصَّادِرُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ السَّبَبُ مُطْلَقُ الْبَيْعِ أَوْ الْبَيْعُ الَّذِي لَا شَرْطَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ مَفْقُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا بِلَا شَرْطٍ بَلْ شَرْطُ الْخِيَارِ وَمِثَالُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَمْرَيْنِ لَوْ قِيلَ فِي الْمَرْأَةِ الْمُكَلَّفَةِ عَاقِلَةٌ فَيَصِحُّ مِنْهَا النِّكَاحُ كَالرَّجُلِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ الْعَاقِلَةُ إمَّا بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا تَجْرِبَةً أَوْ لَهَا حُسْنَ رَأْيٍ وَتَدْبِيرًا أَوْ لَهَا عَقْلًا غَرِيزِيًّا وَالْأَوَّلَانِ مَمْنُوعَانِ وَالثَّالِثُ مُسَلَّمٌ وَلَا يَكْفِي لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَهَا عَقْلٌ غَرِيزِيٌّ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا النِّكَاحُ وَتَمْثِيلُهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا يُنَاسِبُ جَعْلَهُمْ الْمَمْنُوعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْمُرَادُ وَسَيَأْتِي رَدُّهُ (قَوْلُهُ: عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ فِي ظَنِّ الْمُعْتَرِضِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: الْآخَرِ الْمُرَادِ) صَادِقٌ بِأَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ وَأَنْ يُصَرِّحَ بِتَسْلِيمِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْعَضُدُ وَغَيْرُهُ وَفِي وَصْفِ الشَّارِحِ الْآخَرِ أَيْ الْمُسَلَّمِ بِالْمُرَادِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَمْنُوعُ لَا الْمُسَلَّمُ لِأَنَّ جَوَابَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا يُفِيدُ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى قَوْلِهِ لَا عَلَى قَوْلِهِمْ لِبِنَاءِ قَوْلِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ مَا مَنَعَ. وَالْجَوَابُ لَا يُفِيدُهَا وَإِنَّمَا يُفِيدُهَا الْجَوَابُ بِإِثْبَاتِهَا بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ فَقَوْلُهُ الْمُرَادُ أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ لَا لِلْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَنْعُ) أَيْ الِاعْتِرَاضُ بِمَنْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفَاعِلُ يَعْتَرِضُ الْآتِي الْمَنْعُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا الْمَنْعُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فَقَطْ لِئَلَّا يَئُولَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَالثَّانِي إمَّا مَعَ مَنْعِ الدَّلِيلِ أَوْ مَعَ تَسْلِيمِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَعَ نَفْسِهِ أَوْ مَعَ ضِدِّهِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَبِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّ كَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ مَنْعُ الدَّلِيلِ وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ لَفْظِهِ مَعَ اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَ مَا أَجَابَ بِهِ حَمْلُ قَوْلِهِ وَالثَّانِي عَلَى الْمَنْعِ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الِاعْتِرَاضِ وَقَوْلُهُ مَنْعُ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَنْعِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَالثَّانِي أَمَّا مَعَ مَنْعِ الدَّلِيلِ مِنْ قَبِيلِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَعَ فَرْدِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُصَاحِبُ فَرْدَهُ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ مَعَ تَسْلِيمِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الشَّيْءِ مَعَ ضِدِّهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الدَّلِيلِ لَا يُضَادُّ الْمَنْعَ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَهُ كَمَا فِي الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا تُجَامِعُ تَسْلِيمَ

لَا يَعْتَرِضُ الْحِكَايَةَ) أَيْ حِكَايَةَ الْمُسْتَدِلِّ لِلْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَبْحُوثِ فِيهَا حَتَّى يَخْتَارَ مِنْهَا قَوْلَانِ وَيَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ (بَلْ) يَعْتَرِضُ (الدَّلِيلَ إمَّا قَبْلَ تَمَامِهِ لِمُقَدَّمَةٍ مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَنْعُ قَبْلَ التَّمَامِ لِمُقَدَّمَةٍ (إمَّا) مَنْعٌ (مُجَرَّدٌ أَوْ) مَنْعٌ (مَعَ الْمُسْتَنَدِ) وَالْمَنْعُ مَعَ الْمُسْتَنَدِ (وَكُلًّا نُسَلِّمُ كَذَا وَلِمَ لَا يَكُونُ) الْأَمْرُ (كَذَا أَوْ) لَا نُسَلِّمُ كَذَا (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ كَذَا لَوْ كَانَ) الْأَمْرُ (كَذَا وَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ بِقِسْمَيْهِ مِنْ الْمَنْعِ الْمُجَرَّدِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْمُسْتَنَدِ (الْمُنَاقَضَةُ) أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (فَإِنْ احْتَجَّ) الْمَانِعُ (لِانْتِفَاءِ الْمُقَدِّمَةِ) الَّتِي مَنَعَهَا (فَغَضَبٌ) أَيْ فَاحْتِجَاجُهُ لِذَلِكَ يُسَمَّى غَضَبًا لِأَنَّهُ غَضَبٌ لِمَنْصِبِ الْمُسْتَدِلِّ (لَا يَسْمَعُهُ الْمُحَقِّقُونَ) مِنْ النُّظَّارِ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَقِيلَ يُسْمَعُ فَيَسْتَحِقُّهُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَنْعُ بَعْدَ تَمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّلِيلِ مَعَ أَنَّهَا مَنْعٌ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الِاعْتِرَاضِ وَإِنَّمَا يُضَادُّ فَرْدَهُ وَهُوَ الْمَنْعُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ الدَّلِيلِ هَذَا وَلَكِنْ قَدْ يُمْنَعُ سُقُوطُ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّ الْمَذْكُورِ بِمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَصْحِيحٌ لِمَنْعٍ وَالْعِرَاقِيُّ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهَا بَلْ مَنَعَ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا فَلَا نُكْتَةَ فِي ذِكْرِهَا نَعَمْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ نُكْتَتَهَا الْمُقَابَلَةُ لِقَوْلِهِ أَوْ مَعَ تَسْلِيمِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْأَلْيَقُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقَسَّمُ مَنْعَ الْمُدَّعِي فَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ لِلْمُدَّعِي كَيْفَ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِكَوْنِهِ لِلدَّلِيلِ كَمَا هُوَ لَازِمٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذْ الْمَنْعُ عَلَيْهِ بَلْ مَنْعُ الْمُدَّعِي يَعْتَرِضُ الدَّلِيلَ فَيُحْوِجُ فِي تَصْحِيحِهِ إلَى التَّكَلُّفِ (قَوْلُهُ: لَا يَعْتَرِضُ الْحِكَايَةَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَرِضَ الْأَقْوَالَ الْمَحْكِيَّةَ بَلْ يَصِيرَ حَتَّى يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهَا فَيَعْتَرِضَهُ وَقَالَ سم لَا يَعْتَرِضُ الْحِكَايَةَ أَيْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِمُقَدِّمَةٍ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِفَاعِلِ يَعْتَرِضُ وَهُوَ الْمَنْعُ أَيْ يَعْتَرِضُ الْمَنْعُ لِمُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ أَوْ يَعْتَرِضُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ يُعْتَرَضُ الدَّلِيلُ لِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ إلَخْ وَعَلَى هَذَا فَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْبَاءِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى التَّوَجُّهِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ إعْمَالُ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ وَقَدْ جُوِّزَ فِي الظَّرْفِ وَالْجَارِ وَالْمَجْرُورِ لِتَوَسُّعِهِمْ فِيهَا كَقَوْلِهِ: وَمَا الْحَرْبُ إلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمْ ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْآدَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَيَدْخُلُ فِيهَا مَادَّةُ الْقِيَاسِ وَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ ظَاهِرٌ أَنَّ الْمَنْعَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ يَخْتَصُّ بِمَعْنَى مُقَدِّمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَنْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ مُنَاقَضَةٌ أَيْضًا وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْوَلَدِيَّةِ وَعَلَى الشَّارِحِ الْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَبْلَ تَمَامِهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَوَّلِ أَعْنِي قَوْلَهُ لِمُقَدِّمَةٍ حَتَّى يُنَافِيَ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَالثَّانِي إمَّا مَعَ مَنْعِ الدَّلِيلِ إلَخْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَنْعُ)

الدَّلِيلِ (إمَّا مَنْعُ الدَّلِيلِ بِنَاءً عَلَى تَخَلُّفِ حُكْمِهِ فَالنَّقْضُ الْإِجْمَالِيُّ) وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرْته مِنْ الدَّلِيلِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ فِي كَذَا وَصْفٍ بِالْإِجْمَالِيِّ لِأَنَّ جِهَةَ الْمَنْعِ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ بِخِلَافِ التَّفْصِيلِيِّ الَّذِي هُوَ مَنْعٌ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ لِمُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ (أَوْ مَنْعُ تَسْلِيمِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ (وَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ فَالْمُعَارَضَةِ فَيَقُولُ) فِي صُورَتِهَا الْمُعْتَرِضُ لِلْمُسْتَدِلِّ (مَا ذَكَرْت) مِنْ الدَّلِيلِ (وَإِنْ دَلَّ) عَلَى مَا قُلْت (فَعِنْدِي مَا يَنْفِيهِ) أَيْ يَنْفِي مَا قُلْت وَيَذْكُرُهُ (وَيَنْقَلِبُ) الْمُعْتَرِضُ بِهَا (مُسْتَدِلًّا) وَالْعَكْسُ (وَعَلَى الْمَمْنُوعِ) وَهُوَ الْمُسْتَدِلُّ (الدَّفْعُ) لِمَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِ (بِدَلِيلٍ) لِيَسْلَمَ دَلِيلُهُ الْأَصْلِيُّ وَلَا يَكْفِيهِ الْمَنْعُ (فَإِنْ مَنَعَ ثَانِيًا فَكَمَا مَرَّ) مِنْ الْمَنْعِ قَبْلَ تَمَامِ الدَّلِيلِ وَبَعْدَ تَمَامِهِ إلَخْ (وَهَكَذَا) أَيْ الْمَنْعُ ثَالِثًا وَرَابِعًا مَعَ الدَّفْعِ وَهَلُمَّ (إلَى إفْحَامِ الْمُعَلِّلِ) وَهُوَ الْمُسْتَدِلُّ (إنْ انْقَطَعَ بِالْمُنُوعِ أَوْ إلْزَامِ الْمَانِعِ) وَهُوَ الْمُعْتَرِضُ (إنْ انْتَهَى إلَى ضَرُورِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الِاعْتِرَاضُ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ أَوْ بِمَنْعِ الْمَدْلُولِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَعِنْدِي مَا يَنْفِيهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى تَخَلُّفِ حُكْمِهِ) بِمَعْنَى أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ وَمَنْشَؤُهُ التَّخَلُّفُ كَأَنْ قِيلَ الْبُرُّ مَكِيلٌ وَكُلُّ مَكِيلٍ رِبَوِيٌّ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ دَلِيلُك مَمْنُوعٌ لِتَخَلُّفِ الرِّبَوِيَّةِ عَنْهُ فِي الْبِرْسِيمِ مَثَلًا ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ النَّقْضُ بِالتَّخَلُّفِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الدَّلِيلِ بِشَاهِدٍ إمَّا لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِاسْتِلْزَامِهِ فَسَادًا آخَرَ (قَوْلُهُ: الَّذِي إلَخْ) ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ التَّفْصِيلِيِّ بِالْمَنْعِ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلٌّ مِنْ النَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ الْمُعَارَضَةُ الْآتِيَةُ إنَّمَا يُرَادُ أَنَّ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ ثُمَّ إنَّ النَّقْضَ التَّفْصِيلِيَّ يُسَمَّى مُنَاقَضَةً أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِمُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ) أَوْ لِمُقَدِّمَتَيْهِ مَعًا سَبِيلُ التَّعْيِينِ وَأَمَّا النَّقْضُ الْإِجْمَالِيُّ فَمَنْعُ الدَّلِيلِ بِرُمَّتِهِ بِمَعْنَى دَعْوَى فَسَادِهِ وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ إلَّا مَعَ شَاهِدٍ وَهُوَ التَّخَلُّفُ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِ التَّفْصِيلِيِّ فَيُقْبَلُ مَعَ السَّنَدِ وَمُجَرَّدًا عَنْهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ دَعْوَى فَسَادِ الدَّلِيلِ بَلْ مَرْجِعُهُ طَلَبُ بَيَانِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَسَادَ الدَّلِيلِ إمَّا مِنْ جِهَةِ مَادَّتِهِ أَوْ صُورَتِهِ فَمَوْرِدُ الْمَنْعِ فِيهِ مُقَدِّمَةٌ مُبْهَمَةٌ فَظَهَرَ صِحَّةُ التَّقْيِيدِ فِي الْمُقَدِّمَةِ بِالْمُعَيَّنَةِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ تَسْلِيمِهِ إلَخْ) لَا يُقَالُ كَيْفَ جَعَلَ هَذَا قِسْمًا مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الدَّلِيلِ مَعَ أَنَّهُ مُسَلَّمٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَجْعَلْهُ قِسْمًا مِنْ ذَلِكَ بَلْ مِنْ مُطْلَقِ الِاعْتِرَاضِ وَهُوَ هُنَا وَارِدٌ عَلَى الْمَدْلُولِ لَا عَلَى الدَّلِيلِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: أَيْ يَنْفِي مَا قُلْت) الْأَقْعَدُ فِي حَلِّ الْمَتْنِ أَنْ يَنْفِيَ مَدْلُولَ مَا ذَكَرْت قَالَهُ الْكَمَالُ سم وَكَانَ مُلَاحَظَةٌ أَنَّهُ فِي الْمَتْنِ جَعَلَ فِي الْمَنْفِيِّ الْمَدْلُولَ حَيْثُ قَالَ بِمَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ وَقَدْ يُعَارَضُ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَدَلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَأَمْكَنُ فِي بَيَانِهِ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ مَدْلُولِ مَا ذَكَرَهُ الَّذِي هُوَ الدَّلِيلُ هُوَ مَدْلُولُهُ الْمُطَابِقِيُّ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُدَّعِي بَلْ قَدْ يَكُونُ مَلْزُومًا لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَنَعَ ثَانِيًا) أَيْ مَنَعَ الْمُعْتَرِضُ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ (قَوْلُهُ: إفْحَامِ الْمُعَلِّلِ)

[خاتمة القياس من الدين]

أَوْ يَقِينِيٍّ مَشْهُورٍ) مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاعْتِرَاضُ لِذَلِكَ [خَاتِمَةٌ] (الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وَقِيلَ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّ اسْمَ الدِّينِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ مُسْتَمِرٌّ وَالْقِيَاسُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ (وَثَالِثُهَا) مِنْهُ (حَيْثُ يَتَعَيَّنُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَ) الْقِيَاسُ (مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ) كَمَا عُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِهِ (خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ فِي كُتُبِهِ لِتَوَقُّفِ غَرَضِ الْأُصُولِيِّ مِنْ إثْبَاتِ حُجَّتِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا الْفِقْهُ عَلَى بَيَانِهِ (وَحُكْمُ الْمَقِيسِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ يُقَالُ إنَّهُ دِينُ اللَّهِ) وَشَرْعُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَالَهُ اللَّهُ) وَلَا رَسُولُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ لَا مَنْصُوصٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ إفْحَامِ السَّائِلِ الْمُعَلِّلَ وَكَذَا الْإِضَافَةُ فِي أَوْ إلْزَامِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَقِينِيٍّ مَشْهُورٍ) الْمَشْهُورَاتُ قَضَايَا يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِهَا بِوَاسِطَةِ اعْتِرَافِ جَمِيعِ النَّاسِ بِهَا لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَوْ رَأْفَةٍ وَحَمِيَّةٍ كَقَوْلِهِمْ الْعَدْلُ حَسَنٌ وَالظُّلْمُ قَبِيحٌ وَقَوْلُهُمْ مُرَاعَاةُ الضُّعَفَاءِ مَحْمُودَةٌ وَقَوْلُهُمْ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مَذْمُومٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْ الْمَشْهُورَاتِ تَتَرَكَّبُ الْخِطَابِيَّاتُ (قَوْلُهُ: مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدِلِّ) مُتَعَلِّقٌ بِإِلْزَامِ [خَاتِمَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ] (قَوْلُهُ: الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ إلَخْ) حَاصِلُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَتَبِعَهُ السُّيُوطِيّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إنْ عَنَوْا بِالدِّينِ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَقْصُودَةَ لِأَنْفُسِهَا بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فَلَيْسَ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ وَإِنْ عَنَوْا مَا تَعَبَّدْنَا بِهِ فَهُوَ دِينٌ اهـ. وَلَمَّا كَانَ كَوْنُهُ مِنْ الدِّينِ ظَاهِرًا مُوَافِقًا لِقَوَاعِد أَهْلِ الْحَقِّ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يُبَالِ بِكَوْنِ ذَلِكَ مَنْقُولًا عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهُ لِأَهْلِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الدِّينِ) دَلِيلُ الصُّغْرَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْآيَةِ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى أَنَّ الدِّينَ مَا يُدَانُ اللَّهُ بِهِ أَيْ يُطَاعُ وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِهِ كَذَلِكَ فَفِي كَلَامِهِ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ذُكِرَ صُغْرَاهُ وَدَلِيلُهَا حَذْفُ كُبْرَاهُ وَدَلِيلُهَا وَدَلِيلُ الصُّغْرَى إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ أُرِيدَ بِالِاعْتِبَارِ الْقِيَاسُ لَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الِاتِّعَاظُ فَلَا يَدُلُّ حِينَئِذٍ وَفِي النَّجَّارِيِّ الِاعْتِبَارُ هُوَ التَّرَدُّدُ بِالْفِكْرِ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَجْهُولٍ لِيَتَعَرَّفَ مِنْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْجَامِعِ وَذَلِكَ غَيْرُ الْقِيَاسِ، وَالِاعْتِبَارُ وَإِنْ صَدَقَ بِالِاتِّعَاظِ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي الِاسْتِدْلَالَ إذْ يَصْدُقُ عَلَى الِاتِّعَاظِ أَنَّهُ عُبُورٌ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ فَالِاعْتِبَارُ يَعُمُّ الْأَمْرَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِعُمُومِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ ثَابِتًا مُسْتَمِرًّا أَيْ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْأَمْرَانِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَتَعَيَّنُ) أَيْ لِلِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ: كَمَا عُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِهِ) أَيْ تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ فَأَدِلَّةُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ هِيَ الْقَوَاعِدُ الْبَاحِثَةُ عَنْهَا إذْ حَقِيقَةُ كُلِّ عِلْمٍ مَسَائِلُهُ أَيْ الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ فَتَكُونُ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ مَوْضُوعَ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَقَوْلُهُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ مَوْضُوعِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَفِيهِ تَسَامُحٌ اُغْتُفِرَ لِمَا

(ثُمَّ الْقِيَاسُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ (يَتَعَيَّنُ عَلَى مُجْتَهِدٍ احْتَاجَ إلَيْهِ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فِي وَاقِعَةٍ أَيْ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ (وَهُوَ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ فَالْجَلِيُّ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ) أَيْ بِإِلْغَائِهِ (أَوْ كَانَ) ثُبُوتُ الْفَارِقِ أَيْ تَأْثِيرُهُ فِيهِ (احْتِمَالًا ضَعِيفًا) الْأَوَّلُ كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي تَقْوِيمِ حِصَّةِ التَّشْرِيكِ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ وَعِتْقِهَا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي إلْغَاءِ الْفَارِقِ وَالثَّانِي كَقِيَاسِ الْعَمْيَاءِ عَلَى الْعَوْرَاءِ فِي الْمَنْعِ فِي التَّضْحِيَةِ الثَّابِتِ بِحَدِيثِ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا.» إلَخْ (وَالْخَفِيُّ خِلَافُهُ) وَهُوَ مَا كَانَ احْتِمَالُ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ فِيهِ قَوِيًّا كَقِيَاسِ الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ عَلَى الْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْمُثَقَّلِ (وَقِيلَ الْجَلِيُّ هَذَا) أَيْ الَّذِي ذُكِرَ (وَالْخَفِيُّ الشَّبَهُ وَالْوَاضِحُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْجَلِيُّ) الْقِيَاسُ (الْأَوْلَى) كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فِي التَّحْرِيمِ (وَالْوَاضِحُ الْمُسَاوِي) كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ (وَالْخَفِيُّ الْأَدْوَنُ) كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ الْجَلِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ يَصْدُقُ بِالْأَوْلَى كَالْمُسَاوِي ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَقَ مِنْ شَرْحِ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ هَذَا يَقْضِي أَيْ قَوْلُهُ كَمَا عُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِهِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ مِنْ نَفْسِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَكَوْنُ الْقُرْآنِ نَفْسِهِ مَثَلًا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ مِمَّا يَمُجُّهُ الْعَقْلُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْقِيَاسُ) أَيْ التَّهَيُّؤ لَهُ (قَوْلُهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تَحْدُثُ حَادِثَةٌ وَتَعَدَّدَ الْمُجْتَهِدُونَ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ فِي تَقْدِيرِهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ مَعْمُولَ قَوْلِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى مُجْتَهِدٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ لِفَسَادِ ذَلِكَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِمُتَعَدِّدٍ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَنَاقُضٌ لِأَنَّ وُجُوبَهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوْصُوفًا بِالصِّفَتَيْنِ أَعْنِي كَوْنَهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَكَوْنَهُ فَرْضَ عَيْنٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِينَ إذَا تَعَلَّقَ بِوَاجِبٍ وَكَذَا إذَا تَعَلَّقَ بِسُنَّةٍ وَأَرَادَ الْعَمَلَ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ لِامْتِنَاعِ تَقْلِيدِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا تَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: أَيْ بِإِلْغَائِهِ) أَيْ بِإِلْغَاءِ تَأْثِيرِهِ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتُهُ مَوْجُودَةً (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْفَارِقِ إلَخْ) تَحْوِيلٌ لِلْعِبَارَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا الْمُوهِمِ لِلْفَسَادِ لِاقْتِضَائِهِ عَوْدَ ضَمِيرِ كَانَ إلَى نَفْيِ الْفَارِقِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ مَا كَانَ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ احْتِمَالًا ضَعِيفًا هُوَ الْخَفِيُّ لَا الْجَلِيُّ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي إلْغَاءِ الْفَارِقِ) أَيْ وَهُوَ الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ (قَوْلُهُ: فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّضْحِيَةِ) أَيْ لَا حَتْمًا وَتَأْثِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعَمْيَاءَ تُرْشَدُ إلَى الْمَرْعَى الْجَيِّدِ فَتَرْعَى فَتَسْمَنُ وَالْعَوْرَاءُ يُوَكَّلُ أَمْرُهَا إلَى نَفْسِهَا وَهِيَ نَاقِصَةُ الْبَصَرِ فَلَا تَرْعَى فِي حَقِّ الرَّاعِي فَيَكُونُ الْعَوَرُ مَظِنَّةَ الْهُزَالِ وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ مِنْ قِسْمِ الْقَطْعِيِّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا كَانَ احْتِمَالُ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ فِيهِ قَوِيًّا) أَيْ وَكَانَ احْتِمَالُ نَفْيِ الْفَارِقِ أَقْوَى مِنْهُ لِيَصِحَّ الْقِيَاسُ وَقِيَاسُ مَا زَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فِي الْجَلِيِّ أَنْ يُزَادَ هَذَا أَوْ مَا كَانَ احْتِمَالُ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ فِيهِ ضَعِيفًا أَوْ لَيْسَ بَعِيدًا كُلَّ الْبُعْدِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْمُثَقَّلِ) جَعَلَهُ كَشِبْهِ الْعَمْدِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَدَّدِ أَنَّ الْمُحَدَّدَ وَهُوَ الْمُفَرِّقُ لِلْأَجْزَاءِ آلَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْقَتْلِ وَالْمُثَقَّلُ كَالْعِصِيِّ آلَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّأْدِيبِ بِالْأَصَالَةِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُثَقَّلِ الْمُلْحَقُ بِالْمُحَدَّدِ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالْحَجَرِ وَالدَّبُّوسِ الْكَبِيرَيْنِ وَالتَّحْرِيقِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ) يَعْنِي مَا قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ كَانَ احْتِمَالًا ضَعِيفًا

فَلْيُتَأَمَّلْ (وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِهَا) كَأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ كَالْخَمْرِ لِلْإِسْكَارِ (وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ مَا جُمِعَ فِيهِ بِلَازِمِهَا فَأَثَرِهَا فَحُكْمِهَا) الضَّمَائِرُ لِلْعِلَّةِ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرِينَ مِنْهَا دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ النَّبِيذُ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْإِسْكَارِ وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ الْقَتْلُ بِمُثَقَّلٍ يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ بِجَامِعِ الْإِثْمِ وَهُوَ أَثَرُ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ وَمِثَالُ الثَّالِثِ أَنْ يُقَالَ تُقْطَعُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَمَا يُقْتَلُونَ بِهِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ عَمْدٍ وَهُوَ حُكْمُ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقَطْعُ مِنْهُمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْقَتْلُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ اسْتِدْلَالٌ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا الْعَمْدُ عَلَى الْآخَرِ (وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلْيُتَأَمَّلْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي صِدْقِهِ بِالْأَوْلَى خَفَاءً لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ بِثُبُوتِهِ مَرْجُوحًا يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْمُسَاوَاةُ إذْ قَوْلُك لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا غَايَتُهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْأَوْلَى فَوَجْهُ صِدْقِهِ بِالْأَوْلَى أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِمَا سَوَاءٌ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُكْمِ أَيْ ثُبُوتِهِ لَا فِي عِلَّتِهِ فَقَدْ تَكُونُ هِيَ فِي الْفُرُوعِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِي أَصْلِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَكَتَبَ سم بِهَامِشِ الْكَمَالِ وَجْهُ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ خَفَاءُ صِدْقِهِ عَلَى الْأَوْلَى وَلِذَلِكَ جُعِلَ صِدْقُهُ بِالْمُسَاوِي أَمْرًا مُسَلَّمًا وَجُعِلَ مَحَلُّ الِاشْتِبَاهِ صِدْقَهُ بِالْأَوْلَى حَيْثُ قَالَ يَصْدُقُ بِالْأَوْلَى كَالْمُسَاوِي مَعَ أَنَّهُ كَانَ الْمُتَبَادَرُ عَكْسَهُ فَيُقَالُ يَصْدُقُ بِالْمُسَاوِي كَالْأَوْلَى لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ أَنَّ صِدْقَهُ بِالْأَوْلَى لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ بِخِلَافِ صِدْقِهِ بِالْمُسَاوِي وَوَجْهُ خَفَاءِ الصِّدْقِ أَنَّ تَعْرِيفَهُ بِقَوْلِهِ قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ عَدَمُ صِدْقِهِ بِالْأَوْلَى لِلْقَطْعِ بِتَأْثِيرِ الْفَارِقِ فِيهِ وَلِذَا كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ تَأْثِيرَ الْفَارِقِ تَارَةً يُنَافِي الْحُكْمَ وَتَارَةً يُؤَكِّدُهُ وَيُفِيدُ أَوْلَوِيَّتَهُ وَوَجْهُ الصِّدْقِ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَأْثِيرِ الْفَارِقِ نَفْيُ الْحُكْمِ لَا مُطْلَقًا فَهَذَا وَجْهُ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ) أَيْ عَلَى الْعِلَّةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ مَا جُمِعَ فِيهِ بِلَازِمِهَا أَيْ مَا كَانَ الْجَامِعُ فِيهِ بِلَازِمِهَا (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ) أَيْ الثَّابِت قَالَ النَّجَّارِيُّ اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ فِي الْعَمْدِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَطْعِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْخَطَأِ أَمْرٌ ثَابِتٌ مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرْعِ مُتَقَرِّرٌ فِيهِ وَأَمَّا قَطْعُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ فَمَجْهُولٌ حُكْمُهُ مِنْ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فَأُثْبِتَ بِمَعْلُومٍ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ بِقَطْعِهِ فَلَا يُقَالُ الِاسْتِدْلَال بِأَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ تَحَكُّمٌ (قَوْلُهُ: اسْتِدْلَالٌ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ حَيْثُ قَالَ بِجَامِعِ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ. اهـ. زَكَرِيَّا سم. لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَكِنْ يَنْبَغِي التَّأَمُّلُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ لِتَظْهَرَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَيُحْتَاجُ أَنْ تَكُونَ لَفْظَةُ فِي مَحْمُولَةً فِيهَا عَلَى السَّبَبِيَّةِ وَلَفْظُ الْمَعْنَى مَحْمُولٌ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَالْمَعْنَى وَالْقِيَاسُ بِسَبَبِ حِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ وُجُودَهَا فِيهِ مَظِنَّةُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَالْجَمْعُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ مَظِنَّةُ الْعِلَّةِ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَ فِيهِ مَظِنَّةُ الْعِلَّةِ مَقَامَهَا دَلَالَةً عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحِكْمَةُ) أَيْ حِكْمَةُ الْمَنْعِ هُنَا هِيَ إفْسَادُ الْمَاءِ بِاسْتِقْذَارِهِ أَوْ تَنَجُّسِهِ

[الكتاب الخامس في الاستدلال]

هُوَ (الْجَمْعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ) وَيُسَمَّى بِالْجَلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ كَقِيَاسِ الْبَوْلِ فِي إنَاءٍ وَصَبِّهِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عَلَى الْبَوْلِ فِيهِ فِي الْمَنْعِ بِجَامِعِ أَنْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا فِي مَقْصُودِ الْمَنْعِ الثَّابِتِ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» (الْكِتَابُ الْخَامِسُ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ دَلِيلٌ لَيْسَ بِنَصٍّ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ) وَقَدْ عُرِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُقَالُ التَّعْرِيفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا تَعْرِيفٌ بِالْمَجْهُولِ (فَيَدْخُلُ) فِيهِ الْقِيَاسُ (الِاقْتِرَانِيُّ وَ) الْقِيَاسُ (الِاسْتِثْنَائِيُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: هُوَ الْجَمْعُ) أَيْ ذُو الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِكْمَةِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَوُجُودُهَا مَظِنَّةُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَالْجَمْعُ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِهَا بِالْحِكْمَةِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: كَقِيَاسِ الْبَوْلِ) أَيْ بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ وَصَبَّهُ أَيْ الْبَوْلَ بِمَعْنَى الذَّاتِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ (قَوْلُهُ: فِي مَقْصُودِ الْمَنْعِ) هُوَ حِكْمَتُهُ وَهُوَ إفْسَادُ الْمَاءِ أَوْ تَقْذِيرُهُ وَقَوْلُهُ الثَّابِتِ نَعْتُ الْمَنْعِ [الْكِتَابُ الْخَامِسُ فِي الِاسْتِدْلَالِ] (الْكِتَابُ الْخَامِسُ فِي الِاسْتِدْلَالِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِدْلَال لُغَةً طَلَبُ الدَّلِيلِ وَيُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ مُطْلَقًا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: وَلَا قِيَاسٍ) أَيْ شَرْعِيٍّ أَمَّا الْمَنْطِقِيُّ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا سَيَأْتِي فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِدْلَالِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَأَرَادَ أَنَّ النَّصَّ يَصْدُقُ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ فَفِي التَّعْرِيفِ خَفَاءٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ بِمَا بَعْدُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لِمَا وَرَدَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يُقَالُ لِلتَّعْرِيفِ خَفَاءٌ إلَخْ) أَوْرَدَ أَنَّهُ قَدْ يُلْقِي التَّعْرِيفَ لِمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالتَّعَارِيفُ تُعْتَبَرُ مُسْتَقِلَّةً عَلَى حَالِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِمَنْ اطَّلَعَ عَلَى كِتَابٍ مَثَلًا فَإِذَا أَرَادَ الْإِلْقَاءَ إلَى غَيْرِهِ أُتِيَ بِتَعْرِيفٍ آخَرَ وَلَا يَخْفَى سَمَاجَةُ هَذَا الْجَوَابِ وَأَقُولُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ مُخَاطَبٌ بِهِ مُمَارِسُ عِلْمِ الْأُصُولِ وَأَجْزَاؤُهُ شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً

وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْقِيَاسِ الْمَنْطِقِيِّ وَهُوَ قَوْلٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ قَضَايَا مَتَى سَلِمَتْ لَزِمَ عَنْهُ لِذَاتِهِ قَوْلٌ آخَرُ فَإِنْ كَانَ اللَّازِمُ وَهُوَ النَّتِيجَةُ أَوْ نَقِيضُهُ مَذْكُورًا فِيهِ بِالْفِعْلِ فَهُوَ الِاسْتِثْنَائِيُّ وَإِلَّا فَالِاقْتِرَانِيُّ مِثَالُ الِاسْتِثْنَائِيِّ إنْ كَانَ النَّبِيذُ مُسْكِرًا فَهُوَ حَرَامٌ لَكِنَّهُ مُسْكِرٌ يُنْتَجُ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ إنْ كَانَ النَّبِيذُ مُبَاحًا فَهُوَ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ لَكِنَّهُ مُسْكِرٌ يُنْتَجُ فَهُوَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَمِثَالُ الِاقْتِرَانِيِّ كُلُّ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ يُنْتَجُ كُلُّ نَبِيذٍ حَرَامٌ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِيهِ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ وَيُسَمَّى الْقِيَاسُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ أَعْنِي لَكِنَّ وَبِالِاقْتِرَانِ لِاقْتِرَانِ أَجْزَائِهِ (وَ) يَدْخُلُ فِيهِ (قِيَاسُ الْعَكْسِ) وَهُوَ إثْبَاتُ عَكْسِ حُكْمِ شَيْءٍ لِمِثْلِهِ لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ» (وَ) يَدْخُلُ فِيهِ (قَوْلُنَا) مَعَاشِرَ الْعُلَمَاءِ (الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ) الْأَمْرُ (كَذَا خُولِفَ) الدَّلِيلُ (فِي كَذَا) أَيْ فِي صُورَةٍ مَثَلًا (لِمَعْنًى مَفْقُودٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَتَبْقَى) هِيَ (عَلَى الْأَصْلِ) الَّذِي اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِهَا بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ الَّذِي تَأْبَاهُ الْإِنْسَانِيَّةُ لِشَرَفِهَا خُولِفَ هَذَا الدَّلِيلُ فِي تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ لَهَا فَجَازَ لِكَمَالِ عَقْلِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيهَا فَيَبْقَى تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ الِامْتِنَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا (قَوْلُهُ: وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْقِيَاسِ) أَيْ نَوْعَانِ لَهُ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا ثُمَّ مَا هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ قِيَاسُ الْعَكْسِ مُوَضَّحٌ فِي الْكُتُبِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَلَا نَشْتَغِلُ بِهِ وَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَهُ فَلْيَنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى شَرْحِ الْخَبِيصِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ (قَوْلُهُ: عَلَى حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَلَذَا آتَى بِالْعِنَايَةِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِاقْتِرَانِ أَجْزَائِهِ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ لِاقْتِرَانِ الْحُدُودِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ أَوْضَحُ (قَوْلُهُ: عَكْسُ حُكْمِ شَيْءٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الضِّدَّ (قَوْلُهُ: لِتَعَاكُسِهِمَا) أَيْ الشَّيْءِ وَمِثْلِهِ أَوْ الْحُكْمِ وَعَكْسِهِ. (قَوْلُهُ: فِي حَرَامٍ) أَيْ بُضْعٍ حَرَامٍ فَإِتْيَانُ الشَّهْوَةِ فِي حَرَامٍ أَصْلٌ وَحُكْمُهُ الْوِزْرُ وَعِلَّتُهُ كَوْنُ الْوَضْعِ فِي حَرَامٍ وَإِتْيَانُ الشَّهْوَةِ فِي الْحَلَالِ فَرْعٌ وَحُكْمُهُ الْآخَرُ وَعِلَّتُهُ كَوْنُ الْإِتْيَانِ فِي حَلَالٍ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِدْلَالِ وَيُسَمَّى هَذَا الدَّلِيلُ عِنْدَهُمْ بِالدَّلِيلِ النَّافِي وَهُوَ نَافِي الصِّحَّةِ هُنَا (قَوْلُهُ مَعَاشِرَ الْعُلَمَاءِ) لَمْ يَقُلْ مَعَاشِرَ الْأُصُولِيِّينَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ (قَوْلُهُ: الَّذِي اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ) وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كَلَامِهِ بِالْأَمْرِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ (قَوْلُهُ: لِشَرَفِهَا) أَيْ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ كَمَالُ الْعَقْلِ (قَوْلُهُ: مَحَلُّ النِّزَاعِ) أَيْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ

(وَكَذَا) يَدْخُلُ فِيهِ (انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ) أَيْ الَّذِي بِهِ يُدْرَكُ وَهُوَ الدَّلِيلُ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ الْمُجْتَهِدُ بَعْدَ الْفَحْصِ الشَّدِيدِ فَعَدَمُ وِجْدَانِهِ الْمُظَنُّ بِهِ انْتِفَاؤُهُ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ كَمَا سَيَأْتِي قَالُوا لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وِجْدَانِ الدَّلِيلِ انْتِفَاؤُهُ وَصُورَةُ ذَلِكَ (كَقَوْلِنَا) لِلْخَصْمِ فِي إبْطَالِ الْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةٍ (الْحُكْمُ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ) حَيْثُ وُجِدَ الْحُكْمُ بِدُونِ الدَّلِيلِ الْمُفِيدِ لَهُ (وَلَا دَلِيلَ) عَلَى حُكْمِك (بِالسَّبْرِ) فَإِنَّا سَيَّرْنَا الْأَدِلَّةَ فَلَمْ نَجِدْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (أَوْ الْأَصْلِ) فَإِنَّ الْأَصْلَ الْمُسْتَصْحَبَ عَدَمُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي هُوَ أَيْضًا (وَكَذَا) يَدْخُلُ فِيهِ (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْفُقَهَاءِ (وُجِدَ الْمُقْتَضِي أَوْ الْمَانِعُ أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ) فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى انْتِفَائِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) فِي قَوْلِهِمْ لَيْسَ بِدَلِيلٍ بَلْ دَعْوَى دَلِيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ إلَخْ) الْأَوْلَى وَكَذَا انْتِفَاءُ مَدْرَكِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ الدَّاخِلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَأَوْلَى مِنْهُمَا عَدَمُ وِجْدَانِ مَدْرَكِ الْحُكْمِ وَالْمَدْرَكُ مَكَانُ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَحَلُّ إدْرَاكِ الْحُكْمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ اسْمُ آلَةٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَفِي سم قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَبْحَثِ الْعَكْسِ مِنْ الْقَوَادِحِ مِنْ أَنَّا نَعْنِي بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ لَا انْتِفَاءِ عِلَّتِهِ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِهِ لَا انْتِفَاؤُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ انْتِفَاءُ الْمَدْلُولِ وَأَقُولُ لَا نُسَلِّمُ الْمُخَالَفَةَ لِأَنَّ الَّذِي نَفَاهُ هُنَاكَ كَوْنُ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ مُسْتَلْزِمًا لِانْتِفَاءِ الْمَدْلُولِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ انْتِفَاءَ الدَّلِيلِ يَدُلُّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً عَلَى انْتِفَاءِ الْمَدْلُولِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْهُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا. (قَوْلُهُ: فَعَدَمُ وِجْدَانِهِ) أَيْ وِجْدَانِ الْمُجْتَهِدِ لَهُ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي الْمَتْنِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: الْمُظَنُّ بِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ فِعْلَهُ ثُلَاثِيٌّ فَاسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ عَلَى زِنَةِ مَفْعُولٍ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ كُلَّهَا تَتَعَدَّى إلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَظَنَنْت زَيْدًا عَمْرًا قَائِمًا وَلَكِنْ لَيْسَ هُنَا ثَلَاثَةُ مَفَاعِيلَ بَلْ اثْنَانِ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ قَوْلَنَا الْمَظْنُونَ بِهِ أَسْلَسُ نُطْقًا مِنْ الْمُظَنِّ فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَسْلَمَ (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وِجْدَانِ الدَّلِيلِ انْتِفَاؤُهُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ يَعْنِي لِأَنَّ عَدَمَ وِجْدَانِ الدَّلِيلِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَدْلُولِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ الظَّنِّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ هُوَ الْجَارِي عَلَى ذِمَّةِ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْقَدْحِ بِتَخَلُّفِ الْعَكْسِ مِنْ أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ هُوَ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْمَدْلُولِ لَا انْتِفَاءُ الْمَدْلُولِ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ) تَكْلِيفُ الْغَافِلِ لَازِمٌ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ لَا لِعَدَمِ اسْتِدْعَائِهِ لِجَوَازِ وُجُودِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَدْعَ فَلَوْ قَالَ وَإِلَّا لَأَمْكَنَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ كَانَ صَوَابًا قَالَهُ النَّاصِرُ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا مَعْنَاهُ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى الدَّلِيلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ ثُبُوتُهُ عَلَى الدَّلِيلِ بِأَنْ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ اللَّازِمُ نَفْسَ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا مُجَرَّدَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الدَّلِيلَ حَتَّى يَكُونَ نَفْيُ الِاسْتِلْزَامِ صَادِقًا مَعَ وُجُودِ الدَّلِيلِ فَلَا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ثُمَّ اُعْتُرِضَ (قَوْلُهُ: الْغَافِلِ) أَيْ عَنْ دَلِيلِ الْحُكْمِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْغَفْلَةُ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ دَلِيلِهِ فَالْمُرَادُ بِالْغَافِلِ غَيْرُ الْعَالِمِ لَا الْغَافِلُ الْمُتَقَدِّمُ (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَصْلِ) أَيْ أَوْ لَا دَلِيلَ عَلَى حُكْمِك بِحُكْمِ الْأَصْلِ اهـ. خَالِدٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَخْ) ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّ قَوْلَهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَذَا وَتَقْدِيرُهُ يَدْخُلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَاعِلٌ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ)

[مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي]

وَإِنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا إذَا عُيِّنَ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعُ وَالشَّرْطُ وَبُيِّنَ وُجُودُ الْأَوَّلِينَ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ فَقْدِ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ. (مَسْأَلَةُ الِاسْتِقْرَاءِ بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ) بِأَنْ تُتَّبَعَ جُزْئِيَّاتُ كُلِّيٍّ لِيَثْبُتَ حُكْمُهَا لَهُ (إنْ كَانَ تَامًّا أَيْ بِالْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْجُزْئِيَّاتِ (إلَّا صُورَةَ النِّزَاعِ فَقَطْعِيٌّ) أَيْ فَهُوَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ مُخَالَفَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ لِغَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَقُّ مَعَهُمْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا) مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِ [مَسْأَلَةُ الِاسْتِقْرَاءِ بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ] (قَوْلُهُ: بِأَنْ تُتُبِّعَ) بِضَمِّ التَّاءَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تُتَتَبَّعُ بِثَلَاثِ تَاءَاتٍ بِضَمِّ الْأُولَى (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَكْثَرِ) فِي شَرْحِ الْبُدَخْشِيِّ عَلَى مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ دَلِيلٌ يَقِينِيٌّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: عَلَى بُعْدٍ) أَيْ مَعَ بُعْدٍ

عَلَى بُعْدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ (أَوْ) كَانَ (نَاقِصًا أَيْ بِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ) الْخَالِي عَنْ صُورَةِ النِّزَاعِ (فَظَنِّيٌّ) فِيهَا لَا قَطْعِيٌّ لِاحْتِمَالِ مُخَالَفَتِهَا لِذَلِكَ الْمُسْتَقَرِّ (وَيُسَمَّى) هَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَغْلَبِ) (مَسْأَلَةٌ) فِي الِاسْتِصْحَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ إذْ الِاحْتِمَالَاتُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَقْدَحُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَةِ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُودَ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ بَعُدَ يَمْنَعُ مِنْ الْقَطْعِ وَإِنَّ تَنْزِيلَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ لَا يَصِيرُ مَعْدُومًا وَالْقَطْعُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِعَدَمِ الِاحْتِمَالِ لَا بِتَنْزِيلِ الْوُجُودِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ) مِثَالُهُ الْوِتْرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكُلُّ مَا يُؤَدَّى

[مسألة في الاستصحاب]

وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الرَّاحِلَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنَّا اسْتَقْرَأْنَا مَا يُؤَدَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ نَجِدْ مِنْهُ وَاجِبًا فَعُلِمَ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ قُلْت الْوِتْرُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُؤَدِّيهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ. قُلْت أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَدَّاهُ فِي السَّفَرِ وَالْوِتْرُ إنَّمَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ وَبِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أَدَّاهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَانَ قَدْ نُسِخَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. زَكَرِيَّا. وَقَدْ يُمَثَّلُ لَنَا بِقَوْلِنَا كُلُّ حَيَوَانٍ يَحْتَرِقُ وَتَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ بِالْمُكْثِ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ إمَّا إنْسَانٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ حِمَارٌ إلَخْ وَالْكُلُّ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وُجُودُ حَيَوَانٍ حُكْمُهُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ بَلْ وُجِدَ بِالْعَقْلِ كَالسَّمَنْدَلِ فَإِنَّهُ يَعِيشُ فِي النَّارِ وَيُوجَدُ فِي ذَخَائِرِ الْمُلُوكِ مَنَادِيلُ مُتَّخَذَةٌ مِنْ رِيشِهِ إذْ اتَّسَخَتْ تُرْمَى فِي النَّارِ فَتَرْجِعُ نَظِيفَةً وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِهَا وَيُمَثَّلُ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِنَا كُلُّ حَرَكَةٍ إمَّا حَرَكَةٌ مِنْ الْمَرْكَزِ أَوْ إلَى الْمَرْكَزِ أَوْ عَلَى الْمَرْكَزِ وَكُلٌّ مِنْهَا يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ فَكُلُّ حَرَكَةٍ كَذَلِكَ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَاسِ الْأُصُولِيِّ وَالْمَنْطِقِيِّ وَالِاسْتِقْرَائِيّ أَنَّ الْأُصُولِيَّ هُوَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي جُزْءٍ لِإِثْبَاتِهِ فِي جُزْءٍ آخَرَ مِثْلِهِ بِجَامِعٍ وَالْمَنْطِقِيَّ هُوَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّيٍّ لِإِثْبَاتِهِ فِي جُزْئِيٍّ وَالِاسْتِقْرَائِيّ عَكْسُ الْمَنْطِقِيِّ [مَسْأَلَةٌ فِي الِاسْتِصْحَابِ] (قَوْلُهُ: وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا) أَيْ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَوْرَدَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ مِثْلَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ نَصَبَهَا الشَّارِعُ وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ إجْمَاعًا وَالِاسْتِصْحَابُ لَيْسَ مِنْهَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ قُلْنَا ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ بِبَقَائِهِ فَمَمْنُوعٌ يَكْفِي الِاسْتِصْحَابُ وَلَوْ سَلِمَ فَلَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ الْأَدِلَّةِ فِيمَا ذُكِرَ ثَمَّ بَلْ عِنْدَنَا رَابِعٌ وَهُوَ الِاسْتِصْحَابُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَيْنُ النِّزَاعِ فَإِنْ قُلْت الْقِيَاسُ جَائِزٌ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ ظَنِّ بَقَاءِ الْأَصْلِ إذْ الْقِيَاسُ رَافِعٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ وِفَاقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ أَحْكَامٌ لَوْلَاهُ لَبَقِيَتْ عَلَى نَفْيِهَا فَلَا يُظَنُّ بَقَاءُ الْأَصْلِ إلَّا عِنْدَ انْتِفَاءِ قِيَاسٍ يَرْفَعُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ الِانْتِفَاءِ لِعَدَمِ تَنَاهِي الْأُصُولِ الَّتِي يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا فَمِنْ أَيْنَ لِلْعَقْلِ الْإِحَاطَةُ بِنَفْيِهَا قُلْنَا الظَّنُّ بِانْتِفَاءِ مِثْلِ هَذَا الْقِيَاسِ كَافٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ وَالظَّنُّ حَاصِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْوِجْدَانِ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ وَمُجَرَّدُ

دُونَ الْحَنَفِيَّةِ فَنَقُولُ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ (قَالَ عُلَمَاؤُنَا اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ) وَهُوَ نَفْيُ مَا نَفَاهُ الْعَقْلُ وَلَمْ يُثْبِتْهُ الشَّرْعُ كَوُجُوبِ صَوْمِ رَجَبٍ حُجَّةٌ جَزْمًا (وَ) اسْتِصْحَابُ (الْعُمُومِ أَوْ النَّصِّ إلَى وُرُودِ الْغَيْرِ) مِنْ مُخَصِّصٍ أَوْ نَاسِخٍ حُجَّةٌ جَزْمًا فَيُعْمَلُ بِهِمَا إلَى وُرُودِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ خَالَفَ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ (وَ) اسْتِصْحَابُ (مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ) كَثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ (حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ) حُجَّةٌ (فِي الدَّفْعِ) بِهِ عَمَّا ثَبَتَ لَهُ (دُونَ الرَّفْعِ) بِهِ لِمَا ثَبَتَ كَاسْتِصْحَابِ حَيَاةِ الْمَعْقُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِمَالِ قِيَاسٍ رَافِعٍ لَا يُنَافِي ظَنَّ انْتِفَائِهِ وَإِنَّمَا الْمُنَافِي لَهُ احْتِمَالُ مُسَاوٍ أَوْ رَاجِحٍ. (قَوْلُهُ: دُونَ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ بِحَسَبِ مَا اُشْتُهِرَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ وَإِلَّا فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَائِلَةٌ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَائِلَةٌ بِحُجِّيَّتِهِ فِي الدَّفْعِ دُونَ الرَّفْعِ فِيمَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَنَقُولُ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ رُجُوعِ الْخِلَافِ الْآتِي إلَى جَمِيعِ الِاسْتِصْحَابَاتِ وَقَوْلُهُ جَزْمًا فِي الِاسْتِصْحَابَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيْ عِنْدَنَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَإِلَّا فَهُمَا مَحَلُّ خِلَافٍ أَيْضًا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا إلَخْ) وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ يُعْمَلُ بِالِاسْتِصْحَابِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ أَقْوَى مِنْهُ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: مَا نَفَاهُ الْعَقْلُ) أَيْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ الْعَقْلُ شَيْئًا فَالْمُرَادُ بِنَفْيِهِ ذَلِكَ عَدَمُ إدْرَاكِ وُجُودِهِ وَالْمَعْنَى هُوَ انْتِفَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ الْعَقْلُ وُجُودَهُ اهـ سم (قَوْلُهُ: حُجَّةٌ) هُوَ خَبَرٌ عَمَّا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِصْحَابَاتِ الثَّلَاثَةِ وَالْخِلَافُ الْمَحْكِيُّ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ فِي الدَّفْعِ وَمَا بَعْدَهُ خَاصٌّ بِالثَّالِثِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا وَالْخِلَافُ الْمَحْكِيُّ فِي الثَّالِثِ لَيْسَ لِلْحَنَفِيَّةِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْأَوَّلَيْنِ جَزْمًا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي فَعُرِفَ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْجَزْمِ لِأَنَّهَا فِي الْعَمَلِ لَا فِي الْحُجَّةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ الْعَمَلِ لَازِمٌ لِعَدَمِ الْحُجِّيَّةِ بَلْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْجَزْمِ فِيمَا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ خِلَافِيَّةَ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّمَا هِيَ فِيمَا بَعْدَهَا كَمَا مَرَّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ الدَّفْعُ وَالرَّفْعُ عَارَضَهُ ظَاهِرٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ بِهِ عَمَّا ثَبَتَ) أَيْ حُجَّةٌ فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ وَاَلَّذِي ثَبَتَ هُوَ عَدَمُ الْإِرْثِ مِنْهُ بِسَبَبِ الْحَيَاةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ دَافِعٌ لِلْإِرْثِ مِنْهُ لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِي الدَّافِعِ وَلِلْإِرْثِ

بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ دَافِعٌ لِلْإِرْثِ مِنْهُ وَلَيْسَ بِدَافِعٍ لِعَدَمِ إرْثِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِلشَّكِّ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يُثْبِتُ اسْتِصْحَابُهَا لَهُ مِلْكًا جَدِيدًا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ (وَقِيلَ) حُجَّةٌ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ ظَاهِرٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ ظَاهِرٌ غَالِبًا قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ ذُو سَبَبٍ) فَإِنْ عَارَضَهُ ظَاهِرٌ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطٍ عَلَى الْخِلَافِ قُدِّمَ الظَّاهِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَرْجُوحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَالتَّقْيِيدُ بِذِي السَّبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ وَمَا هُنَا فِي الْمَدْفُوعِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ دَافِعٌ لِلْإِرْثِ) أَيْ عَنْ الْإِرْثِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ إرْثِهِ) أَيْ لَيْسَ بِدَافِعِ عَدَمِ إرْثِهِ فَاللَّازِمُ صِلَةُ رَافِعٍ وَلَوْ رَفَعَ عَدَمَ الْإِرْثِ لَثَبَتَ الْإِرْثُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَرْجُوحُ إلَخْ) أَيْ فِي الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الرَّاجِحُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَوْلِ عَلَى مَا فَصَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فَالْمُعْتَمَدُ الْأَخْذُ بِالْأَصْلِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ قُوَّةُ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ بِالظَّاهِرِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّمْسُ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَصْحِيحَ الْأَخْذِ بِالْأَصْلِ دَائِمًا وَعَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَذَكَرَهَا قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّحْقِيقُ الْأَخْذُ فِي تَعَارُضِهَا بِأَقْوَى الظَّنَّيْنِ اهـ. وَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَ الْأَصْلَ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ كَاحْتِمَالِ الْحَدَثِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الزَّمَانِ لِمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرَهُ إذْ يُقَدِّمُ الْأَصْلَ جَزْمًا وَإِلَّا نَصَبَ الشَّرْعُ الظَّاهِرَ سَبَبًا كَالشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تُعَارِضُ الْأَصْلَ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ جَزْمًا قَالَهُ زَكَرِيَّا وَفِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ تُعَارِضُ الْأَصْلَ وَالْغَالِبُ فِيهِ قَوْلَانِ وَلِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ شُرُوطٌ أَحَدُهَا أَنْ لَا تَطَّرِدَ الْعَادَةُ بِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ فَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَةٌ بِذَلِكَ كَاسْتِعْمَالِ السِّرْقِينِ فِي أَوَانِي الْفَخَّارِ قُدِّمَتْ عَلَى الْأَصْلِ قَطْعًا فَيُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَمِثْلُهُ الْمَاءُ الْهَارِبُ فِي الْحَمَّامِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْبَوْلِ فِيهِ الثَّانِي أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُ الظَّاهِرِ فَإِنْ نَدَرَتْ لَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ قَطْعًا وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يُجْرُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا النَّجَاسَةُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ وَلَا أَثَرَ لِلنَّادِرِ وَالتَّمَسُّكُ بِاسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَوْلَى الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ أَحَدِهَا مَا يَعْتَضِدُ بِهِ فَإِنْ كَانَ فَالْعَمَلُ بِالتَّرْجِيحِ مُتَعَيَّنٌ وَالضَّابِطُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الظَّاهِرُ حُجَّةً يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ سَنَدُهُ الْعُرْفَ أَوْ الْقَرَائِنَ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَهَذِهِ يَتَفَاوَتُ أَمْرُهَا فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ وَتَارَةً يَخْرُجُ خِلَافٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالظَّاهِرِ كَالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ الْمَشْهُودُ بِهِ قَطْعًا وَمِنْهُ السَّيِّدُ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ الثَّانِي مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الظَّاهِرِ فَمِنْهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِنْهَا لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إتْيَانِهِ بِهِ وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَمِنْهُ اخْتِلَافُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا وَمِنْهَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا بَلْ أَطْلَقَ فَالْأَظْهَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْإِيقَاعِ لِلَّفْظِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا يُقَالُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ أَوْلَى وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَيَقَّنَ عَدَمُ ذَلِكَ الثَّالِثُ مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَمِنْهُ لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ ظَنَّهُ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى تَيَقُّنِ طُلُوعِهِ وَمِنْهُ لَوْ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ فَكَانَ الْحَرَامُ مَغْمُورًا كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ مَحْرَمُهُ

(لِيَخْرُجَ بَوْلٌ وَقَعَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَوُجِدَ مُتَغَيِّرًا وَاحْتُمِلَ كَوْنُ التَّغْيِيرِ بِهِ) وَكَوْنُهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَضُرُّ كَطُولِ الْمُكْثِ فَإِنَّ اسْتِصْحَابَ طَهَارَةِ الْأَصْلِ عَارَضَهُ نَجَاسَتُهُ الظَّاهِرَةُ الْغَالِبَةُ ذَاتُ السَّبَبِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الطَّهَارَةِ عَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الظَّاهِرِ كَمَا تُقَدَّمُ الطَّهَارَةُ عَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَصْلِ (وَالْحَقُّ) التَّفْصِيلُ أَيْ (سُقُوطُ الْأَصْلِ إنْ قَرُبَ الْعَهْدُ) بِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ (وَاعْتِمَادُهُ إنْ بَعُدَ) الْعَهْدُ بِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ (وَلَا يُحْتَجُّ بِاسْتِصْحَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ فَإِنَّ لَهُ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ. وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةِ بَلَدٍ أَوْ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ فَلَهُ أَخْذُ بَعْضِهَا بِالِاجْتِهَادِ قَطْعًا وَإِلَى أَيِّ حَدٍّ يَنْتَهِي وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ وَمِنْهُ مَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ مُعْتَقِدًا بَكَارَتَهَا فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِثُيُوبَتِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلْ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ ظُفْرٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ الرَّابِعُ مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأَصْلِ فَمِنْهُ لَوْ أَدْخَلَ الْكَلْبُ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ وَشَكَّ هَلْ وَلَغَ فِيهِ أَمْ لَا وَأَخْرَجَهُ وَفَمُهُ رَطْبٌ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُلُوغِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي عَلَى فَمِهِ نَكَادُ نَقْطَعُ بِكَوْنِهَا مِنْ الْمَاءِ وَلَعَلَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي عَلَى فَمِ الْكَلْبِ مِنْ أَيْنَ حَصَلَتْ كَمَا إذَا شَاهَدْنَا رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ وَأَخْرَجَهُ وَعَلَى فَمِهِ رُطُوبَةٌ وَأَمَّا لَوْ شَاهَدْنَا فَمَهُ يَابِسًا وَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ رَطْبًا أَوْ أَدْخَلَ وَسَمِعْنَاهُ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَطْعُ بِالنَّجَاسَةِ وَمِنْهَا مَا لَوْ شَكَّ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنْ كَانَ مَعَ بُعْدِ الزَّمَانِ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِ مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي الْمَاضِي وَيَغِيبُ عَلَيْهِ تَذَكُّرُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ كَمَنْ شَكَّ فِي آخِرِ الْأُسْبُوعِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ عَلَى مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ مُوَاظَبَةَ الصَّلَاةِ أَمَّا مَنْ اعْتَادَ تَرْكَهَا أَوْ بَعْضَهَا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَمِنْهَا ثِيَابُ مُدْمِنِي النَّجَاسَةِ وَطِينُ الشَّارِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ وَالْمَقَابِرُ الَّتِي يَغْلِبُ نَبْشُهَا وَالْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَلِطِينِ الشَّارِعِ أُصُولٌ يُبْنَى عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ مِنْ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ثَانِيهَا طَهَارَةُ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ عَلَى الْقَدِيمِ ثَالِثُهَا طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِحَالَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَتْ فِيهَا عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَصَارَتْ طِينًا. وَأَمَّا الَّذِي يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ وَلَا نَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ إنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَخَالَفَهُمَا النَّوَوِيُّ فَقَالَ الْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ وَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ فَقَالَ الْبَائِعُ وَضَعَتْهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ بَعْدَهُ قَالَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ النِّهَايَةِ كَتَبَ الْحَلِيمِيُّ إلَى الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَإِذَا تَعَارَضَ أَصْلَانِ يَخْرُجُ فِيهِ قَوْلَانِ فِي كُلِّ صُورَةٍ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُؤْخَذُ بِالْأَحْوَطِ وَقَدْ يَتَعَارَضَانِ وَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَالْعَبْدِ الْمُنْقَطِعِ الْخَبَرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ وَإِذَا تَعَارَضَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ يُقَدَّمُ الْحَظْرُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَوَلَّدَ الْحَيَوَانُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ حَرُمَ أَكْلُهُ أَوْ بَيْنَ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ وَجَبَ التَّعْفِيرُ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: لِيَخْرُجَ بَوْلٌ) أَيْ اسْتِصْحَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي حَالَةَ مُعَارَضَةِ الظَّاهِرِ الْغَالِبِ ذِي السَّبَبِ كَالتَّنْجِيسِ فِي الْمِثَالِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَالْحُجِّيَّةِ أَوْ لِيَخْرُجَ تَنْجِيسُ الْبَوْلِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ غَالِبٌ ذُو سَبَبٍ عَنْ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ لِلِاسْتِصْحَابِ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لَهُ. (قَوْلُهُ: الْأَصْلِ) بَدَلٌ مِنْ طَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: عَارَضَهُ نَجَاسَتُهُ الظَّاهِرَةُ الْغَالِبَةُ) قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي غَلَبَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ بِوُقُوعِ الْبَوْلِ فِيهِ فَإِنَّ نَجَاسَتَهُ بِسَبَبِ تَغَيُّرِهِ وَقَدْ تُمْنَعُ غَلَبَةُ تَغَيُّرِهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ) أَيْ فِي صُورَةِ الْبَوْلِ وَكَتَبَ سم بِهَامِشِ الْكَمَالِ هَذَا التَّفْصِيلَ: الْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرَهُ الشَّارِحُ خِلَافُ مَا فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا اعْتِبَارُ مَا بَعْدَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ لَا مَا قَبْلَهَا وَكَانَ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

حَالَ الْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ) أَيْ إذَا أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ فِي حَالٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فِي حَالٍ أُخْرَى فَلَا يُحْتَجُّ بِاسْتِصْحَابِ تِلْكَ الْحَالَةِ فِي هَذِهِ (خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَالْآمِدِيِّ) فِي قَوْلِهِمْ يُحْتَجُّ بِذَلِكَ مِثَالُهُ الْخَارِجُ النَّجِسُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَنَا اسْتِصْحَابًا لِمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ نَقَائِهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (فَعُرِفَ) مِمَّا ذُكِرَ (أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ) الَّذِي قُلْنَا بِهِ دُونَ الْحَنَفِيَّةِ وَيَنْصَرِفُ الِاسْمُ إلَيْهِ (ثُبُوتُ أَمْرٍ فِي) الزَّمَنِ (الثَّانِي لِثُبُوتِهِ فِي الْأَوَّلِ لِفُقْدَانِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّغْيِيرِ) مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي فَلَا زَكَاةَ عِنْدَنَا فِيمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نَاقِصَةً تَرُوجُ رَوَاجَ الْكَامِلَةِ بِالِاسْتِصْحَابِ (أَمَّا ثُبُوتُهُ) أَيْ الْأَمْرِ (فِي الْأَوَّلِ لِثُبُوتِهِ فِي الثَّانِي فَمَقْلُوبٌ) كَأَنْ يُقَالَ فِي الْمِكْيَالِ الْمَوْجُودِ الْآنَ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي الْمَاضِي (وَقَدْ قَالَ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَال بِهِ (لَوْ لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ الْيَوْمَ ثَابِتًا أَمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا فِي الْفُرُوعِ بِأَنْ يُرَادَ قُرْبُ الْعَهْدِ بِالتَّغَيُّرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُقُوعِ أَيْ إنْ قَرُبَ الْعِلْمُ بِالتَّغَيُّرِ مِنْ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ بَعُدَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ وُقُوعِهَا فَتَأَمَّلْ اهـ. وَفِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ وَمِنْهُ أَيْ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا سَابِقًا وَهُوَ مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الظَّاهِرِ رَأَى حَيَوَانًا يَبُولُ فِي مَاءٍ ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ تَغَيُّرُهُ بِغَيْرِ مُكْثٍ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَصَّ عَلَيْهِ فَأَسْنَدَ التَّغَيُّرَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ لَكِنَّهُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُكْثِ وَأَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ الْبَوْلِ وَإِحَالَتُهُ عَلَى الْبَوْلِ الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى مِنْ إحَالَتِهِ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ فَإِنَّهُ مَظْنُونٌ فَقَدَّمَ الطَّهَارَةَ عَلَى الْأَصْلِ وَقِيلَ إنْ كَانَ عَهْدُهُ عَنْ قُرْبٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ وَلَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَقِبَ الْبَوْلِ فَلَمْ يَجِدْهُ مُتَغَيِّرًا ثُمَّ عَادَ فِي زَمَنٍ آخَرَ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ يَحْكُمُ اهـ. (قَوْلُهُ: حَالَ الْإِجْمَاعِ) أَيْ الصُّورَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْإِجْمَاعُ أَيْ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ (قَوْلُهُ: أَيْ إذَا أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ) أَيْ كَعَدَمِ نَقْضِ الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ فِي حَالٍ أُخْرَى كَبَعْدِ خُرُوجِهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِاسْتِصْحَابِ ذَلِكَ الْحَالِ أَيْ فِي حُكْمِهِمَا (قَوْلُهُ: وَفِي هَذِهِ) هِيَ الْحَالُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا (قَوْلُهُ: اسْتِصْحَابًا إلَخْ) أَيْ فَهَذَا الِاسْتِصْحَابُ يَصْلُحُ حُجَّةً عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَحُجَّةً عِنْدَ الْمُزَنِيّ وَمَنْ بَعْدَهُ لَا يُقَالُ يَرِدُ هَذَا فِي خُرُوجِ الْأَخْبَثَيْنِ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّلٌ بِالْخُرُوجِ وَهُوَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: مَعَ بَقَائِهِ) بَيَانٌ لِمَا وَالضَّمِيرُ لِلْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ نَعْتُ بَقَائِهِ (قَوْلُهُ: فَعُرِفَ إلَخْ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا عَزَا حُجِّيَّةَ الِاسْتِصْحَابِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ إلَى عُلَمَائِنَا مَعَ اشْتِهَارِ مُخَالَفَةِ الْحَنَفِيَّةِ لَهُمْ فِي حُجِّيَّةِ الِاسْتِصْحَابِ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ إلَخْ اهـ. سم (قَوْلُهُ: ثُبُوتُ أَمْرٍ لِأَمْرٍ) يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي قَدَّمَهَا فَكُلُّهَا مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُخَالِفِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عِنْدَنَا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِفُقْدَانِ) اللَّامُ فِيهِ بِمَعْنَى عِنْدَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24] (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِفُقْدَانِ أَيْ فُقْدَانِهِ فُقْدَانًا مُسْتَمِرًّا مِنْ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِصْحَابِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا زَكَاةَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْ نَفْيُ الزَّكَاةِ عَمَّا ذُكِرَ ثَابِتُ الِاسْتِصْحَابِ فَيُسْتَصْحَبُ عَدَمُ الزَّكَاةِ الثَّابِتُ قَبْلَ الْحَوْلِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَالدَّلِيلُ كَوْنُهُ مُسْتَعْمَلًا الْآنَ وَوَاقِعًا فَاسْتَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ عَهْدُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثُبُوتِهِ فِي الثَّانِي وَهَذَا هُوَ الزَّمَانُ الَّذِي بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ) أَيْ الْمَوْجُودِ الْآنَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِدْلَال بِالِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ خَفِيًّا أَشَارَ لِطَرِيقٍ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى الِاسْتِصْحَابِ الْمُسْتَقِيمِ لِيَظْهَرَ

[مسألة لا يطالب النافي للشيء بالدليل على انتفائه]

لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ) أَمْسِ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ (فَيَقْضِي اسْتِصْحَابُ أَمْسِ) الْخَالِي عَنْ الثُّبُوتِ فِيهِ (بِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ مَفْرُوضُ الثُّبُوتِ الْآنَ (فَدَلَّ) ذَلِكَ (عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ) أَمْسِ أَيْضًا وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ الْآنَ وَهُوَ مُفْسِدٌ وَلَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ (مَسْأَلَةٌ لَا يُطَالَبُ النَّافِيَ) لِلشَّيْءِ (بِالدَّلِيلِ) عَلَى انْتِفَائِهِ (إنْ ادَّعَى عِلْمًا ضَرُورِيًّا) بِانْتِفَائِهِ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ وَالضَّرُورِيُّ لَا يَشْتَبِهُ حَتَّى يُطْلَبَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لِيُنْظَرَ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنْ ادَّعَى عِلْمًا نَظَرِيًّا أَوْ ظَنًّا بِانْتِفَائِهِ (فَيُطَالَبُ بِهِ) أَيْ بِدَلِيلِ انْتِفَائِهِ (عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِالنَّظَرِ أَوْ الْمَظْنُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِدْلَال بِهِ فَقَالَ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ فِيهِ اتِّحَادَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي فَيَلْزَمُ تَرَتُّبُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إذْ لَا وَاسِطَةَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ فَهُوَ تَرْكِيبٌ فَاسِدٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَدْلُولَ النَّفْيِ فِي الْمُقَدَّمِ لَيْسَ هُوَ الثُّبُوتُ بَلْ الصِّدْقُ فَالْمَعْنَى لَوْ لَمْ يَصْدُقْ قَوْلُنَا إلَخْ وَعَدَمُ صِدْقِهِ مُغَايِرٌ لِصِدْقِ نَقِيضِهِ وَقَوْلُهُ إذْ لَا وَاسِطَةَ إلَخْ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الثُّبُوتُ ثَبَتَ الْعَدَمُ وَإِلَّا لَزِمَ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الْخَالِي عَنْ الثُّبُوتِ) فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالثُّبُوتِ فَضَمِيرُهُ يَعُودُ إلَى أَمْسِ وَيَحْتَمِلُ تَعَلُّقُهُ بِيَقْضِي فَضَمِيرُهُ يَعُودُ إلَى الثَّابِتِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَفْرُوضُ الثُّبُوتِ الْآنَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ ثَابِتٌ الْآنَ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِيمَا مَضَى. (قَوْلُهُ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَخْ) أَيْ يُوجَدُ فِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَفْظَةُ الْآنَ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِأَنَّ الصَّوَابَ أَمْسِ كَمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ [مَسْأَلَةٌ لَا يُطَالَبُ النَّافِي لِلشَّيْءِ بِالدَّلِيلِ عَلَى انْتِفَائِهِ] (قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ مُنَاسَبَةُ) ذِكْرِهَا بَعْدَ الِاسْتِصْحَابِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالنَّفْيِ الَّذِي يَصِحُّ اسْتِصْحَابُهُ (قَوْلُهُ: لَا يُطَالَبُ النَّافِي إلَخْ) لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَصْلِ الْعَدَمِ مَعَ تَقَوِّي جَانِبِهِ بِدَعْوَى الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْمُثْبِتِ (قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى عِلْمًا ضَرُورِيًّا) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ ضَرُورِيًّا فَالْأَوْلَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَقُولَ إنَّ عِلْمَ النَّفْيِ ضَرُورَةٌ وَيُعَلَّلُ بِأَنَّ الضَّرُورِيَّ لَا يَشْتَبِهُ حَتَّى يُطْلَبَ دَلِيلُهُ لِيُنْظَرَ فِيهِ لَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَ عَدْلٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَالضَّرُورِيُّ لَا يَشْتَبِهُ إلَخْ) أَيْ اشْتِبَاهًا يُحْوِجُ إلَى الدَّلِيلِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَشْتَبِهُ اشْتِبَاهًا يُحْوِجُ إلَى التَّنْبِيهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ ادَّعَى عِلْمًا نَظَرِيًّا إلَخْ) لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَصْدُقُ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ فَقَطْ فَيَبْقَى أَصْلُ الْعِلْمِ وَبِانْتِفَائِهِ الْمَوْصُوفِ مِنْ أَصْلِهِ فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ ادَّعَى عِلْمًا نَظَرِيًّا وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ أَوْ ظَنِّيًّا بِانْتِفَائِهِ وَبِالْأَوْلَى إذَا لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ مُقَابِلَهُ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ وَأَنَّهُ يُطَالَبُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ دُونَ الشَّرْعِيَّاتِ

[مسألة هل كان المصطفى صلى الله عليه وسلم متعبدا قبل النبوة بشرع]

قَدْ يَشْتَبِهُ فَيُطْلَبُ دَلِيلُهُ لِيُنْظَرَ فِيهِ (وَيَجِبُ الْأَخْذُ بِأَقَلّ الْمَقُولِ وَقَدْ مَرَّ) فِي الْإِجْمَاعِ حَيْثُ قِيلَ فِيهِ وَأَنَّ التَّمَسُّكَ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ حَقٌّ (وَهَلْ يَجِبُ) الْأَخْذُ (بِالْأَخَفِّ) فِي شَيْءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] (أَوْ الْأَثْقَلِ) فِيهِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَأَحْوَطُ (أَوْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ) مِنْهُمَا بَلْ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ هَذِهِ (أَقْوَالٌ) أَقْرَبُهَا الثَّالِثُ (مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْعُلَمَاءُ (هَلْ كَانَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَبَّدًا)) بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ مُكَلَّفًا (قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِشَرْعٍ) فَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ (وَاخْتَلَفَ الْمُثْبِتُ) فِي تَعْيِينِ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ (فَقِيلَ) هُوَ (نُوحٌ وَ) قِيلَ (إبْرَاهِيمُ وَ) قِيلَ (مُوسَى وَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَدْ يَشْتَبِهُ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْأَخْذُ إلَخْ) وَجْهُ ذِكْرِ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْآخِذَ بِالْأَقَلِّ نَافٍ لِمَا زَادَ بِالْأَصْلِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي لِثُبُوتِ النَّفْيِ بِالْأَصْلِ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ. اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ) وَأَعَادَ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَهَلْ يَجِبُ إلَخْ فَلَا تَكْرَارَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَطَّ الْعِلَّةِ قَوْلُهُ وَأَحْوَطُ (قَوْلُهُ: أَقْرَبُهَا الثَّالِثُ) مَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا تَعَارَضَتْ فِيهِ الِاحْتِمَالَاتُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْأَمَارَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ أَوْ تَعَارَضَتْ فِيهِ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ أَمَّا مَا تَعَارَضَتْ فِيهِ أَخْبَارُ الرُّوَاةِ فَسَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةٍ يُرَجَّحُ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ أَنَّهُ يَرْجِعُ النَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْأَمْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَخَبَرُ الْحَظْرِ عَلَى خَبَرِ الْإِبَاحَةِ قَالَهُ زَكَرِيَّا [مَسْأَلَةٌ هَلْ كَانَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَبَّدًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِشَرْعٍ] (قَوْلُهُ: اخْتَلَفُوا) مَحَلُّ اخْتِلَافِهِمْ فِي فُرُوعٍ اخْتَلَفَتْ فِيهَا الشَّرَائِعُ أَمَّا الْأُصُولُ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ كَالتَّوْحِيدِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي التَّعَبُّدِ بِهَا لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ دِينَهُمْ وَاحِدٌ اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ هَذَا يَعْنِي الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ وَتَرْجِعُ عَائِدَتُهُ وَفَائِدَتُهُ إلَى مَا يَجْرِي مَجْرَى التَّوَارِيخِ وَلَكِنَّ مَأْخَذَ الْأُصُولِ مَا سَنُبَيِّنُ الْآنَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ اهـ. وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَعَالِمِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ ثَمَرَةٌ. قَالَ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ التِّلِمْسَانِيِّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ثَمَرَتُهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا ثُمَّ لَمْ نَجِدْ فِي شَرْعِنَا مُغَيِّرًا فَيَكُونُ الرُّجُوعُ إلَى شَرْعِ ذَلِكَ الرَّسُولِ الَّذِي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُتَّبِعًا لَهُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأَسِّي عَلَى الْجُمْلَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ) وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ التَّنْقِيحِ لِلْعِرَاقِيِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ كَسْرُ الْبَاءِ لِأَنَّ فَتْحَهَا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَعَبَّدَهُ بِشَرِيعَةٍ سَابِقَةٍ وَذَلِكَ يَأْبَاهُ حِكَايَتُهُمْ الْخِلَافَ هَلْ كَانَ مُتَعَبَّدًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ اهـ. خَالِدٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ) وَأَنَّهُ كَانَ يَتَعَبَّدُ بِإِلْهَامٍ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ تَعَبَّدَ بِشَرْعِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِوَاسِطَتِهِ (قَوْلُهُ: فِي تَعْيِينِ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا فَشَرْعُ اللَّهِ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ هُوَ نُوحٌ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ شَرْعُ نُوحٍ إلَخْ لِأَجْلِ صِحَّةِ عَطْفِ قَوْلِهِ وَقِيلَ مَا ثَبَتَ

[مسألة حكم المنافع والمضار قبل الشرع]

قِيلَ (عِيسَى وَ) قِيلَ (مَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِنَبِيٍّ هَذِهِ (أَقْوَالٌ) مَرْجِعُهَا التَّارِيخُ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ (الْوَقْفُ تَأْصِيلًا) عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ (وَتَفْرِيعًا) عَلَى الْإِثْبَاتِ عَنْ تَعْيِينِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِ (وَ) الْمُخْتَارُ (بَعْدَ النُّبُوَّةِ الْمَنْعُ) مِنْ تَعَبُّدِهِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ لِأَنَّ لَهُ شَرْعًا يَخُصُّهُ وَقِيلَ تَعَبَّدَ بِمَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ اسْتِصْحَابًا لِتَعَبُّدِهِ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ (مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ قَبْلَ الشَّرْعِ) أَيْ الْبَعْثَةِ (مَرَّ) فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قِيلَ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى وُرُودِهِ (وَبَعْدَهُ الصَّحِيحُ أَنَّ أَصْلَ الْمَضَارِّ التَّحْرِيمُ وَالْمَنَافِعِ الْحِلُّ) قَالَ تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَلَا يُمْتَنُّ إلَّا بِالْجَائِزِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أَيْ فِي دِينِنَا أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (إلَّا أَمْوَالَنَا) فَإِنَّهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّحْرِيمُ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ) وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَيُخَصُّ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرُهُ سَاكِتٌ عَنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ التَّحْرِيمُ وَبَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحِلُّ (مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْسَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ ثُمَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْكِ آدَم مَعَ أَنَّهُ مَحْكِيٌّ ثُمَّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ نُوحٌ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] وَبِأَنَّهُ إبْرَاهِيمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: 68] وقَوْله تَعَالَى {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123] وَبِأَنَّهُ مُوسَى بِقَوْلِهِ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُوسَى وَبِأَنَّهُ عِيسَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّ الْمُرَادَ بِمَسَاقِ هَذِهِ الْآيِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَبَيَانُ إطْبَاقِ النَّبِيِّينَ عَلَى الدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَسْلَكِهِ الْمَعْرُوفِ رَادًّا عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا بُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَرَتْ الْآيُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى ذِكْرِ إبْرَاهِيمَ فِي تَأْيِيدِ التَّوْحِيدِ وَالرَّدِّ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عِيسَى إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَصَارَ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى تَحْقِيقٍ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهَا آخِرُ الشَّرَائِعِ قَبْلَ شَرِيعَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ الْخَلْقُ كَافَّةً مُكَلَّفِينَ بِهَا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَبْعُوثًا إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَلَوْ ثَبَتَ ابْتِعَاثُهُ إلَيْهِمْ فَقَدْ كَانَتْ شَرِيعَتُهُ دَارِسَةَ الْأَعْلَامِ مُؤْذِنَةً بِالِانْصِرَامِ وَالشَّرَائِعُ إذَا دُرِسَتْ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: مَرْجِعُهَا التَّارِيخُ) أَيْ كُتُبُ التَّارِيخِ فَإِنَّهُ بُيِّنَ فِيهَا كَيْفِيَّةُ تَعَبُّدِهِ (قَوْلُهُ: تَأْصِيلًا) أَيْ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْرِيعًا أَيْ فِي تَفْرِيعِهَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَيَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ عَنْ تَعْيِينِ مُتَعَلِّقٍ بِالْوَقْفِ كَقَوْلِهِ عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَتَفْرِيعًا) لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَعَبَّدَ بِمَا لَمْ يُنْسَخْ إلَخْ) هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِلشَّافِعِيِّ مَيْلٌ إلَيْهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ وَحْيٌ لَهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ الصَّحِيحُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْأَصْلُ بِمُجَرَّدِ الْبَعْثَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَا بَعْدَهَا إلَّا بِوُرُودِ الشَّرْعِ بَعْدَهَا وَعَدَمِ وُرُودِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَتِمَّ بِمُجَرَّدِ الْبَعْثَةِ فَأَيُّ شَيْءٍ لَمْ يَرِدْ حُكْمُهُ بَعْدَ الْبَعْثَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا قَبْلَهَا فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْأَصْلُ بَعْدَ الْبَعْثَةِ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ مَثَلًا لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهُمَا مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَةِ بَلْ تَأَخَّرَ إلَى نُزُولِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. سم [مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ قَبْلَ الشَّرْعِ] (قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ) أَيْ أَنَّ حُكْمَهَا الْأَصْلِيَّ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فِي مِعْرَضِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ. قَوْلُهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أَيْ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ غَيْرَهُ فَالْمَعْنَى لَا ضَرَرَ تُدْخِلُونَهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا ضِرَارَ لِغَيْرِكُمْ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي نَفْسِهِ مَوْجُودٌ بِكَثْرَةٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَمْوَالَنَا) أَيْ الْمُخْتَصَّةَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ سَاكِتٌ إلَخْ) وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَتَحْرِيمُ مَا ذَكَرَ بِالنَّصِّ [مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْسَانِ] (قَوْلُهُ: الِاسْتِحْسَانُ)

قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَنَابِلَةُ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (وَفُسِّرَ بِدَلِيلٍ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَقْصُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (إنْ تَحَقَّقَ) عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ (فَمُعْتَبَرٌ) وَلَا يَضُرُّ قُصُورُ عِبَارَتِهِ عَنْهُ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عِنْدَهُ فَمَرْدُودٌ قَطْعًا (وَ) فُسِّرَ أَيْضًا (بِعُدُولٍ عَنْ قِيَاسٍ إلَى) قِيَاسٍ (أَقْوَى) مِنْهُ (وَلَا خِلَافَ فِيهِ) بِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْآخَرِ قَطْعًا (أَوْ) بِعُدُولٍ (عَنْ الدَّلِيلِ إلَى الْعَادَةِ) لِلْمَصْلَحَةِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَنِ الْمُكْثِ وَقَدْرِ الْمَاءِ وَالْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِلْمَصْلَحَةِ وَكَذَا شُرْبُ الْمَاءِ مِنْ السِّقَاءِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَدْرِهِ (وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا) أَيْ الْعَادَةَ (حَقٌّ) لِجَرَيَانِهَا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ (فَقَدْ قَامَ دَلِيلُهَا) مِنْ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَيُعْمَلُ بِهَا قَطْعًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَتُهَا (رُدَّتْ) قَطْعًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنًى لِلِاسْتِحْسَانِ مِمَّا ذُكِرَ يَصْلُحُ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ (فَإِنْ تَحَقَّقَ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَنْ قَالَ بِهِ فَقَدْ شَرَّعَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ أَيْ وَضَعَ شَرْعًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (أَمَّا اسْتِحْسَانُ الشَّافِعِيِّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْمُصْحَفِ وَلِخَطٍّ فِي الْكِتَابَةِ) لِبَعْضٍ مِنْ عِوَضِهَا (وَنَحْوِهِمَا) كَاسْتِحْسَانِهِ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي التَّلْوِيحِ هُوَ فِي اللُّغَةِ عَدُّ الشَّيْءِ حَسَنًا وَقَدْ كَثُرَ فِيهِ الْمُدَافَعَةُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُدَافِعِينَ وَمَنْشَؤُهُمَا عَدَمُ تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْفَرِيقَيْنِ وَمَبْنَى الطَّعْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْجُرْأَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِحْسَانِ يُرِيدُونَ بِهِ مَا هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ يُرِيدُونَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ حُكْمًا بِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَنْ الشَّارِعِ فَهُوَ الشَّارِعُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ الشَّارِعِ ثُمَّ سَاقَ اخْتِلَافًا فِي تَعَارِيفِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ) أَيْ وَأَصْحَابُهُ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْبُدَخْشِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ مَا يُوَافِقُ ابْنَ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: تَقْصُرُ عَنْهُ عِبَارَتُهُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ إنَّ مَعَانِيَ الشَّرْعِ إذَا لَاحَتْ فِي الْعُقُولِ انْطَلَقَتْ الْأَلْسُنُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهَا فَمَا لَا عِبَارَةَ عَنْهُ لَا يُعْقَلُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ إلَخْ) مِثَالُ ذَلِكَ الْعِنَبُ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ تَحْرِيمُ بَيْعِهِ بِالزَّبِيبِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى رَأْسِ الشَّجَرِ أَمْ لَا قِيَاسًا عَلَى الرُّطَبِ ثُمَّ إنَّ الشَّارِعَ أَرْخَصَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ فَقِسْنَا عَلَيْهِ الْعِنَبَ وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الثَّانِي أَقْوَى فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِي الثَّانِي الْقُوَّةُ وَالِاضْطِرَارُ كَانَ اسْتِحْسَانًا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِعُدُولٍ عَنْ الدَّلِيلِ) أَيْ عَنْ مُقْتَضَاهُ إلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ (قَوْلُهُ: كَدُخُولِ الْحَمَّامِ) أَيْ كَجَوَازِ دُخُولِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ) أَيْ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَادَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ يَعْنِي الْعَامَّ لِأَنَّهُ غَرَرٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ قَامَ دَلِيلُهَا) أَيْ وَإِذَا قَامَ دَلِيلُهَا فَلَا يَسُوغُ الْإِنْكَارُ مِنْ الْبَاقِينَ (قَوْلُهُ: رُدَّتْ قَطْعًا) أَيْ فَلَا تَصْلُحُ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَإِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ شَرَّعَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ) جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَلَا مَعْنَى لِلْجَزْمِ بِتَشْدِيدِهَا وَاَلَّذِي أَحْفَظُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَيُقَالُ فِي نَصْبِ الشَّرِيعَةِ شَرَعَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] اهـ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ) اُشْتُهِرَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَقَلَهَا الْغَزَالِيُّ فِي مَنْخُولِهِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَا لَمْ أَجِدْ إلَى الْآنَ هَذَا فِي كَلَامِهِ نَصًّا وَلَكِنْ وَجَدْتُ فِي الْأُمِّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالِاسْتِحْسَانِ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا وَوَضَعَ نَفْسَهُ فِي رَأْيِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ مَوْضِعَهَا فِي أَنْ يَتْبَعَ رَأْيَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ كُفْرٌ أَوْ كَبِيرَةٌ اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَالَغَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ يَعْنِي مَنْ أَثْبَتَ حُكْمًا بِالِاسْتِحْسَانِ فَهُوَ الشَّارِعُ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ كُفْرٌ أَوْ كَبِيرَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِالتَّشَهِّي مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ: أَمَّا اسْتِحْسَانُ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ قَدْ اسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ حَيْثُ قَالَ

[مسألة قول الصحابي المجتهد]

(فَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إنْ تَحَقَّقَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمَآخِذَ فِقْهِيَّةٍ مُبَيَّنَةٍ فِي مَحَالِّهَا (مَسْأَلَةُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ) الْمُجْتَهِدِ (عَلَى صَحَابِيٍّ غَيْرِ حُجَّةٍ وِفَاقًا وَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ) كَالتَّابِعِيِّ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ لَيْسَ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ مِنْ الْمَحْصُولِ (إلَّا فِي) الْحُكْمِ (التَّعَبُّدِيِّ) فَقَوْلُهُ فِيهِ حُجَّةٌ لِظُهُورِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِيهِ التَّوْقِيفُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّ سَجَدَاتٍ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْت بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ تَوْقِيفًا (وَفِي تَقْلِيدِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ أَيْ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ لَهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ حُجِّيَّةِ قَوْلِهِ (قَوْلَانِ) الْمُحَقِّقُونَ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى الْمَنْعِ (لِارْتِفَاعِ الثِّقَةِ بِمَذْهَبِهِ إذْ لَمْ يُدَوَّنْ) بِخِلَافِ مَذْهَبِ كُلٍّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَا لِنَقْصِ اجْتِهَادِهِ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ (حُجَّةٌ فَوْقَ الْقِيَاسِ) حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَعَلَى هَذَا (فَإِنْ اخْتَلَفَ صَحَابِيَّانِ) فِي مَسْأَلَةٍ (فَكَدَلِيلَيْنِ) قَوْلَاهُمَا فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِمُرَجَّحٍ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ حُجَّةٌ (دُونَهُ) أَيْ دُونَ الْقِيَاسِ فَيُقَدَّمُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ. (وَفِي تَخْصِيصِهِ الْعُمُومَ) عَلَى هَذَا (قَوْلَانِ) الْجَوَازُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُجَجِ وَالْمَنْعُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَتْرُكُونَ أَقْوَالَهُمْ إذَا سَمِعُوا الْعُمُومَ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ حُجَّةٌ (إنْ انْتَشَرَ) مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ مُخَالِفٍ لَهُ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ حُجَّةٌ (إنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ) لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إلَّا لِدَلِيلٍ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَافَقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْتَحْسِنُ كَذَا إلَخْ لِمَا عُلِمَ أَنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى " فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» . (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ مِنْهُ) بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ عَدُّهُ حَسَنًا [مَسْأَلَةُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ] (قَوْلُهُ: الصَّحَابِيِّ أَيْ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ الْمُجْتَهِدِ) ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلَ بَعْدَهُ مَعَ الْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ وَإِلَّا فَقَوْلُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرُ حُجَّةٍ وِفَاقًا مُطْلَقًا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: غَيْرُ حُجَّةٍ) أَيْ عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَلَّدَهُ الْعَمَلُ بِهِ (قَوْلُهُ: وِفَاقًا) أَيْ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ) أَمَّا مِنْ حَيْثُ مُسْتَنَدُهُ إنْ بَيَّنَهُ فَحُجَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْحُكْمِ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ظَاهِرِيٌّ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلِاجْتِهَادِ وَمَا لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ إلَخْ) إنَّمَا عَبَّرَ بِالظَّاهِرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَاسَ زِيَادَةَ السُّجُودِ عَلَى زِيَادَةِ الرُّكُوعِ فِي الْكُسُوفِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا الْجَوَازَ) قَالَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَقُولُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ ثُبُوتُ مَذْهَبِهِ جَازَ تَقْلِيدُهُ وِفَاقًا وَإِلَّا فَلَا كَذَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّرْكَشِيّ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ يَتَحَقَّقُ بِوَجْهٍ آخَرَ ذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَهُوَ أَنَّ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ فِي الْمَذَاهِبِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْحُجِّيَّةِ بِقِسْمَيْهِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْقِيَاسِ) أَيْ فِي الرُّتْبَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ فَوْقَ الْقِيَاسِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَيُقَدَّمُ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ حُجَّةٌ إنْ انْتَشَرَ) فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ إنْ انْتَشَرَ وَلَمْ يُخَالِفْ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدُ صَحَابِيًّا كَمَا لَا يُقَلِّدُ عَالِمًا آخَرَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ أَيْضًا قَالَ وَعَلَيْهِ فَتَضْعِيفُ الْمُصَنِّفِ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ انْتَشَرَ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ حُجَّةٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِيمَا يَقَعُ مِنْ

لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ فَهُوَ الْحُجَّةُ لَا الْقَوْلُ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ حُجَّةٌ (إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ) كَقَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ أَنَّ الْبَائِعَ يَبْرَأُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ يَغْتَذِي بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ أَيْ فِي حَالَتِهِمَا وَتَحَوُّلِ طِبَاعِهِ وَقَلَّمَا يَخْلُو عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ أَوْ خَفِيٍّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَيَبْرَأُ الْبَائِعُ فِيهِ مِنْ خَفِيٍّ لَا يَعْلَمُهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ الْمُحْتَاجِ هُوَ إلَيْهِ لِيَثِقَ بِاسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ فَهَذَا قِيَاسُ تَقْرِيبٍ قَرَّبَ قَوْلَ عُثْمَانَ الْمُخَالِفَ لِقِيَاسِ التَّحْقِيقِ وَالْمَعْنَى مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ شَيْءٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُبَرَّأِ مِنْهُ (وَقِيلَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (فَقَطْ) أَيْ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا حُجَّةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقِيلَ) قَوْلُ (الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَيْ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمْ حُجَّةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» إلَخْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُمْ الْأَرْبَعَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجْمَاعِ بَيَانُهُ. (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا عَلِيًّا) قَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ لَا لِنَقْصِ اجْتِهَادِهِ عَنْ اجْتِهَادِ الثَّلَاثَةِ بَلْ لِأَنَّهُ لَمَّا آلَ الْأَمْرُ إلَيْهِ خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَشِيرُهُمْ الثَّلَاثَةُ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجَدَّةِ وَعُمَرُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّاعُونِ فَكَانَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمْ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَقَضِيَّةُ الْجَدَّةِ أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا مَا لَك مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْت لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَأَخْبَرَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ الطَّاعُونِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ إلَى الشَّامِ فَبَلَغَهُ أَنَّ بِهِ وَبَاءً أَيْ طَاعُونًا فَاسْتَشَارَ مَنْ دَعَاهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الرُّجُوعِ فَاخْتَلَفُوا ثُمَّ دَعَا غَيْرَهُمْ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ) أَيْ نَاشِئًا عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ الْحُجَّةُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقِيَاسِ بِهَذَا بَلْ جَمِيعُ الْأَدِلَّةِ كَذَلِكَ وَلِذَا قِيلَ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُ حُجَّةٍ وَكُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقِيَاسُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ أَمَّا إنْ أُرِيدَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ كَمَا هُوَ أَحَدُ إطْلَاقَاتِهِ فَلَا يَرِدُ (قَوْلُهُ: قِيَاسُ تَقْرِيبٍ) أَيْ شَيْءٌ يُقَرِّبُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِيَاسُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَذَا قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قِيَاسُ الشَّبَهِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ. (قَوْلُهُ: يَبْرَأُ بِهِ) كَمَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعُيُوبِ حَالَةَ الْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَغْتَذِي) أَيْ فَيَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي حَالَتَيْهِمَا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي (قَوْلُهُ: عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ) ذَكَرَ الظَّاهِرَ تَوْسِعَةً فِي الدَّائِرَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: فَهَذَا قِيَاسُ إلَخْ) أَيْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ سُمِّيَ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ لِكَوْنِهِ قَرَّبَ مَا خَالَفَ قِيَاسَ التَّحْقِيقِ وَاَلَّذِي فِي الْحَاوِي خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرَّبَ الْفَرْعَ مِنْ أَصْلٍ فَوْقَ قُرْبِهِ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُشْتَمِلٌ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْخَفِيَّ فِي الْحَيَوَانِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْخَفِيِّ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَبِالْمَعْلُومِ فِي الْحَيَوَانِ فَيُفِيدُ الْبَرَاءَةَ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَقِيسَ عَلَى الْمَعْلُومِ فِي الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْلُ الْحَيَوَانُ عَنْهُ صَارَ بِمَثَابَةِ الْمَعْلُومِ، وَالْمَعْلُومُ يُفِيدُ الْبَرَاءَةَ فِيهِ فَكَذَا هَذَا وَإِنَّمَا غَلَبَ هَذَا الْجَانِبُ مَعَ أَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْمَجْهُولِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ أَنْسَبُ كَمَا لَا يَخْفَى نَظَرًا إلَى احْتِيَاجِ الْبَائِعِ إلَى ذَلِكَ لِيَتَوَقَّفَ بِاسْتِقْرَارِ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقِيَاسِ) أَيْ لِمُقْتَضَى قِيَاسِ إلَخْ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَخْ لَيْسَ هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَاهُ (قَوْلُهُ: أَيْ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُنْفَرِدًا وَكَذَا نَقُولُ فِيمَا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ أَنَّ إجْمَاعَهُمَا حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: لَمَّا آلَ الْأَمْرُ إلَيْهِ) أَيْ أَمْرُ الْخِلَافَةِ (قَوْلُهُ: فَكَانَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ حَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» إلَخْ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ

[مسألة الإلهام]

مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ فَجَزَمُوا بِالرُّجُوعِ فَعَزَمَ عَلَيْهِ عَمْرٌو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَمَّا وِفَاقُ الشَّافِعِيِّ زَيْدًا فِي الْفَرَائِضِ) حَتَّى تَرَدَّدَ حَيْثُ تَرَدَّدَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ زَيْدٍ (فَلِدَلِيلٍ لَا تَقْلِيدًا) بِأَنْ وَافَقَ اجْتِهَادَهُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (مَسْأَلَةُ الْإِلْهَامِ إيقَاعُ شَيْءٍ فِي الْقَلْبِ يَثْلُجُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا أَيْ يَطْمَئِنُّ (لَهُ الصَّدْرُ يَخُصُّ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِعَدَمِ ثِقَةِ مَنْ لَيْسَ مَعْصُومًا بِخَوَاطِرِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ دَسِيسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الصُّوفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ أَمَّا الْمَعْصُومُ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ إذَا تَعَلَّقَ بِهِمْ كَالْوَحْيِ (خَاتِمَةٌ: قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى) أَرْبَعَةِ أُمُورٍ (أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اسْتِصْحَابُهُ (بِالشَّكِّ) وَمِنْ مَسَائِلِهِ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ يَأْخُذُ بِالطَّهَارَةِ (وَ) أَنَّ (الضَّرَرَ يُزَالُ) وَمِنْ مَسَائِلِهِ وُجُوبُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَضَمَانِهِ بِالتَّلَفِ (وَ) أَنَّ (الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ) وَمَسَائِلُهُ جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلٍّ مِنْهُمْ حُجَّةٌ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ قَوْلِ غَيْرِهِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَشْيَخَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشَّيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءِ كَمُتَرَتِّبَةٍ مِنْ جُمْلَةِ جُمُوعِ شَيْخٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا وِفَاقُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ وَلَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَظِنَّةَ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَدِيدِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ حُجَّةً فَكَيْفَ احْتَجَّ بِقَوْلِ زَيْدٍ وَقَلَّدَهُ الْفَرَائِضَ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا وِفَاقُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا تَقْلِيدًا) أَيْ فِي السِّيَاقِ وَالِاحْتِجَاجِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الثَّنَاءِ عَلَى زَيْدٍ إذْ لَا شَاهِدَ فِيهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ [مَسْأَلَةُ الْإِلْهَامِ] (قَوْله يَثْلُجُ لَهُ الصَّدْرُ) أَيْ يَطْمَئِنُّ شَبَّهَ حَالَةَ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْوَارِدَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ وَسُكُونَ شُبْهَتِهِ بِحَالَةِ سُكُونِ حَرَارَةِ الْقِدْرِ الْحَاصِلَةِ بِإِصَابَةِ بَرْدِ الثَّلْجِ لَهُ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالثَّلْجِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظَهَا فَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ قَالَهُ النَّجَّارِيُّ (قَوْلُهُ: بِضَمِّ اللَّامِ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ دَخَلَ وَعَلَى الثَّانِي مِنْ بَابِ طَرِبَ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ) اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وَبِقَوْلِهِ {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ} [الغاشية: 17] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْآمِرَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَلَمْ يَقَعْ الْأَمْرُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْعَقَائِدِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْقَلْبِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُلْهَمِ دُونَ غَيْرِهِ بِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيّ وَمَالَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ وَالْحَقُّ كَمَا قَالَ صَاحِبُ مَتْنِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَسْبَابَ الْعِلْمِ، وَالْإِلْهَامُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعْرِفَةِ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ هُوَ الشَّرْعُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَقْرَبُ مِنْ الْإِلْهَامِ رُؤْيَا الْمَنَامِ فَمَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَوْمِهِ يَأْمُرُهُ بِشَيْءٍ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ مَعَ أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا لِعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي اهـ [خَاتِمَةٌ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ] (قَوْلُهُ: خَاتِمَةٌ) أَيْ فِي قَوَاعِدَ ثَبَتَ مَضْمُونُهَا بِالدَّلِيلِ فَشَبَّهَ ارْتِبَاطَ جُزْئِيَّاتِهَا بِهَا فِي تَعَرُّفِ حُكْمِهَا مِنْهَا بِارْتِبَاطِ الْمَدْلُولِ بِالدَّلِيلِ فِي تَعَرُّفِ حُكْمِهِ مِنْهُ فَنَاسَبَ لِذَلِكَ إيرَادُهَا خَاتِمَةً لِلْكَلَامِ فِي الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ: مَبْنَى الْفِقْهِ) أَيْ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَهِيَ تَزِيدُ عَلَى مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ) أَيْ مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَنْصَرِفْ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ اسْتِصْحَابُهُ) أَيْ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يُعْقَلُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الشَّكِّ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يَبْقَى (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَإِنْ ثَبَتَ قُلْت إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ وَقَدْ عَزَا الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ كَلَامِهِ عَلَى الذُّبَابِ يَقَعُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَيَقْرَبُ مِنْهَا الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَمِنْ ثَمَّ التَّيَمُّمُ وَالْمَسْحُ وَصَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ قَاعِدًا وَالرُّخَصُ إسْقَاطًا وَتَخْفِيفًا. (قَوْلُهُ: مِنْ مَسَائِلِهِ جَوَازُ الْقَصْرِ إلَخْ)

(وَ) أَنَّ (الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ) بِفَتْحِ الْكَافِ الْمُشَدَّدَةِ وَمِنْ مَسَائِلِهِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُهُ (قِيلَ) زِيَادَةً عَلَى الْأَرْبَعَةِ (وَ) أَنَّ (الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا) وَمِنْ مَسَائِلِهِ وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَرَجَّعَهُ الْمُصَنِّفُ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْيَقِينَ عُدِمَ حُصُولُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهَا لَوْ تَنَجَّسَ الْخُفُّ بِخَرْزِهِ مِنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ فَغُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْخَرْزِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَقِيلَ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ يُصَلِّي فِي الْخُفِّ النَّوَافِلَ دُونَ الْفَرَائِضِ فَرَاجَعَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ النَّوَافِلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَلْ إلَى عُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ وَمَشَقَّةُ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا وَكَانَ لَا يُصَلِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ احْتِيَاطًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: مُحَكَّمَةٌ) أَيْ حَكَّمَهَا الشَّرْعُ فَيُعْمَلُ بِهَا شَرْعًا فَهِيَ كَالْحُكْمِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ مَسَائِلِهِ أَقَلُّ الْحَيْضِ أَوْ أَكْثَرُهُ) وَكَذَلِكَ قِصَرُ الزَّمَانِ وَطُولُهُ عِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الِاسْتِئْنَافِ، وَتَنَاوُلُ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمَمْلُوكَةِ فِي الطَّرِيقِ، وَأَخْذُ ظَرْفِ هَدِيَّةٍ لَمْ يُعْتَدْ رَدُّ مِثْلِهِ، وَحَمْلُ الْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْكُفُؤِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ، وَاعْتِمَادُ الْعُرْفِ فِي قَدْرِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَفِي قَدْرِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِمَنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا، وَخِفَّةُ اللِّحْيَةِ وَكَثَافَتُهَا فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْرُ الْمُحَقَّرَاتِ فِي الْبَيْعِ وَمِنْهَا كُتُبُ الْمُرَاسَلَاتِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاعِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ الشَّامِلِ حَكَى الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ لَا يَمْلِكُهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا) أَيْ لَا تَحْصُلُ الْعِبَادَاتُ إلَّا بِقَصْدِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَأَرْشَقُ وَأَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَوْلُ مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ إنَّمَا «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (قَوْلُهُ: وَرَجَّعَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) رَجَّعَهُ غَيْرُهُ إلَى تَحْكِيمِ الْعَادَةِ فَإِنَّهَا تَقْضِي أَنَّ غَيْرَ الْمَنْوِيِّ كَغُسْلٍ وَصَلَاةٍ وَكِتَابَةٍ فِي عَقْدٍ لَا يُسَمَّى غُسْلًا وَلَا قُرْبَةً وَلَا عَقْدًا هَذَا وَقَدْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ رُجُوعَ الْجَمِيعِ إلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ رُجُوعَ الْجَمِيعِ الْأُمُورَ الْأَرْبَعَةَ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ رُجُوعِ الْفِقْهِ كُلِّهِ إلَى قَاعِدَتَيْنِ اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ كَمَا شَرَحَ ذَلِكَ فِي قَوَاعِدِهِ وَأَمَّا قَاعِدَةُ سَدِّ الذَّرَائِعِ فَقَدْ اُشْتُهِرَتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقُولُ بِهَا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَالِكِيَّةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ زِيَادَتُهُمْ فِيهَا قَالَ فَإِنَّ مِنْ الذَّرَائِعِ مَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي طَعَامِهِمْ وَسَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ عِنْدَ سَبِّهَا وَتُلْغَى إجْمَاعًا كَزِرَاعَةِ الْعِنَبِ فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ كَبُيُوعِ الْآجَالِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ أَطْلَقَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ عَلَى أَعَمَّ مِنْهَا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقُولُ بِبَعْضِهَا وَسَنُوَضِّحُ لَك أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَأَنَّ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شَيْءٍ نَعَمْ حَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ عِنْدَ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ أَنَّ مَا كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَا مَا كَانَ ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ اهـ. فَقَالَ فِي هَذَا مَا يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ إلَى الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ تُشْبِهُ مَعَانِيَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ اهـ. وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْوَالِدُ وَقَالَ إنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ لَا سَدَّ الذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلُ تَسْتَلْزِمُ الْمُتَوَسَّلَ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا مَنْعُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْكَلَأِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِيمَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَلِذَلِكَ نَقُولُ مَنْ حَبَسَ شَخْصًا وَمَنَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهُوَ قَاتِلٌ لَهُ وَمَا هَذَا مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْسِ الذَّرَائِعِ لَا فِي سَدِّهَا وَأَصْلُ النِّزَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي سَدِّهَا (قَوْلُهُ: عَدَمَ حُصُولِهِ) أَيْ شَرْعًا وَإِنْ وُجِدَتْ صُورَتُهُ فِي الْخَارِجِ

[الكتاب السادس في التعادل والتراجيح]

(الْكِتَابُ السَّادِسُ فِي التَّعَادُلِ وَالتَّرَاجِيحِ) بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا (يَمْتَنِعُ تَعَادُلُ الْقَاطِعَيْنِ) أَيْ تَقَابُلُهُمَا بِأَنْ يَدُلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مُنَافِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ إذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَثَبَتَ مَدْلُولَاهُمَا فَيَجْتَمِعُ الْمُتَنَافِيَانِ فَلَا وُجُودَ لِقَاطِعَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ كَدَالٍّ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ وَدَالٍّ عَلَى قِدَمِهِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَقَابُلُ الدَّلِيلَيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ مُحَالٌ إلَى مَا قَالَهُ لِيُنَاسِبَ قَوْلَ تَعَادُلِ التَّرْجَمَةِ وَلِيَشْمَلَ قَوْلَ الْقَاطِعَيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ وَالنَّقْلِيَّيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْعَقْلِيُّ وَالنَّقْلِيُّ أَيْضًا وَالْكَلَامُ فِي النَّقْلِيَّيْنِ حِينَئِذٍ لَا يُنْسَخُ بَيْنَهُمَا وَلِبَاحِثٍ أَنْ يَقُولَ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِمَا الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْأَمَارَتَيْنِ لِمَجِيءِ تَوْجِيهِهِ الْآتِي فِيهِمَا (وَكَذَا) يُمْتَنَعُ تَعَادُلُ (الْأَمَارَتَيْنِ) أَيْ تَقَابُلُهُمَا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لِإِحْدَاهُمَا (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى الصَّحِيحِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْكِتَابُ السَّادِسُ فِي التَّعَادُلِ وَالتَّرَاجِيحِ] (قَوْلُهُ: فِي التَّعَادُلِ) أَفْرَدَهُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَجَمَعَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ أَنْوَاعٌ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَدِلَّةِ) تَنَازَعَهُ تَعَادُلٌ وَتَرَاجِيحُ وَقَوْلُهُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ وَالتَّرَاجِيحِ وَيَحْتَمِلُ التَّنَازُعَ وَالْمُرَادُ التَّعَارُضُ فِي اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَثَبَتَ مَدْلُولُهُمَا) فِيهِ أَنَّ اللَّازِمَ عَلَى جَوَازِ التَّعَادُلِ جَوَازُ ثُبُوتِ الْمَدْلُولِ لَا نَفْسِ الثُّبُوتِ فَالْمُرَادُ لَجَازَ ثُبُوتُ مَدْلُولِهِمَا وَثُبُوتُ مَدْلُولِهِمَا مُحَالٌ وَمُسْتَلْزِمُ الْمُحَالِ مُحَالٌ أَوْ الْمُرَادُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ جَوَازًا وُقُوعِيًّا أَيْ لَوْ أَمْكَنَ وَوَقَعَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ يَمْتَنِعُ تَعَادُلُ قَاطِعَيْنِ مَعْنَاهُ يَمْتَنِعُ وُقُوعُ ذَلِكَ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: كَدَالٍّ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ إلَخْ) الْمُرَادُ الدَّلَالَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ مِنْ الْمُحَالِ اجْتِمَاعُ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ فِيهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي الدَّلَالَةَ لَا بِحَسَبِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ حَقِيقَةِ مُقَدِّمَاتٍ قِيَاسِيَّةٍ كَدَلِيلِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْفَلَاسِفَةِ وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي مُقَدِّمَةِ الْقِيَاسِ تَسْلِيمُهَا لَا حَقِيقَتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِيُنَاسِبَ قَوْلُهُ تَعَادُلُ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُنَاسِبُ وَالتَّرْجَمَةُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُهُ وَتَعَادُلُ مَحْكِيٌّ بِالْقَوْلِ وَكَذَا قَوْلُهُ الْقَاطِعَيْنِ وَالْعَقْلِيَّيْنِ مَفْعُولُ قَوْلِهِ يَشْمَلُ وَالنَّقْلِيَّيْنِ وَمَا بَعْدَهُ عَطْفٌ عَلَى الْعَقْلِيَّيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ حَيْثُ خَبَرٌ (قَوْلُهُ: وَلِبَاحِثٍ) أَيْ مَعَ الْمُصَنِّفِ وَتَصْوِيبُ مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: الْآتِي فِيهِمَا) أَيْ فِي النَّقْلَيْنِ الْقَاطِعَيْنِ حَيْثُ لَا نَسْخَ أَمَّا تَوْجِيهُ الْمَنْعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الْجَوَازِ فَلِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي تَعَادُلِ الْقَاطِعَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَوِّبَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ مُتَعَدِّدٌ بِتَعَدُّدِ الْمُجْتَهِدِينَ أَمَّا عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ الْمُصَوِّبَةِ فَلَا يَتَأَتَّى تَعَادُلُ الْقَاطِعَيْنِ النَّقْلِيَّيْنِ كَالْعَقْلِيَّيْنِ (قَوْلُهُ: تَعَادُلُ الْأَمَارَتَيْنِ) لَمْ يَقُلْ تَعَادُلُ الظَّنِّيَّيْنِ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ

حَذَرًا مِنْ التَّعَارُضِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَالْمُجَوِّزُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ يَقُولُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَيَبْنِي عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي أَمَّا تَعَادُلُهُمَا فِي ذِهْنِ الْمُجْتَهِدِ فَوَاقِعٌ قَطْعًا وَهُوَ مَنْشَأُ تَرَدُّدِهِ كَتَرَدُّدِ الشَّافِعِيِّ الْآتِي (فَإِنْ تَوَهَّمَ التَّعَادُلَ) أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِ الْمُجْتَهِدِ أَيْ ذِهْنِهِ تَعَادُلُ الْأَمَارَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِهِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ مُرَجِّحٍ لِإِحْدَاهُمَا (فَالتَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ (أَوْ التَّسَاقُطُ) لَهُمَا فَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الظُّنُونِ تَعَارُضٌ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعُلُومِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي أَسْبَابِهَا اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ تَعَادُلُ الْأَمَارَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدَيْنِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي تَعَادُلِهِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَنَعَهُ الْكَرْخِيُّ مُطْلَقًا وَجَوَّزَهُ قَوْمٌ وَحِينَئِذٍ فَالتَّخْيِيرُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عَلِيٍّ وَابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ الْجُبَّائِيَّيْنِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالتَّسَاقُطِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَيْ لَا يَعْمَلُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا بَلْ يَرْجِعُ إلَى مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ تَفْصِيلًا وَقَالَ تَعَادُلُ الْأَمَارَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ كَوُجُوبِ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ وَإِبَاحَتِهِ وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِي فِعْلَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَغَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرْعِ وَأَمَّا الثَّانِي فَوَاقِعٌ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» فَالْحُكْمُ فِي مِلْكِ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَاحِدٌ وَالْفِعْلَانِ هُنَا إخْرَاجُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَإِخْرَاجُ حِقَاقٍ مُتَنَافِيَانِ وَحُكْمُهُ التَّخْيِيرُ فَإِنَّ الْمَالِكَ لِمِائَتَيْ إبِلٍ مُخَيَّرٌ فِي إخْرَاجِ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» وَفِي إخْرَاجِ أَرْبَعِ حِقَاقٍ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ قَالَ الْإِمَامُ مَعْنَى هَذَا التَّخْيِيرِ هُوَ أَنَّ هَذَا التَّعَادُلَ إنْ وَقَعَ فِي عَمَلِ نَفْسِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُفْتِي كَانَ حُكْمُهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْمُسْتَفْتِيَ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَعَ لِلْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ فَإِنَّهُ نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ وَذَا يَكُونُ بِالتَّعْيِينِ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ التَّعَارُضِ) هَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي قَصْرَ الْأَمَارَتَيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقٌ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ اطَّلَعَ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ) نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ فِيهِ التَّعَارُضَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْغَرَضُ صَحِيحًا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ: مَا سَيَأْتِي) هُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ تُوُهِّمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِ إلَخْ) حَمَلَ الشَّارِعُ التَّوَهُّمَ هُنَا عَلَى مُطْلَقِ الْوُقُوعِ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ لَا يُقَالُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالتَّسَاقُطِ أَوْ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّوَقُّفِ بِمُجَرَّدِهِمَا لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ أَخْرَجَ مُجَرَّدَهُمَا بِتَقْيِيدِ الْوُقُوعِ فِي الْوَهْمِ بِقَوْلِهِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ مُرَجِّحٍ لِإِحْدَاهُمَا فَإِنَّ الْوُصُولَ إلَى حَدِّ الْعَجْزِ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا مَعَ حُصُولِ ظَنِّ التَّعَارُضِ فَإِنْ تَحَقَّقَ شَكٌّ أَوْ وَهْمٌ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُرَجِّحِ اتَّجَهَ الْقَوْلُ بِمَا ذُكِرَ حِينَئِذٍ إذْ مُجَرَّدُ احْتِمَالِ عَدَمِ التَّعَادُلِ أَوْ ظَنِّهِ مَعَ الْعَجْزِ الْمَذْكُورِ لَا أَثَرَ لَهُ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: فَالتَّخْيِيرُ) أَيْ الْخِيرَةُ فِيهِ فِي الِاجْتِهَادِ لِلْمُجْتَهِدِ وَفِي الْفَتْوَى لِلْمُسْتَفْتِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا) قَالَ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ

(أَوْ الْوَقْفُ) عَنْ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ التَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا (فِي الْوَاجِبَاتِ) لِأَنَّهُ قَدْ يُخَيَّرُ فِيهَا كَمَا فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالتَّسَاقُطُ فِي غَيْرِهَا أَقْوَالٌ أَقْرَبُهَا التَّسَاقُطُ مُطْلَقًا كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ تَقَابُلِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ لِظُهُورِ أَنْ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِتَقَدُّمِ الْقَطْعِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَهَذَا فِي النَّقْلِيَّيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ لِانْتِفَاءِ الظَّنِّ أَيْ عِنْدَ الْقَطْعِ بِالنَّقِيضِ كَمَا تَمَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَهُوَ فِي غَيْرِ النَّقْلِيَّيْنِ كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ لِكَوْنِ مَرْكَبِهِ وَخَدَمِهِ بِبَابِهَا ثُمَّ شُوهِدَ خَارِجَهَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْعَلَامَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي الدَّارِ حَالَ مُشَاهَدَتِهِ خَارِجَهَا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ النَّقْلِيَّيْنِ فَإِنَّ الظَّنِّيَّ مِنْهُمَا بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ حَالَ دَلَالَةِ الْقَطْعِيِّ وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ (وَإِنْ نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ مُتَعَاقِبَانِ) فَالْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ:) أَيْ الْمُسْتَمِرُّ وَالْمُتَقَدِّمُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاقَبَا بِأَنْ قَالَهُمَا مَعًا (فَمَا) أَيْ فَقَوْلُهُ مِنْهُمَا الْمُسْتَمِرُّ مَا (ذَكَرَ فِيهِ الْمُشْعِرَ بِتَرْجِيحِهِ) عَلَى الْآخَرِ كَقَوْلِهِ هَذَا أَشْبَهُ وَكَتَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ (فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَهُمَا (وَوَقَعَ) هَذَا التَّرَدُّدُ (لِلشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مَكَانًا) سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ (وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِهِ عِلْمًا وَدِينًا) أَمَّا عِلْمًا فَلِأَنَّ التَّرَدُّدَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ يَنْشَأُ عَنْ إمْعَانِ النَّظَرِ الدَّقِيقِ حَتَّى لَا يَقِفَ عَلَى حَالَةٍ وَأَمَّا دِينًا فَإِنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِذِكْرِهِ مَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ إنْ كَانَ قَدْ يُعَابُ فِي ذَلِكَ عَادَةً بِقُصُورِ نَظَرِهِ كَمَا عَابَهُ بِهِ بَعْضُهُمْ (ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ) الْإسْفَرايِينِيّ (مُخَالِفُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْهُمَا أَرْجَحُ مِنْ مُوَافِقِهِ) فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا خَالَفَهُ (الدَّلِيلُ وَعَكَسَ الْقَفَّالُ) فَقَالَ مُوَافِقُهُ أَرْجَحُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِقُوَّتِهِ بِتَعَدُّدِ قَائِلِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقُوَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قُلْت لَا يَنْبَغِي قَصْرُ الْغَيْرِ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بَلْ يَنْبَغِي جَعْلُهُ شَامِلًا لِأَمَارَةٍ ثَالِثَةٍ فَقُلْت لَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَمَارَةَ الثَّالِثَةَ إمَّا أَنْ تُوَافِقَ كُلًّا مِنْ الْأَمَارَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَهُوَ مَحَلٌّ لِتَعَارُضِهِمَا أَوْ تُخَالِفُ كُلًّا مِنْهُمَا فَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا وَجْهَ لِلرُّجُوعِ إلَيْهَا دُونَهُمَا أَوْ تُوَافِقَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَتَكُونَ مُرَجِّحَةً لِمَا وَافَقَتْهُ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا تَرْجِيحَ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: أَوْ الْوَقْفُ عَنْ الْعَمَلِ) أَيْ إلَى وُجُودِ مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا فَيُعْمَلُ بِهِ بِخِلَافِ التَّسَاقُطِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ أَنْ لَا مُسَاوَاةَ) أَيْ فِي دَلَالَتَيْهِمَا وَإِنْ كَانَتَا بَاقِيَتَيْنِ وَقَوْلُهُ لِتَقَدُّمِ الْقَطْعِيِّ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَنْسُوخِ بِالْآحَادِ قَرِينَةُ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ حُكْمُ تَقَابُلِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: فَلَا دَلَالَةَ إلَخْ) الْحَقُّ أَنَّ دَلَالَةَ الظَّنِّيِّ بَاقِيَةٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ تَخَلُّفُ الدَّلِيلِ عَنْ الْمَدْلُولِ وَهَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ دَلَالَتِهِ إذْ حَاصِلُ الدَّلَالَةِ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَالَةٍ يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مُتَعَاقِبَانِ) لَيْسَ التَّعَاقُبُ بِحَسَبِ النَّقْلِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ بَلْ بِحَسَبِ صُدُورِهِمَا عَنْهُ وَقَوْلُهُ لَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاقَبَا بِأَنْ قَالَهُمَا مَعًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَهُمَا مَعًا لِأَنَّ قَوْلَهُمَا لَفْظِيٌّ وَاللَّفْظَانِ يَسْتَحِيلُ صُدُورُهُمَا مَعًا قُلْت صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَذَا وَالْآخَرُ كَذَا اهـ. سم. (قَوْلُهُ: الْمُشْعِرَ) مَفْعُولُ ذَكَرَ وَبَقِيَ مَا لَوْ جَهِلَ تَعَاقُبَهُمَا أَوْ عَلِمَ وَجَعَلَ الْمُتَأَخِّرَ أَوْ نَسِيَ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُحْكَمَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ بِالرُّجُوعِ عَنْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ رُجُوعَهُ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْأَوْلَى. اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: قَدْ يُعَابُ فِي ذَلِكَ عَادَةً) أَيْ لَا فِي الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ مِنْ كَمَالِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: مُخَالِفُ أَبِي حَنِيفَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَأَبِي حَنِيفَةَ اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: لِقُوَّتِهِ بِتَعَدُّدِ قَائِلِهِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْقَائِلِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِالنَّظَرِ فَمَا اُقْتُضِيَ تَرْجِيحُهُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الْمُوَافِقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ

إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ الدَّلِيلِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِالنَّظَرِ) فَمَا اقْتَضَى تَرْجِيحَهُ مِنْهُمَا كَانَ هُوَ الرَّاجِحُ (فَإِنْ وَقَفَ) عَنْ التَّرْجِيحِ (فَالْوَقْفُ) عَنْ الْحُكْمِ بِرُجْحَانِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُجْتَهِدِ قَوْلٌ فِي مَسْأَلَةٍ لَكِنْ) يُعْرَفُ لَهُ قَوْلٌ فِي (نَظِيرِهَا فَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ فِي نَظِيرِهَا (قَوْلُهُ: الْمُخَرَّجُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ خَرَّجَهُ الْأَصْحَابُ فِيهَا إلْحَاقًا لَهَا بِنَظِيرِهَا وَقِيلَ لَيْسَ قَوْلًا لَهُ فِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَذْكُرَ فَرْقًا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَوْ رُوجِعَ فِي ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْأَوَّلِ (لَا يُنْسَبُ) الْقَوْلُ فِيهَا (إلَيْهِ مُطْلَقًا بَلْ) يُنْسَبُ إلَيْهِ (مُقَيَّدًا) بِأَنَّهُ مُخَرَّجٌ حَتَّى لَا يُلْتَبَسَ بِالْمَنْصُوصِ وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ قَوْلُهُ (وَمِنْ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ لِلنَّظِيرِ) بِأَنْ يَنُصَّ فِيمَا يُشْبِهُ عَلَى خِلَافِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ أَيْ مِنْ النَّصَّيْنِ الْمُتَخَالِفَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ (تَنْشَأُ الطُّرُقُ) وَهِيَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَرِّرُ النَّصَّيْنِ فِيهِمَا وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرِّجُ نَصَّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْأُخْرَى فَيَحْكِي فِي كُلٍّ قَوْلَيْنِ مَنْصُوصًا وَمُخَرَّجًا عَلَى هَذَا فَتَارَةً يُرَجِّحُ فِي كُلٍّ نَصَّهَا وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَتَارَةً يُرَجِّحُ فِي إحْدَاهُمَا نَصَّهَا وَفِي الْأُخْرَى الْمُخَرَّجَ وَيَذْكُرُ مَا يُرَجِّحُهُ عَلَى نَصِّهَا (وَالتَّرْجِيحُ تَقْوِيَةُ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ) بِوَجْهٍ مَا سَيَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُخَالِفِ لَهُ كَانَ هُوَ الرَّاجِحُ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ الدَّلِيلِ) أَيْ لَا عَنْ كَثْرَةِ الْقَائِلِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَفَ) أَيْ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَيْسَ قَوْلًا لَهُ فِيهَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ مَذْهَبًا وَلِهَذَا لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدًا بِأَنَّهُ مُخَرَّجٌ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَمِنْ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ لِلنَّظِيرِ) أَيْ لِلنَّصِّ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَةِ النَّصِّ فَقَوْلُهُ آخَرَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ نَصٍّ وَقَوْلُهُ لِلنَّظِيرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ بِمُعَارَضَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ آخَرُ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ هُوَ مَفْعُولٌ لِمُعَارَضَةٍ أَيْ مُعَارَضَةِ نَصٍّ نَصًّا آخَرَ فَقَوْلُهُ لِلنَّظِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْذُوفِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِي سم اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ كَكُتُبِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ أَنَّ الطُّرُقَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَوْ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ لِلنَّظِيرِ تَنْشَأُ الطُّرُقُ خَاصٌّ بِالْأَوَّلِ أَعْنِي اخْتِلَافَهُمْ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النَّصَّ فِي اصْطِلَاحِهِمْ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ إلَخْ خَاصٌّ بِالْأَوَّلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَفْصِيلًا لِذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَرِّرُ النَّصَّيْنِ إلَخْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ كَلَامَهُمَا فِي بَيَانِ أَحْوَالِ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ مُعَارَضَةِ إلَخْ لِلِاهْتِمَامِ دُونَ الْحَصْرِ أَوْ هُوَ لِلْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ أَيْ تَنْشَأُ الطُّرُقُ عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا عِنْدَ عَدَمِ تَعَارُضِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَنُصَّ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ وَهُوَ بِضَمِّ النُّونِ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ النَّصَّيْنِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْ مُعَارَضَةِ نَصٍّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَأَنَّ الطُّرُقَ لَيْسَتْ نَفْسَ الِاخْتِلَافِ بَلْ مَلْزُومَةً مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ (قَوْلُهُ: فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ) الْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ (قَوْلُهُ: وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا) لِاخْتِلَافِ التَّرَجُّحِ فَرْقًا لَا يُبْطِلُ الْقِيَاسَ، وَالتَّفْرِيقُ الْأَوَّلُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَهُوَ قَادِحٌ فِي الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَيَذْكُرُ مَا يُرَجِّحُهُ عَلَى نَصِّهَا) وَلَا يُمْكِنُ تَرَجُّحُ الْمُخَرَّجِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إلْغَاءَ كُلٍّ مِنْ النَّصَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَالتَّرْجِيحُ إلَخْ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ حَقِيقَةُ التَّرْجِيحِ تَقْدِيمُ أَمَارَةٍ عَلَى أَمَارَةٍ فِي مَظَانِّ الظُّنُونِ وَنِهَايَةِ إبْدَاءِ مَزِيدِ وُضُوحٍ فِي مَأْخَذِ الدَّلِيلِ وَهُوَ فِي اللِّسَانِ مُشْتَقٌّ مِنْ رُجْحَانِ الْمِيزَانِ اهـ. فَقَوْلُهُ تَقْوِيَةُ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ أَيْ بَيَانُ أَنَّ أَحَدَ الطَّرِيقَيْنِ قَوِيٌّ فَيُقَدَّمُ وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقَيْنِ هُنَا الدَّلِيلَانِ الظَّنِّيَّانِ بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ الْآتِي وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَسُمِّيَ الدَّلِيلُ طَرِيقًا لِأَنَّهُ يُوَصِّلُ لِلْمَطْلُوبِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَمَارَةِ كَانَ أَوْلَى لِشُيُوعِ اسْتِعْمَالِ الطَّرِيقِ فِي اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فَفِي التَّعْبِيرِ بِهَا إيهَامٌ (قَوْلُهُ: مِمَّا سَيَأْتِي) اعْتَرَضَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ قَيْدٌ ضَارٌّ لِأَنَّهُ مُخِلٌّ بِانْعِكَاسِ التَّعْرِيفِ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ إلَّا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ

فَيَكُونُ رَاجِحًا (وَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْجُوحِ فَالْعَمَلُ بِهِ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ كَانَ الرُّجْحَانُ قَطْعِيًّا أَمْ ظَنِّيًّا (وَقَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (إلَّا مَا رُجِّحَ ظَنًّا) فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (إذْ لَا تَرْجِيحَ بِظَنٍّ عِنْدَهُ) فَلَا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِفَقْدِ الْمُرَجَّحِ (وَقَالَ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (الْبَصْرِيُّ إنْ رُجِّحَ أَحَدُهُمَا بِالظَّنِّ فَالتَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا إذْ لَوْ تَعَارَضَتْ لَاجْتَمَعَ الْمُتَنَافِيَانِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْمُتَأَخِّرُ) مِنْ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا آيَتَيْنِ كَانَا أَوْ خَبَرَيْنِ أَوْ آيَةً وَخَبَرًا بِشَرْطِ النَّسْخِ (وَإِنْ نُقِلَ التَّأْخِيرُ بِالْآحَادِ عُمِلَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوهِ التَّرْجِيحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُرَجِّحَاتُ لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِيمَا سَيَأْتِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ الْكِتَابِ السَّابِعِ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ قَوْلَهُ مِمَّا سَيَأْتِي شَامِلٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ آخِرَ الْبَابِ وَالْمُرَجِّحَاتُ لَا تَنْحَصِرُ وَمُثَارُهَا غَلَبَةُ الظَّنِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلًا وَمَا سَيَأْتِي إجْمَالًا وَلَا ضَرُورَةَ إلَى قَصْرِهِ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الِاعْتِرَاضِ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ رَاجِحًا) زَادَهُ لِحُسْنِ الدُّخُولِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْجُوحِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَمَّا إذَا وُجِدَ قَاطِعٌ يُوَافِقُ الْمَرْجُوحَ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لَا بِذَلِكَ الظَّنِّيِّ الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ) صَوَابُ الْعِبَارَةِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِيُوَافِقَ قَوْلُهُ فَلَا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاجِبٌ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا مَا رَجَحَ أَيْ فَلَا يَجِبُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِلَّا لَسَاوَى مَذْهَبَ الْبَصْرِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْقَطْعِيَّاتِ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ وَلَا مَجَالَ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْقَطْعِيَّاتِ لِأَنَّهَا وَاضِحَةٌ وَالْوَاضِحُ لَا يُسْتَوْضَحُ وَنَفْسُ الْمَذْهَبِ لَا يَتَرَجَّحُ فَإِنَّ التَّرْجِيحَ بَيَانُ مَزِيدِ وُضُوحٍ فِي مَأْخَذِ الدَّلِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ. نَعَمْ يُقَدَّمُ مَذْهَبُ مُجْتَهِدٍ عَلَى مُجْتَهِدٍ بِمَسَالِكَ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْفَتْوَى وَأَمَّا الْعَقَائِدُ قَالَ الْأُسْتَاذُ لَا يَتَرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّهَا مَعَارِفُ وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْمَعَارِفِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْعَقَائِدَ يَتَرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عُلُومًا وَالثِّقَةُ بِهَا تَخْتَلِفُ وَسَبِيلُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُعْتَقِدُ انْطَبَقَ اعْتِقَادِي عَلَى اعْتِقَادِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِكَذَا وَلَمْ يَنْفُوا كَذَا وَهُمْ أَجْدَرُ بِتَشْيِيدِ الِاعْتِقَادِ فِي قَوَاعِدِ الدِّينِ اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّعَارُضِ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّمَا لَا تَتَعَارَضُ الْقَطْعِيَّاتُ لِوُجُوبِ كَوْنِ مُقَدِّمَاتِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ بَدِيهِيَّةً أَوْ مُنْتَهِيَةً إلَيْهَا وَوُجُوبِ كَوْنِ تَرْكِيبِهَا بَدِيهِيَّ الصِّحَّةِ فَإِذَا تَعَارَضَتْ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ أَوْ ارْتَفَعَا اهـ. وَمَعْنَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ إلَخْ أَنَّهُمَا لَوْ تَعَارَضَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِامْتِنَاعِ التَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَحِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ النَّقِيضَانِ إنْ لَمْ يُعْمَلْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا أَوْ يَجْتَمِعَانِ عُمِلَ بِهِمَا فَتَلَخَّصَ أَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الظَّنِّيَّيْنِ إمَّا مَنْقُولَانِ كَنَصَّيْنِ أَوْ مَعْقُولَانِ كَقِيَاسَيْنِ أَوْ مَنْقُولٌ وَمَعْقُولٌ كَنَصٍّ وَقِيَاسٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَأَخِّرُ مِنْ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ نَاسِخٌ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّيْنِ وَأَنَّ التَّعَارُضَ فِيهِ لَيْسَ بِمَحْذُورٍ لِزَوَالِهِ بِالنَّسْخِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّيْنِ النَّقْلِيَّيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا مَعْلُومًا اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ إنَّ التَّأَخُّرَ يَتَبَيَّنُ بِالزَّمَانِ تَارَةً كَمَا رُوِيَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ طَلْقٍ رَوَى فِي مَسِّ الذَّكَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» وَكَانَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَرِيشٍ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِتِّ سِنِينَ وَالْغَالِبُ أَنَّ حَدِيثَهُ مُتَأَخِّرٌ وَقَدْ يَظْهَرُ بِالْمَكَانِ فَالْمَنْقُولُ بِالْمَدِينَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَأَخُّرُهُ وَإِنْ اتَّفَقَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَوْدَاتٌ إلَى مَكَّةَ وَقَدْ يَتَبَيَّنُ بِالْأَحْوَالِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ» فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَدِيثٍ مُطْلَقٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَيْثُ قَالَ «وَإِذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ» اهـ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ النَّسْخِ) أَيْ مِنْ كَوْنِ الْمَدْلُولِ

لِأَنَّ دَوَامَهُ) بِأَنْ لَا يُعَارِضَ (مَظْنُونٌ) وَلِبَعْضِهِمْ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْجَوَازَ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ) فَإِذَا كَثُرَ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِمُوَافِقٍ لَهُ أَوْ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ رَجَحَ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تُفِيدُ الْقُوَّةَ وَقِيلَ لَا كَالْبَيِّنَتَيْنِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُتَعَارَضِينَ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا) بِتَرْجِيحِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» مَعَ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا «لَا تُنْفِقُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» الشَّامِلِ لِلْإِهَابِ الْمَدْبُوغِ وَغَيْرِهِ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَرَوَى مُسْلِمٌ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» . (وَلَوْ) كَانَ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ (سُنَّةً قَابَلَهَا كِتَابٌ) فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى (وَلَا يُقَدَّمُ) فِي ذَلِكَ (الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا السُّنَّةُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا) ، فَزَاعِمُ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ اسْتَنَدَ إلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِضَا رَسُولِ اللَّهِ بِذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَزَاعِمُ تَقْدِيمِ السُّنَّةِ اسْتَنَدَ إلَى قَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] مِثَالُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مَعَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَتَنَاوَلُ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ وَحَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى خِنْزِيرِ الْبَرِّ الْمُتَبَادَرِ إلَى الْأَذْهَانِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْعَمَلُ بِالْمُتَعَارَضِينَ أَصْلًا (وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ) مِنْهُمَا فِي الْوَاقِعِ (فَنَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فِي الْوَاقِعِ (رَجَعَ إلَى غَيْرِهِمَا) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَإِنْ تَقَارَنَا) أَيْ الْمُتَعَارِضَانِ فِي الْوُرُودِ مِنْ الشَّارِعِ (فَالتَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا (وَ) تَعَذَّرَ (التَّرْجِيحُ) بِأَنْ تَسَاوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَالتَّرْجِيحُ فَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ) بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ أَيْ لَمْ يُعْلَمْ بَيْنَهُمَا تَأَخُّرٌ وَلَا تَقَارُنٌ (وَأَمْكَنَ النَّسْخُ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقْبَلَاهُ (رَجَعَ إلَى غَيْرِهِمَا) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ النَّسْخُ بَيْنَهُمَا (تَخَيَّرَ) النَّاظِرُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَابِلًا لِلنَّسْخِ وَمِنْ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الَّتِي عُلِمَتْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَوَامَهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ دَوَامَ الْمُتَوَاتِرِ مَظْنُونٌ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِيَّةِ الْمَتْنِ دَوَامُ الدَّلَالَةِ فَقَوْلُهُ بِأَنْ لَا يُعَارِضَ نَعْتٌ لِلدَّوَامِ وَحِينَئِذٍ يُسَاوِي الْآحَادَ فِي الظَّنِّ وَيُرَجَّحُ الْآحَادُ عَلَيْهِ بِالتَّأَخُّرِ (قَوْلُهُ: وَلِبَعْضِهِمْ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ نُقِلَ الْمُتَأَخِّرُ بِالْآحَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مُقَابَلَةِ الشَّارِحِ بِهِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ عُمِلَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَوَاتِرَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ أَوْ الْمُتَقَدِّمُ آحَادًا وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَوَاتِرًا أَوْ بِالْعَكْسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْجَوَازَ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ صُورَةُ مَا إذَا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ مُتَوَاتِرًا وَالْمُتَأَخِّرُ آحَادًا. (قَوْلُهُ: بِمُوَافِقٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ مُوَافِقٍ وَلَوْ وَاحِدًا فَالْمُرَادُ بِالْكَثْرَةِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ، ثُمَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّعَارُضَ دَاخِلٌ فِي الزَّائِدِ مَعَ أَنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا كَالْبَيِّنَتَيْنِ) يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّارِعَ ضَبَطَ الْبَيِّنَةَ بِعَدَدٍ فَلَا دَاعِيَ إلَى اعْتِبَارِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ رُوَاةِ الْأَدِلَّةِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ قُوَّةُ الظَّنِّ وَهِيَ فِي الزَّائِدِ دُونَ النَّاقِصِ غَالِبًا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ وَلَوْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ، وَقَوْلُهُ بِتَرْجِيحِ الْآخَرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَاءِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ التَّعَارُضِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ بِالْمُتَعَارَضِينَ فَحَمَلْنَاهُ أَيْ الْإِهَابَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَرِضَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ إقْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ أَيْ مَعَ التَّرَاخِي كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ تَقَارَنَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّقَارُنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ وُجُودُهُمَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا رَجَعَ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ مِنْ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ.

[مسألة يرجح بعلو الإسناد]

(إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا (وَالتَّرْجِيحُ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَقَارِنَيْنِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ) مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ وَجْهٍ (فَكَمَا سَبَقَ) فِي مَسْأَلَةِ آخِرِ مَبْحَثِ التَّخْصِيصِ فَلْيُرَاجَعْ. (مَسْأَلَةٌ يُرَجَّحُ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ) أَيْ قِلَّةِ الْوَسَائِطِ بَيْنَ الرَّاوِي لِلْمُجْتَهِدِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَفِقْهِ الرَّاوِي وَلُغَتِهِ وَنَحْوِهِ) لِقِلَّةِ احْتِمَالِ الْخَطَأِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلَاتِهَا (وَوَرَعِهِ وَضَبْطِهِ وَفِطْنَتِهِ وَلَوْ رَوَى) الْخَبَرَ (الْمَرْجُوحَ بِاللَّفْظِ) وَالرَّاجِحَ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ بِالْمَعْنَى (وَيَقَظَتِهِ وَعَدَمِ بِدْعَتِهِ) بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الِاعْتِقَادِ (وَشُهْرَةِ عَدَالَتِهِ) لِشِدَّةِ الْوُثُوقِ بِهِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلَاتِهَا (وَكَوْنِهِ مُزَكًّى بِالِاخْتِبَارِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِ، فَيُرَجَّحُ عَلَى الْمُزَكَّى عِنْدَهُ بِالْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّ الْمُعَايَنَةَ أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ (أَوْ أَكْثَرَ مُزَكِّينَ وَمَعْرُوفَ النَّسَبِ قِيلَ وَمَشْهُورَهُ) لِشِدَّةِ الْوُثُوقِ بِهِ، وَالشُّهْرَةُ زِيَادَةٌ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْأَصَحُّ لَا تَرْجِيحَ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُهِلَ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ (قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَ النَّسْخُ) هَذَا مَوْضُوعُ جَمِيعِ مَا سَبَقَ. [مَسْأَلَةٌ يُرَجَّحُ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ] (قَوْلُهُ: يُرَجَّحُ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ أَيْ فِي الْإِخْبَارِ، وَأَنْوَاعُ التَّرْجِيحِ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ حَالِ الرَّاوِي وَهُوَ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَكَوْنِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. الثَّانِي: بِحَسَبِ حَالِ الْمَرْوِيِّ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ عَكْسُهُ. الثَّالِثُ: بِحَسَبِ الْمَدْلُولِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ وَالنَّاقِلُ عَنْ الْأَصْلِ إلَى قَوْلِهِ وَالْوَضْعِيُّ. الرَّابِعُ: بِالْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُوَافِقُ دَلِيلًا آخَرَ إلَى قَوْلِهِ فَعَلَى الْخَامِسِ تَرْجِيحُ الْإِجْمَاعَاتِ. السَّادِسُ: تَرْجِيحُ الْأَقْيِسَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَزَادَ الشَّيْخُ خَالِدٌ نَوْعَيْنِ وَهُمَا تَرْجِيحُ الْعِلَلِ وَتَرْجِيحُ الْحُدُودِ (قَوْلُهُ: لِلْمُجْتَهِدِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَجُّ بِالْأَمَارَاتِ الَّتِي هِيَ حَمْلُ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا (قَوْلُهُ: وَفِقْهِ الرَّاوِي) قَالَ سم لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِذَلِكَ الْبَابِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الْمَرْوِيُّ حَتَّى إذَا كَانَ الْمَرْوِيُّ مُتَعَلِّقًا بِالْبُيُوعِ قُدِّمَ خَبَرُ الْفَقِيهِ بِالْبُيُوعِ عَلَى خَبَرِ الْفَقِيهِ بِمَا عَدَاهَا دُونَهَا ثُمَّ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقِيهًا بِذَلِكَ الْبَابِ حَالَتَيْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ، وَالْآخَرُ فَقِيهًا بِهِ حَالَ الْأَدَاءِ فَقَطْ فَالْمُتَّجَهُ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْبُدَخْشِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ يُرْوَى أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَقِيَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ مَا بَالُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ» فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَجَبًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَارِضُنِي بِمَا حَدَّثَنِي أَعْلَى مِنْهُ إسْنَادًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَمَّا حَمَّادٌ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ مِنْ سَالِمٍ، وَلَوْلَا سَبْقُ ابْنِ عُمَرَ لَقُلْت عَلْقَمَةُ أَفْقَهُ مِنْهُ. وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَعَبْدُ اللَّهِ أَيْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفِقْهِ وَالضَّبْطِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَرَجَحَ حَدِيثُهُ بِزِيَادَةِ فِقْهِ رَاوِيهِ، فَإِنْ قُلْت حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ مُثْبِتٌ وَحَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ نَافٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْجِيحُهُ عَلَيْهِ قُلْنَا النَّفْيُ إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ وَعُرِفَ أَنَّ رَاوِيَهُ مِمَّنْ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّلِيلِ لَا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَوَادِثِ الْعَدَمُ فَهُوَ مِمَّا يُعَارِضُ الْإِثْبَاتَ حِينَئِذٍ، وَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَحَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَنِدُ إلَى الْحِسِّ يُؤَكِّدُهُ مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَهُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ لَا يَعُودُ» اهـ. (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلَاتِهَا) ذَكَرَ التَّرْجِيحَ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمُتَعَاطِفَاتِ وَبَيْنَ مُقَابِلِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ مُرَجَّحٌ. (قَوْلُهُ: وَفِطْنَتِهِ) هِيَ كَمَالُ الْيَقَظَةِ فَالتَّرْجِيحُ بِهَا عَلَى ذِي الْيَقَظَةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالْيَقَظَةِ عَلَى ذِي الْغَفْلَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ رُوِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ الْفَاعِلِ، الْمَرْجُوحُ عَلَى كُلٍّ مَرْفُوعٌ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْفَاعِلِ عَلَى الْأَوَّلِ وَبِالْفَاعِلِيَّةِ عَلَى الثَّانِي وَعَلَيْهِ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ الرَّاوِي الْمَرْجُوحُ بِكَثْرَةِ الْوَسَائِطِ أَوْ قِلَّةِ فِقْهِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَالرَّاجِحُ بِالرَّفْعِ أَيْ الشَّخْصُ الرَّاجِحُ بِقِلَّةِ الْوَسَائِطِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ الْبِنَاءَ لِلْفَاعِلِ كَوْنُ الْكَلَامِ فِي التَّرْجِيحِ بِحَسَبِ حَالِ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرَ مُزَكِّينَ) وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الشُّهْرَةَ فَلَا تَكْرَارَ (قَوْلَهُ

(وَصَرِيحُ التَّزْكِيَةِ عَلَى الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ وَالْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ) ، فَيُقَدَّمُ خَبَرُ مَنْ صُرِّحَ بِتَزْكِيَتِهِ عَلَى خَبَرِ مَنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ وَخَبَرِ مَنْ عُمِلَ بِرِوَايَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ قَدْ يُبْنَيَانِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةٍ. (وَحِفْظِ الْمَرْوِيِّ) فَيُقَدَّمُ مَرْوِيُّ الْحَافِظِ لَهُ عَلَى مَرْوِيِّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ لِاعْتِنَاءِ الْأَوَّلِ لِمَرْوِيِّهِ. (وَذِكْرِ السَّبَبِ) فَيُقَدَّمُ الْخَبَرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى السَّبَبِ عَلَى مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ لِاهْتِمَامِ رَاوِي الْأَوَّلِ بِهِ. (وَالتَّعْوِيلِ عَلَى الْحِفْظِ دُونَ الْكِتَابَةِ) فَيُقَدَّمُ خَبَرُ الْمُعَوِّلِ عَلَى الْحِفْظِ فِيمَا يَرْوِيهِ عَلَى خَبَرِ الْمُعَوِّلِ عَلَى الْكِتَابَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُزَادَ فِي كِتَابِهِ أَوْ يُنْقَصَ مِنْهُ، وَاحْتِمَالُ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ فِي الْحَافِظِ كَالْعَدَمِ. (وَظُهُورِ طَرِيقِ رِوَايَتِهِ) كَالسَّمَاعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِجَازَةِ، فَيُقَدَّمُ الْمَسْمُوعُ عَلَى الْمُجَازِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ طُرُقِ الرِّوَايَةِ وَمَرَاتِبِهَا آخِرَ الْكِتَابِ الثَّانِي. (وَسَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ) فَيُقَدَّمُ الْمَسْمُوعُ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ عَلَى الْمَسْمُوعِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لِأَمْنِ الْأَوَّلِ مِنْ تَطَرُّقِ الْخَلَلِ فِي الثَّانِي. (وَكَوْنِهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ) فَيُقَدَّمُ خَبَرُ أَحَدِهِمْ عَلَى خَبَرِ غَيْرِهِ لِشِدَّةِ دِيَانَتِهِمْ، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحَلِّفُ الرُّوَاةَ وَيَقْبَلُ رِوَايَةَ الصِّدِّيقِ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ. (وَ) كَوْنِهِ (ذَكَرًا) فَيُقَدَّمُ خَبَرُ الذَّكَرِ عَلَى خَبَرِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ (خِلَافًا) لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ وَأَضْبَطِيَّةُ جِنْسِ الذَّكَرِ إنَّمَا تُرَاعَى حَيْثُ ظَهَرَتْ فِي الْآحَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصَحُّ لَا تَرْجِيحَ بِهَا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَقْوَى أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مَشْهُورَ النَّسَبِ قَدْ يُشَارِكُهُ ضَعِيفٌ فِي الِاسْمِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَصَرِيحُ التَّزْكِيَةِ بِرَفْعِ صَرِيحٌ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ أَيْ وَيُرَجَّحُ صَرِيحُ تَزْكِيَةِ الرَّاوِي عَلَى الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ وَالْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ اهـ. كَمَالٌ. قَالَ سم وَقَوْلُهُ عَلَى مَحَلِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ مَجْمُوعُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لَا الْمَجْرُورُ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَرَّرَ فِي النَّحْوِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ وَعُمِلَ بِرِوَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ مِنَّا عَلَى تَفْصِيلِ الْأَمْرِ هَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَزْكِيَةٍ أَوْ لَا اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَرْوِيِّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ) كَأَنْ يَرْوِيَ عَنْ كِتَابٍ أَوْ تَلْقِينِ الْغَيْرِ لَهُ، وَقَالَ الْكَمَالُ فِي تَصْوِيرِهَا كَأَنْ يَرْوِيَا خَبَرًا تَشْتَمِلُ رِوَايَةُ أَحَدِهِمَا لَهُ عَلَى زِيَادَةٍ لَمْ يَحْفَظْهَا الْآخَرُ فَيُقَدَّمُ مَرْوِيُّهُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَرْوِيِّ الْآخَرِ الَّذِي سَقَطَتْ فِيهِ قَالَ وَهَذَا التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ حَالِ الرَّاوِي مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ لِمَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ تَرْجِيحًا بِحَسَبِ الْمَرْوِيِّ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى زِيَادَةٍ حَفِظَهَا رِوَايَةً اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ بَعِيدٌ عَنْ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: لِاعْتِنَاءِ الْأَوَّلِ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْحِفْظَ أَبْعَدُ عَنْ الشُّبْهَةِ. (قَوْلُهُ: وَذِكْرِ السَّبَبِ الْمُرَادُ بِهِ مَا لِأَجْلِهِ ذَكَرَ الْمَتْنَ لَا عِلَّةَ الْحُكْمِ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ هَذَا فِي الْخَبَرَيْنِ الْخَاصَّيْنِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَمَا كَانَ عُمُومًا مُطْلَقًا عَلَى ذِي السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: لِاهْتِمَامِ رَاوِي الْأَوَّلِ بِهِ) أَيْ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ سَبَبًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فَقَدْ فَرَّطَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ لَا سَبَبَ لَهُ. (قَوْلُهُ: أَضْبَطُ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ) قَالَ سم وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ خَبَرِ الذَّكَرِ حَتَّى عَلَى خَبَرِ الْأُنْثَى الَّتِي عُلِمَتْ أَضَبْطِيَّتُهَا مِنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ تَخْصِيصُ هَذَا بِمَا إذَا جُهِلَ الْحَالُ أَمَّا لَوْ عُلِمَتْ أَضَبْطِيَّةُ تِلْكَ الْأُنْثَى فَيُقَدَّمُ خَبَرُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَذَكَرًا وَقَوْلُهُ الْآتِي " وَصَاحِبَ الْوَاقِعَةِ " مُتَعَارِضَانِ فِي تَقْدِيمِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ إذْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، فَالْأَوَّلُ خَاصٌّ بِتَقْدِيمِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ أَوَّلًا. وَالثَّانِي خَاصٌّ بِكَوْنِ الْمُقَدَّمِ صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ عَامٌّ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِنْ خُصَّ عُمُومُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ تَعَارَضَا فِي الْأُنْثَى صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ إذْ قَضِيَّتُهُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْأَوَّلِ بِخُصُوصِ الثَّانِي تَقْدِيمُهَا عَلَى الذَّكَرِ، وَقَضِيَّةُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الثَّانِي بِخُصُوصِ الْأَوَّلِ تَقْدِيمُ الذَّكَرِ عَلَيْهَا وَقَضِيَّةُ تَمْثِيلِهِمْ الْآتِي بِخَبَرِ مَيْمُونَةَ، وَعَمِلَ الْفُقَهَاءُ بِمُقْتَضَاهُ دُونَ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ خَبَرِ الْأُنْثَى إذَا كَانَتْ صَاحِبَةَ الْوَاقِعَةِ عَلَى الذَّكَرِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى إنْ لَمْ تَكُنْ صَاحِبَةَ الْوَاقِعَةِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ) صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْعِرَاقِيُّ وَأَقَرَّهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَأَضْبَطِيَّةُ جِنْسِ الذَّكَرِ)

وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ أَضْبَطُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرِّجَالِ، (وَثَالِثُهَا يُرَجَّحُ) الذَّكَرُ (فِي غَيْرِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ) بِخِلَافِ أَحْكَامِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَضْبَطُ فِيهَا. (وَ) كَوْنِهِ (حُرًّا) فَيُقَدَّمُ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لِشَرَفِ مَنْصِبِهِ يَحْتَرِزُ عَمَّا لَا يَحْتَرِزُ عَنْهُ الرَّقِيقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاصِلُهُ أَنَّ الْجِنْسَ وَإِنْ كَانَ أَشْرَفَ مِنْ الْجِنْسِ إلَّا أَنَّ الْجِنْسَ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ فَلَا تُرَاعَى الضَّبْطِيَّةُ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ فِي الْأَفْرَادِ وَالظُّهُورُ فِيهَا لَا انْضِبَاطَ لَهُ إذْ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ أَضْبَطُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرِّجَالِ فَلَا تَقْدِيمَ بِالذُّكُورَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِي ذَلِكَ الْأَعَمَّ الْأَغْلَبَ كَنَظَائِرِهِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) مِنْ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الضَّبْطِيَّةَ لَمْ تَظْهَرْ فِي جَمِيعِ الْآحَادِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ السِّرَّ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ نَقْلَ بَوَاطِنِ الشَّرِيعَةِ وَظَوَاهِرِهَا وَمَا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ وَمَا لَا يُسْتَحَى، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ نِسْوَةً يَنْقُلْنَ مِنْ الشَّرْعِ مَا يَرَيْنَهُ مِنْ أَفْعَالِهِ وَيَسْمَعْنَهُ مِنْ أَقْوَالِهِ حَتَّى قَدْ يَسْتَحِي مِنْ الْإِفْصَاحِ بِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَيَتَكَمَّلُ نَقْلُ الشَّرِيعَةِ، وَكَثُرَ عَدَدُ النِّسَاءِ لِتَكْثِيرِ النَّاقِلِينَ لِهَذَا النَّوْعِ وَمِنْهُنَّ عُرِفَ غَالِبُ مَسَائِلِ الْغُسْلِ وَالْحَيْضِ وَالْعِدَّةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِشَهْوَةٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّكَاحِ وَلَا كَانَ يُحِبُّ الْوَطْءَ لِلَّذَّةِ الْبَشَرِيَّةِ مَعَاذَ اللَّهِ، بَلْ إنَّمَا حُبِّبَ إلَيْهِ النِّسَاءُ لِنَقْلِهِنَّ عَنْهُ مَا يَسْتَحِي هُوَ مِنْ الْإِمْعَانِ فِي التَّلَفُّظِ فَأَحَبَّهُنَّ لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى نَقْلِ الشَّرِيعَةِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ، وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلْنَ مَا لَمْ يَكُنْ يَنْقُلُهُ غَيْرُهُنَّ مِمَّا رَأَيْنَهُ فِي مَنَامِهِ وَحَالَةَ خَلْوَتِهِ مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَمِنْ جِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَمِنْ أُمُورٍ يَشْهَدُ كُلُّ ذِي لُبٍّ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِنَبِيٍّ وَمَا كَانَ يُشَاهِدُهَا غَيْرُهُنَّ فَحَلَّ بِذَلِكَ خَيْرٌ عَظِيمٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ تَلْتَحِقُ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي وَاقِعَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ كُنْت أَسْتَحْسِنُهَا وَأَظُنُّهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ التَّعْجِيزِ سَبَقَهُ إلَيْهَا، وَسَاقَ عِبَارَتَهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ وَالِدُهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي وَاقِعَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا هُنَا لَزِمَنَا ذِكْرُهُ لِنَفَاسَتِهِ وَانْفَرَدَ الشَّيْخُ بِهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ فَيَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِعِزَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ الْكِتَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ عِنْدَ ذِكْرِ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى امْرَأَةٍ فَوَقَعَتْ مِنْهُ مَوْقِعًا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُهَا لِقِصَّةِ زَيْدٍ، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ امْتِحَانُ إيمَانِهِ بِتَكْلِيفِهِ النُّزُولَ عَنْ أَهْلِهِ وَمِنْ جَانِبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِلَاؤُهُ بِبَلِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ وَمَنْعُهُ مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمِنْ إضْمَارِ مَا يُخَالِفُ الْإِظْهَارَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] اهـ. نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْوَسِيطِ سَاكِنًا عَلَيْهِ. قَالَ لَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ مَرَّاتٍ هَذَا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُعْجِبَهُ امْرَأَةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَقِصَّةُ زَيْدٍ إنَّمَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ قَطْعًا لِقَوْلِ النَّاسِ إنَّ زَيْدًا وَلَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِبْطَالًا لِلتَّبَنِّي فِي الْإِسْلَامِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] أَيْ مِنْ أَبَوَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزاب: 4] إلَى أَنْ قَالَ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] ثُمَّ سَاقَ اللَّهُ السُّورَةَ إلَى أَنْ قَالَ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] تَحْرِيضٌ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ تَعَالَى فِي طَلَاقِ امْرَأَةِ زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] مِنْ أَمْرِ زَيْدٍ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَتَزَوُّجِك أَنْتَ إيَّاهَا لَا أَمْرِ مَحَبَّتِهَا مَعَاذَ اللَّهِ ثُمَّ مَعَاذَ اللَّهِ ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ بَعْدَ التَّعْرِيضِ الطَّوِيلِ أَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ التَّبَنِّي وَنَسْخُهُ وَرَفْعُهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِعِلْمِ النَّاسِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلَدًا لَهُ لَمَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ تَعَالَى {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَهُ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] فَمَنْ تَأَمَّلَ السُّورَةَ وَعَرَفَ شَيْئًا مِنْ حَالِ

(وَ) كَوْنِهِ (مُتَأَخِّرَ الْإِسْلَامِ) فَخَبَرُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ مُتَقَدِّمِ الْإِسْلَامِ لِظُهُورِ تَأَخُّرِ خَبَرِهِ (وَقِيلَ مُتَقَدِّمُهُ) عَكْسُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ لِأَصَالَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ تَحَرُّزًا مِنْ مُتَأَخِّرِهِ وَابْنُ الْحَاجِبِ جَزَمَ بِهَذَا فِي التَّرْجِيحِ بِحَسَبِ الرَّاوِي وَبِمَا قَبِلَهُ فِي التَّرْجِيحِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ مُلَاحَظًا لِلْجِهَتَيْنِ لَا أَنَّهُ تَنَاقَضَ فِي كَلَامِهِ كَمَا قِيلَ (وَ) كَوْنِهِ (مُتَحَمِّلًا بَعْدَ التَّكْلِيفِ) ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْ الْمُتَحَمَّلِ قَبْلَ التَّكْلِيفِ (وَغَيْرَ مُدَلِّسٍ) ؛ لِأَنَّ الْوُثُوقَ بِهِ أَقْوَى مِنْ الْوُثُوقِ بِالْمُدَلِّسِ الْمَقْبُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ الثَّانِي (وَغَيْرَ ذِي اسْمَيْنِ) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُمَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْخَلَلُ بِأَنْ يُشَارِكَهُ ضَعِيفٌ فِي أَحَدِهِمَا. (وَمُبَاشِرًا) لِمَرْوِيِّهِ (وَصَاحِبَ الْوَاقِعَةِ) الْمَرْوِيَّةِ فَإِنْ كُلًّا مِنْهُمَا أَعْرَفُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِهِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا قَالَ وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» مَعَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ» ، وَمِثَالُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي دَاوُد عَنْ مَيْمُونَةَ «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ» ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» مَعَ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ وُهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. (وَرَاوِيًا بِاللَّفْظِ) لِسَلَامَةِ الْمَرْوِيِّ بِاللَّفْظِ عَنْ تَطَرُّقِ الْخَلَلِ فِي الْمَرْوِيِّ بِالْمَعْنَى. (وَ) كَوْنِ الْخَبَرِ (لَمْ يُنْكِرْهُ رَاوِي الْأَصْلِ) كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ كَالْمَحْصُولِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَهِيَ نَادِرَةٌ فَلَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَيْهَا، وَلَوْ زَادَ أَلْ فِي رَاوِي أَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَصْوَبَ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي لَمْ يُنْكِرْهُ الرَّاوِي الْأَصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَقَّنَ بِالْعِلْمِ الْقَاطِعِ أَنَّ تَزَوُّجَ امْرَأَةِ زَيْدٍ إنَّمَا كَانَ لِذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْرَهَ النَّاسِ بِالطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ لِزَوَاجِهَا عَكْسَ مَا تَوَهَّمَهُ الْغَزَالِيُّ، وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ لِيُمْكِنَهُ أَنْ يُخْفِيَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] فَنَزَلَتْ الْآيَةُ آمِرَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِظْهَارِ مَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ زَوَاجِهَا لِإِبْطَالِ التَّبَنِّي وَإِنْ كَانَ زَوَاجُهَا أَشَقَّ شَيْءٍ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت وَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْرِفَ هَذَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنِهِ مُتَأَخِّرَ الْإِسْلَامِ فِي مَعْنَاهُ مُتَأَخِّرُ الصُّحْبَةِ (قَوْلُهُ: فَخَبَرُهُ مُقَدَّمٌ) قَالَ الْإِمَامُ هَذَا إنْ عُلِمَ مَوْتُ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ، أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَلَا لِجَوَازِ أَنْ تَتَأَخَّرَ رِوَايَةُ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ رِوَايَةِ الْمُتَأَخِّرِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ تَأَخُّرِ خَبَرِهِ) أَيْ عَنْ مُعَارِضِهِ (قَوْلُهُ: أَشَدُّ تَحَرُّزًا مِنْ مُتَأَخِّرِهِ) أَيْ وَأَكْثَرُ اطِّلَاعًا عَلَى أُمُورِ الْإِسْلَامِ مِنْ اطِّلَاعِ الْمُتَأَخِّرِ إسْلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَابْنُ الْحَاجِبِ جَزَمَ بِهَذَا إلَخْ) أَيْ لِمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ كَوْنِ مُتَقَدِّمِ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ تَحَرُّزًا لِكَوْنِهِ مُتَأَصِّلًا فِي الْإِسْلَامِ فَيَطَّلِعُ مِنْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّرْجِيحِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَأَخُّرَ إسْلَامِهِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي تَأَخُّرِ مَرْوِيِّهِ فِي الْخَارِجِ عَنْ مَرْوِيِّ مُتَقَدِّمِ الْإِسْلَامِ الْمُعَارِضِ لَهُ فَيَكُونُ نَاسِخًا لَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْ مُتَأَخِّرِهِ شَرَفًا وَرُتْبَةً إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ مَرْوِيِّهِ عَلَى مَرْوِيِّهِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَرِينَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْمُشْعِرَةِ بِنَسْخِ مَرْوِيِّهِ بِمَرْوِيِّ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْخَارِجِ) أَيْ عَنْ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: مُلَاحِظًا لِلْجِهَتَيْنِ) وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ. (قَوْلُهُ: وَصَاحِبُ الْوَاقِعَةِ) هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُبَاشِرِ فَإِنَّ الْمُبَاشِرَ قَدْ يَكُونُ رَسُولًا فِيهَا وَلَا يَكُونُ صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا لَهَا. (قَوْلُهُ: بِسَرِفٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَحَلٌّ قَرِيبٌ مِنْ الْعُمْرَةِ الْقَدِيمَةِ بَعِيدٌ عَنْ مَكَّةَ بِنَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَكَوْنِ الْخَبَرِ إلَخْ) قُدِّرَ لَفْظُ الْكَوْنِ هُنَا دُونَ مَا قَبْلَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَرَاوِيًا إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا نَعْتٌ مُخَصِّصٌ لِلرَّاوِي فَهُوَ

لِرَاوِيهِ وَهُوَ شَيْخُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا أَنْكَرَهُ شَيْخُ رَاوِيهِ بِأَنْ قَالَ مَا رَوَيْته؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْأَوَّلِ أَقْوَى. (وَكَوْنِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ فِي غَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ عَلَى شَرْطِهِمَا لِتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُمَا بِالْقَبُولِ. (وَالْقَوْلُ فَالْفِعْلُ فَالتَّقْرِيرُ) فَيُقَدَّمُ الْخَبَرُ النَّاقِلُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاقِلِ لِفِعْلِهِ وَالنَّاقِلُ لِفِعْلِهِ عَلَى النَّاقِلِ لِتَقْرِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّشْرِيعِ مِنْ الْفِعْلِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّقْرِيرِ، (وَالْفَصِيحُ) عَلَى غَيْرِهِ لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ إلَى غَيْرِهِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى (لَا زَائِدَ الْفَصَاحَةِ) فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْفَصِيحِ (عَلَى الْأَصَحِّ) ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْصَحُ الْعَرَبِ فَيَبْعُدُ نُطْقُهُ بِغَيْرِ الْأَفْصَحِ فَيَكُونُ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى فَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْخَلَلُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي نُطْقِهِ بِغَيْرِ الْأَفْصَحِ لَا سِيَّمَا إذَا خَاطَبَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ، وَقَدْ كَانَ يُخَاطِبُ الْعَرَبَ بِلُغَاتِهِمْ. (وَالْمُشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةٍ) فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ كَخَبَرِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ سَبْعًا مَعَ خَبَرِ التَّكْبِيرِ فِيهِ أَرْبَعًا رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَأَخَذَ بِالثَّانِي الْحَنَفِيَّةُ تَقْدِيمًا لِلْأَقَلِّ، وَالْأَوْلَى مِنْهُ لِلِافْتِتَاحِ (وَالْوَارِدُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ بِغَيْرِ لُغَتِهِمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى فَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْخَلَلُ، (وَالْمَدَنِيُّ) عَلَى الْمَكِّيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ، وَالْمَدَنِيُّ مَا وَرَدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْمَكِّيُّ قَبْلَهَا (وَالْمُشْعِرُ بِعُلُوِّ شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِتَأَخُّرِهِ عَمَّا لَمْ يُشْعِرُ بِذَلِكَ (وَالْمَذْكُورُ فِيهِ الْحُكْمُ مَعَ الْعِلَّةِ) عَلَى مَا فِيهِ الْحُكْمُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى فِي الِاهْتِمَامِ بِالْحُكْمِ مِنْ الثَّانِي مِثَالُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَعَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» نِيطَ الْحُكْمُ فِي الْأَوَّلِ بِوَصْفِ الرِّدَّةِ الْمُنَاسِبِ وَلَا وَصْفِ فِي الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخَصُّ مِنْهُ لِصِدْقِ الرَّاوِي بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (قَوْلُهُ: لِرَاوِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَصْلِ وَالضَّمِيرُ لِلْخَبَرِ فَقَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ الْأَصْلُ شَيْخُهُ أَيْ الرَّاوِي وَقَوْلُهُ مُقَدَّمٌ خَبَرُ إنَّ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ فَيُرَجَّحُ مَا فِيهِمَا عَلَى مَا فِي غَيْرِهِمَا وَعَلَى مَا فِي أَحَدِهِمَا، وَكَذَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ ثُمَّ مَا كَانَ عَلَى شَرْطِهِمَا ثُمَّ مَا كَانَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ هُنَا الرِّجَالُ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُمْ. (قَوْلُهُ: خَبَرُ النَّاقِلِ) أَيْ خَبَرُ الرَّاوِي النَّاقِلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّاقِلِ لِفِعْلِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى) أَيْ لِاحْتِمَالِ الْفِعْلِ الِاخْتِصَاصَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا وَجَّهَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَغَيْرِهِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قَوْلٍ أَقْوَى بَلْ الَّذِي انْتَفَى عَنْهُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَنَحْوُهُ فَلَا يُرَدُّ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ التَّنْعِيمِ تَقْدِيمًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَمْرِهِ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَيْسَ أَقْوَى مِنْ فِعْلِهِ بَلْ هُوَ دُونَهُ كَمَا قَالُوا الِاحْتِمَالُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ لِضِيقِ الْوَقْتِ لَا؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَقَدْ حَمَلَ الْفُقَهَاءُ أَمْرَهُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْفُرُوعِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفِعْلِ) وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْكَيْفِيَّاتِ (قَوْلُهُ: وَالْفَصِيحُ عَلَى غَيْرِهِ) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي صُدُورَ غَيْرِ الْفَصِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيلِ لِمَنْ لُغَتُهُ ذَلِكَ وَبِأَنَّ الْفَصِيحَ اقْتَرَنَ بِالْعَلَامَةِ عَلَى كَوْنِهِ لَفْظَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: لَا بُعْدَ فِي نُطْقِهِ بِغَيْرِ الْأَفْصَحِ) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْفَصِيحِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةٍ) هُوَ مِنْ قَبِيلِ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيُقَدَّمُ خَبَرُهَا (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى مِنْهُ لِلِافْتِتَاحِ) كَانَ يَنْبَغِي زِيَادَةٌ، وَالرَّابِعَةُ لِلرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَاعْتَذَرَ عَنْ وَاحِدٍ وَتَرَكَ الْآخَرَ (قَوْلُهُ: مَا وَرَدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَكِّيُّ قَبْلَهَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ (قَوْلُهُ: بِعُلُوِّ شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّ عُلُوَّ شَأْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَا أَشْعَرَ بِأَنَّ شَأْنَهُ أَعْلَى فَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ، وَلِأَنَّ عُلُوَّ شَأْنِهِ وَإِظْهَارَ دِينِهِ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: وَالْمَذْكُورُ فِيهِ الْحُكْمُ إلَخْ) قَالَ سم وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَالنَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا

فَحَمَلْنَا النِّسَاءَ فِيهِ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ. (وَالْمُتَقَدِّمُ فِيهِ ذِكْرُ الْعِلَّةِ عَلَى الْحُكْمِ) فَيُقَدَّمُ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى ارْتِبَاطِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ مِنْ عَكْسِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ (وَعَكَسَ النَّقْشَوَانِيُّ) ذَلِكَ مُعْتَرِضًا عَلَى الْإِمَامِ قَائِلًا إنَّ الْحُكْمَ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ نَفْسُ السَّامِعِ الْعِلَّةَ فَإِذَا سَمِعَتْهَا رَكَنَتْ إلَيْهَا، وَلَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا وَالْوَصْفُ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ النَّفْسُ الْحُكْمَ فَإِذَا سَمِعَتْهُ قَدْ تَكْتَفِي فِي عِلَّتِهِ بِالْوَصْفِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الْمُنَاسَبَةِ كَمَا فِي وَالسَّارِقُ الْآيَةَ وَقَدْ لَا تَكْتَفِي بِهِ بَلْ تَطْلُبُ عِلَّةً غَيْرَهُ كَمَا فِي {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَيُقَالُ تَعْظِيمًا لِلْمَعْبُودِ. (وَمَا كَانَ فِيهِ تَهْدِيدٌ أَوْ تَأْكِيدٌ) عَلَى الْخَالِي عَنْ ذَلِكَ مِثَالُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي دَاوُد صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» مَعَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» (وَمَا كَانَ عُمُومًا مُطْلَقًا عَلَى) الْعُمُومِ (ذِي السَّبَبِ إلَّا فِي السَّبَبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ وَجْهٍ فَإِنْ خُصَّ عُمُومُ كُلٍّ بِخُصُوصِ الْآخَرِ تَعَارَضَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ مَعَ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْمِثَالِ أَعْنِي قَوْلَ الشَّارِحِ مِثَالُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» إلَخْ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بِالنَّظَرِ لِمُجَرَّدِ مُقَابِلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُقَابِلُهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَعَارُضِ اثْنَيْنِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ وَلَيْسَ كَلَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَحَمَلْنَا النِّسَاءَ فِيهِ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ) لَا يُقَالُ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَفِيهِ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِي التَّرْجِيحِ الَّذِي هُوَ إعْمَالُ أَحَدِهِمَا وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ عُمُومًا مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ خَصَّصْنَا عُمُومَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ تَعَارَضَ فِي الْمُرْتَدَّةِ فَرَجَّحْنَا الْأَوَّلَ حَيْثُ حَكَمْنَا بِقَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ الَّتِي دَلَّ الثَّانِي عَلَى مَنْعِ قَتْلِهَا، وَلَزِمَ مِنْ هَذَا التَّرْجِيحِ قَصْرُ الثَّانِي عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ فَقَدْ أَشَارَ بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ إلَى تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ فِي الْمُرْتَدَّاتِ الَّتِي تَعَارَضَا فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَارُضَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ إلَّا فِي الْمُرْتَدَّاتِ وَقَدْ أَلْغَيْنَا الثَّانِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَقَدْ أَعْمَلْنَا أَحَدَهُمَا وَأَلْغَيْنَا الْآخَرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَعَارَضَا فِيهِ، وَذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ التَّرْجِيحِ اهـ سم. (قَوْلُهُ: قَائِلًا إنَّ الْحُكْمَ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ الْوَصْفُ ظَاهِرَ الْمُنَاسَبَةِ رَكَنَتْ النَّفْسُ إلَيْهِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَإِلَّا لَمْ تَرْكَنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] وَاغْسِلُوا إذَا قُمْتُمْ اهـ. سم (قَوْلُهُ: فَيُقَالُ تَعْظِيمًا لِلْمَعْبُودِ) أَيْ فَلَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بَلْ بَيَّنَ فِيهِ عِلَّةَ الْقِيَامِ لِطَلَبِ الْوُضُوءِ، وَأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْمَعْبُودِ بِالْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ. (قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ فِيهِ تَهْدِيدٌ) أَيْ يُرَجَّحُ عَنْ الْخَالِي عَنْهُ، وَكَذَا مَا كَانَ التَّهْدِيدُ فِيهِ أَكْثَرَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَأَكُّدِ الْحُكْمِ، وَقَدْ مَثَّلَ لِمَا فِيهِ التَّهْدِيدُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَهُوَ لِتَضَمُّنِهِ التَّهْدِيدَ مُقَدَّمٌ عَلَى أَحَادِيثِ التَّرْغِيبِ فِي صَوْمِ النَّفْلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيمِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ أَوْ مُقَيَّدٍ عَلَى مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَارِضَيْنِ قَدْ يُرَجَّحُ مِنْ وُجُوهٍ ثُمَّ إنَّ فُقَهَاءَنَا قَالُوا إنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَرْعَانِ لَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَلَا مِمَّنْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ مَا دَامَتْ لَهُ خُصُومَةٌ بِمَا إذَا ثَبَتَتْ الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ أَجِدْهُ مَسْطُورًا، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يُلَوِّحُ بِثُبُوتِهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَهَّدَ مِنْهُ الْهَدِيَّةَ وَالْعَهْدُ صَادِقٌ بِمَرَّةٍ، وَالثَّانِي أَنَّهُمْ حَرَّمُوا صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَةً لَهُ كَمَا إذَا كَانَ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ مَثَلًا فَصَادَفَ يَوْمُ الشَّكِّ أَحَدَهُمَا أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ بِمَا إذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ أَجِدْهُ، وَكَذَا فِي الصِّيَامِ بَعْدَ انْتِصَافِ شَعْبَانَ اهـ. قَوْلُهُ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» يَدُلُّ بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ عَلَى تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا وَإِنْ احْتَمَلَ تَأْوِيلَهُ بِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا الصَّرِيحِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ فَإِنَّ سُكُوتَهَا كَافٍ فَعَلَى تَقْدِيرِ دَلَالَتِهِ عَلَى تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ الدَّالِّ عَلَى تَقْوِيَةِ الْحُكْمِ وَتَأْكِيدِهِ، وَالْأَيِّمُ هِيَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (قَوْلُهُ: عَلَى ذِي السَّبَبِ) كَمَا فِي

لِأَنَّ الثَّانِيَ بِاحْتِمَالِ إرَادَةِ قَصْرِهِ عَلَى السَّبَبِ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ دُونَ الْمُطْلَقِ فِي الْقُوَّةِ إلَّا فِي صُورَةِ السَّبَبِ فَهُوَ فِيهَا أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا تَقَدَّمَ (، وَالْعَامُّ الشَّرْطِيُّ) كَمَنْ وَمَا الشَّرْطِيَّتَيْنِ (عَلَى النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ) لِإِفَادَتِهِ لِلتَّعْلِيلِ دُونَهَا، وَقِيلَ الْعَكْسُ لِبُعْدِ التَّخْصِيصِ فِيهَا بِقُوَّةِ عُمُومِهَا دُونَهُ (وَهِيَ) تُقَدَّمُ (عَلَى الْبَاقِي) مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي الْعُمُومِ إذْ تَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْقَرِينَةِ اتِّفَاقًا (وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ) بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ (عَلَى مَا وَمَنْ) غَيْرِ الشَّرْطِيَّتَيْنِ كَالِاسْتِفْهَامِيَّتَيْ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُمَا فِي الْعُمُومِ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَخُصَّ إلَى الْوَاحِدِ دُونَهُمَا عَلَى الرَّاجِحِ فِي كُلٍّ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَالْكُلُّ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ وَمَا وَمَنْ (عَلَى الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ) بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ (لِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ) فِيهِ بِخِلَافِ مَا وَمَنْ فَلَا يَحْتَمِلَانِهِ، وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ فَيَبْعُدُ احْتِمَالُهُ لَهُ (قَالُوا وَمَا لَمْ يُخَصَّ) عَلَى مَا خُصَّ لِضَعْفِ الثَّانِي بِالْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْهِنْدِيِّ (وَعِنْدِي عَكْسُهُ) ؛ لِأَنَّ مَا خُصَّ مِنْ الْعَامِّ الْغَالِبِ، وَالْغَالِبُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ (وَالْأَقَلُّ تَخْصِيصًا) عَلَى الْأَكْثَرِ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الْأَقَلَّ دُونَهُ فِي الْأَكْثَرِ (وَالِاقْتِضَاءُ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِالْأَوَّلِ مَقْصُودٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ وَبِالثَّالِثِ مَقْصُودٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَبِالثَّانِي غَيْرَ مَقْصُودٍ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَقْوَى. (وَيُرَجَّحَانِ) أَيْ الْإِشَارَةُ وَالْإِيمَاءُ (عَلَى الْمَفْهُومَيْنِ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَوَّلَيْنِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ بِخِلَافِ الْمَفْهُومَيْنِ (وَالْمُوَافَقَةُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ) لِضَعْفِ الثَّانِي بِالْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (وَقِيلَ عَكْسُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تُفِيدُ تَأْسِيسًا بِخِلَافِ الْمُوَافَقَةِ (وَالنَّاقِلُ عَنْ الْأَصْلِ) أَيْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى الْمُقَرِّرِ لَهُ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الثَّانِي وَقِيلَ عَكْسُهُ بِأَنْ يُقَدَّرَ تَأْخِيرُ الْمُقَرِّرِ لِلْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» فَإِنَّهُ عَامٌّ مُخَرَّجٌ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَنَبْدَأُ بِالصَّفَا أَمْ بِالْمَرْوَةِ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي السَّبَبِ أَيْ إلَّا فِي صُورَةِ السَّبَبِ أَيْ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الْعُمُومُ ذُو السَّبَبِ عَلَى الْعُمُومِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى (قَوْلُهُ: لِإِفَادَتِهِ لِلتَّعْلِيلِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ نَحْوَ مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْكَلَامَ حَيْثُ صَلُحَ لَهُ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَمِلَانِهِ) أَيْ احْتِمَالًا قَرِيبًا (قَوْلُهُ: مَا خُصَّ مِنْ الْعَامِّ الْغَالِبُ) أَيْ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ فَالْغَالِبُ خَبَرُ إنَّ (قَوْلُهُ: يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ إلَخْ) نَحْوَ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْحَدِيثَ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَقْوَى) أَيْ دَلَالَةً وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ الثَّالِثَ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّهِ) مَحَلُّ الْأَوَّلَيْنِ مَبْحَثُ الْمَنْطُوقِ وَمَحَلُّ الثَّالِثِ مَسَالِكُ الْعِلَّةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ فَلَا خِلَافَ فِي حُجِّيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي جِهَتِهَا خِلَافٌ هَلْ هِيَ لِكَوْنِ الدَّلَالَةِ قِيَاسِيَّةً أَوْ لِكَوْنِهَا لَفْظِيَّةً فُهِمَتْ مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ مَجَازِيَّةً أَوْ نُقِلَ اللَّفْظُ لَهَا عُرْفًا أَوْ لِكَوْنِهَا مَفْهُومِيَّةً عَلَى مَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تُفِيدُ تَأْسِيسًا إلَخْ) قَالَ سم فِيهِ نَظَرٌ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُفِيدُ التَّأْسِيسَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَا يُفِيدُهُ الْمُخَالَفَةَ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَمَا يُفِيدُهُ الْمُوَافَقَةَ مُوَافِقٌ لَهُ، ثُمَّ رَأَيْت الْكُورَانِيَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ كِلَا الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ قَبِيلِ التَّأْسِيسِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ تُفِيدُ تَأْكِيدًا بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ فَإِنَّ نَوْعَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ فِيهَا وَاحِدٌ فَالنَّوْعُ الَّذِي أَفَادَهُ الْمَفْهُومُ هُوَ مَا أَفَادَهُ الْمَنْطُوقُ كَنَوْعِ الْإِتْلَافِ فِي {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] بِخِلَافِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّ نَوْعَ الْمَنْطُوقِ غَيْرُ نَوْعِ الْمَفْهُومِ كَنَوْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَوْعِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْمَعْلُوفَةِ فِي خَبَرِ «فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» وَأَظُنُّ هَذَا مُرَادَهُمْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنَّاقِلُ) أَيْ وَالدَّلِيلُ النَّاقِلُ عَنْ الْأَصْلِ كَأَنْ كَانَ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةَ فَدَلَّ هُوَ عَلَى الْحُرْمَةِ مَثَلًا فَنُقِلَ الشَّيْءُ مِنْ الْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ إلَى الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ

لِيُفِيدَ تَأْسِيسًا كَمَا أَفَادَهُ النَّقْلُ فَيَكُونَ نَاسِخًا لَهُ. مِثَالُ ذَلِكَ حَدِيثُ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مَعَ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ رَجُلٌ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَعَلَيْهِ وُضُوءٌ قَالَ لَا إنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْك» (وَالْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ وَقِيلَ عَكْسُهُ لِاعْتِضَادِ النَّافِي بِالْأَصْلِ (وَثَالِثُهَا سَوَاءٌ) لِتَسَاوِي مُرَجِّحَيْهِمَا (وَرَابِعُهَا) يُرَجَّحُ الْمُثْبِتُ (إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) . فَيُرَجَّحُ النَّافِي لَهُمَا عَلَى الْمُثْبِتِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ مَعَ هَذَا عَكْسَهُ أَيْ يُرَجَّحَ الْمُثْبِتُ لَهُمَا عَلَى النَّافِي لَهُمَا (وَالنَّهْيُ عَلَى الْإِبَاحَةِ) لِلِاحْتِيَاطِ، (وَالْخَبَرُ) الْمُتَضَمِّنُ لِلتَّكْلِيفِ (عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ بِهِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ أَقْوَى مِنْهُمَا (وَ) خَبَرُ (الْحَظْرِ عَلَى) خَبَرِ (الْإِبَاحَةِ) لِلِاحْتِيَاطِ وَقِيلَ عَكْسُهُ لِاعْتِضَادِ الْإِبَاحَةِ بِالْأَصْلِ مِنْ نَفْيِ الْحَرَجِ (وَثَالِثُهَا سَوَاءٌ) لِتَسَاوِي مُرَجِّحَيْهِمَا (وَالْوُجُوبُ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى النَّدْبِ) لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْأَوَّلِ وَلِدَفْعِ اللَّوْمِ فِي الثَّانِي (، وَالنَّدْبُ عَلَى الْمُبَاحِ فِي الْأَصَحِّ) لِلِاحْتِيَاطِ بِالطَّلَبِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ لِمُوَافَقَةِ الْمُبَاحِ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الطَّلَبِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ وَالْأَمْرُ فِي الْإِبَاحَةِ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِيهِ الْإِيجَابُ لَا الطَّلَبُ وَهُمَا خِلَافٌ فِي حَقِيقَتِهِ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ جَائِزِ التَّرْكِ (وَنَافِي الْحَدِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي (قَوْلُهُ: بَضْعَةٌ مِنْك) بِفَتْحِ الْبَاءِ لَا غَيْرُ أَيْ قِطْعَةُ لَحْمٍ مِنْك جَمْعُهَا بَضْعٌ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي) قَالَ سم تَمَيُّزُ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَاكَ أَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ وَحُكْمَ الْآخَرِ مُخَالِفٌ لَهُ، وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ نَسَبَ صُدُورَ شَيْءٍ كَالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ إلَى الشَّارِعِ مَثَلًا وَالْآخَرُ فِي صُدُورِهِ عَنْهُ وَالتَّمَايُزُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ إلَى أَنَّ الْحَاصِلَ الثَّانِيَ صَادِقٌ إذَا كَانَ الْإِثْبَاتُ مُقَرِّرًا لِلْأَصْلِ وَالنَّفْيُ نَاقِلًا عَنْهُ فَيَخُصُّ الْحَاصِلَ الْأَوَّلَ بِهَذَا ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ مَا يُوَافِقُ هَذَا اهـ. وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ هَكَذَا لَا يُقَالُ هَذَا يَعْنِي عَمَّا قَبْلَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُثْبِتُ قَدْ يَكُونُ مُقَرِّرًا لِلْأَصْلِ كَالْمُثْبِتِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ مُقَرِّرٌ لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّوْجِيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ فَرَجَعَ ذَلِكَ إلَى هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا سَوَاءٌ) أَيْ يَتَسَاوَى الْمُثْبِتُ وَالنَّافِي (قَوْلُهُ: وَالْعَتَاقِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالْكَسْرِ جَمْعُ عَتِيقٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَخُصُّهُمَا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَدَمُهُ (قَوْلُهُ: مَعَ هَذَا) أَيْ مَعَ تَرْجِيحِ النَّافِي لَهُمَا عَلَى الْمُثْبِتِ (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ) الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْحَظْرُ وَبِالْإِيجَابِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِلِاحْتِيَاطِ بِالطَّلَبِ) أَيْ بِسَبَبِ مُرَاعَاةِ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: وَالْخَبَرُ) نَحْوَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَمْرِ) نَحْوَ {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] (قَوْلُهُ: أَقْوَى مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الطَّلَبِ بِهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مَدْلُولِهِ فِي الْخَارِجِ، وَيَكُونُ هُوَ حِكَايَةً عَنْهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُبَاحِ) الْأَنْسَبُ عَلَى الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِيهِ) أَيْ قَوْلَهُ وَالْأَمْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَكْرَارٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِيجَابِ عَلَى الْإِبَاحَةِ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوُجُوبُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْمُبَاحِ فَفِي ذَلِكَ تَكْرَارٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ سم يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ عِلْمَهُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى النَّدْبِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ يُوجِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْمُقَدَّمِ مُقَدَّمٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِاللَّازِمِ مِنْ التَّكْرَارِ الْقَبِيحِ بَلْ فِيهِ تَنْبِيهٌ إذْ قَدْ يَغْفُلُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْمُقَدَّمِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَافِي الْحَدِّ إلَخْ)

عَلَى الْمُوجِبِ لَهُ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْيُسْرِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ الْمُوَافِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (خِلَافًا لِقَوْمٍ) وَهُمْ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْمُوجِبَ لِإِفَادَتِهِ التَّأْسِيسَ بِخِلَافِ النَّافِي (وَالْمَعْقُولُ مَعْنَاهُ) عَلَى مَا لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَدْعَى إلَى الِانْقِيَادِ وَأَفْيَدُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ (وَالْوَضْعِيُّ عَلَى التَّكْلِيفِيِّ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفَهْمِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَقِيلَ عَكْسُهُ لِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى التَّكْلِيفِيِّ دُونَ الْوَضْعِيِّ (وَالْمُوَافِقُ دَلِيلًا آخَرَ) عَلَى مَا لَمْ يُوَافِقْهُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الْمُوَافِقِ أَقْوَى وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَذُكِرَ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، (وَكَذَا) الْمُوَافِقُ (مُرْسَلًا أَوْ صَحَابِيًّا أَوْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَكْثَرَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ (فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّةِ الظَّنِّ فِي الْمُوَافِقِ، وَقِيلَ لَا يُرَجَّحُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (وَثَالِثُهَا فِي مُوَافِقِ الصَّحَابِيِّ إنْ كَانَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ (حَيْثُ مَيَّزَهُ النَّصُّ) أَيْ فِيمَا مَيَّزَهُ فِيهِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ (كَزَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ) مُيِّزَ فِيهَا بِحَدِيثِ أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ، (وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ (أَحَدَ الشَّيْخَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (مُطْلَقًا وَقِيلَ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُمَا مُعَاذٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمُسْتَثْنَى مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَالتَّعَارُضُ شُبْهَةٌ وَبِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ التَّيْسِيرِ، وَاعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِأَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لُوحِظَ مَعَ هَذَا الْوَجْهِ نَظَرُ الشَّارِعِ إلَى دَرْءِ الْحُدُودِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَبِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحَدِّ الْعُسْرُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَلَا بُدَّ بِخِلَافِ الْحَظْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَازِمِهِ الْعُسْرُ إذْ قَدْ يَسْهُلُ التَّرْكُ بِلَا مَشَقَّةٍ خُصُوصًا إنْ وَافَقَ التَّرْكُ غَرَضَ النَّفْسِ كَمَا يَتَّفِقُ فِي بَعْضِ الْمَنْهِيَّاتِ اهـ. مِنْ سم. (قَوْلُهُ: الْمُوجِبُ إلَخْ) هَذَا يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيمِ الْإِثْبَاتِ عَلَى النَّفْيِ لِإِفَادَتِهِ التَّأْسِيسَ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِخِلَافِ النَّفْيِ فَإِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّفْيَ الشَّرْعِيَّ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَالْمَعْقُولُ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْمَعْقُولُ مَعْقُولٌ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَمْ يُعْقَلْ) لِكَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا (قَوْلُهُ: وَالْوَضْعِيُّ) أَيْ وَالدَّالُّ عَلَى الْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ قَالَ سم وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ أَيْ بِأَنَّ التَّعَارُضَ فَرْعُ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ فَكَيْفَ مَعَ اتِّحَادِهِ يَكُونُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ وَضْعِيًّا وَالْآخَرُ تَكْلِيفِيًّا، وَقَدْ يُصَوَّرُ بِنَحْوِ أَنْ يَدُلَّ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مَثَلًا عَلَى كَوْنِ شَيْءٍ شَرْطًا لِكَذَا مَثَلًا، وَالْخَبَرُ الْآخَرُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهِ فِي كُلِّ حَالِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يُمْنَعُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ لِكُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ، وَكَانَتْ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَهَذَا فِيمَا إذَا حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ بِقَرِينَةِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَذِكْرُ ذَلِكَ مَقْصُودٌ لَا تَوْطِئَةٌ. اهـ. وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْعِبَارَةَ السَّابِقَةَ لَا تَشْمَلُ مَا هُنَا فَمَمْنُوعٌ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُ مَا هُنَا فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَدَلَّ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ هُنَاكَ لَا هُنَا فَفِيهِ أَنَّ ذَاكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ هُنَا وَإِنَّمَا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا تَوْطِئَةٌ لَا مَقْصُودٌ ثُمَّ رَأَيْت تَقْرِيرَهُمْ فِي الْمَحَلَّيْنِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمَحَلَّيْنِ وَاحِدٌ فَانْظُرْ قَوْلَ الصَّفِيِّ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذُكِرَ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ) اعْتَرَضَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ لَوْ حُذِفَتْ التَّوْطِئَةُ هُنَا لَاسْتُغْنِيَ عَنْهَا بِأَنْ يُقَالَ وَالْمُوَافِقُ مُرْسَلًا إلَخْ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْطِئَةِ التَّوَقُّفُ عَلَيْهَا بَلْ تَكْفِي الْمُنَاسِبُ وَاللِّيَاقَةُ فَإِنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ يُؤْنِسُ بِذِكْرِ مُجَانِسِهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (قَوْلُهُ: حَيْثُ مَيَّزَهُ النَّصُّ) حَيْثُ هُنَا لِلْمَكَانِ أَيْ فِي مَكَان مَيَّزَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُمَا مُعَاذٌ إلَخْ) فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُوجِبُ صُعُوبَةَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ فَرْضِ

فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَوْ زَيْدٌ فِي الْفَرَائِضِ وَنَحْوُهُمَا) أَيْ نَحْوُ مُعَاذٍ وَزَيْدٍ كَعَلِيٍّ فِي الْقَضَاءِ فَلَا يُرَجَّحُ الْمُوَافِقُ لِأَحَدِ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ لَهَا مَيَّزَهُ النَّصُّ فِيمَا ذُكِرَ وَهُوَ حَدِيثُ «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَ) يُرَجَّحُ (مُوَافِقُ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ فَمُعَاذٍ) فِيهَا (فَعَلْيٍ) فِيهَا (وَمُعَاذٍ فِي أَحْكَامِ غَيْرِ الْفَرَائِضِ فَعَلْيٍ) فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ يَعْنِي أَنَّ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفَرَائِضِ يُرَجَّحُ مِنْهُمَا الْمُوَافِقُ لِزَيْدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ فَالْمُوَافِقُ لِمُعَاذٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ فَالْمُوَافِقُ لِعَلِيٍّ وَالْمُتَعَارَضِينَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ يُرَجَّحُ مِنْهُمَا الْمُوَافِقُ لِمُعَاذٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ فَالْمُوَافِقُ لِعَلِيٍّ، وَذَكَرَ الْمُوَافِقَ لِلثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لِتَرْتِيبِهِمْ، كَذَلِكَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَقَوْلُ الصَّادِقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ عَلَى عُمُومِهِ» وَقَوْلُهُ «وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ» يَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» يَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ وَاللَّفْظُ فِي مُعَاذٍ أَصْرَحُ مِنْهُ فِي عَلِيٍّ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى النَّصِّ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ فِيهِ النَّسْخُ بِخِلَافِ النَّصِّ (وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى) إجْمَاعِ (غَيْرِهِمْ) كَالتَّابِعِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ (وَإِجْمَاعُ الْكُلِّ) الشَّامِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَافَقَهُ صَحَابِيٌّ وَالْآخَرُ يُوَافِقُهُ صَحَابِيٌّ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى مَا لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْقِيلِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ الْأَوَّلَ الصَّحِيحُ تَقْدِيمُ مُوَافِقِ الصَّحَابِيِّ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ خَالَفَهُ مُعَاذٌ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ مُعَاذٌ كَانَ أَعْنِي مُعَاذًا مُوَافِقًا لِلْقَوْلِ الْآخَرِ فَيَكُونُ كُلُّ خَبَرٍ وَافَقَهُ صَحَابِيٌّ، وَذَلِكَ خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَا إفْصَاحَ فِيهِ بِأَنَّهُ إذَا خَالَفَ أَحَدَ الشَّيْخَيْنِ مُعَاذٌ إلَخْ يَتَعَارَضَانِ أَوْ يُقَدَّمُ مُوَافِقُ مُعَاذٍ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ لَهَا مَيَّزَهُ النَّصُّ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُمَيِّزَ رَاجِحٌ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي عَنْ الشَّافِعِيِّ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ) بِالْخِطَابِ رِوَايَةٌ لَهُ بِالْمَعْنَى وَإِلَّا فَلَفْظُ الْحَدِيثِ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ عَطْفًا عَلَى «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَشَدُّهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌّ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ» . (قَوْلُهُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا وَافَقَ كُلٌّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ صَحَابِيًّا، وَقَدْ مَيَّزَ النَّصُّ أَحَدَ الصَّحَابِيَّيْنِ فِيمَا فِيهِ الْمُوَافَقَةُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ) تَوْضِيحُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَعِلْمَ الْقَضَاءِ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ أَقْضَاكُمْ عَامٌّ وَالْفَرَائِضَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ أَفْرَضُكُمْ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ فَيُخَصُّ الْعَامُّ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَقَوْلُ أَصْرَحُ مِنْهُ يَعْنِي أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ عَامٌّ مُصَرَّحٌ بِهِ وَعِلْمَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ بَلْ مُسْتَفَادٌ مِنْ أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: الْمُوَافِقُ لِمُعَاذٍ) وَأَمَّا زَيْدٌ فَكَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ) أَخَذَ هَذَا الْعِنَايَةُ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ خَاصٌّ وَعَامٌّ يُقَدَّمُ الْخَاصُّ. (قَوْلُهُ: وَاللَّفْظُ فِي مُعَاذٍ) أَيْ لَفْظُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى النَّصِّ) فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِدَلِيلٍ فَكَيْفَ لَا يُقَدَّمُ النَّصُّ عَلَيْهِ فَالْمُتَّجَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَجَوَازُ مُخَالَفَتِهِ إلَى الْعَمَلِ بِالنَّصِّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ شَامِلٌ أَيْضًا لِمَا إذَا عُلِمَ دَلِيلُ الْمُجْمِعِينَ بِعَيْنِهِ، وَأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُمْ غَيْرُهُ وَوُجِدَ دَلِيلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لَهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا مُشْكِلٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ النَّصَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُقَيِّدُ حُرْمَةَ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ بِغَيْرِهَا أَوْ يَلْتَزِمُ امْتِنَاعَ وُقُوعِ مِثْلِهَا عَادَةً لِاسْتِلْزَامِهِ خَطَأَ الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى انْتِفَائِهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ) أَيْ وَكَذَا إجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ وَهَكَذَا قَالَ

لِلْعَوَامِّ (عَلَى مَا خَالَفَ فِيهِ الْعَوَامُّ) لِضَعْفِ الثَّانِي بِالْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهِ عَلَى مَا حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) الْإِجْمَاعُ (الْمُنْقَرِضُ عَصْرُهُ وَمَا) أَيْ وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي (لَمْ يُسْبَقْ بِخِلَافٍ عَلَى غَيْرِهِمَا) أَيْ مُقَابِلِهِمَا لِضَعْفِهِ بِالْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهِ، (وَقِيلَ الْمَسْبُوقُ) بِخِلَافٍ (أَقْوَى) مِنْ مُقَابِلِهِ (وَقِيلَ) هُمَا (سَوَاءٌ) . (وَالْأَصَحُّ تَسَاوِي الْمُتَوَاتِرَيْنِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ) ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْهَا (وَثَالِثُهَا تَقَدُّمُ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] أَمَّا الْمُتَوَاتِرَانِ مِنْ السُّنَّةِ فَمُتَسَاوِيَانِ قَطْعًا كَالْآيَتَيْنِ. (وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ بِقُوَّةِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ) كَأَنْ يَدُلَّ فِي أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ بِالْمَنْطُوقِ وَفِي الْآخَرِ بِالْمَفْهُومِ لِقُوَّةِ الظَّنِّ بِقُوَّةِ الدَّلِيلُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ أَيْ فَرْعُهُ مِنْ جِنْسِ أَصْلِهِ) فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى قِيَاسٍ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ أَشْبَهُ فَقِيَاسُنَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ عَلَى أَرْشِهَا حَتَّى تَتَحَمَّلَهُ الْعَاقِلَةُ مُقَدَّمٌ عَلَى قِيَاسِ الْحَنَفِيَّةِ لَهُ عَلَى غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ حَتَّى لَا تَتَحَمَّلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْإِجْمَاعَيْنِ الظَّنِّيَّيْنِ لَا فِي الْقَطْعِيَّيْنِ إذْ لَا تَرْجِيحَ بَيْنَ قَاطِعَيْنِ قُلْت وَلَا فِي الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ إذْ الْقَطْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّيِّ مُطْلَقًا وَظَاهِرٌ أَنَّ وُجُودَ الظَّنَّيْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ غَفْلَةِ الْمُجْمِعِينَ ثَانِيًا عَنْ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خِلَافِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ بِلَا غَفْلَةٍ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْأَوَّلَيْنِ، وَيَكُونُ هَذَا مُقَيِّدًا لِقَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ اهـ. زَكَرِيَّا. وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الشَّنَوَانِيُّ بِهَامِشِهِ قَوْلَهُ وَظَاهِرٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ بِزَوَالِ الْغَفْلَةِ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ إجْمَاعَانِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَتَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَرْعٌ اهـ. وَقَالَ النَّاصِرُ قَوْلُهُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ إلَخْ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نُقِلَ إجْمَاعَانِ مُتَعَارِضَانِ بِخَبَرِ الْآحَادِ قُدِّمَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ، وَأَمَّا تَحَقُّقُ إجْمَاعَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ فَمُحَالٌ إذْ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ مُحَالٌ فَفَرْضُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِمَا تَأَوَّلْنَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ الثَّانِي بِالْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهِ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ أَنَّ التَّرْجِيحَ لِمُوَافَقَةِ الْعَوَامّ يُنَاقِضُهُ مَا قَدَّمَهُ أَوْ الْإِجْمَاعُ مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِوِفَاقِ الْعَوَامّ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فَإِنَّ نَفْيَهُ إيَّاهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّرْجِيحِ بِالشَّيْءِ الْقَوْلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا حَكَاهُ الْآمِدِيُّ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَسْبُوقُ بِخِلَافِ إلَخْ) أَيْ لِزِيَادَةِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْمَأْخَذِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ تَسَاوِي الْمُتَوَاتِرَيْنِ) أَيْ مَتْنًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقَطْعِيَّيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَأَوْرَدَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ إلَخْ. وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ ثَمَّ وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهِمَا (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُتَوَاتِرَانِ مِنْ السُّنَّةِ إلَخْ) نُكْتَةُ تَعْبِيرِهِ بِهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ الْكِتَابِ دَفْعُ إيهَامِ أَنَّ فِي الْكِتَابِ غَيْرِ مُتَوَاتِرٍ كَالسُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ) أَيْ عَلَى قِيَاسٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: أَيْ فَرْعُهُ مِنْ جِنْسِ أَصْلِهِ) احْتَرَزَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ

(وَالْقَطْعُ بِالْعِلَّةِ أَوْ الظَّنِّ الْأَغْلَبِ) بِهَا أَيْ بِوُجُودِهَا (وَكَوْنُ مَسْلَكِهَا أَقْوَى) كَمَا فِي مَرَاتِبِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الْقِيَاسِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ فِي مُقَابِلِهِ (وَ) تُرَجَّحُ عِلَّةٌ (ذَاتُ أَصْلَيْنِ عَلَى ذَاتِ أَصْلٍ وَقِيلَ لَا) كَالْخِلَافِ فِي التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (وَذَاتِيَّةٌ عَلَى حُكْمِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الذَّاتِيَّةَ أَلْزَمُ (وَعَكَسَ السَّمْعَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْحُكْمِ أَشْبَهُ) وَالذَّاتِيَّةُ كَالطَّعْمِ وَالْإِسْكَارِ وَالْحُكْمِيَّةُ كَالْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ (وَكَوْنُهَا أَقَلَّ أَوْصَافًا) ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَةَ أَسْلَمُ (وَقِيلَ عَكْسُهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَةَ أَشْبَهُ أَيْ أَكْثَرُ شَبَهًا (وَالْمُقْتَضِيَةُ احْتِيَاطًا فِي الْفَرْضِ) ؛ لِأَنَّهَا أَنْسَبُ بِهِ مِمَّا لَا تَقْتَضِيهِ وَذَكَرَ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاحْتِيَاطِ إذْ لَا احْتِيَاطَ فِي النَّدْبِ وَإِنْ اُحْتِيطَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَامَّةِ الْأَصْلِ) بِأَنْ تُوجَدَ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ فَائِدَةً مِمَّا لَا تَعُمُّ كَالطَّعْمِ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا فِي بَابِ الرِّبَا فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْبُرُّ مَثَلًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِخِلَافِ الْقُوتِ الْعِلَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا يُوجَدُ فِي قَلِيلِهِ فَجَوَّزُوا بَيْعَ الْحَفْنَةِ مِنْهُ بِالْحَفْنَتَيْنِ (وَالْمُتَّفَقُ عَلَى تَعْلِيلِ أَصْلِهَا) الْمَأْخُوذَةُ مِنْهُ لِضَعْفِ مُقَابِلِهَا بِالْخِلَافِ فِيهِ (، وَالْمُوَافِقَةُ الْأُصُولُ عَلَى مُوَافِقَةِ أَصْلٍ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَقْوَى لِكَثْرَةِ مَا يَشْهَدُ لَهَا (قِيلَ وَالْمُوَافَقَةُ عِلَّةٌ أُخْرَى إنْ جُوِّزَ عِلَّتَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَصْلِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ إذْ ذَاكَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ كُلِّ قِيَاسٍ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ أَشْبَهُ أَيْ أَنَّ فَرْدَ الْجِنْسِ بِفَرْدِ الْجِنْسِ أَشْبَهُ، وَإِلَّا فَالْجِنْسُ هُنَا لَمْ يَخْتَلِفْ وَالْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِي مِثَالِ الشَّارِحِ الْجِنَايَةُ عَلَى الْبَدَنِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: وَالْقَطْعُ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا هُوَ لِأَقْوَوِيَّتِهِ وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِأَقْوَوِيَّةِ مَسْلَكِ الْعِلَّةِ بَلْ يُغْنِي عَنْهُمَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَمَا ثَبَتَتْ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ زَكَرِيَّا قَالَ سم إنَّ قَوْلَهُ يُغْنِي عَنْهُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُتَعَلَّقَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُتَعَلَّقُ هَذَا نَفْسُ وُجُودِ الْعِلَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ بِوُجُودِهَا وَمُتَعَلِّقُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ لَا وُجُودُهَا (قَوْلُهُ: أَيْ بِوُجُودِهَا) إشَارَةً إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ بِالْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ مَسْلَكِهَا) أَيْ الطَّرِيقِ الدَّالِّ عَلَى عَلِيَّتِهَا فِي أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَرَاتِبِ النَّصِّ) يَعْنِي مَعَ مَسْلَكٍ آخَرَ غَيْرِ النَّصِّ لِمَا يُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِ مَرَاتِبِ النَّصِّ عَلَى بَعْضٍ غَيْرَ مَذْكُورٍ فِي الْمُرَجِّحَاتِ هَهُنَا اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَمْثِيلٌ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنْظِيرًا أَيْ كَمَا فِي مَرَاتِبِ النَّصِّ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ فَإِنَّ بَعْضَهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ. (قَوْلُهُ: ذَاتُ أَصْلَيْنِ) أَيْ وُجِدَتْ فِي حُكْمَيْنِ مَنْصُوصَيْنِ (قَوْلُهُ: وَذَاتِيَّتُهُ إلَخْ) الذَّاتِيُّ كَوْنُ الْعِلَّةِ صِفَةً ذَاتِيَّةً لِلْمَحَلِّ أَيْ وَصْفًا قَائِمًا بِالذَّاتِ كَالْإِسْكَارِ فِي قَوْلِك لَا يَحِلُّ شُرْبُ الْخَمْرِ لِلْإِسْكَارِ، وَالْحُكْمِيَّةُ هِيَ الْوَصْفُ الَّذِي ثَبَتَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَحَلِّ شَرْعًا كَالنَّجَاسَةِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَقُدِّمَتْ الذَّاتِيَّةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَلْزَمُ مِنْهَا وَفِي قَوْلِهِ كَالْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ إشَارَةٌ إلَى الْخِطَابَيْنِ التَّكْلِيفِيِّ وَالْوَضْعِيِّ (قَوْلُهُ: كَالْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ) فَإِنَّهُمَا لَا يُعْلَمَانِ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَلِيلَةَ أَسْلَمُ) أَيْ لِقِلَّةِ الْمُعَارِضِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْفَرْضَ. . . إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ صَحَّفَ الْفَرْضَ بِالْغَرَضِ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ هَذَا مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ قَدْ يَجْرِي فِي غَيْرِ الْفَرْضِ كَمَا إذَا وَرَدَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِكَرَاهَةِ بَعْضِ الْبُيُوعِ أَوْ الْأَنْكِحَةِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْقُوتِ) حَقُّهُ بِخِلَافِ الْكَيْلِ فَإِنَّهُ الْعِلَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُوجَدُ فِي قَلِيلِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُكَالُ (قَوْلُهُ: الْحَفْنَةُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَعْلِيلِ أَصْلِهَا) أَطْلَقَ الْأَصْلَ هَهُنَا عَلَى الْحُكْمِ، وَسَمَّى أَصْلَهَا لِأَخْذِهَا وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمَأْخُوذَةُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: بِالْخِلَافِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُقَابِلِ وَهُوَ الْعِلَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِي تَعْلِيلِ حُكْمِ أَصْلِهَا، وَالْخِلَافُ فِي الْمُقَابِلِ يَنْشَأُ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِهِ. اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَالْمُوَافِقَةُ الْأُصُولَ) أَيْ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ

لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ لَا كَالْخِلَافِ فِي التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (وَمَا) أَيْ وَالْقِيَاسُ الَّذِي (ثَبَتَتْ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَالنَّصِّ الْقَطْعِيَّيْنِ فَالظَّنِّيَّيْنِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ فَالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ فَالْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ فَالنَّصِّ الظَّنِّيِّ (فَالْإِيمَاءِ فَالسَّبْرِ فَالْمُنَاسَبَةِ فَالشَّبَهِ فَالدَّوَرَانِ وَقِيلَ النَّصُّ فَالْإِجْمَاعُ) إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ الدَّوَرَانُ فَالْمُنَاسَبَةُ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا) كَمَا تَقَدَّمَ فَكُلٌّ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، فَالنَّصُّ يَقْبَلُ النَّسْخَ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَمَنْ عَكَسَ قَالَ النَّصُّ أَصْلٌ لِلْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِهِ، وَرُجْحَانُ الْإِيمَاءِ عَلَى السَّبْرِ وَالْمُنَاسَبَةِ عَلَى الشَّبَهِ وَاضِحٌ مِنْ تَعَارِيفِهَا السَّابِقَةِ وَرُجْحَانُ السَّبْرِ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ وَالشَّبَهِ عَلَى الدَّوَرَانِ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، وَمَنْ رَجَّحَ الدَّوَرَانَ عَلَيْهَا قَالَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ اطِّرَادَ الْعِلَّةِ وَانْعِكَاسَهَا بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ، وَرُجْحَانُ الدَّوَرَانِ أَوْ الشَّبَهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَسَالِكِ وَاضِحٌ مِنْ تَعَارِيفِهَا. (وَ) يُرَجَّحُ (قِيَاسُ الْمَعْنَى عَلَى) قِيَاسِ (الدَّلَالَةِ) لِمَا عُلِمَ فِيهِمَا فِي مَبْحَثِ الطَّرْدِ وَفِي خَاتِمَةِ الْقِيَاسِ مِنْ اشْتِمَالِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ وَالثَّانِي عَلَى لَازِمِهِ مَثَلًا (وَغَيْرِ الْمُرَكَّبِ عَلَيْهِ إنْ قُبِلَ) أَيْ الْمُرَكَّبُ لِضَعْفِهِ بِالْخِلَافِ فِي قَبُولِهِ الْمَذْكُورِ فِي مَبْحَثِ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَعَكَسَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فَرَجَّحَ الْمُرَكَّبَ وَقَدْ قَالَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ لِقُوَّتِهِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ (وَالْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ فَالْعُرْفِيِّ فَالشَّرْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ بِخِلَافِ الْعُرْفِيِّ، وَالْعُرْفِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّرْعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ عَبَّرَ هُنَاكَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْفِعْلِ الْقَائِمِ هُوَ بِهِ (الْوُجُودِيِّ) مِمَّا ذُكِرَ (فَالْعَدَمِيِّ الْبَسِيطِ) مِنْهُ (فَالْمُرَكَّبِ) لِضَعْفِ الْعَدَمِيِّ وَالْمُرَكَّبُ بِالْخِلَافِ فِيهِمَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْعَدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَدَمِ الْمُضَافِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْبَاعِثَةِ عَلَى الْإِمَارَةِ) لِظُهُورِ مُنَاسَبَةِ الْبَاعِثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَالسَّبْرُ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْبُدَخْشِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْقِيَاسَ الثَّابِتَ بِالدَّوَرَانِ يُرَجَّحُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالسَّبْرِ الْمَظْنُونِ لِاسْتِقْلَالِ الدَّوَرَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِ السَّبْرِ الْمُحْتَاجِ فِيهِ إلَى مُقَدِّمَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَمَّا السَّبْرُ الْمَقْطُوعُ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ قَطْعِيَّةٌ فَهُوَ رَاجِحٌ عَلَى الدَّوَرَانِ قَطْعًا اهـ. وَحِينَئِذٍ فَتَقْدِيمُ السَّبْرِ يَحْمِلُ الْمَقْطُوعَ (قَوْلُهُ: وَاضِحٌ مِنْ تَعَارِيفِهَا السَّابِقَةِ) أَمَّا الْوُضُوحُ مِنْ تَعْرِيفِ الْإِيمَاءِ فَلِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، وَأَمَّا تَعْرِيفُ السَّبْرِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْمُجْتَهِدِ، وَالنَّصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ وَتَعْرِيفُ الشَّبَهِ بِأَنَّهُ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمُنَاسِبِ وَالطَّرْدِ مُصَرَّحٌ بِتَقْدِيمِ الْمُنَاسَبَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَرُجْحَانَ السَّبْرِ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ وَوَجْهُ رُجْحَانِ السَّبْرِ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِيمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) إشَارَةٌ إلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ فِي قِيَاسِ الدَّلَالَةِ بِلَازِمِ الْعِلَّةِ فَأَثَرِهَا فَحُكْمِهَا (قَوْلُهُ: إنْ قُبِلَ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْخِلَافِيِّينَ، وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ مُقَابِلِهِ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي مَبْحَثِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَا يَتَعَقَّلُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عُرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعُرْفِيِّ) فَإِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: وَالْعُرْفِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ مِثَالُ تَقَدُّمِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى الشَّرْعِيِّ الْمَنِيُّ خَلْقٌ آدَمِيٌّ كَالطِّينِ مَعَ قَوْلِ الْمُخَالِفِ مَائِعٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ (قَوْلُهُ: الْقَائِمِ هُوَ بِهِ) مَعْنَى الْقِيَامِ التَّعَلُّقُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْعَدَمِ الْمُضَافِ) فَيَكُونُ كَالْوُجُودِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْبَاعِثَةِ عَلَى الْأَمَارَةِ) هُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ دَائِمًا إمَّا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ أَوْ الْأَمَارَةِ أَوْ الْمُؤَثِّرَ إمَّا انْقِسَامُهَا لِلْبَاعِثِ وَالْأَمَارَةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَالَ وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّ ذَاتَ التَّأْثِيرِ وَالتَّخَيُّلِ أَرْجَحُ مِنْ الَّتِي يَظْهَرُ لَهَا مَعْنًى، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِظُهُورِ مُنَاسَبَةِ

(وَالْمُطَّرِدَةِ الْمُنْعَكِسَةِ) عَلَى الْمُطَّرِدَةِ فَقَطْ لِضَعْفِ الثَّانِيَةِ بِالْخِلَافِ فِيهَا (ثُمَّ الْمُطَّرِدَةِ فَقَطْ عَلَى الْمُنْعَكِسَةِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ ضَعْفَ الثَّانِيَةِ بِعَدَمِ الِاطِّرَادِ أَشَدُّ مِنْ ضَعْفِ الْأُولَى بِعَدَمِ الِانْعِكَاسِ (وَفِي الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ أَقْوَالٌ) أَحَدُهَا تَرْجِيحُ الْمُتَعَدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْيَدُ بِالْإِلْحَاقِ بِهَا، وَالثَّانِي الْقَاصِرَةُ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهَا أَقَلُّ. (ثَالِثُهَا) هُمَا (سَوَاءٌ) لِتَسَاوِيهِمَا فِيمَا يَتَفَرَّدَانِ بِهِ مِنْ الْإِلْحَاقِ فِي الْمُتَعَدِّيَةِ وَعَدَمِهِ فِي الْقَاصِرَةِ (وَفِي الْأَكْثَرِ فُرُوعًا) مِنْ الْمُتَعَدِّيَتَيْنِ (قَوْلَانِ) كَقَوْلَيْ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ، وَيَأْتِي التَّسَاوِي هُنَا لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. (وَ) يُرَجَّحُ (الْأَعْرَفُ مِنْ الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ) أَيْ الشَّرْعِيَّةِ كَحُدُودِ الْأَحْكَامِ (عَلَى الْأَخْفَى) مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَى إلَى مَقْصُودِ التَّعْرِيفِ مِنْ الثَّانِي. أَمَّا الْحُدُودُ الْعَقْلِيَّةُ كَحُدُودِ الْمَاهِيَّاتِ وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْغَرَضُ هُنَا (وَالذَّاتِيُّ عَلَى الْعَرَضِيِّ) ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْأَوَّلِ يُفِيدُ كُنْهَ الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي، (وَالصَّرِيحُ) مِنْ اللَّفْظِ عَلَى غَيْرِهِ بِتَجَوُّزٍ أَوْ اشْتِرَاكٍ لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ إلَى التَّعْرِيفِ بِالثَّانِي (وَالْأَعَمُّ) عَلَى الْأَخَصِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْأَعَمِّ أَفْيَدُ لِكَثْرَةِ الْمُسَمَّى فِيهِ، وَقِيلَ يُرَجَّحُ الْأَخَصُّ أَخْذًا بِالْمُحَقَّقِ فِي الْحُدُودِ (وَمُوَافَقَةُ نَقْلِ السَّمْعِ وَاللُّغَةِ) ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِمَا يُخَالِفُهُمَا إنَّمَا يَكُونُ لِنَقْلٍ عَنْهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَرُجْحَانُ طَرِيقِ اكْتِسَابِهِ) أَيْ الْحَدِّ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ بِصِحَّتِهِ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ (وَالْمُرَجِّحَاتُ لَا تَنْحَصِرُ) لِكَثْرَتِهَا جِدًّا (وَمُثَارُهَا غَلَبَةُ الظَّنِّ) أَيْ قُوَّتُهُ، (وَسَبَقَ كَثِيرٌ) مِنْهَا (فَلَمْ نَعُدُّهُ) حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ مِنْهُ تَقْدِيمُ بَعْضِ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى بَعْضٍ وَبَعْضُ مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ عَلَى بَعْضٍ كَالْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَتَقْدِيمُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَالْعُرْفِيِّ عَلَى اللُّغَوِيِّ فِي خِطَابِ الشَّارِعِ، وَتَقْدِيمُ بَعْضِ صُوَرِ النَّصِّ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ عَلَى بَعْضٍ وَتَقْدِيمُ بَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاعِثَةِ، هَذَا وَلَيْسَ فِي اعْتِرَاضِ الْمُصَنِّفِ كَثِيرُ جَدْوَى اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ وَالْمُطَّرِدَةِ) أَيْ الْمُسْتَلْزِمِ وُجُودُهَا وُجُودَ الْحُكْمِ وَالْمُنْعَكِسَةُ هِيَ الْمُسْتَلْزِمُ عَدَمُهَا عَدَمَ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: أَشَدُّ مِنْ ضَعْفِ الْأُولَى) لِعَدَمِ الِاطِّرَادِ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ أَظْهَرُ مِنْ الْعَدَمِ فَالتَّخَلُّفُ فِيهِ أَشَدُّ ضَعْفًا (قَوْلُهُ: لِتَسَاوِيهِمَا) فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةُ نَقْضٍ وَجِهَةُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ) أَيْ مِنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّعَدِّي فِي إحْدَاهُمَا وَالْقُصُورُ فِي الْأُخْرَى. (قَوْلُهُ: وَيُرَجَّحُ الْأَعْرَفُ) أَيْ الْأَشْهَرُ وَالْمُرَادُ بِالْحُدُودِ مُطْلَقُ التَّعْرِيفَاتِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا سَمْعِيَّةً أَنَّ مَحْدُودَهَا مَسْمُوعٌ مِنْ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: إلَى مَقْصُودِ التَّعْرِيفِ) مِنْ الْكَشْفِ وَالْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْحُدُودُ الْعَقْلِيَّةُ) نِسْبَةً إلَى الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَحْدُودَهَا عَقْلِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْغَرَضُ هُنَا) ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِيَّ إنَّمَا يَبْحَثُ عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ (قَوْلُهُ: وَالذَّاتِيُّ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمُعْتَبَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الذَّاتِيُّ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَعَمُّ) الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ أَكْثَرَ أَفْرَادًا وَأَشْمَلَ لَهَا وَبِالْأَخَصِّ ضِدُّهُ لَا الْأَعَمُّ وَالْأَخَصُّ بِاصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ (قَوْلُهُ: أَخْذًا بِالْمُحَقَّقِ إلَخْ) لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مَاهِيَّةُ الْمَحْدُودِ قَاصِرَةً عَلَى هَذِهِ الْأَفْرَادِ. (قَوْلُهُ: وَرُجْحَانُ) عَطْفٌ عَلَى الْأَعْرَفِ أَيْ وَيُرَجَّحُ الْأَرْجَحُ مِنْ طُرُقِ اكْتِسَابِ الْحَدِّ فَيُقَدَّمُ الْحَدُّ الَّذِي طَرِيقُ اكْتِسَابِهِ أَرْجَحُ مِنْ طَرِيقِ اكْتِسَابِ حَدٍّ آخَرَ كَكَوْنِ طَرِيقِ الْأَوَّلِ قَطْعِيًّا وَالثَّانِي ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ السَّمْعِيَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ النَّقْلِ وَطُرُقُ النَّقْلِ تَقْبَلُ الْقُوَّةَ وَالضَّعْفَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: اكْتِسَابِهِ) أَيْ اكْتِسَابِ أَجْزَاءِ الْحَدِّ وَإِلَّا فَبَعْدَ تَحْصِيلِ أَجْزَاءِ الْحَدِّ فَلَا طَرِيقَ لِاكْتِسَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَسَبُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَثَارُهَا) أَيْ ضَابِطُهَا وَإِلَّا فَهِيَ مَثَارُ الظَّنِّ.

[الكتاب السابع في الاجتهاد]

صُوَرِ الْمُنَاسِبِ عَلَى بَعْضٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (الْكِتَابُ السَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ) : (الِاجْتِهَادُ) الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْفُرُوعِ (اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ) بِأَنْ يَبْذُلَ تَمَامَ طَاقَتِهِ فِي النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ (لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَقِيهٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ شَرْعِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْكِتَابُ السَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ] الْمُرَادُ مُطْلَقُ الِاجْتِهَادِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِيهِ اجْتِهَادَ الْمَذْهَبِ وَالْفُتْيَا، وَأَعَادَهُ اسْمًا ظَاهِرًا مُرَادًا بِهِ الِاجْتِهَادُ فِي الْفُرُوعِ فَفِيهِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ وَهُوَ لُغَةً افْتِعَالٌ مِنْ الْجَهْدِ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَهُوَ الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الصَّخْرَةِ وَلَا يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الْخَرْدَلَةِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَبْذُلَ إلَخْ) بَيَانٌ لِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ وَقَوْلُهُ تَمَامَ طَاقَتِهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْوُسْعِ، وَالْمُرَادُ بِتَمَامِ طَاقَتِهِ تَمَامُ مَقْدُورِهِ إذْ الْوُسْعُ بِالضَّمِّ الْمَقْدُورُ فَلَوْ قَالَ مِنْ النَّظَرِ بَدَلَ فِي النَّظَرِ كَانَ أَوْضَحَ اهـ. نَاصِرٌ. وَوُجِّهَ سم بِأَنَّ الْمَقْدُورَ هُوَ نَفْسُ النَّظَرِ فَالتَّعْبِيرُ بِمِنْ لِيَكُونَ بَيَانًا لِتَمَامِ طَاقَتِهِ الَّذِي هُوَ تَمَامُ مَقْدُورِهِ أَوْضَحُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِفِي الْمُوجِبِ لِإِشْكَالِ الظَّرْفِيَّةِ وَالْمُحْوِجُ إلَى التَّكَلُّفِ فِيهَا؛ لِأَنَّ تَمَامَ طَاقَتِهِ هُوَ النَّظَرُ وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ مَبْذُولًا فِي نَفْسِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ تَمَامَ الطَّاقَةِ وَالْمَقْدُورَ لَيْسَ نَفْسَ النَّظَرِ بَلْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فَلَا إشْكَالَ فِي الظَّرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ مِنْ الْمَقْدُورَاتِ يُبْذَلُ فِي حُصُولِهِ اهـ. قَالَ الْبُدَخْشِيُّ وَالْمُرَادُ الِاسْتِفْرَاغُ بِحَيْثُ يُحِسُّ مِنْ النَّفْسِ الْعَجْزَ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ اجْتِهَادُ الْمُقَصِّرِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الِاصْطِلَاحِ اجْتِهَادًا مُعْتَبَرًا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَنْ تَرَكَ هَذَا الْقَيْدَ جَعَلَ الِاجْتِهَادَ أَعَمَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْفَقِيهِ

فَخَرَجَ اسْتِفْرَاغُ غَيْرِ الْفَقِيهِ وَاسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ لِتَحْصِيلِ قَطْعٍ بِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ، وَالظَّنُّ الْمُحَصَّلُ هُوَ الْفِقْهُ الْمُعَرَّفُ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ إلَخْ فَلَوْ عَبَّرَ هُنَا بِالظَّنِّ بِالْأَحْكَامِ كَانَ أَحْسَنَ، وَالْفَقِيهُ فِي التَّعْرِيفِ بِمَعْنَى الْمُتَهَيِّئِ لِلْفِقْهِ مَجَازًا شَائِعًا، وَيَكُونُ بِمَا يُحَصِّلُهُ فَقِيهًا حَقِيقَةً وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُجْتَهِدُ الْفَقِيهُ) كَمَا قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ وَالْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْدُقُ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَلِتَحَقُّقِهِ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ أَوْ الْفَقِيهُ مِنْ حَيْثُ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ (الْبَالِغُ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكْمُلْ عَقْلُهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ قَوْلُهُ (الْعَاقِلُ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا تَمْيِيزَ لَهُ يَهْتَدِي بِهِ لِمَا يَقُولُهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ (أَيْ ذُو مَلَكَةٍ) هِيَ (الْهَيْئَةُ الرَّاسِخَةُ فِي النَّفْسِ) يُدْرِكُ بِهَا الْمَعْلُومَ أَيْ مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَعْلَمَ وَهَذِهِ الْمَلَكَةُ الْعَقْلُ. (وَقِيلَ الْعَقْلُ نَفْسُ الْعِلْمِ) أَيْ الْإِدْرَاكُ ضَرُورِيًّا كَانَ أَوْ نَظَرِيًّا (وَقِيلَ ضَرُورِيُّهُ) فَقَطْ وَصِدْقُ الْعَاقِلِ عَلَى ذِي الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ عَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضُوعٌ فِي مَحَلٍّ شَرْعِيِّ الْمَزِيدِ فَيَخْرُجُ بِهِ مَا يُحْتَرَزُ بِشَرْعِيٍّ عَنْهُ، وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْرَاغٌ لِذَلِكَ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَقِيهٌ وَلِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُحْتَرَزَاتِ اسْتِغْنَاءً بِقَوْلِهِ فَلَا حَاجَةَ، وَقَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِفْرَاغِ الْمُقَيَّدِ بِجَمِيعِ الْقُيُودِ الَّتِي قَبْلَهُ وَوَصْفُهُ مِنْ حَيْثُ آخِرًا إشَارَةٌ إلَى وُقُوعِهِ مَوْقِعَ شَرْعِيٍّ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ اهـ. نَاصِرٌ. (قَوْلُهُ: بِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ) قَيَّدَ بِالْعَقْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَاصِلٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى اجْتِهَادٍ (قَوْلُهُ: كَانَ أَحْسَنَ) أَيْ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ قَالَ النَّاصِرُ: وَالْمُنَاسِبُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ مَا عَبَّرَ بِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: مَجَازًا شَائِعًا) مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ الْفَقِيهِ عَلَى الْمُتَهَيِّئِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَيُجَابُ بِأَنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَاللُّغَةُ كَذَلِكَ، وَصَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي اصْطِلَاحِ هَذَا الْفَنِّ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْفَقِيهِ الْمُتَهَيِّئُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْدُقُ) أَيْ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّعْرِيفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ بَيَانٍ لِمَا صَدَقَ فَتَسَاوَى الْأَفْرَادُ وَاخْتَلَفَ الْمَفْهُومُ (قَوْلُهُ: وَيَتَحَقَّقُ بِشُرُوطٍ) شُرُوطُ التَّحَقُّقِ هِيَ أَخَصُّ الشُّرُوطِ وَأَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْمَاهِيَّةِ لَا يُوجَدُ إلَّا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ) أَيْ كَوْنُهُ فَقِيهًا لَا مِنْ حَيْثُ مَفْهُومُهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُعْتَبَرَ) عِلَّةً لِلْكَمَالِ الْمَنْفِيِّ وَحَتَّى بِمَعْنَى كَيْ (قَوْلُهُ: أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ إلَخْ) لَا الْمَعْلُومُ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ ضَرُورِيُّهُ)

لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِنْسَانِ كَعِلْمِهِ بِوُجُودِ نَفْسِهِ كَمَا يَصْدُقُ لِذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَأْتِي مِنْهُ النَّظَرُ كَالْأَبْلَهِ (فَقِيهُ النَّفْسِ) أَيْ شَدِيدُ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ لِمَقَاصِدِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الِاسْتِنْبَاطُ الْمَقْصُودُ بِالِاجْتِهَادِ (وَإِنْ أَنْكَرَ الْقِيَاسَ) فَلَا يَخْرُجُ بِإِنْكَارِهِ عَنْ فَقَاهَةِ النَّفْسِ، وَقِيلَ يَخْرُجُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ (وَثَالِثُهَا إلَّا الْجَلِيُّ) فَيَخْرُجُ بِإِنْكَارِهِ لِظُهُورِ جُمُودِهِ (الْعَارِفُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ) أَيْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ (وَالتَّكْلِيفُ بِهِ) فِي الْحُجِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ حُجَّةٌ فَيَتَمَسَّكُ بِهِ إلَى أَنْ يُصْرَفَ عَنْهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ (ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى لُغَةً وَعَرَبِيَّةً) مِنْ نَحْوٍ وَتَصْرِيفٍ (وَأُصُولًا وَبَلَاغَةً) مِنْ مَعَانٍ وَبَيَانٍ (وَمُتَعَلَّقَ الْأَحْكَامِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مَا تَتَعَلَّقُ هِيَ بِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِضَافَةِ لِلضَّمِيرِ أَيْ ضَرُورِيُّ الْعِلْمِ أَيْ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ وَالْمُرَادُ بَعْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنَّ مَنْ فَقَدَ الْعِلْمَ بِمُدْرِكٍ لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ غَيْرُ عَاقِلٍ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ضَرُورِيَّهُ يُقْرَأُ بِالتَّاءِ أَيْ عُلُومٌ ضَرُورِيَّةٌ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اتِّصَافُ الْعَاقِلِ بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ لَا مِنْ حَيْثُ اتِّصَافُهُ بِالْعِلْمِ النَّظَرِيِّ لِصِدْقِ الْعَاقِلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا يَصْدُقُ لِذَلِكَ أَيْ لِأَجَلِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ عَلَى مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْأَبْلَهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِالطَّبْعِ) أَخَذَهُ مِنْ إضَافَةِ فَقِيهٍ لِلنَّفْسِ أَوْ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ فِقْهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ السَّجَايَا وَقَوْلُهُ شَدِيدٌ أَخَذَهُ مِنْ مَادَّةِ فَقِيهٍ وَقَوْلُهُ الْفَهْمُ أَخَذَهُ مِنْ مَعْنَى الْفِقْهِ وَقَوْلُهُ لِمَقَاصِدِ الْكَلَامِ مُتَعَلِّقٌ بِشَدِيدِ الْفَهْمِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ اسْتِخْرَاجَاتِ الصُّوفِيَّةِ وَإِشَارَاتِهِمْ الْمَفْهُومَةِ لَهُمْ فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِقْهًا وَاسْتِعْمَالُ الْفَقِيهِ بِمَعْنَى الْعَارِفِ بِالْفِقْهِ عُرْفِيٌّ أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ بِهِ) أَيْ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَيْ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ وَقَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحُجِّيَّةِ أَيْ فِي كَوْنِهِ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ حُجِّيَّةٌ أَيْ يُعْلَمُ أَنَّا مُكَلَّفُونَ بِهَا مَا لَمْ يَرِدْ مَا يَصْرِفُ عَنْهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَعَرَبِيَّةٌ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ إذْ اللُّغَةُ مِنْ أَفْرَادِهَا فَإِنَّهَا تَشْمَلُ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَمًا جَمَعْتهَا فِي قَوْلِي: نَحْوٌ وَصَرْفٌ عُرُوضٌ بَعْدَهُ لُغَةٌ ... ثُمَّ اشْتِقَاقٌ وَقَرْضُ الشِّعْرِ إنْشَاءُ كَذَا الْمَعَانِي بَيَانُ الْخَطِّ قَافِيَّةٌ ... تَارِيخُ هَذَا لِعِلْمِ الْعُرْبِ إحْصَاءُ وَبُلُوغُهَا إلَى هَذَا الْحَدِّ تَسَامُحٌ فِي الْعَدِّ كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ قَرْضَ الشِّعْرِ مِنْ فَوَائِدِ عِلْمِ الْعَرُوضِ وَالْإِنْشَاءَ ثَمَرَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَجْمُوعِهِمَا وَالتَّارِيخُ لَيْسَ بِعِلْمٍ بَلْ هُوَ نَقْلٌ مَحْضٌ، وَالِاشْتِقَاقُ دَاخِلٌ فِي عِلْمِ الصَّرْفِ عَلَى مَا تَحَرَّرَ، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي حَوَاشِي لَامِيَّةِ الْأَفْعَالِ وَالْبَلَاغَةُ ثَمَرَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى مَجْمُوعَيْ عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ مَعَ مُقَدِّمَاتِهَا مِنْ النَّحْوِ وَالصَّرْفِ وَاللُّغَةِ وَاشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْبَلَاغَةِ فِي الْمُجْتَهِدِ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِرُجُوعِهَا إلَى الْمُخَاطَبَاتِ عَلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ تَحَقَّقَ قَبْلَ تَدْوِينِهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ هُوَ النَّحْوُ وَالصَّرْفُ وَالْبَيَانُ لَا غَيْرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأُصُولًا) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عِلْمُ الْأُصُولِ قَدْ دُوِّنَ بَعْدَ تَقَدُّمِ نَحْوِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (قَوْلُهُ: بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ

(مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ الْمُتُونَ) أَيْ الْمُتَوَسِّطَ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ لِيَتَأَتَّى لَهُ الِاسْتِنْبَاطُ الْمَقْصُودُ بِالِاجْتِهَادِ، أَمَّا عِلْمُهُ بِآيَاتِ الْأَحْكَامِ وَأَحَادِيثِهَا أَيْ مَوَاقِعِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فَلِأَنَّهَا الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهُ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ فَلِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ كَيْفِيَّةَ الِاسْتِنْبَاطِ وَغَيْرِهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِالْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ بَلِيغٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِذَلِكَ ارْتِبَاطُهَا بِهِ ارْتِبَاطَ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَوَسِّطَ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ النِّهَايَةَ فِي تِلْكَ الْعُلُومِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ يُبَلِّغَ اجْتِهَادَهُ لِلنَّاسِ وَلِذَلِكَ يُرْوَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ فِي الْمَطَافِ مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ أَنِّي بَلَغْت دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ لَهُ سَيِّدِي وَلِمَ لَمْ تُظْهِرْهُ فَقَالَ أَخَافُ مِنْ تَشْنِيعِهِمْ عَلَيَّ كَمَا شَنَّعُوا عَلَى السُّيُوطِيّ هَكَذَا رَأَيْت هَذِهِ الْحِكَايَةَ مَسْطُورَةً بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ، وَأَظُنُّهَا مَوْضُوعَةً فَإِنَّ بُلُوغَ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ رُبَّمَا تَقْطَعُ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ، وَالْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ أَدَوَاتُ الِاجْتِهَادِ لَمَّا ادَّعَاهُ قَامَ عَلَيْهِ النَّكِيرُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَفَرْقٌ مَا بَيْنَ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيِّ فِي مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْوُقُوفِ عَلَى تَآلِيفِهِمَا، وَقَدْ ادَّعَى الْمُصَنِّفُ بُلُوغَ وَالِدِهِ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ فَقَالَ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ فَإِنْ قُلْت مَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ بُلُوغِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَقَدْ خَلَا الْعَصْرُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ، وَهَذَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْقَفَّالُ شَيْخُ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ الْوَسِيطِ سَاكِتِينَ عَلَيْهِ قُلْت قَدْ نَظَرْت هَذَا الْكَلَامَ وَفَكَّرْت فِيهِ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ وَمَنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ إنَّمَا أَرَادُوا خَلَا عَنْ مُجْتَهِدٍ قَائِمٍ بِأَعْبَاءِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلِي الْقَضَاءَ فِي زَمَانِهِمْ مَرْمُوقٌ وَلَا مَنْظُورٌ إلَيْهِ بِكَثِيرِ عِلْمٍ بَلْ كَانَتْ جَهَابِذَةُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ يَرْبَئُونَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ الْقَضَاءِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ مُجْتَهِدٍ هَذَا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَالْقَفَّالُ نَفْسُهُ كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ أَتَسْأَلُنِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَمْ مَا عِنْدِي وَقَالَ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُمْ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ مُوَافِقِينَ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ فَمَا هَذَا الْكَلَامُ مَنْ يَدَّعِي زَوَالَ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ قَالَتْ طَوَائِفُ لَا يَخْلُو كُلُّ عَصْرٍ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ يُعْجِبُنِي فِيهَا قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ، وَهَذَا الْقَرْنُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ قَدْ كَانَ فِيهِ هَذَانِ الرَّجُلَانِ وَهُمَا الْوَالِدُ وَقَبْلَهُ شَيْخُهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَانَ مِنْ أَقْرَان ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مُجْتَهِدٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَمَا اخْتَلَفَ تَلَامِذَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَنَّهُ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَهَكَذَا لَا يُعْهَدُ عَصْرٌ إلَّا وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ فِيهِ الْحُجَّةَ بِعَالِمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَنْ تَبْرَحَ حُجَّةُ اللَّهِ قَائِمَةً وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُ الْقَائِمِينَ وَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ ظُهُورُهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ. (قَوْلُهُ: لِيَتَأَتَّى لَهُ الِاسْتِنْبَاطُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رُفِعَتْ إلَيْهِ أَيْ الْمُجْتَهِدِ وَاقِعَةٌ فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ فَعَلَى الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ ثُمَّ عَلَى الْآحَادِ، فَإِنْ أَعْوَزَهُ لَمْ يَخُضْ فِي الْقِيَاسِ بَلْ يَلْتَفِتُ إلَى ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ فَإِنْ وَجَدَ ظَاهِرًا نَظَرَ فِي الْمُخَصَّصَاتِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ خَبَرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَخْصِيصًا حَكَمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى لَفْظٍ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ نَظَرَ إلَى الْمَذَاهِبِ فَإِنْ وَجَدَهَا مَجْمَعًا عَلَيْهَا اتَّبَعَ الْإِجْمَاعَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إجْمَاعًا خَاضَ فِي الْقِيَاسِ، وَيُلَاحِظُ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ أَوَّلًا وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقِّلِ يُقَدِّمُ قَاعِدَةَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْآلَةِ فَإِنْ عَدِمَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً نَظَرَ فِي النُّصُوصِ وَمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَدَهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ أَلْحَقَ بِهِ وَإِلَّا انْحَدَرَ إلَى قِيَاسٍ مُخَيَّلٍ فَإِنْ أَعْوَزَهُ تَمَسَّكَ بِالشَّبَهِ وَلَا يَعُودُ عَلَى طَرْدٍ إنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَعْرِفُ مَأْخَذَ الشَّرْعِ هَذَا تَدْرِيجُ النَّظَرِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَقَدْ أَخَّرَ الْإِجْمَاعَ عَنْ الْأَخْبَارِ وَذَلِكَ تَأْخِيرُ مَرْتَبَةٍ لَا تَأْخِيرُ عَمَلٍ إذْ الْعَمَلُ بِهِ مُقَدَّمٌ لَكِنَّ الْخَبَرَ يَتَقَدَّمُ فِي الْمَرْتَبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُسْتَنِدٌ قَبُولَ الْإِجْمَاعِ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَوَاقِعُهَا) أَيْ مَوَاضِعُ ذِكْرِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا) فَيَكْفِيهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ الْأُصُولِ

(وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (هُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (مَنْ هَذِهِ الْعُلُومُ مَلَكَةٌ لَهُ، وَأَحَاطَ بِمُعْظَمِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَمَارَسَهَا بِحَيْثُ اكْتَسَبَ قُوَّةً يَفْهَمُ بِهَا مَقْصُودَ الشَّارِعِ) فَلَمْ يَكْتَفِ بِالتَّوَسُّطِ فِي تِلْكَ الْعُلُومِ وَضَمَّ إلَيْهَا مَا ذُكِرَ (وَيُعْتَبَرُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (لَا يَقَعُ الِاجْتِهَادُ لَا لِكَوْنِهِ صِفَةً فِيهِ بَلْ كَوْنُهُ خَبِيرًا بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِمَوَاقِعِهِ قَدْ يَخْرِقُهُ حَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ (وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِهِمَا قَدْ يَعْكِسُ (وَأَسْبَابِ النُّزُولِ) فَإِنَّ الْخِبْرَةَ بِهَا تُرْشِدُ إلَى فَهْمِ الْمُرَادِ. (وَشَرْطِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ) الْمُحَقِّقِ لَهُمَا الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ الثَّانِي لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِهِ قَدْ يَعْكِسُ (وَالصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ) مِنْ الْحَدِيثِ لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِهِمَا قَدْ يَعْكِسُ (وَحَالِ الرُّوَاةِ) فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لِيُقَدِّمَ الْمَقْبُولَ عَلَى الْمَرْدُودِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِذَلِكَ قَدْ يَعْكِسُ وَفِي نُسْخَةٍ وَسِيَرِ الصَّحَابَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بِعَدَالَتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَكْفِي) فِي الْخِبْرَةِ بِحَالِ الرُّوَاةِ (فِي زَمَانِنَا الرُّجُوعُ إلَى أَئِمَّةِ ذَلِكَ) مِنْ الْمُحَدِّثِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ لِتَعَذُّرِهِمَا فِي زَمَانِنَا إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَهُمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ فَالْخِبْرَةُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ اعْتَبَرُوهَا فِي الْمُجْتَهِدِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَبَيَّنَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ لَا صِفَةٌ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْمُجْتَهِدِ (عِلْمُ الْكَلَامِ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِنْبَاطِ لِمَنْ يَجْزِمُ بِعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ تَقْلِيدًا (وَ) لَا (تَفَارِيعُ الْفِقْهِ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا رَاجَعَهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَاقِعَةِ ظَنَّ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا، وَمَثَّلَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ الْأَصْلَ بِسُنَنِ أَبِي دَاوُد. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ مَا قَبْلَهُ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ الْمُجْتَهِدِ الْمُفَسِّرِ بِظَانِّ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِحَقِيقَةِ الْمُجْتَهِدِ بِمَعْنَى الْمُتَهَيِّئِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِهَا مَلَكَةً لَهُ. (قَوْلُهُ: لِإِيقَاعِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: لَا لِكَوْنِهِ صِفَةً فِيهِ) أَيْ لَا لِكَوْنِ الِاجْتِهَادِ صِفَةً لَهُ بِتَهْيِئَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُتَهَيِّئًا مَعَ عَدَمِ خِبْرَتِهِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِرَاضِ أَصْحَابِ مُجْتَهِدِيهَا فَطَرِيقُ النَّقْلِ قَدْ انْقَطَعَ وَلَمْ يُجْمِعْ عَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ جَمِيعُ مُجْتَهِدِي الْأُمَّةِ. (قَوْلُهُ: لَا اعْتِبَارَ بِهِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْخَرْقَ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا لَا اعْتِدَادَ بِهِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْحَسَنَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَرَاتِبَ الصَّحِيحِ وَمَرَاتِبَ الْحَسَنِ أَيْ يَعْلَمُ مَاصَدَقَاتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالضَّعِيفَةِ لَا أَنْ يَعْرِفَ مَفَاهِيمَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ عِلْمِ الْحَدِيثِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ إذَا ظَفِرَ بِحَدِيثٍ يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّؤَالُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لَزِمَهُ سَمَاعُهُ لِيَكُونَ أَصْلًا فِي اجْتِهَادِهِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَا وَعَلَى مُتَحَمِّلِ السُّنَّةِ أَنْ يَرْوِيَهَا إذَا سُئِلَ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُهُ رِوَايَتُهَا إذْ لَمْ يُسْأَلْ إلَّا أَنْ يَجِدَ النَّاسَ عَلَى خِلَافِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَالِ الرُّوَاةِ) وَمِنْهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي الرُّوَاةِ وَهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بِعَدَالَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا عُدُولًا لَمْ يَتَوَقَّفْ قَبُولُ رِوَايَتِهِمْ عَلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِهِمْ فَلَا مَعْنَى لِتَوَقُّفٍ إيقَاعِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لَيْسَتْ كَغَيْرِهِمْ لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْمُرَجِّحَاتِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَفَارِيعُ الْفِقْهِ قَدَّرَ لَا فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ النَّفْيَ مُنْصَبٌّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرُدَّ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ) أَيْ فَلَوْ جُعِلَتْ شَرْطًا فِيهِ لَزِمَ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَوْ قَالَ إنَّمَا تَحْصُلُ كَانَ أَظْهَرَ إذْ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الِاجْتِهَادِ هُوَ الْحُصُولُ لَا الْإِمْكَانُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْإِمْكَانَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ إمْكَانٌ وُقُوعِيٌّ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ إمْكَانٌ ذَاتِيٌّ وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَمَنْشَأُ الْإِشْكَالِ

فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ فِيهِ (وَ) لَا (الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ قُوَّةُ الِاجْتِهَادِ وَإِنْ كُنَّ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ عَنْ الرِّجَالِ، وَكَذَا الْبَعْضُ الْعَبِيدُ بِأَنْ يَنْظُرَ حَالَ التَّفَرُّغِ عَنْ خِدْمَةِ السَّيِّدِ (وَكَذَا الْعَدَالَةُ) لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ (عَلَى الْأَصَحِّ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاسِقِ قُوَّةُ الِاجْتِهَادِ وَقِيلَ تُشْتَرَطُ لِيُعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ. (وَلِيَبْحَثَ عَنْ الْمُعَارِضِ) كَالْمُخَصِّصِ وَالْمُقَيَّدِ وَالنَّاسِخِ (وَ) عَنْ (اللَّفْظِ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ) تَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ أَيْ عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لِيَسْلَمَ مَا يَسْتَنْبِطُهُ عَنْ تَطَرُّقِ الْخَدْشِ إلَيْهِ لَوْ لَمْ يَبْحَثْ، وَهَذَا أَوْلَى لَا وَاجِبٌ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْ حِكَايَةِ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْبَحْثِ عَنْ صَارِفِ صِيغَةِ أَفْعَلَ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى غَيْرِهِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ فِي كُلِّ مُعَارِضٍ. (وَدُونَهُ) أَيْ دُونَ الْمُجْتَهِدِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ (مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ) الَّتِي يُبْدِيهَا (عَلَى نُصُوصِ إمَامِهِ) فِي الْمَسَائِلِ. (وَدُونَهُ) أَيْ دُونَ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ (مُجْتَهِدُ الْفُتْيَا وَهُوَ الْمُتَبَحِّرُ) فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ (الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَرْجِيحِ قَوْلٍ) لَهُ (عَلَى آخَرَ) أَطْلَقَهُمَا. (وَالصَّحِيحُ جَوَازُ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ) بِأَنْ تَحْصُلَ لِبَعْضِ النَّاسِ قُوَّةُ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ كَالْفَرَائِضِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَدِلَّتَهُ بِاسْتِقْرَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ مُجْتَهِدٍ كَامِلٍ، وَيَنْظُرَ فِيهَا وَقَوْلُ الْمَانِعِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مُعَارِضٌ لِمَا عَلِمَهُ بِخِلَافِ مَا أَحَاطَ بِالْكُلِّ وَنَظَرَ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا. (وَ) الصَّحِيحُ (جَوَازُ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْتِبَاسُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُشْتَرَطُ لِيَعْتَمِدَ عَلَى قَوْلِهِ) تَبِعَ الزَّرْكَشِيَّ فِي جَعْلِ هَذَا مُقَابِلًا لِلْأَصَحِّ وَتَعَقَّبَهُ الْعِرَاقِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا إذْ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ لِاعْتِمَادِ قَوْلِهِ لَا يُنَافِي عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا لِاجْتِهَادِهِ إذْ الْفَاسِقُ يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ قَوْلُهُ اتِّفَاقًا أَيْ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ إلَى أَنَّهُ لَفْظِيٌّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَالنَّاسِخِ) لَا يُقَالُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامَ ثَمَّ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ دَلِيلٌ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهُنَا فِيمَا إذَا كَانَ دَلِيلٌ وَاحِدٌ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ حُكْمٌ فَيُطْلَبُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْبَحْثُ عَنْ مُعَارِضٍ مِنْ نَاسِخٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: أَيْ عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَحْثَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَا عَنْ اللَّفْظِ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْقَرِينَةُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ حِكَايَةِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ فَمَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَدُونَهُ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ دُونَ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَشْهُورِ فَلَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ مُبْتَدَأً. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ تَجَزُّؤُ الِاجْتِهَادِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُلَائِمُ مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّهُ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَيَنْظُرُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِمَاهِيَّةِ قُوَّةِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ كَوْنُهُ تَصْوِيرًا لِمَاهِيَّةِ الِاجْتِهَادِ أَيْ الِاسْتِفْرَاغِ لَا لِلْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ مَلَكَةٌ بِمَعْنَى التَّهَيُّؤِ تَأَمَّلْ. قَالَهُ النَّاصِرُ قَالَ سم وَمَبْنَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّظَرُ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُرَادُ النَّظَرُ فِي الْآلَاتِ الْمُحَصِّلَةِ لِقُوَّةِ الِاجْتِهَادِ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ كَوْنُ الْكَلَامِ فِي شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَمَا يُحَقِّقُهُ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] فَإِنَّهُ يَعُمُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرَهُ فَإِنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَى النَّاسِ بَصِيرَةً وَأَكْثَرَهُمْ اطِّلَاعًا عَلَى شَرَائِطِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ فَكَانَ الِاجْتِهَادُ عَلَيْهِ وَاجِبًا فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ، وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ أَشَقُّ مِنْ الْعَمَلِ بِالنَّصِّ وَالْأَشَقُّ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا وَالْأَفْضَلُ يَتْرُكُهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ وَلَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ النُّبُوَّةُ الَّتِي هِيَ مَعْدِنُ الْوَحْيِ وَسَائِرِ الْفَضَائِلِ، وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَبَيَّنَ الْفَارِسِيُّ وَجْهَ دَلَالَتِهِ فَقَالَ الرُّؤْيَةُ لِلْإِبْصَارِ نَحْوَ رَأَيْت زَيْدًا وَلِلْعِلْمِ نَحْوَ رَأَيْت زَيْدًا قَائِمًا وَلِلرَّأْيِ مِثْلَ أَرَى فِيهِ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ

{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] عُوتِبَ عَلَى اسْتِيفَاءِ أَسْرَى بَدْرٍ بِالْفِدَاءِ وَعَلَى الْإِذْنِ لِمَنْ ظَهَرَ نِفَاقُهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَا يَكُونُ الْعِتَابُ فِيمَا صَدَرَ عَنْ وَحْيٍ فَيَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِالتَّلَقِّي مِنْ الْوَحْيِ بِأَنْ يَنْتَظِرَهُ، وَالْقَادِرُ عَلَى الْيَقِينِ فِي الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ جَزْمًا وَرُدَّ بِأَنَّ إنْزَالَ الْوَحْيِ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ، (وَثَالِثُهَا) الْجَوَازُ وَالْوُقُوعُ فِي الْآرَاءِ (وَالْحُرُوبُ فَقَطْ) أَيْ وَالْمَنْعُ فِي غَيْرِهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ. (وَالصَّوَابُ أَنَّ اجْتِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْطِئُ) تَنْزِيهًا لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ عَنْ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ وَقِيلَ قَدْ يُخْطِئُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَرَاك لَا يَسْتَقِيمُ لِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ لِاسْتِحَالَتِهَا فِي الْأَحْكَامِ وَلَا لِلْعِلْمِ لِوُجُوبِ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ الثَّالِثِ لَهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الرَّأْيَ أَيْ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ رَأْيًا لَكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَحُذِفَ الْمَفْعُولَانِ مَعًا، وَإِنَّهُ جَائِزٌ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لِخَثْعَمَةَ «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» «وَقَوْلُهُ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَهُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْته أَكَانَ يَضُرُّك» فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قِيَاسٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلِمَ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ لَكِنَّهُ بَيَّنَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لِمَا كَانَ مُوَافِقًا لَهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ وَفِي الْمَنْخُولِ الْمُخْتَارُ أَنَّا لَا نَظُنُّ إسْنَادًا بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ، وَيُسَوَّغُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فَهَذَا حُكْمُ الْعَقْلِ جَوَازًا وَأَمَّا وُقُوعُهُ فَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْتَهِدُ فِي الْقَوَاعِدِ وَكَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ {أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] أَيْ مَأْخُوذًا مِنْهَا الْفِدَاءُ {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] أَيْ يُكْثِرَ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ وَيَكْسِرَ شَوْكَتَهُمْ ثُمَّ إنَّ مَنْ قَرَأَ تَكُونَ بِالتَّاءِ أَمَالَ أَسْرَى وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ لَمْ يُمِلْ أَسْرَى، وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِالتَّاءِ مَعَ عَدَمِ الْإِمَالَةِ فَلَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْقُرَّاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَلْفِيقٌ (قَوْلُهُ: لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِالتَّلَقِّي مِنْ الْوَحْيِ) أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يَتِمُّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالِاجْتِهَادِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا بَلْ عَلَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ قَدْ يُخْطِئُ، وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ بِانْحِصَارِ سَبَبِ الْيَقِينِ فِي التَّلَقِّي مِنْ الْوَحْيِ بَلْ سَبَبُ الْيَقِينِ عِنْدَهُمْ أَمْرَانِ التَّلَقِّي مِنْ الْوَحْيِ وَالتَّلَقِّي مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَتَمَامُ الدَّلِيلِ عَلَى الْخَصْمِ لَا يَتَأَتَّى مَعَ عَدَمِ تَسْلِيمِهِ وَفِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي الْفُرُوعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّصُوصِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْذِ بِالظَّنِّ مُطْلَقًا مَعَ إمْكَانِ الْقَطْعِ كَجَوَازِ الِاجْتِهَادِ بَيْنَ مِيَاهٍ تَنَجَّسَ بَعْضُهَا وَهُوَ عَلَى الشَّطِّ وَجَوَازِهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مَعَ إمْكَانِ الْمَصِيرِ إلَى الْيَقِينِ انْتَهَى وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقِبْلَةَ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ لِمَنْ فِي نَحْوِ دُورِ مَكَّةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِنَحْوِ الْخُرُوجِ لِمُشَاهَدَةِ الْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْيَقِينِ بِسُهُولَةٍ كَمَنْ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعَ نَحْوِ ظُلْمَةٍ فَتَأَمَّلْ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِمَنْعِ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَابْنُهُ أَبُو هَاشِمٍ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ فَهُوَ وَحَيٌّ وَهُوَ يَنْفِي الِاجْتِهَادَ. لِأَنَّهُ قَوْلُ الرَّأْيِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ رَدُّ مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ افْتِرَاءٌ فَيَخْتَصُّ بِمَا بَلَّغَهُ وَيَنْتَفِي الْعُمُومُ وَلَوْ سَلَّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَنْفِي الِاجْتِهَادَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَأْمُورٌ بِهِ فَلَيْسَ نُطْقًا بِهَوًى بَلْ هُوَ قَوْلٌ عَنْ الْوَحْيِ وَاسْتَدَلَّا أَيْضًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ فَلَوْ جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لَمَا أَخَّرَ بَلْ اجْتَهَدَ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بَلْ جَازَ التَّأْخِيرُ لِيَحْصُلَ الْيَأْسُ عَنْ النَّصِّ حَتَّى يَجُوزَ الِاجْتِهَادُ حِينَئِذٍ إذْ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَشْرُوطٌ بِالتَّيَقُّنِ بِعَدَمِ النَّصِّ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجِدْ أَصْلًا يَقِيسُ عَلَيْهِ وَوَجَدَ أَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ مِنْ شَرَائِطِ الْقِيَاسِ أَوْ لِأَنَّ اسْتِفْرَاغَ الْوُسْعِ يَسْتَدْعِي زَمَانًا (قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ) فَإِنَّهَا فِي الْحُرُوبِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ أَنَّ اجْتِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْطِئُ) اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ فَلَوْ أَخْطَأَ وَجَبَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ فَيَلْزَمُ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ الْخَطَأِ وَهُوَ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ قَدْ يُخْطِئُ) صَرَّحَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ مُخْتَارَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخَطَأُ فِي اجْتِهَادِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ الْقَرَارُ عَلَيْهِ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَرَأَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْذَ الْفِدْيَةِ

وَلَكِنْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ سَرِيعًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَتَيْنِ وَلِبَشَاعَةِ هَذَا الْقَوْلِ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّوَابِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاجْتِهَادَ جَائِزٌ فِي عَصْرِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ فِي الْحُكْمِ بِتَلَقِّيهِ مِنْهُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَحْيٌ فِي ذَلِكَ لَبَلَّغَهُ لِلنَّاسِ، (وَثَالِثُهَا) جَائِزٌ (بِإِذْنِهِ صَرِيحًا قِيلَ أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ) بِأَنْ سَكَتَ عَمَّنْ سَأَلَ عَنْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا، (وَرَابِعُهَا) جَائِزٌ (لِلْبَعِيدِ) عَنْهُ دُونَ الْقَرِيبِ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَتِهِ (وَخَامِسُهَا) جَائِزٌ (لِلْوُلَاةِ) حِفْظًا لِمَنْصِبِهِمْ عَنْ اسْتِنْقَاصِ الرَّعِيَّةِ لَهُمْ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ بِأَنْ يُرَاجِعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْجَوَازِ (أَنَّهُ وَقَعَ) وَقِيلَ لَا (وَثَالِثُهَا لَمْ يَقَعْ لِلْحَاضِرِ) فِي قُطْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَرَابِعُهَا الْوَقْفُ) عَنْ الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى الْوُقُوعِ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ تُقَتَّلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ حُكْمَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ. (مَسْأَلَةُ الْمُصِيبِ) مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرْبَ أَعْنَاقِهِمْ وَاسْتَصْوَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ وَاخْتَارَهُ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] الْآيَةَ أَيْ لَوْلَا حُكْمُ اللَّهِ سَبَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ أَنْ لَا يُعَاقِبَ أَحَدًا بِالْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ لَأَصَابَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ بِسَبَبِ أَخْذِكُمْ الْفِدْيَةَ وَتَرْكِكُمْ الْقَتْلَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ نَزَلَ بِنَا عَذَابٌ لَمَا نَجَا إلَّا عُمَرُ» فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى خَطَئِهِ فِي الِاجْتِهَادِ اهـ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ التَّوْضِيحِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ ثُمَّ الْعَمَلُ بِالرَّأْيِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ لِعُمُومِ فَاعْتَبِرُوا إلَى أَنْ قَالَ وَمُدَّةُ الِانْتِظَارِ مَا يُرْجَى نُزُولُهُ فَإِذَا خَافَ الْفَوْتَ فِي الْحَادِثَةِ يَعْمَلُ بِالرَّأْيِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُنَبِّهُ إلَخْ) . وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ مَا كَانَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِك بَعِيدٌ مِنْ سِيَاقِ مَا بَعْدَهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ (قَوْلُهُ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّوَابِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ مُقَابِلَهُ غَيْرُ صَوَابٍ. (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَحَيٌّ فِي ذَلِكَ لَبَلَّغَهُ لِلنَّاسِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْوَحْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْطِئُ بَلْ فِي تَلَقِّي الْحُكْمِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَحْيٍ أَوْ اجْتِهَادٍ مِنْهُ، وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ اقْتِصَارَ الْمُعْتَرِضِ عَلَى الْوَحْيِ لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. وَفِي التَّمْهِيدِ إذَا رُوِيَ حَدِيثٌ لِغَائِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَمِلَ بِهِ ثُمَّ لَقِيَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ سُؤَالُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ كِلَاهُمَا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ السُّؤَالُ إذَا حَضَرَ لَكَانَتْ الْهِجْرَةُ تَجِبُ إذَا غَابَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ الْحَدِيثُ إنْ دَلَّ عَلَى تَغْلِيظٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى تَرْخِيصٍ لَزِمَهُ (قَوْلُهُ وَثَالِثُهَا جَائِزٌ بِإِذْنِهِ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْ مُقَابَلَةِ هَذَا لِلثَّانِي أَنَّ الثَّانِيَ يُمْنَعُ عِنْدَ الْإِذْنِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْ شَيْءٍ مَعَ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهِ فَالثَّالِثُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُقَابِلُ الثَّانِيَ بَلْ يُوَافِقُهُ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُ مَا عَدَاهُ وَإِنَّمَا حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَطْلَقَ الْمَنْعَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّفْصِيلِ كَمَا تَعَرَّضَ لَهُ الثَّالِثُ فَحَكَاهُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنْهُ وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَوْلُ بِتَفْصِيلِ الثَّانِي اهـ. سم. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِذْنِ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ لَهُ شَيْءٌ وَيَتْرُكُهُ أَدَبًا. (قَوْلُهُ: عَنْ اسْتِنْقَاصِ الرَّعِيَّةِ لَهُمْ) فِيهِ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْكَمَالُ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِي الرَّعَايَا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَجْلَافِ الْأَعْرَابِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لِاسْتِدْلَالِ هَذَا الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ اُشْتُهِرَ) كَاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَشْتَهِرْ لِقِلَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَرَابِعُهَا الْوَقْفُ) اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِهِ وَمَا يُنْقَلُ مِنْ الْآحَادِ لَا يَكْفِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْوُقُوعِ إلَخْ) أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عِلْمِيَّةٌ وَهَذَا خَبَرُ آحَادٍ يُفِيدُ ظَنَّ الْوُقُوعِ لَا الْقَطْعَ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ تَتَبَّعَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ ظَفِرَ بِمَا يُفِيدُ مَجْمُوعُهُ التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتَلَ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ يَطْلُبُ سَلَبَهُ فَقَالَ رَجُلٌ سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي وَطَلَبَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

[مسألة المصيب من المختلفين في العقليات واحد]

(فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ) وَهُوَ مَنْ صَادَفَ الْحَقَّ فِيهَا لِتَعَيُّنِهِ فِي الْوَاقِعِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَثُبُوتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ. (وَنَافِي الْإِسْلَامِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَنَافِي بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُخْطِئٌ آثِمٌ كَافِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْحَقَّ (وَقَالَ الْجَاحِظُ وَالْعَنْبَرِيُّ لَا يَأْثَمُ الْمُجْتَهِدُ) فِي الْعَقْلِيَّاتِ الْمُخْطِئُ فِيهَا لِلِاجْتِهَادِ (قِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُسْلِمًا) فَهُوَ عِنْدَهُمَا مُخْطِئٌ غَيْرُ آثِمٍ (وَقِيلَ زَادَ الْعَنْبَرِيُّ) عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ (كُلٌّ) مِنْ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِيهَا (مُصِيبٌ) وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمَا قَبْلَ ظُهُورِهِمَا. (أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَاهَا اللَّهِ ذَا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ الرَّأْيِ دُونَ الْوَحْيِ وَصَوَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ صَدَقَ» أَيْ فِي الْحُكْمِ، وَأَمَّا لَاهَا اللَّهِ فَالْأَصْلُ لَا وَاَللَّهِ حَذَفَ الْوَاوَ وَعَوَّضَ عَنْهُ حَرْفَ التَّنْبِيهِ وَذَا مَقْسَمٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلِيلِ، وَالْمَعْنَى وَلَا وَاَللَّهِ لِلْأَمْرِ ذَا فَحُذِفَ الْأَمْرُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ إنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْقَسَمِ مُؤَكَّدًا كَأَنَّهُ قَالَ ذَا قَسَمِي وَالْمُرَادُ بِأَسَدٍ أَبُو قَتَادَةَ وَالْخِطَابُ فِي فَيُعْطِيك لِلرَّجُلِ الَّذِي عِنْدَهُ السَّلَبُ وَيَطْلُبُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرْضَاءَ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ ذَلِكَ السَّلَبِ، وَفَاعِلُ يُعْطِي وَيَعْمِدُ ضَمِيرٌ يَعُودُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةُ الْمُصِيبِ مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ] (قَوْلُهُ: فِي الْعَقْلِيَّاتِ) أَيْ فِيمَا دَلِيلُهُ عَقْلِيٌّ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُخْتَلِفِينَ دُونَ الْمُجْتَهِدِينَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا اجْتِهَادَ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ فِي الْأُصُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ (قَوْلُهُ: لِتَعَيُّنِهِ فِي الْوَاقِعِ) أَيْ بِخِلَافِ الشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا اتِّفَاقًا وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ الْعَنْبَرِيِّ وَالْجَاحِظِ؛ لِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُ فِيهِ بَحْثٌ إذْ الْبَعْضُ صَادِقٌ بِالْأَعْمَالِ الْفَرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كَمَا سَيَجِيءُ هُوَ الْأَعْمَالُ قَوْلِيَّةٌ أَوْ فِعْلِيَّةٌ وَالْأَعْمَالُ الْفَرْعِيَّةُ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَالْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ اجْتِهَادِيٌّ وَهَذَا فِي ثُبُوتِ الْخَطَإِ فِيهِ خِلَافٌ وَلَا خِلَافَ فِي انْتِفَاءِ كُفْرِهِ وَلَا إثْمَ فِيهِ اهـ. نَاصِرٌ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا سَيَأْتِي الَّذِي هُوَ الْأَعْمَالُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِيمَانُ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِبَعْضِهِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرُورَةً أَنَّهَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى الْإِسْلَامِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِطْلَاقُ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ غَيْرُ عَزِيزٍ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ، وَلَوْ سَلَّمَ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَعْلُومُ التَّخْصِيصِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي خَاتِمَةِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ فَحَاصِلُ مَا هُنَا مَعَ هُنَاكَ عَامٌّ وَخَاصٌّ أَوْ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ وَلَا إشْكَالَ فِيهِمَا بِوَجْهٍ وَلَا فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْآخَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَثِمَ) أَتَى بِهِ لِتَصِحَّ الْمُقَابَلَةُ بِقَوْلِ الْعَنْبَرِيِّ وَالْجَاحِظِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْحَقَّ) وَعَدَمُ مُصَادَفَةِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي الْقَطْعِيَّاتِ، وَنَقَلَ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَقَالَ النَّظَرِيَّاتُ قَطْعِيَّةٌ وَظَنِّيَّةٌ وَالْقَطْعِيَّةُ كَلَامِيَّةٌ وَأُصُولِيَّةٌ وَفِقْهِيَّةٌ وَنَعْنِي بِالْكَلَامِيَّةِ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ السَّمْعِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْمُحْدِثِ وَصِفَاتِهِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئُ آثِمٌ فَإِنْ أَخْطَأَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَكَافِرٌ وَإِلَّا فَآثِمٌ مُخْطِئٌ مُبْتَدِعٌ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ وَلَا يَلْزَمُ الْكُفْرُ. وَأَمَّا الْأُصُولِيَّةُ كَمِثْلِ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَدِلَّتُهُ قَطْعِيَّةٌ فَالْمُخَالِفُ فِيهَا آثِمٌ مُخْطِئٌ، وَأَمَّا الْفِقْهِيَّةُ فَالْقَطْعِيَّاتُ مِنْهَا مِثْلُ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَكُلُّ مَا عُلِمَ قَطْعِيًّا مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ فَإِنْ أَنْكَرَ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً مِنْ مَقْصُودِ الشَّارِعِ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَكَافِرٌ، وَإِنْ عُلِمَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ كَحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْفِقْهِيَّاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَآثِمٌ مُخْطِئٌ لَا كَافِرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْحَقَّ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ مُخْطِئٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُخْطِئًا أَنْ يَكُونَ آثِمًا وَلَا مِنْ كَوْنِهِ آثِمًا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَكَوْنُهُ آثِمًا كَافِرًا لَمْ تُذْكَرْ عِلَّتُهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْجَاحِظُ وَالْعَنْبَرِيُّ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ قِيلَ آثِمٌ. وَأَمَّا مُقَابِلُ مُخْطِئٌ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَقِيلَ زَادَ الْعَنْبَرِيُّ كُلُّ مُصِيبٍ فَفِي كَلَامِهِ نَشْرٌ وَلَفٌّ مُشَوَّشٌ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُسْلِمًا) أَيْ مُنْتَسِبًا إلَى الْإِسْلَامِ وَمُدَّعِيًا لَهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ كَافِرٌ

[المسألة التي لا قاطع فيها من مسائل الفقه]

مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ (فَقَالَ الشَّيْخُ) أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ (وَالْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ (وَابْنُ سُرَيْجٍ كُلٌّ مُجْتَهِدٌ) فِيهَا (مُصِيبٌ ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلَانِ حُكْمُ اللَّهِ) فِيهَا (تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ) فَمَا ظَنَّهُ فِيهَا مِنْ الْحُكْمِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مُقَلِّدِهِ (وَقَالَ الثَّلَاثَةُ) الْبَاقِيَةُ (هُنَاكَ مَا) أَيْ فِيهَا شَيْءٌ (لَوْ حَكَمَ) اللَّهُ فِيهَا (لَكَانَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُمْ الْمَذْكُورُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالُوا) أَيْضًا فِيمَنْ لَمْ يُصَادِفْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (أَصَابَ اجْتِهَادًا لَا حُكْمًا وَابْتِدَاءً لَا انْتِهَاءً) فَهُوَ مُخْطِئٌ حُكْمًا وَانْتِهَاءً (، وَالصَّحِيحُ وِفَاقًا لِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُصِيبَ) فِيهَا (وَاحِدٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى) فِيهَا (حُكْمٌ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ قِيلَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ) بَلْ هُوَ كَدَفِينٍ يُصَادِفُهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ أَمَارَةً وَأَنَّهُ أَيْ) الْمُجْتَهِدُ (مُكَلَّفٌ بِإِصَابَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ لِإِمْكَانِهَا وَقِيلَ لَا لِغُمُوضِهِ (وَأَنَّ مُخْطِئَهُ لَا يَأْثَمُ بَلْ يُؤْجَرُ) لِبَذْلِهِ وُسْعَهُ فِي طَلَبِهِ وَقِيلَ يَأْثَمُ لِعَدَمِ إصَابَتِهِ الْمُكَلَّفَ بِهَا. (أَمَّا الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي فِيهَا قَاطِعٌ) مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَاخْتُلِفَ فِيهَا لِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ (فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ وِفَاقًا) وَهُوَ مَنْ وَافَقَ ذَلِكَ الْقَاطِعَ (وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ) فِيمَا لَا قَاطِعَ فِيهَا وَهُوَ بَعِيدٌ (وَلَا يَأْثَمُ الْمُخْطِئُ) فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ (عَلَى الْأَصَحِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ نَفَى الْإِسْلَامَ (قَوْلُهُ: مُصِيبٌ) أَيْ بِحَسَبِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَبَذَلَ وَمَعَهُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُصِيبٌ فِي الْوَاقِعِ وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ طَوْرِ الْعُقَلَاءِ كَمَا إذَا أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا قِدَمَ الْعَالَمِ وَالْآخَرُ أَدْرَكَ بِاجْتِهَادِهِ حُدُوثَهُ وَفِي الْمَنْخُولِ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ لَا يُصَوَّبُ وَأَجْمَعَ الْعُقَلَاءُ عَلَيْهِ سِوَى الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ حَيْثُ صَوَّبَ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَلَا يُظَنُّ بِهِ طَرْدُ ذَلِكَ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ النُّبُوَّاتِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي خَلْقِ الْأَفْعَالِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ وَأَمْثَالِهَا. [الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ] (قَوْلُهُ: مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ) كَالْوِتْرِ وَكَالْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ، وَفِي الْمَنْخُولِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَجْرَانِ وَلِلْمُخْطِئِ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَغَلَا غَالُونَ وَأَثَّمُوا الْمُخْطِئَ وَصَارَ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي طَبَقَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُصِيبٌ. (قَوْلُهُ: حُكْمُ اللَّهِ فِيهَا تَابِعٌ إلَخْ) فَيَكُونُ الْحُكْمُ عِبَارَةً عَنْ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ (قَوْلُهُ: هُنَاكَ) أَيْ وَلَيْسَ هُنَاكَ حُكْمٌ فِي الْوَاقِعِ أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ بِالْفِعْلِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ فِيهِ أَحْكَامًا مُتَعَدِّدَةً حَصَلَ فِيهَا تَعَلُّقٌ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: لَوْ حَكَمَ اللَّهُ فِيهَا) أَيْ لَوْ تَعَلَّقَ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا وَإِصَابَةُ الْمُجْتَهِدِ عَلَى هَذَا مِنْ حَيْثُ مُصَادَفَتِهِ مَا لَوْ حَكَمَ اللَّهُ لَكَانَ بِهِ (قَوْلُهُ: أَصَابَ اجْتِهَادًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ وَاللَّازِمُ فِي الِاجْتِهَادِ لَيْسَ إلَّا بَذْلُ الْوُسْعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ وَقَوْلُهُ لَا حُكْمًا أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَعْلَمْ يُصَادِفْ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ حَكَمَ اللَّهُ كَانَ بِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَنْ لَمْ يُصَادِفْ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَقَوْلُهُ وَابْتِدَاءً أَيْ لِأَنَّهُ بَذْلُ وُسْعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ، وَهَذَا إنَّمَا يَبْدَأُ بِبَذْلِ وُسْعِهِ ثُمَّ تَارَةً يُؤَدِّيهِ إلَى الْمَطْلُوبِ وَتَارَةً لَا وَقَوْلُهُ لَا انْتِهَاءً أَيْ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ لَمْ يَنْتَهِ إلَى مُصَادَفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالْخَطَأُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَهُوَ مُخْطِئٌ حُكْمًا غَيْرُ الْخَطَأِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ حُكْمًا هُنَا مَعْنَاهُ عَدَمُ مُصَادَفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي لَوْ حَكَمَ اللَّهُ لَكَانَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْهُ بِهِ فَعُدَّ مُخْطِئًا هُنَا لِعَدَمِ إصَابَةِ مَا لَهُ الْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ وَالْخَطَأُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعْنَاهُ عَدَمُ مُصَادَفَةِ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ بِعَيْنِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُخْطِئٌ حُكْمًا) بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَصَابَهُ حُكْمًا (قَوْلُهُ: قِيلَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ) أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ارْتِبَاطٌ أَصْلًا، وَقَدَّمَ الْمُقَابِلَ لِيُسَلِّطَ الصَّحِيحَ عَلَى الثَّلَاثِ مَسَائِلَ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِالِاخْتِصَارِ. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ كَدَفِينٍ إلَخْ) لَا يُقَالُ فَلَا فَائِدَةَ عَلَى هَذَا لِلنُّصُوصِ وَلِلنَّظَرِ فِيهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ النُّصُوصُ وَالنَّظَرُ فِيهَا عَلَى هَذَا أَسْبَابٌ عَادِيَةٌ لِلْمُصَادَفَةِ أَلَا تَرَى لَوْلَا السَّعْيُ إلَى مَحَلِّ الدَّفِينِ وَحُصُولِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ كَحُفْرَةٍ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مَثَلًا لَمَا صَادَفَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَمَرَّ فِي مَحَلِّهِ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَا صَدَرَ مِنْهُ فِعْلٌ مُطْلَقًا لَمْ يُصَادِفْ ذَلِكَ الدَّفِينَ مَعَ كُلٍّ مِنْ سَعْيِهِ وَمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ لَيْسَ عَلَامَةً عَلَى ذَلِكَ الدَّفِينِ، وَإِنَّمَا أَدَّيَا إلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ وَالْمُصَادَفَةِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ) أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مَا ارْتِبَاطٌ

[مسألة لا ينقض الحكم في الاجتهاديات]

لِمَا تَقَدَّمَ وَلِقُوَّةِ الْمُقَابِلِ هُنَا عَبَّرَ بِالْأَصَحِّ. (وَمَتَى قَصَّرَ مُجْتَهِدٌ) فِي اجْتِهَادٍ (أَثِمَ وِفَاقًا) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَذْلِهِ وُسْعَهُ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ) لَا مِنْ الْحَاكِمِ بِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اخْتَلَفَ الِاجْتِهَادُ (وِفَاقًا) إذْ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ لَجَازَ نَقْضُ النَّقْضِ وَهَلُمَّ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ (فَإِنْ خَالَفَ) الْحُكْمَ (نَصًّا) أَوْ ظَاهِرًا جَلِيًّا وَلَوْ قِيَاسًا وَهُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ نُقِضَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ (أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ) بِأَنْ قَلَّدَ غَيْرَهُ نُقِضَ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِاجْتِهَادِهِ وَامْتِنَاعِ تَقْلِيدِهِ فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ (أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ غَيْرُهُ مُقَلِّدُ غَيْرِهِ) مِنْ الْأَئِمَّةِ (حَيْثُ يَجُوزُ) لِمُقَلِّدِ إمَامٍ تَقْلِيدَ غَيْرِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَلِّدْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا لِاسْتِقْلَالِهِ فِيهِ بِرَأْيِهِ أَوْ قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَمَارَةٌ دُونَ قَوْلِهِ دَلِيلٌ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْمُقَابِلِ السَّابِقِ إشَارَةً إلَى رَدِّ مَا قَالَهُ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ أَنَّ عَلَيْهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَلَا إثْمَ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ وَغُمُوضِهِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ بَذْلِهِ الْوُسْعَ (قَوْلُهُ: وَلِقُوَّةِ الْمُقَابِلِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُقَابِلِ فِيمَا سَبَقَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: عَبَّرَ بِالْأَصَحِّ) أَيْ الْمُشْعِرِ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الصِّحَّةِ بِخِلَافِ الْمُقَابِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَمَتَى قَصَّرَ مُجْتَهِدٌ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ فِي تَسْمِيَةِ الْمُقَصِّرِ مُجْتَهِدًا تَجُوزُ إذْ الِاجْتِهَادُ هُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ إلَخْ أَيْ وَالْمُقَصِّرُ لَمْ يَسْتَفْرِغْ وُسْعَهُ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا الْإِيرَادَ وَهْمٌ مُنْشَؤُهُ تَوَهُّمُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسْتَفْرِغِ لِلْوُسْعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمُتَهَيِّئِ وَهُوَ مَعْنًى آخَرُ لِلْمُجْتَهِدِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ] (قَوْلُهُ: لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ الصُّورَةِ الْآتِيَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ إذَا قَضَى عَلَى عِلْمٍ أَمَّا إذَا قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ يُنْقَضُ وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ: وَأَمَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ فِي حَادِثَةٍ بِاجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنَّصِّ ثُمَّ أَلِفَاهُ كَمَا حَكَمَ بِهِ فَهَذِهِ حَادِثَةٌ وَقَعَتْ بِمَدِينَةِ أَصْبَهَانَ فِي حُدُودِ السَّبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَاسْتُفْتِيَ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَصْبَهَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْخُجَنْدِيُّ فَأَفْتَى بِأَنَّ الْحُكْمَ نَافِذٌ وَاسْتُفْتِيَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فَأَفْتَى بِأَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ حِينِ وُجُودِ النَّصِّ كَذَا نَقَلَ وَلَدُ أَخِيهِ أَبِي مَنْصُورٍ فِي الْفَتَاوَى الَّتِي جَمَعَهَا مِنْ كَلَامِ عَمِّهِ الْمَعْرُوفَةِ بِفَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ لَمْ أَجِدْهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْفَتَاوَى، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَاَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي مَا قَالَهُ الْخُجَنْدِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا أَعْيَاهُ النَّصُّ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ فَإِذَا صَادَفَ الصَّوَابَ كَانَ نَافِذًا، وَكَانَ وُجُودُ النَّصِّ سَعَادَةً وَتَوْفِيقًا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ يَنْفُذُ مِنْ حِينِ وُجُودِ النَّصِّ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا وَجَدَ النَّصَّ جَدَّدَ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ لِيَكُونَ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ فَهُوَ قَرِيبٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ مُتَجَدِّدٍ وَيَكُونُ قَبْلَهُ فَاسِدًا فَلَا وَجْهَ لَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَالَفَ نَصًّا إلَخْ) الْمُرَادُ بِالنَّصِّ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ وَفِي الظَّاهِرِ الظَّنِّيِّ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ الْوُجُودُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْقَضِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُقَاسُ بِالنَّصِّ الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيَاسًا) أَيْ جَلِيًّا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّقْضِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَعَزَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ مِمَّا نَقْطَعُ بِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ قِيَاسًا مَظْنُونًا مَعَ كَوْنِهِ جَلِيًّا فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ظَنٍّ وَظَنٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ إلَخْ) صَادِقٌ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ اجْتِهَادُهُ بِالْفِعْلِ فَيَحْكُمَ بِخِلَافِ مَا أَدَّى إلَيْهِ بِتَقْلِيدٍ لِغَيْرِهِ أَوْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خِلَافُ اجْتِهَادِهِ فَفِي اقْتِصَارِ الشَّارِحِ عَلَى الْأَوَّلِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ إذَا تَوَلَّى مُقَلِّدٌ لِلضَّرُورَةِ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مُقَلَّدِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ لَمْ يُنْقَضْ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الدَّامَغَانِيَّ قَاضِيَ بَغْدَادَ الْحَنَفِيَّ سُئِلَ عَنْ حَنَفِيٍّ وَلَّى شَافِعِيًّا فَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ يَصِحُّ فَإِنَّ أَبَا حَازِمٍ الْحَنَفِيَّ فِي أَيَّامِ

[مسألة يجوز أن يقال من قبل الله تعالى لنبي أو عالم على لسان نبي احكم بما تشاء من غير دليل]

وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ (نَقْضُ) حُكْمِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِّهِ لِالْتِزَامِهِ تَقْلِيدَهُ كَالدَّلِيلِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ، أَمَّا إذَا قَلَّدَ فِي حُكْمِهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ إنَّمَا حَكَمَ بِهِ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ. (وَلَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ) بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ يُصَحِّحُهُ (ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ) إلَى بُطْلَانِهِ (فَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ) لِظَنِّهِ الْآنَ الْبُطْلَانَ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِالصِّحَّةِ (وَكَذَا الْمُقَلِّدُ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُ إمَامِهِ) فِيمَا ذُكِرَ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِهِ. (وَمَنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ) بَعْدَ الْإِفْتَاءِ (أَعْلَمَ الْمُسْتَفْتِي) بِتَغَيُّرِهِ (لِيَكُفَّ) عَنْ الْعَمَلِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ (وَلَا يُنْقَضُ مَعْمُولُهُ) إنْ عَمِلَ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُجْتَهِدُ (الْمُتْلَفَ) بِإِفْتَائِهِ بِإِتْلَافٍ (إنْ تَغَيَّرَ) اجْتِهَادُهُ إلَى عَدَمِ إتْلَافِهِ (لَا لِقَاطِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَ لِقَاطِعٍ كَالنَّصِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِتَقْصِيرِهِ. (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ) مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى (لِنَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ) عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ (اُحْكُمْ بِمَا تَشَاءُ) فِي الْوَقَائِعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (فَهُوَ صَوَابٌ) أَيْ مُوَافِقٌ لِحُكْمِي بِأَنْ يُلْهِمَهُ إيَّاهُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ هَذَا الْقَوْلِ، (وَيَكُونُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (مُدْرَكًا شَرْعِيًّا وَيُسَمَّى التَّفْوِيضَ) لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ (وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ) فِيهِ (قِيلَ فِي الْجَوَازِ وَقِيلَ فِي الْوُقُوعِ) وَنُسِبَ إلَى الْجُمْهُورِ فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْجَوَازِ وَفِي الْوُقُوعِ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَوَازِ، (وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ دُونَ الْعَالِمِ) ؛ لِأَنَّ رُتْبَتَهُ لَا تَبْلُغُ أَنْ يُقَالَ لَهُ ذَلِكَ (ثُمَّ الْمُخْتَارُ) بَعْدَ جَوَازِهِ كَيْفَ كَانَ أَنَّهُ (لَمْ يَقَعْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَضِدِ وَلَّى ابْنَ سُرَيْجٍ الْقَضَاءَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ) أَيْ فِي أَوَاخِرِ مَبَاحِثِ التَّقْلِيدِ (قَوْلُهُ: نُقِضَ حُكْمُهُ) مَجَازٌ عَنْ إظْهَارِ بُطْلَانِهِ إذْ لَا حُكْمَ فِي الْحَقِيقَةِ حَتَّى يُنْقَضَ. (قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا) ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِعْلٌ لَا حُكْمٌ عَلَى الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ أَنَا أَسْتَحِي أَنْ يُرْفَعَ إلَيَّ نِكَاحٌ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُطْلَانُهُ ثُمَّ أُقِرُّهُ عَلَى الصِّحَّةِ أَيْ فَعِنْدَهُ الْحُكْمُ يُنْقَضُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَعْلَمَ الْمُسْتَفْتِيَ لِيَكُفَّ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْإِعْلَامِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الرُّجُوعُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلِمْ الْمُسْتَفْتِيَ بِرُجُوعِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ فِي حَقِّهِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْقَضُ مَعْمُولُهُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْإِيضَاحِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِتَقْصِيرِهِ) هَذَا قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُقَرَّرُ فِي الْفُرُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الْغُرُورِ عَدَمُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا لَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَلَا عَلَى الْمُفْتِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَإِنْ تَلِفَ بِفَتْوَاهُ مَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ خَالَفَ الْقَاطِعَ أَوْ نَصَّ إمَامِهِ لَمْ يَغْرَمْ مَنْ أَفْتَاهُ وَلَوْ أَهْلًا لِلْفَتْوَى إذْ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ. [مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ اُحْكُمْ بِمَا تَشَاءُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ] (قَوْلُهُ: عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِعَالِمٍ وَحَذَفَ صِلَةَ نَبِيٍّ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ أَوْ بِطَرِيقِ الْإِلْهَامِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ صَوَابٌ) مِنْ جُمْلَةِ الْقَوْلِ لِلنَّبِيِّ أَوْ الْعَالِمِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ مُوَافِقٌ لِحُكْمِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلَّهِ تَعَالَى مَشِيئَةَ الْمَقُولِ لَهُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى حُكْمِهِ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُلْهِمَهُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِمُوَافَقَةِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مُدْرِكًا شَرْعِيًّا) أَيْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ مَا يَشَاؤُهُ ذَلِكَ الْمَقُولُ لَهُ (قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى التَّفْوِيضَ) أَيْ تَفْوِيضَ الْحُكْمِ لِمَنْ ذُكِرَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّفْوِيضِ (قَوْلُهُ: لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ) أَيْ لِدَلَالَةِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ عَلَى تَفْوِيضِ الْحُكْمِ لِمَنْ ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَنَسَبَهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِتَرَدُّدِ الشَّافِعِيِّ إلَى الْجُمْهُورِ كَيْفَ كَانَ أَيْ لِنَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ

[مسألة التقليد]

وَجَزَمَ بِوُقُوعِهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتَنَدَ إلَى حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ لَأَوْجَبْته عَلَيْهِمْ وَإِلَى حَدِيثِ مُسْلِمٍ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَالرَّجُلُ هَذَا هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خُيِّرَ فِيهِ أَيْ خُيِّرَ فِي إيجَابِ السِّوَاكِ وَعَدَمِهِ وَتَكْرِيرِ الْحَجِّ وَعَدَمِهِ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَقُولُ بِوَحْيٍ لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. (وَفِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِاخْتِيَارِ الْمَأْمُورِ) نَحْوَ افْعَلْ كَذَا إنْ شِئْت أَيْ فِعْلَهُ (تَرَدُّدٌ) قِيلَ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيْنَ طَلَبِ الْفِعْلِ وَالتَّخْيِيرِ فِيهِ مِنْ التَّنَافِي، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَالتَّخْيِيرُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ غَيْرُ جَازِمٍ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ أَيْ رَكْعَتَيْنِ» كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد. (مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ أَخْذُ الْقَوْلِ) بِأَنْ يُعْتَقَدَ (مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ) فَخَرَجَ أَخْذُ غَيْرِ الْقَوْلِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّقْرِيرُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، وَأَخْذُ الْقَوْلِ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ فَهُوَ اجْتِهَادٌ وَافَقَ اجْتِهَادَ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الدَّلِيلِ إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُجْتَهِدِ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى مَعْرِفَةِ سَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْهُ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا الْمُجْتَهِدُ (وَيَلْزَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِوُقُوعِهِ) أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ (قَوْلُهُ: لَأَمَرْتهمْ) أَيْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ اُحْكُمْ بِمَا تَشَاءُ عَلَى مَا زَعَمَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ: قَالَهَا ثَلَاثًا) أَيْ لَفْظَ كُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: لَوَجَبَتْ) أَيْ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ فِي كُلِّ عَامٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُدَّعَى) وَهُوَ الْوُقُوعُ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فِي تَخْيِيرِهِ رُدَّ هَذَا الْحُكْمُ إلَى خِيرَتِهِ وَفِيهِ تَفْوِيضٌ لِلْحُكْمِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ خَيْرٌ فِي إيجَابِ إلَخْ) أَيْ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحُكْمِ لَا عُمُومًا. (قَوْلُهُ: وَفِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ بِجَامِعِ التَّفْوِيضِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَلِذَا جَمَعَهُمَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ تَكُنْ صِيغَةُ أَفْعَلَ لَغْوًا [مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ] (قَوْلُهُ: أَخْذُ الْقَوْلِ) أَيْ قَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ فَخَرَجَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِالْغَيْرِ كَالْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَيْسَ أَخْذُهُ تَقْلِيدًا، وَالْمُرَادُ الْأَخْذُ الْمَعْنَوِيُّ وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ إلَخْ لَا مُجَرَّدَ السَّمَاعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلِهِ قَيْدٌ بَلْ لَوْ أَخَذَ الْمُقَلِّدُ الْقَوْلَ مَعَ دَلِيلِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِ لَا يَكُونُ مُجْتَهِدًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ عَرَفَ الْقَوْلَ مِنْ مَذْهَبِهِ مَعَ دَلِيلِهِ لَا أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ الْقَوْلَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْمُجْتَهِدِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِأَخْذِ الْقَوْلِ هُوَ النُّسْخَةُ الْقَدِيمَةُ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَرَبَ عَلَى الْقَوْلِ وَكَتَبَ بَدَلَهُ الْمَذْهَبَ لِيَعُمَّ الْفِعْلُ وَالتَّقْرِيرُ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا، وَقَدْ أَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْقَوْلَ قَيْدًا فِي الْحَدِّ لِذَلِكَ وَقَالَ يَنْبَغِي الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَعُمُّهُمَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقَوْلَ يُطْلَقُ عَلَى الرَّأْيِ وَالِاعْتِقَادِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ تَارَةً وَبِالْفِعْلِ تَارَةً وَبِالتَّقْرِيرِ الْمُقْتَرِنِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ارْتِضَائِهِ تَارَةً أُخْرَى، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ شَائِعٌ كَثِيرٌ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فَخَرَجَ أَخْذُ غَيْرِ الْقَوْلِ لَا يُنَاسِبُ هَذَا الْجَوَابَ وَقَدْ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةٍ لَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَيْهَا وَأَلْحَقَ خِلَافَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْلِيدَ أَخْذٌ بِمَذْهَبٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا فَذِكْرُ الْقَوْلِ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالشَّارِحُ لَمْ يُؤَوِّلْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَخَرَجَ إلَخْ فَالْحَقُّ أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ بِخَارِجٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْهُ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْهُ فَلَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ لِتَوَقُّفِهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الدَّلِيلِ مِنْ الْوَجْهِ

غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ) عَامِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَيْ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ لِلْمُجْتَهِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (وَقِيلَ بِشَرْطِ تَبَيُّنِ صِحَّةِ اجْتِهَادِهِ) بِأَنْ يَتَبَيَّنَ مُسْتَنَدُهُ لِيَسْلَمَ مِنْ لُزُومِ اتِّبَاعِهِ فِي الْخَطَأِ الْجَائِزِ عَلَيْهِ. (وَمَنَعَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (التَّقْلِيدَ فِي الْقَوَاطِعِ) كَالْعَقَائِدِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا. (وَقِيلَ لَا يُقَلِّدُ عَالِمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا) ؛ لِأَنَّ لَهُ صَلَاحِيَّةَ أَخْذِ الْحُكْمِ مِنْ الدَّلِيلِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ. (أَمَّا ظَانُّ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ لِمُخَالَفَتِهِ) بِهِ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ اجْتِهَادِهِ. (وَكَذَا الْمُجْتَهِدُ) أَيْ مَنْ هُوَ بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ فِيمَا يَقَعُ لَهُ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِيهِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لِلتَّقْلِيدِ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الْأَصْلِ الْمُمْكِنِ إلَى بَدَلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ لِلتَّقْلِيدِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يُفِيدُ الْحُكْمَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُجْتَهِدِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ) أَيْ الْمُطْلَقُ أَيْ وَيَلْزَمُ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا أَخْذًا مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي ثُمَّ إنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْعَقْلِيَّاتِ كَالْعَقَائِدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَمَنَعَ الْأُسْتَاذُ التَّقْلِيدَ فِي الْقَوَاطِعِ أَيْ كَالْعَقَائِدِ فَإِنَّهُ يَقْضِي التَّعْمِيمَ هُنَا وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَقِلُّ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ بِمَعْرِفَةِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ وَهُمْ كَثِيرُونَ لَمْ يَصِلُوا فِي الْفُرُوعِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ تَقْلِيدُ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ بَلْ الْمَطْلُوبُ عَدَمُ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقَائِدِ مُطْلَقًا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْفُرُوعِ لَا مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ وَيَلْزَمُ التَّقْلِيدُ أَيْ فِي خُصُوصِ الْفُرُوعِ لَا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُ) أَرَادَ بِهِ الْعِلْمَ غَيْرَ الْمُجْتَهَدِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ عَامِّيٌّ وَلَيْسَ فَقِيهًا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يُطْبِقُ عَلَيْهِ فَقِيهٌ أَيْضًا لِمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، وَدَخَلَ تَحْتَ الْغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَيُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ فِيمَا عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ جَوَازِ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: لِيَسْلَمَ إلَخْ) أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ إبْدَاءَ الْمُجْتَهِدِ مُسْتَنَدُهُ يُوجِبُ عِنْدَكُمْ اتِّبَاعَهُ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ بِحَالٍ لِكَوْنِ الْبَيَانِ ظَنِّيًّا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا) أَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْأُسْتَاذَ مَنَعَ وُجُوبَ التَّقْلِيدِ فِيهَا أَوْ مَنَعَ جَوَازَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُقَلِّدُ إلَخْ) مُقَابِلُ وَيَلْزَمُ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ الشَّامِلِ لِلْعَالِمِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا) الْوَاوُ لِلْحَالِ لِيُنَاسِبَ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَيَلْزَمُ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ هُنَا الْمُجْتَهِدَ بِالْفِعْلِ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ السِّتَّةُ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا ظَنُّ الْحُكْمِ إلَخْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا فَقَوْلُهُ لَهُ أَمَّا ظَانُّ الْحُكْمِ أَيْ بِالْفِعْلِ وَلَمْ تُجْعَلْ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِاقْتِضَائِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ صَلَاحِيَّةً إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ الصَّلَاحِيَّةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُضِرِّ فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ صَلَاحِيَّةً إلَّا لِلْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الصَّلَاحِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْعُلَمَاءِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا ظَانُّ الْحُكْمِ) أَيْ بِالْفِعْلِ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ فَهَذَا مُجْتَهِدٌ بِالْفِعْلِ وَمَا بَعْدَهُ مُجْتَهِدٌ بِالْقُوَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ مَنْ هُوَ بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ أَيْ وَلَمْ يَجْتَهِدْ بِالْفِعْلِ لِيُغَايِرَ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ عِلْمِهِ

[مسألة تكررت الواقعة للمجتهد وتجدد له ما يقتضي الرجوع عما ظنه فيها أولا ولم يكن ذاكرا للدليل الأول]

لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ الْآنَ (وَثَالِثُهَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي) لِحَاجَتِهِ إلَى فَصْلِ الْخُصُومَةِ الْمَطْلُوبِ إنْجَازُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، (وَرَابِعُهَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ) مِنْهُ لِرُجْحَانِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَالْأَدْنَى، (وَخَامِسُهَا) يَجُوزُ (عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ) لِمَا يُسْأَلُ عَنْهُ كَالصَّلَاةِ الْمُؤَقَّتَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضِقْ، (وَسَادِسُهَا) يَجُوزُ لَهُ (فِيمَا يَخُصُّهُ) دُونَ مَا يُفْتِي بِهِ غَيْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ إذَا تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ) لِلْمُجْتَهِدِ (وَتَجَدَّدَ) لَهُ (مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ) عَمَّا ظَنَّهُ فِيهَا أَوَّلًا (وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَجَبَ) عَلَيْهِ (تَجْدِيدُ النَّظَرِ) فِيهَا (قَطْعًا وَكَذَا) يَجِبُ تَجْدِيدُهُ (إنْ لَمْ يَتَجَدَّدْ) مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ (لَا إنْ كَانَ ذَاكِرًا) لَهُ إذْ لَوْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ كَانَ آخِذًا بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ الْأَوَّلُ بِعَدَمِ تَذَكُّرِهِ لَا ثِقَةً بِبَقَاءِ الظَّنِّ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النَّظَرِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَكَذَا الْعَامِّيُّ يَسْتَفْتِي) الْعَالِمَ فِي حَادِثَةٍ (وَلَوْ) كَانَ الْعَالِمُ (مُقَلِّدَ مَيِّتٍ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ وَإِفْتَاءِ الْمُقَلِّدِ كَمَا سَيَأْتِي، (ثُمَّ تَقَعُ) لَهُ (تِلْكَ الْحَادِثَةُ هَلْ يُعِيدُ السُّؤَالَ) لِمَنْ أَفْتَاهُ أَيْ حُكْمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ يُقَالُ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا قَادِرًا عَلَى الْعِلْمِ. [مَسْأَلَةٌ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ لِلْمُجْتَهِدِ وَتَجَدَّدَ لَهُ مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَمَّا ظَنَّهُ فِيهَا أَوَّلًا وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ] (قَوْلُهُ: مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ أَيْ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ، وَالْمُرَادُ مَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ لِاحْتِمَالِ اقْتِضَائِهِ خِلَافَ الْمَظْنُونِ أَوْ لَا وَقَرِينَةُ هَذِهِ الْمُسَامَحَةِ قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ النَّظَرِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَجْدِيدِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ مُقْتَضَى الرُّجُوعِ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: قَطْعًا) أَيْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ حَكَوْا قَوْلًا بِالْمَنْعِ بِنَاءً عَلَى قُوَّةِ الظَّنِّ السَّابِقِ فَيَعْمَلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رُجْحَانِ غَيْرِهِ. اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجِبُ إلَخْ) فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ التَّجَدُّدِ أَقْوَى (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهَذَا رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ مَعَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَلْ فِي الْأُولَى فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلًا أَصْلًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ هُنَاكَ دَلِيلٌ، وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأُولَى. (قَوْلُهُ: مِنْ الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ التَّجَدُّدِ وَعَدَمِهِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ كَانَ ذَاكِرًا إلَخْ رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ لَا لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ إذَا لَمْ يَتَجَدَّدْ النَّظَرُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا تَجَدَّدَ فَالْمُرَادُ عَدَمُ وُجُوبُ النَّظَرِ لِاسْتِنْتَاجِ الْحُكْمِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ النَّظَرِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمُرَجِّحَاتِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَامِّيُّ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ، وَمَحَلُّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ رَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ شَكَّ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ عَنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ لَمْ يُعِدْ السُّؤَالَ قَطْعًا اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي الْمَنْخُولِ هَلْ يَجِبُ تَكْرِيرُ مُرَاجَعَةِ الْمُفْتِي عِنْدَ تَكْرِيرِ الْوَاقِعَةِ وَقَدْ أَوْجَبَهُ قَوْمٌ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِأَنَّ احْتِمَالَهُ كَاحْتِمَالِ النَّسْخِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا لَا يُكَرِّرُونَ الْمُرَاجَعَةَ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَسَافَةَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَتْ شَاسِعَةً أَوْ الْوَاقِعَةُ كَانَتْ تُكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ كَالطَّهَارَةِ فَلَا يُرَاجَعُ قَطْعًا لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْمُقَلِّدَةَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَاقِعَةُ لَا يَكْثُرُ تَكْرِيرُهَا فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُرَاجَعُ؛ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ بِعَدَمِ مُرَاجَعَتِهِمْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَى مِثْلِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، ثُمَّ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وُجُوبُ الْإِخْبَارِ عَلَى الْمُفْتِي إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُقَلِّدَ مَيِّتٍ) هُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسَخٍ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ وَلَوْ كَانَ السَّائِلُ مُقَلِّدَ مَيِّتٍ فَاعْتَرَضُوهُ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي مُقَلِّدِ الْمَيِّتِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَقَدَّرَهُ الشَّارِحُ لِدَفْعِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ الْعَالِمُ أَيْ وَهُوَ الْمَسْئُولُ مُقَلِّدَ مَيِّتٍ وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ بِإِعَادَةِ الْمُقَلِّدِ السُّؤَالَ لِمَنْ أَفْتَاهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ بِأَنْ مَاتَ مَنْ أَفْتَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ أَيْ جَوَازِ إفْتَاءِ مَنْ هُوَ حَاكٍ عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمَيِّتِ مُقَلِّدٍ لَهُ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الْمَيِّتِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَيْ لِجَوَازِ انْعِقَادِهِ عَلَى خِلَافِهِ أَيْ خِلَافِ قَوْلِهِ. فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ مُعْتَبَرًا لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ الْمُخَالِفُ لِقَوْلِهِ مُعْتَبَرًا، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ

[مسألة تقليد المفضول]

حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ فِي إعَادَةِ النَّظَرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ إذْ لَوْ أَخَذَ بِجَوَابِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ لَكَانَ آخِذًا بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَهُوَ فِي حَقِّهِ قَوْلُ الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ ثِقَةٌ بِبَقَائِهِ عَلَيْهِ الِاحْتِمَالِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ مِنْ دَلِيلٍ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ نَصٍّ لِإِمَامِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا. (مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ (أَقْوَالٌ) أَحَدُهَا وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجُوزُ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مُشْتَهِرًا مُتَكَرِّرًا مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، ثَانِيهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ كَالْأَدِلَّةِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ فَكَمَا يَجِبُ الْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مِنْ الْأَدِلَّةِ يَجِبُ الْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالرَّاجِحُ مِنْهَا قَوْلُ الْفَاضِلِ يَعْرِفُهُ الْعَامِّيُّ بِالتَّسَامُعِ وَغَيْرِهِ (ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ يَجُوزُ لِمُعْتَقِدِهِ فَاضِلًا) غَيْرَهُ (أَوْ مُسَاوِيًا) لَهُ بِخِلَافِ مَنْ اعْتَقَدَهُ مَفْضُولًا كَالْوَاقِعِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ، (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ هَذَا التَّفْصِيلُ الْمُخْتَارُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَقُولُ (لَمْ يَجِبْ الْبَحْثُ عَنْ الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقَالُ فَلِمَ صُنِّفَتْ الْكُتُبُ وَاعْتُبِرَتْ مَعَ فَنَاءِ أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لِاسْتِفَادَةِ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ وَكَيْفِيَّةِ بِنَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِمَعْرِفَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ أَيْ جَوَازُ الْإِفْتَاءِ لِلْمُقَلَّدِ الْمَيِّتِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ أَيْ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي زَمَانِنَا إذْ لَيْسَ فِي الزَّمَانِ مُجْتَهِدٌ فِي الْأَحْكَامِ لِلْآمِدِيِّ الْمُخْتَارُ أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ إنَّمَا يَجُوزُ إفْتَاؤُهُ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا عَلَى مَأْخَذِ أَقْوَالِ إمَامِهِ قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَيْهَا مُتَمَكِّنًا مِنْ الْجَمْعِ، وَالْفَرْقُ وَالنَّظَرُ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهَا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى قَبُولِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْتَاءُ. قَالَ الْبُدَخْشِيُّ وَالْحَقُّ فِي إفْتَاءِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِفْتَاءِ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي الْمَذْهَبِ لَا بِطَرِيقِ نَقْلِ الْكَلَامِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ، الرَّابِعُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ يُسَمَّى بِالْمُجْتَهِدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَإِنْ أُرِيدَ نَقْلُ الْعَدْلِ الْغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عَنْ مُجْتَهِدٍ كَأَنْ يَقُولَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فَلَا نِزَاعَ فِي قَبُولِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ كَمَا سَبَقَ، وَأَمَّا فِي الْإِفْتَاءِ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَظُنَّ الْمُسْتَفْتِي عِلْمَ الْمُفْتِي وَعَدَالَتَهُ إمَّا بِالْأَخْبَارِ أَوْ بِأَنْ رَوَاهُ مُنْتَصِبًا لِلْفَتْوَى، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى سُؤَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ فَإِذَا ظَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِ أَوْ عَدَمَ عَدَالَتِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَا يَسْتَفْتِيهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ الِاسْتِفْتَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَلْحَقُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ كَالشَّاهِدِ الْمَجْهُولِ عَدَالَتُهُ وَالرَّاوِي كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْعِلْمِ مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ فَقِيلَ بِالِامْتِنَاعِ لِعَيْنِ مَا ذُكِرَ فِي مَجْهُولِ الْعِلْمِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ لِلْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَجْهٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ الْعَدَالَةُ فَيَلْحَقُ الْعَالِمُ الْمُجْتَهِدُ الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: بِجَوَابِ الْأَوَّلِ) أَيْ بِجَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ. [مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ] (قَوْلُهُ: الْمَفْضُولِ أَيْ نَفْسُ الْأَمْرِ لَا بِحَسَبِ الِاعْتِقَادِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ الْآتِي (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ) قَالَ فِي الْمَنْخُولِ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ فِي الْفَتْوَى لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْعَبَادِلَةَ الْأَرْبَعَةَ كَانُوا يُرَاجَعُونَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ فَاضِلًا) فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ كَرُجُوعِ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَثْرَةِ الْمُسْتَفْتِينَ لَهُ وَقِلَّةِ الْمُسْتَفْتِينَ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَالْوَاقِعِ) أَيْ كَمَا أَنَّهُ مَفْضُولٌ فِي الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَفْضُولٌ فِي الْوَاقِعِ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ فَقَوْلُهُ كَالْوَاقِعِ حَالَ كَوْنِهِ مُمَاثِلًا لِلْوَاقِعِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجِبْ الْبَحْثُ إلَخْ) إنْ قُلْت هَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا فَيُشْكِلُ تَخْصِيصُهُ بِالثَّالِثِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ أَعْنِي مِنْ ثَمَّ قُلْت التَّقْدِيمُ لِلِاهْتِمَامِ وَلَوْ سَلِمَ

لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ بِخِلَافِ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا (فَإِنْ اعْتَقَدَ) أَيْ الْعَامِّيُّ (رُجْحَانَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَعَيَّنَ) لَأَنْ يُقَلِّدَهُ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فِي الْوَاقِعِ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، (وَالرَّاجِحُ عِلْمًا فَوْقَ الرَّاجِحِ وَرَعًا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ تَأْثِيرًا فِي الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْوَرَعِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ الْوَرَعِ تَأْثِيرًا فِي التَّثَبُّتِ فِي الِاجْتِهَادِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْعِلْمِ، وَيُحْتَمَلُ التَّسَاوِي لِأَنَّ لِكُلٍّ مُرَجِّحًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ الْأَرْجَحِ الْمَبْنِيِّ عَلَى امْتِنَاعِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ. (وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ) لِبَقَاءِ قَوْلِهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَذَاهِبُ لَا تَمُوتُ أَرْبَابُهَا (خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي مَنْعِهِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِقَوْلِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَالِفِ. قَالَ وَتَصْنِيفُ الْكُتُبِ فِي الْمَذَاهِبِ مَعَ مَوْتِ أَرْبَابِهَا لِاسْتِفَادَةِ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْحَوَادِثِ وَكَيْفِيَّةِ بِنَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِمَعْرِفَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَعُورِضَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُجْمِعِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا فَإِنْ قُلْت لِمَ آثَرَ الثَّالِثَ بِذِكْرِ ذَلِكَ قُلْت؛ لِأَنَّ الَّذِي يُتَوَهَّمُ مَعَهُ وُجُوبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ اعْتِقَادَ الْكَوْنِ فَاضِلًا أَوْ مُسَاوِيًا، وَذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِهَذَا التَّوَهُّمِ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ) أَيْ لِلتَّقْلِيدِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى اعْتِقَادِهِ فَاضِلًا أَوْ مُسَاوِيًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا) أَيْ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْبَحْثَ لِأَجْلِ تَعَيُّنِ الْفَاضِلِ وَالْمُسَاوِي وَلَا يَكْفِي الِاعْتِقَادُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اعْتَقَدَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى اعْتَقَدَ رُجْحَانَ وَاحِدٍ تَعَيَّنَ لَأَنْ يُقَلِّدَهُ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فِي الْوَاقِعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ) صِفَةٌ لِاعْتِقَادٍ وَضَمِيرُهُ لِلتَّعْيِينِ فَالصِّفَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فَكَانَ الْأَوْلَى إبْرَازَ الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ اخْتِيَارُهُ مِنْ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ الْأَرْجَحِ أَوْ الْمُسَاوِي فِي اعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَيُجَابُ بِمَنْعِ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ الْأَرْجَحِ فِي الْوَاقِعِ بَلْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ اخْتِيَارُهُ مِمَّا ذُكِرَ، وَهَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى امْتِنَاعِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ فِي الْوَاقِعِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَالِفِ) أَيْ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ لِقَوْلِهِ بَقَاءً لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ لِبَقَاءِ الْمُخَالِفِ (قَوْلُهُ: وَعُورِضَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ) قَدْ يُقَالُ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ لَهَا مِنْ

[مسألة يجوز للقادر على التفريع والترجيح وإن لم يكن مجتهدا]

، (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ (إنْ فُقِدَ الْحَيُّ) لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُفْقَدْ، (وَرَابِعُهَا قَالَ) الصَّفِيُّ (الْهِنْدِيُّ) يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ (إنْ نَقَلَهُ عَنْهُ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لِمَعْرِفَتِهِ مَدَارِكَهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ فَلَا يَنْقُلُ لِمَنْ يُقَلِّدُهُ إلَّا مَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (وَيَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ عُرِفَ بِالْأَهْلِيَّةِ) لِلْإِفْتَاءِ (أَوْ ظُنَّ) أَهْلًا لَهُ (بِاشْتِهَارِهِ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْأَوَّلِ (وَانْتِصَابِهِ وَالنَّاسُ مُسْتَفْتُونَ) لَهُ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الثَّانِي (وَلَوْ) كَانَ مَنْ ذُكِرَ (قَاضِيًا) فَإِنَّهُ يَجُوزُ إفْتَاؤُهُ كَغَيْرِهِ (وَقِيلَ لَا يُفْتِي قَاضٍ فِي الْمُعَامَلَاتِ) لِلِاسْتِغْنَاءِ بِقَضَائِهِ فِيهَا عَنْ الْإِفْتَاءِ وَعَنْ الْقَاضِي شُرَيْحٍ أَنَا أَقْضِي وَلَا أُفْتِي (لَا الْمَجْهُولِ) عِلْمًا أَوْ عَدَالَةً فَلَا يَجُوزُ اسْتِفْتَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْبَحْثِ عَنْ عِلْمِهِ) بِأَنْ يَسْأَلَ النَّاسُ عَنْهُ، وَقِيلَ يَكْفِي اسْتِفَاضَتُهُ بَيْنَهُمْ (وَالِاكْتِفَاءُ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ) وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهَا (وَ) الِاكْتِفَاءِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) عَنْ عِلْمِهِ وَعَدَالَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْبَحْثِ عَنْهُمَا وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ (وَلِلْعَامِّيِّ سُؤَالُهُ) أَيْ الْعَالِمِ (عَنْ مَأْخَذِهِ) فِيمَا أَفْتَاهُ بِهِ (اسْتِرْشَادًا) أَيْ طَلَبًا لِإِرْشَادِ نَفْسِهِ بِأَنْ تُذْعِنَ لِلْقَبُولِ بِبَيَانِ الْمَأْخَذِ لَا تَعَنُّتًا (ثُمَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَالِمِ (بَيَانُهُ) أَيْ الْمَأْخَذِ لِسَائِلِهِ الْمَذْكُورِ تَحْصِيلًا لِإِرْشَادِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ خَفِيًّا) عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَقْصُرُ فَهْمُهُ عَنْهُ فَلَا يُبَيِّنُهُ لَهُ صَوْنًا لِنَفْسِهِ عَنْ التَّعَبِ فِيمَا لَا يُفِيدُ وَيَعْتَذِرُ لَهُ بِخَفَاءِ الْمُدْرَكِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ (الْإِفْتَاءُ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ اطَّلَعَ عَلَى مَأْخَذِهِ وَاعْتَقَدَهُ) وَهَذَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ لِانْطِبَاقِ تَعْرِيفِهِ السَّابِقِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِمَذْهَبِ إمَامِهِ مُطْلَقًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْأَعْصَارِ مُتَكَرِّرًا شَائِعًا مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ لِانْتِفَاءِ وَصْفِ الِاجْتِهَادِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِكُلِّ فَرْدٍ (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا يَجُوزُ إنْ فُقِدَ الْحَيُّ) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ لَكِنْ إذَا قُلْنَا يُقَلِّدُ الْمَيِّتَ مُطْلَقًا، وَكَانَ الْحَيُّ دُونَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَلِّدَ الْمَيِّتَ لَا رُجْحِيَّتِهِ، وَأَنْ يُقَلِّدَ الْحَيَّ لِحَيَاتِهِ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الِاسْتِوَاءُ لِتَعَارُضِ الْمُرَجِّحَيْنِ قُلْت بَلْ الْأَظْهَرُ الثَّانِي لِتَرَجُّحِهِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَقْلِيدِ الْحَيِّ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فِي مَذْهَبِهِ) أَيْ مَذْهَبِ الْمَيِّتِ أَوْ النَّاقِلِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمُجْتَهِدٍ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِنَقْلِهِ. (قَوْلُهُ: لَا الْمَجْهُولِ) عَطْفٌ عَلَى مَنْ عُرِفَ بِالْأَهْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْبَحْثِ إلَخْ) قَالَ سم لَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ أَوْ الظَّنِّ بِوَاسِطَةِ الِاشْتِهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ أَوْ الظَّنِّ فَإِذَا حَصَلَتْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَالْوَجْهُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا بَلْ لَا مَعْنَى رَأْسًا مَعَ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهَا بِالظَّنِّ إلَى اشْتِرَاطِ الْبَحْثِ بِالظَّنِّ إذْ غَايَتُهُ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ وَهُوَ حَاصِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) أَيْ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَهُوَ الْعَدْلُ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْعَالِمُ) مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ خَفِيًّا) يُمْكِنُ أَنْ يُضْبَطَ بِمَا لَا يَسْهُلُ عَادَةً تَفْهِيمُ مِثْلِهِ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا] (قَوْلُهُ: يَجُوزُ لِلْقَادِرِ إلَخْ) هَذَا مَعْلُومٌ تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِأَجْلِ إفَادَةِ مَا فِيهَا مِنْ التَّفَاصِيلِ (قَوْلُهُ: عَلَى التَّفْرِيعِ) أَيْ تَفْرِيعِ الْوُجُوهِ وَهِيَ الْأَحْكَامُ عَلَى نُصُوصِ إمَامِهِ أَيْ اسْتِنْبَاطِهَا مِنْهَا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِ لَا لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ لِيُنَاسِبَ الْخِلَافَةَ الْآتِيَةَ اهـ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: اطَّلَعَ) أَيْ الْقَادِرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَاطَّلَعَ صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إفْتَاءِ الْمُجْتَهِدِ الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ إفْتَاءِ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ لَكِنْ الْأَقْعَدُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ إفْتَاءِ مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَيُقَيَّدُ تَصْحِيحُ جَوَازِ إفْتَائِهِ وَيُعَلَّلُ مُقَابِلُهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ اهـ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْقَادِرِ

وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ لِلْمُجْتَهِدِ وَلَا نُسَلِّمُ وُقُوعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ لَهُ (عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ الْمُجْتَهِدُ، (وَرَابِعُهَا) يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ الْإِفْتَاءُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا) عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ (لِأَنَّهُ نَاقِلٌ) لِمَا يُفْتِي بِهِ عَنْ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِهِ عَنْهُ وَهَذَا الْوَاقِعُ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ (وَيَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ) أَيْ أَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مُجْتَهِدٌ (خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ) فِي مَنْعِهِمْ الْخُلُوَّ عَنْهُ (مُطْلَقًا وَلِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ) فِي مَنْعِهِ الْخُلُوَّ عَنْهُ (مَا لَمْ يَتَدَاعَ الزَّمَانُ بِتَزَلْزُلِ الْقَوَاعِدِ) فَإِنْ تَدَاعَى بِأَنْ أَتَتْ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ الْخُلُوُّ عَنْهُ (وَالْمُخْتَارُ) بَعْدَ جَوَازِهِ أَنَّهُ (لَمْ يَثْبُتُ وُقُوعُهُ) وَقِيلَ يَقَعُ دَلِيلُ عَدَمِ الْوُقُوعِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ بِطُرُقِ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ فَيَدْخُلُ فِي غَيْرِهِ مُجْتَهِدُ الْفَتْوَى وَهُوَ كَمَا مَرَّ الْمُجْتَهِدُ الْقَادِرُ عَلَى التَّرْجِيحِ دُونَ التَّفْرِيعِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُسَمَّى مُجْتَهِدَ الْفَتْوَى وَفِيهِ مَعَ هَذَا تَنَاقُضٌ لَا يَخْفَى. قَالَ النَّاصِرُ وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ التَّنَاقُضِ بِأَنَّ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْعَامِّ وَمَا مَرَّ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ أَوْ الْخَاصِّ، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا بَلْ يُقَيَّدُ الْمُطْلَقُ وَيُخَصَّصُ الْعَامُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ لِلْمُجْتَهِدِ) أَيْ الْمُطْلَقِ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ، وَثَالِثُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَرَابِعُهَا يَجُوزُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ إلَخْ لَا لِمَنْطُوقِهِ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ رَابِعِهَا بِقِيلِ كَانَ أَنْسَبَ إذْ لَيْسَ لِلْمَفْهُومِ مُقَابِلٌ غَيْرُ هَذَا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ) عَنْ مُجْتَهِدٍ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ذِكْرِ الْمُجْتَهِدِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ لَكِنْ صَرَّحَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِإِجْرَاءِ هَذَا الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَنْ الَّذِي يُمْكِنُ تَفْوِيضُ الْفَتْوَى إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا، أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَقَلُّونَ كَالْحَنَابِلَةِ اهـ. سم. وَفِي النَّجَّارِيِّ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ وَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَقْلِيُّ وَفِي حَوَاشِي الْمَوْلَى سَعْدِ الدِّينِ مَا يُشْعِرُ بِتَجْوِيزِ كُلٍّ مِنْهُمَا انْتَهَى، وَفِي الْمَنْخُولِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَلْ يَجُوزُ فُتُورُهَا وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا سِوَى الْكَعْبِيِّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ يُنَازِعُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ شَرْعَنَا كَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفَرَّقَ فَارِقُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ خَاتِمَةُ الشَّرَائِعِ وَلَوْ فَتَرَتْ لَبَقِيَتْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا فَاسِدٌ إذْ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُحِيلُهُ وَاَلَّذِينَ فَتَرَتْ عَلَيْهِمْ الشَّرَائِعُ سَابِقًا قَدْ مَاتُوا وَقَامَتْ قِيَامَتُهُمْ إذْ لَمْ يَلْحَقُهُمْ تَدَارُكُ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَخْتَلِفُ الرَّجُلَانِ فِي فَرِيضَةٍ فَلَا يَجِدَانِ مِنْ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا» وقَوْله تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ظَاهِرٌ مُعَرَّضٌ لِلتَّأْوِيلِ، وَيُمْكِنُ تَخَصُّصُهُ بِالْقُرْآنِ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ. وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْقِيَامَةَ إنْ قَامَتْ عَلَى قُرْبٍ فَلَا تَفْتُرُ الشَّرِيعَةُ وَإِنْ امْتَدَّتْ إلَى خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى نَقْلِهَا فَلَا تَضْعُفُ إلَّا عَلَى تَدْرِيجٍ وَلَوْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَالْغَالِبُ فُتُورُهُ إذْ الْهِمَمُ عَلَى التَّرَاجُعِ مَصِيرُهَا إذَا فَتَرَتْ ارْتَفَعَ التَّكْلِيفُ فَهِيَ كَالْأَحْكَامِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ الرُّجُوعَ إلَى مَحَاسِنِ الْعُقُولِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِمَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّا لَا نَقُولُ بِتَحْسِينِ الْعَقْلِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ امْتَدَّتْ إلَى خَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا أَيْ مِنْ عَصْرِهِ وَقَدْ مَضَتْ الْخَمْسُمِائَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَصْرِنَا وَالشَّرِيعَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ مَحْفُوظَةٌ وَلَكِنَّهُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْأَلْفِ اشْتَدَّ التَّنَاقُضُ وَفِي عَصْرِنَا وَهُوَ الْقَرْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ بِتَرَاكُمِ عَظَائِمِ الْخُطُوبِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَبْقَى فِيهِ مُجْتَهِدٌ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَعَمُّ مِنْ أَنْ لَا يُوجَدَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ يُوجَدَ ثُمَّ يُفْقَدَ لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ لَفْظِ الْخُلُوِّ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَدَاعَ الزَّمَانُ) الْمُرَادُ بِتَدَاعِيهِ دُعَاءُ بَعْضِهِ بَعْضًا إلَى الزَّوَالِ كِنَايَةً عَنْ إشْرَافِهِ عَلَى الزَّوَالِ وَتَغَيُّرِهِ عَمَّا كَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْقَوَاعِدِ الْأُمُورُ الْمَعْهُودَةُ فِيهِ فَتَزَلْزُلُهَا عَدَمُ بَقَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ وَتَزَلْزُلُهَا تَعَطُّلُهَا. (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهُ) أَيْ لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَقِيلَ يَقَعُ. (قَوْلُهُ: دَلِيلُ عَدَمِ الْوُقُوعِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَثْبُتْ

ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ أَيْ السَّاعَةُ» ، كَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَيْ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بِقَوْلِهِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَيَدُلُّ لِلْوُقُوعِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا هَذَا» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي مُسْلِمٍ حَدِيثُ «إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيُتْرَكُ فِيهَا الْجَهْلُ» وَنَحْوُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ» ، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْعِلْمِ قَبْضُ أَهْلِهِ وَلِمُعَارَضَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِلْأَوَّلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهُ دُونَ لَا يَقَعُ وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَيْهَا بِأَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ مَا قَرُبَ مِنْهَا.، (وَإِذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ) فِي حَادِثَةٍ (فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ) إلَى غَيْرِهِ فِي مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ (وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ) بِهِ (بِمُجَرَّدِ الْإِفْتَاءِ) فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِ فِيهِ (وَقِيلَ) يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ (بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ) بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ (وَقِيلَ) يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُقُوعُهُ أَوْ عَدَمُ وُقُوعِهِ لَكِنَّهُ آثَرَ التَّعْبِيرَ بِلَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهُ لِمُعَارَضَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ) فِيهِ أَنَّ ظُهُورَهُمْ عَلَى الْحَقِّ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِمَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ) أَيْ الْمُجْتَهِدُونَ حَتَّى تَتِمَّ الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ) أَيْ عُمُومًا فَلَا يُنَافِي الْوُقُوعَ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَيَنْتَزِعُهُ بَدَلٌ مِنْ يَقْبِضُ الْمَنْفِيُّ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا وَرُؤَسَاءُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا وَفَتْحِ سِينٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ جَمْعُ رَئِيسٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ بَعْدَهَا الرَّاءُ وَفَتْحِ السِّينِ مَنُونَةً جَمْعُ رَأْسٍ بِمَعْنَى رَئِيسٍ وَاِتَّخَذَ بِمَعْنَى صَيَّرَ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ جُهَّالًا وَالثَّانِي رُءُوسًا أَيْ اتَّخَذَ النَّاسُ الْجُهَّالَ رُءُوسًا. (قَوْلُهُ: وَيُتْرَكُ فِيهَا الْجَهْلُ) أَيْ يُتْرَكُ بِلَا رَفْعٍ (قَوْلُهُ: وَلِمُعَارَضَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إلَخْ) قَالَ النَّجَّارِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُلُوِّ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ وُقُوعِ الْخُلُوِّ فَالْأَوَّلُ يُعَارِضُهَا فِي ثُبُوتِ الْوُقُوعِ فَالْمُنَاسِبُ إسْنَادُ الْمُعَارَضَةِ إلَيْهِ لَا إلَيْهَا كَمَا يُعْرَفُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ «اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْته مِنْ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قِيلَ وَكَيْفَ هَذَا وَقَدْ جَاءَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لَا بُدَّ لِلزَّمَانِ أَنْ يَتَنَفَّسَ رَأَيْتُهُ فِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي خُطْبَةِ كِتَابِ تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ كُلَّ عَامٍ تُرْذَلُونَ فَلَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَيْهَا إلَخْ) أَيْ فَيَثْبُتُ الْوُقُوعُ لِسَلَامَةِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُقُوعِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْمُطْلَقِ وَحَمْلِ الْبَقِيَّةِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَنْ اسْتَقَلَّ بِقَوَاعِدَ لِنَفْسِهِ يَبْنِي عَلَيْهَا الْفِقْهَ خَارِجًا عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ الْمُقَرَّرَةِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ مِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ الْمُنِيرِ وَابْنُ الْحَاجِّ وَمِنْ أَئِمَّتِنَا ابْنُ بُرْهَانَ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ اهـ. زَكَرِيَّا. أَقُولُ قَدْ سَلَفَ مِنَّا نَقْلٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَثْبَتَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ لِوَالِدِهِ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ وَنُقِلَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ عَنْهُ أَقْوَالًا انْفَرَدَ بِهَا عَنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَصْرِ النَّوَوِيِّ لَكِنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ تِلْمِيذِهِ ابْنِ الْعَطَّارِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ بِدِمَشْقَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ إلَخْ) قَالَ سم ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ إلَى فَرْعٍ مِنْ الْعَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِالشُّرُوعِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ أَبْطَلَهُ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَمَا أَنَّ قَضِيَّةَ الِاكْتِفَاءِ بِالشُّرُوعِ عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي أَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ لِحُصُولِ الشُّرُوعِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِهَا) إفْصَاحٌ عَمَّا أَرَادَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ كَالزَّرْكَشِيِّ بِقَوْلِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْعَيْنِ النَّوْعُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَإِذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِهِ فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ

(إنْ الْتَزَمَهُ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، (وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ) يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ (إنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِحَّتُهُ) وَإِلَّا فَلَا (وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ) يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ (إنْ لَمْ يُوجَدْ مُفْتٍ آخَرَ فَإِنْ وُجِدَ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ) أَيْ جَوَازُ الرُّجُوعِ إلَى غَيْرِهِ (فِي حُكْمٍ آخَرَ) وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِسُؤَالِ الْمُجْتَهِدِ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ الْتِزَامُ مَذْهَبِهِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَجِبُ) عَلَى الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ (الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ) مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ (يَعْتَقِدُهُ أَرْجَحَ) مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ مُسَاوِيًا) لَهُ وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الْأَمْرِ مَرْجُوحًا عَلَى الْمُخْتَارِ الْمُتَقَدِّمِ، (ثُمَّ) فِي الْمُسَاوِي (يَنْبَغِي السَّعْيُ فِي اعْتِقَادِهِ أَرْجَحَ) لِيُتَّجَهَ اخْتِيَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ (ثُمَّ فِي خُرُوجِهِ عَنْهُ) أَقْوَالٌ أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْتِزَامُهُ، ثَانِيهَا يَجُوزُ وَالْتِزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ غَيْرُ مُلْزَمٍ، (ثَالِثُهَا لَا يَجُوزُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ) وَيَجُوزُ فِي بَعْضٍ تَوَسُّطًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَالْجَوَازُ فِي غَيْرِ مَا عَمِلَ بِهِ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي عَمَلِ غَيْرِ الْمُلْتَزِمِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ اتِّفَاقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفْتِي فِيمَا أَفْتَاهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: إنْ الْتَزَمَهُ) أَيْ الْعَمَلَ بِأَنْ صَمَّمَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَخْ) نُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ مَا يُوَافِقُهُ وَاخْتَارَهُ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فِي حُكْمٍ آخَرَ) هَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمِثْلِ وَمَا هُنَا فِي حُكْمٍ آخَرَ مُغَايِرٍ لَهُ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ فِي عَامِّيٍّ غَيْرِ مُلْتَزِمٍ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ فِي حَادِثَةٍ مَا كَالشَّافِعِيِّ قَلَّدَ مَالِكًا أَوْ أَبَا حَنِيفَةَ فِي حَادِثَةٍ، أَمَّا الْتِزَامُ الْمَذْهَبِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنَّهُ يَجِبُ الْتِزَامُ إلَخْ وَفِي التَّحْرِيرِ لَا يَرْجِعُ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَهَلْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي حُكْمِ غَيْرِهِ الْمُخْتَارُ نَعَمْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمُسْتَفْتِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ كَانُوا يَسْتَفْتُونَ مَرَّةً وَاحِدًا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَرَّةً غَيْرَهُ غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ مُفْتِيًا وَاحِدًا فَلَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُبَيَّنًا كَأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ الشَّافِعِيِّ فَقِيلَ يَلْزَمُ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ اهـ. قَالَ شَارِحُهُ السَّيِّدُ بادشاه وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ غَيْرَ مُلْزِمٍ إذَا لَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَيُقَلِّدَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْتِي بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْتِزَامُهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ حَتَّى يَجِبَ الْوَفَاءُ بِهِ اهـ. قَالَ السَّيِّدُ عَلِيٌّ السَّمْهُودِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالْعِقْدِ الْفَرِيدِ فِي أَحْكَامِ التَّقْلِيدِ وَلَوْ نَذَرَهُ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ وَإِسْنَادُ الْمَذَاهِبِ عَلَى الْمُقَرَّرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَخْ) حُكِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ جَوَازُهُ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْعُهُ فِي الْعَصْرِ الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْمَذَاهِبُ، وَقَوْلُهُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ أَيْ إنْ عَمِلَ وَإِلَّا فَالْمُعَلَّلُ أَعَمُّ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ فِيمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي الْمُسَاوِي إلَخْ) الْقَرِينَةُ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمُسَاوِي قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْبَغِي السَّعْيُ فِي اعْتِقَادِهِ أَرْجَحُ إذْ لَوْ أُرِيدَ مَا يَعُمُّ الْأَرْجَحَ لَكَانَ قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْبَغِي السَّعْيُ فِي اعْتِقَادِهِ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ) أَيْ بِالتَّقْلِيدِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْتِزَامُهُ أَيْ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَا عَمِلَ بِهِ) أَيْ وَعَدَمُهُ وَقَوْلُهُ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَيْ مِنْ مَفْهُومِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيمَا عُمِلَ بِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ اتِّفَاقًا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَسْنَدَ نَقْلَ الِاتِّفَاقِ إلَيْهِمَا لِيَبْرَأَ عَنْ عُهْدَتِهِ لِقَوْلِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوِيهِ إنَّ فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرًا، وَإِنَّ فِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ خِلَافٍ بَعْدَ الْعَمَلِ اهـ. وَفِي رِسَالَةِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ الْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ اتَّصَلَ عَمَلُهُ بِهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ اتِّبَاعِ غَيْرِ مَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي حِكَايَةِ إطْلَاقِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَنْعِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ اتِّفَاقُ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الرُّجُوعِ حَيْثُ عَمِلَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الْمُنْقَضِيَةِ لَا مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا مِنْ جِنْسِهَا فَهُوَ ظَاهِرٌ كَحَنَفِيٍّ سَلَّمَ شُفْعَةً بِالْجِوَارِ عَمَلًا بِعَقِيدَتِهِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى يَنْزِعَ الْعَقَارَ مِمَّنْ سَلَّمَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ الشَّافِعِيَّ بِإِعَادَةِ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَاتِهِ الَّتِي يَقُولُ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِهِ لِمُضِيِّهَا عَلَى الصِّحَّةِ فِي اعْتِقَادِهِ فِيمَا مَضَى فَلَوْ اشْتَرَى هَذَا الْحَنَفِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَقَارًا آخَرَ، وَقَلَّدَ الشَّافِعِيَّ بِعَدَمِ الْقَوْلِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَلَا يَمْنَعُهُ مَا سَبَقَ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَقَارِ الثَّانِي فَإِنْ قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا بِالْمَنْعِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَعَمَّمُوا ذَلِكَ جَمِيعَ صُوَرِ مَا وَقَعَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْ لَا فَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَدَعْوَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ

فَالْمُلْتَزِمُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَقَدْ حَكَيَا فِيهِ الْجَوَازَ فَيُقَيَّدُ بِمَا قُلْنَاهُ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا يَقَعُ لَهُ بِهَذَا الْمَذْهَبِ تَارَةً وَبِغَيْرِهِ أُخْرَى وَهَكَذَا. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ) فِي الْمَذَاهِبِ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْمَسَائِلِ (وَخَالَفَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ) فَجَوَّزَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا النَّقْلَ عَنْهُ سَهْوٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِهِ وَالثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَمْنُوعَةٌ فَفِي الْخَادِمِ أَنَّ الْإِمَامَ الطُّرْطُوشِيَّ حَكَى أَنَّهُ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَهَمَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ بِالتَّكْبِيرِ فَإِذَا طَائِرٌ قَدْ ذَرَقَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَنَا حَنْبَلِيٌّ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْخَ شَافِعِيٌّ يَتَجَنَّبُ الصَّلَاةَ بِذَرْقِ الطَّائِرِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ عَمَلُهُ السَّابِقُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَفِي ذَلِكَ تَقْلِيدُ الْمُخَالِفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِي الْخَادِمِ أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا عَاصِمٍ الْعَامِرِيَّ الْحَنَفِيَّ كَانَ يُفْتِي عَلَى بَابِ مَسْجِدِ الْقَفَّالِ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ الْمَغْرِبَ فَتَرَكَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا رَآهُ الْقَفَّالُ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِقَامَةَ وَقَدَّمَ الْقَاضِيَ فَتَقَدَّمَ وَجَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ الْقِرَاءَةِ وَأَتَى بِشِعَارِ الشَّافِعِيَّةِ فِي صَلَاتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا عَاصِمٍ إنَّمَا يُصَلِّي قَبْلُ بِشِعَارِ مَذْهَبِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ سَبْقُ عَمَلِهِ بِمَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ السَّمْهُودِيُّ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ مَسَائِلَ إلَى أَنْ قَالَ وَدَعْوَى الِاتِّفَاق فِيهَا نَظَرٌ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَيْضًا، وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ إذَا اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ وَلَكِنْ وَجْهُ مَا قَالَاهُ أَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ مُكَلَّفٍ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غَيْرُهُ، وَالْعَامِّيُّ لَا يَظْهَرُ لَهُ الْغَيْرُ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ حَيْثُ يَنْتَقِلُ مِنْ إمَارَةٍ إلَى إمَارَةٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنِّي أَرَى تَنْزِيلَهُ عَلَى خُصُوصِ الْعَيْنِ فَلَا يَبْطُلُ عَيْنُ مَا فَعَلَهُ وَلَهُ فِعْلُ جِنْسِهِ بِخِلَافِهِ اهـ. كَلَامُ السَّمْهُودِيِّ. أَقُولُ: وَقَدْ وَقَعَ التَّقْلِيدُ بَعْدَ مُضِيِّ الْعَمَلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَعْمُولِ بِهَا كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُغْتَسِلًا مِنْ الْحَمَّامِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ وَتَفَرَّقُوا ثُمَّ أُخْبِرُوا بِوُجُودِ فَارَةٍ مَيِّتَةٍ فِي بِئْرِ الْحَمَّامِ فَقَالَ إذَنْ نَأْخُذُ بِقَوْلِ إخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خُبْثًا نَقَلَ هَذِهِ الشَّيْخُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ سَاكِتًا عَلَيْهَا، وَنَقَلَهَا بِيرِيّ زَادَهْ أَيْضًا فِي رِسَالَةٍ لَهُ مَعْمُولَةٍ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ فَلِذَلِكَ تَعَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ إنَّ مَا أَفَادَتْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا لِتَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَلَا عَمَلَ لِلدَّلَالَةِ مَعَ الصَّرِيحِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْقُنْيَةِ عَلَى إعَادَتِهِ لِلصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الْحِكَايَةَ ثُمَّ قَالَ فَاغْتَسَلَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَوْمَ بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ اجْتِهَادِي يَلْزَمُ نَفْسِي لَا غَيْرِي، وَنَقَلَ بِيرِيّ زَادَهْ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ فِي شَرْحِ آدَابِ الْخَصَّافِ مَسْأَلَةً يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْقُضَاةُ وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا جَاءَ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ يَرَى مَذْهَبَ الْمُخَالِفِ وَادَّعَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ عَلَى رَجُلٍ هَلْ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ أَمْ لَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَدَّعِي فَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فَقَدْ رَكَنَ إلَى مَذْهَبِنَا فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَيَقْضِي لَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا تَقَدَّمَ لِلْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ هَلْ يُعْتَقَدُ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ يَقْضِي وَإِنْ قَالَ لَا رَفَعَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ وَأَحْسَنُهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَكَيَا فِيهِ) أَيْ فِي الْمُلْتَزَمِ (قَوْلُهُ: الْجَوَازَ) أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: فَيُقَيَّدُ بِمَا قُلْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْمَلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ إلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ يَسْتَفْتِي مَنْ شَاءَ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ لِلرُّخَصِ وَلَعَلَّ مَنْ مَنَعَهُ لَمْ يَثِقْ بِعَدَمِ تَلَفُّظِهِ النَّهْيَ. وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ صَحَّحَ جَوَازَ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فِي حُكْمٍ آخَرَ بَعْدَ اسْتِفْتَائِهِ فِي غَيْرِهِ مَعَ إيجَابِهِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ خُرُوجُ الْمُلْتَزِمِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا جَازَ خُرُوجُ الْمُلْتَزِمِ مَعَ إيجَابِ الْتِزَامِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَجُوِّزَ ذَلِكَ) نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْحَنَفِيُّ عَنْ السَّيِّدِ بادشاه فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ يَجُوزُ

[التقليد في أصول الدين]

وَقَدْ تَفَقَّهَ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ أَرَادَ بِعَدَمِ الْفِسْقِ الْجَوَازَ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ وَامْتِنَاعُ التَّتَبُّعِ شَامِلٌ لِلْمُلْتَزِمِ وَغَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْيِيدُ الْجَوَازِ السَّابِقِ فِيهِمَا بِمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَتَبُّعِ الرُّخَصِ. (مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ فِي التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّبَاعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ إذْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْلُكَ الْمَسْلَكَ الْأَخَفَّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ إلَيْهِ سَبِيلٌ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِقَوْلٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ الْأَخَفِّ اهـ.، وَقَالَ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ إنَّ مِثْلَ هَذِهِ التَّشْدِيدَاتِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الْمُنْتَقِلِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ إلْزَامَاتٌ مِنْهُمْ لِكَفِّ النَّاسِ عَنْ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ، وَإِلَّا فَأَخْذُ الْعَامِّيِّ بِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ يَكُونُ قَوْلُهُ أَخَفَّ عَلَيْهِ لَا أَدْرِي مَا يَمْنَعُ مِنْهُ عَقْلًا وَشَرْعًا اهـ. هَذَا مَا نَقَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَامِّيِّ إذَا قَلَّدَ إمَامًا فِي مَسْأَلَةٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي سَائِرِ مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ الْمَذَاهِبُ يَسْأَلُونَ فِيمَا يَسْنَحُ لَهُمْ الْعُلَمَاءُ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ سَوَاءٌ اتَّبَعَ الرُّخْصَ فِي ذَلِكَ أَوْ الْعَزَائِمَ؛ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْمُصِيبَ وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَمَنْ جَعَلَ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا فَلَا إنْكَارَ عَلَى مَنْ قَلَّدَهُ بِالصَّوَابِ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ مِنْ حِكَايَتِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ مِنْ الْمَذَاهِبِ فَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَتَبَّعَهَا عَنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِمَنْ قَالَ بِهَا أَوْ عَلَى الرُّخَصِ الْمُرَكَّبَةِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ نَقَلَهُ عَنْ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ. فَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ جَوَازُ التَّقْلِيدِ وَجَوَازُ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا اعْتَبَرَهُ الْمُجْتَهِدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ التَّقْلِيدُ فِيهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهَا كَيْ لَا يَقَعَ فِي حُكْمٍ مُرَكَّبٍ مِنْ اجْتِهَادَيْنِ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ لَمْسٍ مُجَرَّدٍ عَنْ الشَّهْوَةِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ، وَهَذَا عَمَلُ مَنْ مَنَعَ التَّلْفِيقَ فِي التَّقْلِيدِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّلْفِيقُ فِي أَجْزَاءِ الْحُكْمِ لَا فِي جُزْئِيَّاتِ الْمَسَائِلِ كَمَا نَقَلْنَاهُ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَمْهِيدِهِ عَنْ الْقَرَافِيِّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ جَوَازُ تَقْلِيدِ مَذْهَبِ الْغَيْرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْقِعًا فِي أَمْرٍ يُجْمِعُ عَلَى إبْطَالِهِ إمَامُهُ الْأَوَّلُ وَإِمَامُهُ الثَّانِي فَمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا مَثَلًا فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِاللَّمْسِ الْخَالِي عَنْ الشَّهْوَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُدَلِّكَ بَدَنَهُ وَيَمْسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ، وَإِلَّا فَتَكُونُ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمِنْ فُرُوع هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بِلَا شُهُودٍ تَقْلِيدًا لِمَالِكٍ وَوَطِئَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فَلَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ أَيْضًا حُدَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَيْنِ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْبُطْلَانِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ التَّقْلِيدُ وَالتَّتَبُّعُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ الَّذِينَ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِمْ الْآنَ وَهُمْ الْأَرْبَعَةُ دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ أَصْحَابِهِمْ انْقَرَضَتْ مَذَاهِبُهُمْ، وَقَدْ كَانُوا كَثِيرِينَ أَوَّلًا وَيُقَيَّدُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ بِقَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْعَزَائِمَ رَأْسًا بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. وَأَمَّا الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فَقَدْ مَنَعَ تَتَبُّعَ الرُّخَصِ قَائِلًا إنَّ الْعَوَامَّ وَالْفُقَهَاءَ وَكُلَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْصِبَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا غِنَى لَهُمْ عَنْ تَقْلِيدِ إمَامٍ وَاتِّبَاعِ قُدْوَةٍ إذْ تَحْكِيمُ الْعُقُولِ الْقَاصِرَةِ الذَّاهِلَةِ عَنْ مَأْخَذِ الشَّرْعِ مُحَالٌ وَتَخَيُّرُ أَطْيَبِ الْمَذَاهِبِ وَأَسْهَلِ الْمَطَالِبِ بِالْتِقَاطِ الْأَخَفِّ وَالْأَهْوَنِ مِنْ مَذْهَبِ كُلِّ ذِي مَذْهَبٍ مُحَالٌ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالتَّشَهُّرِ، وَيَتَّسِعُ الْخَرْقُ عَلَى فَاعِلِهِ فَيَنْسَلُّ عَنْ مُعْظَمِ مَضَايِقِ الشَّرْعِ بِآحَادِ التَّوَسُّعَاتِ الَّتِي اتَّفَقَتْ أَئِمَّةُ الشَّرْعِ فِي آحَادِ الْقَوَاعِدِ عَلَى رَدِّهَا وَالْآخَرَانِ اتِّبَاعُ الْأَفْضَلِ مُتَحَتِّمٌ وَتَخَيُّرُ الْمَذَاهِبِ يَجُرُّ لَا مَحَالَةَ إلَى اتِّبَاعِ الْأَفْضَلِ تَارَةً وَالْمَفْضُولِ أُخْرَى وَلَا مُبَالَاةَ بِقَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ الْخِيَرَةَ فِي الْأَحْكَامِ تَلَقِّيًا مِنْ تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَسَادَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَفَقَّهَ عَلَى الْأَوَّلِ) أَرَادَ تَقْوِيَةَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: لِلْمُلْتَزِمِ وَغَيْرِهِ) وَهُوَ صَاحِبُ الْحَادِثَةِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ لَهُ وَإِذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ فِي حَادِثَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ شُمُولِ الِامْتِنَاعِ وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَعُودُ لِلْمُلْتَزِمِ وَغَيْرِهِ. [التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ] (قَوْلُهُ: فِي التَّقْلِيدِ هُوَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ قِلَادَةً فِي عُنُقِهِ فَهُوَ تَابِعٌ

أَيْ مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَوُجُودِ الْبَارِي وَمَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ لَا يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ النَّظَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ تَبَعَ الدَّابَّةِ لِقَائِدِهَا، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُقَلِّدٍ يَنْقَادُ وَبَهِيمَةٍ تُقَادُ، وَأَمَّا التَّلَامِذَةُ فَإِنَّهُمْ بَعْدَ إرْشَادِ الْمَشَايِخِ لَهُمْ إلَى الْأَدِلَّةِ مِنْ الْعَارِفِينَ وَضَرَبَ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْجَزَائِرِيَّةِ مِثَالًا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُقَلِّدِينَ بِجَمَاعَةٍ نَظَرُوا لِلْهِلَالِ فَسَبَقَ بَعْضُهُمْ إلَى رُؤْيَتِهِ فَإِنْ أَخْبَرَ الْبَاقِي وَصَدَّقُوهُ مِنْ غَيْرِ مُعَانَاةٍ وَتَطَلُّعٍ لَهُ كَانُوا مُقَلِّدِينَ وَإِنْ أَرْشَدَهُمْ بِالْعَلَامَاتِ حَتَّى عَثَرُوا عَلَيْهِ خَرَجُوا عَنْ التَّقْلِيدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُولَى إذَا سَأَلَتْ عَنْ الْهِلَالِ كَانَ جَوَابُهَا قَالُوا إنَّهُ ظَهَرَ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَتَقُولُ رَأَيْته بِعَيْنَيَّ فِي مَكَانِ كَذَا وَتَذْكُرُ الْعَلَامَاتِ وَأُصُولُ الدِّينِ قَوَاعِدُهُ وَهِيَ الْمَسَائِلُ الْكَلَامِيَّةُ لِابْتِنَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ عَلَيْهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ فِي التَّقْلِيدِ فِيهِ شَيْئًا لَكِنْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ فِيمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِ وَقِيلَ النَّظَرُ فِيهِ حَرَامٌ فَيَكُونُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ وُجُوبُ التَّقْلِيدِ فِيهِ انْتَهَى، وَمَا فِي شَرْحِ الْكُبْرَى نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَنَّ التَّقْلِيدَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَمَرَ بِتَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ لَزِمَ نَجَاتُهُ بِتَقْلِيدِ الضَّالِّينَ وَإِنْ أَمَرَ بِتَقْلِيدِ الْمُحَقِّقِينَ فَإِمَّا بِدُونِ دَلِيلٍ يَعْلَمُ بِهِ حَقِيقَتَهُمْ فَهُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ أَوْ بِدَلِيلٍ فَلَا يَكُونُ مُقَلِّدًا فَمُنْدَفِعٌ إذْ يَتَّفِقُ تَقْلِيدُ الْمُحَقِّقِ لِمُجَرَّدِ حُسْنِ ظَنٍّ بِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ التَّقْلِيدِ فَهُوَ مُقَلِّدٌ فِيمَنْ قَلَّدَهُ أَيْضًا. وَهَذَا وَاقِعٌ كَثِيرًا حَتَّى فِيمَنْ نُسِبَ إلَى الْعِلْمِ فَإِنَّا نَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِكَلَامٍ لَا أَصْلَ لَهُ لِحُسْنِ ظَنٍّ بِقَائِلِهِ وَشُهْرَتِهِ فِي الْعِلْمِ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَهُ عَلَى بُطْلَانِهِ أَوْ أَتَى لَهُ بِنَقْلٍ يُخَالِفُهُ عَنْ إمَامٍ مُحَقِّقٍ فِي هَذَا الْفَنِّ، إمَّا أَنْ لَا يَرْجِعَ أَصْلًا أَوْ يَرْجِعَ ظَاهِرًا أَوْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّ الشَّيْخَ لَهُ اطِّلَاعٌ كَثِيرٌ فَهُوَ أَدْرَى وَمَا دَرَى الْغَبِيُّ أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ لَيْسَ مَعْصُومًا عَنْ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ مَسَائِلُ الِاعْتِقَادِ) وَهِيَ الْقَضَايَا الْمُعْتَقَدَةُ فَتَمْثِيلُ الشَّارِحِ لَهَا بِقَوْلِهِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُدُوثِ وَمَا بَعْدَهُ يَقَعُ مَحْمُولًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، كَأَنْ يُقَالَ الْعَالَمُ حَادِثٌ إلَخْ وَالْمُرَادُ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهُ أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ كَثُبُوتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ بَلْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَصْلٌ لَهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إثْبَاتِ الْوَاجِبِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّاتِ وَبَقِيَّةِ الْعَقَائِدِ وَلِشَرَافَةِ هَذَا الْأَصْلِ اعْتَنَتْ الْمُحَقِّقُونَ بِإِفْرَادِهِ بِالتَّأْلِيفِ، وَكَثُرَ فِيهِ الْجِدَالُ وَالنِّزَاعُ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ فَصَارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ غَوَامِضِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَأَكْثَرُ مَنْ أَلَّفَ فِي هَذَا الْفَنِّ يُصَدِّرُ كِتَابَهُ بِمَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ كَمَتْنِ عَقَائِدِ النَّسَفِيِّ وَمَتْنِ عَقَائِدِ الْعَضُدِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَبَاحِث النُّبُوَّةِ، وَقَدْ سَلَكَ الشَّارِحُ مَسْلَكًا لَطِيفًا فِي الْعَطْفِ يُعْلَمُ سِرُّهُ مِمَّا قَرَرْنَاهُ فِي كَوْنِ حُدُوثِ الْعَالَمِ أَصْلًا عَظِيمًا (قَوْلُهُ: فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَخْ) تَفْصِيلٌ لِلِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَجِبُ النَّظَرُ) أَيْ وُجُوبًا شَرْعِيًّا لَا عَقْلِيًّا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَاحْتَجَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ النَّظَرِ فِي الْمُعْجِزَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَسَائِرِ مَا يُؤَدِّي إلَى

لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ الْيَقِينُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19] وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى لِلنَّاسِ {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] وَيُقَاسُ غَيْرُ الْوَحْدَانِيَّةِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ وَلَا يَجِبُ النَّظَرُ اكْتِفَاءً بِالْعَقْدِ الْجَازِمِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَفِي فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْأَعْرَابِ وَلَيْسُوا أَهْلًا لِلنَّظَرِ بِالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ الْمُنْبِئِ عَنْ الْعَقْدِ الْجَازِمِ، وَيُقَاسُ غَيْرُ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ. (وَقِيلَ النَّظَرُ فِيهِ حَرَامٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالِ لِاخْتِلَافِ الْأَذْهَانِ وَالْأَنْظَارِ بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ فَيَجِبُ بِأَنْ يَجْزِمَ الْمُكَلَّفُ عَقْدَهُ بِمَا يَأْتِي بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْعَقَائِدِ وَدَفَعَ الْأَوَّلُونَ دَلِيلَ الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَعْرَابَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنَّظَرِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّظَرُ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَمَا أَجَابَ الْأَعْرَابِيُّ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ سُؤَالِهِ بِمَ عَرَفْت رَبَّك فَقَالَ: الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ وَأَثَرُ الْأَقْدَامِ تَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتِ الشَّرْعِ عَقْلِيٌّ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَّا بِالشَّرْعِ لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ يَكُنْ لِلْبَعْثَةِ فَائِدَةٌ وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ وَوَجْهُ اللُّزُومِ أَنَّ النَّبِيَّ إذَا قَالَ لِلْمُكَلَّفِ اُنْظُرْ فِي مُعْجِزَتِي حَتَّى يَظْهَرَ لَك صِدْقُ دَعْوَايَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ. لِأَنَّ تَرْكَ غَيْرِ الْوَاجِبِ جَائِزٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى مَا لَمْ يُثْبِتْ الشَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ إلَّا بِالشَّرْعِ وَلَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ مَا لَمْ أَنْظُرْ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَقُولَ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ عَقْلًا وَلَا يَجِبُ عَقْلًا مَا لَمْ أَنْظُرْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ نَظَرِيٌّ يَفْتَقِرُ إلَى تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَتَحْقِيقِ أَنَّ النَّظَرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ أَنَّ فِيهِ إلْجَاءَ الْخَصْمِ إلَى الِاعْتِرَافِ بِنَقِيضِ دَلِيلِهِ حَيْثُ دَلَّ عَلَى نَفْيِ مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ) أَيْ فِي أُصُولِ الدِّينِ الْيَقِينُ أَيْ وَلَا يَقِينَ مَعَ التَّقْلِيدِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ) مِنْ تَتِمَّةِ الدَّلِيلِ وَتَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ لِيُفِيدَ قَوْلَهُ وَاتَّبِعُوهُ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْعِلْمِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ وَدَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الْأَمْرِ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا الْوُجُوبُ وُجُوبُ أُصُولٍ فَيَكُونُ الْمُقَلِّدُ كَافِرًا أَوْ وُجُوبُ فُرُوعٍ فَيَكُونُ آثِمًا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلَةِ عَنْ تَقْلِيدٍ وَهِيَ جَزْمٌ بِلَا دَلِيلٍ فَالظَّانُّ وَالشَّاكُّ وَالْمُتَوَهِّمُ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ كَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ فِي الْوُسْطَى (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ غَيْرُ الْوَحْدَانِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْأَمْرُ فِي {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19] عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْأَمْرُ فَتَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: بِالتَّلَفُّظِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّمَا اكْتَفَى الشَّارِعُ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ الدُّخُولِ فِي الْإِيمَانِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ بَعْدَ إيمَانِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ (قَوْلُهُ:، وَيُقَاسُ غَيْرُ الْإِيمَانِ) أَيْ غَيْرُ الْإِيمَانِ بِمَضْمُونِ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ فَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ هُوَ الْإِيمَانُ بِمَضْمُونِ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ، وَالْمَقِيسُ بَقِيَّةُ الْعَقَائِدِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ النَّظَرُ فِيهِ حَرَامٌ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ النَّظَرِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَعَدَمُهُ النَّظَرُ فِي غَيْرِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا النَّظَرُ فِيهَا فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ اهـ زَكَرِيَّا. قَالَ سم مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي ذَكَرَهُ يَعُودُ لِقَوْلِهِ أَمَّا النَّظَرُ إلَخْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ السَّعْدِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَمْنُوعَةٌ أَلَا تَرَى إلَى تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ وَوُجُودُ الْبَارِي إلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ السَّعْدَ فِي أَثْنَاءِ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ جَوَازُ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّقْلِيدِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ بِعُمُومِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ اهـ. مُلَخَّصًا. ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا جَهِلَهُ كُفْرٌ كَصِفَاتِ السُّلُوبِ وَالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ، أَمَّا صِفَاتُ الْمَعَانِي وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَكْفُرُ مُسْكِرُهُ فَلَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشَّبَهِ) إذْ الِاسْتِدْلَال بِفَتْحِ بَابِ الْجِدَالِ وَنِهَايَةِ إقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالٌ وَلِلَّهِ الْقَائِلُ لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْت الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا ... وَسَرَّحْت طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ فَلَمْ أَرَ إلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ ... عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمٍ (قَوْلُهُ: كَمَا أَجَابَ الْأَعْرَابِيُّ) وَتَقُولُ الْعَامَّةُ إذَا رَأَتْ مَا يُعْجِبُهَا سُبْحَانَ الْخَالِقِ بَلْ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَمْ

أَلَا تَدُلُّ عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ، وَمَا يُذْعِنُ أَحَدٌ مِنْ الْأَعْرَابِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِلْإِيمَانِ فَيَأْتِي بِكَلِمَتِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ فَيَهْتَدِيَ لِذَلِكَ، أَمَّا النَّظَرُ عَلَى طَرِيقِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ تَحْرِيرِ الْأَدِلَّةِ وَتَدْقِيقِهَا وَدَفْعِ الشُّكُوكِ وَالشُّبَهِ هَهُنَا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ الْمُتَأَهِّلِينَ لَهُ يَكْفِي قِيَامُ بَعْضِهِمْ بِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ الْوُقُوعُ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالِ فَلَيْسَ لَهُ الْخَوْضُ فِيهِ وَهَذَا مَحْمَلُ نَهْيِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ تَصِحُّ عَقَائِدُ الْمُقَلِّدِ، وَإِنْ كَانَ آثِمًا بِتَرْكِ النَّظَرِ عَلَى الْأَوَّلِ. (وَعَنْ الْأَشْعَرِيِّ) أَنَّهُ (لَا يَصِحُّ إيمَانُ الْمُقَلِّدِ) وَشَنَّعَ أَقْوَامٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَكْفِيرُ الْعَوَامّ وَهُمْ غَالِبُ الْمُؤْمِنِينَ، (وَقَالَ) الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ (الْقُشَيْرِيُّ) فِي دَفْعِ التَّشْنِيعِ هَذَا (مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالتَّحْقِيقُ) فِي الْمَسْأَلَةِ الدَّافِعُ لِلتَّشْنِيعِ أَنَّهُ (إنْ كَانَ) التَّقْلِيدُ (أَخْذَ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مَعَ احْتِمَالِ شَكٍّ أَوْ وَهْمٍ) بِأَنْ لَا يَجْزِمَ بِهِ (فَلَا يَكْفِي) إيمَانُ الْمُقَلِّدِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا إيمَانَ مَعَ أَدْنَى تَرَدُّدٍ فِيهِ. (وَإِنْ كَانَ) التَّقْلِيدُ أَخْذَ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَكِنْ (جَزْمًا) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (فَيَكْفِي) إيمَانُ الْمُقَلِّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْلُغُوا سِنَّ التَّمْيِيزِ يُقْسِمُونَ بِاَللَّهِ وَبِالنَّبِيِّ وَيَسْتَعْطِفُونَ وَالِدَيْهِمَا بِالْقَسَمِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مِصْدَاقُ حَدِيثِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» . (قَوْلُهُ: أَلَا تَدُلُّ) أَيْ السَّمَاءُ وَالْأَبْرَاجُ وَالْأَرْضُ وَالْفِجَاجُ وَإِلَّا لَقَالَ يَدُلَّانِ أَيْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ (قَوْلُهُ: لِلْإِيمَانِ) أَيْ لَأَظْهَرَاهُ، وَإِلَّا فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِذْعَانُ فَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى وَمَا يُذْعِنُ أَحَدٌ لِلْإِذْعَانِ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْمُتَأَهِّلِينَ) أَيْ فَإِذَا لَمْ يُقْسِمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ تَأْثَمْ الْعَامَّةُ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْأَشْعَرِيِّ إلَخْ) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ نُسِبَ إلَى جَدِّهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ كَانَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ تَرْجَمَهُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَالِكِيٌّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ سَيِّدِي عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ عَقِيدَتِهِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَمَا يُقَالُ أَنَّهُ وَاضِعُ عِلْمِ الْكَلَامِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ آخِذٌ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَهُ تَأْلِيفٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ وَاضِعُ عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ قِيلَ إنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَأَلَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِيهِ رِسَالَةً وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَقِيلَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. (قَوْلُهُ: وَتَكْفِيرُ الْعَوَامّ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّهُمْ عَارِفُونَ بِالدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ وَهُوَ كَافٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِدَلِيلٍ إجْمَالِيٍّ يَرْفَعُ النَّاظِرَ عَنْ حَضِيضِ التَّقْلِيدِ فَرْضُ عَيْنٍ لَا مَخْرَجَ عَنْهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَبِدَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ إزَاحَةِ الشَّبَهِ وَإِلْزَامِ الْمُنْكِرِينَ وَإِرْشَادِ الْمُسْتَرْشِدِينَ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ يَقُومُ بِهِ الْبَعْضُ. (قَوْلُهُ: مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النَّقْلَ عَنْهُ مَشْهُورٌ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمَقَاصِدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ ابْتِنَاءِ الِاعْتِقَادِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأُصُولِ عَلَى دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ الِاقْتِدَارُ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ وَعَلَى مُحَاوَلَةِ الْخُصُومِ وَدَفْعِ الشَّبَهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ حَتَّى حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، لَكِنْ ذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ مُؤْمِنًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ لِوُجُودِ التَّصْدِيقِ لَكِنَّهُ عَاصٍ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ إنَّ التَّقْلِيدَ فِي الدِّينِ لِضَعِيفِ النَّظَرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ الدِّينِ إنْ نَظَرَ فِيهِ لِقُصُورِهِ قَالَ وَقَدْ رَأَيْنَا جَمَاعَةً خَرَجُوا عَنْ الدِّينِ بِالنَّظَرِ لَمَّا كَانَتْ فِطْرَتُهُمْ مَعْلُومَةً، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ إنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ النَّجَاةَ فَلْيَأْخُذْ عَقَائِدَهُ تَقْلِيدًا كَمَا أَخَذَ أَحْكَامَ دِينِهِ تَقْلِيدًا اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَهْمٍ) أَيْ فَيَكُونُ الْحَاصِلُ عِنْدَهُ ظَنًّا؛ لِأَنَّ الْوَهْمَ هُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ لَا يَجْزِمَ إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى دُخُولِ الظَّنِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا إيمَانَ مَعَ تَرَدُّدٍ) فِيهِ مِنْ هَذَا النَّمَطِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ كُبْرَاهُ مِمَّا وَقَعَ سُؤَالٌ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى وَغَيْرِهِ عَنْهُ مِنْ فُقَهَاءِ بِجَايَةَ فِيمَنْ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ إيمَانًا مِنْ إسْلَامٍ

عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ (خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ) فِي قَوْلِهِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْإِيمَانِ مِنْ النَّظَرِ وَعَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالتَّقْلِيدِ الْجَازِمِ فِي الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَلْيَجْزِمْ) أَيْ الْمُكَلَّفُ (عَقْدَهُ بِأَنَّ الْعَالَمَ) وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَصِفَاتِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهُ كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَهُ (مُحْدَثٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا الرَّسُولَ مِنْ الْمُرْسِلِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَقُولُ سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْته هَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ أَمْ لَا فَأَجَابُوا كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِنَصِيبٍ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِإِيمَانٍ وَلَا بِإِسْلَامٍ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجُوسِيِّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ إلَّا فِي الْقَتْلِ لِظَاهِرِ الشَّهَادَةِ. وَنَقَلَ هَذَا صَاحِبُ الْمِعْيَارِ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَزَادَ لَا نِكَاحَ لَهُ وَلَا طَلَاقَ فَإِنْ عَلِمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الشَّرَائِعَ صَحَّ عَقْدُهُ عَلَيْهَا وَلَوْ بَعْدَ بَتَاتٍ سَابِقٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ عَقْدِهِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُهَا قَالَ سَيِّدٌ الشَّاوِيُّ الْمَغْرِبِيُّ الْجَزَائِرِيُّ مَا فَرَضَهُ عُلَمَاءُ بِجَايَةَ مِنْ هَذَا الَّذِي حَكَمُوا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَجُوسِيِّ أَنَّهُ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَتُصَوِّرَ مِنْ هَذَا الْجَهْلِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّقْلِيدُ إذْ هُوَ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ الْمُقَلِّدُ بِمَنْ نَشَأَ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ كَمَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ قَائِلًا مَا مَنْ كَانَ يَنْظُرُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ عَارِفٌ لَا مُقَلِّدٌ فَكَلَامُ التَّفْتَازَانِيِّ مُعْتَرَضٌ بِهَذَا الْمَنْقُولِ عَنْ فُقَهَاءِ بِجَايَةَ وَغَيْرِهِمْ وَبِالْمُشَاهَدَةِ الَّتِي نَرَاهَا فِيمَنْ مَعَنَا وَيُخَالِطُنَا وَيَحْضُرُ مَجَالِسَ الْعِلْمِ وَمَا وَصَلَ لِمَرْتَبَةِ التَّقْلِيدِ مِنْ الطَّلَبَةِ فَكَيْفَ بِالْعَوَامِّ، وَقَدْ رَأَيْت عَوَامًّا يَعْتَقِدُونَ الْجِهَةَ وَمَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمْ فَقَدْ جَحَدَ الضَّرُورَةَ، وَيَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ الْعَبْدِ وَتَأْثِيرَ الْأَسْبَابِ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ رَزَقَنِي اللَّهُ مَسَائِلَ قَدْ اُبْتُلِيَ بِالْغَلَطِ فِيهَا مَنْ عُرِفَ بِكَثْرَةِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ قِيلَ أَشَارَ لِابْنِ ذِكْرِيٍّ فَانْظُرْ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي لَا تُجْحَدُ كَيْفَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ. وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ مَرَّاكُشَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ شَاهَدَ أَهْلَ بَلَدِهِ قُلُوبَهُمْ صَافِيَةً مِنْ التَّخْلِيطِ عَارِيَّةً عَنْ دَرَجَةِ التَّقْلِيدِ فَلَا يَعُمُّ حُكْمُهُ قَوْمًا نُشَاهِدُهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ فَإِنَّ أَحْمَقَ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ يَقِينَهُ لِظَنِّ غَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّاوِيِّ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ نَظَرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَسَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي كُفْرِهِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ هَلْ يُعَاقَبُ عِقَابَ الْكَافِرِ فَقَالَ الْكَثِيرُونَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، وَالْجَهْلُ بِذَلِكَ كُفْرٌ وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَدَخَلَ مَسْجِدَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَقَالَ بَعْضُ ذَوِي التَّحْقِيقِ مِنْهُمْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَكِنَّهُ مُصَدِّقٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عِقَابُهُ لِذَلِكَ اهـ. بِنَصِّهِ وَلَا مِرْيَةَ فِي مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ. اهـ. نَقَلَهُ النَّاصِرُ قَالَ سم لَوْ ثَبَتَتْ الْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ تَضُرَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ إذْ لَا يَلْزَمُهُمَا تَقْلِيدُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي كُلِّ مَا يَنْقُلُهُ وَكَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي النَّقْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَقْلِ غَيْرِ الْمُخَالِفِ لِنَقْلِهِ اهـ. وَهَذَا الْجَوَابُ كَافٍ فَلَا حَاجَةَ بَعْدَهُ لِمَا أَطَالَ بِهِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَسْلَمُ عَنْ خَدْشٍ (قَوْلُهُ: فَلْيَجْزِمْ) أَيْ الْمُكَلَّفُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ وَعَقَدَهُ أَيْ اعْتِقَادَهُ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ أَوْ الْمَفْعُولِيَّةِ بِتَضْمِينِ يَجْزِمْ مَعْنَى يَخْلُصْ وَكَانَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ قَوْلَ الْمَتْنِ عَقَدَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَيَكُونُ الْإِسْنَادُ حِينَئِذٍ مَجَازِيًّا وَمَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ أَقْعَدُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ إلَخْ) يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالَمَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْمُمْكِنَاتِ الْمَوْجُودَةِ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ لَهُ أَفْرَادٌ بَلْ أَجْزَاءٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَمْعُهُ فِي مِثْلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِلْقَدَرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكُلِّ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْأَجْنَاسِ إذْ يُقَالُ عَالَمُ الْأَجْسَامِ وَعَالَمُ الْأَعْرَاضِ وَعَالَمُ الْأَرْوَاحِ وَعَالَمُ الْإِنْسَانِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ النَّبَاتِ وَالْعَالَمُ الْعُلْوِيُّ وَالْعَالَمُ السُّفْلِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَزَيْدٌ لَيْسَ بِعَالَمٍ بَلْ مِنْ الْعَالَمِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمَوْلَى الْخَيَالِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَثْنَاهَا إلَى أَنَّ الْغَيْرَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِهَا وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا حَاجَةَ إلَخْ نَظَرٌ إلَى أَنَّهُ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَهُوَ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرًا مُنْفَكًّا فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْخَيَالِيِّ

أَيْ مُوجَدٌ عَنْ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ أَيْ يَعْرِضُ لَهُ التَّغَيُّرُ كَمَا يُشَاهَدُ، وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ مُحْدَثٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ (وَلَهُ صَانِعٌ) ضَرُورَةً أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ (وَهُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ) إذْ لَوْ جَازَ كَوْنُهُ اثْنَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ حَمْلَ الْغَيْرِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ بَعِيدٌ عَنْ الْفَهْمِ (قَوْلُهُ: أَيْ مُوجَدٌ عَنْ الْعَدَمِ) هَذَا تَفْسِيرُ الْحُدُوثِ بِاصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا فَوُجِدَ، وَالْفَلَاسِفَةُ لَمَّا قَالُوا بِقِدَمِ الْعَالَمِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ عِنْدَهُمْ فَسَّرُوا الْحُدُوثَ بِالِاحْتِيَاجِ إلَى الْغَيْرِ فَالْحُدُوثُ بِهَذَا الْمَعْنَى يُجَامِعُ الْقِدَمَ الزَّمَانِيَّ عِنْدَهُمْ وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ مُخْطِئٌ فَإِنَّهُ قَدِيمٌ بِالنَّظَرِ لِعِلْمِ اللَّهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِدَمَهُ بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ يَرْجِعُ لِقَدَمِ الْعِلْمِ نَفْسِهِ، وَأَمْثَالُ هَذَا لَا يُؤْخَذُ بِظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ يَعْرِضُ لَهُ التَّغَيُّرُ) بَعْضُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَغَيْرِهِمَا، وَبَعْضُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا شُوهِدَ كَالْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ اخْتَصَرَ الشَّارِحُ الدَّلِيلَ وَكَأَنَّهُ عَوَّلَ عَلَى بَسْطِهِ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْأَعْرَاضَ هِيَ الَّتِي يُشَاهَدُ فِيهَا التَّغَيُّرُ، وَأَمَّا الْأَجْرَامُ فَلِمُلَازَمَتِهَا الْحَادِثَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشَاهَدُ تَغَيُّرُ ذَاتِ الْجُرْمِ لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْعَرَضِ الْحَادِثِ، وَكُلُّ مَا لَا يَخْلُو عَنْ الْحَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. وَأَمَّا صِغَرُ الْأَجْرَامِ وَكِبَرِهَا فَرَاجِعٌ لِتَبَدُّلِ الْأَعْرَاضِ، وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ وَالذُّبُولُ وَالنَّمَاءُ وَاسْتِحَالَةُ بَعْضِ الْأَجْسَامِ كَالْمَاءِ فِي الْمِلْحِ لَيْسَ انْعِدَامًا حَقِيقِيًّا كُلُّ ذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي الْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمَبْسُوطَاتِ الْكَلَامِيَّةِ، وَنَقَلَ سَيِّدِي يَحْيَى الشَّاوِيُّ عَنْ الْخَفَّافِ فِي شَرْحِ عَقِيدَةِ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ فِي حُكْمِ الْجُرْمِ أَنْ يَرَى الْجُرْمَ كَذَا وَكَذَا، فَتَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ بِظُهُورِ الْأَعْرَاضِ فِي الذَّوَاتِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَبِعَدَمِ ظُهُورِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي الْمُشَاهَدَةِ مِنْ حَيْثُ الْأَحْكَامُ وَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ضَرُورِيَّةٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْعُقَلَاءُ إنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي كَوْنِ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ هَذَا عَنْ عَدَمِ مَحْضٍ أَوْ عَنْ كَوْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ يَسْقُطُ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ مُشَاهَدًا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَنَّهُ عَنْ كَوْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ مُنْلَا جَامِي فِي الدُّرَّةِ الْفَاخِرَةِ بُرْهَانًا لَطِيفًا مُخْتَصَرًا فَقَالَ إنَّ فِي الْوُجُودِ وَاجِبًا، وَإِلَّا لَزِمَ انْحِصَارُ الْمَوْجُودِ فِي الْمُمْكِنِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ أَصْلًا فَإِنَّ الْمُمْكِنَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا لَا يَسْتَقِلُّ بِوُجُودِهِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا فِي إيجَادِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ مَرْتَبَةَ الْإِيجَادِ بَعْدَ مَرْتَبَةِ الْوُجُودِ فَإِذَنْ لَا وُجُودَ وَلَا إيجَادَ فَلَا مَوْجُودَ لَا بِذَاتِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَإِذَنْ ثَبَتَ وُجُودُ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ بَعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ. قَالَ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَهُوَ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ، وَيَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ وَلَمَّا كَانَتْ الْفَلَاسِفَةُ اصْطَلَحُوا عَلَى إطْلَاقِ الْحُدُوثِ عَلَى الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالذَّاتِ بِالْعَدَمِ بِمَعْنَى أَنَّ كَوْنَهُ مَسْبُوقًا بِوُجُودِ الْفَاعِلِ سَبَقًا ذَاتِيًّا يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ عَدَمِهِ عَلَى وُجُودِهِ بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ: ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُحَدِّثَ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا جِهَةُ النِّسْبَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا قَابَلَ النَّظَرَ أَيْ أَنَّ الْعِلْمَ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ ضَرُورِيٌّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ فِي الْجُمْلَةِ خَلَا شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ جَهَلَةِ الْفَلَاسِفَةِ زَعَمَتْ أَنَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ بِغَيْرِ فَاعِلٍ وَهُوَ بَدِيهِيُّ الْبُطْلَانِ قَالَ الْفَخْرُ فِي الْمَعَالِمِ إنَّ الْعِلْمَ بِهَا أَعْنِي بِقَضِيَّةِ أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَهُ مُحْدِثٌ مَرْكُوزٌ فِي فِطْرَةِ طَبْعِ الصِّبْيَانِ فَإِنَّك إذَا لَطَمْت وَجْهَ الصَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاك وَقُلْت لَهُ حَصَلَتْ هَذِهِ اللَّطْمَةُ مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ لَا يُصَدِّقُك أَلْبَتَّةَ بَلْ فِي فِطْرَةٍ إلَيْهَا ثُمَّ فَإِنَّ الْحِمَارَ وَإِذَا أَحَسَّ بِصَوْتِ خَشَبَةٍ فَزِعَ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ فِي فِطْرَتِهِ أَنَّ حُصُولَ صَوْتِ الْخَشَبَةِ بِدُونِ الْخَشَبَةِ مُحَالٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ) لَوْ قَالَ وَهُوَ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ لَكَانَ أَحْسَنَ إذْ الْإِلَهُ كُلِّيٌّ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالْوَاحِدِ لَهُ فَائِدَةٌ (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ جَازَ كَوْنُهُ إلَخْ) اسْتَدَلَّ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ دُونَ السَّمْعِيِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] جَرْيًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ إلَّا بِالْعَقْلِ وَقِيلَ يَصِحُّ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ

لَجَازَ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَالْآخَرُ ضِدَّهُ الَّذِي لَا ضِدَّ لَهُ غَيْرُهُ كَحَرَكَةِ زَيْدٍ وَسُكُونِهِ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الْمُرَادَيْنِ وَعَدَمُ وُقُوعِهِمَا لِامْتِنَاعِ ارْتِفَاعِ الضِّدَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاجْتِمَاعِهِمَا فَيَتَعَيَّنُ وُقُوعُ أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ مُرِيدُهُ هُوَ الْإِلَهُ دُونَ الْآخَرِ لِعَجْزِهِ فَلَا يَكُونُ الْإِلَهُ إلَّا وَاحِدٌ أَوْ إطْلَاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ اسْمَ الصَّانِعِ عَلَيْهِ تَعَالَى مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] . (وَالْوَاحِدُ الشَّيْءُ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرَى السَّنُوسِيُّ فِي كُبْرَاهُ وَكَلَامُ الْخَيَالِيِّ فِي حَوَاشِي الْعَقَائِدِ يَمِيلُ إلَى الثَّانِي، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ أَدِلَّةَ الْعَقَائِدِ مِنْهَا مَا هُوَ عَقْلِيٌّ مَحْضٌ كَأَدِلَّةِ الصِّفَاتِ التَّأْثِيرِ وَمَا هُوَ سَمْعِيٌّ كَأَحْوَالِ الْمَعَادِ وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَالْوَحْدَانِيَّةِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ إلَى الشَّرْعِ، وَإِلَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ عِلْمُ الْكَلَامِ عَنْ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْفَلَاسِفَةُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْخَيَالِيُّ إنَّ الْأَحْكَامَ الِاعْتِقَادِيَّةَ إنَّمَا يُعْتَدُّ بِهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الشَّرْعِ وَالْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ جَعَلَ الْآيَةَ أَعْنِيَ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] حُجَّةً إقْنَاعِيَّةً قَالَ: لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ عَادِيَةٌ عَلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْخِطَابِيَّاتِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِوُجُودِ التَّمَانُعِ وَالتَّغَالُبِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاكِمِ عَلَى مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] وَإِلَّا فَإِنْ أُرِيدَ الْفَسَادُ بِالْفِعْلِ أَيْ خُرُوجُهُمَا عَنْ هَذَا النِّظَامِ الْمُشَاهَدِ فَمُجَرَّدُ التَّعَدُّدِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا النِّظَامِ، وَإِنْ أُرِيدَ إمْكَانُ الْفَسَادِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى انْتِفَائِهِ بَلْ النُّصُوصُ شَاهِدَةٌ بِطَيِّ السَّمَاوَاتِ رُفِعَ هَذَا النِّظَامُ فَيَكُونُ مُمْكِنًا لَا مَحَالَةَ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ إنَّهُ تَعْيِيبٌ لِبَرَاهِينِ الْقُرْآنِ وَهُوَ كُفْرٌ. وَأَجَابَ بَعْضُ مَنْ انْتَصَرَ لَهُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ يَحْتَوِي عَلَى الْأَدِلَّةِ الْإِقْنَاعِيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ، وَهُوَ مِنْ الْبَلَاغَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَم أَنَّ مَبْحَث الْوَحْدَانِيَّةِ أَشْرَفُ مَبَاحِثِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِهِ فَقِيلَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَرَمَزَ إلَيْهِ الْعَارِفُونَ فِي كَلَامِهِمْ قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ وَفَا وَحَّدْت عَبْدَك فِي الْهَوَى يَا سَيِّدِي ... وَأَرَى الْعَبِيدَ تُوَحِّدُ السَّادَاتِ إنْ شِئْت عِدْنِي بِالْوِصَالِ وَلَا تَفِي ... أَوْ شِئْت وَاصِلْنِي مَدَى السَّاعَاتِ فَمَنْ اسْتَقَرَّ عَلَى شُهُودٍ وَاحِدٍ ... لَمْ يَلْتَفِتْ يَوْمًا إلَى مِيقَاتِ وَحَيَاةِ وَجْهِك قَدْ مَلَأْت جَوَانِحِي ... وَعَمَّرْت مِنِّي سَائِرَ الذَّرَّاتِ وَحَجَبْت عَنِّي الْغَيْرَ حِينَ ظَهَرْت لِي ... فَكَأَنَّمَا الْخَلَوَاتُ فِي الْجَلَوَاتِ حَضَرَ الْحَبِيبُ فَلَسْت أَذْكُرُ فَائِتًا ... أَبَدًا وَلَا أَلْهُو بِمَا هُوَ آتِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الصُّغْرَى عَنْ البيلِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ عَرَفَةَ الْفِقْهِيِّ أَنَّ التَّوْحِيد مَصْدَرُ وَحَّدَ الْعَبْدُ رَبَّهُ يُوَحِّدُهُ تَوْحِيدًا فَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَادِثٌ، وَالتَّوَحُّدُ مَصْدَرُ تَوَحَّدَ اللَّهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ يَتَوَحَّدُ تَوَحُّدًا بِمَعْنَى اتَّصَفَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فَهُوَ قَدِيمٌ فَالتَّوْحِيدُ كَالتَّقْدِيسِ حَادِثٌ وَالتَّوَحُّدُ كَالتَّقَدُّسِ قَدِيمٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لَجَازَ أَنْ يُرِيدَ إلَخْ) لَا يُقَالُ يَلْزَمُ هَذَا التَّمَانُعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ فِي فِعْلِ الْعَبْدِ عَلَى كَلَامِ الْقَدَرِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكُفْرُ إثْبَاتُ شَرِيكٍ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِبَادَةِ لَا فِي تَأْثِيرٍ مَا فَالْقَدَرِيَّةُ وَإِنْ قَالُوا الْعَبْدُ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ إقْدَارَهُ عَلَيْهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُقَالُ أَنَّهُمْ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَلْ أَسْوَأُ حَالًا إذْ الْمَجُوسُ قَالُوا بِمُؤَثِّرَيْنِ وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُوا مَا لَا حَصْرَ لَهُ مِنْ الْمُؤَثِّرِينَ فَخُرِّجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ لِلزَّجْرِ. (قَوْلُهُ: كَحَرَكَةِ زَيْدٍ وَسُكُونِهِ) أَيْ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ إرَادَتُهُمَا مَعًا بِإِيجَادِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا بِدْعَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا إذْ لَا تَضَادَّ بَيْنَهُمَا بَلْ بَيْنَ الْمُرَادَيْنِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: دُونَ الْآخَرِ) أَيْ فَلَيْسَ إلَهٌ وَمَا يُقَالُ زِيَادَةً عَلَى مَا هُنَا وَمَا جَازَ عَلَى أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ جَازَ عَلَى الْآخَرِ فَيَلْزَمُ عَجْزُ الثَّانِي أَيْضًا فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْإِلَهِ الْمُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْعَالَمِ الْمُشَاهَدِ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوُرُودِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ عَلَى أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ

لَا يَنْقَسِمُ) بِوَجْهٍ (وَلَا يُشَبَّهُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ أَيْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ شَبَهٌ (بِوَجْهٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ) أَيْ (لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ) وَلَا انْتِهَاءَ إذْ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَاحْتَاجَ إلَى مُحْدِثٍ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ (حَقِيقَتُهُ) تَعَالَى (مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْحَقَائِقِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَتْ مَعْلُومَةً الْآنَ) أَيْ فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ، وَقَالَ كَثِيرٌ إنَّهَا مَعْلُومَةٌ لَهُمْ الْآنَ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْعِلْمِ بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ التَّوَقُّفِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ بِوَجْهٍ وَهُوَ تَعَالَى يُعْلِمُ بِصِفَاتِهِ كَمَا أَجَابَ بِهَا مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِرْعَوْنَ السَّائِلَ عَنْهُ تَعَالَى كَمَا قَصَّ عَلَيْنَا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] إلَخْ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُحَقِّقُونَ (هَلْ يُمْكِنُ عِلْمُهَا فِي الْآخِرَةِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ لِحُصُولِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي وَبَعْضُهُمْ لَا، وَالرُّؤْيَةُ لَا تُفِيدُ الْحَقِيقَةَ. (لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الصَّانِعَ لَمْ يَرِدْ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فَرْقًا بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَإِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومٍ كُلِّيٍّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَا هُنَا ثُمَّ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِطْلَاقِ التَّوَاتُرُ كَمَا قَالَهُ الْمُقْتَرَحُ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَمَلِيَّةٌ لَا اعْتِقَادِيَّةٌ وَخَبَرُ الْآحَادِ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْعَمَلِيَّاتِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ) أَيْ لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْوَهْمِ وَلَا بِالْغَرَضِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ وَنَفْيُ الِانْقِسَامِ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُتَّصِلِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُشْبِهُ إلَخْ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فَالْكُمُّ الْمُتَّصِلُ هُوَ الْمِقْدَارُ وَالْكُمُّ الْمُنْفَصِلُ هُوَ الْعَدَدُ فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّرْكِيبَ الْحَاصِلَ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ الْأَجْزَاءِ وَالْعَدَدَ الْحَاصِلَ بِفَرْضِ نَظِيرٍ مَنْفِيَّانِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَوْلُهُمْ لِنَفْيِ الْكَمِّ أَيْ لِنَفْيِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْكَمُّ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ) جَرَى عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَ الْقِدَمِ كَالْبَقَاءِ سَلْبِيٌّ وَعَلَيْهِ الْمُقْتَرَحُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ الشَّرِيفُ زَكَرِيَّا وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا وَقَرَّرَهُ بِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إمَّا حَادِثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ فَالْحَادِثُ مَا لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ مَا سَبَقَ عَدَمُهُ وُجُودَهُ، وَالْقَدِيمُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ وَهُوَ سَلْبُ مَا وَجَبَ لِلْحَادِثِ فَالْقِدَمُ إذَنْ نَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ وَنَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ سَلْبٌ مَحْضٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَقَاءِ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ دَوَامِ الْوُجُودِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِي مِنْهُ الْعَدَمُ اللَّاحِقُ وَهَذَا مُخْتَارُنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا انْتِهَاءَ) تَفْسِيرٌ لِلْقَدِيمِ بِاللَّازِمِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَفْهُومُ الْبَقَاءِ وَلَمَّا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ أُخِذَ فِي أَحَدِهِمَا تَفْسِيرُ صَاحِبِهِ، وَقَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ حَادِثًا إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلِابْتِدَاءِ لِوُجُودِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا انْتِهَاءَ فَتَرْكُهُ قِدَمَهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ. قَالَ الْعَكَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكُبْرَى اتَّفَقَتْ الْعُقَلَاءُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَأُورِدَ عَدَمُنَا فِي الْأَزَلِ وَأُجِيبَ بِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالْمَوْجُودَاتِ فَإِنْ قُلْت عَدَمُنَا فِي الْأَزَلِ وَاجِبٌ كَعَدَمِ الْمُسْتَحِيلِ فَلِمَ جَازَ انْقِطَاعُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُوبَ عَدَمِنَا مُقَيَّدٌ بِالْأَزَلِ فَهُوَ مُمْكِنٌ فِيمَا يُزَالُ، وَأَمَّا عَدَمُ الْمُسْتَحِيلِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَالَ الْفِهْرِيُّ إنَّ الْإِيرَادَ مِنْ أَصْلِهِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ وُجُودَنَا قَطَعَ عَدَمَنَا فِيمَا لَا يَزَالُ لَا فِي الْأَزَلِ، وَإِلَّا لَوُجِدْنَا فِي الْأَزَلِ وَهُوَ مُحَالٌ (قَوْلُهُ: حَقِيقَتُهُ تَعَالَى) ذَكَرَهَا لِلْمُشَاكَلَةِ وَإِلَّا فَقَدْ مَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ لَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ سَأَلَنَا سَائِلٌ عَنْ اللَّهِ مَا هُوَ قُلْنَا إنْ أَرَادَ مَا اسْمُهُ فَاَللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنْ أَرَادَ مَا صِفَتُهُ فَسَمِيعٌ بَصِيرٌ وَإِنْ أَرَادَ مَا فِعْلُهُ فَخَلْقُ الْمَخْلُوقَاتِ وَوَضْعُ كُلِّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ وَإِنْ أَرَادَ كُنْهَهُ فَهُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الْمِثَالِ وَالْجِنْسِ اهـ. اللَّهُ أَعْظَمُ قَدْرًا أَنْ يُحِيطَ بِهِ ... عِلْمٌ وَعَقْلٌ وَرُؤًى جَلَّ سُلْطَانَا (قَوْلُهُ: وَالرُّؤْيَةُ لَا تُفِيدُ الْحَقِيقَةَ) فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافِ الرُّؤْيَةِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي الدُّنْيَا إذْ هِيَ بِلَا كَيْفٍ وَلَا جِهَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي قَالَ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: وَأَمَّا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكُنْهِ فَغَيْرُ وَاقِعَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِامْتِنَاعِهَا كَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى دَلِيلٍ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ سِوَى مَا قَالَ أَرِسْطُو فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ كَمَا تَعْتَرِي الْعَيْنَ عِنْد التَّحَقُّقِ فِي جُرْمِ الشَّمْسِ ظُلْمَةٌ وَكُدْرَةٌ تَمْنَعُهَا عَنْ تَمَامِ الْإِبْصَارِ كَذَلِكَ تَعْتَرِي الْعَقْلَ عِنْدَ إرَادَةِ اكْتِنَاهِ ذَاتِهِ تَعَالَى حِيرَةً وَدَهْشَةً تَمْنَعُهُ عَنْ اكْتِنَاهِهِ وَهُوَ كَمَا تَرَى

لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُدُوثِ وَهَذِهِ حَادِثَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَقْسَامُ الْعَالَمِ إذْ هُوَ إمَّا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالثَّانِي الْعَرَضُ وَالْأَوَّلُ وَيُسَمَّى بِالْعَيْنِ وَهُوَ مَحَلُّ الثَّانِي الْمُقَوِّمِ لَهُ إمَّا مُرَكَّبٌ وَهُوَ الْجِسْمُ أَوْ غَيْرُ مُرَكَّبٍ وَهُوَ الْجَوْهَرُ، وَقَدْ يُقَيَّدُ بِالْفَرْدِ (وَلَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ وَلَا مَكَانَ وَلَا زَمَانَ وَلَا قُطْرَ وَلَا أَوَانَ) هَذَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذْ الْقُطْرُ مَكَانٌ مَخْصُوصٌ كَالْبَلَدِ وَالْأَوَانُ زَمَانٌ مَخْصُوصٌ كَزَمَانِ الزَّرْعِ وَالدَّاعِي إلَى الْعَطْفِ الْخَطَابَةُ فِي التَّنْزِيهِ أَيْ هُوَ مَوْجُودٌ وَحْدَهُ قَبْلَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُمَا. (ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامٌ خَطَابِيٌّ بَلْ شِعْرِيٌّ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى امْتِنَاعِهَا بِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تَعَالَى لَيْسَتْ بَدِيهِيَّةً وَالرَّسْمُ لَا يُفِيدُ الْكُنْهَ وَالْحَدُّ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ بَسْطٌ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْبَسَاطَةَ الْعَقْلِيَّةَ مُحْتَاجَةٌ إلَى الْبُرْهَانِ وَعَدَمُ إفَادَةِ الرَّسْمِ الْكُنْهَ لَيْسَ كُلِّيًّا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى امْتِنَاعِ إفَادَتِهِ الْكُنْهَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَوَادِّ وَعَدَمُ الْبَدَاهَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْأَشْخَاصِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ فَرُبَّمَا يَحْصُلُ بِالْبَدِيهَةِ بَعْدَ تَهْذِيبِ النَّفْسِ بِالشَّرَائِعِ الْحَقَّةِ وَتَجْرِيدِهَا عَنْ الْكُدُورَاتِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْعَلَائِقِ الْجِسْمَانِيَّةِ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى عَدَمِ حُصُولِهَا كَثِيرَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُبْحَانَك مَا عَرَفْنَاك حَقَّ مَعْرِفَتِك» وَقَوْلُهُ «تَفَكَّرُوا فِي آلَائِهِ تَعَالَى وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِهِ فَإِنَّكُمْ لَمْ تَقْدِرُوا قَدْرَهُ» . اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ إلَخْ) فِيهِ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي هَكَذَا الْجَوَاهِرُ وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِلَهِ بِحَادِثٍ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ بِإِلَهٍ وَيَنْعَكِسُ إلَى لَا شَيْءَ مِنْ الْإِلَهِ بِجَوَاهِرَ أَوْ أَعْرَاضٍ (قَوْلُهُ: الْمُقَوِّمُ لَهُ) أَيْ لِلثَّانِي الَّذِي هُوَ الْعَرَضُ يَعْنِي أَنَّ الْجَوْهَرَ الَّذِي هُوَ الْمَحَلُّ مُقَوِّمٌ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ لِلْعَرَضِ أَيْ أَنَّ وُجُودَ الْجَوْهَرِ هُوَ بِعَيْنِهِ وُجُودُ الْعَرَضِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ حُلُولِ الصُّورَةِ الْجِسْمِيَّةِ فِي الْهَيُولَى عَلَى مَا تَزْعُمُ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ تَرَكُّبِ الْجِسْمِ مِنْهُمَا وَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَوْهَرٌ فَإِنَّ الصُّورَةَ الْجِسْمِيَّةَ عِنْدَهُمْ مُقَوِّمَةٌ لِلْهَيُولَى بِمَعْنَى احْتِيَاجِ الْهَيُولَى إلَيْهَا فِي التَّحَقُّقِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَيْضًا مُحْتَاجَةً إلَيْهَا فِي الْحُلُولِ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِي مَقُولَاتِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ السِّجَاعِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَيَّدُ بِالْفَرْدِ) أَيْ فَيُقَالُ جَوْهَرٌ فَرْدِيٌّ أَيْ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَنَفَاهُ الْحُكَمَاءُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أَدِلَّةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ) أَيْ مُنْفَرِدًا مُتَوَحِّدًا وَفِي الْيَوَاقِيتِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ مَنْ أَدْرَجَ فِي حَدِيثِ كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ مَا نَصُّهُ وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ قَالَ تَعَالَى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ} [الرحمن: 31] {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} [النحل: 40] الْآيَةَ وَشَنَّعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَحْنِ التَّعْبِيرِ بِالْآنَ قَالَ وَأَمَّا كَانَ فَانْسَلَخَتْ هُنَا عَنْ الزَّمَانِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَهُوَ مَقَامٌ لِلشَّيْخِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى حَالِ وِحْدَةِ الْوُجُودِ أَلَا تَرَى قَوْلَ بَعْضِهِمْ الْأَعْيَانُ الثَّابِتَةُ مَا شَمَّتْ رَائِحَةَ الْوُجُودِ مَنْ لَا وُجُودَ لِذَاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ ... فَوُجُودُهُ لَوْلَاهُ عَيْنُ مُحَالٍ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الْمُمْكِنُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ هَالِكٌ دَائِمًا، وَقَالَ فِي مِشْكَاةِ الْأَوَارْتَرَقِّي الْعَارِفُونَ مِنْ حَضِيضِ الْمَجَازِ إلَى ذُرْوَةِ الْحَقِيقَةِ فَرَأَوْا بِالْمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ هَالِكًا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ هُوَ هَالِكٌ أَزَلًا وَأَبَدًا اهـ. وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ إشَارَاتِ وِحْدَةِ الْوُجُودِ قَوْله تَعَالَى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت: 53] إلَى قَوْلِهِ {مُحِيطٌ} [فصلت: 54] وَثَمَّ مَجَالٌ عَظِيمٌ جَالَتْ فِيهِ جِيَادُ أَفْكَارِ الْعُلَمَاءِ وَالْعَارِفِينَ حَتَّى أَنَّ الْجَلَالَ الدَّوَانِيَّ مَعَ رُسُوخِ قَدَمِهِ فِي الْمَعْقُولَاتِ وَالسَّيِّدَ الشَّرِيفَ الْجُرْجَانِيَّ عَرَّجَا عَلَى مَا عَرَّجَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَذَكَرَهَا الْأَوَّلُ فِي رِسَالَتِهِ الزَّوْرَاءِ وَالثَّانِي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَلَى التَّجْرِيدِ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ وَفِي الْيَوَاقِيتِ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنْ الْفُتُوحَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَقَّ تَعَالَى مُفْتَقِرٌ فِي ظُهُورِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ إلَى وُجُودِ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْغِنَى عَلَى الْإِطْلَاقِ اهـ. إلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ إنَّ الْأَشْيَاءَ فِي حَالِ عَدَمِهَا كَانَتْ مَشْهُودَةً لَهُ تَعَالَى كَمَا هِيَ مَشْهُودَةٌ لَهُ حَالَ وُجُودِهَا سَوَاءٌ فَهُوَ يُدْرِكُهَا سُبْحَانَهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي حَقَائِقِهَا حَالَ وُجُودِهَا وَعَدَمِهَا بِإِدْرَاكٍ وَاحِدٍ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ إيجَادُهُ لِلْأَشْيَاءِ عَنْ فَقْرٍ

أَحْدَثَ هَذَا الْعَالَمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْحَقَّ تَعَالَى وَلَوْ أَعْطَاهُ حَرْفَ كُنْ وَأَرَادَ شَيْئًا مَا طَلَبَ إلَّا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لِيَكُونَ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَ الْأَمْرَانِ وَأَنْشَدَ الْكُلُّ مُفْتَقِرٌ مَا الْكُلُّ مُسْتَغْنِي ... هَذَا هُوَ الْحَقُّ قَدْ قُلْنَا وَلَا نَكْنِي إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّمَا تَفَضَّلَ بِالْمَظَاهِرِ لِحِكْمَةٍ تَعُودُ عَلَى الْعَالَمِ فِي تَعَرُّفِهِمْ. وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ عَرَفْت اللَّهَ بِاَللَّهِ وَمَا ثَمَّ إلَّا اللَّهَ وَفِعْلَهُ لَكِنْ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْوِحْدَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ عَلَى خَطَرٍ، وَفِيهَا أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي لَوَاقِحِ الْأَنْوَارِ مِنْ كَمَالِ الْعِرْفَانِ شُهُودُ عَبْدٍ وَرَبٍّ وَكُلُّ عَارِفٍ نَفَى شُهُودَ الْعَبْدِ فِي وَقْتٍ مَا فَلَيْسَ هُوَ بِعَارِفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَاحِبُ حَالٍ وَصَاحِبُ الْحَالِ سَكْرَانُ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ، وَقَالَ فِي بَابِ الْأَسْرَارِ لَا يَتْرُكُ الْأَغْيَارُ إلَّا الْأَغْيَارَ فَلَوْ تَرَكَ تَعَالَى الْخَلْقَ مَنْ كَانَ يَحْفَظُهُمْ وَيَلْحَظُهُمْ لَوْ تُرِكَتْ الْأَغْيَارُ لَتُرِكَتْ التَّكَالِيفُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ وَمَنْ تَرَكَ التَّكَالِيفَ كَانَ مُعَانِدًا عَاصِيًا أَوْ جَاحِدًا فَمِنْ كَمَالِ التَّخَلُّقِ بِأَسْمَاءِ الْحَقِّ الِاشْتِغَالُ بِاَللَّهِ وَبِالْخَلْقِ. (قَوْلُهُ: الْخَطَابَةُ) أَيْ الْإِطْنَابُ وَالْمُبَالَغَةُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْمَكَانِ) قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي الْأَرْبَعِينَ وَاجِبُ الْوُجُودِ سَابِقٌ عَلَى الْعَالَمِ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ إذْ لَوْلَاهُ لَمَا وُجِدَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ مَعَهُ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ قَبْلَ وَمَعَ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ جَمِيعًا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ إذْنٌ مُتَأَخِّرُ الْوُجُودِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِالزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ زَمَانِيًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا مَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِضَافَاتِ كَالْأُخُوَّةِ وَالنُّبُوَّةِ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ مَعَ الثَّانِي بِالزَّمَانِ كَانَ الثَّانِي مَعَهُ بِالزَّمَانِ أَيْضًا بَلْ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ ثَبَتَتْ الْمَعِيَّةُ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَجَبَ عَلَيْك أَنْ تُثْبِتَهَا فِي الشَّيْءِ الثَّانِي، فَظَهَرَ أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَجَائِزَ الْوُجُودِ لَا يَكُونَانِ مَعًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَاعْتِبَارٍ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ، وَصَحَّ قَوْلُنَا كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَحْدَثَ إلَخْ) ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ أَوْ الْوُجُودِيِّ إذْ وُجُودُ الْخَالِقِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى وُجُودِ الْمَخْلُوقِ. قَالَ سَيِّدِي يَحْيَى الشَّاوِيُّ فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى سَبْقُ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَمِنْ أَيِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ التَّقَدُّمِ وَكَمْ أَقْسَامُ التَّقَدُّمِ؟ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ صَعْبَةٌ عَلَى مَا اعْتَادَهُ الْوَهْمُ فِي التَّقَدُّمِ قُلْت هَذِهِ مَسْأَلَةٌ غَرِقَتْ فِيهَا سُفُنُ الْفَهْمِ وَالْوَهْمِ فَإِنْ فَازَتْ سَفِينَتُك هُنَا فُزْت بِقَصَبِ السَّبْقِ. فَأَقُولُ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ فَإِذَنْ نَقُولُ إنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ الزَّمَانِيَّ يَجِبُ نَفْيُهُمَا عَنْ الْبَارِي وَكَمَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْعَالَمِ زَمَانًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَمَانًا فَإِنَّا كَمَا نَفَيْنَا التَّقَدُّمَ الزَّمَانِيَّ نَفَيْنَا الْمَعِيَّةَ فَخَلِّصْ سَفِينَتَك مِنْ هَذِهِ اللُّجَّةِ فَإِنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الزَّمَانِيَّ، وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مَكَانِيًّا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَالْمَعِيَّةُ الزَّمَانِيَّةُ كَمَا أَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الْمَكَانَ وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مَكَانِيًّا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ الْمَكَانِيُّ، ثُمَّ قَالَ فَوَاجِبُ الْوُجُودِ سَابِقٌ عَلَى الْعَالَمِ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ إلَخْ وَقَدْ لُخِّصَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلْفَخْرِ الرَّازِيّ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ انْتَهَى وَلَمَّا افْتَتَحَ الْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيُّ حَاشِيَتَهُ عَلَى شَرْحِ السَّنُوسِيِّ لِصُغْرَاهُ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَدِيمِ بِالذَّاتِ وَالزَّمَانِ شَنَّعَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ مِنْ الْمَغَارِبَةِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ الزَّمَانِ بِمَعْزِلٍ وَتَكَلَّفَ بَعْضٌ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وَالْحَقُّ مَعَ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: أَحْدَثَ هَذَا الْعَالَمَ إلَخْ) قَالَ الْفَلَاسِفَةُ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَكَانَ وُجُودُ الصَّانِعِ سَابِقًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَكَانَ حَادِثًا مِثْلَهُ فَإِمَّا بِغَيْرِ مُدَّةٍ وَهُوَ تَنَاقُضٌ أَوْ بِمُدَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ فَيَلْزَمُ ابْتِدَاؤُهُ أَوْ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ قِدَمِ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ حِينَئِذٍ عَالَمٌ قَدِيمٌ أَوْ فِيهَا عَالَمٌ قَدِيمٌ. وَأَجَابَ الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا جَاءَهُمْ مِنْ جَعْلِ التَّقَدُّمِ زَمَانِيًّا، وَنَحْنُ نَقُولُ هُوَ تَقَدُّمٌ ذَاتِيٌّ لَا فِي زَمَنٍ وَيُقِرُّ بِهِ تَقَدُّمُ أَمْسِ عَلَى الْيَوْمِ إذْ لَيْسَ زَمَنٌ ثَالِثٌ يَقَعُ فِيهِ التَّقَدُّمُ، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَبْلَ اكْتِفَاءً بِالِاعْتِبَارِ فَالزَّمَنُ حَادِثٌ وَوُجُودُ الصَّانِعِ وَوُجُوبُهُ ذَاتِيٌّ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ رَفْعُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يُقَرِّبُ الْأَمْرَ إلَى

الْمُشَاهَدَ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِهَا فِيهِمَا (مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ) إلَيْهِ، (وَلَوْ شَاءَ مَا اخْتَرَعَهُ) فَهُوَ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ لَا بِالذَّاتِ (لَمْ يَحْدُثْ بِابْتِدَاعِهِ فِي ذَاتِهِ حَادِثٌ) فَلَيْسَ كَغَيْرِهِ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ فَهُوَ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَذْهَانِ فَرَفْعُهُمَا أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ وَمَنْ دَامَ فِي عُشِّهِمَا اخْتَبَطَ فِي الْجَهْلِ وَتَلَاطَمَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الشُّبَهِ فَظَنَّ الْمَدَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِالنِّهَايَةِ أَوْ بِعَدَمِ النِّهَايَةِ، وَالتَّأَخُّرُ وَالتَّقَدُّمُ وَذَلِكَ كُلُّهُ يُفْضِي إلَى جَهَالَاتٍ وَقَعَ فِيهَا الْفَلَاسِفَةُ. (قَوْلُهُ: الْمُشَاهَدُ) أَخَذَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِهَذَا، وَالْمُرَادُ الْمُشَاهَدُ بَعْضُهُ إذْ فِيهِ مَا لَمْ تُشَاهِدْهُ وَقَدْ أَثْبَتَ بَعْضُ الْمُتَأَهِّلِينَ مِنْ الْحُكَمَاءِ وَوَافَقَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ عَالَمًا يُسَمَّى عَالَمُ الْمِثَالِ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ عَالَمَيْ الْمَحْسُوسِ وَالْمَعْقُولِ لَيْسَ فِي تَجَرُّدِ الْمُجَرَّدَاتِ وَلَا فِي مُخَالَطَةِ الْمَادِّيَّاتِ، وَفِيهِ لِكُلِّ مَوْجُودٍ مِنْ الْمُجَرَّدَاتِ وَالْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ حَتَّى الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْأَوْضَاعِ وَالْهَيْئَاتِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ مِثَالٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ مُعَلَّقٌ لَا فِي مَادَّةٍ وَمَحَلٍّ يَظْهَرُ لِلْحِسِّ بِمَعُونَةِ مَظْهَرٍ كَالْمِرْآةِ وَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُنْتَقَلُ مِنْ مَظْهَرٍ إلَى مَظْهَرٍ، وَقَدْ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَسَدَتْ الْمِرْآةُ أَوْ الْخَيَالُ أَوْ زَالَتْ الْمُقَابَلَةُ أَوْ التَّخَيُّلُ وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ عَالَمٌ عَظِيمُ الْفُسْحَةِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ يَحْذُو حَذْوَ الْعَالَمِ الْحِسِّيِّ لَا تَتَنَاهَى عَجَائِبُهُ وَلَا تُحْصَى مُدَّتُهُ وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمُدُنِ جَابَلْقَا وَجَابَرْصَا وَهُمَا مَدِينَتَانِ عَظِيمَتَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفُ بَابٍ لَا يُحْصَى مَا فِيهِمَا مِنْ الْخَلَائِقِ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ أَوْ يُتَخَيَّلُ فِي الْيَقَظَةِ بَلْ يُشَاهَدُ فِي الْأَمْرَاضِ وَعِنْدَ غَلَبَةِ الْخَوْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الْمِقْدَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحَقُّقَ لَهَا فِي عَالَمِ الْحِسِّ كُلِّهَا مِنْ عَالَمِ الْمِثَالِ، وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْغَرَائِبِ وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ كَمَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ مَعَ إقَامَتِهِ بِبَلَدِهِ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَيَّامَ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ بَعْضِ جُدْرَانِ الْبَيْتِ أَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتٍ مَسْدُودِ الْأَبْوَابِ وَالْكَوَّاتِ، وَأَنَّهُ أَحْضَرَ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ أَوْ الثِّمَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فِي زَمَانٍ قَرِيبٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ قَالَ وَلَمَّا كَانَتْ الدَّعْوَى عَالِيَةً وَالشُّبْهَةُ وَاهِيَةً لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. أَقُولُ جَعَلَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ لِلصُّوَرِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الْمِرْآةِ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْعَالَمِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَيَاكِلِ السُّهْرَوَرْدِيّ وَقَدْ نَقْلنَا عِبَارَتَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (قَوْلُهُ: لَا بِالذَّاتِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ كَمَا قَالَ الْفَلَاسِفَةُ. (قَوْلُهُ: حَادِثٌ) أَيْ مِنْ تَعَبٍ وَنَصَبٍ كَمَا قَالَ الْيَهُودُ إنَّهُ ابْتَدَأَ خَلْقَ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَاسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْمَعْنَى لَمْ يَحْدُثْ فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ بِإِحْدَاثِ الْعَالَمِ وَإِلَّا لَكَانَ إمَّا نَقْصًا وَهُوَ مُحَالٌ أَوْ كَمَالًا فَيَلْزَمُ النَّقْصُ قَبْلَ حُصُولِهِ فَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ اسْتِوَاءُ الْأُمُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِحَيْثُ لَا غَرَضَ لَهُ يَبْعَثُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنَّ هَذَا جَبْرٌ مُنَافٍ لِلِاخْتِيَارِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُنَزَّهٌ عَنْ تَقَلُّبَاتِ الْأَطْوَارِ وَتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَمَا وَرَدَ مُوهِمًا لِذَلِكَ أُوِّلَ بِالْحِكْمَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِعَةِ إلَيْنَا نَحْوُ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أَيْ لِيَسْعَدُوا بِعِبَادَتِي فَإِنَّهَا رَأْسُ النِّعَمِ قَوْلُهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْكَافِ وَمِثْلُ صِلَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ مِثْلُ بِمَعْنَى ذَاتٍ أَوْ صِفَاتٍ، وَقِيلَ إنَّهُ كِنَايَةٌ عَلَى حَدِّ مِثْلُك لَا يَبْخَلُ يُرِيدُونَ أَنْتَ لَا تَبْخَلُ وَقِيلَ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مَثَلًا لِمِثْلِهِ فَلَا يَصْدُقُ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ إلَّا بِنَفْيِ الْمِثْلِ مِنْ أَصْلِهِ نَظِيرُ لَيْسَ لِأَخِي زَيْدٍ أَخٌ أَيْ لَا أَخَ لِزَيْدٍ قَوْلُهُ {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] لَا يُقَالُ إنَّ فِي تَقْدِيمِ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ مَا يُشْعِرُ بِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَجْتَزِئُ عَلَى التَّفَاضُلِ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى بَلْ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةٌ نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاضُلِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِي الْحَادِثِ وَلَا ثَمَرَةَ فِي ذَلِكَ، وَاتِّحَادُ الدِّيَةِ فِيهِمَا يَقْضِي بِالتَّسَاوِي وَفِي الْيَوَاقِيتِ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَسَاوِيَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِرُجُوعِهَا كُلِّهَا إلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ وَقَعَ تَفَاضُلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ أَيْضًا كَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ وَفَا يَذْهَبُ إلَى التَّفَاضُلِ فِي الْأَسْمَاءِ وَيَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40] هُوَ الِاسْمُ اللَّهُ

(الْقَدَرُ) وَهُوَ مَا يَقَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُقَدَّرُ فِي الْأَزَلِ. (خَيْرُهُ وَشَرُّهُ) كَائِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا. قَالَ وَنَظِيرُ ذَلِكَ {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] أَيْ وَلَذِكْرُ الِاسْمِ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ. (قَوْلُهُ: الْقَدَرُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مِنْهُ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ الْمُتَعَلِّقَ مَعَ كَوْنِهِ كَوْنًا عَامًّا وَاجِبَ الْحَذْفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ شَرَّهُ وَخَيْرَهُ بَدَلٌ مِنْ الْقَدَرِ إلَّا لَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْقَدْرُ مُبْتَدَأٌ أَوَّلُ، وَخَيْرُهُ وَشَرُّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَمِنْهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ كَائِنَانِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَقَعُ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَدَرَ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ وَإِلَّا فَالْقَدَرُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ إيجَادُ اللَّهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى قَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَهُوَ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ قَرِينُ الْقَضَاءِ فِي عِبَارَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَقَضَاءُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ هُوَ إرَادَتُهُ الْأَزَلِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَزَالُ وَقَدَرُهُ إيجَادُهُ الْأَشْيَاءَ عَلَى قَدَرٍ مَخْصُوصٍ قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ إرَادَةُ اللَّهِ مَعَ التَّعَلُّقِ ... فِي أَزَلٍ قَضَاؤُهُ فَحَقِّقْ وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأَشْيَا عَلَى ... وَجْهٍ مُعَيَّنٍ أَرَادَهُ عَلَا وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ مَعْنَى الْأَوَّلِ ... الْعِلْمُ مَعَ تَعَلُّقٍ فِي الْأَزَلِ وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأُمُورِ ... عَلَى وِفَاقِ عِلْمِهِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: خَيْرُهُ وَشَرُّهُ) كَوْنُ الْفِعْلِ شَرًّا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ كَسْبِنَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ خَلْقِ اللَّهِ إيَّاهُ فَحَسَنٌ فَكُلُّ مَا صَدَرَ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَضْلٌ أَوْ عَدْلٌ فِي عَبِيدِهِ وَلِسَيِّدِي مُحَمَّدٍ وَفَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت اللَّهَ فِي سِرِّي يَقُولُ ... أَنَا فِي الْمُلْكِ وَحْدِي لَا أَزُولُ وَحَيْثُ الْكُلُّ مِنِّي لَا قَبِيحٌ ... وَقُبْحُ الْقُبْحِ مِنْ حَيْثِيّ جَمِيلُ فَالْفِعْلُ لَهُ جِهَتَانِ كَوْنُهُ مَقْضِيًّا لَهُ تَعَالَى وَكَوْنُهُ مُكْتَسَبَ الْعَبْدِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الرِّضَا بِالْقَدَرِ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدْرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ» ، وَأَمَّا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] فَوَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ أَيْ كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ التَّفْرِقَةُ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ. رَوَى الْأَصْبَغُ بْنُ نَبَاتَةَ أَنَّ شَيْخًا قَامَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ صِفِّينَ فَقَالَ أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إلَى الشَّامِ أَكَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فَقَالَ: وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا وَطِئْنَا مَوْطِئًا وَلَا هَبَطْنَا وَادِيًا وَلَا عَلَوْنَا تَلْعَةً إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ فَقَالَ الشَّيْخُ عِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي مَا أَرَى لِي مِنْ الْأَجْرِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ: مَهْ أَيُّهَا الشَّيْخُ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالَاتِكُمْ مُكْرَهِينَ وَلَا إلَيْهَا مُضْطَرِّينَ فَقَالَ الشَّيْخُ كَيْفَ وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ سَاقَانَا فَقَالَ وَيْحَك لَعَلَّك ظَنَنْت قَضَاءً لَازِمًا وَقَدَرًا حَتْمًا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَلَمْ تَأْتِ لَائِمَةٌ مِنْ اللَّهِ لِمُذْنِبٍ وَلَا مَحْمَدَةٌ لِمُحْسِنٍ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُحْسِنُ أَوْلَى بِالْمَدْحِ مِنْ الْمُسِيءِ وَلَا الْمُسِيءُ أَوْلَى بِالذَّمِّ مِنْ الْمُحْسِنِ تِلْكَ مَقَالَةُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَجُنُودِ الشَّيْطَانِ وَشُهُودِ الزُّورِ وَأَهْلِ الْعَمَى عَنْ الصَّوَابِ، وَهُمْ قَدَرِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسُهَا إنَّ اللَّهَ أَمَرَ تَخْيِيرًا وَنَهَى تَحْذِيرًا وَكَلَّفَ يَسِيرًا لَمْ يَعْصِ مَغْلُوبًا وَلَمْ يُطِعْ مُكْرَهًا وَلَمْ يُرْسِلْ الرُّسُلَ إلَى خَلْقِهِ عَبَثًا وَلَمْ يَخْلُقْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ فَقَالَ الشَّيْخُ: وَمَا الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ اللَّذَانِ مَا سِرْنَا إلَّا بِهِمَا؟ قَالَ هُوَ الْأَمْرُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُكْمُ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى

(مِنْهُ) تَعَالَى بِخَلْقِهِ وَإِرَادَتِهِ. (عِلْمُهُ شَامِلٌ لِكُلِّ مَعْلُومٍ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ مُمْكِنًا كَانَ أَوْ مُمْنَعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] . اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْهُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قُلْت سَيِّدِي وَمَوْلَايَ إذَا كَانَ الْكُلُّ مِنْك وَإِلَيْك كَانَ التَّكْلِيفُ بِمَنْزِلَةِ افْعَلْ يَا مَنْ لَا تَفْعَلْ فَقِيلَ لِي إذَا أَمَرْنَاك بِأَمْرٍ فَاقْبَلْ وَلَا تُحَاقِقْ فَإِنَّ حَضْرَةَ الْأَدَبِ لَا تَسَعُ الْمُخَالَفَةَ فَقُلْت يَا سَيِّدِي هُوَ نَفْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّك إنْ كُنْت قَضَيْت عَلَيَّ بِالْأَدَبِ أَوْ بِالْمُحَاقَّةِ فَلَا خُرُوجَ لِي عَنْ قَضَائِك فَقِيلَ لِي لَنْ نُوجِدَكَ إلَّا عَلَى مَا عَلِمْنَا وَلَا نَعْلَمُك إلَّا عَلَى مَا أَنْتَ وَلَنَا الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَقَالَ أَيْضًا قَدْ غَلَبَ عَلَيَّ شُهُودُ الْجَبْرِ الْبَاطِنِيِّ حَتَّى نَبَّهَنِي تِلْمِيذِي إسْمَاعِيلُ وَقَالَ لِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ مَا صَحَّ كَوْنُهُ خَلِيقَةً وَلَا مُتَخَلِّقًا بِالْأَخْلَاقِ فَدَخَلَ عَلَيَّ بِكَلَامِهِ مِنْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِخَلْقِهِ وَإِرَادَتِهِ. 1 - (قَوْلُهُ: بِخَلْقِهِ وَإِرَادَتِهِ) وَالْعَبْدُ مَجْبُورٌ فِي صُورَةِ مُخْتَارٍ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْأُمُورُ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ، وَلِذَلِكَ سُمُّوا قَدَرِيَّةً؛ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا الْقَدَرَ، وَقَدْ طَالَ النِّزَاعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ فَصَّلَهَا الْفَخْرُ فِي كُتُبِهِ لَا سِيَّمَا الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ وَاقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ مُتَعَارِضَةٌ فَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْعَقْلِيَّاتِ وَعُمْدَتُهُ فِي ذَلِكَ دَلِيلُ الدَّاعِي الْمُوجِبُ وَدَلِيلُ الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ وَلِذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَذْكِيَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُمَا الْعَدُوَّانِ لِلِاعْتِزَالِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَمَّ الدَّسْتُ لَنَا وَقَدْ أَشَارَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ وَكَانَ مُتَغَالِيًا فِي الرَّفْضِ وَالِاعْتِزَالِ إلَى بَعْضِ أَدِلَّتِهِمْ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَأْمُرُ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُرِدْهُ وَيَنْهَى عَنْ الْكُفْرِ وَيُرِيدُهُ وَيُعَاقِبُ عَلَى الْبَاطِلِ وَيُقَدِّرُهُ وَكَيْفَ يَصْرِفُ عَنْ الْإِيمَانِ ثُمَّ يَقُولُ {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32] وَيَخْلُقُ فِيهِمْ الْإِفْكَ ثُمَّ يَقُولُ {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: 95] وَأَنْشَأَ فِيهِمْ الْكُفْرَ ثُمَّ يَقُولُ {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: 28] وَخَلَقَ فِيهِمْ لُبْسَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ ثُمَّ يَقُولُ {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران: 71] وَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ ثُمَّ يَقُولُ {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 99] وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ ثُمَّ يَقُولُ {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا} [النساء: 39] وَذَهَبَ بِهِمْ عَنْ الرُّشْدِ ثُمَّ قَالَ {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26] وَأَضَلَّهُمْ عَنْ الدِّينِ حَتَّى أَعْرَضُوا ثُمَّ قَالَ {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] وَفِي كَلَامِ الْخَوَّاصِ شَيْخِ الشَّعْرَانِيِّ مِثْلُ الْعَبِيدِ فِي كَوْنِهِمْ مَظْهَرًا لِأَفْعَالِهِمْ فَقَطْ كَالْبَابِ يَخْرُجُ مِنْهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِيهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لِلَّهِ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي نَفْيِ الْكِبْرِ وَالْعَجَبِ وَالْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ فِي الْأَزَلِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ تَعَالَى أَرَاحَ نَفْسَهُ مِنْ تَشَبُّثِهَا بِأَذْيَالِ الْأَمَانِي وَسَلَّاهَا عَنْ مَرَامِهَا وَعَمَّا هِيَ فِيهِ بِاعْتِقَادِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَانٍ دَوَامُ حَالٍ مِنْ قَضَايَا الْمُحَالِ ... وَالصَّبْرُ مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ حَالِ (قَوْلُهُ: شَامِلٌ لِكُلِّ مَعْلُومٍ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْعِلْمُ تَابِعًا لِلْمَعْلُومِ قَالَ الْفَخْرُ الْعِلْمُ بِالْوُقُوعِ تَابِعٌ لِلْوُقُوعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ يَتْبَعُ الشَّيْءَ فَلَا يُوجِبُ فِيهِ تَأْثِيرًا حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْإِرَادَةِ، وَلَا يُوجِبُ فِيهِ قَلْبًا حَتَّى يَكُونَ جَهْلًا فَالْعِلْمُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ بِوَجْهِ الصَّوَابِ وَالْحَقِّ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا فِيهِ لَيْسَ بِحَقٍّ بِأَنْ يُصَيِّرَهُ حَقًّا فَإِنَّ كَوْنَ غَيْرِ الْحَقِّ حَقًّا هُوَ عَيْنُ الْجَهْلِ فَكَمَا تَقُولُ الْقُدْرَةُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا مُمْكِنٌ وَتَعْنِي بِالْوَجْهِ اللَّائِقِ لَا بِكُلِّ وَجْهٍ حَتَّى تَعَلُّقَهَا بِجَمْعِ الضِّدَّيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُمْكِنِ جِنْسُهُ الْمَقْدُورُ فِي أَصْلِهِ فَكَذَا لَا يُعْقَلُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ الْعِلْمَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَعْلَمُ نَقَائِضَ الْوَاجِبِ ثَابِتَةً، وَيَعْلَمُ مَثَلًا نَفْيَ الْوَاجِبِ وَيَعْلَمُ ثُبُوتَ الصَّاحِبَةِ وَالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ أَمْرٍ عَلَى وَجْهِهِ اللَّائِقِ وَنَفْيِهِ عَلَى الْوَجْهِ غَيْرِ اللَّائِقِ، وَهَذَا تَنْزِيهٌ لَهُ فَالْعِلْمُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ لَكِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَهُ جِهَةُ حَقٍّ وَجِهَةُ بَاطِلٍ فَيَعْلَمُ جِهَةَ الْحَقِّ أَنَّهَا حَقٌّ كَثُبُوتِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيَعْلَمُ جِهَةَ الْبَاطِلِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ كَنَفْيِهَا وَلَا يَعْلَمُ الثُّبُوتَ لَلشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا جِهَةُ بَاطِلٍ فَيَعْلَمُ أَنَّ ثُبُوتَهُ بَاطِلٌ، وَيَعْلَمُ نَفْيَهُ؛ لِأَنَّهُ جِهَةُ حَقٍّ ثُمَّ إنَّ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا تَنْجِيزِيًّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ قَبْلَ وُجُودِهِ فَيَعْلَمُ وُجُودَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ، ثُمَّ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ عِلْمُ عَدَمِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ لَكِنْ مَحَطُّ الْعِلْمِ الْوُجُودُ وَكُلُّ مَا بَقِيَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ صُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ فَإِنَّ الصَّالِحَ لَأَنْ يَعْلَمَ لَيْسَ بِعَالَمٍ، وَقِيلَ إنَّ لَهُ تَعَلُّقَيْنِ صَلَاحِي وَتَنْجِيزِي فَيَتَعَلَّقُ بِالْأَشْيَاءِ كَوْنُهَا وَيُسَمَّى هَذَا عِلْمًا بِمَا

(جُزْئِيَّاتٌ وَكُلِّيَّاتٌ) . (وَقُدْرَتُهُ) شَامِلَةٌ (لِكُلِّ مَقْدُورٍ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُمْكِنُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ. (مَا عُلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ) أَيْ يُوجَدُ (إرَادَةً) أَيْ أَرَادَ وُجُودَهُ (وَمَا لَا) أَيْ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ (فَلَا) يُرِيدُ وُجُودَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَيَكُونُ ثُمَّ يَعْلَمُ بَعْدَ كَوْنِهَا أَنَّهَا كَانَتْ، وَذَلِكَ عِلْمٌ بِمَا كَانَ وَالْعِلْمُ بِمَا سَيَكُونُ غَيْرُ الْعِلْمِ بِمَا كَانَ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِمَا كَانَ أَوْ سَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْلُومِ لَا بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّقِهِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ فَالْمَعْلُومُ قَبْلَ كَوْنِهِ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ وَبَعْدَ كَوْنِهِ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ وَمَثَّلَهُ الشِّهْرِسْتَانِيّ بِمَا لَوْ أَخْبَرَنَا صَادِقٌ بِوُقُوعِ أَمْرٍ عَلِمْنَا كَوْنَهُ لَا مَحَالَةَ لَمْ يَخْتَلِفْ عِلْمُنَا قَبْلَ وُقُوعِهِ وَبَعْدَ وُقُوعِهِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْوَاقِعِ وَوُقُوعُ الِاخْتِلَافِ فِي عِلْمِنَا بِالْأَشْيَاءِ لِتَغَيُّرِ عِلْمِنَا بِعَدَمِ الْيَقِينِ وَالثَّبَاتِ، وَلِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى ثُمَّ فِي حَاشِيَةِ الشَّاوِيِّ عَلَى الصُّغْرَى قَالَ الضَّرِيرُ وَالْعِلْمُ بِالشَّيْءِ عَلَى التَّفْصِيلِ ... يُنَاقِضُ الْعِلْمَ عَلَى التَّجْمِيلِ قَالَ ابْنُ خَلِيلٍ سَمِعْت بَعْضَ الْمُدَرِّسِينَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ يَقُولُ فِي دَرْسِهِ أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَذَلِكَ جَهْلٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى الْعِلْمِ حَيْثُ صَارَ يَتَوَلَّى تَدْرِيسَهُ مِثْلُ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَالْعِلْمُ بِالشَّيْءِ إلَخْ فَإِنَّ الشَّيْءَ الْمُجْمَلَ هُوَ الَّذِي لَمْ تُدْرَكْ حَقِيقَتُهُ وَالْمُفَصَّلَ هُوَ مُدْرَكُ الْحَقِيقَةِ، فَيَجْتَمِعُ عِنْدَ ذَلِكَ مُدْرَكٌ لَا مُدْرَكٌ وَذَلِكَ مُحَالٌ وَنَظِيرُهُ لَوْ قُلْت اللَّهُ أَعْلَمُ بِالدَّلِيلِ الْجُمَلِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ كَانَتْ تَنَاقُضًا اهـ. أَقُولُ لَيْتَ هَذَا الْقَائِلَ عَاشَ حَتَّى الْآنَ لِيَرَى مَا يَقُولُهُ الْمُدَرِّسُونَ فِي دُرُوسِهِمْ بَلْ مَا يَنْقُلُهُ الْمُؤَلِّفُونَ فِي عَصْرِنَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الصُّغْرَى وَمَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحَوَاشِي وَالشُّرُوحِ عُمْدَةً وَإِمَامًا، وَلَمْ تَطْمَحْ نُفُوسُهُمْ بِمَا قَرَّرَهُ مُحَقِّقُوا هَذَا الْفَنِّ فِي كُتُبِهِمْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَتَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَقْلٍ سَاطِعٍ أَوْ بِبُرْهَانٍ قَاطِعٍ لَمْ يَعْدِلْ عَمَّا اسْتَقَرَّ فِي ذِهْنِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الصَّوَابَ، وَقَالَ لَا أَعْدِلُ عَمَّا رَأَيْته فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، ثُمَّ إنِّي رَأَيْت فِي شَرْحِ الدَّوَانِي عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَشْكَالًا حَاصِلَةً أَنَّهُ إذَا كَانَ صُدُورُ الْمُمْكِنَاتِ عَنْ الْوَاجِبِ تَعَالَى بِالِاخْتِيَارِ وَالْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مَسْبُوقَةً بِالْعِلْمِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ وُجُودٌ أَزَلِيٌّ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِاللَّاشَيْءِ الْمَحْضِ مُحَالٌ بَدِيهَةً وَمَا يَقُولُهُ الظَّاهِرِيُّونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ قَدِيمٌ وَالتَّعَلُّقَ حَادِثٌ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ إذْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّيْءِ لَا يَصِيرُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْلُومًا فَهُوَ يُفْضِي إلَى نَفْيِ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِالْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا قُلْت الْمَخْلَصُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ سَابِقًا مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ بِالْعِلْمِ الْبَسِيطِ الْإِجْمَالِيِّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ مَبْدَأٌ لِوُجُودِهِ التَّفْصِيلِيِّ فِي الْخَارِجِ كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ الْإِجْمَالِيَّ فِينَا مَبْدَأٌ لِحُصُولِ التَّفَاصِيلِ فِينَا. (قَوْلُهُ: جُزْئِيَّاتٌ وَكُلِّيَّاتٌ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ الْمُنْكِرِينَ عِلْمَهُ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَادِّيَّةَ بِالْوَجْهِ الْجُزْئِيِّ بَلْ إنَّمَا يَعْلَمُهَا بِوَجْهٍ كُلِّيٍّ مُنْحَصِرٍ فِي الْخَارِجِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقَدْ كَثُرَ تَشْنِيعُ الطَّوَائِفِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَرَّرَ كَلَامَهُمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْفِيرَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَقَالَ مُنْلَا جَامِي فِي الدُّرَّةِ الْفَاخِرَةِ اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ ادَّعُوا انْتِفَاءَ عِلْمِهِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَلَكِنْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ نَفْيُ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ مِمَّا أَحَالَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُمْ إلَى آخِرِ مَا قَالَ، وَأَنَا أَقُولُ هُمْ وَإِنْ أُوِّلَ كَلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَكْفِيرٌ فَلَهُمْ عَظَائِمُ أَجْمَعَ عَلَى كُفْرِهِمْ فِيهَا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَقَائِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ) أَيْ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ لَا لِنَقْصٍ فِيهَا بَلْ لِعَدَمِ قَابِلِيَّتِهِ لِلْوُجُودِ فَلَا يَصْلُحُ لَأَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ وَمِثْلُهُ الْوَاجِبُ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَمَا فِي دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً تَعْظِيمًا لِحَقِّي خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ مَلَكًا» إلَخْ فَمِنْ فِيهِ تَعْلِيلِيَّةٌ وَإِلَّا فَقَلْبُ الْعَرْضِ جَوْهَرًا مُحَالٌ عَقْلِيٌّ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ، وَأَمَّا الْمَسْخُ فَلَيْسَ فِيهِ قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ أَتَمَّ الْبَيَانِ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى. قَالَ الْإِمَامُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى اسْمِهِ الْقَادِرِ فَإِنْ قُلْت فَهَلْ اطَّلَعَ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى صُورَةِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ حَالَ الْإِيجَادِ أَمْ هُوَ مِنْ سِرِّ الْقَدَرِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ. فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَهُ يَعْنِي ابْنَ الْعَرَبِيِّ فِي

فَالْإِرَادَةُ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ. (بَقَاؤُهُ) تَعَالَى (غَيْرَ مُسْتَفْتَحٍ وَلَا مُتَنَاهٍ) أَيْ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ. (لَمْ يَزَلْ) سُبْحَانَهُ مَوْجُودًا (بِأَسْمَائِهِ) أَيْ بِمَعَانِيهَا وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ كَالْعَالِمِ وَالْخَالِقِ. (وَصِفَاتِ ذَاتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْحِ تَرْجُمَانِ الْأَشْوَاقِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سِرِّ الْقَدَرِ وَسِرُّ الْقَدَرِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادٌ. قَالَ وَقَدْ أَطْلَعَنَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَسَعُنَا الْإِفْصَاحُ عَنْهُ لِغَلَبَةِ مُنَازَعَةِ الْمَحْبُوبِينَ قَالَ تَعَالَى {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] وَذَلِكَ لَنَا بِحُكْمِ الْوِرَاثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ طَوَى سِرَّ عِلْمِ الْقَدَرِ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ مَا عَدَا سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ وَرِثَهُ فِيهِ كَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ يَوْمًا أَتَدْرِي يَوْمَ لَا يَوْمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَعَمْ ذَلِكَ يَوْمُ الْمَقَادِيرِ» أَوْ كَمَا قَالَ وَنَقَلَ عَنْهُ الشَّعْرَانِيُّ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ الْمُحَالِ عَقْلًا، وَأَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ دَخَلَ الْأَرْضَ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ بَقِيَّةِ خَمِيرَةِ طِينَةِ آدَمَ فَرَأَى فِيهَا ذَلِكَ بِعَيْنِهِ اهـ. وَأَقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَدْسُوسًا عَلَى الشَّيْخِ الشَّعْرَانِيِّ أَوْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ أَرَادَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ يَعْلَمُهُ وَاعْتِقَادُ ظَاهِرِهِ لَا يَجُوزُ وَيُنْسَبُ لِأَبِي حَيَّانَ إنَّ عَقْلِي لَفِي عِقَالٍ إذَا مَا ... أَنَا صَدَّقْت كُلَّ قَوْلٍ مُحَالِ وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ التَّكْوِينِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُثْبِتُ لَهُ الْمَاتُرِيدِيَّةُ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ التَّكْوِينَ صِفَةً مُغَايِرَةً لِلْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ فَالْمُثْبِتُ لَهُ يَقُولُ إنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا صِحَّةُ التَّأْثِيرِ وَالْإِيجَادُ عَنْ الْفَاعِلِ وَالتَّكْوِينُ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا الْإِيجَادُ بِالْفِعْلِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُمْكِنَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ الْقُدْرَةُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ وَصَحَّ صُدُورُهُ عَنْهُ إذَا تَرَجَّحَ بِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ تَعَلَّقَ التَّكْوِينُ بِإِيجَادِهِ فَوُجِدَ فَعَلَى هَذَا تَعَلُّقَاتُ الْقُدْرَةِ كُلُّهَا قَدِيمَةٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَصِحُّ صُدُورُهَا عَنْ الْوَاجِبِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَالنَّافُونَ لِلتَّكْوِينِ قَالُوا إنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا الْإِيجَادُ، وَأَمَّا صِحَّةُ الصُّدُورِ فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لِإِمْكَانِهَا الذَّاتِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرْفَانِ مُسْتَوِيَيْنِ صَلُحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَثَرًا لِلْفَاعِلِ فَلَا تَحْتَاجُ صِحَّةُ الصُّدُورِ إلَى الْمُخَصِّصِ إنَّمَا الْمُحْتَاجُ صُدُورُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مِنْ الْفَاعِلِ إلَى الْمُخَصِّصِ وَهُوَ الْإِرَادَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ التَّكْوِينِ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: فَالْإِرَادَةُ) أَيْ السَّابِقُ تَعَلُّقُهَا تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ فِي التَّعَلُّقِ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ فِي الْفَاعِلِ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَلَا تَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالْوُقُوعِ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ إذْ نِسْبَتُهَا إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَا بُدَّ فِي تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالْوُقُوعِ مِنْ صِفَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْإِرَادَةُ التَّابِعُ تَعَلُّقُهَا لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ، ثُمَّ التَّحْقِيقُ أَنَّ لِلْإِرَادَةِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا، وَهُوَ تَعْيِينُهَا فِي الْأَزَلِ الْمُمْكِنِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهَا تَعَلُّقٌ صُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ وَلَا تَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ فَتَبَعِيَّةُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ التَّعَقُّلِ إذْ لَا يُعْقَلُ فِي الْقَدِيمِ تَرْتِيبٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا حَادِثًا يَكُونُ التَّرَتُّبُ بِحَسَبِ التَّحَقُّقِ. (قَوْلُهُ: بَقَاؤُهُ غَيْرُ مُسْتَفْتَحٍ) أَيْ بَقَاءُ وُجُودِهِ أَيْ وُجُودِ الْبَاقِي الشَّامِلِ لِلْقَدِيمِ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْبَقَاءِ الْآتِي هُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَدِيمَ كَنَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَعَانِيهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْأَسْمَاءَ أَلْفَاظٌ لَا تُوصَفُ بِالْقِدَمِ وَفِي الْيَوَاقِيتِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الَّذِي أَعْطَاهُ الْكَشْفُ أَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اسْمٌ وَاحِدٌ كَرَامَهُرْمُزَ اهـ. وَهُوَ غَرِيبٌ. (قَوْلُهُ: وَصِفَاتُ ذَاتِهِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ أَوْ لَا وَهَلْ وُجُوبُهَا وَقِدَمُهَا ذَاتِيٌّ أَوْ هِيَ ذَاتُهَا مُمْكِنَةٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ النِّزَاعِ وَنِعْمَ مَا قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ وَعَدَمِ زِيَادَتِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا تَكْفِيرُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ الْأَصْفِيَاءِ يَقُولُ عِنْدِي أَنَّ زِيَادَةَ الصِّفَاتِ وَعَدَمَهَا وَأَمْثَالَهَا لَا يُدْرَكُ إلَّا بِكَشْفٍ حَقِيقِيٍّ لِلْعَارِفِينَ، وَأَمَّا مَنْ تَمَرَّنَ الِاسْتِدْلَالَ فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ كَشْفٌ فَإِنَّمَا يَرَى مَا كَانَ غَالِبًا عَلَى اعْتِقَادٍ بِحَسَبِ النَّظَرِ الْفِكْرِيِّ وَلَا أَرَى بَأْسًا فِي اعْتِقَادِ أَحَدِ طَرَفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ وَاَلَّذِي تَلَخَّصَ مِنْ جَمِيعِ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَائِلٌ

وَهِيَ (مَا دَلَّ عَلَيْهَا فِعْلُهُ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا (مِنْ قُدْرَةٍ) وَهِيَ صِفَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الشَّيْءِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ (وَعِلْمٍ) وَهُوَ صِفَةٌ يَنْكَشِفُ بِهَا الشَّيْءُ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ (وَحَيَاةٍ) وَهِيَ صِفَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِلْمِ لِمَوْصُوفِهَا (وَإِرَادَةٍ) وَهِيَ صِفَةٌ تُخَصِّصُ أَحَدَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ الصِّفَاتِ عَيْنٌ لَا غَيْرُ كَشْفًا وَيَقِينًا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى اهـ. وَقَالَ مُنْلَا جَامِي نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ ذَوَاتُنَا نَاقِصَةٌ، وَإِنَّمَا يُكَمِّلُهَا الصِّفَاتُ فَأَمَّا ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَهِيَ كَامِلَةٌ لَا تَحْتَاجُ فِي شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ إذْ كُلُّ مَا يُحْتَاجُ فِي شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ فَهُوَ نَاقِصٌ وَالنُّقْصَانُ لَا يَلِيقُ بِالْوَاجِبِ تَعَالَى فَذَاتُهُ كَافِيَةٌ لِلْكُلِّ فِي الْكُلِّ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْلُومَاتِ عِلْمٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورَاتِ قُدْرَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَادَاتِ إرَادَةٌ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ لَيْسَ فِيهَا اثْنَيْنِيَّةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْنَا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بَعْضٌ مِنْ عُلَمَاءِ بُلْغَارَ وَمَعَهُ سُؤَالٌ يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافَاتِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَقَعَ بَيْنَ عُلَمَاءِ تِلْكَ الْبِلَادِ فَكَتَبْت فِي شَأْنِ ذَلِكَ رِسَالَةً اسْتَوْفَيْت فِيهَا أَطْرَافَ الْمَسْأَلَةِ، وَمَسْأَلَةُ الصِّفَاتِ مِنْ الْمُعْضِلَاتِ حَتَّى أَنَّ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ كَمَالِ مَهَارَتِهِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَمَزِيدِ تَقَدُّمِهِ فِيهِ اضْطَرَبَ كَلَامُهُ فِيهَا، وَزَلَّتْ قَدَمُهُ فِي بَعْضِ مَبَاحِثِهَا. قَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ إنَّ الْحَاصِلَ فِي الْمَعْقُولِ هَهُنَا أَرْبَعَةٌ ذَاتٌ وَصِفَاتٌ وَأَحْوَالٌ وَتَعَلُّقَاتٌ فَالْقَاضِي أَثْبَتَ الْجَمِيعَ، وَالشَّيْخُ وَالْأُسْتَاذُ أَثْبَتَا الْجَمِيعَ إلَّا الْأَحْوَالَ فَإِنَّ مَا زَعَمُوا أَنَّهُ حَالٌ وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ الزَّائِدُ عَلَى مَعْقُولِ الذَّاتِ وَالصِّفَةِ فَهُوَ مُجَرَّدٌ نِسْبَةً فِي الْعَقْلِ فَقَطْ، وَالْمُعْتَزِلَةُ أَثْبَتُوا الذَّاتَ دُونَ الصِّفَاتِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْمُعْتَزِلِيُّ أَثْبَتَ الذَّاتَ وَالتَّعَلُّقَاتِ كَمَا صَارَ إلَيْهِ الْفَخْرُ وَقَضَى بِصِحَّةِ تَجَدُّدِهَا عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْفَخْرِ ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ أَنَّ الذَّاتَ الْمَخْصُوصَةَ مُوجِبَةٌ لِهَذِهِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ ابْتِدَاءً إلَخْ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ عُقُولَ الْبَشَرِ قَاصِرَةٌ عَنْ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ الْمَضَايِقِ مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّ الذَّاتَ مُوجِبَةٌ لِتِلْكَ الْإِضَافَاتِ إمَّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَاسِطَةِ جَمْعٍ بَيْنَ جَرَيَانِ الْعَقْلِ وَوَقْفِهِ، وَهَذَا ظَاهِرَةُ تَنَاقُضٍ وَغَايَةُ مَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ مِنْ التَّأْوِيلِ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الِاسْتِلْزَامَ لَا التَّأْثِيرَ، وَيُرِيدَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ النَّسَبِ مَعْلُومٌ قَطْعًا أَمَّا اسْتِلْزَامُ الذَّاتِ لِلصِّفَاتِ وَالصِّفَاتِ لِلْأَحْوَالِ وَالْأَحْوَالِ لِهَذِهِ الْإِضَافَاتِ أَوْ اسْتِلْزَامُ الصِّفَاتِ لِلْإِضَافَةِ بِدُونِ وَاسِطَةِ الْأَحْوَالِ أَوْ اسْتِلْزَامُ الذَّاتِ لِحَالَةٍ تَسْتَلْزِمُ هَذِهِ التَّعْلِيقَاتِ فَكَأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ تَوَقُّفٌ عَقْلِيٌّ لَمْ يَقُمْ لَهُ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُ يَكُونُ وَاقِفًا فِي ذَلِكَ وَقْفَ حِيرَةٍ كَمَا وَقَفَ الْأَصْحَابُ فِي أَخَصِّ وَصْفِ الْبَارِي وَفِي حَصْرِ الصِّفَاتِ وَسِرِّ الْقَدَرِ، فَالْمَحَلُّ الَّذِي جَزَمَ فِيهِ غَيْرُ الْمَحَلِّ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سِوَى دَعْوَى عَدَمِ عِلْمٍ فَإِنَّ الْمَدَارِكَ الْعَقْلِيَّةَ فِيهِ غَامِضَةٌ وَنُصُوصَ الشَّرْعِ غَيْرُ مُفْصِحَةٍ فِيهِ إفْصَاحًا قَاطِعًا لِلِاحْتِمَالِ لَكِنَّ تَصْرِيحَهُ بِالْإِمْكَانِ وَالِافْتِقَارِ يُبْعِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ كُلُّ دَاءٍ يُعَالِجُهُ الطَّبِيبُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَيْهَا فِعْلُهُ) يُشِيرُ إلَى دَلِيلِ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْمُتْقَنَةَ الْمُشَاهَدَةُ لَنَا دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ إلَهٍ وَاجِبٍ قَدِيمٍ مُتَّصِفٍ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ مُنَزَّهٍ عَنْ سِمَاتِ النَّقْصِ كَمَا قِيلَ: وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ) فَلَهَا تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ (قَوْلُهُ: يَنْكَشِفُ) فِيهِ أَنَّ الِانْكِشَافَ انْفِعَالٌ فَيُوهِمُ حُدُوثَ اتِّضَاحٍ بَعْدَ خَفَاءٍ وَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ عِلْمٌ حُضُورِيٌّ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِأَنَّهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ دُونَ سَبْقِ خَفَاءٍ ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ بِقَيْدِ الِانْكِشَافِ الصِّفَاتُ الَّتِي لَا تُوجِبُ انْكِشَافًا كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، ثُمَّ إنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ صِفَةَ تَأْثِيرٍ (قَوْلُهُ: تَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِلْمِ) وَكَذَا بَاقِي الصِّفَاتِ ثُمَّ الصِّحَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ أَيْ لَا يَجُوزُ بِدُونِهَا فَالْجَوَازُ رَفْعُ الِاسْتِحَالَةِ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْحَيَاةِ لَا يَسْتَحِيلُ الِاتِّصَافُ بِالْإِدْرَاكِ فَهُوَ إمْكَانٌ عَامٌّ شَامِلٌ لِلْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ فَفِي حَقِّ الْقَدِيمِ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ وَفِي حَقِّنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ وَهِيَ فِي الْحَادِثِ مُرْتَبِطَةٌ بِالرُّوحِ

مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِالْوُقُوعِ (أَوْ) دَلَّ عَلَيْهَا (التَّنْزِيهُ) لَهُ تَعَالَى (عَنْ النَّقْصِ مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ) وَهُمَا صِفَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى عَادَتَهُ إذَا اتَّصَلَتْ الرُّوحُ بِالْجَسَدِ حَصَلَ لَهُ وَصْفُ الْحَيَاةِ فَحَيَاةُ الْجِسْمِ بِالرُّوحِ وَحَيَاةُ اللَّهِ بِلَا رُوحٍ لِاسْتِغْنَاءِ صِفَاتِهِ عَنْ مُقَوِّمٍ تَقُومُ بِسَبَبِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ) أَرَادَ بِهِمَا الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ بِتَخْصِيصِ الْمُمْكِنِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمُتَقَابِلَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: الْمُمْكِنَاتُ الْمُتَقَابِلَاتُ ... وُجُودُنَا وَالْعَدَمُ الصِّفَاتُ أَزْمِنَةٌ أَمْكِنَةٌ جِهَاتُ ... كَذَا الْمَقَادِيرُ رَوَى الثِّقَاتُ لَكَانَ أَحْسَنَ لِعُمُومِهِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ تَعَالَى مَرِيدٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَزَعَمَ أَهْلُ الِاعْتِزَالِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الشَّرَّ فَيَلْزَمُهُمْ وُقُوعُهُ عَلَى خِلَافِ إرَادَتِهِ تَعَالَى وَهُوَ غَايَةُ الشَّنَاعَةِ حُكِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أَلْزَمَنِي أَحَدٌ مِثْلَ مَا أَلْزَمَنِي مَجُوسِيٌّ كَانَ مَعِي فِي السَّفِينَةِ فَقُلْت لَهُ لِمَ لَا تُسْلِمُ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ إسْلَامِي فَإِذَا أَرَادَ إسْلَامِي أَسْلَمْت، فَقُلْت لِلْمَجُوسِيِّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ إسْلَامَك وَلَكِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتْرُكُك فَقَالَ الْمَجُوسِيُّ فَأَنَا إذًا أَكُونُ مَعَ الشَّرِيكِ الْأَغْلَبِ، وَقَالَ الْفَلَاسِفَةُ الْإِرَادَةُ هِيَ الْعِلْمُ بِالنِّظَامِ الْأَكْمَلِ وَيُسَمُّونَهُ الْعِنَايَةَ الْأَزَلِيَّةَ قَالَ ابْنُ سِينَا الْعِنَايَةُ هِيَ إحَاطَةُ عِلْمِ الْأَوَّلِ تَعَالَى بِالْكُلِّ وَبِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْكُلُّ حَتَّى يَكُونَ عَلَى أَحْسَنِ النِّظَامِ اهـ. وَمِنْ هَهُنَا شَنَّعَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ بِأَنَّهُ مَيْلٌ لِكَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ وَانْتَصَرَ لَهُ آخَرُونَ فَقِيلَ مَدْسُوسٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ بِالنَّظَرِ لِتَعَلُّقِ عِلْمٍ بِمَا كَانَ فَلَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَسَعُهُ عُقُولُنَا وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ كَلَامٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَمَّ لَنَا إلَّا رُتْبَتَانِ قِدَمٌ وَحُدُوثٌ فَالْحَقُّ تَعَالَى لَهُ رُتْبَةُ الْقِدَمِ وَالْمَخْلُوقُ لَهُ رُتْبَةُ الْحُدُوثِ فَلَوْ خَلَقَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا خَلَقَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ رُتْبَةِ الْحُدُوثِ فَلَا يُقَالُ هَلْ يَقْدِرُ الْحَقُّ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ قَدِيمًا مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ مُهْمَلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ اهـ. وَقِيلَ إنَّ مُعْظَمَ مَا فِي الْإِحْيَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ لِأَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ أَجْمَلَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ مِنْ قَوْلِ أَبِي طَالِبٍ اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ اللَّهَ لَوْ جَعَلَ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ عَلَى عِلْمِ أَعْلَمِهِمْ بِهِ وَعَقْلِ أَعْقَلِهِمْ عَنْهُ وَحِكْمَةِ أَحْكَمِهِمْ عِنْدَهُ ثُمَّ زَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلَائِقِ مِثْلَ عَدَدِ جَمِيعِهِمْ وَأَضْعَافِهِ عِلْمًا وَحِكْمَةً وَعَقْلًا ثُمَّ كَشَفَ لَهُمْ الْعَوَاقِبَ، وَأَطْلَعَهُمْ عَلَى السَّرَائِرِ وَأَعْلَمَهُمْ بَوَاطِنَ النِّعَمِ وَعَرَّفَهُمْ دَقَائِقَ الْعُقُوبَاتِ وَأَوْقَفَهُمْ عَلَى خَفَايَا اللُّطْفِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ دَبِّرُوا الْمُلْكَ بِمَا أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ الْعُلُومِ وَالْعُقُولِ عَنْ مُشَاهَدَتِكُمْ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ ثُمَّ أَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَوَّاهُمْ لَهُ لَمَا زَادَ تَدْبِيرُهُمْ عَلَى مَا نَرَاهُ مِنْ تَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَا أَوْجَبَتْ الْعُقُولُ وَالْمُكَاشَفَاتُ وَلَا الْعُلُومُ وَالْمُشَاهَدَاتُ غَيْرَ هَذَا التَّدْبِيرِ، وَلَا قَضَتْ بِغَيْرِ هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي نُعَانِيهِ وَنَتَقَلَّبُ فِيهِ وَلَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ وَمَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا) التَّنْزِيهُ قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّنْزِيهُ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّنْزِيهُ؛ لِأَنَّ أَضْدَادَهَا كَالْعَجْزِ وَنَحْوِهِ نَقْصٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ) هُمَا صِفَتَانِ أَزَلِيَّتَانِ زَائِدَتَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَخَالَفَ الْكَعْبِيُّ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالُوا إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يَرْجِعَانِ لِلْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِكُلِّ مَوْجُودٍ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا بِذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَتَنْجِيزِيًّا حَادِثًا، وَهُوَ تَعَلُّقُهُمَا بِالْحَوَادِثِ بَعْدَ وُجُودِهَا، وَلَيْسَ لَهُمَا تَعَلُّقٌ صَلَاحِيٌّ وَاخْتِصَاصُ سَمْعِنَا بِالْمَسْمُوعَاتِ وَبَصَرِنَا بِالْمُبْصَرَاتِ عَادِيٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْرِقَ اللَّهُ الْعَادَةَ وَيَتَعَلَّقَ سَمْعُنَا وَبَصَرُنَا بِكُلِّ مَوْجُودٍ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ عَقِيبَ صَرْفِ الْبَاصِرَةِ إدْرَاكَ الْأَصْوَاتِ مَثَلًا، وَتَعَلُّقُهُمَا بِكُلِّ مَوْجُودٍ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ السَّنُوسِيُّ وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الْمَغَارِبَةِ وَهُوَ سَيِّدِي عُمَرُ الْمَغِيلِيُّ وَقَالَ إنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْمَعْدُومِ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا نَحْوَ الْكُرَّاسَتَيْنِ يَرُدُّ بِهِ عَلَى السَّنُوسِيِّ قَالَ

يَزِيدُ الِانْكِشَافُ بِهِمَا عَلَى الِانْكِشَافِ بِالْعِلْمِ. (وَكَلَامٍ) وَهُوَ صِفَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّاوِيُّ وَلَا يَنْهَضُ رَدًّا وَأَمَّا قَوْلُ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ مِفْتَاحِ الْفَلَاحِ إنَّ اللَّهَ سَمِعَ وَأَبْصَرَ فِي أَزَلِهِ ذَوَاتَ الْعَالَمِ حَاضِرَةً مَوْجُودَةً لَمْ يَغِبْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَقَدْ سَمِعَ فِي أَزَلِهِ الْعَالَمَ بِمَا فِيهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا غَوْرٌ بَعِيدُ الْعُقْرِ لَا يُدْرِك مُنْتَهَاهُ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ اهـ. فَلَهُ تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ: يَزِيدُ الِانْكِشَافُ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ حَقِيقَةَ الِانْكِشَافِ بِهَا غَيْرُ حَقِيقَةِ الِانْكِشَافِ بِالْعِلْمِ، وَإِلَّا فَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُعْهَدُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ أَنَّ الْبَصَرَ يُفِيدُ بِالْمُشَاهَدَةِ وُضُوحًا فَوْقَ الْعِلْمِ فَإِنَّ جَمِيعَ صِفَاتِهِ تَعَالَى تَامَّةٌ كَامِلَةٌ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهَا مَا كَانَ مِنْ سِمَاتِ الْحَوَادِثِ مِنْ الْخَفَاءِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُتَعَلِّقُ وَكَانَتْ الْجِهَةُ مُتَّحِدَةً بِالنَّوْعِ كَالِانْكِشَافِ فِي الْعِلْمِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ مَعَ جَزْمِنَا بِالْمُغَايَرَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ صِفَةً) أَيْ قَدِيمَةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ تَعَالَى مُنَزَّهَةً عَنْ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي إنْكَارِهَا وَلِلْكَرَامِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهَا مُؤَلَّفَةٌ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ الْحَادِثَةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهَا حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ بَلْ تَغَالَى الْبَعْضُ مِنْهُمْ وَقَالَ بِقَدَمِ الْجِلْدِ وَالْغِلَافِ، وَمَنْشَأُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ هُنَا قِيَاسَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ وَهُمَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ لَهُ وَكُلُّ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ فَهُوَ قَدِيمٌ. كَلَامُ اللَّهِ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَادِثٌ فَمَنَعَ كُلُّ طَائِفَةٍ بَعْضَ الْمُقَدِّمَاتِ فَالْحَنَابِلَةُ مَنَعُوا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ فَهُوَ حَادِثٌ، وَالْمُعْتَزِلَةُ مَنَعُوا أَنَّ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْأَصْوَاتِ صِفَةُ اللَّهِ وَمَنَعَ الْكَرَّامِيَّةُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ فَهُوَ قَدِيمٌ ثُمَّ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي حُدُوثِ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إنَّمَا نِزَاعُهُمْ فِي إثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَعَدَمِهِ، وَحَقَّقَ الْمَوْلَى الْعَضُدُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّيْخِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ أَيْضًا قَدِيمَةٌ، وَأَفْرَدَ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً وَمَا زَالَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا سِيَّمَا مَا وَقَعَ لِأَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِ الْمَأْمُونِ وَالْمُعْتَصِمِ مِمَّا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ التَّوَارِيخِ وَارْتَفَعَتْ الْفِتْنَةُ فِي زَمَنِ الْوَاثِقِ بِسَبَبِ أَنَّ شَيْخَنَا تَنَاظَرَ مَعَ الْقَاضِي أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دُؤَادٍ قَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ الشَّيْخُ الْمَسْأَلَةُ لِي قَالَ سَلْ قَالَ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ هُوَ مَخْلُوقٌ قَالَ الشَّيْخُ هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ؟ فَقَالَ لَمْ يَعْلَمُوهُ فَقَالَ الشَّيْخُ: سُبْحَانَ اللَّهِ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ تَعْلَمُهُ أَنْتَ يَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ فَخَجِلَ ثُمَّ قَالَ أَقِلْنِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قَالَ قَدْ فَعَلْت قَالَ عَلِمُوهُ وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إلَيْهِ وَلَا أَظْهَرُوهُ لَهُمْ فَقَالَ أَلَا وَسِعَك وَوَسِعَنَا مَا وَسِعَهُمْ مِنْ السُّكُوتِ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْوَاثِقُ دَخَلَ الْخَلْوَةَ وَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ، وَجَعَلَ يُكَرِّرُ الْإِلْزَامَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ وَيُرْوَى أَنَّهُ جَعَلَ ثَوْبَهُ فِي فِيهِ مِنْ الضَّحِكِ عَلَى ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ ثُمَّ أَمَرَ الْحَاجِبَ أَنْ يُطْلِقَ الشَّيْخَ وَيُعْطِيَهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَسْأَلَةُ الْكَلَامُ مِمَّا كَثُرَ فِيهَا النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ حَتَّى قِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ بِالْكَلَامِ. لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَغْمَضُ مَبَاحِثِهِ وَأَشْهَرُهَا وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ فِيهَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي نَتْلُوهَا وَنَتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهَا حَادِثَةٌ، وَالْقَوْلُ بِقِدَمِهَا سَفْسَطَةٌ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ تَحَاشَوْا عَنْ الْقَوْلِ بِحُدُوثِهَا فَمَنَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يُقَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ حَادِثٌ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ بِمَا أَوْهَمَ وَقَدْ يُلْبِسُ بِهِ الْمُبْتَدِعُ وَمَعْنَى كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ الْبَشَرِ بَلْ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ خِلَافًا لِمَا قِيلَ أَنَّ جِبْرِيلَ يُلْهَمُ الْمَعْنَى وَيُعَبِّرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَلِمَنْ قَالَ يُلْقِي الْمَعْنَى فِي قَلْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي يُعَبِّرُ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَالَّةٌ عَلَى الصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ الْقَدِيمَةِ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مَدْلُولَ اللَّفْظِيِّ أَنَّهُ مَدْلُولُهُ اللُّغَوِيُّ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْعِبَارَاتِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ وَكَيْفَ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ تَعَالَى بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ غَرَضُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ تَغَيُّرِ الْعِبَارَاتِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ وَهُوَ الْأَصْلُ

عَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّظْمِ الْمَعْرُوفِ الْمُسَمَّى بِكَلَامِ اللَّهِ أَيْضًا وَيُسَمَّيَانِ بِالْقُرْآنِ أَيْضًا. (وَبَقَاءٍ) وَهُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ. أَمَّا صِفَاتُ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْأَمَانَةِ فَلَيْسَتْ أَزَلِيَّةً خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ بَلْ هِيَ حَادِثَةٌ أَيْ مُتَجَدِّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا إضَافَاتٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ وَهِيَ تَعَلُّقَاتُهَا بِوُجُودَاتِ الْمَقْدُورَاتِ لِأَوْقَاتِ وُجُودَاتِهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي اتِّصَافِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ بِالْإِضَافَاتِ كَكَوْنِهِ قَبْلَ الْعَالَمِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَأَزَلِيَّةِ أَسْمَائِهِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُهَا إلَى الْقُدْرَةِ لَا الْفِعْلِ فَالْخَالِقُ مَثَلًا مِنْ شَأْنِهِ الْخَلْقُ أَيْ هُوَ الَّذِي بِالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ الْخَلْقُ وَهِيَ الْقُدْرَةُ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَاءِ فِي الْكُوزِ مُرْوٍ أَيْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَلْفَاظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمَعَانِي الثَّانَوِيَّةِ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ انْتَهَى فَالدَّالُّ حَادِثٌ وَالْمَدْلُولُ قَدِيمٌ وَهَذَا الْمَدْلُولُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الْمَقْرُوءُ قَدِيمٌ وَالْقِرَاءَةُ حَادِثَةٌ. وَفَهِمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَدْلُولُ الْوَضْعِيُّ فَقَالَ إنَّ بَعْضَ الْمَدْلُولِ قَدِيمٌ وَبَعْضَهُ حَادِثٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَقْلِيَّةٌ كَمَا سَمِعْت. (قَوْلُهُ: عَبَّرَ عَنْهَا إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ وَضْعِيَّةٌ كَمَا فَهِمَهُ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ هِيَ الْمَدْلُولَاتُ اللُّغَوِيَّةُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ بِأَنَّ الْمَعْنَى عَبَّرَ مِنْ أَجْلِهَا أَيْ أَنَّهَا مَنْشَأُ التَّعْبِيرِ وَمَبْدَؤُهُ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّاوِيِّ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ النَّظَرُ فِي مَدْلُولِهِ بِحَيْثِيَّتَيْنِ فَبِحَيْثِيَّةِ مَدْلُولِهِ الَّذِي بِهِ حَصَلَتْ لَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى يُقَالُ مَدْلُولُ هَذَا الْقُرْآنِ قَدِيمٌ بِلَا تَفْصِيلٍ إذْ مَدْلُولُهُ هُوَ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ وَهُوَ قَدِيمٌ وَبِحَيْثِيَّةِ مَدْلُولِ مُفْرَدَاتِهِ وَتَرَاكِيبِهِ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِضَاءَاتُ الْعَرَبِيَّةُ فَهَذَا يُقَالُ إنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَمَدْلُولُ سَمِيعٍ وَعَلِيمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَحَادِثٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَاحَظَهَا الْقَرَافِيُّ حَتَّى جَعَلَ الْقُرْآنَ مِنْهُ قَدِيمٌ وَمِنْهُ حَادِثٌ وَلَوْ رَاعَى أَنَّ مَدْلُولَهُ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ مَا قَالَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِذَاتِهِ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا النَّظْمُ مِنْ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ فَكُلُّ الْمَعَانِي الْمَفْهُومَةِ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ هِيَ مَفْهُومَةٌ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ هُوَ مَدْلُولُ هَذِهِ الْحُرُوفِ أَيْضًا فَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ دَالٌّ عَلَى مَدْلُولَاتِهِ وَمَدْلُولٌ لِلْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ الشَّيْءِ مَدْلُولًا لِشَيْءٍ دَالًّا عَلَى غَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ اهـ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَوَّلُ مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ أَحَدُ أَصْحَابِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بَدَّعَهُ وَهَجَرَهُ ثُمَّ قَالَ بِذَلِكَ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ إمَامُ الظَّاهِرِيَّةِ يَوْمَئِذٍ بِنَيْسَابُورَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ فَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّجَارُؤُ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّكَلُّمُ بِهِ إلَّا فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ) ظَاهِرُهُ الْمُرُورُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ صِفَةٌ مَعْنًى، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الِاسْتِمْرَارَ، وَأَرَادَ لَازِمَهُ الَّذِي هُوَ سَلْبُ الْعَدَمِ اللَّاحِقِ وَقَدْ عَبَّرَ بِالِاسْتِمْرَارِ الْمُقْتَرَحِ وَقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ نِسْبَةً زَمَانِيَّةً بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ عَدَمٌ اهـ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ هُوَ وَالْقِدَمُ صِفَتَانِ سَلْبِيَّتَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ فَالْحَادِثُ مَا لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ مَا سَبَقَ عَدَمُهُ وُجُودَهُ وَالْقَدِيمُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ وَهُوَ سَلْبُ مَا وَجَبَ لِلْحَادِثِ فَالْقِدَمُ إذَنْ نَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ وَنَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ سَلْبٌ مَحْضٌ وَالْبَقَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ دَوَامِ الْوُجُودِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِي مَعَهُ الْعَدَمُ اللَّاحِقُ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) أَيْ فِي جَعْلِهَا أَزَلِيَّةً وَإِرْجَاعِهَا إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مُتَجَدِّدَةً) أَيْ فِي الذِّهْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا وُجُودَ لَهَا إلَّا فِي الذِّهْنِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الصُّغْرَى، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْحُدُوثِ عَلَيْهَا تَسَمُّحًا (قَوْلُهُ: وَأَزَلِيَّةُ أَسْمَائِهِ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُهَا إلَخْ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا دَفْعُ اعْتِرَاضٍ وَرَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَزَلْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ رُجُوعُهَا إلَخْ) الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ

بِالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ الْإِرْوَاءُ عِنْدَ مُصَادَفَةِ الْبَاطِنِ وَفِي السَّيْفِ فِي الْغِمْدِ قَاطِعٌ أَيْ هُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَحَلِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْخَالِقِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْخَلْقُ فَلَيْسَ صُدُورُهُ أَزَلِيًّا ذَكَرَ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ، وَبَيَّنَ رُجُوعَ الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا إلَى الذَّاتِ وَصِفَاتِهَا فِي الْمَقْصِدِ الْأَسْنَيْ. (وَمَا صَحَّ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الصِّفَاتِ نَعْتَقِدُ ظَاهِرَ الْمَعْنَى) مِنْهُ (وَنُنَزِّهُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الْمُشْكِلِ) مِنْهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ» «إنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مُغْرِبِهَا» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. (ثُمَّ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا أَنُؤَوِّلُ) الْمُشْكِلَ (أَمْ نُفَوِّضُ) مَعْنَاهُ الْمُرَادَ إلَيْهِ تَعَالَى (مُنَزِّهِينَ) لَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ (مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ جَهْلَنَا بِتَفْصِيلِهِ لَا يَقْدَحُ) فِي اعْتِقَادِنَا الْمُرَادَ مِنْهُ مُجْمَلًا، وَالتَّفْوِيضُ مَذْهَبُ السَّلَفِ وَهُوَ أَسْلَمُ، وَالتَّأْوِيلُ مَذْهَبُ الْخَلَفِ وَهُوَ أَعْلَمُ أَيْ أَحْوَجُ إلَى مَزِيدِ عِلْمٍ فَيُؤَوَّلُ فِي الْآيَاتِ الِاسْتِوَاءُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَالْوَجْهُ بِالذَّاتِ وَالْعَيْنُ بِالْبَصَرِ وَالْيَدُ بِالْقُدْرَةِ وَالْحَدِيثَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْقُدْرَةِ مَجَازٌ قَطْعًا إذْ إطْلَاقُهُ حِينَئِذٍ مِنْ إطْلَاقِ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ اهـ. نَاصِرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أُرِيدَ الْخَالِقُ إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ لَفْظِيٌّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَقْصِدِ الْأَسْنَيْ) فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى. (قَوْلُهُ: وَمَا صَحَّ) أَيْ ثَبَتَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ أَنِّي عَاشِقٌ ... غَيْرَ أَنْ لَمْ يَعْرِفُوا عِشْقِي لِمَنْ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي كُتُبِهَا أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) قَدَّرَهُ لِأَجْلِ صِحَّةِ الرَّبْطِ فَهُوَ مِثْلُ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ (قَوْلُهُ: وَنُنَزِّهُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الْمُشْكِلِ) مُخَصِّصٌ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ نَعْتَقِدُ ظَاهِرَ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فَنُنَزِّهُهُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا) أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَقَوْلُهُ أَنُؤَوِّلُ أَيْ يَجُوزُ أَنْ نُؤَوِّلَ أَوْ نُفَوِّضَ (قَوْلُهُ: مُنَزِّهِينَ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ نُفَوِّضُ وَفِيهِ أَنَّ التَّنْزِيهَ عَنْ ظَاهِرِهِ تَأْوِيلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ إلَى التَّأْوِيلِ مُجْمَلًا (قَوْلُهُ: مَذْهَبُ السَّلَفِ) وَهُمْ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَمَا بَعْدَهَا هُمْ الْخَلَفُ وَقِيلَ الْخَلَفُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَحْوَجُ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَلَفَ أَعْلَمُ مِنْ السَّلَفِ (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِيلَاءِ) كَمَا فِي قَوْلِهِ: قَدْ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ وَفِي آخِرِ حُكْمِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ يَا مَنْ اسْتَوَى بِرَحْمَانِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَصَارَ الْعَرْشُ غَيْبًا فِي رَحْمَانِيَّتِهِ كَمَا صَارَتْ الْعَوَالِمُ غَيْبًا فِي عَرْشِهِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الرَّحْمَنُ اسْتَوَى بِرَحْمَانِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَرْشَ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا وَهِيَ مُغَيَّبَةٌ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] هُوَ صَغِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَغِيبُ فِيهَا كَمَا تَغِيبُ الْعَوَالِمُ فِيهِ إشَارَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] وَيُمْكِنُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى اللَّطِيفَ هُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ أَنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» فَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْكِتَابِ وَلَوْ قِيلَ الْقَهَّارُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَذَابَ الْعَرْشُ وَمَا فِيهِ وَمِنْ الْمُتَشَابِهِ حَدِيثُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْت بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ أَوْ كَمَا قَالَ فَيُؤَوَّلُ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَتَانِي إحْسَانٌ مِنْ رَبِّي وَيُؤَوَّلُ وَضْعُ الْيَدِ بِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِإِنْزَالِ الْمَعَارِفِ بِالْقَلْبِ وَوُجُودُ بَرْدِ الْأَنَامِلِ بِعُمُومِ إشْرَاقِ تِلْكَ الْمَعَارِفِ فِي الصَّدْرِ بِأَرْجَائِهِ سَأَلَ الشَّعْرَانِيُّ شَيْخَهُ الْخَوَّاصَ لِمَاذَا

مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ الْمَذْكُورِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ نَحْوَ أَرَاك تُقَدِّمُ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى يُقَالُ لِلْمُتَرَدِّدِ فِي أَمْرٍ تَشْبِيهًا لَهُ بِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِإِقْدَامِهِ وَإِحْجَامِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالظَّرْفُ فِيهِ خَبَرٌ كَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ إنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ كُلَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى شَيْءٌ يَسِيرٌ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ شَاءَ كَمَا يُقَلِّبُ الْوَاحِدُ مِنْ عِبَادِهِ الْيَسِيرَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَلَا يَرُدُّ تَائِبًا كَمَا يَبْسُطُ الْوَاحِدُ مِنْ عِبَادِهِ يَدَهُ لِلْعَطَاءِ أَيْ لِلْأَخَذَةِ فَلَا يَرُدُّ مُعْطِيًا. (الْقُرْآنُ) وَهُوَ (كَلَامُهُ) تَعَالَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ (غَيْرُ مَخْلُوقٍ) وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا (عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْمَجَازِ مَكْتُوبٌ فِي مَصَاحِفِنَا) بِأَشْكَالِ الْكِتَابَةِ وَصُوَرِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ (مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِنَا) بِأَلْفَاظِهِ الْمَخِيلَةِ (مَقْرُوءٌ بِأَلْسِنَتِنَا) بِحُرُوفِهِ الْمَلْفُوظَةِ الْمَسْمُوعَةِ فَقَوْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى كُلٍّ مِنْ مَكْتُوبٍ وَمَحْفُوظٍ وَمَقْرُوءٍ وَقُدِّمَ لِلْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ لَا الْمَجَازِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ كُنْهَ الشَّيْءِ كَمَا هُوَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّ الْقُرْآنَ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ فِي الْمَصَاحِفِ وَلَا فِي الصُّدُورِ وَلَا فِي الْأَلْسِنَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا مُقَابِلُ الْمَجَازِ أَيْ يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْقُرْآنِ حَقِيقَةً أَنَّهُ مَكْتُوبٌ مَحْفُوظٌ مَقْرُوءٌ وَاتِّصَافُهُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَيْ مَوْجُودٌ أَزَلًا وَأَبَدًا اتِّصَافٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ وُجُودَاتِ الْمَوْجُودِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّ لِكُلِّ مَوْجُودٍ وُجُودًا فِي الْخَارِجِ وَوُجُودًا فِي الذِّهْنِ وَوُجُودًا فِي الْعِبَارَةِ وَوُجُودًا فِي الْكِتَابَةِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْعِبَارَةِ وَهِيَ عَلَى مَا فِي الذِّهْنِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْخَارِجِ. (يُثِيبُ) اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَةَ الْمُكَلَّفِينَ (عَلَى الطَّاعَةِ) فَضْلًا (وَيُعَاقِبُ) هُمْ (إلَّا أَنْ يَغْفِرَ غَيْرَ الشِّرْكِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ) عَدْلًا لِإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} [النازعات: 37] {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات: 38] {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 39] {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَوِّلُ الْعُلَمَاءُ الْمُوهِمَ الْوَاقِعَ مِنْ الشَّارِعِ وَلَا يُؤَوِّلُونَ الْوَاقِعَ مِنْ الْوَلِيِّ مَعَ أَنَّ الْمَادَّةَ وَاحِدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَقَالَ لَهُ لَوْ أَنْصَفُوا لَأَوَّلُوا الْوَاقِعَ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِضَعْفِهِ فِي أَحْوَالِ الْحَضْرَةِ بِخِلَافِ الشَّارِعِ فَإِنَّهُ ذُو مَقَامٍ مَكِينٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ) الْمَذْكُورُ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ هُوَ تَشْبِيهُ هَيْئَةٍ مُنْتَزَعَةٍ مِنْ عِدَّةِ أُمُورٍ بِأُخْرَى قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّمْثِيلَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلٍ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ لَا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ إذْ لَوْ قِيلَ إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ شَاءَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَمْثِيلٌ قَطْعًا اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمْثِيلِ أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ فِي جَمِيعِ مِفْرَادَتِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْهَيْئَةُ الْمُنْتَزَعَةُ مِنْ عِدَّةِ أُمُورٍ لَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا يَبْسُطُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْمُنَاسَبَةُ كَمَا يَبْسُطُ الْوَاحِدُ مِنْ عُبَادَةَ يَدَهُ لِلْإِعْطَاءِ فَلَا يَرُدُّ مُسْتَعْطِيًا قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الْأَبْلَغَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إذْ مَنْ بَسَطَ يَدَهُ لِلْأَخْذِ أَكْثَرُ مِمَّنْ بَسَطَ يَدَهُ لِلْإِعْطَاءِ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ) خَبَرُ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ مَكْتُوبٌ خَبَرٌ ثَانٍ وَمَحْفُوظٌ خَبَرٌ ثَالِثٌ وَمَقْرُوءٌ خَبَرٌ رَابِعٌ وَعَدَّدَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْوُجُودَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ لَهُ وُجُودَاتٌ أَرْبَعٌ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ إلَى كُلٍّ مِنْ مَكْتُوبٍ إلَخْ) أَيْ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْهَا مَعْنًى أَمَّا لَفْظًا فَبِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَيُقَدَّرُ نَظِيرُهُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ إسْنَادَ كُلٍّ مِنْ مَكْتُوبٍ وَمَحْفُوظٍ وَمَقْرُوءٍ إلَى الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ إسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ وُجُودٍ مِنْ الْحَوَادِثِ الْأَرْبَعَةِ لَا إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاتِّصَافَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي حَقِّ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ مَجَازٌ قَطْعًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْوُجُودَاتِ الثَّلَاثَةِ غَيْرِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ بَيَانٌ لِلْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلتَّجَوُّزِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْكَسْتَلِيُّ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِي الْمَصَاحِفِ) وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ لِكُلِّ مَوْجُودٍ إلَخْ) التَّحْقِيقُ أَنَّ الْوُجُودَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ، وَأَمَّا الْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ فَأَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ وَنَفَاهُ الْمُتَكَلِّمُونَ. قَوْلُهُ {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ مَعَ التَّوْبَةِ

وَهَذَا الْأَخِيرُ مُخَصِّصٌ لِعُمُومَاتِ الْعِقَابِ. (وَلَهُ) سُبْحَانَهُ (إثَابَةُ الْعَاصِي وَتَعْذِيبُ الْمُطِيعِ وَإِيلَامُ الدَّوَابِّ وَالْأَطْفَالِ) لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ لَكِنْ لَا يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ لِإِخْبَارِهِ بِإِثَابَةِ الْمُطِيعِ وَتَعْذِيبِ الْعَاصِي كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَرِدْ إيلَامُ الدَّوَابِّ وَالْأَطْفَالِ فِي غَيْرِ قِصَاصٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ أَمَّا فِي الْقِصَاصِ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءَ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ «يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى الْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ وَحَتَّى لِلذَّرَّةِ مِنْ الذَّرَّةِ وَقَالَ لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انْتَطَحَتَا» رَوَاهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي الْأَوَّلِ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ وَفِي الثَّانِي إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ الْقِصَاصُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى التَّكْلِيفِ وَالتَّمْيِيزِ فَيُقْتَصُّ مِنْ الطِّفْلِ لِطِفْلٍ وَغَيْرِهِ (وَيَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ) سُبْحَانَهُ (بِالظُّلْمِ) لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأُمُورِ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فَلَا ظُلْمَ فِي التَّعْذِيبِ وَالْإِيلَامِ الْمَذْكُورَيْنِ لَوْ فُرِضَ وُقُوعُهُمَا (يَرَاهُ) سُبْحَانَهُ (الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَبَعْدَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِدُونِهَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي تَخْصِيصِهِمْ ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ وَبِالْكَبَائِرِ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّوْبَةِ وَفِي شَرْحِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِأَنَّ الْكُفْرَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ تَسَاوِي مَا نُفِيَ عَنْهُ الْغُفْرَانُ وَمَا ثَبَتَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْأَخِيرُ) أَيْ النَّصُّ الْأَخِيرُ وَهُوَ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (قَوْلُهُ: مُخَصِّصٌ لِعُمُومَاتِ الْعِقَابِ) أَيْ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي عِقَابِ الذُّنُوبِ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً إلَّا أَنَّهَا مُخَصَّصَةٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ غُفْرَانَ ذُنُوبِهِ لَمْ يُعَاقَبْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَإِيلَامُ الدَّوَابِّ وَالْأَطْفَالِ مُشَاهَدٌ فِي الدُّنْيَا (قَوْلُهُ: وَيَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ تَعَالَى إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ الِاتِّصَافُ أَيْ يَسْتَحِيلُ اتِّصَافُهُ تَعَالَى بِالظُّلْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الظُّلْمَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُحَالٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى وَضْعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَحْكُمُ الْحَاكِمِينَ وَأَعْلَمُ الْعَالِمِينَ وَأَقْدَرُ الْقَادِرِينَ فَكُلُّ مَا وَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ يَكُونُ ذَلِكَ أَحْسَنَ الْمَوَاضِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِنْ خَفِيَ وَجْهُ حُسْنِهِ عَلَيْنَا (قَوْلُهُ: لَوْ فُرِضَ وُقُوعُهُمَا إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلَهُ إثَابَةُ الْعَاصِي إلَخْ مِنْ الْجَائِزِ الْعَقْلِيِّ (قَوْلُهُ: يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ) أَيْ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْآخِرَيْنِ خِلَافٌ بَلْ فِي النِّسَاءِ أَيْضًا وَهَلْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ فَقَطْ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ أَوْ بِالْوَجْهِ لِظَاهِرِ آيَةِ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] أَوْ الذَّاتِ كُلِّهَا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّاذِلِيُّ لَمَّا كُفَّ بَصَرُهُ انْعَكَسَ بَصَرِي لِبَصِيرَتِي فَصِرْت أُبْصِرُ بِكُلِّي كُلَّ مُحْتَمَلٍ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيلَ وَلَا مَانِعَ مِنْ اخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ نَوْعٌ مِنْ الْإِدْرَاكِ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مَتَى شَاءَ وَلِأَيِّ شَيْءٍ شَاءَ وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ تَوَقُّفِهَا عَلَى الْمُقَابَلَةِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أُمُورٌ عَادِيَّةٌ يَجُوزُ تَخَلُّفُهَا وَدَعْوَاهُمْ الضَّرُورَةَ فِي ذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ بِمُنَازَعَةِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ الْعُقَلَاءِ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ فَلَا يَسْلَمُ فِي الْغَائِبِ لِأَنَّ الرُّؤْيَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَانِ إمَّا بِالْمَاهِيَّةِ أَوْ بِالْهُوِيَّةِ لَا مَحَالَةَ فَيَجُوزُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الشُّرُوطِ وَاللَّوَازِمِ. وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ بِلَا كَيْفٍ ثُمَّ إنَّ وُقُوعَ الرُّؤْيَةِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَقَدْ احْتَجَّ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالنَّصِّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ

وَالْمُخَصِّصَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] أَيْ لَا تَرَاهُ. مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ حُدُوثِ الْمُخَالِفِ عَلَى وُقُوعِهَا وَكَوْنِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا حَتَّى إنَّهُ رَوَى حَدِيثَ الرُّؤْيَةِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ شَارِحُ الْمَقَاصِدِ وَلِهَذَا احْتَجَّ الشَّارِحُ عَلَيْهَا بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ قَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] إلَخْ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ النَّظَرَ الْمَوْصُولَ بِإِلَى إمَّا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ أَوْ مَلْزُومٌ لَهَا بِشَهَادَةِ النَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالتَّتَبُّعِ لِمَوَارِدِ اسْتِعْمَالِهِ وَإِمَّا مَجَازٌ عَنْهَا لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَنْ تَقْلِيبِ الْحَدَقَةِ نَحْوَ الْمَرْئِيِّ طَلَبًا لِرُؤْيَتِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ هُنَا الْحَقِيقَةُ لِامْتِنَاعِ الْمُقَابَلَةِ وَالْجِهَةِ فَتَعَيَّنَ الرُّؤْيَةُ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ الْمَجَازَاتِ بِحَيْثُ الْتَحَقَ بِالْحَقَائِقِ بِشَهَادَةِ الْعُرْفِ وَالتَّقْدِيمِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ وَرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ دُونَ الْحَصْرِ أَوْ لِلْحَصْرِ ادِّعَاءً. بِمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لِاسْتِغْرَاقِهِمْ فِي مُشَاهَدَةِ جَمَالِهِ قَصَرُوا النَّظَرَ عَلَى عَظَمَةِ جَلَالِهِ كَأَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ إلَى مَا سِوَاهُ وَلَا يَرَوْنَ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّ إلَى هُنَا لَيْسَتْ حَرْفًا بَلْ اسْمًا بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَاحِدُ الْآلَاءِ وَنَاظِرَةٌ مِنْ النَّظَرِ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] وَلَوْ سُلِّمَ فَالنَّظَرُ الْمَوْصُولُ بِإِلَى قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: وُجُوهٌ نَاظِرَاتٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... إلَى الرَّحْمَنِ يَأْتِي بِالْفَلَاحِ وَقَوْلِهِ: كُلُّ الْخَلَائِقِ يَنْظُرُونَ سِجَالَهُ ... نَظَرَ الْحَجِيجِ إلَى طُلُوعِ هِلَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَوْقَ الْآيَةِ لِبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيَانِ أَنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي غَايَةِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَالْإِخْبَارُ بِانْتِظَارِهِمْ النِّعْمَةَ وَالثَّوَابَ لَا يُلَائِمُ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ مَوْتٌ أَحْمَرُ فَهُوَ بِالْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَالْقَلَقِ وَضِيقِ الصَّدْرِ أَجْدَرُ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْقَطْعِ بِالْحُصُولِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ إلَى اسْمًا بِمَعْنَى النِّعْمَةِ لَوْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ فَلَا خَفَاءَ فِي بُعْدِهِ وَغَرَابَتِهِ وَإِخْلَالِهِ بِالْفَهْمِ عِنْدَ تَعَلُّقِ النَّظَرِ بِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْمِلْ الْآيَةَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ وَكَوْنِ النَّظَرِ الْمَوْصُولِ بِإِلَى سِيَّمَا الْمُسْنَدَ إلَى الْوَجْهِ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الثِّقَاتِ وَلَمْ تَدُلَّ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ لِجَوَازِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَقْلِيبِ الْحَدَقَةِ بِتَأْوِيلَاتٍ لَا تَخْفَى وَقَوْلُ ابْنِ الْفَارِضِ: عِدِينِي بِوَصْلٍ وَامْطُلِي بِنِجَازِهِ ... فَعِنْدِي إذَا صَحَّ الْهَوَى حَسُنَ الْمَطْلُ فَذَاكَ مَذَاقٌ آخَرُ وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ قَوْلِي: وَإِنِّي لِمَا تَهْوَى مُطِيعٌ وَسَامِعٌ ... وَلَوْ كَانَ فِيهِ الْحَتْفُ يَا بَدْرُ فَأْمُرْنِي وَمَا كَانَ تَأْخِيرِي لِعُذْرٍ وَإِنَّمَا ... أَلَذُّ بِتَكْرَارِ الْحَدِيثِ عَلَى أُذْنِي إلَّا أَنَّ الْمَطْلَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْشُوقِ وَهُنَا مِنْ جِهَةِ الْعَاشِقِ وَالْهَوَى شُجُونٌ وَالْجُنُونُ فُنُونٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخَصِّصَةِ لِقَوْلِهِ إلَخْ) هَذَا أَحَدُ أَجْوِبَةٍ عَنْ تَمَسُّكِ الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي امْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ قَالُوا الْإِدْرَاكُ بِالْبَصَرِ هُوَ الرُّؤْيَةُ وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ الْعَهْدِ، وَالْبَعْضِيَّةُ لِلْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فَاَللَّهُ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْخَبَرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَعَلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ لِلْعُمُومِ فَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالْإِدْرَاكِ الرُّؤْيَةُ عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إبْصَارُ الْكُفَّارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ قَالُوا أَيْضًا إنَّ نَفْيَ إدْرَاكِهِ بِالْبَصَرِ وَارِدٌ مَوْرِدَ التَّمَدُّحِ مُدْرَجٌ فِي أَثْنَاءِ الْمَدْحِ فَيَكُونُ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ بِالْبَصَرِ نَقْصًا وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فَيَدُلُّ هَذَا الْوَجْهُ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ عُمُومُ الْإِبْصَارِ وَكَوْنُ الْكَلَامِ لِعُمُومِ السَّلْبِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ عُمُومَهُ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ تَمَدُّحٌ وَمَا بِهِ التَّمَدُّحُ يَدُومُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا يَزُولُ يُجَابُ عَنْهُ

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ» إلَخْ وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَقَوْلُهُ تُضَارُّونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَالرَّاءُ مُشَدَّدَةٌ مِنْ الضِّرَارِ وَمُخَفَّفَةٌ مِنْ الضَّيْرِ أَيْ الضَّرَرِ أَيْ هَلْ يَحْصُلُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْكُمْ الرُّؤْيَةَ بِحَيْثُ تَشُكُّونَ فِيهَا كَمَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ تَعَالَى» وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] أَيْ فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إلَيْهِ تَعَالَى وَيَحْصُلُ بِأَنْ يَنْكَشِفَ انْكِشَافًا تَامًّا مَيَّزَهَا عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ أَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ امْتِنَاعَ الزَّوَالِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْأَفْعَالِ فَقَدْ يَزُولُ لِحُدُوثِهَا وَالرُّؤْيَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَقَدْ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَيْنِ وَقَدْ لَا يَخْلُقُ ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ عُمُومُ الْأَوْقَاتِ فَغَايَتُهُ الظُّهُورُ وَالرُّجْحَانُ وَمِثْلُهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَمَلِيَّاتِ دُونَ الْعِلْمِيَّاتِ. قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَمَا قِيلَ مِنْ التَّمَدُّحِ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَتْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَمَدُّحٌ إنَّمَا التَّمَدُّحُ لِلْمُمْتَنِعِ الْمُتَعَزِّزِ بِحِجَابِ الْكِبْرِيَاءِ مَعَ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ وَلِأَنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَيْهِمْ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ كَافٍ فِي التَّمَدُّحِ اهـ. قَالَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَا غَرَابَةَ فِي رُؤْيَتِهِ تَعَالَى بِالْبَصَرِ مَعَ أَنَّهُ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ مُنَزَّهًا فَكَذَا بِالْبَصَرِ إذْ كِلَاهُمَا مَخْلُوقٌ قَالَ وَفِي الْحَقِيقَةِ الرُّؤْيَةُ هِيَ الْمَعْرِفَةُ فِي الدُّنْيَا كَمُلَتْ فَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهَا وَجَعَلَهُ إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: 8] كَمَا أَنَّ ظُلْمَةَ الْجَهْلِ إذْ ذَاكَ تَكُونُ حِجَابًا (قَوْلُهُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ) هَذَا الْحَدِيثُ مُثْبِتٌ لِلرُّؤْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَمَا سَيَقُولُ الشَّارِحُ وَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَدِيثُ صُهَيْبٍ الْآتِي (قَوْلُهُ: لَيْلَةَ الْبَدْرِ) هِيَ لَيْلَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَالْهِلَالُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ قَمَرٌ (قَوْلُهُ: لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ) لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذِكْرِ هَذَا فِي الشَّمْسِ دُونَ الْقَمَرِ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْقَمَرِ مَا يُفِيدُهُ ظَاهِرًا وَهُوَ قَوْلُهُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ إذْ إضَافَةُ اللَّيْلَةِ إلَى الْبَدْرِ تُلَوِّحُ بِأَنَّ نُورَهُ مُمْتَدٌّ إلَى آخِرِهَا وَلَا يَكُونُ إلَّا بِدُونِ سَحَابٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ) أَيْ عَنْهُمْ فَهُمْ الْمَحْجُوبُونَ وَلَا حِجَابَ لَهُ تَعَالَى إذْ الْحِجَابُ مِنْ خَوَاصِّ الْأَجْرَامِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَأْلِيفٍ لَهُ لَطِيفٍ أَلَّفَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ اللَّهِ: إنَّ حِجَابَهُ النُّورُ وَفِي آخَرَ: إنَّ حِجَابَهُ النَّارُ: إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَمْعَنَ النَّظَرَ مِنْ النُّورِ كَنُورِ الشَّمْسِ أَوْ الْبَرْقِ مَثَلًا أَوْ النَّارِ وَدَقَّقَ فِي ذَلِكَ لَا يَزْدَادُ يَقِينًا فِي إدْرَاكِ النُّورِ وَلَا يَصِلُ إلَى كُنْهِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَرُبَّمَا كَلَّ بَصَرُهُ أَوْ تَضَرَّرَ وَلَا يَنَالُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُدْرِكْ الْإِنْسَانُ هَذَا الْحَادِثَ الْكَائِنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ جِنْسِهِ فَكَيْفَ يُدْرِكُ مَنْ لَا يَطْمَعُ فِيهِ مَنَالٌ وَلَا لَهُ فِي خَلْقِهِ مِثَالٌ فَقَوْلُهُ حِجَابُهُ النُّورُ أَوْ النَّارُ مَعْنَاهُ أَنَّ حِجَابَ طَمَعِنَا فِي الْإِدْرَاكِ وَقَاطِعَ أَمَلِنَا مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ إدْرَاكِنَا لِلنُّورِ وَنَحْوِهِ فَصَارَ النُّورُ حِجَابًا لِلَّهِ مِنْ وُصُولِ الْأَطْمَاعِ إلَيْهِ حِجَابَ قِيَاسٍ أُخْرَوِيٍّ إذْ مَنْ لَا يَدْرِ إلَّا الْحَادِثَ يَيْأَسْ مِنْ الْقَدِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ إلَخْ) هُوَ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ الْحُسْنَى بِالْجَزَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَالزِّيَادَةَ بِالْفَضْلِ فَإِنْ قِيلَ الرُّؤْيَةُ أَصْلُ الْكَرَامَاتِ وَأَعْظَمُهَا فَكَيْفَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالزِّيَادَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهَا أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُعَدَّ فِي الْحُسْنَيَاتِ وَفِي أَجْزِيَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَنْكَشِفَ انْكِشَافًا تَامًّا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ الرَّبُّ تَعَالَى يُرَى بِالنُّورِ الَّذِي خَلَقَهُ فِي الْأَعْيُنِ زَائِدًا عَلَى نُورِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ تَكْشِفُ مَا لَا يَكْشِفُهُ الْعِلْمُ وَلَوْ أَرَادَ الرَّبُّ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ فِي الْقَلْبِ نُورًا كَنُورِ الْأَعْيُنِ لَمَا أَعْجَزَهُ ذَلِكَ بَلْ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ نُورَ الْأَعْيُنِ فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ لَأَمْكَنَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ تَامًّا أَيْ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ إلَيْهِ إدْرَاكُ الْعَبْدِ لَا بِمَعْنَى الْإِحَاطَةِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: مُنَزَّهًا عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَالْجِهَةِ) وَأَنْشَدَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي

{كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] الْمُوَافِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] (وَاخْتُلِفَ هَلْ تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ) لَهُ تَعَالَى (فِي الدُّنْيَا) فِي الْيَقَظَةِ (وَفِي الْمَنَامِ) فَقِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ: لَا أَمَّا الْجَوَازُ فِي الْيَقَظَةِ؛ فَلِأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَلَبَهَا حَيْثُ قَالَ {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] وَهُوَ لَا يَجْهَلُ مَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ عَلَى رَبِّهِ تَعَالَى وَالْمَنْعُ لِأَنَّ قَوْمَهُ طَلَبُوهَا فَعُوقِبُوا قَالَ تَعَالَى {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153] وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّ عِقَابَهُمْ لِعِنَادِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ فِي طَلَبِهَا لَا لِامْتِنَاعِهَا وَأَمَّا الْمَنْعُ فِي الْمَنَامِ؛ فَلِأَنَّ الْمَرْئِيَّ فِيهِ خَيَالٌ وَمِثَالٌ وَذَلِكَ عَلَى الْقَدِيمِ مُحَالٌ وَالْمُجِيزُ قَالَ لَا اسْتِحَالَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَنَامِ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْوُقُوعِ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَقَوْلُهُ لِمُوسَى {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ نَعَمْ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي وُقُوعِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَشَّافِ: لَجَمَاعَةٌ سَمُّوا هَوَاهُمْ سُنَّةً ... وَجَمَاعَةٌ حُمُرٌ لَعَمْرِي مُوكَفَهْ قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ فَتَخَوَّفُوا ... شَنَعَ الْوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالْبَلْكَفَهْ وَرَدَّ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمِنْ أَلْطَفِهَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنِيرِ الْإِسْكَنْدَرِيِّ: وَجَمَاعَةٌ كَفَرُوا بِرُؤْيَةِ رَبِّهِمْ ... هَذَا لَوَعْدُ اللَّهِ مَا لَنْ يُخْلِفَهْ وَتَلَقَّبُوا النَّاجِينَ كَلَا إنَّهُمْ ... إنْ لَمْ يَكُونُوا فِي لَظًى فَعَلَى شَفَهْ وَقَوْلُ أَبِي حَيَّانَ: شَبَّهْتَ جَهْلًا صَدْرَ أُمَّةِ أَحْمَدَ ... وَذَوِي الْبَصَائِرِ بِالْحَمِيرِ الْمُوكَفَهْ وَجَبَ الْخَسَارُ عَلَيْك فَانْظُرْ مُنْصِفًا ... فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ فَهْيَ الْمُنْصِفَهْ أَتَرَى الْكَلِيمَ أَتَى بِجَهْلٍ مَا أَتَى ... وَأَتَى شُيُوخُك مَا أَتَوْا عَنْ مَعْرِفَهْ إنَّ الْوُجُوهَ إلَيْهِ نَاظِرَةٌ بِذَا ... جَاءَ الْكِتَابُ فَقُلْتُمُو هَذَا سَفَهْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَأَنْتَ تَنْطِقُ بِالْهَوَى ... فَهَوَى بِكَ فِي الْمَهَاوِي الْمُتْلِفَهْ وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذَا أَلْطَفُ الرُّدُودِ وَآمَنُهَا لَسَلِمَ لَهُ فَالِاشْتِغَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ كَالتَّشَفِّي بِالْقَتِيلِ بَعْدَ قَتْلِهِ: مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيلَامُ وَالْمُرَادُ بِآيَةِ الْأَعْرَافِ هِيَ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً لَكَانَ طَلَبُهَا جَهْلًا أَوْ سَفَهًا وَعَبَثًا وَطَلَبًا لِلْمُحَالِ وَالْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ بِاسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ وَهُوَ أَمْرٌ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ وَالْمُعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِثُبُوتِ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَالْمُحَالُ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ التَّقَادِيرِ الْمُمْكِنَةِ قَوْلُهُ: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ} [المطففين: 15] الْآيَةَ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى وُقُوعِ الرُّؤْيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ خُصُّوا بِكَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ فَيَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ غَيْرَ مَحْجُوبِينَ وَهُوَ مَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَالْحَمْلُ عَلَى كَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ عَنْ ثَوَابِهِ وَكَرَامَتِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: لِعِنَادِهِمْ) أَوْ لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِمْ لَهَا (قَوْلُهُ: لَا اسْتِحَالَةَ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْخَيَالِ وَالْمِثَالِ فِي الْمَنَامِ لِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ التَّمْثِيلُ فِي الْوَاقِعِ وَالرُّؤْيَةُ الْمَنَامِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّمْثِيلِ وَالتَّخَيُّلِ فَيَرَى فِيهِ مَنْ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَصُورَةٍ ذَا جِسْمٍ وَصُورَةٍ وَتُرَى الْمَعَانِي عَلَى صُورَةِ الْأَجْسَامِ كَالْعِلْمِ عَلَى صُورَةِ اللَّبَنِ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ: الْحَقُّ أَنَّا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى فِي الْمَنَامِ كَمَا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَى، وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يَفْهَمُ مَعْنَى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَعَلَّ الْعَالِمَ الَّذِي طَبْعُهُ قَرِيبٌ مِنْ طَبْعِ الْعَوَامّ يَفْهَمُ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى حَقِيقَةَ شَخْصِهِ الْمُودَعِ فِي رَوْضَةِ الْمَدِينَةِ بِأَنْ شَقَّ الْقَبْرَ وَخَرَجَ مُرْتَحِلًا إلَى مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ وَلَا شَكَّ فِي جَهْلِ مَنْ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَى أَلْفَ مَرَّةٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي أَلْفِ مَوْضِعٍ بِأَشْخَاصٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي مَكَانَيْنِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ

الْمِعْرَاجِ وَالصَّحِيحُ نَعَمْ وَإِلَيْهِ اسْتَنَدَ الْقَائِلُ بِالْوُقُوعِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ رَأَيْت رَبَّك قَالَ رَأَيْت نُورًا» وَفِي رِوَايَةٍ «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» ؟ ، بِتَشْدِيدِ نُونِ أَنَّى وَضَمِيرُ أَرَاهُ لِلَّهِ أَيْ حَجَبَنِي النُّورُ الْمُغَشِّي لِلْبَصَرِ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ وُقُوعَهَا فِي الْمَنَامِ الْكَثِيرُ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ شَيْخٍ وَشَابٍّ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ إلَخْ وَيُرَى عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَنْ انْتَهَى حُمْقُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ فَقَدْ انْخَلَعَ عَنْ رِبْقَةِ الْعَقْلِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَاطَبَ ثُمَّ حُقِّقَ أَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالٌ صَارَ وَاسِطَةً بَيْنَهُ، وَبَيْنَهُ فِي تَعْرِيفِهِ فَكَمَا أَنَّ جَوْهَرَ النُّبُوَّةِ أَعْنِي الرُّوحَ الْمُقَدَّسَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالصُّورَةِ لَكِنَّ الْعَبْدَ يَعْرِفُ ذَاتَهُ بِوَاسِطَةِ مِثَالٍ مَحْسُوسٍ مِنْ نُورٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِثَالًا لِلْجَمَالِ الْحَقِيقِيِّ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي لَا صُورَةَ لَهُ وَلَا لَوْنَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثَالُ صَادِقًا حَقًّا وَوَاسِطَةً فِي التَّعْرِيفِ فَيَقُولُ الرَّائِي رَأَيْت فِي الْمَنَامِ لَا بِمَعْنَى رَأَيْت ذَاتَهُ كَمَا يَقُولُ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بِمَعْنَى أَنِّي رَأَيْت ذَاتَ رُوحِهِ أَوْ ذَاتَ شَخْصِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ فَإِنْ قِيلَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مِثْلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا مِثْلَ لَهُ قُلْنَا هَذَا جَهْلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْمِثَالِ وَلَيْسَ الْمِثَالُ عِبَارَةً عَنْ الْمِثْلِ إذْ الْمِثْلُ الْمُسَاوِي فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَالْمِثَالُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُسَاوَاةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ مَعْنًى لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ مُمَاثَلَةً حَقِيقِيَّةً وَلَنَا أَنْ نَضْرِبَ الشَّمْسَ لَهُ مِثَالًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَحْسُوسَاتِ تَنْكَشِفُ بِنُورِ الشَّمْسِ كَمَا تَنْكَشِفُ الْمَعْقُولَاتُ بِالْعَقْلِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ كَافٍ فِي الْمِثَالِ وَيُمَثَّلُ فِي النَّوْمِ السُّلْطَانُ بِالشَّمْسِ وَالْوَزِيرُ بِالْقَمَرِ وَالسُّلْطَانُ لَا يُمَاثِلُ الشَّمْسَ بِصُورَتِهِ وَلَا بِمَعْنَاهُ وَلَا الْوَزِيرُ يُمَاثِلُ الْقَمَرَ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ لَهُ اسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَعُمُّ أَمْرُهُ الْجَمِيعَ وَالشَّمْسُ تُنَاسِبُهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَالْقَمَرُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْأَرْضِ فِي إفَاضَةِ النُّورِ كَمَا أَنَّ الْوَزِيرَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ فِي إفَاضَةِ نُورِ الْعَدْلِ فَهَذَا مِثَالٌ وَلَيْسَ بِمِثْلٍ وَقَالَ اللَّهُ {نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] الْآيَةَ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ نُورِهِ وَبَيْنَ الزُّجَاجَةِ وَالْمِشْكَاةِ وَعَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّبَنِ فِي الْمَنَامِ بِالْإِسْلَامِ، وَالْحَبْلِ بِالْقُرْآنِ وَأَيُّ مُمَاثَلَةٍ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَبْلِ وَالْقُرْآنِ إلَّا فِي مُنَاسَبَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَبْلَ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي النَّجَاةِ وَاللَّبَنَ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الظَّاهِرَةِ وَالْإِسْلَامَ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الْبَاطِنَةِ فَهَذِهِ كُلُّهَا مِثَالٌ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ. فَذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرَيَانِ فِي الْمَنَامِ. وَإِنَّ مِثَالًا يَعْتَقِدُهُ النَّائِمُ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَاتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ أَنْ يُرَى وَكَيْفَ يُنْكَرُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِهِ فِي الْمَنَامَاتِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ تَوَاتَرَ إلَيْهِ مِنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ اهـ. بِتَصَرُّفٍ وَقَدْ اتَّفَقَ لِي تَأْلِيفُ رِسَالَةٍ أَشْبَعْت فِيهَا الْقَوْلَ فِي رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَامًا وَفِيهَا كَلَامٌ نَفِيسٌ غَيْرُ هَذَا ثُمَّ إنَّ اخْتِلَافَ رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي فَهِيَ صِفَاتُ الرَّائِي ظَهَرَتْ لَهُ كَمَا تَظْهَرُ فِي الْمِرْآةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ الْخَطَإِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي (حُكِيَ) أَنَّ رَجُلًا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ يَقُولُ إنَّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ رِكَازًا اذْهَبْ فَخُذْهُ وَلَا خُمْسَ عَلَيْك فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ فَاسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَخْرِجْ الْخُمْسَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَقُصَارَى رُؤْيَتِك الْآحَادُ (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ نَعَمْ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَأُجِيبَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صَرَاحَتِهَا فَأَبُو ذَرٍّ نَافٍ وَغَيْرُهُ مُثْبِتٌ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي إنْ قُلْت رُؤْيَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فِي السَّمَاءِ وَالدُّنْيَا اسْمٌ لِمَا فِي جَوْفِ فَلَكِ الْقَمَرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَآهُ فِي زَمَنِ وُجُودِ الدُّنْيَا لَا فِي مَكَانِهَا وَالْآخِرَةُ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ النَّفْخَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ وَهُمَا فِي مَحَلِّهِمَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ حُوِّلَا لِقَلْبِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ حَجَبَنِي النُّورُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُورٌ فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ حَجَبَنِي نُورٌ قَوْلُهُ أَنَّى أَرَاهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ بِمَعْنَى كَيْفَ (قَوْلُهُ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ) رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ فَقُلْت يَا رَبِّ مَا أَفْضَلُ مَا

وَعَلَى ذَلِكَ الْمُعَبِّرُونَ لِلرُّؤْيَا وَبَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي إنْكَارِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنْعِ (السَّعِيدُ مَنْ كَتَبَهُ) أَيْ اللَّهُ (فِي الْأَزَلِ سَعِيدًا) أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ (وَالشَّقِيُّ عَكْسُهُ) أَيْ مَنْ كَتَبَهُ اللَّهُ فِي الْأَزَلِ شَقِيًّا لَا فِي غَيْرِهِ (ثُمَّ لَا يَتَبَدَّلَانِ) أَيْ الْمَكْتُوبَانِ فِي الْأَزَلِ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبِ فِي غَيْرِهِ كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَالَ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] أَيْ أَصْلُهُ الَّذِي لَا يُغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ «فَرَغَ رَبُّك مِنْ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (وَمَنْ عَلِمَ) أَيْ اللَّهُ (مَوْتَهُ مُؤْمِنًا فَلَيْسَ بِشَقِيٍّ) بَلْ هُوَ سَعِيدٌ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ كُفْرٌ وَقَدْ غُفِرَ وَمَنْ عَلِمَ مَوْتَهُ كَافِرًا فَشَقِيٌّ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ إيمَانٌ وَقَدْ حَبِطَ وَفِي قَوْلٍ لِلْأَشْعَرِيِّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إيمَانًا فَالسَّعَادَةُ الْمَوْتُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالشَّقَاوَةُ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْأُولَى الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ الْخُلُودُ فِي النَّارِ قَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} [هود: 108] وَقَالَ {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ - خَالِدِينَ فِيهَا} [هود: 106 - 107] (وَأَبُو بَكْرٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مَا زَالَ بِعَيْنِ الرِّضَا) مِنْهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِيمَانِ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ حَالَةُ كُفْرٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ آمَنَ (وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ) مِنْ اللَّهِ (غَيْرُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) مِنْهُ فَإِنَّ مَعْنَى الْأَوَّلَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَى الثَّانِيَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ إذْ الرِّضَا الْإِرَادَةُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ وَالْأَخَصُّ غَيْرُ الْأَعَمِّ (فَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) مَعَ وُقُوعِهِ مِنْ بَعْضِهِمْ بِمَشِيئَتِهِ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112] وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ نَفْسُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ (هُوَ الرَّزَّاقُ) كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات: 58] أَيْ فَلَا رَازِقَ غَيْرُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَنْ حَصَلَ لَهُ الرِّزْقُ بِتَعَبٍ فَهُوَ الرَّازِقُ لِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ تَعَبٍ فَاَللَّهُ هُوَ الرَّازِقُ لَهُ (وَالرِّزْقُ) بِمَعْنَى الْمَرْزُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ قَالَ كَلَامِي يَا أَحْمَدُ فَقُلْت يَا رَبِّ بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْمٍ قَالَ بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْمٍ وَرَآهُ أَحْمَدُ بْنُ حَضْرَوَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَحْمَدُ كُلُّ الْخَلْقِ يَطْلُبُونَ مِنِّي إلَّا أَبَا يَزِيدَ فَإِنَّهُ يَطْلُبُنِي (قَوْلُهُ: وَعَلَى ذَلِكَ الْمُعَبِّرُونَ) فَإِنَّهُمْ يَعْقِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ بَابًا لِرُؤْيَةِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا (قَوْلُهُ: لَا فِي غَيْرِهِ) أَخَذَهُ مِنْ مَفْهُومِ الظَّرْفِ أَعْنِي قَوْلَهُ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَهُ مَفْهُومٌ (قَوْلُهُ: كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ) أَشَارَ بِإِدْخَالِ الْكَافِ عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ مَا ذُكِرَ إذْ مِثْلُهُ الصُّحُفُ الَّتِي يَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ تَطَرُّقُ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ إلَى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمَّ الْكِتَابِ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ أَمَّا عَلَى أَنَّ أُمَّ الْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وَإِنَّمَا فِيهِ طِبْقُ مَا فِي الْعِلْمِ الْقَدِيمِ فَلَا مَحْوَ وَلَا إثْبَاتَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُمَا فِي صَحَائِفِ الْحَفَظَةِ. (قَوْلُهُ: فَرَغَ رَبُّك) أَيْ قَضَى ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ عَلِمَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ أَوْ حَذْفُهُ وَهَذَا هُوَ إيمَانُ الْمُوَافَاةِ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ سَعِيدٌ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّعَادَةَ الْأَزَلِيَّةَ هِيَ الْمَوْتُ عَلَى الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ غُفِرَ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَقَعَتْ آخِرَ الْكَلَامِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَقَدْ حَبِطَ وَأَشَارَ بِهِمَا لِدَفْعِ مَا يُقَالُ إنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ لَيْسَ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا أَيْ بَلْ هُوَ إيمَانٌ أَوْ كُفْرٌ وَلَكِنَّهُ غُفِرَ أَوْ حَبِطَ (قَوْلُهُ: خَالِدِينَ فِيهَا إلَخْ) سَقَطَ مِنْهُمْ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (قَوْلُهُ: وَأَبُو بَكْرٍ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ سَعِيدٌ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ السَّعِيدُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا زَالَ بِعَيْنِ الرِّضَا) أَيْ قَرِيرًا بِهَا أَيْ مَسْرُورًا بِهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ حَالَةُ كُفْرٍ) أَيْ كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ) أَيْ عَلَى الْفِعْلِ الْمُرَادِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعَ إنْعَامٍ وَإِفْضَالٍ قَالَ النَّاصِرُ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ فِي مَفْهُومِ الرِّضَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ الْكَافِرِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَفِيهِ لَا يَخْفَى فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الرِّضَا عَدَمُ الِاعْتِرَاضِ كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَخْ) قَالَ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْمٌ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ قَوْلِهِ {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] بِأَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ دِينًا وَشَرْعًا بَلْ يُعَاقِبُ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادِ مَنْ وُفِّقَ لِلْإِيمَانِ وَلِهَذَا شَرَّفَهُمْ بِإِضَافَتِهِمْ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] وَقَوْلِهِ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] اهـ. زَكَرِيَّا

(مَا يُنْتَفَعُ بِهِ) فِي التَّغَذِّي وَغَيْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ (حَرَامًا) بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ. خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا حَلَالًا لِاسْتِنَادِهِ إلَى اللَّهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمُسْتَنِدُ إلَيْهِ لِانْتِفَاعِ عِبَادِهِ يَقْبُحُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ قُلْنَا لَا قُبْحَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَعِقَابُهُمْ عَلَى الْحَرَامِ لِسُوءِ مُبَاشَرَتِهِمْ أَسْبَابَهُ وَيَلْزَمُ الْمُعْتَزِلَةَ أَنَّ الْمُتَغَذِّيَ بِالْحَرَامِ فَقَطْ طُولَ عُمْرِهِ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ أَصْلًا وَهُوَ مُخَالِفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَتْرُكُ مَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ (بِيَدِهِ) تَعَالَى (الْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ) وَهُمَا (خَلْقُ الضَّلَالِ) وَهُوَ الْكُفْرُ (وَ) خَلْقُ (الِاهْتِدَاءِ وَهُوَ الْإِيمَانُ) قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: 93] {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39] وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُمَا بِيَدِ الْعَبْدِ يَهْدِي نَفْسَهُ وَيُضِلُّهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ (وَالتَّوْفِيقُ خَلْقُ الْقُدْرَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الطَّاعَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَخْ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ الرِّزْقُ اسْمٌ لِمَا يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْحَيَوَانِ فَيَأْكُلُهُ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ حَلَالًا وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِمَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيَوَانُ لِخُلُوِّهِ عَنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الرِّزْقِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) قَدْ فَسَّرُوا الرِّزْقَ تَارَةً بِمَمْلُوكٍ يَأْكُلُهُ الْمَالِكُ وَتَارَةً بِمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا حَلَالًا وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ وَالْعَبِيدُ رِزْقًا وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وَعَلَى التَّعْرِيفَيْنِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) إنَّمَا قَالَ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الرِّزْقَ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ مَا كَانَ بِتَعَبٍ فَهُوَ مِنْ الْعَبْدِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْمُعْتَزِلَةَ إلَخْ) . أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ سَاقَ إلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ إلَّا أَنَّهُ أَعَرَضَ عَنْهُ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِ عَلَى أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا قَالَهُ الْخَيَالِيُّ فَإِنْ أُجِيبَ بِمَنْعِ وُجُودِ مِثْلِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَإِنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِدَمِ الْحَيْضِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُوَى الْحَيَوَانِيَّةِ فَكَذَا يُقَالُ فِي مَادَّةِ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عَنْ وَالِدِهِ رَدًّا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الرِّزْقُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَأْمُورِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ بِحَرَامٍ يُنْتِجُ لَا شَيْءَ مِنْ الرِّزْقِ بِحَرَامٍ وَبَيَانُ الصُّغْرَى {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [يس: 47] وَالْكُبْرَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْمُحَرَّمِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْهِدَايَةُ إلَخْ) أَيْ بِقُدْرَتِهِ أَيْ أَنَّهُ خَالِقٌ لَهُمَا لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقٌ لِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. (قَوْلُهُ: خَلْقُ الْقُدْرَةِ) أَيْ عَلَى الطَّاعَةِ وَقَوْلُهُ وَالدَّاعِيَةُ أَيْ الرَّغْبَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ خَلْقِ الْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُحَقِّقُونَ (قَوْلُهُ: خَلْقُ الطَّاعَةِ إلَخْ) أَيْ لَا خَلْقُ الْقُدْرَةِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَأَقُولُ بِأَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي ذَاتِ الْفِعْلِ لَكِنْ عَلَى وَفْقِ مَشِيئَةِ الرَّبِّ وَإِرَادَتِهِ فَقَدْ نُسِبَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لَعَلَّنَا نَذْكُرُهَا فِيمَا بَعْدُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى وَلَا يَصِحُّ نِسْبَتُهَا لَهُمْ بَلْ هِيَ مَكْذُوبَةٌ عَنْهُمْ وَلَئِنْ صَحَّتْ فَإِنَّمَا قَالُوهَا فِي مُنَاظَرَةٍ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ جَرَّ إلَيْهَا الْجَدَلُ اهـ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ قَدْ نَقَلَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي كُتُبِهِمْ عَنْهُمْ وَاشْتُهِرَتْ وَقَدْ نَقَلَهَا صَاحِبُ نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ عَنْ أَرْبَابِهَا وَاحْتَجَّ عَلَى صِحَّتِهَا وَفِي الشَّامِلِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ التَّصْرِيحُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ حُسْنُ ظَنٍّ مِنْهُ. قَالَ الشَّاوِيُّ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ مَنْ أَخَذَ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ الْكُتُبِ يُحَرِّضُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خُصُوصًا وَيَقُولُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْعَوَامّ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ عَلَى وَفْقِ مَشِيئَةِ الرَّبِّ حَتَّى كَانَ عِنْدَهُ إدْخَالُ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى

خَلْقُ الطَّاعَةِ، وَالْخِذْلَانُ ضِدُّهُ) فَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالدَّاعِيَةُ إلَيْهَا أَوْ خَلْقُ الْمَعْصِيَةِ (وَاللُّطْفُ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ صَلَاحُ الْعَبْدِ أَخَرَةً) بِأَنْ تُقْطَعَ مِنْهُ الطَّاعَةُ دُونَ الْمَعْصِيَةِ (وَالْخَتْمُ وَالطَّبْعُ وَالْأَكِنَّةُ) الْوَارِدَةُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] {طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: 155] {جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الكهف: 57] عِبَارَاتٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ (خَلْقُ الضَّلَالِ فِي الْقَلْبِ) كَالْإِضْلَالِ (وَالْمَاهِيَّاتِ) لِلْمُمْكِنَاتِ أَيْ حَقَائِقِهَا (مَجْعُولَةً) بَسِيطَةً كَانَتْ أَوْ مُرَكَّبَةً أَيْ كُلُّ مَاهِيَّةٍ بِجَعْلِ الْجَاعِلِ وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا بَلْ كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسِ مِنْ الْقُرَبِ وَلَوْ عَلِمَ مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ لَمَا تَوَلَّعَ بِهَذِهِ الشَّهْوَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْوَرْطَةِ وَغَايَةُ الْأَخْذِ عَنْهُ الْجَهْلُ وَعَدَمُ الْإِدْرَاكِ بِالْأَحْوَطِ. (قَوْلُهُ: أَخَرَةً بِوَزْنِ دَرَجَةٍ) أَيْ آخِرَ عُمْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمَاهِيَّاتُ إلَخْ) جَمْعُ مَاهِيَّةٍ تُطْلَقُ عَلَى مَا بِهِ يُجَابُ عَنْ السُّؤَالِ بِمَا هُوَ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا وَعَلَى مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ هُوَ وَهَذَا الْمَعْنَى يُقَالُ لَهُ بِاعْتِبَارِ تَشَخُّصِهِ هُوَ بِهِ وَمَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ مَاهِيَّةً. وَبِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِهِ حَقِيقَةً وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ حَقَائِقِهَا. (قَوْلُهُ: بِجَعْلِ الْجَاعِلِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كَوْنَ الْمَاهِيَّةِ مَاهِيَّةً بِجَعْلِ الْجَاعِلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنَفْسِهِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ بَيْنَهُمَا جَعْلٌ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ أَثَرَ الْفَاعِلِ نَفْسُ الْمَاهِيَّاتِ أَوْ الْمَاهِيَّاتُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ يَقُولُ إنَّهَا أَثَرٌ مُتَرَتِّبٌ عَلَى تَأْثِيرِ الْفَاعِلِ ثُمَّ الْعَقْلُ يَنْتَزِعُ مِنْهَا الْوُجُودَ وَيَصِفُهَا بِهِ فَالْوُجُودُ اعْتِبَارٌ عَقْلِيٌّ انْتِزَاعِيٌّ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ وَقَالَ بِهِ الْحُكَمَاءُ الْإِشْرَاقِيُّونَ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي يَقُولُ إنَّ أَثَرَ الْفَاعِلِ الْمَاهِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ لَا مِنْ حَيْثُ نَفْسُهَا وَلَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بَلْ أَثَرَ الْفَاعِلِ. ثُبُوتُهَا فِي الْخَارِجِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوُجُودُهَا فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجْعَلُ الْمَاهِيَّةَ مُتَّصِفَةً بِالْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ فَالْمَاهِيَّةُ أَثَرٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ بِأَنْ تَكُونَ نَفْسُهَا صَادِرَةً عَنْهُ وَلَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَاهِيَّةَ مَاهِيَّةً وَإِلَى

مَاهِيَّةٍ مُتَقَرِّرَةٌ بِذَاتِهَا. (وَثَالِثُهَا) مَجْعُولَةً (إنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً) بِخِلَافِ الْبَسِيطَةِ (أَرْسَلَ الرَّبُّ تَعَالَى رُسُلَهُ) مُؤَيَّدِينَ مِنْهُ (بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ) أَيْ الظَّاهِرَاتِ (وَخُصَّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنْهُمْ بِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا ذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ لِلْمَاهِيَّةِ ثُبُوتًا فِي الْقِدَمِ وَكَذَلِكَ الْحُكَمَاءُ الْمَشَّاءُونَ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ أَثَرُ الْفَاعِلِ هُوَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِهِ الْوُجُودَ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ مَجْعُولَةً بِمَعْنَى كَوْنِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ مَاهِيَّةً. إذْ لَا مَعْنَى لَهُ هَذَا هُوَ تَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ حَسْبَمَا حَقَّقَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي حَوَاشِي الزَّوْرَاءِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْجَعْلِ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَجْعُولَةً لَارْتَفَعَتْ الْمَجْعُولِيَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا أَوْ فِي وُجُودِهَا وَاتِّصَافِهَا بِالْوُجُودِ وَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِالْكُلِّيَّةِ لَزِمَ اسْتِغْنَاءُ الْمُمْكِنِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْجَعْلِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْإِنْسَانِيَّةُ مَثَلًا بِجَعْلِ الْجَاعِلِ لَمْ تَكُنْ الْإِنْسَانِيَّةُ عِنْدَ عَدَمِ جَعْلِ الْجَاعِلِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ أَمَّا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ؛ فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَثَرًا لِلْجَعْلِ وَيَكُونُ أَثَرًا لَهُ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ، وَأَمَّا بُطْلَانُ الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ سَلْبُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَمْ تَكُنْ الْإِنْسَانِيَّةُ إنْسَانِيَّةً قَضِيَّةٌ مَعْدُولَةٌ يَكُونُ مَوْضُوعُهَا مَوْجُودًا فَلَا نُسَلِّمُ هَذَا وَإِنْ أُرِيدَ قَضِيَّةٌ سَالِبَةٌ فَلَا نُسَلِّمُ اسْتِحَالَةَ سَلْبِ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَعْدُومَ فِي الْخَارِجِ دَائِمًا مَسْلُوبٌ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا ارْتَفَعَ الْجَعْلُ فِي وَقْتٍ أَوْ دَائِمًا ارْتَفَعَ الْإِنْسَانِيَّةُ كَذَلِكَ فَيَصْدُقُ قَوْلُنَا لَيْسَ الْإِنْسَانِيَّةُ إنْسَانِيَّةً هَذَا مَا يُقَالُ هُنَا وَأَمَّا اسْتِيعَابُ أَطْرَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَقَدْ أَوْدَعْنَاهُ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً وَبَعْدَ إحَاطَتِك بِمَا قَرَّرْنَاهُ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ الْغُنَيْمِيِّ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الصُّغْرَى إنْ كَانَ الْجَعْلُ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ فَلَا مَعْنَى لِتَصْيِيرِ الشَّيْءِ نَفْسَهُ لِلُزُومِ الْمُغَايَرَةِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ فَهِيَ مَجْعُولَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَرَجْعُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا لَا فَرْقَ بَيْنَ بَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ سَاقِطٌ جِدًّا. كَيْفَ وَقَدْ فَرَّعَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ الْآخَرُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ مَبْسُوطَاتِ الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: أَرْسَلَ الرَّبُّ تَعَالَى رَسُولَهُ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِ النَّسَفِيِّ وَفِي إرْسَالِ الرُّسُلِ حِكْمَةٌ أَيْ مَصْلَحَةٌ وَعَاقِبَةٌ حَمِيدَةٌ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إرْسَالَ الرُّسُلِ وَاجِبٌ لَا بِمَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِمَعْنَى أَنَّ قَضِيَّةَ الْحِكْمَةِ تَقْتَضِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ كَمَا زَعَمَتْ السُّمَنِيَّةُ وَالْبَرَاهِمَةُ وَلَا بِمُمْكِنٍ يَسْتَوِي طَرَفَاهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ اهـ. قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاقْتِضَاءِ الْحِكْمَةِ أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحِكْمَةَ تُرَجِّحُ جَانِبَ وُقُوعِ الْإِرْسَالِ وَتُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْمُسَاوَاةِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ فِي نَفْسِهِ وَهَذَا الْوُجُوبُ هُوَ الْوُجُوبُ الْعَادِيُّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ كَعِلْمِنَا بِأَنَّ جَبَلَ أُحُدٍ لَمْ يَنْقَلِبْ ذَهَبًا مَعَ جَوَازِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْوُجُوبِ الَّذِي زَعَمَهُ الْمُعْتَزِلَةُ بِحَيْثُ يَكُونُ تَرْكُهُ مُوجِبًا لِلسَّفَهِ وَالْعَبَثِ اهـ. وَالرُّسُلُ جَمْعُ رَسُولٍ، فَعُولٌ مِنْ الرِّسَالَةِ وَهِيَ سِفَارَةُ الْعَبْدِ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْ خَلِيقَتِهِ لِيُزِيحَ بِهَا عِلَلَهُمْ فِيمَا قَصُرَتْ عَنْهُ عُقُولُهُمْ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْيَوَاقِيتِ وَالْجَوَاهِرِ إنَّ الْإِرْسَالَ اخْتِبَارٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِبَعْضِ الْبَشَرِ كَمَا قَالُوا {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} [القمر: 24] قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] وَأَيْضًا عَامَّةُ الْخَلْقِ لَا يُنَاسِبُهُمْ إرْشَادُ الرُّوحَانِيِّ الْمَحْضِ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ يَمْتَنِعُ رِسَالَةُ نَبِيَّيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَا يَنْطِقَانِ فِي رِسَالَتِهِمَا بِلِسَانٍ وَاحِدٍ مُوسَى وَهَارُونَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَلَمْ يَكُنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عِبَادَةٌ تَخُصُّهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ أَيْ خَتْمُ النُّبُوَّةِ قَاصِرٌ عَلَيْهِ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصَائِرِ لَمَّا كَانَ فَائِدَةُ الشَّرْعِ دَعْوَةَ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ وَإِرْشَادَهُمْ إلَى مَصَالِحِ الْعَرْشِ وَالْمَعَادِ وَإِعْلَامَهُمْ الْأُمُورَ الَّتِي تَعْجَزُ عَنْهَا عُقُولُهُمْ وَتَقْرِيرَ الْحِجَجِ الْقَاطِعَةِ وَإِزَالَةَ الشُّبَهِ الْبَاطِلَةِ وَقَدْ تَكَفَّلَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْغَرَّاءُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ الْأَكْمَلِ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ مَزِيدٌ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] الْآيَةَ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ حَاجَةٌ لِلْخَلْقِ إلَى بَعْثَةِ نَبِيٍّ فَلِذَلِكَ خُتِمَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ اهـ

كَمَا قَالَ كِتَابُهُ الْمُبِينُ {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] (الْمَبْعُوثُ إلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ) كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «وَأُرْسِلْتُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» وَفُسِّرَ بِالْإِنْسِ وَالْجِنِّ، كَمَا فُسِّرَ بِهِمَا مَنْ بَلَغَ، فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] أَيْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ، وَالْعَالَمِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] . وَصَرَّحَ الْحَلِيمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرْسَلْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَفِي الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ بِانْفِكَاكِهِمْ مِنْ شَرْعِهِ وَفِي تَفْسِيرَيْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْبُرْهَانِ النَّفْيُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا إلَيْهِمْ (الْمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ) مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَشْرَكُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا ذُكِرَ (وَبَعْدَهُ) فِي التَّفْضِيلِ (الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -) فَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْبَشَرِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَشَرْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَمِرٌّ لِلْحَشْرِ أَيْ لَا يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَشْرِ شَرْعٌ آخَرُ وَلَا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ بِهِ لِلْحَشْرِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَمُوتُونَ قَبْلَهُ بِالرِّيحِ الْمَيِّتَةِ وَتَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَهَذَا مِنْ مَعَانِي اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاشِرِ وَنُزُولُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا هُوَ بِالْعَمَلِ بِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ تَابِعٌ لَهُ وَلَيْسَتْ نُبُوَّةً مُبْتَدَأَةً حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى ابْتِدَاؤُهَا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إشْكَالُ أَنَّ مَجِيءَ عِيسَى بِشَرِيعَتِنَا كَمَجِيءِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِشَرْعِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ عُدُّوا أَنْبِيَاءً مُسْتَقِلِّينَ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّسُولِ أَنْ يَنْسَخَ شَرْعَ مَنْ قَبْلَهُ وَوَجْهُ السُّقُوطِ أَنَّ أَنْبِيَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ مَجِيئُهُمْ هَذَا هُوَ بَدْءُ نُبُوَّتِهِمْ وَلَا يُنَافِي التَّبَعِيَّةَ رَدُّ الْجُزْئِيَّةِ وَعَدَمُ قَبُولِهَا وَقَدْ قَبِلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَخْذَهَا مُغَيًّا إلَى ذَلِكَ الزَّمَنِ فَعَدَمُ قَبُولِهَا تَنْفِيذٌ لِحُكْمِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْجُزْئِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ فَإِنَّ عِلَّةَ قَبُولِهَا الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إعْطَائِهِ الْعَسَاكِرَ لِلْجِهَادِ وَعِنْدَ نُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَقْرُبُ الْقِيَامَةُ وَتَكْثُرُ الْأَمْوَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهَا أَحَدٌ فَهُوَ نَظِيرُ إعْطَائِهِ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مِنْ الْغَنَائِمِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ لِتَكْثُرَ سَوَادُ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَثُرَ أَهْلُهُ سَقَطَ ذَلِكَ مِنْ زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا دَقِيقًا فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: الْمَبْعُوثُ إلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ) ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَمِيلُ إلَى عَدَمِهِ (قَوْلُهُ: حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ إلَخْ) طُعِنَ فِيهِ بِمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: الْمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ شَذَّ الزَّمَخْشَرِيُّ فَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40] الْآيَةَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَفْضَلُ وَقَدْ شُنِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ جَرَاءَةٌ مِنْهُ، وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّفْضِيلِ عَلَى يُونُسَ وَغَيْرِهِ لِلتَّوَاضُعِ أَوْ لَا تُفَضِّلُونِي تَفْضِيلًا يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ الْمَفْضُولِ وَذَكَرَ الْيُوسِيُّ فِي حَوَاشِي الْكُبْرَى يَنْبَغِي لَك أَنْ تَسْتَحْضِرَ فِي مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ الصَّالِحُ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فِي رَسَائِلِهِ الْكُبْرَى حَيْثُ قَالَ: إنَّهَا بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ أَجْلِ عِلَّةٍ مُوجِبَةٍ لِذَلِكَ وُجِدَتْ فِي الْفَاضِلِ وَوُجِدَتْ فِي الْمَفْضُولِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَ عَبِيدِهِ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ كَامِلًا فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ وَذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ لَهُ بِحَقِّ سِيَادَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْرَاضِ وَغَيْرُ هَذَا تَعَسُّفٌ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي سُوءِ الْأَدَبِ وَمَا زِلْت أَسْتَثْقِلُ قَوْلَهُمْ إنَّ فُلَانًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ حَالُهُ كَذَا وَحَالُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْحَالَيْنِ لِمَا يُوهِمُ مِنْ النَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَشْرَكُهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْبَشَرِ إلَخْ) فِي عَقَائِدِ النَّسَفِيِّ أَنَّ رُسُلَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ

(وَالْمُعْجِزَةُ) الْمُؤَيَّدُ بِهَا الرُّسُلُ (أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ) بِأَنْ يَظْهَرَ عَلَى خِلَافِهَا كَإِحْيَاءِ مَيِّتٍ وَإِعْدَامِ جِيلٍ وَانْفِجَارِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ (مَقْرُونٌ بِالتَّحَدِّي) مِنْهُمْ (مَعَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ) مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْخَارِقِ (وَالتَّحَدِّي الدَّعْوَى) لِلرِّسَالَةِ فَخَرَجَ غَيْرُ الْخَارِقِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَالْخَارِقُ مِنْ غَيْرِ تَحَدٍّ وَهُوَ كَرَامَةُ الْوَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ رُسُلِ الْمَلَائِكَةِ وَرُسُلُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الْبَشَرِ وَعَامَّةُ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الْمَلَائِكَةِ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ نَسَبَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ عَقَائِدِ الْعَضُدِ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِ الْأَكْثَرُ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ فِطْرِيَّةٌ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُمْ عَنْهَا بِخِلَافِ عِبَادَةِ الْبَشَرِ فَإِنَّ لَهُمْ مُزَاحِمَاتٌ كَثِيرَةٌ فَتَكُونُ عِبَادَتُهُمْ أَشَقُّ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا قَالَ وَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ إسَاءَةَ الْأَدَبِ مَعَ الْمَلَكِ كُفْرٌ وَمَعَ آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَتْ بِكُفْرٍ فَيَكُونُ الْمَلَكُ أَفْضَلَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَلَكِ أَشْرَفَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ مُنَاسَبَتِهِ مَعَ الْمَبْدَإِ فِي النَّزَاهَةِ وَقِلَّةِ الْوَسَائِطِ لَا عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ بِمَعْنَى كَوْنِهِ أَكْثَرَ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ اهـ. وَالْمَلَائِكَةُ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ نُورَانِيَّةٌ أُعْطُوا قُدْرَةً عَلَى التَّشَكُّلِ وَعَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مُوَاظِبُونَ عَلَى الطَّاعَاتِ مَعْصُومُونَ عَنْ الْمُخَالَفَةِ وَالْفِسْقِ لَا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ وَلَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ أَنَّ طَاعَاتِ الْمَلَائِكَةِ كُلَّهَا مُحَتَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَفْرُغُونَ مِنْ تَوْظِيفٍ حَتَّى يُمْكِنَهُمْ التَّطَوُّعُ قَالَ فَمَقَامُ «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ» الْحَدِيثَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْبَشَرِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّهُمْ لَا يَتَشَكَّلُونَ فِي صُوَرِ بَعْضِهِمْ فَلَا يَتَشَكَّلُ جِبْرِيلُ بِصُورَةِ مِيكَائِيلَ وَلَا الْعَكْسُ وَهَذَا بِخِلَافِ أَوْلِيَاءِ الْبَشَرِ فَيُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ. اهـ. ثُمَّ لَا يُشْكِلُ الْقَوْلَ بِعِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ قِصَّةُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُمَا رَجُلَانِ سُمِّيَا مَلَكَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْمَلَائِكَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قِرَاءَةُ كَسْرِ اللَّامِ وَقِيلَ: إنَّهُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَأُرْسِلَا فِتْنَةً وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا عِصْيَانٌ وَعَذَابٌ وَقَوْلُهُمْ {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30] لَيْسَ غِيبَةً لِمُعَيِّنٍ وَلَا اعْتِرَاضًا بَلْ مُجَرَّدُ اسْتِفْهَامٍ وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَدَمُ عِصْمَةِ مَلَائِكَةِ الْأَرْضِ وَسَمَاءِ الدُّنْيَا اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ اسْتَقَرَّ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي عِصْمَتِهِمْ وَفِي فَضْلِهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَلَا قَاطِعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْجِزَةُ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَجْزِ الْمُقَابِلِ لِلْقُدْرَةِ وَحَقِيقَةُ الْإِعْجَازِ إثْبَاتُ الْعَجْزِ اُسْتُعِيرَ لِإِظْهَارِهِ ثُمَّ أُسْنِدَ مَجَازًا إلَى مَا هُوَ سَبَبُ الْعَجْزِ وَجُعِلَ اسْمًا لَهُ وَالتَّاءُ فِيهَا لِلنَّقْلِ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ كَعَلَّامَةٍ (قَوْلُهُ: أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ) هَاهُنَا قَيْدٌ مَطْوِيٌّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِدَعْوَاهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لِدَلَالَةِ التَّحَدِّي عَلَيْهِ الْتِزَامًا فَإِنَّ التَّحَدِّيَ طَلَبُ الْمُعَارَضَةِ فِي شَاهِدِ دَعْوَاهُ وَلَا شَهَادَةَ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ الْخَارِقُ مُوَافِقًا لِلدَّعْوَى فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ الْمَطْوِيُّ الْخَارِقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مُوَافِقًا لَهَا كَنُطْقِ الْجَمَادِ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٌ. فَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ النُّبُوَّةَ وَقَالَ مُعْجِزَتِي أَنْ يَنْطِقَ هَذَا الْجَمَادُ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ صِدْقُهُ بَلْ ازْدَادَ اعْتِقَادُ كَذِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مُعْجِزَتِي أَنِّي أُحْيِي هَذَا الْمَيِّتِ فَأَحْيَاهُ ثُمَّ نَطَقَ الْمَيِّتُ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٍ فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ لِأَنَّ مُعْجِزَتَهُ هِيَ إحْيَاؤُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُكَذِّبٍ لِدَعْوَاهُ وَالْحَيُّ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَكَلَّمُ بِاخْتِيَارِ مَا شَاءَ وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ الْمُعْجِزَةُ هِيَ النُّطْقُ مُطْلَقًا لَكِنَّ ذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي ضِمْنِ هَذَا الْكَلَامِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ الصَّادِرُ عَنْ الْجَمَادِ مُعْجِزَةً وَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهُ فَلَا يَكُونُ مُعْجِزَةً ثُمَّ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْخَارِقِ فَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ مُعْجِزَتِي أَنْ تُخْرَقَ الْعَادَةُ عَلَى الْإِجْمَالِ فَيَحْصُلُ خَارِقٌ مَا وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا ثَمَرَةَ لَهُ الْآنَ لِخَتْمِ الرِّسَالَةِ (قَوْلُهُ: بِالتَّحَدِّي) قَالَ شَيْخِي زَادَهْ فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ التَّحَدِّي طَلَبُ الْمُعَارَضَةِ مِنْ صَاحِبِك بِإِتْيَانِهِ مِثْلَ مَا فَعَلْته أَنْتَ يُقَالُ تَحَدَّيْتُ فُلَانًا إذَا بَارَيْتُهُ فِي فِعْلٍ وَنَازَعْتُهُ الْغَلَبَةَ فِيهِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحُدَاءِ فَإِنَّ الْحَادِيَيْنِ يَتَعَارَضَانِ فِيهِ وَيُغَنِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ وَالْحُدَاءُ وَالْحَدْوُ سَوْقُ الْإِبِلِ وَالْغِنَاءُ لَهَا يُقَالُ حَدَوْتُ الْإِبِلَ حَدْوًا وَحُدَاءً إذَا سُقْتُهَا مَعَ الْغِنَاءِ لَهَا اهـ. وَلَمَّا كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ بِالتَّحَدِّي مِنْهُمْ

وَالْخَارِقُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى التَّحَدِّي وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْهُ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَخَرَجَ السِّحْرُ وَالشَّعْبَذَةُ مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ إذْ لَا مُعَارَضَةَ بِذَلِكَ. (وَالْإِيمَانُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِطَلَبِهِ الْمُعَارَضَةَ مِنْهُمْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالتَّحَدِّي الدَّعْوَى تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْتَفِي بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالتَّحَدِّي بِمَعْنَى طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِالْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلتَّحَدِّي كَقَوْلِهِ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْخَارِقُ الْمُتَقَدِّمُ) وَهُوَ الْإِرْهَاصُ مِنْ الرِّهْصِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ أَسَاسُ الْحَائِطِ كَرُؤْيَةِ آمِنَةَ أُمُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النُّورَ وَسُقُوطِ إيوَانِ كِسْرَى وَالنُّورِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي عَبْدِ اللَّهِ وَالِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ السِّحْرُ) أَيْ خَرَجَ نَحْوُ السِّحْرِ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ مَا يُعَارَضُ بِهِ الْخَارِقُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَارَضُ بِهِ الْخَارِقُ وَهَذَا مَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَقَرَّرَ غَيْرُهُ بِأَنَّ نَحْوَ السِّحْرِ خَرَجَ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ كَوْنِ الْخَارِقِ مُعَارَضًا بِمِثْلِهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ خَارِقٌ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِمِثْلِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَدَقُّ وَالثَّانِي أَنْسَبُ بِبَيَانِ مَا يَخْرُجُ بِالْقُيُودِ قَالَهُ زَكَرِيَّا وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ السِّحْرَ إظْهَارُ أَمْرٍ خَارِقٍ لِعَادَةٍ مِنْ نَفْسٍ شِرِّيرَةٍ خَبِيثَةٍ بِمُبَاشَرَةِ أَعْمَالٍ مَخْصُوصَةٍ. وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ جَائِزٌ عَقْلًا ثَابِتٌ سَمْعًا وَكَذَلِكَ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ هُوَ مُجَرَّدُ إرَادَةِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعْبَذَةِ الَّتِي سَبَبُهَا خِفَّةُ حَرَكَاتِ الْيَدِ وَإِخْفَاءُ وَجْهِ الْحِيلَةِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِيمَانُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ) قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ اللُّغَوِيُّ وَأَنَّ التَّصْدِيقَ الْمَنْطِقِيَّ بِعَيْنِهِ التَّصْدِيقُ اللُّغَوِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَوْرَدَهُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمَنْطِقِيَّ إنَّمَا بَيَّنَ مَا هُوَ فِي الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إنَّ التَّصْدِيقَ اللُّغَوِيَّ أَخَصُّ مِنْ الْمَنْطِقِيِّ فَإِنَّ الصُّورَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ النِّسْبَةِ التَّامَّةِ الْخَبَرِيَّةِ تَصْدِيقٌ قَطْعًا فَإِنْ كَانَ حَاصِلًا بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ الْإِذْعَانَ وَالْقَبُولَ فَهُوَ تَصْدِيقٌ لُغَوِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَنْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى شَيْءٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ جِدَارٌ أَوْ فَرَسٌ فَهُوَ مَعْرِفَةٌ يَقِينِيَّةٌ وَلَيْسَ بِتَصْدِيقٍ لُغَوِيٍّ اهـ. مُلَخَّصًا. وَأُورِدُ أَنَّ التَّصْدِيقَ الْمَنْطِقِيَّ يَعُمُّ الظَّنَّ فَمُقْتَضَاهُ كِفَايَةُ الظَّنِّ فِي الْإِيمَانِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ السَّيِّدَ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بِأَنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ الَّذِي لَا يَخْطُرُ مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَقِينِ فِي كَوْنِهِ إيمَانًا حَقِيقِيًّا فَإِنَّ إيمَانَ أَكْثَرِ الْعَوَامّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ. وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ الثَّابِتِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَدَمُ كِفَايَةِ الظَّنِّ الْقَوِيِّ الَّذِي لَا يَخْطُرُ مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ مَحَلُّ كَلَامٍ هَذَا وَاَلَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ مَا اخْتَارَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ الْإِذْعَانُ لِذَلِكَ وَالْقَبُولُ لَهُ فَإِنَّ هَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّصْدِيقِ الْمَنْطِقِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِذْعَانِ وَالِانْقِيَادِ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] وَقَالَ تَعَالَى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ إنَّ كَثْرَةَ الْأَقْوَالِ فِيهِ أَيْ فِي الْإِيمَانِ تَقْتَضِي خَفَاءَ حَقِيقَتِهِ مَا هِيَ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا اسْتِبْعَادٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْوَاضِحِ نَعَمْ عُمْدَةُ الْأَمْرِ عَلَى الِانْقِيَادِ وَالْقَبُولِ انْتَهَى وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْإِيمَانَ حَادِثٌ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ كَالْكُفْرِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّشَدُّقُ مِنْ بَعْضِ الْمُتَنَطِّعَةِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ رَسَائِلَ أَلَّفَهَا أَمْثَالُهُمْ مِنْ الْجُهَّالِ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا الْإِيمَانُ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ وَهَلْ هُوَ فِيك أَمْ أَنْتَ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا يُصْغَى إلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ قَدِيمٌ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ خُرُوجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ عَلَى أَنَّ الْهِدَايَةَ بِمَعْنَى الْإِيصَالِ أَوْ الدَّلَالَةِ حَادِثَةٌ وَفِي التَّفْتَازَانِيِّ فَإِنْ قِيلَ قَدْ لَا يَبْقَى التَّصْدِيقُ كَمَا فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ قُلْنَا التَّصْدِيقُ بَاقٍ فِي الْقَلْبِ وَالذُّهُولُ إنَّمَا هُوَ عَنْ حُصُولِهِ وَلَوْ سُلِّمَ فَالشَّارِعُ جَعَلَ الْمُحَقَّقَ الَّذِي لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُضَادُّ فِي حُكْمِ الْبَاقِي حَتَّى كَانَ الْمُؤْمِنُ اسْمًا لِمَنْ آمَنَ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا هُوَ عَلَامَةُ التَّكْذِيبِ اهـ. وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ قَائِمٌ بِالرُّوحِ حَقِيقَةً وَبِالْجَسَدِ حُكْمًا فَإِنَّ الْمَعَارِفَ وَالْعُلُومَ تَبْقَى مَعَ الرُّوحِ فَإِنْ قُلْت حَدِيثُ «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» إلَخْ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِيمَانِ حِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ

أَيْ بِمَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِذْعَانَ وَالْقَبُولَ لَهُ وَالتَّكْلِيفَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ دُونَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِالتَّكْلِيفِ بِأَسْبَابِهِ كَإِلْقَاءِ الذِّهْنِ وَصَرْفِ النَّظَرِ وَتَوْجِيهِ الْحَوَاسِّ وَرَفْعِ الْمَوَانِعِ (وَلَا يُعْتَبَرُ) التَّصْدِيقُ الْمَذْكُورُ فِي الْخُرُوجِ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِالْإِيمَانِ (إلَّا مَعَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ الْقَادِرِ) عَلَيْهِ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ عَلَامَةً لَنَا عَلَى التَّصْدِيقِ الْخَفِيِّ عَنَّا حَتَّى يَكُونَ الْمُنَافِقُ مُؤْمِنًا فِيمَا بَيْنَنَا كَافِرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145] (وَهَلْ التَّلَفُّظُ) الْمَذْكُورُ (شَرْطٌ) لِلْإِيمَانِ (أَوْ شَطْرٌ) مِنْهُ (فِيهِ تَرَدُّدٌ) لِلْعُلَمَاءِ. (وَالْإِسْلَامُ إعْمَالُ الْجَوَارِحِ) مِنْ الطَّاعَاتِ كَالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمَنْفِيَّ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ الْمُصَاحِبُ لِلْمُرَاقَبَةِ إذْ لَوْلَا حِجَابُ الْغَفْلَةِ مَا عَصَى أَوْ أَنَّهُ إنْ اسْتَحَلَّهُ فَإِنَّهُ يَرْتَدُّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَيَرْتَفِعُ إيمَانُهُ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ يُرْفَعُ ثُمَّ يَرْجِعُ لَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ يَمُوتُ كَافِرًا وَلَا قَائِلَ بِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ) يُشْكِلُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَبِي لَهَبٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ جَاءَ الْوَحْيُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ قَطْعًا بِتَصْدِيقِهِ فِي خَبَرِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ خَبَرِهِ عَدَمُ إيمَانِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ تَصْدِيقُهُ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدِّقٍ فَإِنَّ إذْعَانَ الشَّخْصِ بِأَمْرٍ عَلِمَ فِي بَاطِنِهِ خِلَافَ ذَلِكَ الْأَمْرِ مُحَالٌ فَهُوَ تَكْلِيفٌ بِالْمُمْتَنِعِ الذَّاتِيِّ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِهِ وَأَيْضًا إيمَانُهُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ عَيْنُ الْكُفْرِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِالْكُفْرِ وَهُوَ إشْكَالٌ صَعْبٌ شَهِيرٌ. وَأَجَابَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ الْإِجْمَالِيَّ فِي حَقِّهِ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْمُحَالِ وَإِنَّمَا الْمُحَالُ هُوَ التَّفْصِيلِيُّ وَوُجُوبُهُ مَشْرُوطٌ بِالْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ فَالتَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْمُحَالِ إنَّمَا يُكَلَّفُ بِهِ إذَا عَلِمَهُ وَوَصَلَ إلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْبَارُهُ لِلرَّسُولِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنُوحٍ {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] اهـ. قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَدْفَعُ الشُّبْهَةَ عَنْ الْوُقُوعِ لَا عَنْ الْجَوَازِ لِأَنَّ وُصُولَ ذَلِكَ الْإِخْبَارِ إلَيْهِ مُمْكِنٌ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الْمُمْكِنِ مُمْكِنٌ اهـ. قَالَ الْخَيَالِيُّ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِأَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ فِي حَقِّهِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِمَا عَدَاهُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ إذْ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ اهـ. أَيْ وَالْإِيمَانُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَافُهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ بَعْضَ تَكْذِيبِ الْوَحْيِ لَيْسَ بِكُفْرٍ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْإِيمَانِ بِدُونِهِ كَيْفَ وَكُلُّ تَكْذِيبٍ لَهُ فَهُوَ كُفْرٌ غَيْرُ مُبَاحٍ وَأَنَّ عُمُومَ تَصْدِيقِهِ وَاجِبٌ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقِ بِجَمِيعِ مَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُ بِهِ رَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ فَلَا يُنَافِيهِ التَّصْدِيقُ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ تَأَمَّلْ اهـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْإِشْكَالُ صَعْبٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بِالتَّكْلِيفِ بِأَسْبَابِهِ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ التَّصْدِيقَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَا هُوَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا هُوَ بِتَحْصِيلِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ وَذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ إلَخْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعْدَ تَفْسِيرِ التَّصْدِيقِ بِالْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ يَكُونُ مِنْ قَوْلِهِ الِانْفِعَالُ إنْ فُسِّرَ الْإِذْعَانُ وَالْقَبُولُ بِتَأْثِيرِ النَّفْسِ بِذَلِكَ فَإِنْ فُسِّرَ بِرَبْطِ الْقَلْبِ عَلَى مَا عُلِمَ مَجِيءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَا مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَحِينَئِذٍ لَا وُرُودَ لِلسُّؤَالِ وَلَا احْتِيَاجَ لِلْجَوَابِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَعَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) هَذَا الْكَلَامُ مَحَلُّهُ فِي كَافِرٍ أَصْلِيٍّ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَمَّا أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ قَطْعًا وَلَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْخِلَافُ فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ الْأَحْكَامُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقُوا حَيْثُ: لَا إبَاءَ (قَوْلُهُ: النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ الْمَدَارَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَيِّ لَفْظٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَبِيُّ مُخَالِفًا لِشَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُشْتَرِطِ اللَّفْظَ الْمَخْصُوصَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لَنَا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: شَرْطٌ لِلْإِيمَانِ) هُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ لِدَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْإِيمَانِ هُوَ الْقَلْبُ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ لِلِّسَانِ دَاخِلًا فِيهِ. (قَوْلُهُ: إعْمَالُ الْجَوَارِحِ) مَصْدَرُ أَعْمَلَ وَالْعَمَلُ هُوَ الْفِعْلُ عَنْ رُؤْيَةٍ فَمِنْ ثَمَّ

ذَلِكَ (وَلَا تُعْتَبَرُ) الْأَعْمَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْخُرُوجِ بِهَا عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِالْإِسْلَامِ (إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ) أَيْ التَّصْدِيقِ الْمَذْكُورِ (وَالْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك) كَذَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ الْإِيمَانِ «بِأَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَبَيَانِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلًا» هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِيهَا تَقْدِيمُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِيمَانِ عَكْسُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الَّتِي تَبِعَهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهَا عَلَى تَرْتِيبِ الْوَاقِعِ وَتَأْخِيرُ الْإِحْسَانِ عَنْهُمَا وَهُوَ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادَةِ الشَّامِلَةِ لَهُمَا حَتَّى تَقَعَ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَمَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا (وَالْفِسْقُ) بِأَنْ تُرْتَكَبَ الْكَبِيرَةُ (لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ) خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُ يُزِيلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ الْأَعْمَالَ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ (وَالْمَيِّتُ مُؤْمِنًا فَاسِقًا) بِأَنْ لَمْ يَتُبْ (تَحْتَ الْمَشِيئَةِ إمَّا أَنْ يُعَاقَبَ) بِإِدْخَالِهِ النَّارَ (ثُمَّ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) لِمَوْتِهِ عَلَى الْإِيمَانِ. (وَإِمَّا أَنْ يُسَامَحَ) بِأَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ (بِمُجَرَّدِ فَضْلِ اللَّهِ أَوْ) بِفَضْلِهِ (مَعَ الشَّفَاعَةِ) مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مِمَّنْ يَشَاءُ اللَّهُ وَتَرَدَّدَ النَّوَوِيُّ فِي ذَلِكَ قَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ وَلَا بِنَفْيِهِ قَالَ وَهِيَ فِي إجَازَةِ الصِّرَاطِ بَعْدَ وَضْعِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهَا النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الشَّفَاعَةُ فِيهِ (وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوْلَاهُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ (حَبِيبُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ وَلَهُ شَفَاعَاتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَصَّ بِذَوِي الْعِلْمِ وَالْفِعْلُ أَعَمُّ وَفِي الْحَدِيثِ «فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» يَعْنِي الدَّابَّةَ وَجُبَارٌ بِالضَّمِّ هَدَرٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ) بِأَنْ يَسْتَشْعِرَ أَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى لِقُوَّةِ الشُّهُودِ وَالْحُضُورِ الدَّائِمِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ يَرَاهُ (قَوْلُهُ: لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ أَيْ وَلَا تُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ بَلْ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا كَافِرٌ وَأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ يَدُلُّ لَنَا الْآيَاتُ النَّاطِقَةُ بِإِطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْعَامِّيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ مُؤْمِنٌ حَتَّى «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ لَمَّا بَالَغَ فِي السُّؤَالِ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» . (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ وَاسِطَةٌ إلَخْ) أَيْ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَهُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: وَتَرَدَّدَ النَّوَوِيُّ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا فِي شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ يَشْفَعُ فِي عَدَمِ دُخُولِ النَّارِ وَإِنْ كَانَ لَهُ شَفَاعَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ: وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَخْ) وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] وَخَصَّهُ أَهْلُ الْحَقِّ بِالْكُفَّارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاحْتَجَّتْ الْخَوَارِجُ فِي أَنَّ الْفَاسِقَ كَافِرٌ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ مَتْرُوكَةُ الظَّوَاهِرِ لِلنُّصُوصِ النَّاطِقَةِ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى ذَلِكَ وَالْخَوَارِجُ خَارِجُونَ عَمَّا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَلَا اعْتِدَادَ بِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَهُ شَفَاعَاتٌ) أَيْ خَمْسٌ كَمَا ذَكَرَهَا وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثِنْتَيْنِ الْأُولَى فِي تَخْفِيفِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالثَّانِيَةُ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى الشَّارِحِ لِأَنَّ كَلَامَهُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الشَّفَاعَةِ الْعَامَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ فِي الْبَرْزَخِ وَالثَّانِيَةُ خَاصَّةٌ بِأَبِي طَالِبٍ اهـ. زَكَرِيَّا. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ الْإِيمَانُ بِالشَّفَاعَةِ وَاجِبٌ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ نُورٍ يُشْرِقُ مِنْ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى جَوْهَرِ النُّبُوَّةِ وَيَنْتَشِرُ مِنْهَا إلَى كُلِّ جَوْهَرٍ اسْتَحْكَمَتْ مُنَاسَبَتُهُ مَعَ

أَعْظَمُهَا فِي تَعْجِيلِ الْحِسَابِ وَالْإِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ الثَّانِيَةُ فِي إدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَيْضًا وَتَرَدَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ وَوَافَقَهُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ الثَّالِثَةُ فِيمَنْ اسْتَحَقَّ النَّارَ كَمَا تَقَدَّمَ الرَّابِعَةُ فِي إخْرَاجِ مَنْ أُدْخِلَ النَّارَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ وَيُشَارِكُهُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ الْخَامِسَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا وَجَوَّزَ النَّوَوِيُّ اخْتِصَاصَهَا بِهِ. (وَلَا يَمُوتُ أَحَدٌ إلَّا بِأَجَلِهِ) وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ فِي الْأَزَلِ انْتِهَاءَ حَيَاتِهِ فِيهِ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْقَاتِلَ قَطَعَ بِقَتْلِهِ أَجَلَ الْمَقْتُولِ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَعَاشَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (وَالنَّفْسُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ قَتْلِ الْبَدَنِ) مُنَعَّمَةٌ أَوْ مُعَذَّبَةٌ (وَفِي فَنَائِهَا عِنْدَ الْقِيَامَةِ تَرَدُّدٌ) قِيلَ تَفْنَى عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى كَغَيْرِهَا (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّهَا (لَا تَفْنَى أَبَدًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوْهَرِ النُّبُوَّةِ لِشِدَّةِ الْمَحَبَّةِ لَهُ وَكَثْرَةِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى السُّنَنِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثَالُهُ نُورُ الشَّمْسِ إذَا وَقَعَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَنْعَكِسُ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الْحَائِطِ لَا إلَى جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ وَتِلْكَ الْمُنَاسَبَةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْحَائِطِ وَيَدُلُّك عَلَى انْعِكَاسِ النُّورِ بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الشَّفَاعَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهِ وَمِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالدُّعَاءِ لَهُ عَقِيبَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْكِمُ عِلَاقَةَ الْمَحَبَّةِ وَالْمُنَاسَبَةِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ: إلَّا بِأَجَلِهِ) أَيْ فِي أَجَلِهِ وَالْأَجَلُ يُطْلَقُ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا مُدَّةُ الْعُمُرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَالثَّانِي الْوَقْتُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ مَوْتَهُ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ لَا عَلَى الْجُزْئِيَّةِ فَالْمَعْنَى لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ لَا يَسْتَقْدِمُونَ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَائِدَةَ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ لَا يَسْتَأْخِرُونَ فَقَطْ بِالشَّرْطِ حِينَئِذٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ صَحَّ مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ السَّلِيمِ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى لَا يَسْتَأْخِرُونَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ قَوْلَهُ لَا يَسْتَقْدِمُونَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَأْخِرُونَ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْأَجَلِ كَمَا يَمْتَنِعُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ بِأَقْصَرِ مُدَّةٍ هِيَ السَّاعَةُ كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مُمْكِنًا عَقْلًا وَذَلِكَ لِأَنَّ خِلَافَ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَعَلِمَهُ مُحَالٌ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: 2] فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ الْأَجَلَ الثَّانِيَ أَجَلُ الْمُكْثِ فِي الْقُبُورِ إلَى النُّشُورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] أَيْ تَشُكُّونَ فِي شَأْنِ الْبَعْثِ (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ) وَقَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ مِنْهُمْ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَمَاتَ بَدَلَ الْقَتْلِ وَتَمَسَّكَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمُتْ لَكَانَ الْقَاتِلُ قَاطِعًا لِأَجَلٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عِلْمِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَقَالَ الْكَعْبِيُّ إنَّهُ مُتَعَدِّدٌ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ وَالثَّانِي الْمَوْتُ وَالْمَقْتُولُ لَمْ يَمُتْ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَالْمَوْتُ لَا يَكُونُ إلَّا فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: لَعَاشَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) مَمْنُوعٌ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْعُمُرِ بِسَبَبِ بَعْضِ الطَّاعَاتِ فَهِيَ أَخْبَارُ آحَادٍ فَلَا تُعَارِضُ الْآيَاتِ الْقَطْعِيَّةَ أَوْ الْمُرَادُ الزِّيَادَةُ بِحَسَبِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا يُقَالُ ذِكْرُ الْفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِي قَالَ الشَّاعِرُ: كَمْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَآثِرُهُمْ ... وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إشَارَةٌ لِتَفَاوُتِ الْأَعْمَارِ فَالضَّمِيرُ لِلْمُعَمَّرِ لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ الْأَوَّلَ عَلَى حَدِّ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ النَّقْصُ مِنْ الْعُمُرِ بِاعْتِبَارِ مُرُورِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ مُرُورَهَا نَقْصٌ فِي الْعُمُرِ. (قَوْلُهُ: وَالنَّفْسُ) أَيْ الرُّوحُ (قَوْله قِيلَ تَفْنَى) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] (قَوْلُهُ: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَقَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ اسْتِمْرَارُهُ (وَفِي عَجْبِ الذَّنَبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ هَلْ يَبْلَى (قَوْلَانِ) الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْلَى لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إلَّا يَبْلَى إلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ مِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ «قِيلَ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْهُ تُنْشَئُونَ وَهُوَ فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ عِنْدَ رَأْسِ الْعُصْعُصِ يُشْبِهُ فِي الْمَحَلِّ مَحَلَّ أَصْلِ الذَّنَبِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ» (قَالَ الْمُزَنِيّ وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (يَبْلَى) كَغَيْرِهِ قَالَ تَعَالَى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] (وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ) الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ لَا يَبْلَى بِالتُّرَابِ بَلْ بِلَا تُرَابٍ كَمَا يُمِيتُ اللَّهُ مَلَكَ الْمَوْتِ بِلَا مَلَكِ الْمَوْتِ (وَحَقِيقَةُ الرُّوحِ) وَهِيَ النَّفْسُ (لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا لِعَدَمِ نُزُولِ الْأَمْرِ بِبَيَانِهَا قَالَ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] (فَنُمْسِكُ) نَحْنُ (عَنْهَا) وَلَا نُعَبِّرُ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْجُودٍ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْجُنَيْدُ وَغَيْرُهُ. وَالْخَائِضُونَ فِيهَا اخْتَلَفُوا فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّهَا جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إنَّهَا عَرَضٌ وَهِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي صَارَ الْبَدَنُ بِوُجُودِهَا حَيًّا قَالَ السُّهْرَوَرْدِيّ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ وَصْفُهَا فِي الْأَخْبَارِ بِالْهُبُوطِ وَالْعُرُوجِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْبَرْزَخِ وَقَالَ الْفَلَاسِفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرَدَّدَ فِي فَنَاءِ الرُّوحِ عِنْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَفْنَى أَبَدًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) أَيْ وَتَكُونُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْحُورِ الْعِينِ وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلشُّهَدَاءِ فَقَطْ. اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: مِنْهُ خُلِقَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ وُجُودِهِ وَقَوْلُهُ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ أَيْ عِنْدَ الْمَعَادِ قَوْلُهُ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَضْنُونُ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ إنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِسَاحَةٌ وَتَقْدِيرٌ وَهِيَ الْأَجْسَامُ وَعَوَارِضُهَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ عَالَمِ الْخَلْقِ وَالْخَلْقُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ لَا بِمَعْنَى الْإِيجَادِ وَالْإِحْدَاثِ يُقَالُ خَلَقَ الشَّيْءَ أَيْ قَدَّرَهُ قَالَ زُهَيْرٌ وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ يَفْرِي أَيْ يَقُدُّ الْأَدِيمَ ثُمَّ يَقْطَعُهُ وَمَا لَا كَمِّيَّةَ لَهُ وَلَا تَقْدِيرَ يُقَالُ إنَّهُ أَمْرٌ رَبَّانِيٌّ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ أَرْوَاحِ الْبَشَرِ وَأَرْوَاحِ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ عَالَمِ الْأَمْرِ فَعَالَمُ الْأَمْرِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْ الْحِسِّ وَالْخَيَالِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِسَاحَةِ وَالتَّقْدِيرِ لِانْتِفَاءِ الْكَمِّيَّةِ عَنْهُ اهـ. وَفِي الْفَرَائِدِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا أَنَّ رُوحَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ بَاكُورَةٍ أَثْمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِيجَادِهِ مِنْ شَجَرَةِ الْوُجُودِ وَأَوَّلُ شَيْءٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ شَرَّفَهُ بِتَشْرِيفِ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ تَعَالَى ثُمَّ حِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَهُوَ رُوحُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَبُو الْأَرْوَاحِ كَمَا أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبُو الْأَشْخَاصِ وَهَذَا أَحَدُ أَسْرَارِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْخَائِضُونَ فِيهَا اخْتَلَفُوا) أَيْ فِي حَقِيقَتِهَا وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَرَكَ الْجَوَابَ عَنْهَا تَفْصِيلًا لِكَوْنِ عَدَمِ الْجَوَابِ عَنْهَا كَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ ذَلِكَ لِتَعَنُّتِهِمْ بِالسُّؤَالِ وَقَصْدِهِمْ بِهِ التَّعْجِيزَ فَإِنَّ الرُّوحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَمَلَكٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ الرُّوحُ وَصِنْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْقُرْآنِ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَرُوحِ الْإِنْسَانِ فَلَوْ أُجِيبَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا لَقَالَتْ الْيَهُودُ لَمْ نُرِدْ هَذَا تَعَنُّتًا مِنْهُمْ فَجَاءَ الْجَوَابُ مُجْمَلًا عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ مَعَانِي الرُّوحِ اهـ. نَجَّارِيٌّ. (فَائِدَةٌ) : وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» قَالَ فِي الْيَوَاقِيتِ فِي الْإِقْبَالِ بِالْوَجْهِ غَايَةٌ فِي الْمَوَدَّةِ وَعَكْسُهُ الظَّهْرُ وَبِالْجَنْبِ بَيْنَ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَوْمَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] قَالَ وَيُكْشَفُ لِكَثِيرِ عَنْ ذَلِكَ كَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى إنَّهُمْ يَعْرِفُونَ تَلَامِذَتَهُمْ إذْ ذَاكَ قَالَ بَعْضُهُمْ أَعْرِفُ مَنْ كَانَ عَنْ يَمِينِي إذْ ذَاكَ مِمَّنْ كَانَ عَلَى يَسَارِي وَيُلَاحِظُونَهُمْ فِي ظُهُورِ الْآبَاءِ وَأَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ الرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ

وَكَثِيرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ وَإِنَّمَا هِيَ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَدَنِ لِلتَّدْبِيرِ وَالتَّحْرِيكِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْذَبُ وَيَخْرُجُ وَفِي أَكْفَانِهِ يُلَفُّ وَيُدْرَجُ وَبِهِ إلَى السَّمَاءِ يُعْرَجُ لَا يَمُوتُ وَلَا يَفْنَى وَهُوَ بِعَيْنَيْنِ وَيَدَيْنِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَجْسَامِ لَا صِفَةُ الْأَعْرَاضِ هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَكُلُّ مَنْ يَقُولُ إنَّ الرُّوحَ يَمُوتُ وَيَفْنَى فَهُوَ مُلْحِدٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَثِيرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمَضْنُونُ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ إنَّ الرُّوحَ لَيْسَ بِجِسْمٍ يَحُلُّ فِي الْبَدَنِ حُلُولَ الْمَاءِ فِي الْإِنَاءِ وَلَا هُوَ عَرَضٌ يَحُلُّ الْقَلْبَ وَالدِّمَاغَ حُلُولَ السَّوَادِ فِي الْأَسْوَدِ وَالْعِلْمِ فِي الْعَالِمِ بَلْ جَوْهَرٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ نَفْسَهُ وَيَعْرِفُ خَالِقَهُ وَيُدْرِكُ الْمَعْقُولَاتِ وَالْعَرَضُ لَا يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَا هُوَ جِسْمٌ لِأَنَّ الْجِسْمَ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَالرُّوحُ لَا يَنْقَسِمُ لِأَنَّهُ لَوْ انْقَسَمَ لَجَازَ أَنْ يَقُومَ بِجُزْءٍ مِنْهُ عِلْمٌ بِشَيْءٍ وَبِالْجُزْءِ الْآخَرِ جَهْلٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَالِمًا بِشَيْءٍ جَاهِلًا بِهِ فَيَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ فَهُوَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْبَصَائِرِ وَأُولِي الْأَلْبَابِ جَوْهَرٌ لَا يَتَجَزَّأُ. وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا إذْ كُلُّ مُتَحَيِّزٍ يَنْقَسِمُ بِأَدِلَّةٍ هَنْدَسِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ أُثْبِتَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْجِسْمِ وَلَا خَارِجًا وَلَا مُتَّصِلًا وَلَا مُنْفَصِلًا لِأَنَّ مُصَحِّحَ الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ الْجِسْمِيَّةُ وَالتَّحَيُّزُ وَقَدْ انْتَفَتَا فَانْفَكَّ عَنْ الضِّدَّيْنِ كَمَا أَنَّ الْجَمَادَ لَا هُوَ عَالِمٌ وَلَا هُوَ جَاهِلٌ لِأَنَّ مُصَحِّحَ الْعِلْمِ الْحَيَاةُ فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَى الضِّدَّانِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْبُرْهَانِ جِدًّا بِمَا لَا يَكَادُ يَسْلَمُ لَهُ وَنَصَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ حَدَثَتْ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ النُّطْفَةِ لِلْقَبُولِ كَمَا حَدَثَتْ الصُّورَةُ فِي الْمِرْآةِ بِحُدُوثِ الصِّقَالَةِ وَإِنْ كَانَ ذُو الصُّورَةِ سَابِقَ الْوُجُودِ عَلَى الصِّقَالَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِبُرْهَانٍ مُطَوَّلٍ لَا يَخْلُو عَنْ الْخَدْشِ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْأَرْوَاحُ حَادِثَةً مَعَ الْأَجْسَادِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَيْ عَامٍ» وَقَوْلِهِ «أَنَا أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ خَلْقًا وَآخِرُهُمْ بَعْثًا وَكُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ» قُلْنَا هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ الرُّوحِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ وَكَوْنِهِ مَخْلُوقًا نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ وُجُودِهِ عَلَى الْجَسَدِ وَأَمْرُ الظَّوَاهِرِ هَيِّنٌ فَإِنَّ تَأْوِيلَهَا مُمْكِنٌ وَالْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ لَا يُدْرَأُ بِالظَّوَاهِرِ بَلْ يُسَلَّطُ عَلَى تَأْوِيلِ الظَّاهِرِ كَمَا فِي ظَوَاهِرِ التَّشْبِيهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ» فَالْمُرَادُ بِالْأَرْوَاحِ أَرْوَاحُ الْمَلَائِكَةِ وَبِالْأَجْسَادِ الْعَالَمُ مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّمَوَاتِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْعَنَاصِرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ خَلْقًا وَآخِرُهُمْ بَعْثًا» فَالْخَلْقُ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ دُونَ الْإِيجَادِ فَإِنَّهُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مَخْلُوقًا وَلَكِنَّ الْغَايَاتِ وَالْكَمَالَاتِ سَابِقَةٌ فِي التَّقْدِيرِ لَاحِقَةٌ فِي الْوُجُودِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ «كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ» فَإِنَّهُ كَانَ نَبِيًّا فِي التَّقْدِيرِ قَبْلَ تَمَامِ خِلْقَةِ آدَمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ تَقْدِيرَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا سَابِقٌ عَلَى وُجُودِهَا فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ مَا أَفَادَهُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْت نَبِيًّا إلَى رُوحِهِ الشَّرِيفَةِ وَالْأَرْوَاحُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ وَهِيَ مُتَّصِفَةٌ بِالْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ الْمُفَاضَةِ عَلَيْهَا مِنْ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلَمْ يَقَعْ الْوَصْفُ إلَّا لِمَوْصُوفٍ مَوْجُودٍ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْجَسَدُ الشَّرِيفُ وَثَبَتَ وَذَلِكَ وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ لَهْوٌ أَمَّا حُكْمُ نُبُوَّتِهِ وَكَذَلِكَ نُبُوَّةُ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - فَإِنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَلْزَمُ قِيَامُ صِفَةٍ بِغَيْرِ مَوْصُوفٍ أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَفْنَى وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ وَمَا نُسِبَ إلَى الْإِمَامِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبَاقِيَةِ أَيْ وَلَيْسَتْ بَاقِيَةً حَقِيقَةً مُفْتَرًى عَلَيْهِ وَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْقِصَّةِ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ بِمَا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَوَقَعَتْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ قِسِّيسٍ مِنْ النَّصَارَى وَعَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَمْ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَقَالَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَقَالَ إذًا عِيسَى أَفْضَلُ فَقَالَ الشَّيْخُ مَنْ عِيسَى الَّذِي تَعْنِيهِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي جَاءَ بَشِيرًا بِأَحْمَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ) وَهُمْ الْعَارِفُونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَسْبَمَا يُمْكِنُ الْمُوَاظِبُونَ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنَبُونَ لِلْمَعَاصِي الْمُعْرِضُونَ عَنْ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ (حَقٌّ) أَيْ جَائِزَةٌ وَوَاقِعَةٌ كَجَرَيَانِ النِّيلِ بِكِتَابِ عُمَرَ وَرُؤْيَتِهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ جَيْشَهُ بِنَهَاوَنْدَ حَتَّى قَالَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ: يَا سَارِيَةُ، الْجَبَلَ الْجَبَلَ، مُحَذِّرًا لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ لِكَمَنَ الْعَدُوِّ هُنَاكَ، وَسَمَاعِ سَارِيَةَ كَلَامَهُ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَكَشُرْبِ خَالِدٍ السُّمَّ مِنْ غَيْرِ تَضَرُّرٍ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَلَا يَنْتَهُونَ إلَى نَحْوِ وَلَدٍ دُونَ وَالِدٍ) وَقَلْبِ جَمَادٍ بَهِيمَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا حَقٌّ يُخَصِّصُ قَوْلَ غَيْرِهِ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا إلَّا التَّحَدِّي وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَيْنَ مَنْزِلَةُ الْبَشِيرِ مِنْ الْمُبَشَّرِ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَا نَعْرِفُهُ وَلَا نَقُولُ بِوُجُودِهِ فَضْلًا عَنْ نُبُوَّتِهِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ (قَوْلُهُ: وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ) جَمْعُ كَرَامَةٍ وَهِيَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مِنْ قِبَلِهِ غَيْرُ مُقَارِنٍ لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ وَبِهَذَا تَمْتَازُ عَنْ الْمُعْجِزَةِ وَبِمُقَارَنَةِ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقَدْ تَظْهَرُ الْخَوَارِقُ مِنْ قِبَلِ عَدَمِ الْمُسْلِمِينَ تَخَلُّصًا لَهُمْ عَنْ الْمِحَنِ وَالْمَكَارِهِ وَتُسَمَّى مَعُونَةً. (قَوْلُهُ: حَسْبَ مَا يُمْكِنُ) أَيْ بِحَسَبِ طَاقَةِ الْبَشَرِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِرَبِّهِمْ وَدَرَجَاتُ الْعَارِفِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ مُتَفَاوِتَةٌ (قَوْلُهُ: الْمُعْرِضُونَ عَنْ الِانْهِمَاكِ) أَيْ بِقُلُوبِهِمْ وَإِنْ تَلَبَّسُوا بِهَا ظَاهِرًا كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزَةٌ وَوَاقِعَةٌ) وَلَوْ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَرَامَاتِ تَقَعُ لِلْأَوْلِيَاءِ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبِهِمْ اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى امْتِنَاعِ كَوْنِ الْكَرَامَةِ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ مِنْ الْوَلِيِّ وَبَعْضُهُمْ إلَى امْتِنَاعِ كَوْنِهَا عَلَى قَضِيَّةِ الدَّعْوَى حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوِلَايَةَ الْوَلِيُّ وَاعْتَضَدَ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَقَعْ بَلْ رُبَّمَا سَقَطَ عَنْ مَرْتَبَةِ الْوِلَايَةِ اهـ. وَفِي آخِرِ الْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ فِي قَوَاعِدِ الصُّوفِيَّةِ لِلْإِمَامِ الشَّعْرَانِيِّ طَلَبَ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ مِنْ سَيِّدِي عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّيرِينِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وُقُوعَ كَرَامَةٍ فَقَالَ لَهُمْ يَا أَوْلَادِي وَهَلْ ثَمَّ كَرَامَةٌ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْظَمُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ بِهِ الْأَرْضَ وَلَا يَخْسِفُهَا بِهِ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْخَسْفَ بِهِ مُنْذُ أَزْمَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ اهـ. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْكَرَامَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا فَرْقَ فِي وُقُوعِهَا بَيْنَ كَوْنِ الْوَلِيِّ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَاَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: بِنَهَاوَنْدَ) بِضَمِّ النُّونِ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَرْحَلَةً (قَوْلُهُ: مِمَّا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ) وَقَدْ كَثُرَتْ فِيمَا بَعْدَ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَثْرَةً لَمْ تَقَعْ فِي زَمَنِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ فَضْلُهُمْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْمُعْجِزَاتِ فَتُؤَكَّدُ بِالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالْأَوَائِلُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ بِنُورِ النُّبُوَّةِ وَقُرْبِهِمْ مِنْ زَمَنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ ظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمْ الْكَرَامَاتُ تَقْوِيَةً لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِمْ وَمُعَاصِرِيهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَتَهُمْ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْقُشَيْرِيُّ) تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ وَقَالَ إنَّهُ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ مَا قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى امْتِنَاعِ كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ كَانْفِلَاقِ الْعَصَا وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى قَالُوا وَبِهَذِهِ الْجِهَاتِ تَمْتَازُ عَنْ الْمُعْجِزَاتِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَرْضِيُّ عِنْدَنَا تَجْوِيزُ جُمْلَةِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي مَعْرِضِ الْكَرَامَاتِ وَإِنَّمَا تَمْتَازُ عَنْ الْمُعْجِزَاتِ بِخُلُوِّهَا عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ النُّبُوَّةَ صَارَ عَدُوَّ اللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْكَرَامَةَ بَلْ اللَّعْنَةَ وَالْإِهَانَةَ قَالَ قِيلَ هَذَا الْجَوَازُ مُنَافٍ لِلْإِعْجَازِ إذْ شَرْطُهُ عَدَمُ تَمَكُّنِ الْغَيْرِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْمِثْلِ بَلْ يُفْضِي إلَى تَكْذِيبِ النَّبِيِّ حَيْثُ يَدَّعِي عِنْدَ التَّحَدِّي أَنَّهُ مُتَحَدٍّ بِمِثْلِ مَا أَتَيْت بِهِ قُلْنَا الْمُنَافِي هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْمِثْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ وَدَعْوَى النَّبِيِّ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِمِثْلِ مَا أَتَيْت بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَحَدَّيْنِ لَا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مِثْلُهُ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ أَوْ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ آخَرَ نَعَمْ قَدْ يَرِدُ فِي بَعْضِ الْمُعْجِزَاتِ نَصٌّ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ أَصْلًا كَالْقُرْآنِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْحُكْمَ بِأَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ) اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27]

الْخَوَارِقَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَكَذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ كُلُّ مَا جَازَ تَقْدِيرُهُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ ظُهُورُ مِثْلِهِ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ وَإِنَّمَا مَبَالِغُ الْكَرَامَاتِ إجَابَةُ دَعْوَةٍ أَوْ مُوَافَاةُ مَاءٍ فِي بَادِيَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّعِ الْمِيَاهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَنْحَطُّ عَنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ. (وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) بِبِدْعَتِهِ كَمُنْكِرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّهُ لَا يُطْلِعُ عَلَى الْغَيْبِ إلَّا الْمُرْتَضَى الَّذِي هُوَ مُصْطَفًى لِلنُّبُوَّةِ خَاصَّةً لَا كُلَّ مُرْتَضًى وَفِي هَذَا إبْطَالُ الْكَرَامَاتِ لِأَنَّ الَّذِينَ تُضَافُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا أَوْلِيَاءَ مُرْتَضَيْنَ فَلَيْسُوا بِرُسُلٍ وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ الرُّسُلَ مِنْ بَيْنِ الْمُرْتَضَيْنَ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ وَإِبْطَالِ الْكِهَانَةِ وَالتَّنْجِيمِ لِأَنَّ أَهْلَهُمَا أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ الِارْتِضَاءِ وَأَدْخَلُهُمَا فِي السَّخَطِ اهـ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ ادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ عَامًّا وَاسْتَدَلَّ بِخَاصٍّ وَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُمْ الْكَرَامَاتِ كُلِّهَا إلَّا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْغَيْبِ اهـ. وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّسُولِ الْمَلَكُ وَالْإِظْهَارُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَاطِّلَاعُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ كَاطِّلَاعِنَا عَلَى أَحْوَالِ الْآخِرَةِ بِتَوَسُّطِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْغَيْبِ عَلَى مَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ الَّتِي لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنْ أُرِيدَ غَيْبٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْأَشْيَاءُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الْآيَةَ وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59] لَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ. وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] عَلَى قَوْلِهِ {عَالِمُ الْغَيْبِ} [الجن: 26] فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حَصْرُ عَالِمِيَّةِ الْغَيْبِ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْغَيْبَ الْمَخْصُوصَ الْمَعْرُوفَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَبَعْضُهُ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ غَيْبِهِ وَحِينَئِذٍ لَا مَسَاغَ لِلتَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ فِيمَا ادَّعَاهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّعْمِيمِ وَإِرَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ يَكُونُ الْمَعْنَى فَلَا يُطْلِعُ عَلَى جَمِيعِهِ فَلَا يُنَافِي جَوَازَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْبَعْضِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ ظُهُورُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ تَكَادُ تَلْحَقُ بِمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْكَارُهَا لَيْسَ بِعَجِيبٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمَكَّةَ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ جَوَازَ ذَلِكَ يَكْفُرُ وَالْإِنْصَافُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ حِينَ سُئِلَ عَمَّا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ أَحَدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ فَقَالَ نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ الْجَامِيُّ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْكَامِلَةُ إذَا تَحَقَّقَتْ بِمَظْهَرِيَّةِ الِاسْمِ الْجَامِعِ تَظْهَرُ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَانْحِصَارٍ فَتَصْدُقُ تِلْكَ الصُّوَرُ عَلَيْهَا وَتَتَصَادَقُ لِاتِّحَادِ عَيْنِهَا كَمَا تَتَعَدَّدُ لِاخْتِلَافِ صُوَرِهَا وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّهُ هُوَ إلْيَاسُ الْمُرْسَلُ إلَى بَعْلَبَكَّ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْعَيْنَ خَلَعَ الصُّورَةَ الْإِدْرِيسِيَّةَ وَلَبِسَ لِبَاسَ الصُّورَةِ الْإِلْيَاسِيَّةِ وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلًا بِالتَّنَاسُخِ بَلْ إنَّ هُوِيَّةَ إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ كَوْنِهَا قَائِمَةً فِي آنِيَةٍ وَصُورَةٍ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ظَهَرَتْ وَتَعَيَّنَتْ فِي آنِيَةِ إلْيَاسَ الْبَاقِي إلَى الْآنَ فَيَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ وَالْحَقِيقَةُ وَاحِدًا وَمِنْ حَيْثُ التَّعَيُّنُ الصُّورِيُّ اثْنَيْنِ كَنَحْوِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَعِزْرَائِيلَ يَظْهَرُونَ فِي الْآنِ الْوَاحِدِ فِي مِائَةِ أَلْفِ مَكَان بِصُوَرٍ شَتَّى كُلُّهَا قَائِمَةٌ بِهِمْ وَكَذَلِكَ أَرْوَاحُ الْكُمَّلِ كَمَا يُرْوَى عَنْ قَضِيبِ الْبَانِ الْمُوصِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُرَى فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فِي مَجَالِسَ مُتَعَدِّدَةٍ مُشْتَغِلًا فِي كُلٍّ بِأَمْرٍ يُغَايِرُ مَا فِي الْآخَرِ وَلَمَّا لَمْ يَسَعْ هَذَا الْحَدِيثَ أَوْهَامُ الْمُتَوَغِّلِينَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ تَلَقَّوْهُ بِالرَّدِّ وَالْعِنَادِ وَحَكَمُوا عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ وَأَمَّا الَّذِينَ مُنِحُوا التَّوْفِيقَ لِلنَّجَاةِ مِنْ هَذَا الْمَضِيقِ فَسَلَّمُوا اهـ. مَعَ نَوْعِ تَغْيِيرٍ. وَقَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ إلَخْ لَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ سُئِلَ الزَّعْفَرَانِيُّ عَمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَأَى ابْنِ أَدْهَمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِالْكُوفَةِ وَرَآهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمَكَّةَ قَالَ كَانَ مُقَاتَلٌ بِكُفْرِهِ فَيَقُولُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ لَا مِنْ الْكَرَامَاتِ وَأَمَّا أَنَا فَأَسْتَجْهِلُهُ وَلَا أُطْلِقُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ يَكْفُرُ. وَعَلَى هَذَا مَا يَحْكِيهِ جَهَلَةُ

صِفَاتِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ أَمَّا مَنْ خَرَجَ بِبِدْعَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمُنْكِرِي حُدُوثَ الْعَالَمِ وَالْبَعْثَ وَالْحَشْرَ لِلْأَجْسَامِ وَالْعِلْمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ فَلَا نِزَاعَ فِي كُفْرِهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ بَعْضَ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً (وَلَا نُجَوِّزُ) نَحْنُ (الْخُرُوجَ عَلَى السُّلْطَانِ) وَجَوَّزَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْخُرُوجَ عَلَى الْجَائِرِ لِانْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ عِنْدَهُمْ (وَنَعْتَقِدُ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ) وَهُوَ لِلْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ الْمُرَادُ تَعْذِيبُهُ بِأَنْ تُرَدَّ الرُّوحُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ. (وَسُؤَالَ الْمَلَكَيْنِ) مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لِلْمَقْبُورِ بَعْدَ رَدِّ رُوحِهِ إلَيْهِ عَنْ رَبِّهِ وَدِينِهِ وَنَبِيِّهِ فَيُجِيبُهُمَا بِمَا يُوَافِقُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ إيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ وَالْحَشْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQخُوَارِزْمَ أَنَّ فُلَانًا كَانَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ بِخُوَارِزْمَ وَفَرْضَهُ بِمَكَّةَ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَهُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَلِلْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ) فِي تَكْفِيرِهِمْ بِهِ نِزَاعٌ ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا (قَوْلُهُ: لِانْعِزَالِهِ عِنْدَهُمْ بِالْجَوْرِ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يَنْعَزِلُ الْإِمَامُ بِالْفِسْقِ وَالْجَوْرِ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ الْفِسْقُ وَانْتَشَرَ الْجَوْرُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّلَفُ كَانُوا يَنْقَادُونَ لَهُمْ وَيُقِيمُونَ الْجُمَعَ وَالْأَعْيَادَ بِإِذْنِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَعْتَقِدُ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ) أَيْ وَكَذَا نَعِيمُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ عَامَّةِ أَهْلِ الْقُبُورِ كُفَّارٌ وَعُصَاةٌ فَكَانَ التَّعْذِيبُ بِالذِّكْرِ أَجْدَرُ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْقَبْرِ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَقْبُورِ كَالْغَرِيقِ وَالْمَأْكُولِ فِي بُطُونِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَصْلُوبِ فِي الْهَوَاءِ كَذَلِكَ وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي عَجَائِبِ مُلْكِهِ وَمَلَكُوتِهِ لَمْ يَسْتَبْعِدْ ذَلِكَ قَالَ السَّعْدُ وَقَدْ أَنْكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَقَالُوا لِأَنَّ الْمَيِّتَ جَمَادٌ لَا حَيَاةَ لَهُ فَتَعْذِيبُهُ مُحَالٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا نَوْعًا مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرَ مَا يُدْرِكُ أَلَمَ الْعَذَابِ أَوْ لَذَّةَ النَّعِيمِ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ إعَادَةَ الرُّوحِ إلَى بَدَنِهِ وَلَا أَنْ يَتَحَرَّك وَيَضْطَرِبَ أَوْ يُرَى أَثَرُ الْعَذَابِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تُرَدَّ الرُّوحُ إلَخْ) فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ لِلرُّوحِ مَعَ الْبَدَنِ وَكَذَا النَّعِيمُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ لِلرُّوحِ وَقَالَ الْكَرَّامِيَّةُ وَالصَّالِحِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ يَجُوزُ التَّعْذِيبُ بِدُونِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْإِدْرَاكِ وَقَالَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيُّ إنَّ الْحَيَاةَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ مَيِّتٍ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ ضِدَّ الْحَيَاةِ بَلْ هُوَ آفَةٌ كُلِّيَّةٌ مُعْجِزَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ وَالِاخْتِيَارِيَّة غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِلْعِلْمِ وَالْكُلُّ لَا يُوَافِقُ أُصُولَ أَهْلِ الْحَقِّ قَالَهُ السَّعْدُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الرُّوحَ تُرَدُّ لِلْبَدَنِ كُلِّهِ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الرُّوحُ تَعُودُ لِلنِّصْفِ الْأَعْلَى فَقَطْ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هِيَ حَيَاةٌ لَا تَنْفِي إطْلَاقَ اسْمِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ فَهِيَ أَمْرٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ كَتَوَسُّطِ النَّوْمِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ تَلَاشَتْ أَجْزَاؤُهُ (قَوْلُهُ: مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ) بِفَتْحِ كَافِ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ كَافِ الثَّانِي عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَالثَّانِي فَعِيلٌ إمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِمَا قِيلَ إنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَوَّلِ الْكَسْرُ لِإِنْكَارِهِ عَلَى الْعَاصِي وَعِلَّةُ الْفَتْحِ أَنَّ صُورَتَهُمَا لَا تُشْبِهُ خَلْقَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا الْمَلَائِكَةَ وَلَا الطَّيْرَ وَلَا الْبَهَائِمَ وَلَا الْهَوَامَّ بَلْ هُمَا خَلْقٌ بَدِيعٌ لَيْسَ خَلْقُهُمَا أُنْسًا لِلنَّاظِرِينَ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَذْكِرَةً لِلْمُؤْمِنِ وَهَتْكًا لِسَتْرِ الْمُنَافِقِ وَهُمَا لِلْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: هُمَا لِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُوَفَّقُ فَإِنَّهُمَا مَلَكَانِ اسْمُ أَحَدِهِمَا بَشِيرٌ وَالْآخَرُ مُبَشِّرٌ قِيلَ وَمَعَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ نَاكُورٌ وَيَجِيءُ قَبْلَهُمَا مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ رُومَانُ وَحَدِيثُهُ قِيلَ مَوْضُوعٌ وَقِيلَ: فِيهِ لِينٌ وَلَمْ يَثْبُتْ حُضُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رُؤْيَةُ الْمَيِّتِ لَهُ عِنْدَ السُّؤَالِ نَعَمْ ثَبَتَ حُضُورُ إبْلِيسَ فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْقَبْرِ مُشِيرًا إلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْمَلَكِ لِلْمَيِّتِ مَنْ رَبُّك مُسْتَدْعِيًا مِنْهُ جَوَابَهُ بِهَذَا رَبِّي (قَوْلُهُ: مِنْ إيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَمْهِيدِهِ الْكَافِرُ لَا يُسْأَلُ وَإِنَّمَا يُسْأَلُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ (قَوْلُهُ: وَالْحَشْرُ) هُوَ الْجَمْعُ لِلْعَرْضِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ بِأَنْ يُحْيِيَهُمْ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وُجُودًا وَهُوَ مَعْنَى النَّشْرِ قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ وَأَمَّا الْمَعَادُ الرُّوحَانِيُّ أَعْنِي الْتِذَاذَ

لِلْخَلْقِ بِأَنْ يُحْيِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ فَنَائِهِمْ وَيَجْمَعَهُمْ لِلْعَرْضِ وَالْحِسَابِ (وَالصِّرَاطَ) وَهُوَ جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ يَمُرُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ فَتَجُوزُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَتَزِلُّ بِهِ أَقْدَامُ أَهْلِ النَّارِ (وَالْمِيزَانَ) وَلَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ يُعْرَفُ بِهِ مَقَادِيرُ الْأَعْمَالِ بِأَنْ تُوزَنَ صُحُفُهَا بِهِ (حَقٌّ) لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47] {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ وَمَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَقَالَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّفْسِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ وَتَأَلُّمَهَا بِاللَّذَّاتِ وَالْآلَامِ الْعَقْلِيَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِاعْتِقَادِهِ وَلَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ وَلَا مَنْعَ عَقْلِيًّا وَلَا شَرْعِيًّا مِنْ إثْبَاتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ أَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْمَعَادِ الرُّوحَانِيِّ وَالْجُسْمَانِيِّ مَعًا فَقَدْ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالشَّرِيعَةِ فَقَالُوا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى أَنَّ سَعَادَةَ الْأَرْوَاحِ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ وَأَنَّ سَعَادَةَ الْأَجْسَامِ فِي إدْرَاكِ الْمَحْسُوسَاتِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ السَّعَادَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ اسْتِغْرَاقِهِ فِي تَجَلِّي أَنْوَارِ عَالَمِ الْقُدْسِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى شَيْءٍ مِنْ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَمَعَ اسْتِغْرَاقِهِ فِي اسْتِيفَاءِ هَذِهِ اللَّذَّاتِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى اللَّذَّاتِ الرُّوحَانِيَّةِ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ هَذَا الْجَمْعُ لِكَوْنِ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ ضَعِيفَةً فِي هَذَا الْعَالَمِ فَإِذَا فَارَقَتْهُ بِالْمَوْتِ وَاسْتَمَدَّتْ مِنْ عَالَمِ الْقُدْسِ قَوِيَتْ وَكَمُلَتْ فَإِذَا أُعِيدَتْ إلَى الْأَبَدَانِ مَرَّةً ثَانِيَةً كَانَتْ قَوِيَّةً قَادِرَةً عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى مِنْ مَرَاتِبِ السَّعَادَاتِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَالصِّرَاطُ) بِالصَّادِ وَبِالسِّينِ، وَفِي وُجُودِهِ الْآنَ أَوْ أَنَّهُ سَيُوجَدُ تَرَدُّدٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ جِسْرٌ مَمْدُودٌ) أَفَادَ الشَّعْرَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُوَصِّلُ إلَى الْجَنَّةِ حَقِيقَةً بَلْ لِمَرْجِهَا الَّذِي فِيهِ الدَّرَجُ الْمُوَصِّلُ لَهَا حَيْثُ الْحَوْضُ. قَالَ وَيُوضَعُ لَهُمْ هُنَاكَ مَأْدُبَةٌ أَيْ وَلِيمَةٌ وَيَقُومُ أَحَدُهُمْ فَيَتَنَاوَلُ مِمَّا تَدَلَّى هُنَاكَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ: أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ إلَخْ) نَازَعَ فِيهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ يُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْمِيزَانُ) قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ كِفَّةُ الْحَسَنَاتِ نُورٌ وَكِفَّةُ السَّيِّئَاتِ ظُلْمَةٌ وَقِيلَ: الْوَزْنُ فِي الْآخِرَةِ عَكْسُ الْوَزْنِ فِي الدُّنْيَا فَيَصْعَدُ الرَّاجِحُ وَهُوَ غَرِيبٌ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَجَمَعَهُ فِي الْآيَةِ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ نَظَرًا لِأَفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ وَهَلْ مَوْجُودٌ الْآنَ أَوْ سَيُوجَدُ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَنِعْمَ مَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ لَيْسَ عَلَيْنَا الْبَحْثُ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ بَلْ نُؤْمِنُ بِهِ وَنُفَوِّضُ كَيْفِيَّتَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ الْإِيمَانُ بِالْمِيزَانِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ قِوَامُ النَّفْسِ بِجَوْهَرِهَا وَاسْتِغْنَائِهَا عَنْ الْجَسَدِ فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لَأَنْ تَنْكَشِفَ لَهَا حَقَائِقُ الْأُمُورِ وَتَعَلُّقُهَا بِالْبَدَنِ كَالْحِجَابِ لَهَا عَنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَنْكَشِفُ الْغِطَاءُ وَتَنْجَلِي حَقَائِقُ الْأُمُورِ قَالَ تَعَالَى {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] اهـ. (قَوْلُهُ: يُعْرَفُ بِهِ أَيْ) إلْزَامًا لِلْحُجَّةِ لِلْخَلْقِ وَإِظْهَارًا لِلْعَدْلِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ تُوزَنَ) وَقِيلَ: تُصَوَّرُ أَعْمَالُ الْمُطِيعِينَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَأَعْمَالُ الْعَاصِينَ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ ثُمَّ تُوزَنُ وَفِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي الْمَوَازِينِ كُتُبُ الْأَعْمَالِ وَآخِرُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ قَوْلُ الْعَبْدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكِفَّةُ مِيزَانِ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَكُلُّ ذِكْرٍ وَعَمَلٍ يَدْخُلُ الْمِيزَانَ إلَّا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ عَمَلِ خَيْرٍ لَهُ مُقَابِلٌ مِنْ ضِدِّهِ لِيُجْعَلَ هَذَا الْخَيْرُ فِي مُوَازَنَتِهِ وَلَا تُقَابَلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَّا الشِّرْكُ وَلَا يَجْتَمِعُ تَوْحِيدٌ وَشِرْكٌ فِي مِيزَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُعْتَقِدًا لَهَا فَمَا أَشْرَكَ وَإِنْ أَشْرَكَ فَمَا اعْتَقَدَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِكَلِمَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَا يُعَادِلُهَا فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى وَلَا يَرْجَحُهَا شَيْءٌ فَلِهَذَا لَا تَدْخُلُ الْمِيزَانَ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَوَازِينَ إلَّا أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ فَلَا تَدْخُلُ الْمِيزَانَ الْمَحْسُوسَ لَكِنْ يُقَامُ فِيهَا الْعَدْلُ وَهُوَ الْمِيزَانُ الْحُكْمِيُّ الْمَعْنَوِيُّ فَمَحْسُوسٌ لِمَحْسُوسٍ وَمَعْنًى لِمَعْنًى يُقَابَلُ كُلُّ شَيْءٍ بِمِثْلِهِ وَلِهَذَا تُوزَنُ الْأَعْمَالُ

وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إلَى أَنْ قَالَ وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي» إلَخْ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ رَبِّي اللَّهُ وَدِينِي الْإِسْلَامُ وَالرَّجُلُ الْمَبْعُوثُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ الْكَافِرُ فِي الثَّلَاثِ لَا أَدْرِي» . وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَلِلْآخِرِ النَّكِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ فَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ «تُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً مُشَاةً عُرَاةً غُرْلًا» أَيْ غَيْرُ مُخْتَتَنِينَ وَأَحَادِيثُ «يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ وَمُرُورُ الْمُؤْمِنِينَ مُتَفَاوِتِينَ وَأَنَّهُ مَزِلَّةٌ أَيْ تَزِلُّ بِهِ أَقْدَامُ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا» وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «بَلَغَنِي أَنَّهُ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ» وَرَوَى الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ «يُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّتَيْ الْمِيزَانِ» إلَخْ (وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ الْيَوْمَ) يَعْنِي قَبْلَ يَوْمِ الْجَزَاءِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ نَحْوِ {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] وَقِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِي إسْكَانِهِمَا الْجَنَّةَ وَإِخْرَاجِهِمَا مِنْهَا بِالزَّلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَيْثُ مَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: فَيُقْعِدَانِهِ) أَيْ بِإِقْلَاقٍ وَانْتِهَارٍ وَإِزْعَاجٍ فِي غَيْرِ الْمُؤْمِنِ أَمَّا هُوَ فَيَرْفُقَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ إذَا وُفِّقَ لِلْجَوَابِ نِمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إلَّا أَحَبُّ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَمَّا صُورَتُهُمَا فَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يَرَاهُمَا عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ قِيلَ إنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ وَالْآخَرَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَاَلَّذِي يُبَاشِرُ السُّؤَالَ هُوَ الْوَاقِفُ مِنْ جِهَةِ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْأَلُ بِلِسَانِهِ وَقِيلَ: يَسْأَلُ بِالسُّرْيَانِيِّ وَأَنَّ السُّؤَالَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَنَّهُ يَسْأَلُ ثَلَاثًا وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ إنَّ الْمُؤْمِنَ يُسْأَلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْكَافِرُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا قَالَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ وَقْتِ السُّؤَالِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الدَّفْنِ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ) أُخِذَ مِنْهُ حُضُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ السُّؤَالِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فَالْإِشَارَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعْهُودِ ذِهْنًا (قَوْلُهُ: وَمَا هَذَا الرَّجُلُ) قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَلَكَانِ يَقُولَانِ لِلْمَيِّتِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ تَعْظِيمٍ وَلَا تَفْخِيمٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمَلَكَيْنِ الْفِتْنَةُ لِيَتَمَيَّزَ الصَّادِقُ فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْمُرْتَابِ إذْ الْمُرْتَابُ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يَدَّعِيهِ فِي رِسَالَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَلَكُ يُنْبِئُ عَنْهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْكِنَايَةِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي فَيَشْقَى شَقَاءَ الْأَبَدِ اهـ. مِنْ الْيَوَاقِيتِ وَالْجَوَاهِرِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي قَبْلَ يَوْمِ الْجَزَاءِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ الدُّنْيَا لَا الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَا الْيَوْمُ الْمُقَابِلُ لِلَّيْلَةِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا أَهْلِ الْكَشْفِ وَالتَّعْرِيفِ أَنَّهُمَا يَعْنِي الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ غَيْرُ مَخْلُوقَتَيْنِ فَأَمَّا قَوْلُنَا مَخْلُوقَتَانِ فَكَرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ دَارًا فَأَقَامَ حِيطَانَهَا كُلَّهَا الْمُحْتَوِيَةَ عَلَيْهَا خَاصَّةً فَيُقَالُ قَدْ بَنَى دَارًا فَإِذَا دَخَلَهَا لَمْ يَرَ الْأَسْوَارَ دَائِرًا عَلَى فَضَاءٍ وَسَاحَةٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْنِي بُيُوتَهَا عَلَى أَغْرَاضِ السَّاكِنِينَ فِيهَا مِنْ بُيُوتٍ وَغُرَفٍ إلَخْ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِمَّا يُرِيدُهُ السَّاكِنُ اهـ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ أَنَّهُ مَا أَنْزَلَ أَهْلَ النَّارِ إلَّا عَلَى أَعْمَالِهِمْ خَاصَّةً وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88] فَذَلِكَ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهُمْ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] وَأَدْخَلُوا عَلَيْهِمْ الشُّبَهَ الْمُضِلَّةَ فَحَادُوا بِهَا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ فَمَا نَزَلُوا مِنْ الْمَنَازِلِ إلَّا مَنَازِلَ اسْتِحْقَاقٍ بِخِلَافِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِنَّهُمْ أُنْزِلُوا فِيهَا مَنَازِلَ اسْتِحْقَاقٍ بِأَعْمَالِهِمْ مِثْلَ الْكُفَّارِ وَمَنَازِلَ وِرَاثَةٍ وَمَنَازِلَ اخْتِصَاصٍ (قَوْلُهُ: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ إلَخْ) فَإِنَّ صِيغَةَ الْمُضِيِّ فِيهَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمَا مَخْلُوقَتَيْنِ فِيمَا مَضَى وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ الِاسْتِقْبَالِيِّ كَمَا فِي {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] لَا قَرِينَةً عَلَيْهِ بِخِلَافِ وَنَادَى. (قَوْلُهُ: وَقِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَحَمْلُهَا عَلَى بُسْتَانٍ مِنْ بَسَاتِينِ الدُّنْيَا يَجْرِي مَجْرَى التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ وَالْمُرَاغَمَةِ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا قَائِلَ بِخَلْقِ الْجَنَّةِ

وَزَعَمَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمَا إنَّمَا يُخْلَقَانِ يَوْمَ الْجَزَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ النَّارِ فَثُبُوتُهَا ثُبُوتُهَا (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ) تَمَسَّكُوا بِأَدِلَّةٍ رَكِيكَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ عَلَى الْأَفْلَاكِ وَامْتِنَاعِ الْخَلَاءِ مِنْ الْأُصُولِ الْفَلْسَفِيَّةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي تَعْيِينِ مَكَانِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَتَحْتَ الْعَرْشِ تَشَبُّثًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 15] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَقْفُ الْجَنَّةِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَالنَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ» وَالْحَقُّ تَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَى عِلْمِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ اهـ. وَمِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُ بَعْضِ حَوَاشِي جَلَالِ الدِّينِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ إذَا كَانَتْ الْجَنَّةُ هُنَاكَ يَعْنِي فَوْقَ السَّمَوَاتِ فَأَيْنَ النَّارُ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ الْجَنَّةُ فِيمَا يَلِي سَمْتَ رُءُوسِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَالنَّارُ فِيمَا يَلِي سَمْتَ قَدَمِهِمْ وَبِحَمْلِ الْأَرَضِينَ بِمَعْنَى السُّفْلَيَاتِ مِنْ الْأَرْضِ وَسَائِرِ الْعَنَاصِرِ وَالْأَفْلَاكِ السَّبْعَةِ الْكُرِّيَّةِ مِمَّا يَلِي سَمْتَ قَدَمِهِمْ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ إشْكَالٌ قَوِيٌّ هُوَ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ كُرِّيَّةً وَلَا فِي كَوْنِ الْأَرْضِ فِي الْوَسَطِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَرْصَادُ وَالْخَسُوفَاتُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ فَلَا تَكُونُ النَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ وَإِلَّا لَكَانَتْ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَفَلَكِ الْقَمَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي بَعْضِ الْآثَارِ لَوْ أَنَّ شَرَارَةً مِنْهَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَأَحْرَقَتْ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا اهـ. وَلَا يَخْفَاك أَنَّ هَذَا كَلَامُ مَنْ تَشَبَّثَ بِقَوَاعِد الْفَلَاسِفَةِ فِي تَقْرِيرِ الشَّرْعِيَّاتِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ نَوَّرَ اللَّهُ ضَرِيحَهُ وَتَحْكِيمُ الْعُقُولِ فِي عَالَمِ الْمَلَكُوتِ يُفْضِي إلَى تَوَارُدِ الشُّبَهِ وَيُوقِعُ فِي الزَّلَلِ عَصَمَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ وَمَا فِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى صُورَةِ الْجَامُوسِ قَالَ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّالِعَ وَقْتَ خَلْقِهَا كَانَ الثَّوْرَ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ فِيهَا الْآلَامُ مِنْ جُوعٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ تَجَلِّي قَوْله تَعَالَى «مَرِضْت فَلَمْ تَعْدُنِي وَجُعْت فَلَمْ تُطْعِمْنِي وَظَمِئْتُ فَلَمْ تَسْقِنِي» اهـ. يَعْنِي: مَا يُفْعَلُ لِأَجْلِهِ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ مِمَّا لَا يَفْهَمُهُ إلَّا مَنْ ذَاقَ مَذَاقَهُمْ نَعَمْ قَوْلُهُ لَيْسَ بِنَفْسِ جَهَنَّمَ وَلَا خَزَنَتِهَا أَلَمٌ بَلْ حُكْمُهُمْ كَغَيْرِهِمْ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] وَقَوْلُهُ إنَّ مَثَلَ الْجَنَّةِ الْآنَ كَمَدِينَةٍ بُنِيَ سُورُهَا وَلَمْ تَكْمُلْ بُيُوتُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَلِذَلِكَ وَرَدَ مَنْ فَعَلَ كَذَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ اهـ. مِمَّا نَعْقِلُهُ وَنَفْهَمُهُ وَفِي الْفُتُوحَاتِ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ كَانَ زُحَلُ فِي الثَّوْرِ وَكَانَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي الْقَوْسِ وَكَانَتْ سَائِرُ الدَّرَارِيِّ فِي الْجَدْيِ اهـ. وَلَا يَخْفَاك أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَرِيحٌ فِي تَقَدُّمِ خَلْقِ الْأَفْلَاكِ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ عَذَابَ أَهْلِ جَهَنَّمَ مَا هُوَ مِنْهَا وَإِنَّمَا هِيَ دَارُ سُكْنَاهُمْ وَسِجْنُهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِمْ أَنْوَاعَ الْعَذَابِ مَتَى شَاءَ فَعَذَابُهُمْ مِنْ اللَّهِ وَهِيَ مَحَلٌّ لَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ دُخُولِ الْخَلْقِ فِيهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا فِيهَا فَلَا أَلَمَ فِيهَا فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي نَفْسِ مَلَائِكَتِهَا بَلْ هِيَ وَمَنْ فِيهَا مِنْ زَبَانِيَتِهَا فِي رَحْمَةِ اللَّهِ مُتَنَعِّمُونَ مُتَلَذِّذُونَ وَحَدُّهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحِسَابِ مِنْ مُقَعَّرِ فَلَكِ الثَّوَابِتِ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إذَا رَأَى الْبَحْرَ يَا بَحْرُ مَتَى تَعُودُ نَارًا وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] أَيْ أُجِّجَتْ نَارًا مِنْ سَجَرْت التَّنُّورَ إذَا أَوْقَدْته وَمِنْ هُنَا كَرِهَ ابْنُ عُمَرَ الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَقَالَ التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهُ وَلَوْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ الْيَوْمَ لَرَأَوْهُ نَارًا يَتَأَجَّجُ. اهـ. مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْجَنَّةُ نَوْعَانِ جَنَّةٌ مَحْسُوسَةٌ وَجَنَّةٌ مَعْنَوِيَّةٌ وَالْعَقْلُ يَعْقِلُهُمَا مَعًا وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ الْمَحْسُوسَةَ بِطَالِعِ الْأَسَدِ وَخَلَقَ الْجَنَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ رُوحُ هَذِهِ الْجَنَّةِ الْمَحْسُوسَةِ مِنْ الْفَرَحِ الْأَكْبَرِ مِنْ صِفَةِ الْكَمَالِ وَالِابْتِهَاجِ وَالسُّرُورِ فَكَانَتْ الْجَنَّةُ الْمَحْسُوسَةُ كَالْجِسْمِ وَالْجَنَّةُ الْمَعْقُولَةُ كَالرُّوحِ وَقُوَاهُ وَلِهَذَا سَمَّاهَا الْحَقُّ تَعَالَى الدَّارَ الْحَيَوَانَ لِحَيَاتِهَا. وَأَهْلُهَا يَتَنَعَّمُونَ بِهَا

(وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ نَصْبُ إمَامٍ) يَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ وَقَهْرِ الْمُتَغَلِّبَةِ وَالْمُتَلَصِّصَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَصْبِهِ حَتَّى جَعَلُوهُ أَهَمَّ الْوَاجِبَاتِ وَقَدَّمُوهُ عَلَى دَفْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَلَى ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ مَنْ يُنْصَبُ (مَفْضُولًا) فَإِنَّ نَصْبَهُ يَكْفِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّصْبِ وَقِيلَ: لَا بَلْ يَتَعَيَّنُ نَصْبُ الْفَاضِلِ وَذَهَبَتْ الْخَوَارِجُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَصْبُ إمَامٍ وَالْإِمَامِيَّةُ إلَى وُجُوبِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQحِسًّا وَمَعْنًى اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ) أَيْ شَرْعًا لَا عَقْلًا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمَّا عَامَّتُهُمْ فَمُوَافِقُونَ لَنَا وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْخَوَارِجِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَيَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الظُّلْمِ وَبَعْضٌ مِنْهُمْ يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَدْلِ لِإِظْهَارِ شَعَائِرِ الشَّرْعِ لَا عِنْدَ ظُهُورِ الظُّلْمِ؛ لِأَنَّ الظَّلَمَةَ رُبَّمَا لَمْ يُطِيعُوهُ وَيَصِيرُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْفِتَنِ (قَوْلُهُ: عَلَى النَّاسِ) أَيْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ. وَالْآحَادُ تَبَعٌ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ وَلَا اتِّفَاقٍ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ بَلْ لَوْ تَعَلَّقَ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ بِوَاحِدٍ يُطَاعُ كَفَتْ بَيْعَتُهُ (قَوْلُهُ: نَصْبُ إمَامٍ) مِنْ الْإِمَامَةِ وَهِيَ رِيَاسَةٌ عَامَّةٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا خِلَافَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا الْقَيْدِ خَرَجَتْ النُّبُوَّةُ وَبِقَيْدِ الْعُمُومِ خَرَجَ مِثْلُ الْقَضَاءِ وَالرِّيَاسَةِ فِي بَعْضِ النَّوَاحِي وَكَذَا رِيَاسَةُ مَنْ جَعَلَهُ الْإِمَامُ نَائِبًا عَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَنَصْبُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ دُونَ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَلَكِنْ لَمَّا شَاعَتْ بَيْنَ النَّاسِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ اعْتِقَادَاتٌ فَاسِدَةٌ وَاخْتِلَافَاتٌ لَا سِيَّمَا مِنْ فِرَقِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَمَالَتْ كُلُّ فِئَةٍ إلَى تَعَصُّبَاتٍ تَكَادُ تُفْضِي إلَى رَفْضِ كَثِيرٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَبَعْضِ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَدْحِ فِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ وَأَفْضَلِيَّتِهِمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ أَلْحَقَ الْمُتَكَلِّمُونَ مَبْحَثَ الْإِمَامَةِ بِمَبَاحِثِ عِلْمِ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمُوهُ عَلَى دَفْنِهِ) تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ رَبَّ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ لَا بُدَّ لِهَذَا الْأَمْرِ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ فَانْظُرُوا وَهَاتُوا آرَاءَكُمْ رَحِمَكُمْ اللَّهُ فَتَبَادَرَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَقَالُوا صَدَقْت وَلَكِنَّا نَنْظُرُ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا أَوْ مَفْضُولًا وَتَقْدِيمُ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ قَبِيحٌ عَقْلًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ} [يونس: 35] الْآيَةَ وَالْمَسَاوِئُ لَا تَرْجِيحَ لَهُ فَيَسْتَحِيلُ تَقْدِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَهُوَ دَلِيلٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ لَا يَحْتَاجُ لِبَيَانٍ (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامِيَّةُ) فِرْقَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ فَإِنَّهُمْ تَفَرَّقُوا فَرِقًّا كَالْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ تَكَفَّلَ الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ بِبَيَانِ مَذَاهِبِهِمْ وَذُكِرَتْ آخِرَ الْمَوَاقِفِ بِاخْتِصَارٍ وَكَانَ نَصِيرُ الدِّينِ الطُّوسِيُّ إمَامِيًّا وَلِذَلِكَ لَوَّثَ كِتَابَهُ مَتْنَ التَّجْرِيدِ بِمَا خَتَمَهُ بِهِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ وَالتَّكَلُّمِ فِي حَقِّ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِمَنَاصِبِهِمْ الْعَالِيَةِ وَكُنْت رَأَيْت فِي حَاشِيَةٍ لِبَعْضِ فُضَلَاءِ الرُّومِ مُكْتَتَبَةً عَلَى خُطْبَتِهِ أَنَّ بَعْضَ شُرَّاحِ ذَلِكَ الْمَتْنِ نَقَلَ عَنْ وَلَدِ النَّصِيرِ أَصِيلِ الدِّينِ أَنَّ وَالِدَهُ وَصَلَ فِيهِ إلَى مَبْحَثِ الْإِمَامَةِ وَمَاتَ فَأَكْمَلَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيِّ وَقَدْ كَانَ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ فَذَكَرَ هَذِهِ الْمَطَاعِنَ وَيَخْدِشُ هَذَا النَّقْلَ مَا رَأَيْته فِي كَثِيرٍ مِنْ التَّوَارِيخِ أَنَّ النَّصِيرَ أَلَّفَ التَّجْرِيدَ أَهْدَاهُ لِلْمُعْتَصِمِ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ فَلَمْ يَحْتَفِلْ بِهِ وَأَلْقَاهُ فِي الدِّجْلَةِ فَلَمَّا قَدِمَ هُولَاكُو إلَى بَغْدَادَ لِحَرْبِ الْخَلِيفَةِ صَحِبَهُ النَّصِيرُ وَأَغْرَاهُ عَلَى قَتْلِ الْخَلِيفَةِ وَبَقِيَ النَّصِيرُ مَعَ هُولَاكُو إلَى بَعْدِ ذَلِكَ مُدَّةً مَعَ مَزِيدِ الرِّفْعَةِ وَعُلُوِّ الشَّأْنِ حَتَّى مَاتَ. (قَوْلُهُ: إلَى وُجُوبِهِ عَلَى اللَّهِ) قَالُوا إنَّ الْإِمَامَ لُطْفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ عِبَادِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُمْ

(وَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ خَالِقُ الْخَلْقِ فَكَيْفَ يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ يَتَرَتَّبُ الذَّمُّ بِتَرْكِهَا مِنْهَا الْجَزَاءُ أَيْ الثَّوَابُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِقَابُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِنْهَا اللُّطْفُ بِأَنْ يَفْعَلَ بِعِبَادِهِ مَا يُقَرِّبُهُمْ إلَى الطَّاعَةِ وَيُبْعِدُهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهُونَ إلَى حَدِّ الْإِلْجَاءِ وَمِنْهَا الْأَصْلَحُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQرَئِيسٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْوَاجِبَاتِ كَانُوا مَعَهُ أَقْرَبَ إلَى الطَّاعَاتِ وَأَبْعَدَ عَنْ الْمَعَاصِي مِنْهُمْ بِدُونِهِ وَاللُّطْفُ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ نَصْبَ الْإِمَامِ إنَّمَا يَكُونُ لُطْفًا دَاخِلًا عَنْ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ وَتَرْكَ الْحَرَامِ مَعَ عَدَمِ الْإِمَامِ أَكْثَرُ ثَوَابًا لِكَوْنِهِمَا أَقْرَبَ إلَى الْإِخْلَاصِ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ كَوْنِهِمَا مِنْ خَوْفِ الْإِمَامِ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَجِبُ لَوْ لَمْ يَقُمْ لُطْفٌ آخَرُ مَقَامَهُ كَالْعِصْمَةِ مَثَلًا. لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَمَانٌ تَكُونُ النَّاسُ فِيهِ مَعْصُومِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ الْإِمَامِ وَأَيْضًا إنَّمَا يَكُونُ لُطْفًا إذَا كَانَ الْإِمَامُ ظَاهِرًا قَاهِرًا زَاجِرًا عَنْ الْقَبَائِحِ قَادِرًا عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِعْلَاءِ لِوَاءِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ عِنْدَكُمْ فَالْإِمَامُ الَّذِي ادَّعَيْتُمْ وُجُودَهُ لَيْسَ بِلُطْفٍ وَاَلَّذِي هُوَ لُطْفٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ لِلتَّجْرِيدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّبِّ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] وَقَوْلُهُ {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. إذْ ذَاكَ إحْسَانٌ وَتَفْضِيلٌ لَا إيجَابٌ وَإِلْزَامٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ وَعْدِهِ بِذَلِكَ {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 9] قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ الْوَاجِبُ إمَّا عِبَارَةٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ الذَّمَّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ مَا تَرْكُهُ مُخِلٌّ بِالْحِكْمَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضٌ آخَرُ أَوْ مَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا يَتْرُكَهُ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ جَائِزًا كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ظَوَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 26] «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَاكِيًا عَنْ اللَّهِ يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي» . وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي مُلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ فَلَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الذَّمُّ أَصْلًا عَلَى فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ بَلْ هُوَ الْمَحْمُودُ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ وَكَذَا الثَّانِي لَا نُسَلِّمُ إجْمَالًا بِأَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ وَالْمَصَالِحَ وَلَا يُحِيطُ عِلْمُنَا بِحِكْمَتِهِ وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْتِزَامَ رِعَايَةِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] وَكَذَا الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ بِامْتِنَاعِ صُدُورِ خِلَافٍ عَنْهُ تَعَالَى فَهُوَ يُنَافِي مَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ جَوَازِ التَّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَاتَ مَعْنَى الْوُجُوبِ إذْ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُحَصِّلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتْرُكُهُ عَلَى طَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْوُجُوبِ فِي شَيْءٍ بَلْ يَكُونُ إطْلَاقُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ مُجَرَّدَ اصْطِلَاحٍ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا اللُّطْفُ إلَخْ) اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ تَرْكَ اللُّطْفِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ غَرَضِ التَّكْلِيفِ فَيَكُونُ اللُّطْفُ وَاجِبًا وَإِلَّا لَزِمَ مِنْ الْغَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلِّفَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يُطِيعُ إلَّا بِاللُّطْفِ فَلَوْ كَلَّفَهُ بِدُونِهِ يَكُونُ نَاقِضًا لِغَرَضِهِ وَكَمَنْ دَعَا غَيْرَهُ إلَى طَعَامِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ إلَّا بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ نَوْعًا مِنْ التَّأَدُّبِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ الدَّاعِي ذَلِكَ التَّأَدُّبَ كَانَ نَاقِضًا لِغَرَضِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ أَفْعَالِهِ تَعَالَى مُعَلَّلَةً بِالْأَغْرَاضِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمْ وَهُوَ بَاطِلٌ وَبَعْدَ التَّنَزُّلِ يُقَالُ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الطَّاعَةُ وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ وَمَا يُقَرِّبُ إلَى الطَّاعَةِ وَيُبْعِدُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْأَصْلَحُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا إلَخْ) ذَهَبَ مُعْتَزِلَةُ الْبَصْرَةِ إلَى وُجُوبِ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ فَقَطْ وَذَهَبَ مُعْتَزِلَةُ بَغْدَادَ إلَى وُجُوبِ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ الْأَصْلَحُ فِي الْحِكْمَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ

مِنْ حَيْثُ: الْحِكْمَةُ وَالتَّدْبِيرُ. (وَالْمَعَادُ الْجُسْمَانِيُّ) أَيْ عَوْدُ الْجِسْمِ (بَعْدَ الْإِعْدَامِ) بِأَجْزَائِهِ وَعَوَارِضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوَافِقُ هَذَا مَعَ مُلَاحَظَةِ مَعْطُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَالدِّينِ إلَّا أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ بِحَالٍ تَدَبَّرْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَعَمْرِي إنَّ مَفَاسِدَ هَذَا الْأَصْلِ أَعْنِي وُجُوبَ الْأَصْلَحِ بَلْ مَفَاسِدَ أَكْثَرِ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَذَلِكَ لِقُصُورِ نَظَرِهِمْ فِي الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَرُسُوخِ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ فِي طِبَاعِهِمْ. وَغَايَةُ مُتَشَبَّثِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ الْأَصْلَحِ يَكُونُ بُخْلًا وَسَفَهًا وَجَوَابُهُ أَنَّ مَنْعَ مَا يَكُونَ حَقُّ الْمَانِعِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ كَرْمُهُ وَحِكْمَتُهُ وَعِلْمُهُ بِالْعَوَاقِبِ يَكُونُ مَحْضَ عَدْلٍ وَحِكْمَةٍ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ إنَّ الْمُعْتَزِلَةَ إذَا طُولِبُوا بِتَحْقِيقِ وُجُوبِ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَمْ يَرْجِعُوا إلَى شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ رَأْيٌ اسْتَحْسَنُوهُ مِنْ مُقَايَسَةِ الْخَلْقِ عَلَى الْخَالِقِ وَمُشَابَهَةِ حِكْمَتِهِ بِحِكْمَتِهِمْ وَمُسْتَحْسَنَاتُ الْعُقُولِ آرَاءٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تُنْتِجُ نَتَائِجَ يَشْهَدُ الْقُرْآنُ بِفَسَادِهَا كَهَذِهِ الْمُقَابَلَةِ فَإِنِّي إذَا وَزَنْتُهَا بِمِيزَانِ التَّلَازُمِ قُلْت لَوْ كَانَ الْأَصْلَحُ وَاجِبًا عَلَى اللَّهِ لَفَعَلَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلِمَ يَكُونُ وَاجِبًا فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ قُلْنَا الْأَصْلَحُ بِالْخَلْقِ أَنْ يَكُونُوا فِي الْجَنَّةِ وَتَرَكَهُمْ فِيهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْأَصَحَّ بِزَعْمِكُمْ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِمَا هَذَا خُلَاصَتُهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَوْدُ الْجِسْمِ إلَخْ) بِأَنْ يُعَادَ الْجِسْمُ الْمَعْدُومُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوْ بِجَمْعِ أَجْزَائِهِ الْمُتَفَرِّقَةِ كَمَا كَانَتْ أَوَّلًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ إعَادَةَ الْمَعْدُومِ نَفْسِهِ مُوَافَقَةً لِلْفَلَاسِفَةِ (قَوْلُهُ: بِأَجْزَائِهِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا تَرِدُ شُبْهَةُ مُنْكِرِيهِ بِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا وَصَارَ غِذَاءً لَهُ وَمِنْ أَجْزَاءِ بَدَنِهِ فَالْأَجْزَاءُ الْمَأْكُولَةُ إمَّا أَنْ تُعَادَ فِي بَدَنِ الْآكِلِ أَوْ بِدُونِ الْمَأْكُولِ وَأَيَّا مَا كَانَ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ مُعَادًا بِتَمَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِجَعْلِهَا جُزْءًا مِنْ بَدَنِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى جَعْلِهَا جُزْءًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْآكِلُ كَافِرًا وَالْمَأْكُولُ مُؤْمِنًا يَلْزَمُ تَنْعِيمُ الْأَجْزَاءِ الْعَاصِيَةِ أَوْ تَعْذِيبُ الْأَجْزَاءِ الْمُطِيعَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِعَادَةَ لِلْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ لَا الْحَاصِلَةِ بِالتَّغْذِيَةِ فَالْمُعَادُ مِنْ الْآكِلِ وَالْمَأْكُولِ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي أَوَّلِ الْفِطْرَةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ فَسَادٍ فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ تَصِيرَ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ الْغِذَائِيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ فِي الْمَأْكُولِ نُطْفَةً وَأَجْزَاءً أَصْلِيَّةً لِبَدَنٍ آخَرَ وَيَعُودُ الْمَحْذُورُ قُلْنَا الْمَحْذُورُ إنَّمَا هُوَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ لَا فِي إمْكَانِهِ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَهَا مِنْ أَنْ تَصِيرَ جُزْءًا لِبَدَنٍ آخَرَ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَصِيرَ جُزْءًا أَصْلِيًّا اهـ. مِنْ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ. وَفِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا قَوْلٌ بِالتَّنَاسُخِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ الثَّانِيَ لَيْسَ هُوَ الْأَوَّلَ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ وَأَنَّ الْجَهَنَّمِيَّ ضِرْسُهُ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَلِلتَّنَاسُخِ فِيهِ قَدَمٌ رَاسِخٌ قُلْنَا إنَّمَا يَلْزَمُ التَّنَاسُخُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَنُ الثَّانِي مَخْلُوقًا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْبَدَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ سُمِّيَ مِثْلُ ذَلِكَ تَنَاسُخًا كَانَ نِزَاعًا فِي مُجَرَّدِ الِاسْمِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى اسْتِحَالَةِ إعَادَةِ الرُّوحِ إلَى مِثْلِ هَذَا الْبَدَنِ بَلْ الْأَدِلَّةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ سَوَاءٌ سُمِّيَ تَنَاسُخًا أَوْ لَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَوَارِضِهِ) أَيْ الْمُشَخِّصَةِ لَهُ مِنْ الْكَمِّ وَالْكَيْفِ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَوْ أُعِيدَ وَقْتُ الْحُدُوثِ لَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْدُومُ مَبْدَأ لَا مُعَادًا إلَّا أَنَّ الْمُعَادَ هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْحُدُوثِ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي وَقْتِ الْحُدُوثِ فَيَكُونُ مَبْدَأ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ الْوَقْتُ الْأَوَّلُ لَمْ تَكُنْ الْإِعَادَةُ لِلْمَعْدُومِ بِعَيْنِهِ لِمَا قَالُوا إنَّ الْوَقْتَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الْمُشَخِّصَةِ لِلشَّيْءِ فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ غَيْرُ الْمَوْجُودِ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ. وَالْجَوَابُ أَنْ نَخْتَارَ أَنَّ الْوَقْتَ الْأَوَّلَ لَمْ يَعُدْ وَقَوْلُكُمْ إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ إعَادَةِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْدُومُ مُعَادًا بِعَيْنِهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى إعَادَةِ الْمَعْدُومِ بِعَيْنِهِ إعَادَةُ الْعَيْنِ بِالْمُشَخِّصَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّ زَيْدًا الْمَوْجُودَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَوْجُودُ قَبْلَهَا وَقَوْلُكُمْ إنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَخْ أَمْرٌ وَهْمِيٌّ وَالتَّغَايُرُ الَّذِي تُحْكَمُ بِهِ الضَّرُورَةُ إنَّمَا

كَمَا كَانَ (حَقٌّ) قَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] وَأَنْكَرَتْ الْفَلَاسِفَةُ إعَادَةَ الْأَجْسَامِ وَقَالُوا إنَّمَا تُعَادُ الْأَرْوَاحُ بِمَعْنَى أَنَّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْبَدَنِ تُعَادُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّجَرُّدِ مُتَلَذِّذَةً بِالْكَمَالِ أَوْ مُتَأَلِّمَةً بِالنُّقْصَانِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْإِعْدَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: لَا يُعْدَمُ الْجِسْمُ وَإِنَّمَا تُفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ (وَنَعْتَقِدُ أَنَّ خَيْرَ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَتُهُ فَعُمَرُ فَعُثْمَانُ فَعَلِيٌّ أُمَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ) لِإِطْبَاقِ السَّلَفِ عَلَى خَيْرِيَّتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ بِحَسَبِ الذِّهْنِ وَالِاعْتِبَارِ دُونَ الْخَارِجِ. وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ لَزِمَ تَبَدُّلُ الْأَشْخَاصِ بِتَبَدُّلِهِ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَعْدُومَ مُعَادٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَالشَّخْصُ الْحَاصِلُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي هُوَ الْحَاصِلُ فِي الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَعَوَارِضِهِ أَيْ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّخْصِ الْخَارِجِيِّ لَا جَمِيعِ الْعَوَارِضِ فَإِنَّ مِنْهَا الْوَقْتُ وَالْوَضْعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ وَفِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ أَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ وَمَنْ زَعَمَ خِلَافَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى السَّفْسَطَةِ وَيُحْكَى أَنَّهُ وَقَعَ هَذَا الْبَحْثُ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ سِينَا مَعَ أَحَدِ تَلَامِذَتِهِ وَكَانَ مُصِرًّا عَلَى التَّغَايُرِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُشَخِّصَةِ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَزْعُمُ فَلَا يَلْزَمُنِي الْجَوَابُ؛ لِأَنِّي غَيْرُ مَنْ كَانَ يُبَاحِثُك وَأَنْتَ أَيْضًا غَيْرُ مَنْ كَانَ يُبَاحِثُنِي فَبُهِتَ التِّلْمِيذُ وَعَادَ إلَى الْحَقِّ وَاعْتَرَفَ بِعَدَمِ التَّغَايُرِ فِي الْوَاقِعِ وَأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] تَمَامُ الْآيَةِ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى كَوْنِ الْإِعَادَةِ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتُهُ قَدِيمَةٌ لَا تَتَفَاوَتُ الْمَقْدُورَاتُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا قُلْنَا كَوْنُ الْفِعْلِ أَهْوَنَ تَارَةً يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ بِزِيَادَةِ شَرَائِطِ الْفَاعِلِيَّةِ وَتَارَةً مِنْ جِهَةِ الْقَائِلِ بِزِيَادَةِ اسْتِعْدَادَاتِ الْقَبُولِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قُدْرَةِ الْفَاعِلِ فَالْكُلُّ عَلَى السَّوَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَتْ الْفَلَاسِفَةُ إلَخْ) وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الَّتِي كُفِّرُوا بِهَا وَاشْتُهِرَ أَنَّ ابْنَ سِينَا يُوَافِقُهُمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَثْبَتَ الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَكِتَابِ النَّجَاةِ أَيْضًا قَالَ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَعَادَ مِنْهُ مَا هُوَ مَقْبُولٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الشَّرِيعَةِ وَتَصْدِيقِ خَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي لِلْبَدَنِ عِنْدَ الْبَعْثِ وَخَيْرَاتُهُ وَشُرُورُهُ مَعْلُومَةٌ وَقَدْ بَسَطَتْ الشَّرِيعَةُ الْحَقَّةُ الَّتِي أَتَانَا بِهَا سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ الَّتِي بِحَسَبِ الْبَدَنِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ إلَخْ وَذَكَرَ الْحَشْرَ الرُّوحَانِيَّ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالتَّصْحِيحُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْحَقُّ التَّوَقُّفُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَوَاقِفِ وَأَقَرَّهُ شَارِحُهُ وَصَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ قَاطِعٌ سَمْعِيٌّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يُعْدَمُ الْجِسْمُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ الْمُعَادُ التَّأْلِيفُ لَا الْمُؤَلَّفُ. (قَوْلُهُ: وَنَعْتَقِدُ أَنَّ خَيْرَ الْأُمَّةِ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ وَبِالْأَوَّلِ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِإِطْبَاقِ السَّلَفِ إلَخْ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَبِالثَّانِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَفَضْلُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَعْلُومٌ مَا مَرَّ مِنْ تَرْتِيبِ الْفَضْلِ بَيْنَ نَبِيِّنَا وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَأَمَّا فَضْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَمِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ خَيْرُ سَائِرِ الْأُمَمِ وَفِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَمْشِي أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَتَمْشِي أَمَامَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك إنَّ أَبَا بَكْرٍ خَيْرُ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ إلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ» اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الْأَشْرَفِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَلِتَأَخُّرِهِ حَدِيثُ كَانَ يَسُوقُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ كَالرَّاعِي. وَجَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَيْضًا فِي بَعْضٍ كَالْأُمَرَاءِ (قَوْلُهُ: خَلِيفَتُهُ) لَمْ يَنُصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافَةِ أَحَدٍ. خِلَافًا لِلْبَكْرِيَّةِ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا النَّصَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِلشِّيعَةِ فِي زَعْمِهِمْ

عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَفْضَلُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيٌّ وَمَيَّزَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُشَارِكِيهِمْ فِي أَسْمَائِهِمْ بِمَا كَانُوا يُدْعَوْنَ بِهِ فَكَانَ يُدْعَى أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ خَلَفَهُ فِي أَمْرِ الرَّعِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُدْعَى كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. (وَ) نَعْتَقِدُ (بَرَاءَةَ عَائِشَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (مِنْ كُلِّ مَا قُذِفَتْ بِهِ) لِنُزُولِ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَتِهَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] الْآيَاتِ (وَنُمْسِكُ عَمَّا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ) مِنْ الْمُنَازَعَاتِ الَّتِي قُتِلَ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَتِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا أَيْدِيَنَا فَلَا نُلَوِّثُ بِهَا أَلْسِنَتَنَا (وَنَرَى الْكُلَّ مَأْجُورِينَ) فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي مَسْأَلَةٍ ظَنِّيَّةٍ لِلْمُصِيبِ فِيهَا أَجْرَانِ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَإِصَابَتِهِ وَلِلْمُخْطِئِ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْحَاكِمَ إذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» (وَ) نَرَى (أَنَّ الشَّافِعِيَّ) إمَامَنَا (وَمَالِكًا) شَيْخَهُ (وَأَبَا حَنِيفَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ) الثَّوْرِيَّ وَابْنَ عُيَيْنَةَ (وَأَحْمَدَ) بْنَ حَنْبَلٍ (وَالْأَوْزَاعِيَّ وَإِسْحَاقَ) بْنَ رَاهْوَيْهِ (وَدَاوُد) الظَّاهِرِيَّ (وَسَائِرَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ بَاقِيَهُمْ (عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ) فِي الْعَقَائِدِ وَغَيْرِهَا وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ بِمَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْمُحَقِّقِينَ لَا يُقِيمُونَ لِلظَّاهِرِيَّةِ وَزْنًا وَإِنَّ خِلَافَهُمْ لَا يُعْتَبَرُ مَحْمَلُهُ عِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ وَأَمْثَالِهِ. وَأَمَّا دَاوُد فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ خِلَافَهُ لَا يُعْتَبَرُ فَلَقَدْ كَانَ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ لَهُ مِنْ سَدَادِ النَّظَرِ وَسَعَةِ الْعِلْمِ وَنُورِ الْبَصِيرَةِ وَالْإِحَاطَةِ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مَا يَعْظُمُ وَقْعُهُ وَقَدْ دُوِّنَتْ كُتُبُهُ وَكَثُرَتْ أَتْبَاعُهُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ فِي الْفُرُوعِ وَقَدْ كَانَ مَشْهُورًا فِي زَمَنِ الشَّيْخِ وَبَعْدَهُ بِكَثِيرٍ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ فَارِسَ شِيرَازَ وَمَا وَالَاهَا إلَى نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ (وَ) نَرَى (أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ) عَلِيَّ بْنَ إسْمَاعِيلَ (الْأَشْعَرِيَّ) وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ (إمَامٌ فِي السُّنَّةِ) أَيْ الطَّرِيقَةِ الْمُعْتَقَدَةِ (مُقَدَّمٌ) فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ كَأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ. (وَ) نَرَى (أَنَّ طَرِيقَ الشَّيْخِ) أَبِي الْقَاسِمِ (الْجُنَيْدِ) سَيِّدِ الصُّوفِيَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا (وَصَحْبِهِ طَرِيقٌ مُقَوَّمٌ) فَإِنَّهُ خَالٍ عَنْ الْبِدَعِ دَائِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ وَالتَّبَرِّي مِنْ النَّفْسِ وَمِنْ كَلَامِهِ الطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَسْدُودٌ عَلَى خَلْقِهِ إلَّا عَلَى الْمُقْتَفِينَ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّصَّ عَلَى خِلَافِهِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ. وَقَدْ اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَوْمَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ الْأَنْصَارُ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَّا الْأُمَرَاءُ وَمِنْكُمْ الْوُزَرَاءُ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» فَاسْتَقَرَّ رَأْيُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَالْمُرَاجَعَةِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَبَايَعُوهُ وَبَايَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَلُقِّبَ بِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَوَقُّفٍ مِنْهُ فَصَارَتْ إمَامَتُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ) أَيْ تَرْتِيبِ الْخِلَافَةِ أَوْ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ مِنَّا وَهُوَ عَلَى نَمَطِ تَرْتِيبِ الْخِلَافَةِ قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ التَّوَقُّفُ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَتَعَارَضُ الظُّنُونُ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ تَفْضِيلُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَا قُذِفَتْ بِهِ الصَّوَابُ حَذْفُ كُلِّ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقْذَفْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. (قَوْلُهُ: مَحْمَلُهُ عِنْدِي ابْنُ حَزْمٍ شَنَّعَ عَلَيْهِ السَّنُوسِيُّ فِي كُتُبِهِ وَوَصَفَهُ بِالِابْتِدَاعِ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ الصُّغْرَى قَالَ ابْنُ عَاتٍ مِنْ النَّاسِ مَنْ تَوَلَّعَ بِمَدْحِهِ حِفْظًا وَمَعْرِفَةً وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَلَّعَ بِذَمِّهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ طَرِيقَةِ الْمَالِكِيِّينَ وَرُكُوبِهِ رَأْسَهُ فِي نَوْعٍ آخَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ بِتَأْلِيفٍ وَعَبْدُ الْحَقِّ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ وَلِابْنِ حَزْمٍ تَأْلِيفٌ كَبِيرٌ يَنْتَصِرُ فِيهِ لِلظَّاهِرِيَّةِ وَيُشَنِّعُ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ وَقَدْ رَأَيْت كِتَابًا لِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ فِي رَدِّ هَذَا الْكِتَابِ وَنَقْضِهِ عُرْوَةً عُرْوَةً اهـ. وَقَدْ ذَكَرْت فِي صَدْرِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِابْنِ حَزْمٍ (قَوْلُهُ: وَنَرَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ) وَمِثْلُهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَتَكَلَّمُ عَلَى النَّاسِ فَوَقَفَ عَلَيَّ مَلَكٌ فَقَالَ مَا أَقْرَبُ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقُلْت عَمَلٌ خَفِيٌّ بِمِيزَانٍ وَفِيٍّ فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ كَلَامٌ مُوَفَّقٌ وَاَللَّهِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ رَمَاهُمْ فِي جُمْلَةِ الصُّوفِيَّةِ بِالزَّنْدَقَةِ عِنْدَ خَلِيفَةِ السُّلْطَانِ حَتَّى أَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ فَأَمْسَكُوا إلَّا الْجُنَيْدَ فَإِنَّهُ تَسَتَّرَ بِالْفِقْهِ وَكَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ شَيْخِهِ، وَبُسِطَ لَهُمْ النَّطْعُ فَتَقَدَّمَ مِنْ آخِرِهِمْ أَبُو الْحَسَنِ النُّورِيُّ لِلسَّيَّافِ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَقَدَّمَتْ فَقَالَ: أُوثِرُ أَصْحَابِي بِحَيَاةِ سَاعَةٍ فَبُهِتَ وَأُنْهِيَ الْخَبَرُ لِلْخَلِيفَةِ فَرَدَّهُمْ إلَى الْقَاضِي فَسَأَلَ النُّورِيَّ عَنْ مَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ فَأَجَابَهُ عَنْهَا ثُمَّ قَالَ: وَبَعْدُ فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا إذَا قَامُوا قَامُوا بِاَللَّهِ وَإِذَا نَطَقُوا نَطَقُوا بِاَللَّهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَبَكَى الْقَاضِي وَأَرْسَلَ يَقُولُ لِلْخَلِيفَةِ إنْ كَانَ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةً فَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِمْ، ثُمَّ قُتِلَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْحُسَيْنُ الْحَلَّاجُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَثِمِائَةٍ مِنْ سِنِي الْخَلِيفَةِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرٌ الْمُقْتَدِرُ. (وَمِمَّا لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ) فِي الْعَقِيدَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَتَنْفَعُ مَعْرِفَتُهُ) فِيهَا مَا يُذْكَرُ إلَى الْخَاتِمَةِ وَهُوَ (الْأَصَحُّ) الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ (إنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ) فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQكِلَاهُمَا إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فِي مَسَائِلَ نَظَمَهَا الْمُصَنِّفُ فِي قَصِيدَةٍ نُونِيَّةٍ وَذَكَرَهَا فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ أَيْ وَيَنْفَعُ عِلْمُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْعَقِيدَةِ قَيْدٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ قَدْ يَكُونُ مُضِرًّا فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ لَا فِي جَمِيعِهِ فَإِنَّ مِنْهُ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَقَوْلَهُمْ الْمَاهِيَّاتُ مَجْعُولَةٌ وَنَحْوَهُمَا (قَوْلُهُ: وَتَنْفَعُ مَعْرِفَتُهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَضُرُّ جَهْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَنْفَعُ مَعْرِفَتُهُ بِاعْتِبَارِ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِ الْقَوْمِ الَّذِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعَقَائِدُ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ مَبَادِئِ عِلْمِ الْكَلَامِ لَا مِنْ مَسَائِلِهِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَعْلَ الْمَاهِيَّةِ سَابِقًا وَحَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبَادِئِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْمُتَكَلِّمُونَ بِمَبَاحِثِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَيَذْكُرُونَهُ فِي صُدُورِ الْمُؤَلَّفَاتِ الْكَلَامِيَّةِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَذْكُرُونَ مَبَاحِثَ الذَّاتِ الْجَلِيلَةِ وَصِفَاتِهَا وَمَبَاحِثَ النُّبُوَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ بِصَدَدِ ذَلِكَ لَمْ يَسْلُكْ تَرْتِيبَهُمْ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مَبَاحِثَهُمْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ إلَخْ) يُعْرَبُ هُوَ مُبْتَدَأً وَقَوْلُهُ الْأَصَحُّ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَإِ الْأَوَّلِ هَذِهِ الْجُمَلُ كُلُّهَا إلَى الْخَاتِمَةِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ عَيْنُهُ) قَالَ الْمَوْلَى جَامِيٌّ فِي الدُّرَّةِ الْفَاخِرَةِ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ وُجُودَ الْوَاجِبِ بَلْ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُهُ ذِهْنًا وَخَارِجًا وَلَمَّا اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ اشْتِرَاكَ الْوُجُودِ بَيْنَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَاصَّةِ لَفْظًا لَا مَعْنًى. وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ. قِيلَ: إنَّ مُرَادَهُمَا بِالْعَيْنِيَّةِ عَدَمُ التَّمَايُزِ الْخَارِجِيِّ أَيْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ هُوَ الْمَاهِيَّةُ وَآخَرُ قَائِمًا بِهَا قِيَامًا خَارِجِيًّا هُوَ الْوُجُودُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَتَبُّعِ دَلَائِلِهِمْ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ لِلْوُجُودِ مَفْهُومًا وَاحِدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوُجُودَاتِ وَذَلِكَ الْمَفْهُومُ الْوَاحِدُ يَتَكَثَّرُ وَيَصِيرُ حِصَّةً حِصَّةً بِإِضَافَتِهِ إلَى الْأَشْيَاءِ كَبَيَاضِ هَذَا الثَّلْجِ وَذَاكَ الْقُطْنِ، وَوُجُودَاتُ الْأَشْيَاءِ مِنْ هَذِهِ الْحِصَصِ، وَهَذِهِ الْحِصَصُ مَعَ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ الدَّاخِلِ فِيهَا خَارِجَةٌ عَنْ ذَوَاتِ الْأَشْيَاءِ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا ذِهْنًا فَقَطْ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ وَذِهْنًا وَخَارِجًا عِنْدَ آخَرِينَ وَحَاصِلُ مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ أَنَّ لِلْوُجُودِ مَفْهُومًا وَاحِدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوُجُودَاتِ وَالْوُجُودَاتُ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ مُتَكَثِّرَةٌ بِأَنْفُسِهَا لَا بِمُجَرَّدِ عَارِضِ الْإِضَافَةِ لِتَكُونَ مُتَمَاثِلَةً مُتَّفِقَةَ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِالْفُصُولِ حَتَّى يَكُونَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ جِنْسًا لَهَا بَلْ هُوَ مَفْهُومٌ عَارِضٌ لَازِمٌ لَهَا كَنُورِ الشَّمْسِ وَنُورِ السِّرَاجِ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالْحَقِيقَةِ وَاللَّوَازِمِ، مُشْتَرِكَانِ فِي عَارِضِ النُّورِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وُجُودٍ اسْمٌ خَاصٌّ كَمَا فِي أَقْسَامِ الْمُمْكِنِ تُوُهِّمَ أَنَّ تَكَثُّرَ الْوُجُودَاتِ وَكَوْنَهَا حِصَّةً حِصَّةً إنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَاهِيَّاتِ الْمَعْرُوضَةِ لَهَا كَبَيَاضِ هَذَا الثَّلْجِ وَذَلِكَ، وَنُورِ هَذَا السِّرَاجِ وَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ مُتَغَايِرَةٌ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ هَذَا الْمَفْهُومِ الْعَارِضِ الْخَارِجِ عَنْهَا وَإِذَا اُعْتُبِرَ تَكَثُّرُ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ وَصَيْرُورَتِهِ حِصَّةً حِصَّةً بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمَاهِيَّاتِ فَهَذِهِ الْحِصَصُ أَيْضًا خَارِجَةٌ عَنْ تِلْكَ الْوُجُودَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْحَقَائِقِ

الْخَارِجِ وَاجِبًا كَانَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مُمْكِنًا وَهُوَ الْخَلْقُ (عَيْنُهُ) أَيْ لَيْسَ زَائِدًا عَلَيْهِ (وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُنَاكَ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: مَفْهُومُ الْوُجُودِ وَحِصَصُهُ الْمُتَعَيِّنَةُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمَاهِيَّاتِ. وَالْوُجُودَاتُ الْخَاصَّةُ الْمُخْتَلِفَةُ الْحَقَائِقِ فَمَفْهُومُ الْوُجُودِ ذَاتِيٌّ دَاخِلٌ فِي حِصَصِهِ وَهُمَا خَارِجَانِ عَنْ الْمَوْجُودَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْوُجُودُ الْخَاصُّ عَيْنُ الذَّاتِ فِي الْوَاجِبِ وَزَائِدٌ خَارِجٌ فِيمَا سِوَاهُ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ الْوُجُودَ بِاعْتِبَارِ مَقُولِيَّتِهِ عَلَى أَفْرَادِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمِنْ الْمُتَوَاطِئِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْ الْمُشَكِّكِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ فَإِنْ قُلْت حَيْثُ كَانَ مَفْهُومُ الْوُجُودِ ذَاتِيًّا لِحِصَصِهِ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ لِاقْتِضَائِهِ التَّفَاوُتَ فِي الذَّاتِيَّاتِ قُلْت صَرَّحَ الْمَوْلَى الْجَامِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ الِاخْتِلَافِ بِالْمَاهِيَّاتِ وَالذَّاتِيَّاتِ بِالتَّشْكِيكِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَيْسَ زَائِدًا عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْخَارِجِ بَلْ لَيْسَ إلَّا ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِالْوُجُودِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَشْعَرِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوُجُودُ زَائِدًا عَلَى الْمَاهِيَّةِ عَارِضًا لَهَا لَكَانَتْ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ أَيْ كَانَتْ فِي مَرْتَبَةِ مَعْرُوضِيَّةِ الْوُجُودِ خَالِيَةً عَنْ الْوُجُودِ فَكَانَتْ مَعْدُومَةً أَيْ كَانَتْ فِي الْمَرْتَبَةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَمِ لِاسْتِحَالَةِ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ اتِّصَافُ الْمَعْدُومِ بِالْوُجُودِ وَأَنَّهُ تَنَاقُضٌ. وَأَجَابَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِأَنَّ الْمُمْكِنَ وَهُوَ مَا لَا تُقْتَضَى ذَاتُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا لَمَّا كَانَ صَالِحًا؛ لَأَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَانَ فِي حَدِّ نَفْسِهِ عَارِيًّا عَنْهُمَا لَا بِمَعْنَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَيْسَ عَيْنَهُ وَلَا جُزْأَهُ إذْ يَكْفِي هَذَا الْمَعْنَى فِي تَصْحِيحِ تِلْكَ الصَّلَاحِيَّةِ كَيْفَ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَازِمًا لِذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَمَّا كَانَ قَابِلًا لِلْآخَرِ صَالِحًا لَأَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى أَنَّ مَاهِيَّةَ الْمُمْكِنِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَهِيَ مَرْتَبَةُ مَعْرُوضِيَّتِهَا لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ خَالِيَةٌ عَنْهُمَا غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي خُلُوِّ مَرْتَبَةٍ عَقْلِيَّةٍ عَنْ النَّقِيضَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ إنَّمَا الِاسْتِحَالَةُ فِي خُلُوِّ وَقْتٍ خَارِجِيٍّ عَنْهُمَا اهـ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَيْنِيَّةِ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ لَوْ كَانَتْ عَيْنَ وُجُودِهِ لَكَانَ الْعِلْمُ بِالْإِنْسَانِ هُوَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ كَثِيرًا مَا يُتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِنَا مَعْنَى الْوُجُودِ وَحَيْثِيَّتُهُ أَمَّا الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْوُجُودُ الْعَقْلِيُّ؛ فَلِأَنَّ تَعَقُّلَ الْإِنْسَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَقُّلَ تَعَقُّلِهِ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعَقُّلَ الْمَاهِيَّةِ يَنْفَكُّ عَنْ وُجُودِهَا فَإِنَّ تَعَقُّلَ الْمَاهِيَّةِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَعَقُّلُ الْوُجُودِ قُلْنَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكُنَّا لَا نَشُكُّ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً عِنْدَ حُصُولِهَا فِي الْعَقْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَتَعَقَّلُ كَثِيرًا مِنْ الْمَاهِيَّاتِ وَنَشُكُّ فِي وُجُودَاتِهَا. وَأَقُولُ سُبْحَانَ مَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. هَذَا الْوُجُودُ الَّذِي هُوَ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ خَفِيَتْ عَلَيْنَا حَقِيقَتُهُ وَاضْطَرَبَتْ الْفُضَلَاءُ فِي الْبَحْثِ عَنْهَا وَطَالَ نِزَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ وَانْتَشَرَ كَلَامُهُمْ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِنْ دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ فَمَا لَنَا إلَّا الِاعْتِرَافُ بِالْقُصُورِ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حَدِّنَا مِنْ الْعَجْزِ، وَالِاسْتِمْدَادُ مِنْ مَوَاهِبِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ أَنْوَارَ الْمَعْرِفَةِ وَتَجَنُّبَ ظُلَمِ الشُّبَهِ وَقَدْ ذَكَرْت كَلَامًا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ عَلَى نَحْوٍ آخَرَ وَحَاشِيَةِ الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى وَقَدْ نَحَا الصُّوفِيَّةُ مَنْحًى آخَرَ فِي الْوُجُودِ ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْحُكَمَاءِ وَمَنْ أَلَّفَ الْبُرْهَانَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَنَسَبَهُمْ إلَى الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ. لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا كَشْفَ هَذَا الْمَعْنَى الذَّوْقِيِّ الدَّقِيقِ بِالْعِبَارَةِ فَضَاقَتْ عَنْ إفَادَتِهِ كَمَا قِيلَ: وَإِنَّ قَمِيصًا حِيكَ مِنْ نَسْجِ تِسْعَةٍ ... وَعِشْرِينَ حَرْفًا عَنْ جَمَالِك قَاصِرُ قَالَ الصَّدْرُ الْقُونَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْهَادِيَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةٌ بِكَوْنِهَا فِي شَيْءٍ أَقْوَى أَوْ أَقْدَمَ أَوْ أَشَدَّ أَوْ أَوْلَى فَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِ رَاجِعٌ إلَى الظُّهُورِ دُونَ تَعَدُّدٍ وَاقِعٍ فِي الْحَقِيقَةِ الظَّاهِرَةِ أَيِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ مِنْ عِلْمٍ وَوُجُودٍ وَغَيْرِهِمَا فَقَابِلٌ مُسْتَعِدٌّ لِظُهُورِ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَتَمُّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ ظُهُورُهَا فِي قَابِلٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَاحِدَةٌ فِي الْكُلِّ وَالْمُفَاضَلَةُ وَالتَّفَاوُتُ وَاقِعٌ بَيْنَ ظُهُورِ أَنَّهَا بِحَسَبِ الْأَمْرِ الْمُظْهِرِ الْمُقْتَضِي تَعَيُّنَ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ تَعَيُّنًا مُخَالِفًا لِتَعَيُّنِهِ فِي أَمْرٍ آخَرَ فَلَا تَعَدُّدَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَلَا تَجْزِئَةَ وَلَا

أَيْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (غَيْرُهُ) أَيْ زَائِدٌ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُومَ الْوُجُودُ بِالشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ: هُوَ أَيْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْهُمَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنَّا إلَى قَوْلِ الْحُكَمَاءِ إنَّهُ عَيْنُهُ فِي الْوَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِي الْمُمْكِنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبْعِيضَ ثُمَّ إنَّ مُسْتَنَدَ الصُّوفِيَّةِ فِيمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ هُوَ الْكَشْفُ وَالْعِيَانُ لَا النَّظَرُ وَالْبُرْهَانُ فَإِنَّهُمْ لَمَّا تَوَجَّهُوا إلَى جَنَابِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِنُورٍ يُرِيهِمْ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ وَنِسْبَةُ الْعَقْلِ إلَى ذَلِكَ النُّورِ كَنِسْبَةِ الْوَهْمِ إلَى الْعَقْلِ فَكَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْكُمَ الْعَقْلُ بِصِحَّةِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الْوَهْمُ كَوُجُودِ مَوْجُودٍ مَثَلًا لَا يَكُونُ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ كَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْكُمَ ذَلِكَ النُّورُ الْكَاشِفُ بِصِحَّةِ بَعْضِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ كَوُجُودِ حَقِيقَةٍ مُطْلَقَةٍ مُحِيطَةٍ لَا يَحْصُرُهَا التَّقْيِيدُ وَلَا يُقَيِّدُهَا التَّعَيُّنُ اهـ. وَأَوْضَحَهُ الْمَوْلَى جَامِيٌّ بِأَنَّهُ إذَا انْطَبَعَتْ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ جُزْئِيَّةٌ فِي مَرَايَا مُتَكَثِّرَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالتَّحْدِيبِ وَالتَّقْعِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافَاتِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَكَثَّرَتْ بِحَسَبِ تَكَثُّرِ الْمَرَايَا وَاخْتَلَفَتْ انْطِبَاعَاتُهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافَاتِهَا وَأَنَّ هَذَا التَّكْثِيرَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي وَحْدَتِهَا وَالظُّهُورُ بِحَسَبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَرَايَا غَيْرُ مَانِعٍ لَهَا أَنْ تَظْهَرَ بِحَسَبِ سَائِرِهَا فَالْوَاحِدُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى بِمَنْزِلَةِ الصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَاهِيَّاتُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَايَا الْمُتَكَثِّرَةِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاسْتِعْدَادَاتِهِ افَهُوَ سُبْحَانَهُ يَظْهَرُ فِي كُلِّ عَيْنٍ بِحَسَبِهَا مِنْ غَيْرِ تَكَثُّرٍ وَتَغَيُّرٍ فِي ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ الظُّهُورُ بِأَحْكَامِ بَعْضِهَا عَنْ الظُّهُورِ بِأَحْكَامِ سَائِرِهَا اهـ. وَقَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّجْرِيدِ قِيلَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ إلَّا ذَاتٌ وَاحِدَةٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهَا أَصْلًا بَلْ لَهَا صِفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ هِيَ عَيْنُهَا وَهِيَ حَقِيقَةُ الْوُجُودِ الْمُنَزَّهَةُ فِي حَدِّ ذَاتِهَا عَنْ شَوَائِبِ الْعَدَمِ وَسِمَاتِ نُقْصَانِ الْإِمْكَانِ وَلَهَا تَقَيُّدَاتٌ بِقُيُودٍ اعْتِبَارِيَّةٍ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ تَتَرَاءَى مَوْجُودَاتٌ مُتَمَايِزَةٌ فَيُتَوَهَّمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَدُّدٌ حَقِيقِيٌّ فَمَا لَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ اتِّحَادِ الْمَاهِيَّاتِ وَلَا يَتِمُّ أَيْضًا اشْتِرَاكُ الْوُجُودِ بَلْ لَا يَثْبُتُ وُجُودٌ مُمْكِنٌ أَصْلًا قَالَ وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ طَوْرِ الْعَقْلِ فَإِنَّ بَدِيهَتَهُ شَاهِدَةٌ بِتَعَدُّدِ الْمَوْجُودَاتِ تَعَدُّدًا حَقِيقِيًّا وَأَنَّهَا ذَوَاتٌ وَحَقَائِقُ مُتَخَالِفَةٌ بِالْحَقِيقَةِ دُونَ الِاعْتِبَارِ فَقَطْ وَالذَّاهِبُونَ إلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ يَدَّعُونَ اسْتِنَادَهَا إلَى مُكَاشَفَاتِهِمْ وَمُشَاهَدَاتِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا بِمَبَاحِثِ الْعَقْلِ وَدَلَالَتِهِ بَلْ هُوَ مَعْزُولٌ هُنَاكَ كَالْحِسِّ فِي إدْرَاكِ الْمَعْقُولَاتِ وَأَمَّا الْمُتَقَيِّدُونَ بِدَرَجَاتِ الْعَقْلِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَا شَهِدَ لَهُ الْعَقْلُ فَمَقْبُولٌ وَمَا شَهِدَ عَلَيْهِ فَمَرْدُودٌ وَأَنَّهُ لَا طَوْرَ وَرَاءَهُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ تِلْكَ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا مُتَأَوَّلَةٌ بِمَا يُوَافِقُ الْعَقْلَ فَهُمْ بِشَهَادَةِ بَدَاهَتِهِ مُسْتَغْنُونَ عَنْ إقَامَةِ بُرْهَانٍ عَلَى بُطْلَانِ أَمْثَالِ ذَلِكَ وَيَعُدُّونَ تَجْوِيزَهَا مُكَابَرَةً لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا. اهـ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الْحَاشِيَةِ فَإِنْ قُلْت مَاذَا تَقُولُ فِيمَنْ يَرَى أَنَّ الْوُجُودَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ الْوَاجِبِ وَغَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّجَزِّي وَالِانْقِسَامِ قَدْ انْبَسَطَ عَلَى هَيَاكِلِ الْمَوْجُودَاتِ فَظَهَرَ فِيهَا فَلَا يَخْلُو عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهَا وَعَيْنُهَا وَإِنَّمَا امْتَازَتْ وَتَقَيَّدَتْ بِتَقَيُّدَاتٍ وَتَعَيُّنَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ وَيُمَثَّلُ ذَلِكَ بِالْبَحْرِ وَظُهُورِهِ فِي صُوَرِ الْأَمْوَاجِ الْمُتَكَثِّرَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا حَقِيقَةُ الْبَحْرِ فَقَطْ قُلْت قَدْ سَلَفَ مِنَّا كَلَامٌ فِي أَنَّ هَذَا طَوْرٌ وَرَاءَ طَوْرِ الْعَقْلِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْمُشَاهَدَاتِ الْكَشْفِيَّةِ دُونَ الْمُنَاظَرَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ) يُفَسَّرُ الضَّمِيرُ بِالْأَشْعَرِيَّةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ بَلْ بِالْمُتَكَلِّمِينَ الْمُقَابِلِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ لِقَوْلِهِ وَكَذَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّ مُقَابِلِ الْأَكْثَرِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَوْ فُسِّرَ الضَّمِيرُ بِالْأَشْعَرِيَّةِ لَأَفْهَمَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ) دَفَعَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مَا يَرُدُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوُجُودَ غَيْرُ الْمَوْجُودِ مِنْ لُزُومِ التَّسَلْسُلِ إنْ قِيلَ قَامَ بِهِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ أَيْ إنَّهُ مَوْجُودٌ إذْ نَنْقُلُ الْكَلَامَ إلَى هَذَا الْوُجُودِ وَهَلُمَّ جَرًّا أَوْ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ إنْ قِيلَ بِقِيَامِهِ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَعْدُومٌ. (قَوْلُهُ: إلَى قَوْلِ الْحُكَمَاءِ إلَخْ) قَالُوا إنَّ وُجُودَهُ تَعَالَى لَوْ زَادَ عَلَى مَاهِيَّتِهِ لَكَانَ عَارِضًا لَهَا فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرُوضِهِ الَّذِي

(فَعَلَى الْأَصَحِّ الْمَعْدُومُ) الْمُمْكِنُ الْوُجُودِ (لَيْسَ) فِي الْخَارِجِ (بِشَيْءٍ وَلَا ذَاتٍ وَلَا ثَابِتٍ) أَيْ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِهِ فِيهِ (وَكَذَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ) أَيْ أَكْثَرِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهُ شَيْءٌ أَيْ حَقِيقَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الِاسْمَ) عَيْنُ (الْمُسَمَّى) ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمَاهِيَّةُ ضَرُورَةً فَيَكُونُ مُمْكِنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْتَاجٍ مُمْكِنٌ وَلَوْ كَانَ مُمْكِنًا لَاحْتَاجَ إلَى سَبَبٍ وَذَلِكَ السَّبَبُ إنْ كَانَ مُقَارِنًا وَهُوَ ذَاتُهُ تَعَالَى يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى وُجُودِهِ بِالْوُجُودِ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِدَةِ عَلَى الْمَعْلُولِ بِالْوُجُودِ فَيَكُونُ لِذَاتِهِ وُجُودٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَنَنْقُلُ الْكَلَامَ إلَى ذَلِكَ الْوُجُودِ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا مُبَايِنًا أَعْنِي ذَاتَهُ تَعَالَى يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مُحْتَاجَةً فِي وُجُودِهِ إلَى الْغَيْرِ فَتَكُونُ مُمْكِنَةً وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُودِهِ هُوَ الْعِلَّةُ الْمُقَارِنَةُ أَعْنِي ذَاتَهُ تَعَالَى وَلَا يَجِبُ تَقَدُّمُ ذَاتِهِ عَلَى وُجُودِهِ بِالْوُجُودِ فَإِنَّ مَاهِيَّةَ الْمُمْكِنَاتِ عِلَّةٌ قَابِلَةٌ لِوُجُودَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى وُجُودَاتِهَا بِالْوُجُودِ وَأَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ عِلَّةٌ لِقَوَامِهَا مَعَ أَنَّ تَقَدُّمَ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ لَيْسَ بِالْوُجُودِ فَإِنَّ وُجُودَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْ أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ الْمُمْكِنَةَ لَا تَقَرُّرَ لَهَا فِي الْعَدَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَثَرَ الْفَاعِلِ هُوَ الْمَاهِيَّةُ وَمَنْ يَجْعَلُ الْوُجُودَ غَيْرَ الْمَوْجُودِ يَقُولُ إنَّ أَثَرَهُ وُجُودُهَا وَأَمَّا هِيَ مُتَقَرِّرَةٌ ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِهَا وَفِي شَرْحِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَلَى التَّجْرِيدِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَاهِيَّةِ لَا يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ بِكَوْنِ الْمَعْدُومِ شَيْئًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَاهِيَّةَ يَجُوزُ تَقَرُّرُهَا فِي الْخَارِجِ مُنْفَكَّةً عَلَى الْوُجُودِ وَإِلَّا لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ مَعًا وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الْوُجُودَ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ يَجُوزُ تَقَرُّرُهَا فِي الْخَارِجِ مُنْفَكَّةً عَنْ الْوُجُودِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمَعْدُومُ شَيْءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالثَّانِي مَذْهَبُ سَائِرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْحُكَمَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ بِشَيْءٍ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَأَرَادَ بِالْمَنْفِيِّ الْمَاهِيَّاتِ الْمُمْتَنِعَةَ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، فَعَلَى هَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ الْمَاهِيَّاتُ الْمَعْدُومَةُ الْمُمْكِنَةُ الْوُجُودِ اهـ. فَظَهَرَ لَك سِرُّ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ الْمُمْكِنَةِ الْوُجُودِ ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَنْ نَقُولَ إنَّ الْمَعْدُومَ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَنْفِيِّ أَوْ أَخَصَّ مِنْهُ يَصْدُقُ الْمَعْدُومُ مَنْفِيٌّ وَكُلُّ مَنْفِيٍّ لَيْسَ بِثَابِتٍ يَنْتُجُ الْمَعْدُومُ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَهُوَ الْمُدَّعَى وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ فَالْمَعْدُومُ لَمْ يَكُنْ نَفْيًا صِرْفًا وَلَا عَدَمًا مَحْضًا وَإِلَّا لَمَا بَقِيَ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ أَعْنِي بَيْنَ الْمَعْدُومِ وَالْمَنْفِيِّ وَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْدُومُ نَفْيًا صِرْفًا كَانَ ثَابِتًا وَالْمَعْدُومُ مَقُولٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ فَيَصْدُقُ الْمَنْفِيُّ مَعْدُومٌ وَالْمَعْدُومُ ثَابِتٌ يَنْتُجُ الْمَنْفِيُّ ثَابِتٌ هَذَا خُلْفٌ وَإِذَا بَطَلَ كَوْنُ الْمَعْدُومِ أَعَمَّ مِنْ الْمَنْفِيِّ تَحَقَّقَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَخْ) احْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مَقْدُورًا بَعْضُهُ كَالْحَرَكَةِ الَّتِي نَقْدِرُ عَلَيْهَا دُونَ بَعْضٍ كَالطَّيَرَانِ إلَى السَّمَاءِ وَلِكَوْنِهِ مُرَادًا بَعْضُهُ كَالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ الْحَبِيبِ دُونَ بَعْضٍ كَالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ الرَّقِيبِ مُتَمَيِّزٌ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا اسْتَحَالَ الْحُكْمُ عَلَى بَعْضِهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَعَلَى الْبَعْضِ بِمُقَابِلِهَا وَكُلُّ مُتَمَيِّزٍ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَمَيِّزٍ ثَبَتَ لَهُ التَّمَيُّزُ وَثُبُوتُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ فِي الْخَارِجِ فَكُلُّ مَعْدُومٍ ثَابِتٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَنُقِضَ هَذَا الدَّلِيلُ بِجَرَيَانِهِ فِي الْمُمْتَنِعَاتِ وَالْخَيَالِيَّاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ كَشَرِيكِ الْبَارِئِ وَإِنْسَانٍ ذِي رَأْسَيْنِ فَإِنَّا نَتَصَوَّرُهَا وَنَتَعَقَّلُ امْتِيَازَ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ إذْ تَعَقُّلُ الِامْتِيَازِ بَيْنَ شَرِيكِ الْبَارِئِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَإِنْسَانٍ ذِي رَأْسَيْنِ وَإِنْسَانٍ عَدِيمِ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ الْمُرَكَّبَاتُ نَتَعَقَّلُهَا وَلَا تَقَرُّرَ لَهَا فِي الْعَدَمِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْأَجْزَاءِ مُتَلَاقِيَةً مُتَمَاسَّةً عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْعَدَمِ. (قَوْلُهُ: أَيْ حَقِيقَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ) أَيْ ثَابِتَةٌ فِي الْعَدَمِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَثَرَ الْفَاعِلِ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْوُجُودُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الِاسْمَ الْمُسَمَّى) قَالَ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى

وَقِيلَ: غَيْرُهُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ فَلَفْظُ النَّارِ مَثَلًا غَيْرُهَا بِلَا شَكٍّ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ فِي اسْمِ اللَّهِ أَنَّ مَدْلُولَهُ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْعَالِمِ فَمَدْلُولُهُ الذَّاتُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَ لَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ اللَّهِ سِوَاهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ فَيُفْهَمُ مِنْهَا زِيَادَةٌ عَلَى الذَّاتِ مِنْ عِلْمٍ وَغَيْرِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ) أَيْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمٌ إلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنْ الشَّرْعِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ يَجُوزُ أَنْ تُطْلَقَ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ اللَّائِقُ مَعْنَاهَا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهَا الشَّرْعُ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمَرْءَ يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى التَّعْلِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} [الشورى: 10] كَمَا قَالَ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] وَلَمْ يَقُلْ اُدْعُوا بِاَللَّهِ وَلَا بِالرَّحْمَنِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: غَيْرُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَهُ وَلِتَعَدُّدِ الْأَسْمَاءِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى وَعَلَى الْمُغَايَرَةِ ظَاهِرُ قَوْلِ صَاحِبِ الْهَمْزِيَّةِ: لَك ذَاتُ الْعُلُومِ مِنْ عَالِمِ الْغَ ... يْبِ وَمِنْهَا لِآدَمَ الْأَسْمَاءُ هَذَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالِاسْمِ اللَّفْظُ فَهُوَ غَيْرُ مُسَمَّاهُ قَطْعًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ فَهُوَ عَيْنُهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَامِدٍ وَمُشْتَقٍّ وَنِعْمَ مَا قَالَ الْكَمَالُ لَمْ يَظْهَرْ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِنِزَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ إنَّ الْخِلَافَ فِيمَا صَدَقَاتِ الِاسْمِ وَلَفْظُ اسْمٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى تَأْوِيلِهِ لِمَا قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ النِّزَاعُ فِي لَفْظِ فَرَسٍ هَلْ هُوَ نَفْسُ الْحَيَوَانِ الْمَخْصُوصِ أَوْ غَيْرُهُ بَلْ فِي مَدْلُولِ الِاسْمِ أَهِيَ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَمْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ صَادِقٍ عَلَيْهِ عَارِضٍ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَدْلُولَهُ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ) قَالَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ مَا ثَمَّ اسْمُ عَلَمٍ لِلَّهِ أَبَدًا فِيمَا وَصَلَ إلَيْنَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَظْهَرَ أَسْمَاءَهُ لَنَا لِنُثْنِيَ عَلَيْهِ بِهَا، وَالْأَعْلَامُ لَا يُثْنَى بِهَا لِتَمَحُّضِهَا لِلذَّاتِ دُونَ مَعْنًى زَائِدٍ اهـ. وَفِيهِ مَيْلٌ لِمَا قِيلَ أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ أَصْلُهَا صِفَةٌ وَاشْتُهِرَ أَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الدَّاعِي فَكُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى دَعَا الْعَبْدُ بِهِ رَبَّهُ مُسْتَغْرِقًا فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي فِكْرِهِ حَالَتَئِذٍ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يَزِيدَ الْبِسْطَامِيُّ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ إنَّمَا هُوَ فَرَاغُ قَلْبِك لِوَحْدَانِيِّتِهِ فَإِذَا كُنْت كَذَلِكَ فَادْعُ بِأَيِّ اسْمٍ شِئْت فَإِنَّكَ تَسِيرُ بِهِ إلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ إنَّمَا خَصَّ الْأَمْرَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ بِاسْمِ اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ؛ لِأَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي يَأْتِينَا الشَّيْطَانُ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَأَمَرَنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ بِالِاسْمِ الْجَامِعِ فَكُلُّ طَرِيقٍ جَاءَ مِنْهَا يَجِدُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى مَانِعًا لَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْنَا بِخِلَافِ الْأَسْمَاءِ الْفُرُوعِ وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50] إنَّمَا جَاءَنَا بِالِاسْمِ الْجَامِعِ الَّذِي هُوَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ فِي عُرْفِ الطَّبْعِ الِاسْتِنَادُ إلَى الْكَثْرَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» فَالنَّفْسُ يَحْصُلُ لَهَا الْأَمَانُ بِاسْتِنَادِهَا إلَى الْكَثْرَةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى مَجْمُوعُ أَسْمَاءِ الْخَيْرِ وَمَنْ تَحَقَّقَ مَعْرِفَةَ الْأَسْمَاءِ الْإِلَهِيَّةِ وَجَدَ أَسْمَاءَ الْأَخْذِ وَالِانْتِقَامِ قَلِيلَةً وَأَسْمَاءَ الرَّحْمَةِ كَثِيرَةً فِي سِيَاقِ الِاسْمِ اللَّهِ اهـ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ فَلَيْسَ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ إنْ كَانَ صِفَةَ فِعْلٍ كَالْخَالِقِ وَلَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ إنْ كَانَ صِفَةَ ذَاتٍ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ لَيْسَتْ عَيْنًا وَلَا غَيْرًا أَيْ مُنْفَكَّةً وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا يَجْرِي فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ خَاصَّةً وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُضْطَرِبٌ مَعَ قِلَّةِ جَدْوَاهَا. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ) هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ وَمُتَابِعُوهُ (قَوْلُهُ: وَمَالَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ) فَقَالَ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى ثَابِتٍ لِلَّهِ جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِلَا تَوْقِيفٍ إذَا لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُهُ مُوهِمًا فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ عَارِفٍ وَفَقِيهٍ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ لَا بُدَّ مَعَ نَفْيِ ذَلِكَ الْإِيهَامِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعْظِيمِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ إلَى جَوَازِ إطْلَاقِ مَا عُلِمَ اتِّصَافُهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى طَرِيقِ التَّوَصُّفِ دُونَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ إجْزَاءَ الصِّفَةِ إخْبَارٌ بِثُبُوتِ مَدْلُولِهَا فَيَجُوزُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَدْلُولِ إلَّا لِمَانِعٍ بِخِلَافِ

بَلْ يُؤْثِرُهُ عَلَى الْجَزْمِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ) الْمَجْهُولَةِ وَهُوَ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ (وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ) تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْمُحِيطِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْإِيمَانِ (لَا شَكًّا فِي الْحَالِ) فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ فِي الْحَالِ مُتَحَقِّقٌ لَهُ جَازِمٌ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ إلَى الْخَاتِمَةِ الَّتِي يَرْجُو أَحْسَنَهَا وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِإِيهَامِهِ الشَّكَّ فِي الْحَالِ فِي الْإِيمَانِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَلَاذَّ الْكَافِرِ) أَيْ مَا أَلَذَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا (اسْتِدْرَاجٌ) مِنْ اللَّهِ لَهُ حَيْثُ: يُلِذُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ إلَى الْمَوْتِ فَهِيَ نِقْمَةٌ عَلَيْهِ يَزْدَادُ بِهَا عَذَابُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهُ نِعْمَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِأَنَّهُ الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ) الْمُشْتَمِلُ عَلَى النَّفْسِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ هُوَ النَّفْسُ لِأَنَّهَا الْمُدَبِّرَةُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْجَوْهَرَ هُوَ الْفَرْدُ وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ ثَابِتٌ) فِي الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ يُرَ عَادَةً إلَّا بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ وَنَفَى الْحُكَمَاءُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّسْمِيَةِ فَإِنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي الْمُسَمَّى وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَمَّنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ اهـ. وَفِي الْمَوَاقِفِ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ الْمَوْضُوعَةِ فِي اللُّغَاتِ بَلْ فِي الْأَسْمَاءِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ (قَوْلُهُ: بَلْ يُؤْثِرُهُ عَلَى الْجَزْمِ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ كَغَيْرِهِ الْجَزْمُ لِإِيهَامِ التَّعْلِيقِ بِالشَّكِّ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّمَا يُفِيدُ الْجَوَازَ لَا الْأَوْلَوِيَّةَ. (قَوْلُهُ: خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ الْمَجْهُولَةِ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَدَفْعِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالتَّبَرُّكِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَا شَكًّا فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ: وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ السَّعْدُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِيمَانِ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَعْنَى فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ أُرِيدَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ النَّجَاةُ وَالثَّمَرَاتُ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا قَطْعَ بِحُصُولِهِ فِي الْحَالِ فَمَنْ قَطَعَ بِالْحُصُولِ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَمَنْ فَوَّضَ إلَى الْمَشِيئَةِ أَرَادَ الثَّانِيَ وَنُقِلَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْإِيمَانَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِيهِ لَكِنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ إيمَانُ الْمُوَافَاةِ فَاعْتَنَى السَّلَفُ بِهِ وَقَرَنُوهُ بِالْمَشِيئَةِ وَلَمْ يَقْصِدُوا الشَّكَّ فِي الْإِيمَانِ النَّاجِزِ وَمَعْنَى الْمُوَافَاةِ الْإِتْيَانُ وَالْوُصُولُ آخِرَ الْحَيَاةِ وَأَوَّلَ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُنْجِيَ وَالْكُفْرَ الْمُهْلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِالضِّدِّ لَا مَا ثَبَتَ أَوَّلًا وَتَغَيَّرَ إلَى الضِّدِّ فَلِذَلِكَ تَرَى الْكَثِيرَ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ يَبُتُّونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِيمَانِ الْمُوَافَاةِ وَسَعَادَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُنْجِي لَا بِمَعْنَى أَنَّ إيمَانَ الْحَالِ لَيْسَ بِإِيمَانٍ وَكُفْرَهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَكَذَا السَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ وَالْوِلَايَةُ وَالْعَدَاوَةُ اهـ. . (قَوْلُهُ: مَلَاذَّ الْكَافِرِ) أَيْ مَا أَلَذَّهُ اللَّهُ بِهِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ اسْتِدْرَاجًا وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الِاسْتِدْرَاجِ الَّذِي هُوَ الْإِلْذَاذُ إذْ نَفْيُ إطْلَاقِ الِاسْتِدْرَاجِ عَلَى الْمَلَاذِّ تَجَوُّزٌ اهـ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: اسْتِدْرَاجٌ) مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ طَلَبُ التَّدَرُّجِ وَهُوَ التَّنَقُّلُ فِي الدَّرَجَاتِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مُطْلَقِ التَّنَقُّلِ وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَنَقُّلُ الْكَافِرِ فِيمَا يَتَأَكَّدُ بِهِ اسْتِحْقَاقُهُ الْعَذَابَ حَيْثُ تَمَادَى فِي كُفْرِهِ مَعَ وُصُولِ النِّعَمِ إلَيْهِ فَهِيَ نِقَمٌ فِي صُورَةِ نِعَمٍ فَسَمَّاهَا الْأَشَاعِرَةُ نِقَمًا نَظَرًا إلَى حَقِيقَتِهَا وَالْمُعْتَزِلَةُ نِعَمًا نَظَرًا إلَى صُورَتِهَا اهـ. زَكَرِيَّا. وَأَقُولُ بِهَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ خِلَافٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ نِزَاعًا بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِأَنَّهُ) أَيْ مَثَلًا، وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الضَّمَائِرِ وَالْخِلَافُ هُنَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ نَاحِيَةِ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْجَوْهَرَ هُوَ الْفَرْدُ إلَخْ) الْخِلَافُ فِي إثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ عِنْدَهُمْ يَنْبَنِي عَلَى نَفْيِهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْ عَقَائِدِهِمْ فَبِإِبْطَالِهِ يَبْطُلُ مَا أَسَّسُوهُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ كَثُرَ الِاسْتِدْلَال مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى إبْطَالِهِ وَثُبُوتِهِ حَتَّى إنَّ إثْبَاتَ الْهُيُولِيِّ فِي الْأَجْسَامِ الْمُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَامْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ فِي الْأَفْلَاكِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَقَائِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ مُعْظَمُ أَدِلَّتِهَا تَدُورُ عَلَى نَفْيِهِ وَمِنْ أَدِلَّةِ الْإِثْبَاتِ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا كُرَةً حَقِيقَةً أَيْ لَا خَطَّ فِيهَا مُسْتَقِيمٌ وَوَضَعْنَاهَا عَلَى سَطْحٍ مُسْتَقِيمٍ لَمْ تُلَاقِهِ إلَّا بِجُزْءٍ

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا حَالَّ أَيْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ (إمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي قَوْلِهِمَا كَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ كَالْعَالَمِيَّةِ وَاللَّوْنِيَّةِ لِلسَّوَادِ مَثَلًا وَعَلَى الْأَوَّلِ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ) يَعْتَبِرُهَا الْعَقْلُ (لَا وُجُودِيَّةٌ) بِالْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَقَالَ الْحُكَمَاءُ الْأَعْرَاضُ النِّسْبِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ وَهِيَ سَبْعَةٌ الْأَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَجَزَّأُ أَوْ مِنْ أَدِلَّةِ الْإِبْطَالِ لَوْ فَرَضْنَا جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ بَيْنَ جُزْأَيْنِ وَتَلَاصَقَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَسَطُ مَانِعًا مِنْ التَّلَاقِي أَوْ لَا، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَزِمَ تَدَاخُلُ الْأَجْسَامِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي فَمَا بِهِ يُلَاقِي أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ غَيْرُ مَا بِهِ يُلَاقِي الْآخَرَ فَيَلْزَمُ انْقِسَامُهُ وَالْغَرَضُ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْقَسِمٍ هَذَا خُلْفٌ وَلِلْفَرِيقَيْنِ أَدِلَّةٌ غَيْرُ هَذَيْنِ ذَكَرْنَا مِنْهَا بَعْضَهَا فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى. قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَأَدِلَّةُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ وَلِهَذَا مَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى التَّوَقُّفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ إنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ أَيْ مُتَّحِدَةٌ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بِالْعَوَارِضِ وَهَذَا أَصْلٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ كَإِثْبَاتِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ النُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ فَإِنَّ اخْتِصَاصَ كُلِّ جِسْمٍ بِصِفَاتِهِ الْمُعَيَّنَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِمُرَجِّحٍ مُخْتَارٍ إذْ نِسْبَةُ الْمُوجَبِ إلَى الْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ وَلَمَّا صَارَ عَلَى كُلِّ جِسْمٍ مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ كَالْبَرْدِ عَلَى النَّارِ وَالْحَرْقِ عَلَى الْمَاءِ ثَبَتَ جَوَازُ مَا نُقِلَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَمَبْنَى هَذَا الْأَصْلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ أَجْزَاءَ الْجِسْمِ لَيْسَتْ إلَّا الْجَوَاهِرُ الْفَرْدَةُ وَإِنَّهَا مُتَمَاثِلَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا اخْتِلَافُ حَقِيقَةٍ وَلَا مَحِيصَ لِمَنْ اعْتَرَفَ بِتَمَاثُلِ الْجَوَاهِرِ وَاخْتِلَافِ الْأَجْسَامِ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ جَعْلِ بَعْضِ الْأَعْرَاضِ دَاخِلَةً فِيهَا اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا حَالَ) هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِمَوْجُودٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً وَلَا مَعْدُومَةً وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى نَفْيِهَا (قَوْلُهُ: وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) أَيْ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ ثَانِيًا ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ وَشَرْحِ التَّجْرِيدِ أَيْضًا وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الشَّامِلِ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْمَدَارِكِ كَمَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا الْوُجُودُ وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوُجُودَاتِ كُلِّهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ إذْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَسَاوَى غَيْرَهُ مِنْ الْمَاهِيَّاتِ فِي الْوُجُودِ فَيَزِيدُ وُجُودُ الْوُجُودِ عَلَى مَاهِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَاهِيَّتَهُ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْمَاهِيَّاتِ وَمَا بِهِ الْمُسَاوَاةُ زَائِدٌ عَلَى مَا بِهِ الْمُخَالَفَةُ فَلِلْوُجُودِ وُجُودٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَيْهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَأَنَّهُ مُحَالٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْوُجُودَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ الْوُجُودُ بِمُنَافِيهِ وَهُوَ الْعَدَمُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ مَوْجُودًا وَلَا مَعْدُومًا كَانَ صِفَةً غَيْرَ مَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ قَائِمَةً بِمَوْجُودٍ وَهُوَ الْحَالُ. وَأُجِيبَ مِنْ ظَرْفِ النَّافِي بِمَنْعِ قَوْلِهِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَسَاوَى غَيْرَهُ إلَخْ بِأَنَّ وُجُودَهُ عَيْنُ ذَاتِهِ وَيَمْتَازُ عَنْ سَائِرِ الْوُجُودَاتِ بِقَيْدٍ سَلْبِيٍّ وَهُوَ أَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ عَارِضٍ لِلْمَاهِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوُجُودَاتِ فَلَا يَتَسَلْسَلُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاهِيَّاتِ عِنْدَهُ غَيْرُ عَارِضٍ لَهَا وَلَا عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ فَإِنَّ وُجُودَهُ تَعَالَى عِنْدَهُمْ غَيْرُ ذَاتِهِ فَهَذَا الْقَيْدُ السَّلْبِيُّ لَا يَصْلُحُ لِلتَّمْيِيزِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ اهـ. مِنْ شَرْحِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَلَى الطَّوَالِعِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ النِّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ هَذَا شُرُوعٌ فِي مَبْحَثِ الْمَقُولَاتِ الْعَشْرِ وَقَدْ أَسْقَطَ مِنْهَا الْجَوْهَرَ وَالْكَمَّ وَالْكَيْفَ وَقَدْ أَفْرَدَهَا الْعُلَمَاءُ بِالتَّأْلِيفِ وَأَشْبَعَ الْقَوْلَ فِيهَا السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ وَوَضَعْنَا عَلَيْهِ حَاشِيَةً أَشْبَعْنَا فِيهَا الْقَوْلَ جِدًّا وَأَتَيْنَا فِيهَا بِغَرَائِبِ النُّقُولِ وَلَخَصَّ مِنْهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ السِّجَاعِيُّ رِسَالَةً زَادَ فِيهَا بَعْضَ أَشْيَاءَ وَوَضَعْنَا عَلَيْهَا حَاشِيَتَيْنِ فَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ مَبْحَثِهَا فَلْيَرْجِعْ لَهَا ثُمَّ إنَّ عَطْفَ الْإِضَافَاتِ عَلَى النِّسَبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَإِنَّ النِّسَبَ مَا يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى تَعَقُّلِ غَيْرِهَا وَتَخْتَصُّ الْإِضَافَةُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ طَرَفَيْهَا نِسْبَةٌ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ (قَوْلُهُ: بِالْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ) بَلْ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا وُجُودَ لَهَا إلَّا فِي الذِّهْنِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ صَادِقَهَا لَهُ تَحَقُّقٌ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ كَاذِبِهَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَتَمَّ الْبَيَانِ فِي حَاشِيَةِ مَقُولَاتِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ السِّجَاعِيِّ وَقَدْ

وَهُوَ حُصُولُ الْجِسْمِ فِي الْمَكَانِ وَالْمَتَى وَهُوَ حُصُولُ الْجِسْمِ فِي الزَّمَانِ وَالْوَضْعُ وَهُوَ هَيْئَةٌ تَعْرِضُ لِلْجِسْمِ بِاعْتِبَارِ نِسْبَةِ أَجْزَائِهِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَنِسْبَتِهَا إلَى الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ كَالْقِيَامِ وَالِانْتِكَاسِ وَالْمُلْكِ وَهُوَ هَيْئَةٌ تَعْرِضُ لِلْجِسْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يُحِيطُ بِهِ وَتَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ كَالتَّقَمُّصِ وَالتَّعَمُّمِ وَإِنْ يُفْعَلُ وَهُوَ تَأْثِيرُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِهِ مَا دَامَ يُؤَثِّرُ وَإِنْ يَنْفَعِلْ وَهُوَ تَأْثِيرُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ مَا دَامَ يَتَأَثَّرُ كَحَالِ الْمُسَخَّنِ مَا دَامَ يُسَخَّنُ وَالْمُتَسَخِّنِ مَا دَامَ يَتَسَخَّنُ وَالْإِضَافَةُ وَهِيَ نِسْبَةٌ تَعْرِضُ لِلشَّيْءِ بِالْقِيَاسِ إلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَرَضَ لَا يَقُومُ بِالْعَرَضِ) وَإِنَّمَا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ أَوْ الْمُرَكَّبِ أَيْ الْجِسْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَوَّزَ الْحُكَمَاءُ قِيَامَ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ إلَّا أَنَّهُ بِالْآخِرَةِ تَنْتَهِي سِلْسَةُ الْأَعْرَاضِ إلَى جَوْهَرٍ أَيْ جَوَّزُوا اخْتِصَاصَ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ اخْتِصَاصَ النَّعْتِ بِالْمَنْعُوتِ كَالسُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ لِلْحَرَكَةِ وَعَلَى الْأَمْوَالِ وَهُمَا عَارِضَانِ لِلْجِسْمِ أَيْ إنَّهُ يَعْرِضُ لَهُ لَا تَخَلُّلُ الْحَرَكَةِ فِيهِ بِسَكَنَاتٍ أَوْ تَخَلُّلُهَا بِذَلِكَ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْعَرَضَ (لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَثْنَى طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْهَا الْأَيْنَ وَقَالُوا بِوُجُودِهِ خَارِجًا وَسَمَّوْهُ الْأَكْوَانَ الْأَرْبَعَةَ وَهِيَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ وَقَالَ الْحُكَمَاءُ الْأَعْرَاضُ النَّسَبِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ. وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَنَّهَا لَوْ وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ لَكَانَتْ حَاصِلَةً فِي مُحَالِهَا ضَرُورَةً وَلَوْ كَانَتْ حَاصِلَةً فِي مُحَالِهَا لَوُجِدَ حُصُولُهَا فِي مُحَالِهَا لِكَوْنِ حُصُولِهَا مِنْ الْأُمُورِ النَّسَبِيَّةِ فَيَكُونُ لِحُصُولِهَا فِي مُحَالِهَا مُحَالٌ آخَرُ وَنَنْقُلُ الْكَلَامَ إلَى حُصُولِ ذَلِكَ الْحُصُولِ فِي الْمُحَالِ وَيَتَسَلْسَلُ. فِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ الْحُصُولِ نَفْسُ الْحُصُولِ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرُوا وَأَيْضًا مَنْقُوضٌ بِالْأَيْنِ اهـ. قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْعَرَضَ لَا يَقُومُ بِالْعَرَضِ) هَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ قَالُوا إنَّ مَعْنَى قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْمَحَلِّ أَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ فِي التَّحَيُّزِ فِيمَا يَقُومُ بِهِ الْعَرَضُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا بِالذَّاتِ لِيَصِحَّ كَوْنُ الشَّيْءِ تَابِعًا لَهُ وَالْمُتَحَيِّزُ بِالذَّاتِ لَيْسَ إلَّا الْجَوْهَرُ وَالْمُجَوِّزُونَ يَمْنَعُونَ تَفْسِيرَ الْقِيَامِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَيُفَسِّرُونَهُ بِاخْتِصَاصِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ بِحَيْثُ يَصِيرُ نَعْتًا لَهُ وَهُوَ مَنْعُوتًا بِهِ كَاخْتِصَاصِ الْبَيَاضِ بِالْجِسْمِ لَا الْجِسْمِ بِالْمَكَانِ وَالْقِيَامُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالْمُتَحَيِّزِ كَمَا فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ مَعَ اسْتِحَالَةِ التَّحَيُّزِ عَلَيْهِ جَلَّ شَأْنُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ) أَيْ بَعْضِ الْأَعْرَاضِ لَا كُلِّهَا فَقَدْ قَالَ السَّعْدُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْأَظْهَرُ أَنَّ مَا عَدَا الْأَكْوَانَ لَا يَعْرِضُ إلَّا لِلْأَجْسَامِ اهـ. وَهُوَ وَجِيهٌ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ هَلْ يَقْبَلُ الْحَيَاةَ وَالْأَعْرَاضَ الْمَشْرُوطَ بِهَا كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ فَيُجَوِّزُهُ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَنْكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ وَأَنْكَرَ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَكْلٌ اهـ. (قَوْلُهُ: تَنْتَهِي سِلْسِلَةُ الْأَعْرَاضِ إلَى جَوْهَرٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قِيَامَ بَعْضِ الْأَعْرَاضِ بِالْبَعْضِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ قِيَامِ الْكُلِّ بِذَلِكَ الْجَوْهَرِ بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلًّا مُقَوِّمًا لِلْحَالِّ وَلِأَنَّ الْكُلَّ فِي حَيِّزِ ذَلِكَ الْجَوْهَرِ تَبَعًا وَهُوَ مَعْنَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ: لَا تَخَلُّلُ إلَخْ) فَاعِلُ يَعْرِضُ أَيْ عَدَمُ تَخَلُّلِ الْحَرَكَةِ، وَخَفَاءُ عِبَارَتِهِ غَيْرُ خَفِيٍّ وَأَوْضَحُ مِنْهُ قَوْلُ السَّعْدِ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ إنَّ السُّرْعَةَ أَوْ الْبُطْءَ لَيْسَ عَرَضًا قَائِمًا بِالْحَرَكَةِ زَائِدًا عَلَيْهَا بَلْ الْحَرَكَةُ أَمْرٌ مُمْتَدٌّ يَتَخَلَّلُهُ سَكَنَاتٌ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ بِاعْتِبَارِهَا تُسَمَّى سَرِيعَةً أَوْ بَطِيئَةً وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْبُطْءَ لَيْسَ لِتَخَلُّلِ السَّكَنَاتِ فَالْحَرَكَةُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ وَالسُّرْعَةُ وَالْبُطْءُ عَائِدَانِ إلَى الذَّاتِيَّاتِ دُونَ الْعَرَضِيَّاتِ أَوْ هُمَا مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ اللَّاحِقَةِ لِلْحَرَكَةِ بِحَسَبِ الْإِضَافَةِ إلَى حَرَكَةٍ أُخْرَى تَقْطَعُ الْمَسَافَةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي زَمَانٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ فَتَكُونُ السُّرْعَةُ بُطْئًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْرَاعِ انْتَهَى وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِكَلَامِ شَارِحِنَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَرَكَاتِ السَّرِيعَةَ لَا سَكَنَاتِ فِيهَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ إلَخْ) فِي كَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَصَحِّ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ الْأَشْعَرِيِّ وَبَعْضٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ تَبِعُوهُ فِيهَا وَهِيَ

بَلْ يَنْقَضِي وَيَتَجَدَّدُ مِثْلُهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَهَكَذَا عَلَى التَّوَالِي حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَيْ يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةُ أَنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَمِرٌّ بَاقٍ وَقَالَ الْحُكَمَاءُ إنَّهُ يَبْقَى إلَّا الْحَرَكَةَ وَالزَّمَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَرَضٌ وَسَيَأْتِي. (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْعَرَضَ (لَا يَحِلُّ مَحَلَّيْنِ) فَسَوَادُ أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ مَثَلًا غَيْرُ سَوَادِ الْآخَرِ وَإِنْ تَشَارَكَا فِي الْحَقِيقَةِ وَقَالَ قُدَمَاءُ الْمُتَكَلِّمِينَ الْقُرْبُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِطَرَفَيْنِ يَحِلُّ مَحَلَّيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مُخَالِفٌ لِقُرْبِ الْآخَرِ بِالشَّخْصِ وَإِنْ تَشَارَكَا فِي الْحَقِيقَةِ وَكَذَا نَحْوُ الْقُرْبِ كَالْجِوَارِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) الْعَرَضَيْنِ (الْمِثْلَيْنِ) بِأَنْ يَكُونَا مِنْ نَوْعٍ (لَا يَجْتَمِعَانِ) فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَجَوَّزَتْ الْمُعْتَزِلَةُ اجْتِمَاعَهُمَا مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الْجِسْمَ الْمَغْمُوسَ فِي الصِّبْغِ لِيَسْوَدَّ يَعْتَرِضُ لَهُ سَوَادٌ ثُمَّ آخَرُ وَآخَرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ السَّوَادِ بِالْمُكْثِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عُرُوضَ السَّوَادِ لَهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ بَلْ الْبَدَلِ فَيَزُولُ الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَعِيفَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ سَفْسَطَةٌ وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ جَعْلُهُمْ عِلَّةَ احْتِيَاجِ الْمُمْكِنِ إلَى الْفَاعِلِ هِيَ الْحُدُوثُ فَأَلْزَمُوا انْتِفَاءَ الِاحْتِيَاجِ بَعْدَ حُدُوثِهِ فَقَالُوا إنَّ بَقَاءَ الْجَوْهَرِ مَشْرُوطٌ بِالْعَرَضِ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ وَمَنْ قَالَ إنَّ عِلَّةَ الِاحْتِيَاجِ الْإِمْكَانُ لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْإِمْكَانِ بَاقٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى بِوَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَرَضَ اسْمٌ لِمَا يَمْتَنِعُ بَقَاؤُهُ بِدَلَالَةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ يُقَالُ عَرَضَ لِفُلَانٍ أَمْرٌ أَيْ مَعْنًى لَا قَرَارَ لَهُ وَهَذَا أَمْرٌ عَارِضٌ وَهَذِهِ الْحَالَةُ لَيْسَتْ بِأَصْلِيَّةٍ بَلْ عَارِضَةٌ وَلِهَذَا سُمِّيَ السَّحَابُ عَارِضًا وَلَيْسَ اسْمًا لِمَا يَعْرِضُ بِذَاتِهِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى مَحَلٍّ يُقَوِّمُهُ إذْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ مَا يُنْبِئُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فَإِمَّا بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَدُومَ بِدَوَامِهِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ هُوَ الْبَقَاءُ وَأَنْ يَتَّصِفَ بِسَائِرِ صِفَاتِهِ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّقَوُّمِ بِالذَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِنْ تَوَابِعِ الْبَقَاءِ وَإِمَّا بِبَقَاءٍ آخَرَ فَيَلْزَمُ أَنْ يُمْكِنَ بَقَاؤُهُ مَعَ فَنَاءِ الْمَحَلِّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِبَقَائِهِ بِبَقَائِهِ. قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا يُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الدَّوَامِ لَا عَنْ عَدَمِ الْبَقَاءِ زَمَانَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَلْزَمُ فِي الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْنَى بِالْكُلِّيَّةِ فِيهِ وَلِأَنَّ بَقَاءَهُ بِبَقَاءٍ آخَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ بَقَائِهِ مَعَ فَنَاءِ الْمَحَلِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ مَشْرُوطًا بِبَقَاءِ الْمَحَلِّ كَوُجُودِهِ بِوُجُودِهِ هُوَ. أَيْضًا الْبَقَاءُ عَرَضٌ قَائِمٌ بِذَاتِ الْبَاقِي وَلَا يَقُومُ الْعَرَضُ بِالْعَرَضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَقَاءَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِذَاتِ الْبَاقِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى امْتِنَاعِهِ ضَعِيفَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا الْحَرَكَةَ وَالزَّمَانَ) وَكَذَا الْأَصْوَاتُ وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُهِرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ سَيَّالَةٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا وَاللَّفْظُ نَوْعٌ مِنْ الصَّوْتِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْعَرَضَ لَا يَحِلُّ مَحَلَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بِمَحَلَّيْنِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ هُوَ تَشَخُّصُ ذَلِكَ الْعَرَضِ وَهَذَا الْمَطْلَبُ ضَرُورِيٌّ وَالضَّرُورَاتُ قَدْ يُنَبَّهُ عَلَيْهَا وَأَجْلَى مِنْهُ بَدَاهَةً امْتِنَاعُ قِيَامِ الْعَرَضِ بِنَفْسِهِ فَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ عَرَضِيَّةٍ حَادِثَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ، مُكَابَرَةٌ مَحْضَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ قُدَمَاءُ الْمُتَكَلِّمِينَ) الْمُرَادُ بِهِمْ - كَمَا قِيلَ - الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ وَلَفْظُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَعُمُّ سَائِرَ الْفِرَقِ مَا عَدَا الْفَلَاسِفَةَ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الشَّيْخِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ تَكَلَّمُوا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ قُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ وَعَزَاهُ فِي الْمَوَاقِفِ لِقُدَمَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ. اهـ. أَقُولُ وَهُوَ مُعَرَّفٌ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ لِقُدَمَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَكَذَا نَحْوُ الْقُرْبِ) أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِطَرَفَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ فَتَدْخُلُ مَقُولَةُ الْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَرَضَيْنِ الْمِثْلَيْنِ) قَيَّدَ الشَّارِحُ بِالْعَرَضَيْنِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمِثْلَيْنِ أَعَمُّ إذْ الْمِثْلَانِ مَوْجُودَانِ يَتَشَارَكَانِ فِي حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَا عَرَضَيْنِ أَوْ جِسْمَيْنِ أَوْ جَوْهَرَيْنِ وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَعْرَاضِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) أَيْ كَالسَّوَادَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَا مِنْ نَوْعَيْنِ فَهُمَا ضِدَّانِ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا قَطْعًا (قَوْلُهُ: فَيَزُولُ الْأَوَّلُ إلَخْ) عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ الْأَوَّلُ

وَيَخْلُفُهُ الثَّانِي وَهَكَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (كَالضِّدَّيْنِ) فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ (بِخِلَافِ الْخِلَافَيْنِ) وَهُمَا أَعَمُّ مِنْ الضِّدَّيْنِ فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ مِنْ حَيْثُ الْأَعَمِّيَّةُ كَالسَّوَادِ وَالْحَلَاوَةِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ يَجُوزُ ارْتِفَاعُ الشَّيْئَيْنِ (أَمَّا النَّقِيضَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ) كَالْقِيَامِ وَعَدَمِهِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ أَحَدَ طَرَفَيْ الْمُمْكِنِ) وَهُمَا الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ (لَيْسَ أَوْلَى بِهِ) مِنْ الْآخَرِ بَلْ هُمَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ جَوْهَرًا كَانَ أَوْ عَرَضًا عَلَى السَّوَاءِ وَقِيلَ: الْعَدَمُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ: وُقُوعًا فِي الْوُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخَلَفَهُ الثَّانِي وَهَكَذَا لَمَا قَوِيَ اللَّوْنُ وَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ طُولِ الْمُكْثِ وَعَدَمِهِ فِي اللَّوْنِ الْوَاحِدِ. وَالْمُشَاهَدَةُ حَاكِمَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَمَنْعُ ازْدِيَادِ اللَّوْنِ بِالْمُكْثِ مُكَابَرَةٌ فِي الْمَحْسُوسِ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ بَيَّنَ ضَعْفَهُ وَأَنَّهُ سَفْسَطَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا أَعَمُّ مِنْ الضِّدَّيْنِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهِمَا بِأَنَّهُمَا مَوْجُودَانِ لَا يَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ أَيْ سَوَاءٌ امْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا الضِّدَّانِ أَمْ لَا وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهِمَا بِأَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ لِخُرُوجِ الضِّدَّيْنِ كَالْمِثْلَيْنِ بِذَلِكَ فَالثَّلَاثَةُ مُتَبَايِنَةٌ وَالصِّفَاتُ النَّفْسِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ فِي وَصْفٍ لِشَيْءٍ بَعْدَهَا إلَى تَعَلُّقِ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ كَالْحَقِيقَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ وَالْوُجُودِ لِلْإِنْسَانِ وَيُقَابِلُهَا الصِّفَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ فِيمَا ذُكِرَ إلَى ذَلِكَ كَالتَّحَيُّزِ وَالْحُدُوثِ وَيُعَبَّرُ عَنْ الْأُولَى بِأَنَّهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ دُونَ مَعْنًى زَائِدٍ عَلَيْهَا وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: كَالسَّوَادِ وَالْحَلَاوَةِ) فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَبَايُنًا جُزْئِيًّا (قَوْلُهُ: وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْمِثْلِيَّةِ وَالضِّدِّيَةِ وَالْخِلَافِيَّةِ يَجُوزُ ارْتِفَاعُ الشَّيْئَيْنِ فَيَجُوزُ ارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَالضِّدَّيْنِ وَالْخِلَافَيْنِ عَنْ الْمَحَلِّ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: الْعَدَمُ أَوْلَى بِهِ بِهَذَا يُشْعِرُ كَلَامُ الْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا قَالَ الْأَوَّلُ فِي كِتَابِ الْفُصُوصِ الْمَاهِيَّةُ الْمَعْلُولَةُ لَهَا عَنْ ذَاتِهَا أَنْ لَيْسَتْ وَلَهَا عَنْ غَيْرِهَا أَنْ يُوجَدَ وَالْأَمْرُ الَّذِي عَنْ الذَّاتِ قَبْلَ الْأَمْرِ الَّذِي لَيْسَ عَنْ الذَّاتِ اهـ. قَالَ الثَّانِي فِي الْهَيْئَاتِ الشِّفَاءُ لِلْمَعْلُولِ فِي نَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ لَيْسَ وَلَهُ عَنْ عِلَّتِهِ أَنْ يَكُونَ آيِسًا وَاَلَّذِي يَكُونُ لِلشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ أَقْدَمُ عِنْدَ الذِّهْنِ بِالذَّاتِ لَا بِالزَّمَانِ عَنْ الَّذِي يَكُونُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ كُلُّ مَعْلُولٍ آيِسًا بَعْدَ لَيْسَ، بَعْدِيَّةٌ بِالذَّاتِ اهـ. فَهَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّ الْعَدَمَ مُقْتَضَى ذَاتِ الْمُمْكِنِ لَهُ تَقَدَّمَ بِالذَّاتِ عَلَى وُجُودِ الْمُمْكِنِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُمْكِنَ مُتَسَاوِي النِّسْبَةِ إلَى الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَكَمَا أَنَّ وُجُودَهُ يَكُونُ مِنْ الْغَيْرِ كَذَلِكَ عَدَمُهُ أَيْضًا يَكُونُ مِنْ الْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ مِنْ ذَاتِهِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ عَدَمُهُ مُقْتَضَى ذَاتِهِ لَكَانَ مُمْتَنِعًا بِالذَّاتِ وَقَدْ فَرَضْنَاهُ مُمْكِنًا بِالذَّاتِ هَذَا خُلْفٌ. وَأَجَابَ شَارِحُ الْفُصُوصِ أَنَّ الْمُمْكِنَ الْمَوْجُودَ لَمَّا كَانَ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ الْغَيْرِ وَاعْتُبِرَتْ ذَاتُهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ قَطْعًا وَهَذَا السَّلْبُ لِلْمَعْلُولِ ثَابِتٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْوُجُودِ أَوْ فِي حَالَةِ الْعَدَمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْعَدَمِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وُجُودِ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الْعَقْلِ حَاكِمٌ بِأَنَّ وُجُودَهُ مِنْ الْغَيْرِ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي ذَاتِهِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْغَيْرِ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ اتِّصَافَهُ بِالْعَدَمِ الَّذِي هُوَ رَفْعُ الْوُجُودِ وَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ مِنْ مُقْتَضَى ذَاتِهِ لِيَلْزَمَ الْمُحَالُ فَإِنَّ ذَلِكَ بَيِّنُ الْبُطْلَانِ لَا يَتَفَوَّهُ بِهِ عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ عُظَمَاءِ الْحُكَمَاءِ أَوْ نَقُولُ الْمُرَادُ لِلْمَعْلُولِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ عَدَمُ اقْتِضَاءِ الْوُجُودِ وَلَا استحقاقيته لَا عَدَمُ الْوُجُودِ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ الِاقْتِضَاءِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى ذَاتِ الْمَعْلُولِ مُقَدَّمٌ عَلَى وُجُودِ الْمَعْلُولِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ الِاقْتِضَاءِ فِي ذَاتِ الْمَعْلُولِ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُجُودُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ أَمَّا اقْتِضَاءُ الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ وُجُودَ الْوَاجِبِ لَا وُجُودَ الْمُمْكِنِ الْمَعْلُولِ أَوْ اقْتِضَاءَ الْعَدَمِ فَيَصِيرُ مُمْتَنِعًا بِالذَّاتِ لَا مَوْجُودًا وَعَلَى أَيِّهِمَا كَانَ صَحَّ قَوْلُهُمْ الْحُدُوثُ مُسْتَوْفِيهِ الْوُجُودُ بِالْعَدَمِ فَإِنْ كَانَ السَّبْقُ بِالزَّمَانِ فَحُدُوثٌ زَمَانِيٌّ. وَإِنْ كَانَ بِالذَّاتِ فَحُدُوثٌ ذَاتِيٌّ غَايَتُهُ أَنْ

لِتَحَقُّقِهِ بِانْتِفَاءِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ لِلْوُجُودِ الْمُفْتَقِرِ فِي تَحَقُّقِهِ إلَى تَحَقُّقِ جَمِيعِهَا وَقِيلَ: الْوُجُودُ أَوْلَى بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ هُوَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) الْمُمْكِنَ (الْبَاقِيَ مُحْتَاجٌ) فِي بَقَائِهِ (إلَى السَّبَبِ) أَيْ الْمُؤَثِّرِ وَقِيلَ: لَا (وَيَنْبَنِي) هَذَا الْخِلَافُ (عَلَى أَنَّ عِلَّةَ احْتِيَاجِ الْأَثَرِ) أَيْ الْمُمْكِنِ فِي وُجُودِهِ (إلَى الْمُؤَثِّرِ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي يُلَاحِظُهَا الْعَقْلُ فِي ذَلِكَ (الْإِمْكَانُ) أَيْ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى الذَّاتِ (أَوْ الْحُدُوثُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ (أَوْ هُمَا) عَلَى أَنَّهُمَا (جُزْءَا عِلَّةٍ أَوْ الْإِمْكَانُ بِشَرْطِ الْحُدُوثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَدَمِ أَعَمَّ مِنْ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ هُنَا لِسَبَبٍ خَارِجٍ وَالْكَلَامُ فِي النَّظَرِ إلَيْهِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ) مِنْ نَاحِيَةِ مَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ وَانْتِفَاءِ الشَّرْطِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّجْرِيدِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَدَمُ مُؤَثِّرًا فِي الْوُجُودِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ التَّأْثِيرُ فِيهِ كَمَا يَجُوزُ تَوَقُّفُهُ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدْخَلِيَّةُ الشَّيْءِ فِي وُجُودٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ فَقَطْ كَالْفَاعِلِ وَالشَّرْطِ وَالْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ إلَخْ فَقَدْ أَدْخَلَ الشَّرْطَ فِي أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الْحَاشِيَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْأَجْزَاءِ يَعْنِي فِي الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِعَدَمِ الْمُرَكَّبِ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْدَامِ الْأُخَرِ فَإِذَا عُدِمَ جُزْءٌ مِنْ الْمُرَكَّبِ فِي زَمَانٍ وَلَمْ يُعْدَمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَا قَبْلَهُ جُزْءٌ آخَرُ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ الْعَدَمُ مَعَ ذَلِكَ الشَّرْطِ عِلَّةً تَامَّةً لِعَدَمِ الْمُرَكَّبِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ السَّيِّدِ فِي الْعِلَّةِ التَّامَّةِ وَكَلَامَ الشَّارِحِ مَفْرُوضٌ فِي الْعِلَّةِ النَّاقِصَةِ وَقَدْ يُمْنَعُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إذْ الْعِلَّةُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّامَّةُ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: هَذَا الْخِلَافُ جَعَلَ ضَمِيرَ يَنْبَنِي رَاجِعًا إلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَاقْتَضَى بِنَاءَ الْأَصَحِّ عَلَى أَوَّلِ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ فَقَطْ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ وَالْأَوْلَى رُجُوعُهُ إلَى الْأَصَحِّ لِيَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ دَفْعُ الْمُخَالَفَةِ الْآتِي اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: الْإِمْكَانُ) أَيْ وَهُوَ حَالَ الْبَقَاءِ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ لِلْمُمْكِنِ ضَرُورِيٌّ وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مُتَحَقِّقَةً كَانَ الْمَعْلُومُ مُتَحَقِّقًا فَيَكُونُ حَالَ الْبَقَاءِ مُفْتَقِرًا إلَى الْمُؤَثِّرِ لِوُجُودِ عِلَّةِ الِافْتِقَارِ وَهُوَ الْإِمْكَانُ وَهَاهُنَا شُبْهَةٌ هِيَ أَنَّهُ لَوْ افْتَقَرَ الْبَاقِي فِي حَالِ بَقَائِهِ إلَى الْمُؤَثِّرِ فَالْمُؤَثِّرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ أَوْ لَا وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ: أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ التَّأْثِيرَ يَسْتَدْعِي حُصُولَ الْأَثَرِ الْحَاصِلِ مِنْهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوُجُودُ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا جَدِيدًا وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. وَالثَّانِي أَيْضًا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَأْثِيرَ الْمُؤَثِّرِ فِي أَمْرٍ جَدِيدٍ لَا فِي الْبَاقِي وَقَدْ فَرَضْنَا أَنَّهُ أَثَّرَ فِي الْبَاقِي هَذَا خُلْفٌ وَالثَّانِي وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هُنَاكَ أَثَرٌ لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ حُصُولِ الْأَثَرِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ فِيهِ أَثَرٌ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَقَدْ فَرَضْنَا افْتِقَارَهُ إلَيْهِ هَذَا خُلْفٌ. وَأَجَابَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ حَالَ الْبَقَاءِ يُفِيدُ أَثَرًا لَيْسَ هُوَ الْوُجُودُ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ أَمْرًا جَدِيدًا هُوَ بَقَاءُ الْوُجُودِ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ ذَلِكَ وَبِهِ صَارَ بَاقِيًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ تَأْثِيرُهُ فِي الْبَاقِي حَتَّى يَلْزَمَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الْوُجُودُ الْأَوَّلُ الْمُتَّصِفُ بِصِفَةِ الْبَقَاءِ أَيْ الِاسْتِمْرَارِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي أَمْرٍ جَدِيدٍ غَيْرِ الْوُجُودِ الْأَوَّلِ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِي الْوُجُودِ الْأَوَّلِ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ فِي الْمُطْلَقِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَأْثِيرِهِ فِي الْمُقَيَّدِ انْتَهَى قَالَ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ هُوَ الْوُجُودُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْبَقَاءِ مَعَهُ وَالْمُقَيَّدُ هُوَ الْوُجُودُ الْأَوَّلُ مَأْخُوذًا مَعَ صِفَةِ الْبَقَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى اتِّصَافِهِ بِالْوُجُودِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُتَصَوَّرْ تَأْثِيرُهُ فِيهِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى دَوَامِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَهُوَ بَقَاؤُهُ فِيهِ وَاسْتِمْرَارُهُ فِيهِ كَانَ هُنَاكَ تَأْثِيرٌ بِأَنْ يَجْعَلَهُ بَاقِيًا مُسْتَمِرًّا إلَّا بِأَنْ يُوجَدَ بَقَاؤُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ لِمَا مَرَّ فَالتَّأْثِيرُ فِي الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ الْبَقَاءِ بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ مُتَّصِفًا لَا بِإِيجَادِ صِفَتِهِ وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْمَقْصِدِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِيهِ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَشْتَبِهُ الْحَالُ عَلَى

وَهِيَ أَقْوَالٌ) فَعَلَى أَوَّلِهَا يَحْتَاجُ الْمُمْكِنُ فِي بَقَائِهِ إلَى الْمُؤَثِّرِ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَعَلَى جَمِيعِ بَاقِيهَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ لَا فِي الْبَقَاءِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذِكْرِ هَذَا الْبِنَاءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الصَّحَائِفِ مَعَ إطْلَاقِ الْأَقْوَالِ وَتَقْدِيمِ الْإِمْكَانِ مِنْهَا إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْإِمْكَانِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْحُكَمَاءِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُهُمْ عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى لَا يُخَالِفَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَبْنَى التَّصْحِيحَ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ لَكِنْ دُفِعَتْ الْمُخَالَفَةُ بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ شَرْطَ بَقَاءِ الْجَوْهَرِ الْعَرَضُ وَالْعَرَضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَحْتَاجُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْمُؤَثِّرِ (وَالْمَكَانُ) الَّذِي لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْجِسْمَ يَنْتَقِلُ عَنْهُ وَإِلَيْهِ وَيَسْكُنُ فِيهِ فَيُلَاقِيهِ وَلَا بُدَّ بِالْمُمَاسَّةِ أَوْ النُّفُوذِ كَمَا سَيَأْتِي اُخْتُلِفَ فِي مَاهِيَّتِهِ (قِيلَ) هُوَ السَّطْحُ الْبَاطِنُ لِلْحَاوِي الْمُمَاسُّ (لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِنْ الْمَحْوِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاصِرِينَ بِتَغَيُّرِ الْعِبَارَاتِ اهـ. كَلَامُهُ. وَهَذَا مَطْلَبٌ نَفِيسٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْوَالٌ) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَبَقِيَ احْتِمَالٌ خَامِسٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ الْحُدُوثُ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا فَهَذَا الشَّرْطُ لَاغٍ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذِ مِنْ الصَّحَائِفِ) اسْمُ كِتَابٍ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى نَمَطِ الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ وَهُوَ جَلِيلُ الْقَدْرِ (قَوْلُهُ: مَعَ إطْلَاقِ الْأَقْوَالِ) أَيْ عَنْ التَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ دُفِعَتْ الْمُخَالَفَةُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ لَمَّا اشْتَرَطُوا فِي بَقَاءِ الْجَوْهَرِ الْعَرَضَ وَالْعَرَضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ لَزِمَ الِاحْتِيَاجُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْمُؤَثِّرِ سَوَاءٌ جَعَلْنَا الْعِلَّةَ الْحُدُوثَ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِمْكَانِ شَرْطًا أَوْ شَطْرًا قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّجْرِيدِ مَنْ قَالَ عِلَّةُ حَاجَةِ الْمُمْكِنِ إلَى الْمُؤَثِّرِ هِيَ الْحُدُوثُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ الْعِلَّةُ الْإِمْكَانُ بِشَرْطِ الْحُدُوثِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُمْكِنُ حَالَ بَقَائِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الْمُؤَثِّرِ إذْ لَا حُدُوثَ حَالَ الْبَقَاءِ فَلَا حَاجَةَ وَقَدْ الْتَزَمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِبَقَاءِ الْبِنَاءِ حَالَ فَنَاءِ الْبِنَاءِ وَقَالُوا إنَّ الْعَالَمَ مُحْتَاجٌ إلَى الصَّانِعِ فِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَبَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ جَازَ الْعَدَمُ عَلَى الصَّانِعِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا لَمَا ضَرَّ الْعَالَمَ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا أَمْرًا شَنِيعًا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْأَعْرَاضَ غَيْرُ بَاقِيَةٍ بَلْ هِيَ مُتَّحِدَةٌ دَائِمًا إمَّا بِتَعَاقُبِ الْأَمْثَالِ وَإِمَّا بِتَوَارُدِ الْوُجُودِ عَلَى عَدَمٍ بِعَيْنِهِ فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى الصَّانِعِ احْتِيَاجًا مُسْتَمِرًّا وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ أَعْنِي الْأَجْسَامَ وَمَا تَتَرَكَّبُ هِيَ مِنْهَا أَعْنِي الْجَوَاهِرَ الْفَرْدَةَ فَيَسْتَحِيلُ خُلُوُّهَا عَنْ الْأَكْوَانِ الْمُتَجَدِّدَةِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى الصَّانِعِ فَهِيَ أَيْضًا مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ دَائِمًا وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْإِمْكَانُ وَحْدَهُ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ الْبَاقِيَ مُحْتَاجٌ إلَى الْمُؤَثِّرِ حَالَ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ حَاجَتِهِ إلَى الْمُؤَثِّرِ هُوَ الْإِمْكَانُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَكَانُ إلَخْ) هُوَ لُغَةً مَا وُجِدَ فِيهِ سُكُونٌ أَوْ حَرَكَةٌ نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ ابْنِ جِنِّي (قَوْلُهُ: بِالْمُمَاسَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُلَاقِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ السَّطْحُ وَقَوْلُهُ أَوْ النُّفُوذِ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بُعْدٌ مَوْجُودٌ أَوْ مَوْهُومٌ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى دَلِيلِ وُجُودِ الْمَكَانِ وَحَاصِلُهُ أَنْ تَقُولَ الْمَكَانُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ وَمَقْصِدٌ لِلْمُتَحَرِّكِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَوْجُودٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ جُزْءًا لِلْجِسْمِ وَلَا حَالًّا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ فِيهِ الْجِسْمُ وَيَنْتَقِلُ بِالْحَرَكَةِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ جُزْءًا لِلْجِسْمِ وَلَا حَالًّا فِيهِ فَهُوَ إمَّا السَّطْحُ أَوْ الْبُعْدُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ السَّطْحُ إلَخْ) إلَيْهِ ذَهَبَ أرسطاطاليس وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْفَارَابِيُّ وَابْنُ سِينَا وَهُوَ التَّحْقِيقُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ لُزُومُ التَّسَلْسُلِ فِي الْأَجْسَامِ كُلِّهَا لَاحْتَاجَ الْجِسْمُ الْحَاوِي إلَى مَكَان آخَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِسْمٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَكَانٌ وَهَكَذَا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَنْعِ لُزُومِ التَّسَلْسُلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ لَمْ يَنْتَهِ الْجِسْمُ إلَى جِسْمٍ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ وَهُوَ مُحَالٌ فَإِنَّ الْفَلَكَ الْأَعْظَمَ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ بَلْ لَهُ وَضْعٌ فَقَطْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَكَانُ هُوَ السَّطْحُ الْمَذْكُورُ لَمَا كَانَ الْحَجَرُ الْوَاقِفُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي سَاكِنًا وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْمُشَاهَدَةِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمَكَانَ لَوْ كَانَ هُوَ السَّطْحُ الْمَذْكُورُ لَكَانَتْ الْحَرَكَةُ عِبَارَةً عَنْ مُفَارَقَةِ سَطْحٍ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ سَطْحٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ سَاكِنًا فَثَبَتَتْ الْمُلَازَمَةُ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَنْعِ أَنَّ الْحَرَكَةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَرَّدِ مُفَارَقَةِ السَّطْحِ الْمَذْكُورِ بَلْ عَنْ ذَلِكَ مَعَ تَوَجُّهِ الْمُتَحَرِّكِ نَحْوَ السَّطْحِ الْآخَرِ وَالتَّوَجُّهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، وَالْحَجَرُ الْوَاقِفُ فِي الْمَاءِ فَإِنَّ التَّوَجُّهَ فِي الْمَاءِ لَا لِلْحَجَرِ (قَوْلُهُ: كَالسَّطْحِ

كَالسَّطْحِ الْبَاطِنِ لِلْكُوزِ الْمُمَاسِّ لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِنْ الْمَاءِ الْكَائِنِ. (فِيهِ وَقِيلَ:) هُوَ (بُعْدٌ مَوْجُودٌ يَنْفُذُ فِيهِ الْجِسْمُ) بِنُفُوذِ بُعْدِهِ الْقَائِمِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْبُعْدِ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ النُّفُوذِ فِيهِ بُعْدُ الْجِسْمِ (وَقِيلَ:) هُوَ (بُعْدٌ مَفْرُوضٌ) أَيْ يُفْرَضُ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ نُفُوذِ بُعْدِ الْجِسْمِ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الْبُعْدُ الْمَفْرُوضُ (الْخَلَاءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاطِنِيِّ لِلْكُوزِ) قَدْ يَفْهَمُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَالْأَخْذُ مِنْ الظَّوَاهِرِ أَنَّ الْمَكَانَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِالْمُتَمَكِّنِ لِمَا أَنَّ السَّطْحَ الْمُلَاقِيَ لِلْمَاءِ مِنْ الْكُوزِ مُحِيطٌ بِهِ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ حَالُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَمَا إذَا عَلَّقْنَا جِسْمًا فِي الْجَوِّ بِنَاءً عَلَى وُقُوفِ فَهْمِهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمِثَالُ وَالْحَالُ أَنَّ الْجِسْمَ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ يُحِيطُ بِهِ مَكَانُهُ أَمَّا الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحَجَرُ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ مَثَلًا أَوْ الشَّخْصُ الْجَالِسُ فَإِنَّهُ يُحِيطُ بِهِ سَطْحٌ مِنْ الْأَرْضِ وَسُطُوحٌ مِنْ الْهَوَاءِ فَإِنَّ الْهَوَاءَ شَاغِلٌ لِلْفَرَاغَاتِ. وَأَمَّا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ وَالْجِسْمُ الْمُعَلَّقُ فِي الْجَوِّ فَقَدْ أَحَاطَ بِهِمَا سُطُوحٌ مِنْ الْهَوَاءِ وَاعْتُبِرَ حَالُ الْحَجَرِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُحِيطُ بِهِ سَطْحٌ مِنْ الْأَرْضِ وَآخَرُ مِنْ الْمَاءِ قَدْ يَكُونُ مَكْشُوفًا فَيُحِيطُ بِهِ سَطْحٌ آخَرُ مِنْ الْهَوَاءِ وَالسَّمَكُ السَّطْحُ الْمُحِيطُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ فَإِذَا كُنْت ذَا تَخَيُّلٍ صَحِيحٍ سَهُلَ عَلَيْك مَعْرِفَةُ مَكَانِ كُلِّ جِسْمٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ حِكْمَةِ الْعَيْنِ مَا يُوَضِّحُ هَذَا قَالَ إنَّ الْمَكَانَ قَدْ يَكُونُ سَطْحًا وَاحِدًا كَمَكَانِ الْفَلَكِ وَقَدْ يَكُونُ سُطُوحًا يَتَرَكَّبُ مِنْهَا مَكَانٌ كَالْمَاءِ فِي النَّهْرِ فَإِنَّ مَكَانَهُ مُرَكَّبٌ مِنْ سَطْحَيْنِ أَعْنِي سَطْحَ الْأَرْضِ تَحْتَهُ وَسَطْحَ الْهَوَاءِ فَوْقَهُ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ هَذِهِ السُّطُوحِ مُتَحَرِّكًا وَبَعْضُهَا سَاكِنًا كَالْحَجَرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ الْجَارِي عَلَيْهِ الْمَاءُ وَقَدْ يَكُونُ الْحَاوِي أَيْ الْمَكَانُ مُتَحَرِّكًا وَالْمَحْوِيُّ أَيْ الْمُتَمَكِّنُ سَاكِنًا كَحَالِ الْعَنَاصِرِ السَّاكِنَةِ مَعَ الْفَلَكِ وَقَدْ يَكُونَانِ مُتَحَرِّكَيْنِ كَالْأَفْلَاكِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: هُوَ بُعْدٌ مَوْجُودٌ) هَذَا رَأْيُ الْحُكَمَاءِ الْإِشْرَاقِيِّينَ وَمِنْهُمْ أَفْلَاطُونُ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ رَأْيُ الْمَشَّائِينَ وَهَذَا الْبُعْدُ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ أَيْ الْهُيُولِيِّ وَيُسَمَّى بُعْدًا مَفْطُورًا بَالِغًا لِبَدَاهَةِ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهَا فِطْرِيَّةٌ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِالْقَافِ وَلَهُ وَجْهٌ أَيْ بُعْدٌ لَهُ أَقْطَارٌ أَيْ أَطْرَافٌ فَهُوَ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ وَقَدْ اخْتَارَ هَذَا الْمَذْهَبَ النَّصِيرُ الطُّوسِيُّ قَائِلًا إنَّ الْأَمَارَاتِ تُسَاعِدُ أَنَّ الْمَكَانَ هُوَ الْبُعْدُ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِأَنَّ الْمَاءَ فِيمَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْإِنَاءِ يَزُولُ وَيُفَارِقُ وَيَحْصُلُ الْهَوَاءُ فِي ذَلِكَ الْبُعْدِ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا إذَا تَوَهَّمْنَا الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَجْسَامِ مَرْفُوعًا غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي الْإِنَاءِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْبُعْدُ الثَّابِتُ بَيْنَ أَطْرَافِهِ مَوْجُودًا وَذَلِكَ أَيْضًا مَوْجُودٌ عِنْدَمَا يَكُونُ هَذَا مَوْجُودًا مَعَهُ وَأَيْضًا كَوْنُ الْجِسْمِ فِي مَكَان لَيْسَ بِسَطْحِهِ بَلْ بِحَجْمِهِ وَكَمِّيَّتِهِ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ الْجِسْمُ مُسَاوِيًا لَهُ فَيَكُونُ بُعْدًا وَلِأَنَّ الْمَكَانَ مُسَاوٍ لِلتَّمَكُّنِ وَالْمُتَمَكِّنُ ذُو ثَلَاثَةِ أَقْطَارٍ فَالْمَكَانُ ذُو ثَلَاثَةِ أَقْطَارٍ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ) أَيْ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بُعْدَ الْجِسْمِ نَافِذٌ لَا مَنْفُوذٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ يُفْرَضُ فِيهِ مَا ذُكِرَ) لَوْ قَالَ هُوَ بُعْدٌ مَوْهُومٌ لَكَانَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِذَلِكَ وَلِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ مَوْجُودٌ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ يُفْرَضُ فِيهِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَوْهُومًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَلَاءُ) قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّجْرِيدِ الْخَلَاءُ الْمَكَانُ الْخَالِي عَمَّا يَشْغَلُهُ فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ بُعْدًا مُجَرَّدًا مَوْجُودًا فَخُلُوُّهُ أَنْ لَا يَنْطَبِقَ عَلَيْهِ بُعْدٌ مُتَمَكِّنٌ فِيهِ وَإِذَا انْطَبَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَلَاءً لَا خَلَاءً وَكَذَا الْحَالُ إنْ كَانَ الْمَكَانُ بُعْدًا مَوْهُومًا إلَّا أَنَّ الِانْطِبَاقَ هَاهُنَا يَكُونُ وَهْمِيًّا وَإِنْ كَانَ سَطْحًا فَخُلُوُّهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي دَاخِلِ تِلْكَ السَّطْحِ مُتَمَكِّنٌ فَإِنْ كَانَ فِي دَاخِلِهِ مَا يَمْلَؤُهُ كَانَ مَلَاءً لَا خَلَاءً وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ الْخَلَاءَ هُوَ الْمَكَانُ الْخَالِي عَنْ الْمُمْكِنِ فَالْقَائِلُونَ بِالسَّطْحِ لَمْ يُجَوِّزُوا أَنْ يَكُونَ دَاخِلَهُ خَالِيًا عَمَّا يَتَمَكَّنُ فِيهِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْدُومُ مَحْصُورًا فِيمَا بَيْنَ أَطْرَافِهِ قَابِلًا لِلِانْقِسَامِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ سُطُوحَ الْأَجْسَامِ مُتَلَاقِيَةٌ مُتَلَازِمَةٌ وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْبُعْدِ الْمَوْجُودِ فَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُهُمْ خُلُوَّهُ عَنْ الشَّاغِلِ وَكَذَا جَوَّزَهُ الْقَائِلُونَ بِالْبُعْدِ الْمَوْهُومِ وَعُرِّفَ الْخَلَاءُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِكَوْنِ الْجِسْمَيْنِ بِحَيْثُ يَتَلَاقَيَانِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَا يُلَاقِيهِمَا أَصْلًا فَالْخَلَاءُ عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ مَحْصُورٌ فِيمَا بَيْنَ الْأَجْسَامِ فَيَكُونُ بَاطِلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ لُزُومِ

وَالْخَلَاءُ جَائِزٌ (وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنُ الْجِسْمَيْنِ لَا يَتَمَاسَّانِ وَلَا) يَكُونُ (بَيْنَهُمَا مَا يُمَاسُّهُمَا) فَهَذَا الْكَوْنُ الْجَائِزُ هُوَ الْخَلَاءُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْبُعْدِ الْمَفْرُوضِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمَكَانِ فَيَكُونُ خَالِيًا عَنْ الشَّاغِلِ هَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْقَوْلَانِ قَبْلَهُ لِلْحُكَمَاءِ وَمَنَعُوا الْخَلَاءَ أَيْ خُلُوَّ الْمَكَانِ بِمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ عَنْ الشَّاغِلِ إلَّا بَعْضَ قَائِلِي الثَّانِي فَجَوَّزُوهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِ الْمَعْدُومِ مَحْصُورًا مُنْقَسِمًا وَأَمَّا الْخَلَاءُ بِمَعْنَى النَّفْيِ الْمَحْضِ فِيمَا وَرَاءَ الْأَجْسَامِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا انْحِصَارَ هُنَاكَ وَلَا امْتِيَازَ أَصْلًا إلَّا بِحَسَبِ الْوَهْمِ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسِ وَحُكْمُهُ فِيهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ حَرَكَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى اسْتِمَالَتِهِ اهـ. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْخَلَاءِ جَمِيعُ مَنْ يَقُولُ بِالْبُعْدِ الْمَوْهُومِ وَهُمْ الْمُتَكَلِّمُونَ وَبَعْضٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْبُعْدِ الْمَوْجُودِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ أَيْضًا قَالَ فَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ يَعْنِي مَذْهَبَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَذْهَبَ أَفْلَاطُونَ الْمَكَانُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَلَاءِ لَكِنَّ الْخَلَاءَ عَلَى مَذْهَبِ أَفْلَاطُونَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ اهـ. وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدُ إلَّا بَعْضَ قَائِلٍ بِالثَّانِي فَجَوَّزَهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنُ الْجِسْمَيْنِ) هَذِهِ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَلَا يَخْلُو مَا فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ فَإِنَّ الْخَلَاءَ هُوَ مَا بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ لَا الْكَوْنُ الْمَذْكُورُ وَيَدُلُّ لَهُ عِبَارَةُ السَّيِّدِ السَّابِقَةُ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ الْمُصَنِّفَ فِي ارْتِكَابِ التَّسَامُحِ بِقَوْلِهِ فَهَذَا الْكَوْنُ الْجَائِزُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ شَرْحِ كَلَامِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ لِسُهُولَةِ مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنَعُوا الْخَلَاءَ) وَضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْحُكَمَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلْخَلَاءِ جَمِيعُ مَنْ قَالَ بِالْفَرَاغِ الْمَوْهُومِ وَبَعْضٌ مِمَّنْ قَالَ بِالْبُعْدِ الْمَوْجُودِ الْقَائِلُ بِالِامْتِنَاعِ أَرْبَابُ السَّطْحِ وَبَعْضٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْبُعْدِ الْمُجَرَّدِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُجَوِّزِينَ وَالْحَاكِمِينَ بِالِامْتِنَاعِ أَدِلَّةٌ فَمِنْ الْمُجَوِّزِ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا صَفْحَةً مَلْسَاءَ فَوْقَ أُخْرَى مِثْلِهَا بِحَيْثُ يَتَمَاسُّ سَطْحَاهُمَا الْمُسْتَوِيَانِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا جِسْمٌ أَصْلًا وَرَفَعْنَا إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى رَفْعَةً فَفِي أَوَّلِ زَمَانِ الِارْتِفَاعِ يَلْزَمُ خُلُوُّ الْوَسَطِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَلِئُ بِالْهَوَاءِ الْوَاصِلِ إلَيْهِ مِنْ الْخَارِجِ بَعْدَ الْمُرُورِ بِالْأَطْرَافِ وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارُورَةَ إذَا مَضَتْ جِدًّا بِحَيْثُ خَرَجَ مَا فِيهَا مِنْ الْهَوَاءِ ثُمَّ كُبَّتْ عَلَى الْمَاءِ تَصَاعَدَ عَلَيْهَا الْمَاءُ وَلَوْ لَمْ تَصِرْ خَالِيَةً بَلْ فِيهَا مَلَاءٌ لَمَا دَخَلَهَا مَاءٌ كَحَالِهَا قَبْلَ الْمَصِّ وَمِنْ أَدِلَّةِ الْمَانِعِ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْخَلَاءُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الْحَرَكَةِ مَعَ الْمُعَاوِقِ مُسَاوِيًا لِزَمَانِ تِلْكَ الْحَرَكَةِ بِدُونِ الْمُعَاوِقِ. وَاللَّازِمُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، بَيَانُ اللُّزُومِ أَنَّا نَفْرِضُ حَرَكَةَ جِسْمٍ فِي فَرْسَخٍ مِنْ الْخَلَاءِ وَلَا مَحَالَةَ تَكُونُ فِي زَمَانٍ وَلْنَفْرِضْهُ سَاعَةً ثُمَّ نَفْرِضْ حَرَكَةَ ذَلِكَ الْجِسْمِ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ بِعَيْنِهَا فِي فَرْسَخٍ مِنْ الْمَلَاءِ وَلَا مَحَالَةَ يَكُونُ فِي زَمَانٍ أَكْثَرَ لِوُجُودِ الْعَائِقِ وَلْنَفْرِضْهُ سَاعَتَيْنِ ثُمَّ نَفْرِضْ حَرَكَتَهُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ فِي مَلَاءٍ أَرَقَّ مِنْ الْمَلَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى نِسْبَةِ زَمَانِ الْحَرَكَةِ فِي الْخَلَاءِ إلَى زَمَانِ حَرَكَةِ الْمَلَاءِ الْأَوَّلِ أَيْ يَكُونُ قِوَامُهُ نِصْفُ قِوَامِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الْحَرَكَةِ فِي الْمَلَاءِ الْأَرَقِّ سَاعَةً ضَرُورَةَ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَتْ الْمَسَافَةُ وَالْمُتَحَرِّكُ وَالْقُوَّةُ الْمُحَرِّكَةُ لَمْ تَكُنْ السُّرْعَةُ وَالْبُطْءُ أَعْنِي قِلَّةَ الزَّمَانِ وَكَثْرَتِهِ إلَّا بِحَسَبِ قِلَّةِ الْمُعَاوِقِ وَكَثْرَتِهِ فَيَلْزَمُ تَسَاوِي حَرَكَةِ ذِي الْمُعَاوِقِ أَعْنِي الَّتِي فِي الْمَلَاءِ الْأَرَقِّ وَزَمَانِ حَرَكَةِ عَدِيمِ الْمُعَاوِقِ أَعْنِي الَّتِي فِي الْخَلَاءِ مِنْهَا لَوْ وُجِدَ الْخَلَاءُ لَزِمَ انْتِفَاءُ أُمُورٍ نُشَاهِدُهَا وَنَحْكُمُ بِوُجُودِهَا قَطْعًا كَارْتِفَاعِ اللَّحْمِ فِي الْمِحْجَمَةِ عِنْدَ الْمَصِّ فَإِنَّهُ لَمَّا انْجَذَبَ الْهَوَاءُ بِالْمَصِّ تَبِعَهُ اللَّحْمُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْخَلَاءُ وَمِنْهَا ارْتِفَاعُ الْمَاءِ فِي الْأُنْبُوبَةِ إذَا أُدْخِلَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا فِي الْمَاءِ وَمُصَّ الطَّرَفُ الْآخَرُ وَمِنْهَا أَنَّ الْإِنَاءَ الضَّيِّقَ الرَّأْسِ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ ثُقْبٌ صَغِيرَةٌ إذَا مُلِئَ مَاءً فَانْفَتَحَ رَأْسُهُ نَزَلَ الْمَاءُ وَإِنْ سُدَّ لَمْ يَنْزِلْ لِئَلَّا يَقَعَ الْمَلَاءُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الثُّقْبَ بِالصِّغَرِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ وَاسِعَةً أَمْكَنَ نُزُولُ الْمَاءِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَيَصْعَدُ الْهَوَاءُ مِنْ نَاحِيَةٍ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْقَارُورَةِ الضَّيِّقَةِ الرَّأْسِ الْمَكْبُوبَةِ عَلَى الْمَاءِ فَإِنَّ نُزُولَ الْهَوَاءِ يَضْطَرِبُ فِي رَأْسِهَا بِمُزَاحَمَةِ صُعُودِ الْمَاءِ وَلِذَلِكَ يُسْمَعُ فِيهَا أَصْوَاتُ مُزَاحَمَتِهَا وَلِأَنَّا لَوْ وَضَعْنَا خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً أَوْ أُنْبُوبَةً مَسْدُودَةَ الرَّأْسِ فِي قَارُورَةٍ بِحَيْثُ يَكُونُ بَعْضُ الْأُنْبُوبَةِ دَاخِلَ الْقَارُورَةِ وَبَعْضُهَا خَارِجٌ عَنْهَا وَسَدَدْنَا رَأْسَ الْقَارُورَةِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُهَا هَوَاءٌ وَلَا يَخْرُجُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُسَدَّ الْخَلَلُ بَيْنَ عُنُقِ الْقَارُورَةِ وَالْأُنْبُوبَةِ سَدًّا مُحْكَمًا لَا يُمْكِنُ نُفُوذُ الْهَوَاءِ فِيهَا فَإِذَا أَدْخَلْنَا الْأُنْبُوبَةَ فِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ

(وَالزَّمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الْهَوَاءِ عَنْهَا انْكَسَرَتْ الْقَارُورَةُ إلَى خَارِجٍ وَإِذَا أَخْرَجْنَاهَا عَنْهَا بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْهَوَاءِ انْكَسَرَتْ إلَى دَاخِلٍ وَلَوْلَا أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ بِالْهَوَاءِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأُنْبُوبَةِ بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ شَيْئًا آخَرَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى امْتِنَاعِ الْخَلَاءِ وَقَدْ قَالَ شَارِحُ حِكْمَةِ الْعَيْنِ أَنَّ هَذِهِ إقْنَاعِيَّاتٌ لَا بُرْهَانِيَّاتٌ. وَأَقُولُ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ وَمَسْأَلَةُ إثْبَاتِ الْمَيْلِ فِي الْأَجْسَامِ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ وَبِتَحْقِيقِهِمَا مَا يَنْكَشِفُ لِلْفَطِنِ أَسْرَارٌ غَرِيبَةٌ وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ عِلْمِ جَرِّ الْأَثْقَالِ وَعِلْمِ الْحِيَلِ وَاسْتِحْدَاثِ الْآلَاتِ الْعَجِيبَةِ وَوَقَعَ فِي زَمَانِنَا أَنْ جُلِبَتْ كُتُبٌ مِنْ بِلَادِ الْإِفْرِنْجِ وَتُرْجِمَتْ بِاللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَفِيهَا أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ وَأَفْعَالٌ دَقِيقَةٌ اطَّلَعْنَا عَلَى بَعْضِهَا وَقَدْ اُسْتُخْرِجَتْ تِلْكَ الْأَعْمَالُ بِوَاسِطَةِ الْأُصُولِ الْهَنْدَسِيَّةِ وَالْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ وَتَكَلَّمُوا فِي الصِّنَاعَاتِ الْحَرْبِيَّةِ وَالْآلَاتِ النَّارِيَّةِ وَمَهَّدُوا فِيهَا قَوَاعِدَ وَأُصُولًا حَتَّى صَارَ ذَلِكَ عِلْمًا مُسْتَقِلًّا مُدَوَّنًا فِي الْكُتُبِ وَفَرَّعُوهُ إلَى فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ سَمَتْ بِهِ هِمَّتُهُ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى غَرَائِبِ الْمُؤَلَّفَاتِ وَعَجَائِبِ الْمُصَنَّفَاتِ انْكَشَفَ لَهُ حَقَائِقُ كَثِيرَةٌ مِنْ دَقَائِقِ الْعُلُومِ وَتَنَزَّهَتْ فِكْرَتُهُ إنْ كَانَتْ سَلِيمَةً فِي رِيَاضِ الْفُهُومِ: فَكُنْ رَجُلًا رِجْلُهُ فِي الثَّرَى ... وَهَامَةُ هِمَّتِهِ الثُّرَيَّا فَالنَّفْسُ الْإِنْسَانِيَّةُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى حَقَائِقِ الْمَعَارِفِ تَتَكَمَّلُ وَالْفَاضِلُ الْكَامِلُ بِمَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ يَتَفَوَّقُ وَيَتَفَضَّلُ لَا بِتَحْسِينِ هَيْئَةِ اللِّبَاسِ وَالْمُزَاحَمَةِ عَلَى التَّصَدُّرِ فِي مَجَالِسِ النَّاسِ. قَالَ الْحَكِيمُ الْفَارَابِيُّ: أَخِي خَلِّ بَاطِلَ ذِي حَيِّزٍ ... وَكُنْ وَالْحَقَائِقَ فِي حَيِّزِ فَمَا الدَّارُ دَارُ مُقَامٍ لَنَا ... وَمَا الْمَرْءُ فِي الْأَرْضِ بِالْمُعْجِزِ يُنَافَسُ هَذَا لِذَاكَ عَلَى ... أَقَلَّ مِنْ الْكَلِمِ الْمُوجَزِ مُحِيطُ الْعَوَالِمِ أَوْلَى بِنَا ... فَمَاذَا التَّنَافُسُ فِي الْمَرْكَزِ فَلَا تَجْعَلْ سَعْيَك لِغَيْرِ تَحْصِيلِ الْكَمَالَاتِ الْعِرْفَانِيَّةِ مَصْرُوفًا وَلَا تَتَّخِذْ غَيْرَ نَفَائِسِ الْكُتُبِ أَلِيفًا أَلُوفًا: وَلَا تَكُ مِنْ قَوْمٍ يُدِيمُونَ سَعْيَهُمْ ... لِتَحْصِيلِ أَنْوَاعِ الْمَآكِلِ وَالشُّرْبِ فَهَذِي إذَا عُدَّتْ طِبَاعَ بَهَائِمَ ... وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْبَهِيمِ وَذِي اللُّبِّ وَهَذِهِ نَفْثَةُ مَصْدُورٍ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ. لَعَمْرِي لَقَدْ تَسَاوَى الْفَطِنُ وَالْأَبْلَهُ الْأَفِنُ وَاسْتَنْسَرَ الْبُغَاثُ وَسُدَّ طَرِيقُ النَّظَرِ عَلَى الْمُنَاظِرِ الْبَحَّاثِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: وَالزَّمَانُ) أَنْكَرَ وُجُودَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَجَعَلُوهُ أَمْرًا اعْتِبَارِيًّا وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمْ وَأَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ جَعَلَهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَمِّ عَلَى مَا سَنَشْرَحُهُ وَحُجَّةُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَارَّ الذَّاتِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْحَادِثُ فِي هَذَا الْوَقْتِ هُوَ الْحَادِثُ فِي زَمَنِ الطُّوفَانِ مَثَلًا وَبُطْلَانُهُ بَدِيهِيٌّ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَزِمَ تَقَدُّمُ بَعْضِ أَجْزَائِهِ عَلَى بَعْضٍ تَقَدُّمًا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ الزَّمَانِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ حَدَثَ هَذَا فِي آنٍ مُعَيَّنٍ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَأَنْ يُقَالَ: أَمْسِ قَبْلَ الْيَوْمِ وَالْغَدُ بَعْدَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآنَ وَالْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ أُمُورٌ تَلْحَقُ الزَّمَانَ فَلِلزَّمَانِ زَمَانٌ آخَرُ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى تَقَدُّمِ الزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ فِي زَمَانٍ وَاللَّاحِقُ فِي زَمَانٍ آخَرَ فَيَكُونُ الْأَمْسُ فِي زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ وَالْيَوْمُ فِي زَمَانٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ وَيُنْقَلُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَتَقَدُّمُ بَعْضِ أَجْزَائِهِ عَلَى بَعْضٍ وَهَكَذَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقَدُّمَ بَعْضِ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ عَلَى بَعْضٍ كَتَقَدُّمِ الْمَاضِي عَلَى الْحَاضِرِ إنَّمَا هُوَ بِذَاتِهِ وَنَفْسِهِ لَا بِزَمَانٍ آخَرَ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذُكِرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ الْمُجَرَّدَةَ الْمُنْصَرِمَةَ تَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَ تَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ لِلْأَجْزَاءِ الْمَفْرُوضَةِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ لَا لِشَيْءٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا حَقِيقَتُهُ غَيْرُ عَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَحُجَّةُ الْحُكَمَاءِ أَنَّ كَوْنَ الْأَبِ قَبْلَ الِابْنِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ فَتِلْكَ الْقَبْلِيَّةُ لَيْسَتْ بِنَفْسِ وُجُودِ الْأَبِ وَلَا بِنَفْسِ

قِيلَ) هُوَ (جَوْهَرٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ) أَيْ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ (وَلَا جُسْمَانِيٍّ) أَيْ وَلَا دَاخِلٍ فِي الْجِسْمِ فَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ (وَقِيلَ: فَلَكُ مَعْدِلِ النَّهَارِ) وَهُوَ جِسْمٌ سُمِّيَتْ دَائِرَتُهُ أَيْ مِنْطَقَةُ الْبُرُوجِ مِنْهُ بِمَعْدِلِ النَّهَارِ لِتَعَادُلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ عِنْدَ كَوْنِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا (وَقِيلَ: عَرَضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ الِابْنِ؛ لِأَنَّا نَعْقِلُ وُجُودَ الْأَبِ مَعَ عَدَمِ الِابْنِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَبْلِيَّةِ فَتَكُونُ زَائِدَةً عَلَى وُجُودِ الْأَبِ وَعَدَمِ الِابْنِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقَبْلِيَّةُ أَيْضًا عَدَمِيَّةً؛ لِأَنَّهَا نَقِيضُ اللَّاقَبْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ عَدَمِيَّةٌ لِكَوْنِهَا مَحْمُولَةً عَلَى الْعَدَمِ فَتَكُونُ ثُبُوتِيَّةً فَالْقَبْلِيَّةُ إذَنْ أَمْرٌ زَائِدٌ ثُبُوتِيٌّ فَتَكُونُ عَارِضَةً لِأَمْرٍ مَوْجُودٍ وَذَلِكَ هُوَ الزَّمَانُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. أَقُولُ هَاهُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الْوُجُودُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ هِيَ ظَاهِرَةُ الْآنِيَةِ خَفِيفَةُ الْمَاهِيَّةِ طَالَ نِزَاعُ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِي الْكَشْفِ عَنْ حَقِيقَتِهَا وَحَارَتْ أَفْكَارُهُمْ فَكَيْفَ الْحَالُ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْإِلَهِيَّاتِ وَكَيْفَ الْوُصُولُ إلَى هَذِهِ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ مَعَ عَجْزِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ سَيِّدُ الْعَارِفِينَ وَمُرْشِدُهُمْ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ أَجْمَعِينَ بِقَوْلِهِ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ بِنَاءً عَلَى بَعْضِ تَأْوِيلَاتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ فَكَيْفَ يَعْرِفُ حَضْرَةَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَسُبْحَانَ مَنْ ظُهُورُهُ لِأَوْلِيَائِهِ عَيْنُ خَفَائِهِ: قُلْ لِمَنْ يَفْهَمُ عَنِّي مَا أَقُولُ ... قَصِّرْ الْقَوْلَ فَذَا شَرْحٌ يَطُولْ ثَمَّ سِرٌّ غَامِضٌ مِنْ دُونِهِ ... ضُرِبَتْ وَاَللَّهِ أَعْنَاقُ الْفُحُولْ أَنْتَ لَا تَعْرِفُ إيَّاكَ وَلَا ... تَدْرِ مَنْ أَنْتَ وَلَا كَيْفَ الْوُصُولْ لَا وَلَا تَدْرِي صِفَاتٍ رُكِّبَتْ ... فِيك حَارَتْ فِي خَفَايَاهَا الْعُقُولْ أَيْنَ مِنْك الرُّوحُ فِي جَوْهَرِهَا ... هَلْ تَرَاهَا فَتَرَى كَيْفَ تَجُولْ هَذِهِ الْأَنْفَاسُ هَلْ تَحْصُرُهَا ... لَا وَلَا تَدْرِي مَتَى عَنْك تَزُولْ أَيْنَ مِنْك الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ إذَا ... غَلَبَ النَّوْمُ فَقُلْ لِي يَا جَهُولْ أَنْتَ أَكْلُ الْخُبْزِ لَا تَعْرِفُهُ ... كَيْفَ يَجْرِي مِنْك أَمْ كَيْفَ تَبُولْ فَإِذَا كَانَتْ طَوَايَاك الَّتِي ... بَيْنَ جَنْبَيْك كَذَا فِيهَا ضَلُولْ (قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ جَوْهَرٌ إلَخْ) نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ لِقُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ قَالُوا هُوَ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ جِسْمٍ وَلَا جُسْمَانِيٍّ وَلَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ عَدَمِهِ يَسْتَلْزِمُ الْمُحَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْعَدَمَ لَكَانَ عَدَمُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ بَعْدِيَّةٌ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ الزَّمَانِ إذْ مَعْنَى كَوْنِ عَدَمِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ هُوَ أَنَّ عَدَمَهُ وَقَعَ فِي زَمَانٍ بَعْدَ زَمَانِ وُجُودِهِ وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ وُجُودُ الزَّمَانِ حَالَ عَدَمِهِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُحَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ فَرْضِ عَدَمِهِ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا مِنْ فَرْضِ عَدَمِهِ مُطْلَقًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْعَدَمَ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: فَلَكُ مَعْدِلِ النَّهَارِ) فِي شَرْحِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَلَى طَوَالِعِ الْبَيْضَاوِيِّ وَقِيلَ: الزَّمَانُ هُوَ الْفَلَكُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ؛ لِأَنَّ الْفَلَكُ الْأَعْظَمُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ كَمَا أَنَّ الزَّمَانَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الزَّمَانِ فَالزَّمَانُ هُوَ الْفَلَكُ الْأَعْظَمُ وَخَلَلُ هَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ إذْ إحَاطَةُ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ بِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ مَعْنَاهُ كَوْنُهُ حَاوِيًا لِجَمِيعِهَا وَلَا كَذَلِكَ الزَّمَانُ فَإِنَّ مَعْنَى إحَاطَتِهِ بِهَا مُقَارَنَتُهُ إيَّاهَا وَلَوْ سَلِمَ فَإِنَّهُ لَا يُنْتِجُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي مُرَكَّبٌ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ وَهُوَ عَقِيمٌ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّوَائِرَ الْعِظَامَ الْمَشْهُورَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ الْمَبْحُوثَ عَنْ أَحْوَالِهَا فِي كُتُبِهِمْ عَشْرَةٌ أَعْظَمُهَا دَائِرَةُ مَعْدِلِ النَّهَارِ وَتُسَمَّى فَلَكَ مَعْدِلِ النَّهَارِ تَجَوُّزًا بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْفَلَكِ عَلَى مِنْطَقَتِهِ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْحَرَكَةِ لَا عَلَى كُلِّ دَائِرَةٍ حَالَّةٍ فِيهِ إذْ لَا يُقَالُ فَلَكُ الْأُفُقِ أَوْ الِارْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي مَفْهُومِ الْفَلَكِ كَذَا حَقَّقَ شَارِحُ الْفَتْحِيَّةِ سُمِّيَتْ بِدَائِرَةِ مَعْدِلِ النَّهَارِ لِتَعَادُلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَبَدًا عِنْدَ مَنْ يَسْكُنُ تَحْتَهَا وَهُمْ سُكَّانُ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَأَيْضًا قَدْ يَتَسَاوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ سِوَى عَرْضِ تِسْعِينَ إذَا وَصَلَتْ الشَّمْسُ إلَيْهَا وَيُسَمَّى قُطْبَاهَا قُطْبَيْ الْعَالَمِ أَحَدُهُمَا شَمَالِيٌّ وَالْآخَرُ جَنُوبِيٌّ. وَمِنْ تِلْكَ الدَّوَائِرِ الْعِظَامِ مِنْطَقَةُ الْبُرُوجِ وَتُسَمَّى فَلَكَ الْبُرُوجِ أَيْضًا مَجَازًا عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ وَيُسَمَّى قُطْبَاهَا قُطْبَيْ الْبُرُوجِ أَحَدُهُمَا شَمَالِيٌّ وَالْآخَرُ جَنُوبِيٌّ وَتَقَاطُعُ دَائِرَةِ مَعْدِلِ النَّهَارِ عَلَى نُقْطَتَيْنِ مُتَقَابِلَتَيْنِ يُسَمَّيَانِ نُقْطَتَيْ الِاعْتِدَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا وَصَلَتْ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا اعْتَدَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي مُعْظَمِ الْمَعْمُورِ ثُمَّ الْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْهَنْدَسَةِ أَنَّ الدَّائِرَةَ الْعَظِيمَةَ هِيَ الَّتِي تُنَصِّفُ الْكُرَةَ فَهَاتَانِ الدَّائِرَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنَصِّفٌ لِلْفَلَكِ فَالْأُولَى لِلْفَلَكِ التَّاسِعِ الْمُسَمَّى بِالْأَطْلَسِ وَبِالْمُحَدَّدِ أَيْضًا وَالثَّانِيَةُ لِلْفَلَكِ الثَّامِنِ الْمُسَمَّى بِفَلَكِ الثَّوَابِتِ وَلِذَلِكَ تُسَمَّى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْطَقَةً لِوُقُوعِهَا فِي وَسَطِ الْفَلَكِ وَهَذِهِ الدَّوَائِرُ أُمُورٌ وَهْمِيَّةٌ تُتَخَيَّلُ مِنْ دَوَرَانِ الْفَلَكِ وَلَا وُجُودَ لَهَا خَارِجًا وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ دَائِرَةِ مَعْدِلِ النَّهَارِ أَعْظَمَ لِكَوْنِ فَلَكِهَا أَعْظَمَ الْأَفْلَاكِ وَإِلَّا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنَصِّفَةٌ لِفَلَكِهَا إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَلَكُ مَعْدِلِ النَّهَارِ مُرَادُهُ بِهِ الْفَلَكُ التَّاسِعُ وَأَضَافَهُ لِمَعْدِلِ النَّهَارِ الَّذِي هُوَ مِنْطَقَتُهُ لِلتَّعْيِينِ إذْ لَفْظُ الْفَلَكِ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلَوْ عَبَّرَ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ بِالْفَلَكِ التَّاسِعِ لَكَانَ أَظْهَرَ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهُوَ جِسْمٌ إلَخْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هُوَ جِسْمٌ كُرِّيٌّ يُحِيطُ بِهِ سَطْحٌ وَاحِدٌ مُسْتَدِيرٌ فِي دَاخِلِهِ نُقْطَةٌ تَكُونُ الْخُطُوطُ الْخَارِجَةُ مِنْهَا إلَيْهِ مُتَسَاوِيَةً وَتِلْكَ النُّقْطَةُ تُسَمَّى مَرْكَزًا لَهُ وَإِلَّا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْجِسْمِ لَا يُفِيدُ إذْ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الْفَلَكَ جِسْمٌ وَقَوْلُهُ سُمِّيَتْ دَائِرَتُهُ أَيْ مِنْطَقَةُ الْبُرُوجِ مِنْهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ مِنْطَقَةً هِيَ دَائِرَةُ مَعْدِلِ النَّهَارِ وَمِنْطَقَةُ الْبُرُوجِ هِيَ الدَّائِرَةُ الْمَفْرُوضَةُ فِي مُنْتَصَفِ الْفَلَكِ الثَّامِنِ فَقَدْ فَسَّرَ الشَّيْءَ بِمُبَايِنِهِ وَقَوْلُهُ لِتَعَادُلِ إلَخْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ التَّفْصِيلِ هَذَا مَا وَقَعَ لِلشَّارِحِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَاَلَّذِي وَقَعَ لِلشَّيْخِ النَّجَّارِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ هُنَا مِمَّا يَقْضِي مِنْهُ عَجَبًا مَنْ وُفِّقَ لِلنَّظَرِ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَالْحِكْمَةِ. وَأَعْرَضْت عَنْ بَيَانِ خَلَلِ كَلَامِهِ كَمَا أَنِّي أَعْرَضْت عَنْ إيفَاءِ الْمَقَامِ حَقَّهُ مِنْ الْبَسْطِ وَالْإِيضَاحِ لِمَا أَنَّ مَبْحَثَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ذُكِرَا هُنَا اسْتِطْرَادًا وَهُمَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا فِيهِ مُبَيَّنَانِ أَتَمَّ الْبَيَانِ فَلْيُرَاجَعَا ثَمَّةَ وَأَيْضًا الْوَاقِفُ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ أَحَدُ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ عَارِفٌ بِفَنَّيْ الْهَيْئَةِ وَالْحِكْمَةِ فَهَذَا غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ لِانْكِشَافِ الْحَالِ لَهُ انْكِشَافًا يَكَادُ يُفْضِي إلَى الْعِيَانِ وَرَجُلٌ لَا مَسِيسَ لَهُ بِهِمَا فَإِيصَالُ الْمَعْنَى إلَى ذِهْنِهِ يُفْضِي لِذِكْرِ مُقَدِّمَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفَنَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَلْ إلَى مُقَدِّمَاتٍ هَنْدَسِيَّةٍ لِابْتِنَاءِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ عَلَيْهَا وَالْوَقْتُ لَا يَسَعُ ذَلِكَ مَعَ فُتُورِ هِمَّةِ الطَّالِبِينَ وَقِلَّةِ الرَّاغِبِينَ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: لَنَقْلُ حِجَارَةٍ فِي يَوْمِ حَرٍّ ... وَنَقْشٌ بِالْأَظَافِرِ فِي الْحَدِيدِ أَخَفُّ عَلَيَّ مِنْ إيصَالِ مَعْنًى ... دَقِيقٍ عِنْدَ ذِي ذِهْنٍ بَلِيدِ

فَقِيلَ حَرَكَةُ مَعْدِلِ النَّهَارِ وَقِيلَ: مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ) الْمَذْكُورَةِ وَمِنْهُمْ مِنْ عَبَّرَ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ وَمِقْدَارِهَا (وَالْمُخْتَارُ) أَنَّهُ (مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ مَوْهُومٍ لِمُتَجَدِّدٍ مَعْلُومٍ إزَالَةً لِلْإِيهَامِ) مِنْ الْأَوَّلِ بِمُقَارَنَتِهِ لِلثَّانِي كَمَا فِي آتِيك عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْأَقْوَالُ قَبْلَهُ لِلْحُكَمَاءِ (وَيَمْتَنِعُ تَدَاخُلُ الْأَجْسَامِ) أَيْ دُخُولُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ فِيهِ وَالْمُلَاقَاةِ لَهُ بِأَسْرِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْحَجْمِ وَامْتِنَاعُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ الْحَوَاشِي مِنْ أَوَّلِ الْمَبَاحِثِ الْكَلَامِيَّةِ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ سِوَى حَاشِيَةِ الشَّيْخِ النَّجَّارِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ فَلَسْت أَدْرِي مَاذَا صَنَعَ بَقِيَّةُ الْحَوَاشِي هُنَا وَأَمَّا حَاشِيَةُ الشَّيْخِ الْبُنَانِيِّ فَإِنِّي نَظَرْت بَعْضَ مَوَاضِعَ مِنْهَا أَوَّلُ تَحْشِيَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ أَعْرَضْت عَنْهَا لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ الْحَوَاشِي السَّابِقَةِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَلْ رُبَّمَا أَحَبَّ تَلْخِيصَ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ فَأَخَلَّ بِهِ إخْلَالًا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَيُشَوِّشُ الْمَبْنَى فَتَرَكْت النَّظَرَ فِيهَا رَأْسًا رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ وَرَحِمَنَا إذَا صِرْنَا إلَيْهِمْ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ نَظَرَ فِي هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فَدَعَا لِي بِخَيْرٍ: فَإِنِّيَ عَبْدٌ ذُو ذُنُوبٍ خَفِيَّةٍ ... إذَا لَمْ يُسَامِحْنِي الْإِلَهُ بِفَضْلِهِ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ حَرَكَةُ مَعْدِلِ النَّهَارِ) أَيْ فَلَكُ مَعْدِلِ النَّهَارِ وَعِبَارَةُ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ وَقِيلَ: الزَّمَانُ هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ قَارِّ الذَّاتِ وَالْحَرَكَةُ كَذَلِكَ فَالزَّمَانُ هُوَ حَرَكَتُهُ وَمُنِعَ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي مِنْ مُوجَبَتَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْتِجٍ بِأَنَّ الْحَرَكَةَ تُوصَفُ بِالسُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ إذْ يُقَالُ الْحَرَكَةُ إمَّا سَرِيعَةٌ وَإِمَّا بَطِيئَةٌ وَالزَّمَانُ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ إذْ لَا يُقَالُ الزَّمَانُ إمَّا سَرِيعٌ وَإِمَّا بَطِيءٌ فَالْحَرَكَةُ غَيْرُ الزَّمَانِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ) أَيْ حَرَكَةُ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَمُتَابِعِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الزَّمَانَ يَقْبَلُ الْمُسَاوَاةَ وَالْمُفَارَقَةَ لِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا كَانَ قَابِلًا لَهُمَا فَهُوَ كَمٌّ فَالزَّمَانُ كَمٌّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمًّا مُنْفَصِلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمًّا مُنْفَصِلًا لَانْقَسَمَ إلَى مَا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ الْكَمَّ الْمُنْفَصِلَ لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَائِهِ إلَى الْوَحَدَاتِ وَهِيَ غَيْرُ مُنْقَسِمَةٍ لَكِنَّ الزَّمَانَ مُنْقَسِمٌ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ فَالزَّمَانُ كَمٌّ مُتَّصِلٌ غَيْرُ قَارِّ الذَّاتِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الزَّمَانِ لَا تَجْتَمِعُ فِي الْوُجُودِ فَتَكُونُ أَجْزَاؤُهُ مَوْجُودَةً عَلَى سَبِيلِ التَّصَرُّمِ وَالتَّجَدُّدِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا (قَوْلُهُ: مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الِاقْتِرَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعِيَّةِ فَذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ الْمَعِيَّةُ هُوَ الْوَقْتُ يَجْمَعُهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَالًّا عَلَيْهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُدَلَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ فَلَيْسَتْ الْمَعِيَّةُ نَفْسَ مَا يَقَعُ فِيهِ الْحَوَادِثُ بَلْ هِيَ مُعَارِضَةٌ لِذَاتِهِ مَقِيسَةٌ إلَى مَا يَقَعُ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ فَأَصْحَابُ هَذَا الْمَذْهَبِ جَعَلُوا أَعْلَامَ الْأَوْقَاتِ أَوْقَاتًا أَفَادَهُ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ. وَقَدْ يُفَسَّرُ الزَّمَانُ بِأَنَّهُ مُتَجَدِّدٌ مَعْلُومٌ يُقَارِنُهُ مُتَجَدِّدٌ مَوْهُومٌ إزَالَةً لِلْإِيهَامِ وَقَدْ يَتَعَاكَسُ التَّقْدِيرُ بَيْنَ الْمُتَجَدِّدَاتِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مُتَصَوَّرٌ وَمَعْلُومٌ لِلْمُخَاطَبِ فَإِذَا قِيلَ مَثَلًا مَتَى جَاءَ زَيْدٌ يُقَالُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ كَانَ السَّائِلُ مُسْتَحْضِرًا لِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحْضِرًا لِمَجِيءِ زَيْدٍ بِدَلِيلِ سُؤَالِهِ ثُمَّ إذَا قَالَ غَيْرُهُ مَتَى طَلَعَتْ الشَّمْسُ يُقَالُ حِينَ جَاءَ زَيْدٌ لِمَنْ كَانَ مُسْتَحْضِرًا لِمَجِيءِ زَيْدٍ دُونَ طُلُوعِهَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقْوَامِ فَيُقَدِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُبْهَمَ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُ فَيَقُولُ الْقَارِئُ مَكَثْت عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا مِقْدَارَ مَا قَرَأْت سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَالْكَاتِبُ يَقُولُ مِقْدَارَ مَا كَتَبْت عَشْرَةَ أَسْطُرٍ وَهَكَذَا فَهُوَ مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ وَوَصْفُهُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّخَيُّلِ أَوْ عَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ «يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ» أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُقَالُ لَهُ الدَّهْرُ وَإِنَّمَا أَنَا خَالِقُ الْأَشْيَاءِ وَعَلَى هَذَا فَوَصْفُهُ بِالْحُدُوثِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَادِثِ الْمَوْجُودُ بَعْدَ عَدَمٍ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّجَدُّدِ. (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ فِيهِ بِأَنْ تَصِيرَ شَيْئًا وَاحِدًا مُتَّحِدَةً فِي الْحَيِّزِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهَا تَتَّحِدُ مَكَانًا وَمِقْدَارًا وَوَضْعًا فَلَا اتِّجَاهَ لِقَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ إرْسَالِ الْمَلَكِ إلَى الرَّحِمِ لِيَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْجَوْهَرِ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَ جَوْهَرٌ وَيَدْخُلُ فِي الرَّحِمِ لِتَصْوِيرِ النُّطْفَةِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهَا وَالرَّحِمُ جَوْهَرٌ وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا دُخُولُ مَظْرُوفٍ فِي

لِمَا فِيهِ مِنْ مُسَاوَاةِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ فِي الْعِظَمِ. (وَ) يَمْتَنِعُ (خُلُوُّ الْجَوْهَرِ) مُفْرَدًا كَانَ أَوْ مُرَكَّبًا (عَنْ جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ) بِأَنْ لَا يَقُومَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ شَيْءٌ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بِدُونِ التَّشَخُّصِ وَالتَّشَخُّصُ إنَّمَا هُوَ بِالْأَعْرَاضِ (وَالْجَوْهَرُ) الْمُرَكَّبُ وَهُوَ الْجِسْمُ (غَيْرُ مُرَكَّبٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ) لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQظَرْفٍ وَلَيْسَ مِنْ تَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ فِي شَيْءٍ وَعِبَارَةُ الْمَوَاقِفِ يَمْتَنِعُ تَدَاخُلُ الْجَوَاهِرِ وَهِيَ أَعَمُّ لِتَنَاوُلِهَا الْجَوْهَرَ وَالْفَرْدَ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ مُسَاوَاةِ الْكُلِّ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ مَجْمُوعَ الْجِسْمَيْنِ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ كُلٌّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءٌ وَقَدْ صَارَا شَيْئًا وَاحِدًا فَلَزِمَ مَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي التَّعْلِيلِ مِنْ الْخَفَاءِ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى بُطْلَانِهِ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّدَاخُلُ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجِسْمُ الْمُعَيَّنُ أَجْسَامًا كَثِيرَةً مُتَدَاخِلَةً وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الذِّرَاعُ الْوَاحِدُ مِنْ الْكِرْبَاسِ أَلْفَ ذِرَاعٍ مَثَلًا بَلْ جَازَ تَدَاخُلُ الْعَالَمِ كُلِّهِ فِي حَيِّزِ خَرْدَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا عَوَالِمُ مُتَعَدِّدَةٌ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَالْبَدِيهَةُ تُكَذِّبُهُ وَقَدْ عَلَّلَ الْمُعْتَزِلَةُ الِامْتِنَاعَ بِأَنَّ الْحَيِّزَ لَهُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْجَوْهَرَيْنِ فِيهِ كَوْنٌ مُضَادٌّ لِكَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْآخَرِ فِيهِ. قِيلَ إنَّ النَّظَّامَ جَوَّزَهُ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ السَّيِّدُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْجِسْمَ الْمُتَنَاهِيَ الْمِقْدَارِ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةِ الْعَدَدِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ التَّدَاخُلِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَأَمَّا أَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَقَالَ بِهِ صَرِيحًا فَلَمْ يُعْلَمْ فَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُ كَانَ مُكَابَرَةً لِمُقْتَضَى عَقْلِهِ (قَوْلُهُ: مُفْرَدًا كَانَ) مُرَادُهُ بِهِ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُرَكَّبًا أَيْ مِنْ جَوْهَرَيْنِ فَرْدَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ الْجِسْمُ لَا مِنْ الْهُيُولِيِّ وَالصُّورَةِ كَمَا تَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ أَنَّ الْجِسْمَ مُؤَلَّفٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا بِاصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ فَالْأَشَاعِرَةُ قَالُوا كُلُّ عَرَضٍ مَعَ ضِدِّهِ يَجِبُ أَنْ يُوجَدَ أَحَدُهُمَا فِي الْجِسْمِ لِامْتِنَاعِ خُلُوِّهِ عَنْ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَهُمَا عَرَضَانِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى إذْ رُبَّ عَرَضٍ غَيْرِهِمَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ الْجِسْمُ فَإِنَّ الْهَوَاءَ خَالٍ عَنْ اللَّوْنِ وَالطُّعُومِ وَأَضْدَادِهَا فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَخْ وَالصَّالِحِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ جَوَّزُوا الْخُلُوَّ، وَالْبَصْرِيَّةُ مِنْهُمْ يُجَوِّزُونَهُ فِي غَيْرِ الْأَلْوَانِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُرَكَّبٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ) أَيْ خِلَافًا لِلنَّجَّادِ وَالنَّظَّامِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْجِسْمَ مُؤَلَّفٌ مِنْ مَحْضِ الْأَعْرَاضِ مِنْ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ وَاَلَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ فِي حَقِيقَةِ الْجِسْمِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: لِلْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ الْمُتَنَاهِيَةِ الْعَدَدِ الثَّانِي لِلْمَشَّائِينَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْهُيُولِيِّ وَالصُّورَةِ الثَّالِثُ لِلْإِشْرَاقِيَّيْنِ مِنْهُمْ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ بَسِيطٌ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْحَسَنِ لَيْسَ فِيهِ تَعَدُّدُ أَجْزَاءٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ بِذَاتِهِ وَلَا يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ لَا يَبْقَى لَهُ قَبُولُ انْقِسَامٍ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ وَلَا مَحِيصَ لِمَنْ اعْتَرَفَ بِتَجَانُسِ الْجَوَاهِرِ الْأَفْرَادِ وَتَمَاثُلِهَا فِي الْحَقِيقَةِ كَالْأَشَاعِرَةِ قَاطِبَةً وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ عَنْ جَعْلِ الْأَعْرَاضِ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الْجِسْمِ فَيَكُونُ الْجِسْمُ حِينَئِذٍ جَوْهَرًا مَعَ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ مُنْضَمَّةً إلَى ذَلِكَ الْجَوْهَرِ إذْ لَوْ كَانَتْ مُؤَلَّفَةً مِنْ الْجَوَاهِرِ مُتَجَانِسَةً وَحْدَهَا لَكَانَتْ الْأَجْسَامُ كُلُّهَا مُتَمَاثِلَةً فِي الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ. وَأَمَّا النَّظَّامُ وَالنَّجَّارُ فَقَالَا إنَّ الْجَوَاهِرَ إذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ أَعْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ وَإِذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ أَعْرَاضٍ مُتَجَانِسَةٍ فَمُجَانِسَةٌ قَالَا وَلِذَلِكَ اتَّصَفَتْ الْأَجْسَامُ الْمُؤَلَّفَةُ تَارَةً بِالتَّخَالُفِ وَأُخْرَى بِالتَّمَاثُلِ اهـ. أَقُولُ النَّظَّامُ بِتَشْدِيدِ الظَّاءِ اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَيَّارٍ بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ تِلْمِيذُ الْجَاحِظِ وَكِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَصْحَابِ الْمَقَالَاتِ فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ افْتَرَقُوا عِشْرِينَ فِرْقَةً وَقَدْ كَانَ النَّظَّامُ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ كَمَا أَنَّ شَيْخَهُ الْجَاحِظَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالِاقْتِدَارِ عَلَيْهِ وَفِي غَايَةٍ مِنْ قُبْحِ الْوَجْهِ أَيْضًا حَتَّى قِيلَ فِيهِ: لَوْ يُمْسَخُ الْخِنْزِيرُ مَسْخًا ثَانِيًا ... مَا كَانَ إلَّا دُونَ مَسْخِ الْجَاحِظِ رَجُلٌ يَنُوبُ عَنْ الْجَحِيمِ بِوَجْهِهِ ... وَهُوَ الْقَذَى فِي عَيْنِ كُلِّ مُلَاحِظِ

(وَالْأَبْعَادُ) لِلْجَوْهَرِ مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ (مُتَنَاهِيَةٌ) أَيْ لَهَا حُدُودٌ تَنْتَهِي إلَيْهَا (وَالْمَعْلُولُ قَالَ الْأَكْثَرُ يُقَارِنُ عِلَّتَهُ زَمَانًا) عَقْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ وَضْعِيَّةً (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (يَعْقُبُهَا مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا) يَعْقُبُهَا (إنْ كَانَتْ وَضْعِيَّةً لَا عَقْلِيَّةً) فَيُقَارِنُهَا (أَمَّا التَّرْتِيبُ) أَيْ تَرْتِيبُ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ (رُتْبَةً فَوِفَاقٌ وَاللَّذَّةُ) الدُّنْيَوِيَّةُ وَهِيَ بَدِيهِيَّةٌ (حَصَرَهَا الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (فِي الْمَعَارِفِ) أَيْ مَا يُعْرَفُ أَيْ يُدْرَكُ، قَالَا: وَمَا يُتَوَهَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلْجَاحِظِ تَأْلِيفَاتٌ أَوْدَعَ فِيهَا مِنْ حُسْنِ الْبَيَانِ وَالْفُنُونِ الْمُتَنَوِّعَةِ مَا انْفَرَدَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَمَنْ نَظَرَ فِي تَصَانِيفِهِ عَلِمَ صِدْقَ هَذَا الْمُدَّعَى لَا سِيَّمَا كِتَابَ الْحَيَوَانِ وَكِتَابَ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ وَقَدْ رَأَيْتهمَا وَلَا يَكَادَانِ يُوجَدَانِ بِدِيَارِنَا وَإِنَّمَا رَأَيْتهمَا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَلَهُ تَآلِيفُ أُخَرُ لَيْسَتْ عَلَى أُسْلُوبِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمُؤَلَّفَاتِ وَأَمَّا النَّظَّامُ فَلَمْ نَرَ لَهُ تَأْلِيفًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ مَذْهَبٌ اعْتِزَالِيٌّ وَطَائِفَةٌ تَتْبَعُهُ وَقَدْ نَقَلَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَنْهُمَا فِي تَآلِيفِهِمْ بَعْضَ مَقَالَاتِهِمْ وَهَذَا النَّظَّامُ مَعَ شِدَّةِ ذَكَائِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْعُلُومِ الْحُكْمِيَّةِ صَدَرَتْ عَنْهُ تِلْكَ الْمَقَالَاتُ الَّتِي لَا تَكَادُ تَصْدُرُ عَنْ عَاقِلٍ مِنْهَا مَا نَقَلْنَاهُ هُنَا وَمِنْهَا الطَّفْرَةُ الَّتِي اُشْتُهِرَتْ إضَافَتُهَا إلَيْهِ فَقِيلَ طَفْرَةُ النَّظَّامِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ بِعَدَمِ بَقَاءِ الْأَجْسَامِ وَأَنَّهَا مُتَجَدِّدَةٌ آنًا فَآنًا كَالْأَعْرَاضِ وَكَمْ لِلْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَقَاوِيلَ كُلِّهَا هَذَيَانٌ وَتَضْلِيلٌ فَسُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنْ شَوَائِبِ النَّقْصِ (قَوْلُهُ: وَالْأَبْعَادُ لِلْجَوْهَرِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِلْجِسْمِ؛ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ شَامِلَةٌ لِلْجَوْهَرِ الْفَرْدِ وَلَا بُعْدَ فِيهِ وَإِلَّا انْقَسَمَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءُ إلَّا الْهُنُودَ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَقَدْ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ بَرَاهِينُ أَلْطَفُهَا الْبُرْهَانُ السُّلَّمِيُّ وَهُوَ أَنْ نَفْرِضَ مِنْ نُقْطَةٍ مَا خَطَّيْنِ يَنْفَرِجَانِ كَسَاقَيْ مُثَلَّثٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْبُعْدُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَهَابِهِمَا ذِرَاعًا ذِرَاعًا وَبَعْدَ ذَهَابِهِمَا ذِرَاعَيْنِ ذِرَاعَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَتَزَايَدُ الْبُعْدُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ ازْدِيَادِهِمَا يَكُونُ الِانْفِرَاجُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ امْتِدَادِهِمَا فَإِذَا ذَهَبَا إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ كَانَ الْبُعْدُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ مُتَنَاهٍ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ وَإِلَّا لَزِمَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ بَيْنَ حَاصِرَيْنِ وَالْمَحْصُورُ بَيْنَ حَاصِرَيْنِ يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِهَايَةٌ ضَرُورَةً وَفِي الْبُرْهَانِ التُّرْسِيِّ تَطْوِيلٌ وَابْتِنَاءٌ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ هَنْدَسِيَّةٍ تَرَكْنَاهُ لِذَلِكَ وَلَهُمْ بَرَاهِينُ أُخَرُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعْلُولُ إلَخْ) الْعِلَّةُ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ أَمْرٌ مَا بِالِاسْتِقْلَالِ إنْ كَانَتْ تَامَّةً أَوْ بِانْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ إنْ كَانَتْ نَاقِصَةً وَالْمَعْلُولُ الْأَمْرُ الَّذِي صَدَرَ فَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ جَمِيعُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَالْعِلَّةُ النَّاقِصَةُ بَعْضُهُ فَيَدْخُلُ فِي الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الشَّرَائِطُ وَزَوَالُ الْمَانِعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ دُخُولِ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْعِلَّةِ التَّامَّةِ أَنَّ الْعَدَمَ يَفْعَلُ شَيْئًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الْعَقْلَ إذَا لَاحَظَ وُجُوبَ الْمَعْلُولِ لَمْ يَجِدْهُ حَاصِلًا دُونَ عَدَمِ الْمَانِعِ قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِلَلِ التَّامَّةِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي تَأَخُّرِ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ النَّاقِصَةِ لِفُقْدَانِ شَرْطِهِ مَثَلًا أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ (قَوْلُهُ: عَقْلِيَّةً) كَانَتْ كَحَرَكَةِ الْأُصْبُعِ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ أَوْ وَضْعِيَّةً كَالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: الدُّنْيَوِيَّةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأُخْرَوِيَّةِ فَإِنَّهَا لَذَّاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لَا تَفْتَقِرُ إلَى أَلَمٍ يَتَقَدَّمُهَا أَوْ يُقَارِنُهَا فَيَجِدُ أَهْلُهَا لَذَّةَ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ وَلَذَّةَ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ جُوعٍ. (قَوْلُهُ: حَصَرَهَا الْإِمَامُ إلَخْ) قَالَ الْحَكِيمُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَرْخَانَ بْنِ أُوزَلْغَ التُّرْكِيُّ الْفَارَابِيُّ نِسْبَةً إلَى فَارَابَ مَدِينَةٌ فَوْقَ الشَّاسِ قَرِيبَةٌ مِنْ مَدِينَةِ بَلَاسَاغُونَ جَمِيعُ أَهْلِهَا شَافِعِيَّةٌ وَهِيَ قَاعِدَةُ بِلَاد التُّرْكِ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ بِدِمَشْقِ الشَّامِ وَقَدْ نَاهَزَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَمِنْ مَدِينَةِ فَارَابَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ الْعَلَّامَةُ الْجَوْهَرِيُّ - فِي كِتَابِ الْفُصُوصِ أَنَّ النَّفْسَ اللَّوَّامَةَ الْمُطَمْئِنَةَ كَمَا لَهَا عِرْفَانُ الْحَقِّ الْأَوَّلِ بِإِدْرَاكِهَا فَعِرْفَانُهَا الْحَقَّ الْأَوَّلَ عَلَى مَا يَتَجَلَّى لَهَا هُوَ اللَّذَّةُ الْقُصْوَى وَبَيَّنَهُ شَارِحُ الْفُصُوصِ بِأَنَّ اللَّذَّةَ إدْرَاكُ مَا هُوَ كَمَالٌ وَخَيْرٌ عِنْدَ الْمُدْرِكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي تَفَاوُتِ الْإِدْرَاكِ فِي حَدِّ نَفْسِهِ بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ وَبِالْقِيَاسِ إلَى مُتَعَلَّقِهِ فَتَتَفَاوَتُ اللَّذَّةُ أَيْضًا وَذَلِكَ إمَّا بِتَفَاوُتِ الْإِدْرَاكِ أَوْ الْمُدْرِكِ أَوْ الْمُدْرَكِ أَمَّا بِتَفَاوُتِ الْإِدْرَاكِ؛ فَلِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ أَتَمَّ كَانَتْ اللَّذَّةُ

أَيْ يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ مِنْ لَذَّةٍ حِسِّيَّةٍ كَقَضَاءِ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ أَوْ خَيَالِيَّةٍ كَحُبِّ الِاسْتِعْلَاءِ وَالرِّيَاسَةِ فَهُوَ دَفْعُ الْأَلَمِ فَلَذَّةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ دَفْعُ أَلَمِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَدَغْدَغَةِ الْمَنِيِّ لِأَوْعِيَتِهِ وَلَذَّةُ الِاسْتِعْلَاءِ وَالرِّيَاسَةِ دَفْعُ أَلَمِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ. (وَقَالَ ابْنُ زَكَرِيَّا) الطَّبِيبُ (هِيَ الْخَلَاصُ مِنْ الْأَلَمِ) بِدَفْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَدْ يُلْتَذُّ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ أَلَمٍ بِضِدِّهِ كَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَسْأَلَةِ عِلْمٍ أَوْ كَنْزِ مَالٍ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ خُطُورِهِمَا بِالْبَالِ وَأَلَمِ التَّشَوُّقِ إلَيْهِمَا (وَقِيلَ:) هِيَ (إدْرَاكُ الْمُلَائِمِ) مِنْ حَيْثُ الْمُلَاءَمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْثَرَ كَمَا أَنَّ الْعَاشِقَ إذَا رَأَى مَعْشُوقَهُ مِنْ مَسَافَةٍ أَقْرَبَ تَكُونُ لَذَّتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا رَآهُ مِنْ مَسَافَةٍ أَبْعَدَ وَأَمَّا بِتَفَاوُتِ الْمُدْرِكِ فَإِنَّ لَذَّةَ السَّمْعِ الصَّحِيحِ مِنْ الصَّوْتِ الْحَسَنِ أَشَدُّ مِنْ لَذَّةِ السَّمْعِ الْمَرِيضِ مِنْهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ هَذَا إلَى تَفَاوُتِ الْإِدْرَاكِ، وَأَمَّا بِتَفَاوُتِ الْمُدْرَكِ؛ فَلِأَنَّ الْمَعْشُوقَ الْمَنْظُورَ كُلَّمَا كَانَ أَحْسَنَ تَكُونُ اللَّذَّةُ فِي رُؤْيَتِهِ أَكْثَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ إدْرَاكَ الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ أَقْوَى مِنْ الْإِدْرَاكَاتِ الْحِسِّيَّةِ. لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ الْعَقْلِيَّ وَاصِلٌ إلَى كُنْهِ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ أَصْعُبُ الْمُدْرَكَاتِ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ وَأَجْزَائِهَا ثُمَّ يُمَيِّزَ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَجِنْسِ الْجِنْسِ وَفَصْلِ الْجِنْسِ وَيُمَيِّزَ بَيْنَ الْخَارِجِ اللَّازِمِ وَالْمُفَارِقِ وَبَيْنَ اللَّازِمِ بِوَسَطٍ وَبِغَيْرِ وَسَطٍ وَالْإِدْرَاكُ الْحِسِّيُّ لَا يَصِلُ إلَّا إلَى الْمَحْسُوسِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ الْمُدْرَكَاتِ لِمُشَارَكَةِ الْحَيَوَانِ الْأَعْجَمِ مَعَ الْإِنْسَانِ فِي ذَلِكَ الْإِدْرَاكِ فَالْإِدْرَاكُ الْعَقْلِيُّ أَقْوَى وَمُدْرَكَاتُهُ أَشْرَفُ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ الْحَقِّ وَصِفَاتُهُ وَتَرْتِيبُ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَمُدْرَكَاتُ الْحِسِّ لَيْسَتْ إلَّا أَعْرَاضًا مَخْصُوصَةً هِيَ الْأَلْوَانُ وَالطُّعُومُ أَوْ بَاقِي الْمَحْسُوسَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنْ لَا نِسْبَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي الشَّرَفِ مَعَ الْآخَرِ فَتَكُونُ اللَّذَّةُ الْعَقْلِيَّةُ أَشَدُّ مِنْ اللَّذَّةِ الْحِسِّيَّةِ وَأَقْوَى مِنْهَا ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ اللَّذَّةَ الْعَقْلِيَّةَ هِيَ اللَّذَّةُ الْقُصْوَى شُبْهَةً وَتَقْرِيرُهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَعْقُولَاتُ كَمَالَاتٍ لِلنَّفْسِ مُلْتَذَّةً بِإِدْرَاكِهَا لَوَجَبَ أَنْ يُشْتَاقَ إلَيْهَا وَيُتَأَلَّمَ بِحُضُورِ أَضْدَادِهَا كَالْقُوَّةِ السَّامِعَةِ فَإِنَّهَا تَشْتَاقُ إلَى الْأَصْوَاتِ الرَّخِيمَةِ الَّتِي هِيَ كَمَالٌ لَهَا وَتَتَأَلَّمُ بِوُصُولِ الْأَصْوَاتِ الْمُسْتَنْكَرَةِ إلَيْهَا وَدَفَعَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِيَاقِ النَّفْسِ إلَى الْمَعْقُولَاتِ الصِّرْفَةِ وَالْمَيْلِ إلَيْهَا عَدَمُ كَوْنِهَا مُلْتَذَّةً بِهَا لِجَوَازِ أَنْ لَا تَكُونَ النَّفْسُ مُتَوَجِّهَةً إلَيْهَا بِسَبَبِ غِطَاءٍ مَانِعٍ هُوَ انْهِمَاكُهَا فِي اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ وَاشْتِغَالُهَا بِالْمَحْسُوسَاتِ الصِّرْفَةِ وَمَا لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهَا لَمْ تَجِدْ ذَوْقًا مِنْهَا فَلَمْ يَحْصُلْ شَوْقٌ إلَيْهَا فَإِذَا أُزِيلَ ذَلِكَ الْغِطَاءُ الَّذِي هُوَ الْمَرَضُ عَنْ بَصِيرَتِهَا وَصَلَتْ إلَيْهَا وَالْتَذَّتْ بِهَا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ زَكَرِيَّا) اسْمُهُ مُحَمَّدٌ الطَّبِيبُ الرَّازِيّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى ابْنِ سِينَا ذَكَرَ لَهُ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً صَاحِبُ طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ وَعَدَّدَ لَهُ تَآلِيفَ كَثِيرَةً وَالْآنَ مَوْجُودٌ مِنْهَا بَعْضٌ بِدِيَارِنَا اطَّلَعْت عَلَيْهَا وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طَائِلَةٌ فِي الْعِلَاجِ بِخِلَافِ الشَّيْخِ ابْنِ سِينَا فَإِنَّمَا كَانَتْ مَهَارَتُهُ فِي الْعِلْمِ دُونَ الْعَمَلِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَمْ يُبَاشِرْ الْعَمَلَ كَثِيرًا كَبَاقِي الْأَطِبَّاءِ فَإِنَّهُ كَانَ مُخَالِطًا لِلدُّوَلِ وَمُتَقَلِّبًا فِي الْمَنَاصِبِ وَوَقَعَتْ لَهُ مِحَنٌ كَثِيرَةٌ وَلَاقَى شَدَائِدَ عَظِيمَةً حَتَّى إنَّ جُلَّ مُؤَلَّفَاتِهِ أَلَّفَهَا فِي الِاخْتِفَاءِ وَالتَّسَتُّرِ وَالتَّنَقُّلِ فِي الْأَسْفَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: هِيَ الْخَلَاصُ مِنْ الْأَلَمِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ هَكَذَا وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا أَنَّ اللَّذَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّبَدُّلِ وَالْخُرُوجِ عَنْ حَالَةٍ غَيْرِ طَبِيعِيَّةٍ إلَى حَالَةٍ طَبِيعِيَّةٍ وَبِهِ صَرَّحَ جَالِينُوسُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْخَلَاصِ عَنْ الْأَلَمِ وَذَلِكَ كَالْأَكْلِ لِلْجُوعِ وَالْجِمَاعِ لِدَغْدَغَةِ الْمَنِيِّ أَوْعِيَتَهُ وَأَبْطَلَهُ ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ اللَّذَّةُ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ أَلَمٍ أَوْ حَالَةٍ غَيْرِ طَبِيعِيَّةٍ كَمَا فِي مُصَادَفَةِ مَالٍ وَمُطَالَعَةِ جَمَالٍ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَشَوْقٍ لَا عَلَى التَّفْصِيلِ وَلَا عَلَى الْإِجْمَالِ بِأَنْ لَمْ يَخْطِرْ ذَلِكَ بِبَالِهِ قَطُّ لَا جُزْئِيًّا وَلَا كُلِّيًّا وَكَذَا فِي إدْرَاكِ الذَّائِقَةِ الْحَلَاوَةَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقَدْ يَحْصُلُ ذَلِكَ التَّبَدُّلُ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ كَمَا فِي حُصُولِ الصِّحَّةِ عَلَى التَّدْرِيجِ وَفِي وُرُودِ الْمُسْتَلَذَّاتِ مِنْ الطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْأَصْوَاتِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَنْ لَهُ غَايَةُ الشَّوْقِ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ عَرَضَ لَهُ شَاغِلٌ عَنْ الشُّعُورِ وَالْإِدْرَاكِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْمُلَاءَمَةُ) قَيَّدَ بِالْحَيْثِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ مُلَائِمًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ

[خاتمة في مبادئ التصوف المصفي للقلوب]

وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِدْرَاكَ مَلْزُومُهَا لَا هِيَ (وَيُقَابِلُهَا الْأَلَمُ) فَهُوَ عَلَى الْأَخِيرِ إدْرَاكُ غَيْرِ الْمُلَائِمِ (وَمَا تَصَوَّرَهُ الْعَقْلُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ أَوْ مُمْكِنٌ لِأَنَّ ذَاتَهُ) أَيْ الْمُتَصَوَّرَةَ (إمَّا أَنْ تَقْتَضِيَ وُجُودَهُ فِي الْخَارِج أَوْ عَدَمَهُ أَوْ لَا تَقْتَضِيَ شَيْئًا) مِنْ وُجُودِهِ أَوْ عَدَمِهِ وَالْأَوَّلُ الْوَاجِبُ وَالثَّانِي الْمُمْتَنِعُ وَالثَّالِثُ الْمُمْكِنُ (خَاتِمَةٌ) فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ الْمُصَفِّي لِلْقُلُوبِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ تَجْرِيدُ الْقَلْبِ لِلَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْإِدْرَاكُ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُلَاءَمَةِ لَا يَكُونُ لَذَّةً كَالصَّفْرَاوِيِّ لَا يَلْتَذُّ بِالْحُلْوِ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَالْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ الْوُصُولُ إلَى ذَاتِ الْمُلَائِمِ لَا إلَى مُجَرَّدِ صُورَتِهِ فَإِنَّهُ تَخَيَّلَ اللَّذِيذَ غَيْرَ اللَّذَّةِ وَلِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ مَا قَالَ ابْنِ سِينَا أَنَّ اللَّذَّةَ إدْرَاكٌ وَنَيْلٌ لِوُصُولِ مَا هُوَ عِنْدَ الْمُدْرِكِ كَمَالٌ وَخَيْرٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ، وَالْأَلَمُ إدْرَاكٌ وَنَيْلٌ لِوُصُولِ مَا هُوَ عِنْدَ الْمُدْرِكِ آفَةٌ وَشَرٌّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ فَذَكَرَ مَعَ الْإِدْرَاكِ النَّيْلَ أَعْنِي الْإِصَابَةَ وَالْوُجْدَانَ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِحُصُولِ صُورَةٍ تُسَاوِيهِ وَنَيْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِحُصُولِ ذَاتِهِ وَاللَّذَّةُ لَا تَتِمُّ بِحُصُولِ مَا يُسَاوِي اللَّذِيذَ إنَّمَا تَتِمُّ بِحُصُولِ ذَاتِهِ وَذَكَرَ الْوُصُولَ؛ لِأَنَّ اللَّذَّةَ لَيْسَتْ هِيَ إدْرَاكُ اللَّذِيذِ فَقَطْ بَلْ هِيَ إدْرَاكُ حُصُولِ اللَّذِيذِ لِلْمُلْتَذِّ وَوُصُولُهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: إدْرَاكُ غَيْرِ الْمُلَائِمِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْمُلَاءَمَةِ وَحَذَفَ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِالْمُقَابِلِ. (قَوْلُهُ: وَمَا تَصَوَّرَهُ الْعَقْلُ) أَيْ حَصَلَتْ صُورَتُهُ فِيهِ فَشَمِلَ ذَلِكَ التَّصْدِيقَ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ هَلْ إمَّا بَسِيطَةٌ يُطْلَبُ بِهَا وُجُودُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مُرَكَّبَةٌ يُطْلَبُ بِهَا وُجُودُ شَيْءٍ لِشَيْءٍ فَإِذَا نُسِبَ الْمَفْهُومُ إلَى وُجُودِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ وُجُودِهِ لِأَمْرٍ حَصَلَ فِي الْعَقْلِ مَعَانٍ هِيَ الْوُجُوبُ وَالِامْتِنَاعُ وَالْإِمْكَانُ ثُمَّ إنَّ تَصَوُّرَاتِ هَذِهِ الْمَعَانِي ضَرُورِيَّةٌ حَاصِلَةٌ لِمَنْ لَمْ يُمَارِسْ طُرُقَ الِاكْتِسَابِ إلَّا أَنَّهَا قَدْ تُعَرَّفُ تَعْرِيفَاتٍ لَفْظِيَّةً فَيُقَالُ الْوُجُوبُ ضَرُورَةُ الْوُجُودِ أَوْ اقْتِضَاؤُهُ أَوْ اسْتِحَالَةُ الْعَدَمِ وَالِامْتِنَاعُ ضَرُورَةُ الْعَدَمِ أَوْ اقْتِضَاؤُهُ أَوْ اسْتِحَالَةُ الْوُجُودِ، وَالْإِمْكَانُ جَوَازُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ أَوْ عَدَمُ ضَرُورَتِهِمَا أَوْ عَدَمُ اقْتِضَاءِ شَيْءٍ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَا يَتَحَاشَى عَنْ أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ مَا يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ أَوْ مَا لَا يُمْكِنُ عَدَمُهُ وَالْمُمْتَنِعُ مَا يَجِبُ عَدَمُهُ أَوْ مَا لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَالْمُمْكِنُ مَا لَا يَجِبُ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمُهُ أَوْ مَا لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَصْدُ إلَى إفَادَةِ تَصَوُّرَاتِ هَذِهِ الْمَعَانِي لَكَانَ دَوْرًا ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ وُجُودَهُ) أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ وُجُودُهُ مُتَوَقِّفًا عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ أَنَّ اللَّذَّاتِ عِلَّةٌ فِي نَفْسِهَا. [خَاتِمَةٌ فِي مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ الْمُصَفِّي لِلْقُلُوبِ] (خَاتِمَةٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ) (قَوْلُهُ: مِنْ مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ) ظَاهِرٌ أَنَّ التَّصَوُّفَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي لَهَا مَبَادِئُ وَمَقَاصِدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ ثَمَرَةُ جَمِيعِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَآلَاتُهَا لَا أَنَّهُ قَوَاعِدُ مَخْصُوصَةٌ وَإِنْ أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ ثُمَّ هُوَ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَرْجِعُ إلَى تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّأَدُّبِ بِجَمِيلِ الْآدِبِ كَقُوتِ الْقُلُوبِ وَإِحْيَاءِ الْغَزَالِيِّ وَمُؤَلَّفَاتِ سَيِّدِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ وَغَيْرِهَا فَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ يُدْرِكُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ لِلْعُلُومِ وَقِسْمٌ مَرْجِعُ أَرْبَابِهِ فِيهِ إلَى الْمُكَاشَفَاتِ وَالْأَذْوَاقِ وَمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ التَّجَلِّيَاتِ وَكَمُؤَلَّفَاتِ سَيِّدِي الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْجِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا نَحَا مَنْحَاهُمَا فَهَذَا مِنْ الْغَوَامِضِ الَّتِي لَا يَفْهَمُهَا إلَّا مَنْ ذَاقَ مَذَاقَهُمْ وَقَدْ لَا تَفِي عِبَارَتُهُمْ بِشَرْحِ الْمَعَانِي الَّتِي أَرَادُوهَا بَلْ رُبَّمَا صَادَمَتْ بِحَسَبِ ظَوَاهِرِهَا الدَّلَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ فَالْأَوْلَى عَدَمُ الْخَوْضِ فِيهِ وَيُسَلَّمُ لَهُمْ حَالُهُمْ: وَإِذَا كُنْتَ بِالْمَدَارِكِ غِرًّا ... ثُمَّ أَبْصَرْتَ حَاذِقًا لَا تُمَارِي وَإِذَا لَمْ تَرَ الْهِلَالَ فَسَلِّمْ ... لِأُنَاسٍ رَأَوْهُ بِالْأَبْصَارِ (قَوْلُهُ: الْمُصَفِّي لِلْقُلُوبِ) إشَارَةٌ لِوَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِالتَّصَوُّفِ أَنْشَدَ الشَّيْخُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي كِتَاب الْمَدْخَلُ: لَيْسَ التَّصَوُّفُ لُبْسَ الصُّوفِ تُرْقِعُهُ ... وَلَا بُكَاؤُكَ إنْ غَنَّى الْمُغَنُّونَا وَلَا صِيَاحٌ وَلَا رَقْصٌ وَلَا طَرَبٌ ... وَلَا اخْتِبَاطٌ كَأَنْ قَدْ صِرْتَ مَجْنُونَا بَلْ التَّصَوُّفُ أَنْ تَصْفُو بِلَا كَدَرٍ ... وَتَتْبَعَ الْحَقَّ وَالْقُرْآنَ وَالدِّينَا وَأَنْ تُرَى خَاشِعًا لِلَّهِ مُكْتَئِبًا ... عَلَى ذُنُوبِكَ طُولَ الدَّهْرِ مَحْزُونَا

وَاحْتِقَارُ مَا سِوَاهُ قَالَ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ وَلِذَلِكَ افْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ بَأْسَ الْعَمَلِ فَقَالَ (أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ الْمَعْرِفَةُ) أَيْ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا مَبْنَى سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِهَا وَاجِبٌ بَلْ وَلَا مَنْدُوبٌ (وَقَالَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ مُوَالِيًا: يَا وَاصِفِي أَنْتَ فِي التَّحْقِيقِ مَوْصُوفِي ... وَعَارِفِي لَا تُغَالِطْ أَنْتَ مَعْرُوفِي إنَّ الْفَتَى مَنْ بِعَهْدِهِ فِي الْأَزَلِ يُوفِي ... صَافَى فَصُوفِيَ لِهَذَا سُمِّيَ الصُّوفِيُّ وَقِيلَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ غَلَبَةُ لُبْسِ الصُّوفِ عَلَى أَهْلِهِ كَالْمُرَقَّعَاتِ؛ وَحِكْمَتُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ ثَوْبًا كَامِلًا مِنْ الْحَلَالِ بَلْ قِطَعًا قِطَعًا وَقِيلَ لِشَبَهِهِمْ بِأَهْلِ الصُّفَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ آمِرَةٌ بِالْتِزَامِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْحَقِيقَةُ مُشَاهَدَةُ الرُّبُوبِيَّةِ فَكُلُّ شَرِيعَةٍ غَيْرُ مُؤَيَّدَةٍ بِالْحَقِيقَةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَكُلُّ حَقِيقَةٍ غَيْرُ مُؤَيَّدَةٍ بِالشَّرِيعَةِ فَغَيْرُ مَحْصُولٍ فَالشَّرِيعَةُ جَاءَتْ بِتَكْلِيفِ الْخَلْقِ وَالْحَقِيقَةُ إنْبَاءٌ عَنْ تَصْرِيفِ الْحَقِّ فَالشَّرِيعَةُ أَنْ تَعْبُدَهُ وَالْحَقِيقَةُ أَنْ تَشْهَدَهُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] حِفْظًا لِلشَّرِيعَةِ {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] إقْرَارٌ بِالْحَقِيقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاحْتِقَارُ مَا سِوَاهُ) أَيْ عَنْ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَيَسْتَنِدَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَقِرُهُ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيمَا سِوَاهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَتَعْظِيمُهُمْ وَاجِبٌ وَمُحَصِّلُهُ أَنْ يَجْعَلَ قَصْدَهُ حَضْرَةَ الْحَقِّ فَلَا تَحْجُبُهُ الْأَغْيَارُ عَنْ تِلْكَ الْأَسْرَارِ قَالَ سَيِّدِي أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آيَسْتُ مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ لَا أَيْأَسُ مِنْ غَيْرِي اهـ. وَلَا أَنْ يَطْرَحَ الْأَغْيَارَ عَنْ الْفِكْرِ وَالِاعْتِبَارِ وَإِعْطَاءِ الْمَظَاهِرِ حُكْمَهَا قَالَ فِي لَوَاقِحِ الْأَنْوَارِ مِنْ كَمَالِ الْعِرْفَانِ شُهُودُ عَبْدٍ وَرَبٍّ وَكُلُّ عَارِفٍ نَفَى شُهُودَ الْعَبْدِ فِي وَقْتٍ مَا فَلَيْسَ هُوَ بِعَارِفٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَاحِبُ حَالٍ وَصَاحِبُ الْحَالِ سَكْرَانُ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اجْتَمَعَتْ رُوحِي بِهَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ فَقُلْتُ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ قُلْتَ {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ} [الأعراف: 150] وَمَنْ الْأَعْدَاءُ حَتَّى تَشْهَدَهُمْ وَالْوَاحِدُ مِنَّا يَصِلُ إلَى مَقَامٍ لَا يَشْهَدُ فِيهِ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ هَارُونُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحِيحٌ مَا قُلْتَ فِي مَشْهَدِكُمْ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُشَاهِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا اللَّهَ فَهَلْ زَالَ الْعَالَمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا هُوَ مَشْهَدُكُمْ أَمْ الْعَالَمُ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ وَحُجِبْتُمْ أَنْتُمْ عَنْ شُهُودِهِ لِعَظِيمِ مَا تَجَلَّى لِقُلُوبِكُمْ فَقُلْتُ لَهُ الْعَالَمُ بَاقٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَزُلْ وَإِنَّمَا حُجِبْنَا نَحْنُ عَنْ شُهُودِهِ فَقَالَ قَدْ نَقَصَ عِلْمُكُمْ بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ الْمَشْهَدِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ شُهُودِ الْعَالَمِ فَإِنَّهُ كُلُّهُ آيَاتُ اللَّهِ فَأَفَادَنِي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِلْمًا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي انْتَهَى (قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ) أَيْ مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لَا إدْرَاكُهُ وَالْإِحَاطَةُ بِكُنْهِ حَقِيقَتِهِ {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] فَالْمُرَادُ الْمَعْرِفَةُ الْإِيمَانِيَّةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا مَبْنَى سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ وَقَوْلُهُ إذْ لَا يَصِحُّ إلَخْ أَيْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ امْتِثَالًا وَالِانْكِفَافَ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ انْزِجَارًا لَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَالنَّاهِي اهـ. زَكَرِيَّا. ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ وَاجِبَةٌ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ فَقَوْلُهُ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ أَيْ شَرْعًا وَنَقَلَ عَنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِالْعَقْلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْعَقْلَ مُوجِبًا وَعِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَقْلُ مُعَرِّفٌ لِإِيجَابِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يَبْنُونَ كَلَامَهُمْ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ فَيَجْعَلُونَ ذَاتَ الْعَقْلِ تَسْتَقِلُّ بِهِ الْأَحْكَامُ وَإِنَّمَا جَاءَ الشَّرْعُ مُذَكِّرًا وَمُقَوِّيًا لِلْعَقْلِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعَقْلِ لَا أَنَّهُمْ يَنْفُونَ اسْتِفَادَةَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ الشَّرْعِ وَيُضِيفُونَهَا لِلْعَقْلِ وَإِلَّا لَكَفَرُوا وَمَعْنَى مَا نَقَلَ عَنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّ إيجَابَ الْمَعْرِفَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ أَمْكَنَ الْعَقْلُ أَنْ يَفْهَمَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِوُضُوحِهِ لَا بِنَاءً عَلَى تَحْسِينِ ذَاتِهِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَكْسُ مَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ لَوْ لَمْ تَجِبْ الْمَعْرِفَةُ بِالْعَقْلِ لَزِمَ إفْحَامُ الرُّسُلِ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ يَقُولُ لَا أَنْظُرُ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدِي وُجُوبُ النَّظَرِ عَلَيَّ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّظَرِ فِيمَا تَدْعُونِي إلَيْهِ فَأَنَا لَا أَنْظُرُ أَصْلًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الِامْتِثَالِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ بِالْحُكْمِ بَلْ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْوَاقِعِ فَقَوْلُهُ

(النَّظَرُ الْمُؤَدِّي إلَيْهَا) لِأَنَّهُ مُقَدِّمَتُهَا (وَالْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (أَوَّلُ النَّظَرِ) لِتَوَقُّفِ النَّظَرِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ (وَابْنُ فُورَكٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ) لِتَوَقُّفِ النَّظَرِ عَلَى قَصْدِهِ (وَذُو النَّفْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدِي إلَخْ الْعِنْدِيَّةُ مَمْنُوعَةٌ بَلْ مَتَى تَقَرَّرَ الْحُكْمُ فِي الْوَاقِعِ تَعَلَّقَ بِهِ وَوَجَبَ الِامْتِثَالُ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِ الرَّسُولِ. فَإِنْ قَالَ مِنْ أَيْنَ صَحَّتْ رِسَالَتُهُ؟ قُلْنَا دَلِيلُهُ مُعْجِزَةٌ مُقَارِنَةٌ لِدَعْوَاهُ لَا يُقْبَلُ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا عِنْدَ الْعَاقِلِ تَمَسُّكًا بِهَذَا الْهَذَيَانِ فَإِنَّ مِثَالَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ مِثَالُ مَنْ أَتَاهُ شَخْصٌ وَقَالَ اُنْجُ بِنَفْسِكَ فَهَذَا أَسَدٌ خَلْفَكَ وَإِنْ الْتَفَتَّ رَأَيْتَهُ، فَهَلْ يَلِيقُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْتَنِي بِكَلَامِكَ وَأَلْتَفِتُ إلَّا إذَا عَلِمْتُ صِدْقَكَ وَلَا أَعْلَمُ صِدْقَك إلَّا إذَا الْتَفَتُّ وَيَسْتَمِرُّ وَاقِفًا حَتَّى يَأْكُلَهُ السَّبُعُ؟ ، فَكَذَلِكَ الرَّسُولُ يَقُولُ اتَّبِعُونِي فِي كُلِّ مَا أَقُولُ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَإِنْ نَظَرْتُمْ فِي مُعْجِزَتِي عَلِمْتُمْ صِدْقِي وَهَا هِيَ الْمُعْجِزَةُ فَيَصِحُّ الْإِعْرَاضُ حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ عَيْنُ الْحُمْقِ وَالْعِنَادِ الَّذِي لَا يُعْذَرُ فَاعِلُهُ وَلَا يُفْحِمُ الْمُرْشِدَ النَّاصِحَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ لَوْ سَلِمَ وَرَدَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ وُجُوبَ الْمَعْرِفَةِ نَظَرِيٌّ وَادِّعَاءُ بَدَاهَتِهِ مُكَابَرَةٌ فَيُقَالُ لَهُمْ لَا يَنْظُرُ النَّظَرَ الْمُوَصِّلَ لِوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا إذَا عَلِمَ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ وَلَا يَعْلَمُ إلَّا بِالنَّظَرِ وَهُوَ لَا يَنْظُرُ وَذَهَبَتْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة إلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَحْصُلُ بِدُونِ الْمُعَلِّمِ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ وَلَهُمْ أَدِلَّةٌ وَاهِيَةٌ وَالظَّنُّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْآنَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَقَدْ كَانُوا كَثِيرِينَ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ وَتَعَرَّضَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي كُتُبِهِمْ وَهُمْ أَضْعَفُ الْفِرَقِ عِلْمًا وَأَشَدُّهَا جَهْلًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ وُجُوبِ النَّظَرِ مِنْ مَبَادِئِ عِلْمِ الْكَلَامِ حَتَّى إنَّ أَكْثَرَ الْقَوْمِ يُقَدِّمُونَ الْبَحْثَ عَنْهُ قَبْلَ مَبَاحِثِ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْمُصَنِّفُ أَدْرَجَهُ فِي خَاتِمَةِ التَّصَوُّفِ لَا لِأَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِهِ بَلْ لِمُنَاسَبَةِ مَا أَشَارَ إلَيْهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلِذَلِكَ افْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ بَأْسَ الْعَمَلِ وَمَسْأَلَةُ الْكُتُبِ الْآتِيَةُ مِنْ مَقَاصِدِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَعَدَمُ صَلَاحِ الْقُدْرَةِ لِلضِّدَّيْنِ كَذَلِكَ وَأَنَّ الْعَجْزَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى فِي ذِكْرِهَا هَذَا أَدْنَى مُنَاسَبَةً فَلَمْ يُبَالِ بِاخْتِلَاطِ مَسَائِلِ الْعُلُومِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ. (قَوْلُهُ: لِلنَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَيْهَا) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحَ الْمُسْتَجْمِعَ لِلشَّرَائِطِ يُفِيدُ الْعِلْمَ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ لُزُومَ شَيْءٍ كَالضَّاحِكِ لِشَيْءٍ كَالْإِنْسَانِ وَعَلِمَ مَعَ الْعِلْمِ بِاللُّزُومِ وُجُودَ الْمَلْزُومِ وَهُوَ الْإِنْسَانُ أَوْ عَدَمُ اللَّازِمِ وَهُوَ عَدَمُ الضَّاحِكِ عُلِمَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِاللُّزُومِ مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْمَلْزُومِ وُجُودُ اللَّازِمِ وَهُوَ وُجُودُ الضَّاحِكِ وَعُلِمَ مِنْ الثَّانِي وَهُوَ الْعِلْمُ بِاللُّزُومِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ اللَّازِمِ عَدَمُ الْمَلْزُومِ وَهُوَ عَدَمُ الْإِنْسَانِ وَأَيْضًا مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْعَالَمَ مُمْكِنٌ وَعَلِمَ أَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ لَهُ مُؤَثِّرٌ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ لِلْعَالَمِ مُؤَثِّرًا وَالسُّمَنِيَّةُ أَنْكَرُوا وُجُودَهُ فِي الْإِلَهِيَّاتِ دُونَ الْهَنْدَسِيَّاتِ لِعَدَمِ تَطَرُّقِ الْغَلَطِ إلَيْهَا دُونَ الْإِلَهِيَّاتِ (قَوْلُهُ: وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَ النَّظَرَ) الَّذِي فِي شَرْحِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ حِكَايَةَ هَذَا الْقَوْلِ بِقِيلَ وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ بِمَقَالَةِ ابْنِ فُورَكٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي أَنَّهُ الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ. (قَوْلُهُ: فِي تَوَقُّفِ النَّظَرِ عَلَى قَصْدِهِ) لِأَنَّ النَّظَرَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ وَكُلُّ فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقَصْدِ وَلَيْسَ وُجُوبُ النَّظَرِ مُتَوَقِّفًا عَلَى وُجُودِ الْقَصْدِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَصْدُ أَمْ لَمْ يُوجَدْ فَيَكُونُ الْقَصْدُ مُقَدِّمَةَ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ النَّظَرُ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا مَسْبُوقًا بِقَصْدٍ آخَرَ وَيُنْقَلُ الْكَلَامُ إلَيْهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ صَادِرًا مِنْ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ بِلَا قَصْدٍ آخَرَ سَابِقٍ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْقَصْدِ عَيْنَ الْقَصْدِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَقْوَالِ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ أَنْهَاهَا الْيُوسِيُّ فِي حَوَاشِي الْكُبْرَى لِأَحَدَ عَشَرَ. الْخَامِسُ: اعْتِقَادُ وُجُوبِ النَّظَرِ أَيْ لِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى قَدْرِ النَّظَرِ. السَّادِسُ: الْإِيمَانُ. السَّابِعُ: الْإِسْلَامُ. الثَّامِنُ: النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَالثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ مَرْدُودَةٌ بِاحْتِيَاجِهَا لِلْمَعْرِفَةِ. التَّاسِعُ: التَّقْلِيدُ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْمَعْرِفَةِ. الْعَاشِرُ:

الْأَبِيَّةِ) أَيْ الَّتِي تَأْبَى إلَّا الْعُلُوَّ الْأُخْرَوِيَّ (يَرْبَأُ بِهَا) أَيْ يَرْفَعُهَا بِالْمُجَاهَدَةِ (عَنْ سَفْسَافِ الْأُمُورِ) أَيْ دَنِيئِهَا مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ كَالْكِبْرِ وَالْغَضَبِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَقِلَّةِ الِاحْتِمَالِ (وَيَجْنَحُ) بِهَا (إلَى مَعَالِيهَا) مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ كَالتَّوَاضُعِ وَالصَّبْرِ وَسَلَامَةِ الْبَاطِنِ وَالزُّهْدِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَكَثْرَةِ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ عَلَى الْهِمَّةِ وَسَيَأْتِي دَنِيئُهَا وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ (وَمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ) بِمَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ (تَصَوَّرَ تَبْعِيدَهُ) لِعَبْدِهِ بِإِضْلَالِهِ (وَتَقْرِيبَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَظِيفَةُ الْوَقْتِ كَصَلَاةٍ ضَاقَ وَقْتُهَا فَتَقَدَّمَ الْحَادِيَ عَشَرَ. قَالَ الْجُبَّائِيُّ وَالْمُعْتَزِلَةُ الشَّكُّ وَرَدَ بِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ زَوَالُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَرْدِيدَ الْفِكْرِ فَيُؤَوَّلُ لِلنَّظَرِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَى الشَّكِّ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ الدَّوَانِيُّ وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ النِّزَاعُ فِي أَوَّلِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَيَحْتَمِلُ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ فِي أَوَّلِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمُكَلَّفِ مُطْلَقًا فَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ أَوَّلًا بِالْإِقْرَارِ فَأَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ هُوَ ذَلِكَ وَلَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ إنْ أُرِيدَ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ الْمَقْصُودَةِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا مَقْدُورَةً وَإِنْ أُرِيدَ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ كَيْفَ كَانَتْ فَهُوَ الْقَصْدُ اهـ. وَتَعَقَّبَ هَذَا الْقَوْلَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ وَوُجُوبُهَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي السَّبَبِ الْمُسْتَلْزِمِ دُونَ غَيْرِهِ. اهـ. وَرَدَّهُ الدَّوَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّبَبِ الْمُسْتَلْزِمِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ بَدِيهَةً اهـ. (قَوْلُهُ: الْأَبِيَّةِ) أَيْ الْآبِيَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَبِيئَةٌ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَأْبَى) أَيْ لَا تُرِيدُ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ (قَوْلُهُ: أَيْ يَرْفَعُهَا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْمَعْنَى يَرْبَؤُهَا أَيْ يَجْعَلُهَا مُرْتَفِعَةً فَلَيْسَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِسَبَبِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُهَا. (قَوْلُهُ: عَنْ سَفْسَافِ الْأُمُورِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُضَاعَفَ وَهُوَ مَا كَانَتْ فَاؤُهُ وَلَامُهُ الْأُولَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَعَيْنُهُ وَلَامُهُ الثَّانِيَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَزِلْزَالٍ وَقَعْقَاعٍ يَجُوزُ فَتْحُ أَوَّلِهِ وَكَسْرُهُ وَالْكَسْرُ هُوَ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: كَالْكِبْرِ) وَهُوَ دَاءٌ عَظِيمٌ مَوْقِعٌ فِي تَعَبٍ شَدِيدٍ وَمُوجِبٌ لِنُفْرَةِ الْقُلُوبِ عَنْ صَاحِبِهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ لَيْسَ الْمُتَكَبِّرُ صَدِيقًا لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ عَلَى الْخَلْقِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَيُسْتَثْقَلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيُمَجُّ وَيُبْغَضُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. وَالْكِبْرُ إظْهَارُ الشَّخْصِ عِظَمَ نَفْسِهِ وَشَأْنِهِ. وَالْغَضَبُ ثَوَرَانُ دَمِ الْقَلْبِ لِإِرَادَةِ الِانْتِقَامِ. وَالْحِقْدُ كِتْمَانُ الْعَدَوَاةِ بَاطِنًا مَعَ انْتِظَارِ الْفُرْصَةِ فِي الْإِهْلَاكِ وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ حَقُودًا إلَّا وَهُوَ مُصَغَّرُ الْوَجْهِ وَعِلَّتُهُ الطَّبِيعِيَّةِ أَنَّ دَمَ الْقَلْبِ الثَّائِرِ عِنْدَ الْغَضَبِ لَمْ يَبْرُزْ إلَى سَطْحِ الْجِلْدِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبَطْشِ فَيَنْحَبِسُ فِي الْقَلْبِ وَلَا يَبْرُزُ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَحْقِدُ الضَّعِيفُ لِأَنَّ الْقَوِيَّ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِقَامِ فَوْرًا وَالْحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ غَيْرِهِ وَفِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ فِي جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا لَا يَخْفَى كَأَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ لِلَّهِ حُكْمَهُ مَعَ دَوَامِ غَضَبِهِ وَقَهْرِهِ بِمَا يَرَى مِنْ آثَارِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْمَحْسُودِ (قَوْلُهُ: وَسُوءِ الْخُلُقِ) هُوَ وَصْفٌ جَامِعٌ لِمَذَامَّ كَثِيرَةٍ (قَوْلُهُ: وَقِلَّةُ الِاحْتِمَالِ) هُوَ عَدَمُ الصَّبْرِ (قَوْلُهُ: بِمَا يُعْرَفُ بِهِ) أَيْ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ خَلْقِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنَزَّهَهُ سُبْحَانَهُ عَنْ شَوَائِبِ النَّقْصِ لَا مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ سُبْحَانَكَ مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ (قَوْلُهُ: تَبْعِيدُهُ وَتَقْرِيبُهُ) كِلَاهُمَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَلَامُ لِعَبْدِهِ لِلتَّقْوِيَةِ وَبِإِضْلَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِتَبْعِيدٍ وَبِهِدَايَتِهِ بِتَقْرِيبٍ فَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ هُنَا مَعْنَوِيٌّ وَقَوْلُهُ فَأَصْغَى تَفْرِيعٌ عَلَى خَافَ وَرَجَا وَقَوْلُهُ فَارْتَكَبَ تَفْرِيعٌ عَلَى فَأَصْغَى وَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ قَرُبَ الْعَبْدُ أَوَّلًا قَرُبَ بِإِيمَانِهِ وَتَصْدِيقِهِ ثُمَّ قَرُبَ بِإِحْسَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ وَقَرُبَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ مِنْ الْعَبْدِ مَا يَخُصُّهُ الْيَوْمَ بِهِ مِنْ الْعِرْفَانِ وَفِي الْآخِرَةِ

لَهُ بِهِدَايَتِهِ (فَخَافَ) عِقَابَهُ (وَرَجَا) ثَوَابَهُ (فَأَصْغَى إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ) عَنْهُ (فَارْتَكَبَ) مَأْمُورَهُ (وَاجْتَنَبَ) مَنْهِيَّهُ (فَأَحَبَّهُ مَوْلَاهُ فَكَانَ) مَوْلَاهُ (سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا) وَاتَّخَذَهُ وَلِيًّا إنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ وَإِنْ اسْتَعَاذَ بِهِ أَعَاذَهُ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَإِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَوَلَّى مَحْبُوبَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَحَرَكَاتُهُ وَسَكَنَاتُهُ بِهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ أَبَوَيْ الطِّفْلِ لِمَحَبَّتِهِمَا لَهُ الَّتِي أَسْكَنَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمَا يَتَوَلَّيَانِ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ فَلَا يَأْكُلُ إلَّا بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَلَا يَمْشِي إلَّا بِرِجْلِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ كِلَاءَةً كَكِلَاءَةِ الْوَلِيدِ (وَدَنِيءُ الْهِمَّةِ) بِأَنْ لَا يَرْفَعَ نَفْسَهُ بِالْمُجَاهَدَةِ عَنْ سَفْسَافِ الْأُمُورِ (لَا يُبَالِي) بِمَا تَدْعُوهُ نَفْسُهُ إلَيْهِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ (فَيَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَ وَيَدْخُلُ تَحْتَ رِبْقَةِ الْمَارِقِينَ) مِنْ الدِّينِ أَيْ عُرْوَتِهِمْ الْمُنْقَطِعَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (فَدُونَكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُكَرِّمُهُ بِهِ مِنْ الشُّهُودِ وَالْعِيَانِ وَفِيمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِوُجُودِ اللُّطْفِ وَالِامْتِنَانِ وَلَا يَكُونُ قُرْبُ الْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ إلَّا بِبَعْدِهِ عَنْ الْخَلْقِ فَهَذَا مِنْ صِفَاتِ الْقُلُوبِ دُونَ أَحْكَامِ الظَّوَاهِرِ وَالْكَوْنُ وَقُرْبُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَامٌّ لِلْكَافِرِ وَبِاللُّطْفِ وَالتَّأْيِيدِ وَالنَّصْرِ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ بِخَصَائِصِ التَّأْنِيثِ مُخْتَصٌّ بِالْأَوْلِيَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَبْطِشُ) أَيْ يَسْطُو وَهُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ (قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْمَأْخُوذُ الْأَخِيرُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَرْتِيبُهَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ (قَوْلُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ إلَخْ) فِي يَوَاقِيتِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّ مَعْنَى كُنْتُ سَمْعَهُ إلَخْ أَنَّ ذَلِكَ الْكَوْنَ الشُّهُودِيَّ مُرَتَّبٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ حُصُولُ الْمَحَبَّةِ فَمِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ الشُّهُودِيُّ جَاءَ الْحُدُوثُ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كُنْتُ سَمْعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ التَّقَرُّرُ الْوُجُودِيُّ، قَالَهُ الْأُسْتَاذُ سَيِّدِي عَلِيُّ بْنُ وَفَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ الْمُرَادُ بِكُنْتُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إلَخْ انْكِشَافُ الْأَمْرِ لِمَنْ تَقَرَّبَ إلَيْهِ تَعَالَى بِالنَّوَافِلِ لَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ تَعَالَى سَمْعَهُ قَبْلَ التَّقْرِيبِ ثُمَّ كَانَ الْآنَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ الْعَوَارِضِ الطَّارِئَةِ. (قَوْلُهُ: يَتَوَلَّى مَحْبُوبَهُ) أَيْ بِالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ بِأَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَرْضَاتِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْفُتُوحَاتِ: إيَّاكُمْ وَمُعَادَاةِ أَهْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ الْوَلَايَةُ الْعَامَّةُ فَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَلَوْ أَتَوْا بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَلَقَّى جَمِيعَهُمْ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً وَمَنْ ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ حَرُمَتْ مُحَارَبَتُهُ وَإِنَّمَا جَازَ لَنَا هَجْرُ أَحَدٍ مِنْ الذَّاكِرِينَ لِلَّهِ لِظَاهِرِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نُؤْذِيَهُ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا فَوَعَدَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ فَلْيَخْتِمْهُ بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّ التَّوْحِيدَ يَأْخُذُ بِيَدِ صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ كِلَاءَةً كَكِلَاءَةِ الْوَلِيدِ) الْكِلَاءَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمَدِّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ الْحِرَاسَةُ وَالْحِفْظُ وَالْوَلِيدُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ أَيْ اُحْرُسْنِي وَاحْفَظْنِي كَمَا يَحْفَظُ الْوَلَدَ أَبَوَاهُ مِنْ الْمَهَالِكِ، وَالْكَلَامُ عَلَى التَّنَزُّلِ تَقْرِيبًا لِلْعُقُولِ وَإِلَّا فَحِفْظُ اللَّهِ يَقْصُرُ دُونَهُ حِفْظُ الْأَبَوَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: فَيَجْهَلُ فَوْقَ إلَخْ) هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ مِنْ الْمُعَلَّقَاتِ وَصَدْرُهُ: أَلَا لَا يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلَيْنَا وَالرِّوَايَةُ بِالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالنُّونِ فَغَيْرُهُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ أَيْ يَجْهَلُ جَهْلًا أَشَدَّ مِنْ جَهْلِ الْجَاهِلِينَ وَتَفَاوُتُ الْجَهْلِ بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ إمَّا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ فَإِنَّ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ تَتَفَاوَتُ أَوْ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ أَشَدُّ مِنْهُ بِمَا هُوَ نَظَرِيٌّ وَالْكَلَامُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: رِبْقَةِ الْمَارِقِينَ) الرِّبْقَةُ جِلْدٌ ذُو عُرًى (قَوْلُهُ: أَيْ عُرْوَتِهِمْ الْمُنْقَطِعَةِ) أَخَذَ الِانْقِطَاعَ مِنْ إضَاقَةِ الرِّبْقَةِ إلَى الْمَارِقِينَ أَيْ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: فَدُونَكَ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى الْهِمَّةِ وَدَنِيِّهَا وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ دُونَكَ فِي الْإِغْرَاءِ

أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ بَعْدَ أَنْ عَرَفْتَ حَالَ عَلِيِّ الْهِمَّةِ وَدَنِيئِهَا (صَلَاحًا) مِنْكَ (أَوْ فَسَادًا وَرِضًا) عَنْكَ (أَوْ سَخَطًا وَقُرْبًا) مِنْ اللَّهِ (أَوْ بُعْدًا وَسَعَادَةً) مِنْهُ (أَوْ شَقَاوَةً وَنَعِيمًا) مِنْهُ (أَوْ جَحِيمًا) فَأَفَادَ بِدُونِكَ الْإِغْرَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاحِ وَمَا يُنَاسِبُهُ وَالتَّحْذِيرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَسَادِ وَمَا يُنَاسِبُهُ (وَإِذَا خَطَرَ لَكَ أَمْرٌ) أَيْ أَلْقَى فِي قَلْبِكَ (فَزِنْهُ بِالشَّرْعِ) وَلَا يَخْلُو حَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ مِنْ حَيْثُ الطَّلَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ. (فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا) بِهِ (فَبَادِرْ) إلَى فِعْلِهِ (فَإِنَّهُ مِنْ الرَّحْمَنِ) رَحِمَكَ حَيْثُ أَخْطَرَهُ بِبَالِكَ أَيْ أَرَادَ لَكَ الْخَيْرَ (فَإِنْ خَشِيتَ وُقُوعَهُ لَا إيقَاعَهُ عَلَى صِفَةٍ مَنْهِيَّةٍ) كَعُجْبٍ أَوْ رِيَاءٍ (فَلَا) بِأَمْرٍ (عَلَيْكَ) فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْقَعْتَهُ عَلَيْهَا قَاصِدًا لَهَا فَعَلَيْكَ ثُمَّ ذَلِكَ فَتَسْتَغْفِرُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَاحْتِيَاجُ اسْتِغْفَارِنَا إلَى اسْتِغْفَارٍ) لِنَقْصِهِ بِغَفْلَةِ قُلُوبِنَا مَعَهُ بِخِلَافِ اسْتِغْفَارِ الْخُلَّصِ وَرَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَتْ اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِغْفَارٍ هَضْمًا لِنَفْسِهَا (لَا يُوجِبُ تَرْكَ الِاسْتِغْفَارِ) مِنَّا الْمَأْمُورَ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ الصَّمْتُ خَيْرًا مِنْهُ بَلَى نَأْتِي بِهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّ اللِّسَانَ إذَا أَلِفَ ذِكْرًا يُوشِكُ أَنْ يَأْلَفَهُ الْقَلْبُ فَيُوَافِقَهُ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ احْتِيَاجَ الِاسْتِغْفَارِ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّحْذِيرِ مَعًا قَالَ النَّجَّارِيُّ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا خَطَرَ لَكَ أَمْرٌ) الْخَاطِرُ خِطَابٌ يَرِدُ عَلَى الضَّمَائِرِ فَقَدْ يَكُونُ بِإِلْقَاءِ مَلَكٍ وَقَدْ يَكُونُ بِإِلْقَاءِ شَيْطَانٍ وَيَكُونُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّفْسِ وَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ مَلَكٍ فَهُوَ الْإِلْهَامُ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ قِيلَ لَهُ الْهَاجِسُ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ قِيلَ لَهُ الْوَسْوَاسُ فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَهُوَ خَاطِرُ حَقٍّ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَلَكِ وَيَعْلَمُ صِدْقَهُ بِمُوَافَقَةِ الْعِلْمِ وَلِهَذَا قَالُوا كُلُّ خَاطِرٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَأَكْثَرُهُ يَدْعُوهُ إلَى الْمَعَاصِي وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّفْسِ فَأَكْثَرُهُ يَدْعُوهُ إلَى اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ وَاسْتِشْعَارِ كِبْرٍ أَوْ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ أَوْصَافِ النَّفْسِ. وَاتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ أَكْلُهُ مِنْ الْحَرَامِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَاسِ. وَأَمَّا الْوَارِدُ فَهُوَ مَا يَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْخَوَاطِرِ الْمَحْمُودَةِ مِمَّا لَا يَكُونُ بِتَعَمُّدِ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْخَوَاطِرِ فَهُوَ أَيْضًا وَارِدٌ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ وَارِدًا مِنْ الْحَقِّ وَوَارِدًا مِنْ الْعِلْمِ فَالْوَارِدَاتُ أَعَمُّ مِنْ الْخَوَاطِرِ لِأَنَّ الْخَوَاطِرَ تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْخِطَابِ وَمَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَاهُ وَالْوَارِدَاتُ تَكُونُ وَارِدَ سُرُورٍ وَوَارِدَ حُزْنٍ وَوَارِدَ قَبْضٍ وَوَارِدَ بَسْطٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الطَّلَبُ) أَيْ طَلَبُ الْفِعْلِ أَوْ طَلَبُ التَّرْكِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَرَادَ لَكَ الْخَيْرَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ رَحِمَكَ لَا لِأَخْطَرَهُ؛ إذْ الْإِرَادَةُ صِفَةُ ذَاتٍ وَالْأَخْطَارُ صِفَةُ فِعْلٍ (قَوْلُهُ: لَا إيقَاعُهُ) أَيْ لَا إنْ خَشِيْتَ إيقَاعَهُ وَأَوْقَعْتُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْقَعْتُهُ وَلَمْ يَقُلْ بِخِلَافِ مَا إذَا خَشِيتُ إيقَاعَهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ إيقَاعٍ (قَوْلُهُ: فَتَسْتَغْفِرُ مِنْهُ) تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَاحْتِيَاجُ اسْتِغْفَارِنَا إلَخْ (قَوْلُهُ: هَضْمًا لِنَفْسِهَا) أَيْ رُؤْيَتِهَا نَفْسَهَا كَذَلِكَ وَقَدْ قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ وَفَا إنْ دَخَلْتَ فِي طَاعَةٍ فَاخْرُجْ شَاكِرًا بِنِيَّةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ مَعْصِيَةٍ فَاخْرُجْ تَائِبًا رَاضِيًا بِالْقَضَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: الْمَأْمُورِ بِهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ الْعُزَيْرِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَكَانَ «مِنْ سُنَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَوَامُ الِاسْتِغْفَارِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» سَأَلَ شُعْبَةُ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرْتُ لَكَ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَلَا أَدْرِي فَكَانَ شُعْبَةُ يَتَعَجَّبُ مِنْ ذَلِكَ. وَعَنْ الْجُنَيْدِ لَوْلَا أَنَّهُ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَكَلَّمْتُ فِيهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَى حَالٍ إلَّا مَنْ كَانَ مُشْرِفًا عَلَيْهَا وَجَلَّتْ حَالَتُهُ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى نِهَايَتِهَا أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ تَمَنَّى الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ عُلُوِّ رُتْبَتِهِ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ فَعَنْهُ لَيْتَنِي شَاهَدْتُ مَا اسْتَغْفَرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي اسْتَحْسَنَهُ وَالِدِي أَنَّهُ لِلتَّرَقِّي فِي الدَّرَجَاتِ فَكُلَّمَا رَقِيَ دَرَجَةً رَأَى الَّتِي تَحْتَهَا قَاصِرَةً بِالْإِضَافَةِ لَهَا فَيَسْتَغْفِرُ اهـ. فَالْأَنْبِيَاءُ

ذَلِكَ (قَالَ السُّهْرَوَرْدِيّ) بِضَمِّ السِّينِ صَاحِبُ عَوَارِفُ الْمَعَارِفِ لِمَنْ سَأَلَهُ أَنَعْمَلُ مَعَ خَوْفِ الْعُجْبِ وَلَا نَعْمَلُ حَذَرًا مِنْهُ (اعْمَلْ وَإِنْ خِفْتَ الْعُجْبَ مُسْتَغْفِرًا) مِنْهُ أَيْ إذَا وَقَعَ قَصْدًا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ تَرَكَ الْعَمَلِ لِلْخَوْفِ مِنْهُ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ (وَإِنْ كَانَ) الْخَاطِرُ (مَنْهِيًّا) عَنْهُ (فَإِيَّاكَ) أَنْ تَفْعَلَهُ (فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنْ مِلْتَ) إلَى فِعْلِهِ (فَاسْتَغْفِرْ) اللَّهَ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْمَيْلِ (وَحَدِيثُ النَّفْسِ) أَيْ تَرَدُّدُهَا بَيْنَ فِعْلِ الْخَاطِرِ الْمَذْكُورِ وَتَرْكِهِ (مَا لَمْ يَتَكَلَّم أَوْ يَعْمَلُ) بِهِ (وَالْهَمُّ) مِنْهَا بِفِعْلِهِ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ (مَغْفُورَانِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَعْمَلْ أَوْ يَتَكَلَّمْ بِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ أَيْ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - دَائِمًا فِي مَقَامِ التَّرَقِّي وَيُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} [الضحى: 4] (قَوْلُهُ: صَاحِبُ عَوَارِفُ الْمَعَارِفِ) احْتِرَازٌ عَنْ السُّهْرَوَرْدِيّ الْحَكِيمِ صَاحِبِ حِكْمَةُ الْإِشْرَاقِ وَالْهَيَاكِلِ وَغَيْرِهِمَا فَذَاكَ صُوفِيٌّ وَهَذَا حَكِيمٌ وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ. (قَوْلُهُ: اعْمَلْ وَإِنْ خِفْتَ الْعُجْبَ) وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ رِيَاءٌ وَاشْتَهَرَ أَنَّ رِيَاءَ الْعَارِفِينَ أَفْضَلُ مِنْ إخْلَاصِ الْمُرِيدِينَ فَقِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ إنَّ لِلرِّيَاءِ مَرَاتِبَ فَإِنَّهُ الْعَمَلُ لِغَيْرِ اللَّهِ أَيًّا كَانَ فَالْمُرِيدُ يَتَخَلَّصُ مِنْ أَوَّلِ مَرَاتِبِهِ وَالْعَارِفُ يَعُدُّ آخِرَ مَرَاتِبِهِ رِيَاءً وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ: مُسْتَغْفِرًا مِنْهُ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ اعْمَلْ مُنْتَظِرَةً أَوْ مُقَارَنَةً بِحَسَبِ اعْتِبَارِ وَقْتِ الِاسْتِغْفَارِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ لِلْخَوْفِ مِنْهُ) قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ تَرْكُ الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَك مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ) فَرَّقَ الْجُنَيْدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ هَوَاجِسِ النَّفْسِ وَوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ بِأَنَّ النَّفْسَ إنْ طَلَبَتْكَ بِشَيْءِ أَلَحَّتْ فَلَا تَزَالُ تُعَاوِدُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ حَتَّى تَصِلَ مُرَادَهَا وَتَفْعَلَ مَقْصُودَهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَدُومَ صِدْقُ الْمُجَاهَدَةِ ثُمَّ إنَّهَا تُعَاوِدُ وَتُعَاوِدُ أَمَّا الشَّيْطَانُ إذَا دَعَاهُ إلَى زَلَّةٍ وَخَالَفْتَهُ يَتْرُكُ ذَلِكَ وَيُوَسْوِسُ بِزَلَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُخَالَفَاتِ لَهُ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا أَبَدًا إلَى زَلَّةٍ مَا وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي تَخْصِيصِ وَاحِدَةٍ دُونَ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ كُلُّ خَاطِرٍ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْمَلَكِ فَرُبَّمَا يُوَفِّقُهُ صَاحِبُهُ وَرُبَّمَا يُخَالِفُهُ وَأَمَّا الْخَاطِرُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قَبْلِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فَلَا يَحْصُلُ خِلَافٌ مِنْ الْعَبْدِ لَهُ وَفِي الْمَتْنِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ وَسَمِعْتُهُ يَعْنِي سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ أَيْضًا يَقُولُ لَمْ يَعْصِمْ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكَابِرَ مِنْ وَسْوَسَةِ إبْلِيسَ لَهُمْ وَإِنَّمَا عَصَمَهُمْ عَنْ الْعَمَلِ بِمَا يُوَسْوِسُ لَهُمْ فَقَطْ فَهُوَ يُلْقِي إلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِذَلِكَ لِعِصْمَتِهِمْ أَوْ حِفْظِهِمْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: 52] اهـ. وَفِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السَّهْوِ وَالْوَسْوَسَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مَعْنَى «إنِّي لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي» الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِبَاءِ الْغَائِبِ أَيْ الشَّخْصُ ذُو النَّفْسِ أَوْ الْمَبْدُوءِ بِتَاءِ الْغَائِبَةِ أَيْ النَّفْسُ وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ الْخَاطِرِ إنْ كَانَ مَعْصِيَةً قَوْلِيَّةً أَوْ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْخَاطِرِ إنْ كَانَ مَعْصِيَةً فِعْلِيَّةً (قَوْلُهُ وَالْهَمُّ مِنْهَا بِفِعْلِهِ) أَرَادَ بِالْفِعْلِ أَيْضًا مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ أَيْ فَقَدْ حَذَفَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ فَهَلَّا أَخَّرَ الْقَيْدَ لِأَنَّ رُجُوعَهُ إلَيْهَا مَعَ التَّأَخُّرِ أَظْهَرُ مِنْهُ مَعَ التَّوَسُّطِ. (قَوْلُهُ: مَغْفُورَانِ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَالْهَمُّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِمَا إذْ لَا إثْمَ فِيهِمَا حَتَّى يَغْفِرَ، وَيُعْلَمُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْهَاجِسِ وَالْخَاطِرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَمَا أَنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ لَا ثَوَابَ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» الْمُرَادُ مِنْهُ أَمَّا الْعَزْمُ أَوْ كَتَبَهَا حَسَنَةً إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ لَا مِنْ حَيْثُ الْهَمُّ

زَادَ فِي أُخْرَى «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ أَيْ مِنْ أَجْلِي» وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ كَالْغِيبَةِ أَوْ عَمِلَ كَشُرْبِ الْمُسْكِرِ انْضَمَّ إلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِذَلِكَ مُؤَاخَذَةُ حَدِيثِ النَّفْسِ وَالْهَمِّ بِهِ. (وَإِنْ لَمْ تُطِعْكَ) النَّفْسُ (الْأَمَّارَةُ) بِالسُّوءِ عَلَى اجْتِنَابِ فِعْلِ الْخَاطِرِ الْمَذْكُورِ لِحُبِّهَا بِالطَّبْعِ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ الشَّهَوَاتِ فَلَا تَبْدُو لَهَا شَهْوَةٌ إلَّا اتَّبَعَتْهَا (فَجَاهِدْهَا) وُجُوبًا لِتُطِيعَك فِي الِاجْتِنَابِ كَمَا تُجَاهِدُ مَنْ يَقْصِدُ اغْتِيَالَكَ بَلْ أَعْظَمُ لِأَنَّهَا تَقْصِدُ بِكَ الْهَلَاكَ الْأَبَدِيَّ بِاسْتِدْرَاجِهَا لَكَ مِنْ مَعْصِيَةٍ إلَى أُخْرَى حَتَّى تُوقِعَكَ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ (فَإِنْ فَعَلْتَ) الْخَاطِرَ الْمَذْكُورَ لِغَلَبَةِ الْأَمَّارَةِ عَلَيْكَ (فَتُبْ) عَلَى الْفَوْرِ وُجُوبًا لِيَرْتَفِعَ عَنْكَ إثْمُ فِعْلِهِ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ بِقَبُولِهَا فَضْلًا مِنْهُ وَمِمَّا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِقْلَاعُ كَمَا سَيَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعُلِمَ أَنَّ مَا يَجْرِي فِي النَّفْسِ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ الْأُولَى الْهَاجِسُ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُلْقَى فِيهَا الثَّانِيَةُ الْخَاطِرُ وَهُوَ مَا يَتَرَدَّدُ فِيهَا وَيَجُولُ الثَّالِثَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ وَهُوَ التَّرَدُّدُ أَيْ يَفْعَلُ أَوْ لَا يَفْعَلُ الرَّابِعَةُ الْهَمُّ وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا. وَالْخَامِسَةُ: الْعَزْمُ وَهُوَ الْجَزْمُ بِقَصْدِ الْفِعْلِ وَيَقَعُ بِهِ الْمُؤَاخَذَةُ وَالثَّوَابُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» (قَوْلُهُ: حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا) بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ فَاعِلٌ أَوْ مَفْعُولٌ. (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ إلَخْ) سُكُوتُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ يُشْعِرُ بِاعْتِمَادِهِ لَهَا وَقَدْ يُقَالُ: الْمُعْتَمَدُ خِلَافُهَا لِخَبَرِ «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ فَإِذَا هَمَّ وَفَعَلَ كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» وَهِيَ الْعَمَلُ الْمَهْمُومُ بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ كَتْبَ الْمَهْمُومِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً لَا يَنْفِي كَتْبَ الْهَمِّ أَوْ نَحْوِهِ سَيِّئَةً أُخْرَى فَيُؤْخَذُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُصَنِّفَ رَجَّحَهُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ مُخَالِفًا لِوَالِدِهِ فِيهِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُطِعْكَ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى تُوَافِقُكَ فَعَدَّاهُ بِعَلَى حَيْثُ قَالَ عَلَى اجْتِنَابِ (قَوْلُهُ: فَجَاهِدْهَا وُجُوبًا) قَدْ يُقَالُ هَلَّا قَالَ أَوْ نَدْبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَاطِرَ الْمَذْكُورَ قَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى وَكَانَ وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِالْوُجُوبِ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَغْفُورَانِ لِأَنَّ الْغُفْرَانَ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْوَاجِبَاتِ إذْ لَا مُؤَاخَذَةَ بِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ التَّعْمِيمُ فِي الْغُفْرَانِ وَالْمُؤَاخَذَاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم. ثُمَّ إنَّ أَصْلَ الْمُجَاهَدَةِ وَمِلَاكَهَا وَظُلْمَ النَّفْسِ عَلَى الْمَأْلُوفَاتِ وَحَمْلَهَا عَلَى خِلَافِ هَوَاهَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَلِلنَّفْسِ صِفَتَانِ انْهِمَاكٌ فِي الشَّهَوَاتِ وَامْتِنَاعٌ عَنْ الطَّاعَاتِ فَإِذَا جَمَحَتْ عِنْدَ رُكُوبِ الْهَوَى يَجِبُ أَنْ يُلْجِمَهَا بِلِجَامِ التَّقْوَى وَإِنْ حَرَنَتْ عِنْدَ الْقِيَامِ بِالْمُوَافَقَاتِ يَجِبُ سَوْقُهَا عَلَى خِلَافِ الْهَوَى وَمِنْ غَوَامِضِ آفَاتِهَا رُكُونُهَا إلَى اسْتِحْلَاءِ الْمَدْحِ وَأَشَدُّ إحْكَامِهَا وَأَصْعَبُهَا تَوَهُّمُهَا أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا حَسَنٌ وَأَنَّ لَهَا اسْتِحْقَاقَ قَدْرٍ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْخَيْرِيُّ لَا يَرَى أَحَدٌ عُيُوبَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَسْتَحْسِنُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَرَى عُيُوبَ نَفْسِهِ مَنْ يَتَّهِمُهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْبِسْطَامِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَبِّي فِي الْمَنَامِ فَقُلْت كَيْفَ أُحِبُّكَ فَقَالَ فَارِقْ نَفْسَكَ وَتَعَالَ وَفِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْخٌ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذِهِ التِّسْعَةِ أُمُورٍ حَتَّى يَجِدَ الشَّيْخَ وَهِيَ الْجُوعُ وَالسَّهَرُ وَالصَّمْتُ وَالْعُزْلَةُ وَالصِّدْقُ وَالصَّبْرُ وَالتَّوَكُّلُ وَالْعَزِيمَةُ وَالْيَقِينُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تِسْعَةً لِأَنَّ بَسَائِطَ الْأَعْدَادِ وَالْأَفْلَاكِ أَيْضًا تِسْعَةٌ وَلَهَا حِكْمَةٌ إلَهِيَّةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: فَتُبْ عَلَى الْفَوْرِ) فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وَفِي الْحَدِيثِ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا تَفَكَّرَ فِي قَلْبِهِ سُوءَ مَا يَصْنَعُهُ وَأَبْصَرَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيحِ الْأَفْعَالِ سَنَحَ فِي قَلْبِهِ إرَادَةُ التَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ قَبِيحِ الْمُعَامَلَةِ فَيَمُدُّهُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ بِتَصْحِيحِ الْعَزِيمَةِ وَالتَّأَهُّبِ لِأَسْبَابِ التَّوْبَةِ قَالَ الْجُنَيْدُ دَخَلَ عَلَيَّ السَّرِيُّ يَوْمًا فَرَأَيْتُهُ مُتَغَيِّرًا فَقُلْت لَهُ مَا لَك فَقَالَ دَخَلْتُ عَلَى شَابٍّ فَسَأَلَنِي عَنْ التَّوْبَةِ فَقُلْتُ لَهُ أَنْ لَا تَنْسَى ذَنْبَكَ فَعَارَضَنِي وَقَالَ بَلْ التَّوْبَةُ أَنْ تَنْسَى ذَنْبَكَ، فَقُلْتُ لَهُ إنَّ الْأَمْرَ عِنْدِي مَا قَالَهُ الشَّابُّ فَقَالَ لِمَ؟ فَقُلْتُ إذَا كُنْتُ فِي حَالِ الْجَفَا فَنَقَلَنِي إلَى حَالِ الْوَفَا فَذِكْرُ الْجَافِي حَالَ الصَّفَا جَفَا

(فَإِنْ لَمْ تُقْلِعْ) عَنْ فِعْلِ الْخَاطِرِ الْمَذْكُورِ (لِاسْتِلْذَاذٍ) بِهِ (أَوْ كَسَلٍ) عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ (فَتَذَكَّرْ هَاذِمَ اللَّذَّاتِ وَفَجْأَةَ الْفَوَاتِ) أَيْ تَذَكَّرْ الْمَوْتَ وَفَجْأَتَهُ الْمُفَوِّتَةَ لِلتَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ فَإِنَّ تَذَكُّرَ ذَلِكَ بَاعِثٌ شَدِيدٌ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَمَّا تَسْتَلِذُّ بِهِ أَوْ الْكَسَلِ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ زَادَ ابْنُ حِبَّانَ «فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ إلَّا وَسَّعَهُ وَلَا ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إلَّا ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ» وَهَاذِمٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعٌ (أَوْ) لَمْ تُقْلِعْ (لِقُنُوطٍ) مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ عَمَّا فَعَلَتْ لِشِدَّتِهِ أَوْ لِاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (فَخَفْ مَقْتَ رَبِّكَ) أَيْ شِدَّةَ عِقَابِ مَالِكِكَ الَّذِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي عَبْدِهِ مَا يَشَاءُ حَيْثُ أَضَفْتَ إلَى الذَّنْبِ الْيَأْسَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87] أَيْ رَحْمَتِهِ {إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] (وَاذْكُرْ سَعَةَ رَحْمَتِهِ) الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إلَّا هُوَ أَيْ اسْتَحْضِرْهَا لِتَرْجِعَ عَنْ قُنُوطِكَ وَكَيْفَ تَقْنَطُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] أَيْ غَيْرَ الشِّرْكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَكَتَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تُقْلِعْ عَنْ فِعْلِ الْخَاطِرِ) وَمِنْهُ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ كَفُّ النَّفْسِ وَهُوَ فِعْلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَتَذَكَّرْ هَاذِمَ اللَّذَّاتِ) ذَكَرَهُ فِي عَدَمِ الْإِقْلَاعِ لِلِاسْتِلْذَاذِ وَالْكَسَلِ وَذَكَرَ فِي عَدَمِ الْإِقْلَاعِ لِلْقُنُوطِ خَوْفَ الْمَقْتِ لِنَوْعِ مُنَاسَبَةٍ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْعَكْسُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ إلَخْ) يُفَسَّرُ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي قَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا كَثَّرَهُ وَلَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمَلِ إلَّا قَلَّلَهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ شِدَّةَ عِقَابِ مَالِكَ) فِي التَّعْبِيرِ بِالْمَالِكِ وَالْعَبْدِ بَدَلُ الضَّمِيرِ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ لَهُ مِنْ حُسْنِ الصَّنِيعِ مَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ فِيهِ مَعَ صِنَاعَةِ الطِّبَاقِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ الْعَاصِيَ لَا تُخْرِجُهُ مَعْصِيَتُهُ الَّتِي سَوَّلَتْهَا رُعُونَةُ النَّفْسِ عَنْ مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إنْ أَبَقَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى سَيِّدِهِ وَرُجُوعُ الْعَاصِي بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّهَا رُجُوعُ وَلِيِّ اللَّهِ فَالتَّوْبَةُ مِنْ اللَّهِ إلَى اللَّهِ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا رَوَى الْقُشَيْرِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ أَنَّهُ قَالَ تَابَ بَعْضُ الْمُرِيدِينَ ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ فَتْرَةٌ وَكَانَ يُفَكِّرُ وَقْتًا لَوْ عَادَ إلَى التَّوْبَةِ كَيْفَ حُكْمُهُ فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ يَا أَبَا فُلَانٍ أَطَعْتَنَا فَشَكَرْنَاكَ ثُمَّ تَرَكْتَنَا فَأَهْمَلْنَاكَ فَإِنْ عُدْتَ إلَيْنَا قَبِلْنَاكَ اهـ. وَمِنْ لَطَائِفِ التَّنْزِيلِ {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6] فَإِنَّ فِيهِ إيمَاءً إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ كَرَّمَهُ وَلَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ الْجَلَالِ كَالْقَهَّارِ لَذَابَ الْعَبْدُ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ وَتَلَاشَى فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَمَاسَكَ إلَى الْجَوَابِ وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} [العنكبوت: 4] إشَارَةٌ إلَى سَبْقِ الْغُفْرَانِ وَغَلَبَةِ الرَّحْمَةِ قَدْ يُشِيرُ كَلَامُ الشَّارِحِ إلَى مَعْنًى آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ تَوْبِيخُ الْعَاصِي بِأَنَّ ارْتِكَابَهُ إلَى الْمَعْصِيَةِ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ فَإِنَّ شَأْنَ الْعَبْدِ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْمَالِكِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا فِي شَرْحِ فَوَائِدِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الْآيَةَ ظَاهِرُهُ تَعْلِيلٌ وَبَيَانٌ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْعَذَابَ حَيْثُ كَانُوا عِبَادًا لِلَّهِ وَعَبَدُوا غَيْرَهُ وَبَاطِنُهُ اسْتِعْطَافٌ لَهُمْ وَطَلَبُ رَأْفَةٍ بِهِمْ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] يَعْنِي لَا شَيْنَ لِشَأْنِكَ فِي عَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِمْ بِالْعَذَابِ لِأَنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَظِنَّةِ الْعَجْزِ وَالْقُصُورِ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَفِيهِ تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّ مَغْفِرَةَ الْكَافِرِينَ لَا تُنَافِي الْحِكْمَةَ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ نَفْيَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيِّينَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرَ الشِّرْكِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (قَوْلُهُ: فَيَغْفِرُ لَهُمْ) أَيْ لِيَتَحَقَّقَ كَوْنُهُ غَفُورًا وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ يُذْنِبُوا لَتَعَطَّلَ كَوْنُهُ غَفُورًا وَهُوَ مِنْ بَابِ تَقْوِيَةِ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ فِي الْعَفْوِ لَا الْحَمْلِ عَلَى إيقَاعِ الذُّنُوبِ يُحْكَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ قَالَ كُنْتُ أَنْتَظِرُ

رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَاعْرِضْ) عَلَى نَفْسِكَ (التَّوْبَةَ وَمَحَاسِنَهَا) أَيْ مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ مِنْ الْمَحَاسِنِ حَيْثُ ذَكَرْتَ سَعَةَ الرَّحْمَةِ لِتَتُوبَ عَمَّا فَعَلْتَ فَتَقْبَلُ وَيُعْفِي عَنْكَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى (وَهِيَ) أَيْ التَّوْبَةُ (النَّدَمُ) عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَالنَّدَمُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ لَيْسَ بِتَوْبَةٍ (وَتَتَحَقَّقُ بِالْإِقْلَاعِ) عَنْ الْمَعْصِيَةِ (وَعَزْمٍ أَنْ لَا يَعُودَ) إلَيْهَا (وَتَدَارُكِ مُمْكِنَ التَّدَارُكِ) مِنْ الْحَقِّ النَّاشِئِ عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ خُلُوَّ الْمَطَافِ فَكَانَتْ لَيْلَةٌ ظَلْمَاءُ بِهَا مَطَرٌ شَدِيدٌ فَخَلَا الطَّوَافُ فَدَخَلْتُ الطَّوَافَ وَكُنْت أَقُولُ اللَّهُمَّ أَعْصِمْنِي فَسَمِعْتُ هَاتِفًا يَقُولُ يَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ أَنْتَ سَأَلْتَنِي الْعِصْمَةَ وَكُلُّ النَّاسِ يَسْأَلُونِي الْعِصْمَةَ فَإِذَا عَصَمْتُهُمْ فَمَنْ أَرْحَمُ وَعَلَى مَنْ أَتَكَرَّمُ؟ . وَرَأَى أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سُرَيْجٍ فِي مَنَامِهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَإِذَا الْجَبَّارُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ أَيْنَ الْعُلَمَاءُ قَالَ فَجَاءُوا ثُمَّ قَالَ مَاذَا عَمِلْتُمْ فِيمَا عَلِمْتُمْ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَبِّ قَصَّرْنَا وَأَسَأْنَا قَالَ فَأَعَادَ السُّؤَالَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَأَرَادَ جَوَابًا آخَرَ فَقُلْتُ أَمَّا أَنَا فَلَيْسَ فِي صَحِيفَتِي الشِّرْكُ وَقَدْ وَعَدْتُ أَنْ تَغْفِرَ مَا دُونَهُ فَقَالَ اذْهَبُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ كَذَا رَوَى الْقُشَيْرِيُّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى هَذِهِ الْحِكَايَةَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ لَنَا يَوْمًا أَحْسَبُ أَنَّ الْمَنِيَّةَ قَدْ قَرُبَتْ فَقُلْنَا وَكَيْفَ قَالَ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَالنَّاسُ قَدْ حُشِرُوا وَكَانَ مُنَادِيًا يُنَادِي بِمَ أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْتُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ فَقَالَ مَا سُئِلْتُمْ عَنْ الْأَقْوَالِ بَلْ سُئِلْتُمْ عَنْ الْأَعْمَالِ فَقُلْتُ أَمَّا الْكَبَائِرُ فَقَدْ اجْتَنَبْنَاهَا وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَعَوَّلْنَا فِيهَا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ اهـ. وَيُعْجِبُنِي قَوْلُ أَبِي نُوَاسٍ: يَا رَبِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً ... فَلَقَدْ عَلِمْتَ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ إنْ كَانَ لَا يَرْجُوكَ إلَّا مُحْسِنٌ ... فَبِمَنْ يَلُوذُ وَيَسْتَجِيرُ الْمُجْرِمُ مَالِي إلَيْكَ وَسِيلَةٌ إلَّا الرَّجَا ... وَعَظِيمُ عَفْوِكَ ثُمَّ إنِّي مُسْلِمُ ثُمَّ إنَّ الرَّجَا عَلَى ثَلَاثَةٍ رَجُلٌ عَمِلَ حَسَنَةً فَهُوَ يَرْجُو قَبُولَهَا وَرَجُلٌ عَمِلَ سَيِّئَةً ثُمَّ تَابَ فَهُوَ يَرْجُو الْمَغْفِرَةَ وَالثَّالِثُ الرَّجَا الْكَاذِبُ وَصَاحِبُهُ يَتَمَادَى فِي الذُّنُوبِ وَيَقُولُ أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْإِسَاءَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ غَالِبًا فَالْعَبْدُ يَكُونُ دَائِمًا بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَقَدْ يَغْلِبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَفِي الطَّبَقَاتِ لِلْمُصَنَّفِ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَصِمِ بْنِ هَارُونَ الرَّشِيدِ اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِي وَلَا أَخَافُك مِنْ قِبَلِك أَوْ أَرْجُوكَ مِنْ قِبَلِكَ وَلَا أَرْجُوك مِنْ قِبَلِي قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالنَّاسُ يَسْتَحْسِنُونَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ قِبَلِي لِمَا اقْتَرَفْتُهُ مِنْ الذُّنُوبِ لَا مِنْ قِبَلِكَ فَإِنَّكَ عَادِلٌ لَا تَظْلِمُ فَلَوْلَا الذُّنُوبُ لَمَا كَانَ لِلْخَوْفِ مَعْنًى وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَمِنْ قِبَلِكَ لِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ لَا مِنْ قِبَلِي لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَحَاسِنِ مَا أَرْتَجِيكَ بِهَا وَالشِّقُّ الثَّانِي عِنْدَنَا صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّا نَقُولُ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يُخَافُ مِنْ قِبَلِهِ كَمَا يُخَافُ مِنْ قِبَلِنَا لِأَنَّهُ الْمَلِكُ الْقَهَّارُ يَخَافُهُ الطَّائِعُونَ وَالْعُصَاةُ وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاعْرِضْ) بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ مِنْ عَرَضَ لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي لَا مِنْ أَعْرَضَ اللَّازِمِ وَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْفِعْلُ وَمِثْلُهُ كَيْفِيَّةُ الْأَفْعَالِ فِي أَنَّ الْمَبْدُوءَ بِالْهَمْزَةِ لَازِمٌ وَبِدُونِهَا مُتَعَدٍّ (قَوْلُهُ: التَّوْبَةُ) وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الرُّجُوعُ فَهِيَ رُجُوعٌ عَنْ الْمَذْمُومِ شَرْعًا قِيلَ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ وَأَوَّلُ مَقَامٍ مِنْ مَقَامِ الطَّالِبِينَ (قَوْلُهُ: وَهِيَ النَّدَمُ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» أَيْ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا كَمَا يُقَالُ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَإِنَّمَا كَانَ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا النَّدَمَ لِأَنَّهُ يَسْتَتْبِعُ الْبَقِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَادِمًا عَلَى مَا هُوَ مُصِرٌّ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَازِمٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَتَتَحَقَّقُ) أَيْ التَّوْبَةُ وَتَحَقُّقُهَا بِمَا ذَكَرَهُ مَحَلُّهُ فِي التَّوْبَةِ بَاطِنًا أَمَّا فِي الظَّاهِرِ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَتَعُودُ وَلَايَتُهُ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهَا مَعَ ذَلِكَ فِي الْمَعْصِيَةِ الْقَوْلِيَّةِ مِنْ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ فِي الْقَذْفِ قَذْفٌ بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ وَفِي الْفِعْلِيَّةِ كَالزِّنَا وَفِي شَهَادَةِ الزُّورِ وَقَذْفِ الْإِيذَاءِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ. اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَتَدَارُكِ مُمْكِنَ التَّدَارُكِ) أَفَادَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي التَّوْبَةِ وَهُوَ

كَحَقِّ الْقَذْفِ فَتَدَارُكُهُ بِتَمْكِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْمَقْذُوفِ أَوْ وَارِثَهُ لِيَسْتَوْفِيَهُ أَوْ يُبْرِئَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُ الْحَقِّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقُّهُ مَوْجُودًا سَقَطَ هَذَا الشَّرْطُ كَمَا يَسْقُطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ لَا يَنْشَأُ عَنْهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَكَذَا يَسْقُطُ شَرْطُ الْإِقْلَاعِ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَالْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ التَّوْبَةِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ فِيمَا تَتَحَقَّقُ بِهِ عَنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلِّ تَوْبَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِبَ قَوْلِهِ بِالْإِقْلَاعِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا ذَكَرَ (وَتَصِحُّ) التَّوْبَةُ (وَلَوْ بَعْدَ نَقْضِهَا عَنْ ذَنْبٍ وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى) ذَنْبٍ (آخَرَ وَلَوْ) كَانَ (كَبِيرًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ) وَقِيلَ لَا تَصِحُّ بَعْدَ نَقْضِهَا بِأَنْ عَادَ إلَى الْمَتُوبِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ عَنْ صَغِيرٍ لِتَكْفِيرِهِ بِاجْتِنَابِ الْكَبِيرِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ عَنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى كَبِيرٍ. (وَإِنْ شَكَكْت) فِي الْخَاطِرِ (أَمَأْمُورٌ) بِهِ (أَمْ مَنْهِيٌّ) عَنْهُ (فَأَمْسِكْ) عَنْهُ حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَنْهِيِّ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ (الْجُوَيْنِيُّ فِي الْمُتَوَضِّئِ يَشُكُّ أَيَغْسِلُ) غَسْلَةً (ثَالِثَةً) فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا (أَمْ رَابِعَةً) فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا (لَا يَغْسِلُ) خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَغَيْرُهُ قَالَ يَغْسِلُ لِأَنَّ التَّثْلِيثَ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ قَبْلَ هَذِهِ الْغَسْلَةِ فَيَأْتِي بِهَا (وَكُلٌّ وَاقِعٌ) فِي الْوُجُودِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْخَاطِرُ وَفِعْلُهُ وَتَرْكُهُ (بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ هُوَ خَالِقُ كَسْبِ الْعَبْدِ) أَيْ فِعْلُهُ الَّذِي هُوَ كَاسِبُهُ لَا خَالِقُهُ كَمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَخَالَفَ فِيهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ وَالْآمِدِيُّ فَقَالُوا لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِيهَا بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِرَأْسِهِ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَتَى بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ فِيمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ) مَا وَاقِعَةٌ عَلَى أَرْكَانِ التَّوْبَةِ أَيْ وَعَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ الْكُلِّ صَادِقٌ بِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْكُلِّ وَعَلَى الْبَعْضِ (قَوْلُهُ: عَنْ ذَنْبٍ) فِي التَّنْكِيرِ إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ التَّوْبَةِ عَنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ فَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَعَ الْإِصْرَارِ لِلتَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا تَصِحُّ عَنْ صَغِيرٍ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَعْبِيرُهُ بِلَا يَصِحُّ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي التَّوْبَةِ عَنْ الصَّغِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ تَغْلِيبًا لَكِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ عِنْدَ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِهَا وَعَدَمِهِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَعْلِيلِهِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ لِتَكْفِيرِهِ بِاجْتِنَابِ الْكَبِيرِ. وَتَوَقَّفَ السُّبْكِيُّ فِي وُجُوبِهَا مِنْ الصَّغِيرَةِ عَيْنًا لِتَكْفِيرِهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ لَهَا التَّوْبَةُ وَاجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَخَالَفَهُ ابْنُهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: الَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُ التَّوْبَةِ لَهَا عَيْنًا عَلَى الْفَوْرِ نَعَمْ إنْ فُرِضَ عَدَمُ التَّوْبَةِ عَنْهَا حَتَّى اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ كُفِّرَتْ وَمَا أَرَاهُ يَرْجِعُ إلَى مَا رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لِتَكْفِيرِهِ) فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى هَذَا عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ قَالَ يَغْسِلُ) هُوَ الْأَصَحُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّكِّ مِنْ الْإِمْسَاكِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَمْ يُغَيِّ الشَّارِعُ الْحُكْمَ فِيهِ بِغَايَةٍ كَأَنْ شَكَّ فِي مَائِعٍ أَهُوَ بَوْلٌ أَوْ مَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا غَيَّاهُ بِغَايَةٍ كَشَكَّ وَهُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ أَوْ وَهُوَ يَغْسِلُ مَا تَنَجَّسَ بِنَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ أَغَسَلَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا؟ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ وَاقِعٍ) أَيْ وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَوْلُهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ إلَخْ إشَارَةٌ لِمُنَاسَبَةِ مَا قَبْلَهُ وَإِلَّا فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَرَجَّحَ قَوْمٌ إلَخْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ بَلْ مَسْأَلَةُ الْكَسْبِ مِنْ غَوَامِضِهَا (قَوْلُهُ: بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَاذَا؟ فَقَالَ الْجَبْرِيَّةُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ أَصْلًا وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ قُدْرَةُ الْعَبْدِ فَقَطْ بِلَا إيجَابٍ وَقَالَ الْفَلَاسِفَةُ قُدْرَةُ الْعَبْدِ مُؤَثِّرَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَابِ فَيَمْتَنِعُ التَّخَلُّفُ وَيُرْوَى هَذَا عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ مَجْمُوعُ الْقُدْرَتَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ قُدْرَةُ اللَّهِ مُؤَثِّرَةٌ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ وَقُدْرَةُ الْعَبْدِ فِي وَصْفِهِ بِأَنْ تَجْعَلَهُ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً. وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ قُدْرَةُ اللَّهِ وَلِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ لَكِنْ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، فَقِيلَ الْقُدْرَةُ بِلَا تَأْثِيرٍ كَلَا قُدْرَةَ. وَطَالَ نِزَاعُ الْخُصُومِ مَعَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكُنْتُ وَأَنَا بِبِلَادِ رُومِ أَيْلَى أَطْلَعَنِي بَعْضُ الْأَفَاضِلِ عَلَى كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهُ الْخَادِمِيُّ فِي شَرْحِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَأَلَّفْتُ هُنَاكَ رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا تُحْفَةُ

(قَدَّرَ لَهُ قُدْرَةً هِيَ اسْتِطَاعَتُهُ تَصْلُحُ لِلْكَسْبِ لَا لِلْإِبْدَاعِ) بِخِلَافِ قُدْرَةِ اللَّهِ فَإِنَّهَا لِلْإِبْدَاعِ لَا لِلْكَسْبِ (فَاَللَّهُ خَالِقٌ غَيْرُ مُكْتَسِبٍ وَالْعَبْدُ مُكْتَسِبٌ غَيْرُ خَالِقٍ) فَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ عَلَى مُكْتَسَبِهِ الَّذِي يَخْلُقُهُ اللَّهُ عَقِبَ قَصْدِهِ لَهُ. وَهَذَا - أَيْ كَوْنُ فِعْلِ الْعَبْدِ مُكْتَسَبًا لَهُ مَخْلُوقًا لِلَّهِ - تَوَسُّطٌ بَيْنَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ يُثَابُ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْجَبْرِيَّةِ أَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا وَهُوَ آلَةٌ مَحْضَةٌ كَالسِّكِّينِ فِي يَدِ الْقَاطِعِ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ مُكْتَسِبٌ لَا خَالِقٌ لِكَوْنِ قُدْرَتِهِ لِلْكَسْبِ لَا لِلْإِبْدَاعِ فَلَا تُوجَدُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَقُولُ (الصَّحِيحُ أَنَّ الْقُدْرَةَ) مِنْ الْعَبْدِ (لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ) أَيْ لِلتَّعَلُّقِ بِهِمَا وَإِنَّمَا تَصْلُحُ لِلتَّعَلُّقِ بِأَحَدِهِمَا الَّذِي يُقْصَدُ وَقِيلَ تَصْلُحُ لِمُتَعَلِّقٍ بِهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ أَيْ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا بَدَلًا عَنْ تَعَلُّقِهَا بِالْآخَرِ وَبِالْعَكْسِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِفِعْلِهِ فَقُدْرَتُهُ كَقُدْرَةِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَرِيبِ الْوَطَنِ فِي تَحْقِيقِ نُصْرَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ ثُمَّ تَوَجَّهْت إلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ إذْ ذَاكَ وَهُوَ الْعَلَّامَةُ عَرَبْ زَادَهْ فَكَتَبَ عَلَيْهَا تَقْرِيظًا ثُمَّ صَحِبْتُهَا مَعِي عِنْدَ تَوَجُّهِي لِدِمَشْقَ الشَّامِ وَاجْتَمَعْتُ فِيهَا بِالْعَلَّامَةِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ الشَّيْخِ عُمَرَ الْيَافِيِّ شَيْخِ طَرِيقَةِ الْخَلْوَتِيَّةِ وَكَانَ ذَا بَاعٍ فِي فَهْمِ كَلَامِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَهُ بَرَاعَةٌ تَامَّةٌ فِي الْإِنْشَاءِ وَالشِّعْرِ فَقَرَّظَهَا أَيْضًا وَهِيَ بَاقِيَةٌ عِنْدِي الْآنَ. (قَوْلُهُ: قُدْرَةٌ هِيَ اسْتِطَاعَتُهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا تُسَمَّى اسْتِطَاعَةً أَيْضًا فَالِاسْتِطَاعَةُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ عَرْضٌ مُقَارِنٌ لِلْفِعْلِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ فَلَا يَصِحُّ سَبْقُهَا عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدَ مِنْ أَنَّ الْعَرْضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَمَنْ قَالَ بِبَقَائِهِ جَوَّزَ سَبْقَهَا عَلَى الْفِعْلِ وَلَا يُنَاسِبُ هَذَا جَعْلَهَا عِلَّةً لِأَنَّ الْعِلَّةَ تُقَارِنُ الْمَعْلُولَ فَتَكُونُ شَرْطًا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْمُقَارَنَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْعِلَّةِ التَّامَّةِ وَقُدْرَةُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ثُمَّ مَنْ قَالَ بِسَبْقِهَا عَلَى الْفِعْلِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُورِدَ عَلَى الْقَائِلِ بِالْمُقَارَنَةِ مِنْ لُزُومِ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ حِينَئِذٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْقُدْرَةِ بِمَعْنَى الْعَرْضِ الْمُقَارَنِ تُطْلَقُ عَلَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَصِحَّةُ التَّكْلِيفِ تَعَمُّدُ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ مُكْتَسِبٌ إلَخْ) فَمَعْنَى الْكَسْبِ عِنْدَنَا هُوَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ قُدْرَةً مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ إيقَاعَهُ مِنْهُ وَإِرَادَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْقُدْرَةُ مُؤَثِّرَةً فِي فِعْلِهِ وَمَا شَنَّعَ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ أَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ إذَا لَمْ تَكُنْ فَتَسْمِيَتُهَا قُدْرَةً مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ إذْ الْقُدْرَةُ صِفَةٌ مُؤَثِّرَةٌ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ وَبِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ اخْتِيَارٌ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا أَجَابَ عَنْهُ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّأْثِيرَ بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْكَسْبِ فَلَيْسَ التَّأْثِيرُ بِالْفِعْلِ مُعْتَبَرًا فِي مَفْهُومِهَا بَلْ هِيَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا التَّأْثِيرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ سَوَاءٌ أَثَّرَتْ بِالْفِعْلِ أَوْ لَمْ تُؤَثِّرْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ فِي الْأَزَلِ عَلَى إيجَادِ الْعَالَمِ وَلَا تَأْثِيرَ بِالْفِعْلِ فِيهِ وَإِلَّا كَانَ قَدِيمًا وَبِأَنَّ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَا يَقْدَحُ فِي أُصُولِ الْأَشْعَرِيِّ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ إنْ أَثَابَ فَبِفَضْلِهِ وَإِنْ عَذَّبَ فَبِعَدْلِهِ وَإِنَّمَا يَقْدَحُ فِي أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ. (قَوْلُهُ: تَوَسُّطٌ) أَيْ اقْتِصَادٌ فِي الِاعْتِقَادِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْإِفْرَاطِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالتَّفْرِيطِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْجَبْرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ آلَةٌ مَحْضَةٌ) الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِصُدُورِ الْفِعْلِ عَنْهُ وَقِيَامِهِ بِهِ وَلَيْسَ آلَةً حَقِيقِيَّةً كَالسِّكِّينِ لِلْقَطْعِ وَيَكُونُ الْفِعْلُ وَصْفًا قَائِمًا بِالْعَبْدِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ لَوْ كَانَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةً لَهُ تَعَالَى لَصَحَّ إسْنَادُ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِ تَعَالَى وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَجَوَابُهُ مَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَقَّاتِ إنَّمَا تُسْنَدُ حَقِيقَةً إلَى مَنْ قَامَتْ بِهِ لَا إلَى مَنْ أَوْجَدَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَوْصَافَ الْجَمَادَاتِ كَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وِفَاقًا وَيُمْنَعُ إسْنَادُ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُوجَدُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ) يَقْتَضِي أَنَّ

فِي وُجُودِهَا قَبْلَ الْفِعْلِ وَصَلَاحِيَّتُهَا لِلتَّعَلُّقِ بِالضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ (وَ) الصَّحِيحُ أَيْضًا (أَنَّ الْعَجْزَ) مِنْ الْعَبْدِ (صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ تُقَابِلُ الْقُدْرَةَ تَقَابُلَ الضِّدَّيْنِ لَا) تَقَابَلَ (الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ) وَقِيلَ تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ فَيَكُونُ هُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْقُدْرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنَ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ لَازِمٌ لِلْقَوْلِ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُكْتَسِبًا لَا خَالِقًا وَفِيهِ وَقْفَةٌ إذْ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُكْتَسِبًا لَا خَالِقًا قَائِلٌ بِهَا قَبْلَ الْفِعْلِ لِدَعْوَاهُ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ اهـ. زَكَرِيَّا أَقُولُ مَنْ قَالَ لِعَدَمِ بَقَاءِ الْعَرَضِ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْمُقَارَنَةِ وَمَنْ جَوَّزَهُ جَوَّزَ التَّقَدُّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ) يُقَالُ عَلَيْهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَلَا بَدَلِيَّةَ بَلْ لِكُلِّ فِعْلٍ قُدْرَةٌ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ الْفِعْلَ فَلَمْ تَظْهَرْ مُقَابَلَةُ هَذَا الْقَوْلِ لِمَا قَبْلَهُ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ فِعْلٍ يَصِحُّ صُدُورُهُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَيْهِ حَالَ الْمَنْعِ كَالزَّمِنِ الَّذِي هُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْفِعْلِ وَأَنَّ الْقُدْرَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَقْدُورَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا ضِدَّيْنِ أَوْ مِثْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّ مَا نَجِدُهُ فِي نُفُوسِنَا عِنْدَ صُدُورِ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ غَيْرُ مَا نَجِدُهُ عِنْدَ صُدُورِ الْآخَرِ. وَاتَّفَقَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ الْوَاحِدَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَمَاثِلَاتِ لَكِنْ عَلَى مُرُورِ الْأَوْقَاتِ يَمْتَنِعُ وُقُوعُ مِثْلَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِقُدْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعَلُّقِهَا بِالضِّدَّيْنِ فَجَوَّزَ أَكْثَرُهُمْ تَعَلُّقَهَا بِهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَادِرُ عَلَى الْمَشْيِ قَادِرًا عَلَى ضِدِّهِ لَكَانَ مُضْطَرًّا إلَى ذَلِكَ الْمَقْدُورِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْكِهِ هُوَ وَتَرَدَّدَ أَبُو هَاشِمٍ فَزَعَمَ تَارَةً أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقُدْرَةِ الْقَائِمَةِ بِالْقَلْبِ وَالْقُدْرَةِ الْقَائِمَةِ بِالْجَوَارِحِ تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ مَحَالِّهَا دُونَ الْأُخْرَى بِمَعْنَى أَنَّ الْقَائِمَةَ بِالْقَلْبِ تُعَلَّقُ بِالْإِرَادَاتِ وَالِاعْتِقَادَاتِ مَثَلًا دُونَ الْحَرَكَاتِ وَالِاعْتِمَادَاتِ وَالْقَائِمَةَ بِالْجَوَارِحِ عَلَى الْعَكْسِ وَتَارَةً بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي أَفْعَالِ مَحَالِّهَا مَثَلًا الْقَائِمَةُ بِالْقَلْبِ تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ لَكِنْ يَمْتَنِعُ اتِّحَادُ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ بِهَا لِفَقْدِ الشَّرَائِطِ وَالْقَائِمَةُ بِالْجَوَارِحِ تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْقَلْبِ. وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ كَلَامًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْقُدْرَةِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ سَوَاءٌ كَمُلَتْ جِهَاتُ تَأْثِيرِهَا أَوْ لَمْ تَكْمُلْ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَفِي جَوَازِ تَعَلُّقِهَا بِالضِّدَّيْنِ وَإِنْ أُرِيدَ الْقُوَّةُ الَّتِي كَمُلَتْ جِهَاتُ تَأْثِيرِهَا فَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهَا مَعَ الْفِعْلِ بِالزَّمَانِ لَا قَبْلَهُ وَفِي امْتِنَاعِ تَعَلُّقِهَا بِالضِّدَّيْنِ بَلْ الْمَقْدُورَيْنِ مُطْلَقًا ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخَصَّصَةَ لِهَذَا غَيْرُ الشَّرَائِطِ الْمُخَصَّصَةِ لِذَاكَ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْعَجْزَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ) فِي تَفْرِيعِ كَوْنِ الْعَجْزِ صِفَةً وُجُودِيَّةً عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مُكْتَسِبًا لَا خَالِقًا نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَإِنْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى بِنَائِهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا الْأَمْرُ كَذَلِكَ إلَخْ اهـ نَاصِرٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْعَجْزَ عَرَضٌ ثَابِتٌ مُضَادٌّ لِلْقُدْرَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ فِي الزَّمِنِ مَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي الْمَمْنُوعِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَعِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ هُوَ عَدَمُ مَلَكَةٍ لِلْقُدْرَةِ وَلَيْسَ فِي الزَّمِنِ صِفَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ تَضَادُّ الْقُدْرَةَ بَلْ الْفَرْقُ أَنَّ الزَّمِنَ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَالْمَمْنُوعُ قَادِرٌ بِالْفِعْلِ أَوْ مِنْ شَأْنِهِ الْقُدْرَةُ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْعَجْزِ ضِدَّ الْقُدْرَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ كَالْقُدْرَةِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الصِّفَةِ الْمَوْجُودَةِ بِالْمَعْدُومِ خَيَالٌ مَحْضٌ فَعَجْزُ الزَّمَنِ يَكُونُ عَنْ الْقُعُودِ الْمَوْجُودِ لَا عَنْ الْقِيَامِ الْمَعْدُومِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ وَأَنَّ الْعَجْزَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا وَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَلَا امْتِنَاعَ فِي تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْدُومِ كَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَلِهَذَا أَطْبَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ عَجْزَ الْمُتَحَدِّينَ عَنْ

كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِفِعْلِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الزَّمَنِ مَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ الْفِعْلِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَعَلَى الثَّانِي لَا بَلْ الْفَرْقُ أَنَّ الزَّمَنَ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَالْمَمْنُوعُ قَادِرٌ إذْ مِنْ شَأْنِهِ الْقُدْرَةُ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ. (وَرَجَّحَ قَوْمٌ التَّوَكُّلَ) مِنْ الْعَبْدِ عَلَى الِاكْتِسَابِ (وَآخَرُونَ الِاكْتِسَابَ) عَلَى التَّوَكُّلِ أَيْ الْكَفَّ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْ الْأَسْبَابِ اعْتِمَادًا لِلْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَثَالِثٌ الِاخْتِلَافَ) بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَمَنْ يَكُونُ فِي تَوَكُّلِهِ لَا يَتَسَخَّطُ عِنْدَ ضِيقِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ وَلَا تَسْتَشْرِفُ نَفْسُهُ أَيْ تَتَطَلَّعُ لِسُؤَالِ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ فَالتَّوَكُّلُ فِي حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ لَا عَنْ السُّكُوتِ وَتَرْكِ الْمُعَارَضَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ) أَيْ تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ) يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا نَسَبُوا لِلْعَبْدِ خَلْقَ أَفْعَالِهِ فَسَّرُوا الْعَجْزَ بِأَنَّهُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ إلَخْ فَجَعَلُوا التَّقَابُلَ بَيْنَهُمَا تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ إلَخْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ تَقَابُلُ التَّضَادِّ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ عَدَمِيَّةٌ أَبُو هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَفِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعَجْزَ عَرَضٌ مُضَادٌّ لِلْقُدْرَةِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَذَهَبَ الْأَشَاعِرَةُ وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى الثَّانِي اهـ. فَاتَّجَهَ تَنْظِيرُ النَّاصِرِ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ لِلْمُعْتَزِلَةِ يَعْنِي بِكَوْنِ الْعَبْدِ خَالِقًا لِفِعْلِهِ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَجْزَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الزَّمِنِ مَعْنًى إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: الْمَمْنُوعُ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْفِعْلُ عَلَى تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ وَالزَّمِنُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَادِرٌ دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ قُلْنَا الْمَمْنُوعُ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْفِعْلُ وَهُوَ بِحَالِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَإِنَّمَا التَّغَيُّرُ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ بِخِلَافِ الزَّمِنِ فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ لِلتَّجْرِيدِ (قَوْلُهُ: وَالْإِعْرَاضِ) بِالْجَرِّ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْكَفِّ فَسَّرَ التَّوَكُّلَ بِذَلِكَ تَبَعًا لِكَثِيرٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ لَا بِمُجَرَّدِ اعْتِمَادِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْمُحَقِّقِينَ لِيَتَأَتَّى مَعَهُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ حَالَتَيْ الِاكْتِسَابِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَوْ بِمَا يَأْتِي عَنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يُنَافِي تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ وَقَرِيبٌ مِمَّا فُسِّرَ بِهِ التَّوَكُّلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ التَّوَكُّلُ تَرْكُ السَّعْيِ فِيمَا لَا تَسَعُهُ قُدْرَةُ الْبَشَرِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ قَطْعُ النَّظَرِ عَنْ الْأَسْبَابِ مَعَ تَهَيُّئِهَا وَلِهَذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ لَهُ أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. زَكَرِيَّا. وَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَالْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ لَا تُنَافِي تَوَكُّلَ الْقَلْبِ بَعْدَمَا يَتَحَقَّقُ الْعَبْدُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَقْدِيرِهِ وَإِنْ أَنْفَقَ شَيْءٌ فَبِتَيْسِيرِهِ وَعَلَامَةُ التَّوَكُّلِ ثَلَاثٌ لَا يَسْأَلُ وَلَا يَرُدُّ وَلَا يَحْبِسُ (قَوْلُهُ: فَالتَّوَكُّلُ فِي حَقِّهِ أَرْجَحُ) وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعَاطِي بَعْضِ الْأَسْبَابِ الضَّرُورِيَّةِ لَا أَنْ يَتَجَرَّدَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ كَانَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ مُجَرَّدًا فِي التَّوَكُّلِ مُدَقِّقًا فِيهِ وَكَانَ لَا يُفَارِقُهُ إبْرَةٌ وَخُيُوطٌ وَرَكْوَةٌ وَمِقْرَاضٌ فَقِيلَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ لِمَ تَحْمِلُ هَذَا وَأَنْتَ تَمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ مِثْلُ هَذَا لَا يُنْقِصُ التَّوَكُّلَ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا فَرَائِضَ وَالْفَقِيرُ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَرُبَّمَا يَنْخَرِقُ ثَوْبُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْرَةٌ وَخُيُوطٌ تَبْدُو عَوْرَتُهُ فَتَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَكْوَةٌ تَفْسُدُ عَلَيْهِ طَهَارَتُهُ وَإِذَا

أَرْجَحُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّبْرِ وَالْمُجَاهَدَةِ لِلنَّفْسِ وَمَنْ يَكُونُ فِي تَوَكُّلِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فَالِاكْتِسَابُ فِي حَقِّهِ أَرْجَحُ حَذَرًا مِنْ التَّسَخُّطِ وَالِاسْتِشْرَافِ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ الثَّالِثُ الْمُخْتَارُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأَيْتَ الْفَقِيرَ بِلَا إبْرَةٍ وَلَا خُيُوطٍ وَلَا رَكْوَةٍ فَاتَّهِمْهُ فِي صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَالِاكْتِسَابُ فِي حَقِّهِ أَرْجَحُ) وَقَدْ يَكُونُ التَّكَسُّبُ لَا يُضْعِفُ التَّوَكُّلَ بَلْ لِأَغْرَاضٍ أُخَرَ إمَّا لِقَصْدِ مُعَاوَنَةِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِ الْمَعِيشَةِ بِجَلْبِ الْأَقْوَاتِ وَأَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ وَإِقَامَةِ الصِّنَاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ضَرُورِيٌّ لِبَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي لَوْ تَرَكَهُ الْجَمِيعُ لَأَثِمُوا فَإِنَّهُ مِنْ مَفْرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَلِذَلِكَ قِيلَ الْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ وَبِتَرْكِ ذَلِكَ يَخْتَلُّ نِظَامُ الْعَالَمِ فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ أَسْبَابٌ عَادِيَةٌ ارْتَبَطَ بِهَا حِكَمٌ وَمَصَالِحُ يَتَلَبَّسُ بِهَا الْعَارِفُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحْجُبَهُمْ عَنْ الْمُسَبِّبِ فَيُحْمَدُوا وَيَقِفُ عِنْدَهَا الْمَحْجُوبُونَ فَيُذَمُّوا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّارَ دَارُ أَسْبَابٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَاطِيهَا وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] فَلَمْ يَقْسِمْ الرَّبُّ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّسَاوِي بَلْ عَلَى طَرِيقِ التَّفَاوُتِ إذْ لَوْ سَوَّى بَيْنَهُمْ وَكَانَ مَا عِنْدَ هَذَا عِنْدَ غَيْرِهِ لَمْ يَنْتَفِعْ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَلَمْ يَرْغَبْ بَعْضُهُمْ فِي خِدْمَةِ بَعْضٍ فَوَقَعَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمْ لِيَتَعَاوَنُوا وَيَتَرَفَّقُوا وَيُسَخِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَسْتَعْمِلَ الْأَغْنِيَاءُ الْفُقَرَاءَ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ بِالْأُجْرَةِ وَالْفُقَرَاءُ الْأَغْنِيَاءَ فِي مَتَاعِبِ الْأَسْفَارِ وَجَلْبِ السِّلَعِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفُقَرَاءُ مِنْ الْأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ قَالَ الرَّاغِبُ فِي كِتَابِ الذَّرِيعَةِ: التَّكَسُّبُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ لِلْإِنْسَانِ الِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ إلَّا بِإِزَالَةِ ضَرُورِيَّاتِ حَيَاتِهِ فَإِزَالَتُهَا وَاجِبَةٌ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى إزَالَةِ ضَرُورِيَّاتِهِ إلَّا بِأَخْذِ تَعَبٍ مِنْ النَّاسِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَوِّضَهُمْ فِعْلًا لَهُ وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا لَهُمْ فَمَنْ تَوَسَّعَ فِي تَنَاوُلِ عَمَلِ غَيْرِهِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَسْكَنِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلَ لَهُمْ عَمَلًا بِقَدْرِ مَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْهُمْ وَلِهَذَا ذُمَّ مَنْ يَدَّعِي التَّصَوُّفَ فَيَتَعَطَّلُ عَنْ الْمَكَاسِبِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عِلْمٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ فِي الدِّينِ يُقْتَدَى بِهِ بَلْ يَجْعَلُ هَمَّهُ عَادِيَةَ بَطْنِهِ وَفَرْجِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَنَافِعَ النَّاسِ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ مَعَاشَهُمْ وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِ نَفْعًا فَلَا طَائِلَ فِي أَمْثَالِهِمْ إلَّا أَنْ يُكَدِّرُوا الْمَاءَ وَيُغْلُوا الْأَسْعَارَ اهـ. وَأَمَّا لِلتَّرَفُّعِ عَنْ الْأَخْذِ مِنْ أَمْوَالِ السَّلَاطِينِ وَقَصْدِ مُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِينَ. وَهَذَا الْمَقَامُ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَهُ لِجَمْعِهِ بَيْنَ فَضَائِلَ عَدِيدَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ اشْتِغَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ بِالتِّجَارَةِ كَالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَأَمْثَالِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ أَنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالزُّهْدِ وَالتَّقَلُّلِ وَالْبُلْغَةِ وَنَرَاكَ تَأْتِي بِالْبَضَائِعِ مِنْ بِلَادِ خُرَاسَانَ إلَى الْبَلَدِ الْحَرَامِ كَيْفَ ذَا وَأَنْتَ تَأْمُرُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: يَا أَبَا عَلِيٍّ أَنَا أَفْعَلُ ذَا لِأَصُونَ بِهِ وَجْهِي وَأُكْرِمُ بِهِ عِرْضِي وَأَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّي لَا أَرَى لِلَّهِ حَقًّا إلَّا سَارَعْتُ إلَيْهِ حَتَّى أَقُومَ بِهِ، فَقَالَ الْفُضَيْلُ: يَا ابْنُ الْمُبَارَكِ مَا أَحْسَنُ ذَا إنْ تَمَّ. اهـ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ جَارٍ فِي عُمُومِ النَّاسِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِهِ بِمَا عَدَا أَهْلَ الْعِلْمِ قَائِلًا بِأَنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لَهُمْ بِالرِّزْقِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَكَفَّلَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مَخْلُوقَاتِهِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وَقَالَ تَعَالَى {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] وَأَمَرَهُمْ بِالسَّعْيِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ وَهَذِهِ السَّيِّدَةُ مَرْيَمُ قَدْ أَكْرَمَهَا اللَّهُ بِأَنْ أَوْجَدَ لَهَا فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَبِالْعَكْسِ أَمَرَهَا بِقَوْلِهِ {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمَ ... وَهُزِّي إلَيْكِ الْجِذْعَ يَسَّاقَطُ الرُّطَبُ وَلَوْ شَاءَ أَحْنَى الْجِذْعَ مِنْ غَيْرِ هَزِّهِ ... عَلَيْهَا وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبُ وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ: وَلَيْسَ الرِّزْقُ عَنْ طَلَبٍ حَثِيثٍ ... وَلَكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ فِي الدِّلَاءِ تَجِيءُ بِمِلْئِهَا طَوْرًا وَطَوْرًا ... تَجِيءُ بِحَمْأَةٍ وَقَلِيلِ مَاءٍ

(قِيلَ) قَوْلًا مَقْبُولًا (إرَادَةُ التَّجْرِيدِ) عَمَّا يَشْغَلُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (مَعَ دَاعِيَةِ الْأَسْبَابِ) مِنْ اللَّهِ فِي مُرِيدِ ذَلِكَ (شَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ) مِنْ الْمُرِيدِ. (وَسُلُوكُ الْأَسْبَابِ) الشَّاغِلَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (مَعَ دَاعِيَةِ التَّجْرِيدِ) مِنْ اللَّهِ فِي سَالِكِ ذَلِكَ (انْحِطَاطٌ) لَهُ (عَنْ الذِّرْوَةِ الْعَلِيَّةِ) فَالْأَصْلَحُ لِمَنْ قَدَّرَ اللَّهُ فِيهِ دَاعِيَةَ الْأَسْبَابِ سُلُوكُهُ دُونَ التَّجْرِيدِ وَلِمَنْ قَدَّرَ اللَّهُ فِيهِ دَاعِيَةَ التَّجْرِيدِ سُلُوكُهُ دُونَ الْأَسْبَابِ (وَقَدْ يَأْتِي الشَّيْطَانُ) لِلْإِنْسَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقَالُ تَكْلِيفُهُمْ السَّعْيَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ يَمْنَعُهُمْ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ لِأَنَّا نَقُولُ تَحْصِيلُ الْقَدْرِ الضَّرُورِيِّ غَيْرُ مَانِعٍ وَاَلَّذِي يَمْنَعُ طَلَبَ الزِّيَادَةِ وَقَدْ وَقَعْنَا فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَتَلَبَّسْنَا بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] وَقَدْ كَانَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ سَابِقًا أَرْزَاقٌ دَائِرَةٌ مِنْ أَوْقَاتِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ وَصَدَقَاتٍ جَارِيَةٍ مِنْ مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ وَتَدْفَعُ ضَرُورَةَ حَاجَتِهِمْ فَلَمْ تَطْمَحْ نُفُوسُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى فُضُولِ الْعَيْشِ وَارْتِكَابِ التَّهَوُّرِ فِي تَحْصِيلِهَا وَالطَّيْشِ فَصَرَفُوا أَوْقَاتَهُمْ كُلَّهَا فِي تَحْصِيلِ الْعُلُومِ وَسَاعَدَهُمْ صَفَاءُ الْوَقْتِ مِنْ الشَّوَائِبِ الشَّاغِلَةِ لِلْعُقُولِ وَالْخُطُوبِ الْمُزْعِجَةِ لِلْقُلُوبِ فَوَصَلُوا فِي مَدَارِكِ الْعُلُومِ إلَى حَدٍّ هُوَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ آيَةُ إعْجَازٍ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ إلَى حَقِيقَةِ الْإِحَاطَةِ بِهِ الْمَجَازُ: ثُمَّ انْقَضَتْ تِلْكَ السُّنُونَ وَأَهْلُهَا ... فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُمْ أَحْلَامُ وَاتَّفَقَ مَجِيئُنَا وَالزَّمَانُ قَدْ شَابَ بَعْدَ شَبَابِهِ وَقَطَبَ بَعْدَ ابْتِسَامِهِ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ فَارْتَشَفْنَا بَعْضَ قَطَرَاتٍ مِنْ بِحَارِ عُلُومِهِمْ وَلَمْ نُدْرِكْ فِي سَيْرِنَا شَأْوَ فُهُومِهِمْ فَحَالُنَا يُنْبِي عَنْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي: أَتَى الزَّمَانُ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ ... فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ هَذَا مَعَ تَكَاثُرِ الْمَآرِبِ وَتَعَاطِي الْمَطَالِبِ وَصَرْفِ الْأَوْقَاتِ فِي ضَرُورِيَّاتِ الْحَاجَاتِ وَتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ وَكَثْرَةِ الْآفَاتِ وَتَوَارُدِ الْفِتَنِ وَتَوَالِي الْمِحَنِ: وَهَكَذَا يَذْهَبُ الزَّمَانُ وَيَفْنَى ... نى الْعِلْمُ فِيهِ وَيَنْمَحِي الْأَثَرُ وَلَا يَسَعُنِي إلَّا التَّسْلِيمُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ حَذَرًا مِنْ السَّخَطِ أَيْ عَدَمِ الرِّضَى بِمَا قُسِمَ لَهُ وَالتَّضَجُّرِ وَبَثِّ الشَّكْوَى. وَقَوْلُهُ وَالِاسْتِشْرَافُ أَيْ التَّطَلُّعُ لِمَا فِي أَيْدِي الْخَلْقِ وَأَبِيُّ النَّفْسِ لَا يَرْضَى بِتَحَمُّلِ الْمِنَّةِ وَلِلَّهِ دُرُّ الْقَائِلِ: إذَا أَظْمَأَتْكَ أَكَفُّ اللِّئَامِ ... كَفَتْكَ الْقَنَاعَةُ شِبْعًا وَرِيًّا فَكُنْ رَجُلًا رِجْلُهُ فِي الثَّرَى ... وَهَامَةُ هِمَّتِهِ الثُّرَيَّا فَإِنَّ إرَاقَةَ مَاءِ الْحَيَا ... ةِ دُونَ إرَاقَةِ مَاءِ الْمُحَيَّا (وَقَوْلُهُ قَوْلًا مَقْبُولًا) قَيَّدَهُ بِهَذَا دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِحِكَايَتِهِ بِقِيلِ وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَطَاءِ اللَّهِ الْإِسْكَنْدَرِيِّ أَخَذَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيِّ وَقَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَتَكَلَّمَ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَغَيْرِهِ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَوْمِ مَعَ إلْمَامٍ بِآثَارِ السَّلَفِ فَأَحَبَّهُ النَّاسُ وَكَثُرَتْ أَتْبَاعُهُ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قِيَامًا عَلَى تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَّةَ لَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ مِصْرَ وَأُحْضِرَ مِنْ الشَّامِ عَلَى غَيْرِ صُورَةٍ بِسَبَبِ مَسَائِلَ صَدَرَتْ عَنْهُ أَنْكَرُوهَا عَلَيْهِ وَتَوَلَّى مُنَاظَرَتَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَحُبِسَ بِقَلْعَةِ مِصْرَ وَبِسِجْنِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة أَيْضًا وَوَقَعَتْ لَهُ مِحَنٌ كَثِيرَةٌ وَصَارَ الْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ فِي حَقِّهِ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةٌ مَعَهُ وَفِرْقَةٌ عَلَيْهِ وَالْقِصَّةُ طَوِيلَةٌ تُوُفِّيَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَنْصُورِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْآنُ بِالْمَارِسْتَانْ وَلَمْ يَمُتْ الشَّيْخُ بِقَاعَةِ الْمَرْضَى الْمُهَيَّئَةِ الْآن لَهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْكُنُ بِبَعْضِ مَحِلَّاتِ الْمَسْجِدِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعُلَمَاءِ سَابِقًا. فَإِنَّ غَالِبَ سُكْنَاهُمْ كَانَتْ بِالْمَدَارِسِ وَلَهُمْ فِيهَا بُيُوتٌ وَحُجُرَاتٌ لِطَلَبَتِهِمْ مَوْجُودٌ بَعْضُهَا الْآنَ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ قَالَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْمُسَمَّى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعُقُودِ تَرَدَّدَ النَّاسُ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَمِلُوا عِنْدَ قَبْرِهِ كُلَّ سَنَةٍ مِيعَادًا يَقْرَءُونَ فِيهِ الْقُرْآنَ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ فَيُحْشَرُ النَّاسُ مِنْ أَكْثَرِ الْجِهَاتِ لِشُهُودِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَيَخْلِطُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَيَأْتُونَ أَنْوَاعًا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا اهـ. أَقُولُ قَدْ فَتَرَ هَذَا الْآنَ بِالنِّسْبَةِ لِمَوْلِدِ الشَّيْخِ الَّذِي يُصْنَعُ لَهُ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَمِمَّا يُنْسَبُ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مُرَادِي مِنْكَ نِسْيَانُ الْمُرَادِ ... إذَا رُمْتَ السُّلُوكَ إلَى الرَّشَادِ وَأَنْ تَدَعَ الْوُجُودَ فَلَا تَرَاهُ ... وَتُصْبِحَ مَالِكًا حَبْلَ اعْتِمَادِي إلَى كَمْ غَفْلَةٌ عَنِّي وَإِنِّي ... عَلَى حِفْظِ الرِّعَايَةِ وَالْوِدَادِ وَوُدِّي فِيكَ لَوْ تَدْرِي قَدِيمٌ ... وَيَوْمُ لَسْتُ يَشْهَدُ بِانْفِرَادِي وَهَلْ رَبٌّ سِوَايَ فَتَرْتَجِيهِ ... غَدًا يُنْجِيكَ مِنْ كُرَبٍ شِدَادِ فَوَصْفُ الْعَجْزِ عَمَّ الْكَوْنَ طُرًّا ... فَمُفْتَقِرٌ لِمُفْتَقِرٍ يُنَادِي وَبِي قَدْ قَامَتْ الْأَكْوَانُ طُرًّا ... وَأَظْهَرْت الْمَظَاهِرَ مِنْ مُرَادِي أَفِي دَارِي وَفِي مُلْكِي وَمِلْكِي ... تُوَجِّهُ لِلسِّوَى وَجْهَ اعْتِمَادِ وَهَا خِلَعِي عَلَيْكَ فَلَا تُزِلْهَا ... وَصُنْ وَجْهَ الرَّجَاءِ عَنْ الْعِبَادِ وَوَصْفُك فَالْزَمَنْهُ وَكُنْ ذَلِيلًا ... تَرَى مِنِّي الْمُنَى طَوْعَ الْقِيَادِ وَكُنْ عَبْدًا لَنَا وَالْعَبْدُ يَرْضَى ... بِمَا تَقْضِي الْمَوَالِي مِنْ مُرَادِ وَلِلشَّيْخِ تَآلِيفُ مُفِيدَةٌ مِنْهَا مَتْنُ الْحِكَمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ هَذَا الْقَوْلَ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِهِ بَلْ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ الشَّيْخِ إرَادَتُكَ التَّجْرِيدَ مَعَ إقَامَةِ اللَّهِ إيَّاكَ فِي الْأَسْبَابِ مِنْ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ وَإِرَادَتُكَ الْأَسْبَابَ مَعَ إقَامَةِ اللَّهِ إيَّاكَ فِي التَّجْرِيدِ انْحِطَاطٌ عَنْ الْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ دَاعِيَةِ الْأَسْبَابِ أَيْ التَّلَبُّسِ بِهَا لِأَنَّ الْمُتَلَبِّسَ بِالشَّيْءِ لَهُ بَاعِثٌ يَبْعَثُهُ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الدَّاعِيَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ مَعَ دَاعِيَةِ التَّجَرُّدِ وَفِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاكْتِسَابَ فِي حَقِّ هَذَا الشَّخْصِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ فِي الثَّانِيَةِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ التَّجَرُّدَ فِي حَقِّ هَذَا الشَّخْصِ أَكْمَلُ وَمَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بِهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ الْأَسْبَابَ إذَا ثَبَتَتْ الْإِقَامَةُ فِيهَا بِحُصُولِ ثَمَرَاتِهَا كَانَتْ عِبَادَةً وَسِتْرًا لِلْعَبْدِ لَكِنَّهَا شَاقَّةٌ عَلَى الْمُبْتَدِئِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَزْجِ الْحُقُوقِ بِالْحُظُوظِ فَلَا تَنْضَبِطُ النَّفْسُ عِنْدَهَا وَلَا يَكَادُ يَتَخَلَّصُ الْمَقْصِدُ فَإِرَادَةُ الْعَبْدِ الِانْتِقَالَ مِنْهَا إلَى التَّجْرِيدِ شَهْوَةُ نَفْسٍ إمَّا لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مَا يَسْهُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتْرُكُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا وَذَلِكَ شَفَقَةٌ مِنْهُ عَلَيْهَا وَإِمَّا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ هُوَ التَّجْرِيدُ فَهُوَ يُرِيدُ التَّمْيِيزَ وَالِاتِّصَافَ بِصِفَاتِ الْخَوَاصِّ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يَقُولُ بِلِسَانِ حَالِهِ أَنَا أَهْلٌ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ هَذَا فَيَحْتَقِرُ نِعْمَةَ اللَّهِ وَيَتَطَلَّعُ لِمَا فَوْقَهَا وَالتَّجْرِيدُ إذَا ثَبَتَتْ الْإِقَامَةُ فِيهِ بِحُصُولِ ثَمَرَاتِهِ كَانَ عِبَادَةً وَاَللَّهُ يَفْعَلُ بِعَبْدِهِ مَا يَشَاءُ مِنْ إخْفَاءٍ وَإِظْهَارٍ وَالسِّتْرُ لَا يَنْحَصِرُ فِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ فَإِنَّ أَوْصَافَ الْبَشَرِيَّةِ السَّاتِرَةَ لِلْخُصُوصِيَّةِ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَإِرَادَةُ الِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى الْأَسْبَابِ رِضًا بِالنُّزُولِ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ إلَى طَرِيقِ أَهْلِ الِانْتِقَاصِ بِحَسَبِ الْغَالِبِ وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَادَةً وَطَرِيقًا صَالِحًا لِلتَّوَصُّلِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْضَى بِمَا اخْتَارَهُ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا مُسْتَعِينًا بِهِ سَائِلًا مِنْهُ التَّأْيِيدَ فَإِنْ رَأَى خِلَافَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ مُقْتَضَى الْعُبُودِيَّةِ وَلِذَلِكَ حَكَّمَ الْمُؤَلِّفُ إرَادَةَ الْعَبْدِ الْمُخَالِفَةَ لِمُخْتَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِالذَّمِّ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِمَعَالِي الْأُمُورِ أَوْ بِأَدَانِيهَا لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِمَعَالِيهَا فِي الْمَوْضُوعِ الْمَذْكُورِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ وَالْمُتَعَلِّقَةِ بِأَدَانِيهَا فِيهِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الشَّهْوَةِ الْجَلِيَّةِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّلَبُّسَ بِالسَّبَبِ مَعَ التَّفْوِيضِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَحْمُودٌ وَهُوَ مَقَامُ أَهْلِ الْكَمَالِ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَهْمَلَ النَّاقَةَ وَقَالَ

(بِاطِّرَاحِ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي صُورَةِ الْأَسْبَابِ أَوْ بِالْكَسَلِ وَالتَّمَاهُنِ فِي صُورَةِ التَّوَكُّلِ) كَأَنْ يَقُولَ لِسَالِكِ التَّجْرِيدِ الَّذِي سُلُوكُهُ لَهُ أَصْلَحُ مِنْ تَرْكِهِ لَهُ إلَى مَتَى تَتْرُكُ الْأَسْبَابَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ تَرْكَهَا يُطْمِعُ الْقُلُوبَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَاسْلُكْهَا لِتَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْتَظِرُ غَيْرُكَ مِنْكَ مَا كُنْتَ تَنْتَظِرُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَيَقُولُ لِسَالِكِ الْأَسْبَابِ الَّذِي سُلُوكُهُ لَهَا أَصْلَحُ مِنْ تَرْكِهِ لَهَا لَوْ تَرَكْتَهَا وَسَلَكْتَ التَّجْرِيدَ فَتَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ لَصَفَا قَلْبُكَ وَأَشْرَفَ ذَلِكَ النُّورُ وَأَتَاكَ مَا يَكْفِيكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَاتْرُكْهَا لِيَحْصُلَ لَكَ ذَلِكَ فَيَجُرُّ بِهِ تَرْكُهَا الَّذِي هُوَ غَيْرُ أَصْلَحَ لَهُ إلَى الطَّلَبِ مِنْ الْخَلْقِ وَالِاهْتِمَامِ بِالرِّزْقِ (وَالْمُوَفَّقُ يَبْحَثُ عَنْ هَذَيْنِ) الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَأْتِي بِهِمَا الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ غَيْرِهِمَا كَيْدًا مِنْهُ لَعَلَّهُ يَسْلَمُ مِنْهُمَا. (وَيَعْلَمُ) مَعَ بَحْثِهِ عَنْهُمَا (أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ) اللَّهُ كَوْنَهُ أَيْ وُجُودَهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا (وَلَا يَنْفَعُنَا عِلْمُنَا بِذَلِكَ) الْمَعْلُومِ الَّذِي ضَمَّنَّاهُ هَذَا الْكِتَابَ جَمْعَ الْجَوَامِعِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) نَفْعَنَا بِهِ بِأَنْ يُوَفِّقَنَا لَأَنْ نَأْتِيَ بِهِ خَالِصًا مِنْ الْعُجْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْآفَاتِ (وَقَدْ تَمَّ جَمْعُ الْجَوَامِعِ عِلْمًا) تَمْيِيزٌ مِنْ نِسْبَةِ الْإِتْمَامِ أَيْ تَمَّ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ أَيْ الْمَسَائِلُ الْمَقْصُودُ جَمْعُهَا فِيهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا مَعْمُولَ الْجَوَامِعِ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» وَقَالَ تَعَالَى {خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71] وَقَالَ {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] وَقَالَ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] وَقَالَ لِلسَّيِّدِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا} [الدخان: 23] وَقَدْ «اخْتَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغَارِ وَاسْتَأْجَرَ الْخَبِيرَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَاتَّخَذَ خَنْدَقًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ يَحْتَرِسُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ وَأَقَامَ الرُّمَاةَ يَوْمَ أُحُدٍ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ نِكَايَةِ الْعَدُوِّ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتُرِيُّ «التَّوَكُّلُ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَسْبُ سُنَّتُهُ» فَمَنْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَتْرُكَنَّ سُنَّتَهُ. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ وُصُولَ الْعَبْدِ إلَى أَشْيَاءَ بِغَيْرِ طَلَبٍ فَهُوَ وَاصِلٌ إلَيْهَا بِدُونِ طَلَبٍ وَقَدَّرَ وُصُولَهُ إلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى بَعْدَ الطَّلَبِ فَلَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَهُ، فَالطَّلَبُ مِنْ الْقَدَرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ وَبَيْنَ الطَّلَبِ فِي أَنَّهُمَا مَقْدُورَانِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ. وَكَذَا التَّوَكُّلُ مَعَ السَّبَبِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَالْكَسْبُ مَحَلُّهُ الْجَوَارِحِ وَلَا تَضَادَّ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَكَانَ بَعْضُ الْمُلُوكِ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ سَبَبِيَّةِ الطَّلَبِ وَيَرَى مَحْضَ الْقَدَرِ فَتَرَكَ الطَّلَبَ وَالتَّدْبِيرَ فَأَخْرَجَهُ إخْوَتُهُ مِنْ سُلْطَانِهِ وَقَهَرُوهُ عَلَى مَمْلَكَتِهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إنَّ تَرْكَ الطَّلَبِ نِصْفُ الْهِمَّةِ وَبَذْلُ النَّفْسِ وَصَاحِبُهُ صَابِرًا إلَى أَخْلَاقِ ذَوَاتِ الْأَحْجِرَةِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ تَنْشَأُ فِي أَحْجِرَتِهَا وَفِيهَا يَكُونُ مَوْتُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَدَرِ وَالطَّلَبِ، وَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا عَجِيبًا وَهُوَ أَنَّ أَعْمَى وَمُقْعَدًا كَانَا فِي قَرْيَةٍ وَهُمَا فِي غَايَةِ الضَّرَرِ وَالْفَقْرِ لَا قَائِدَ لِلْأَعْمَى وَلَا حَامِلَ لِلْمُقْعَدِ وَكَانَ فِي الْقَرْيَةِ رَجُلٌ يُطْعِمُهُمَا احْتِسَابًا فَلَنْ يَزَالَا فِي عَافِيَةٍ إلَى أَنْ هَلَكَ الرَّجُلُ فَاشْتَدَّ جُوعُهُمَا وَبَلَغَ الضُّرُّ فِيهِمَا جَهْدَهُ فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ الْأَعْمَى الْمُقْعَدَ فَيَدُلَّهُ الْمُقْعَدُ عَلَى الطَّرِيقِ بِبَصَرِهِ وَيَسْتَقِلُّ الْأَعْمَى بِحَمْلِ الْمُقْعَدِ فَيَدُورَانِ فِي الْقَرْيَةِ يَسْتَطْعِمَانِ أَهْلَهَا فَفَعَلَا فَنَجَحَ أَمْرُهُمَا وَلَوْ لَمْ يَفْعَلَا هَلَكَا، وَكَذَلِكَ الْقَدَرُ سَبَبُ الطَّلَبِ وَالطَّلَبُ سَبَبُهُ الْقَدَرُ فَأَخَذَ الرَّجُلُ فِي الطَّلَبِ فَظَفِرَ بِأَعْدَائِهِ وَرَجَعَ إلَى مُلْكِهِ فَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُتْرَكُ السَّبَبُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَدَرِ وَلَا يَجْتَهِدُ فِيهِ غَافِلًا عَنْ الْقَدَرِ اهـ 1 - (قَوْلُهُ: بِاطِّرَاحِ) مُبَالَغَةٌ فِي الطَّرْحِ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ (قَوْلُهُ: وَالتَّمَاهُنِ) أَيْ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ لِلنَّاسِ (قَوْلُهُ: فِي صُورَةِ الْأَسْبَابِ) أَيْ تَحْسِينِهَا فَلَا يَأْمُرُهُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بِطَرْحِ جَانِبِ اللَّهِ وَإِنَّمَا يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ تَحْسِينِ الْأَسْبَابِ فَيَتَّبِعُ الشَّيْطَانَ وَيَتْرُكُ جَانِبَ اللَّهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَيَجُرُّ بِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ الْمَعْلُومِ الَّذِي ضَمَّنَّاهُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُهُ (قَوْلُهُ: تَمْيِيزٌ مِنْ نِسْبَةِ التَّمَامِ) وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا مُحَوَّلًا عَنْ الْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ تَمَّ عِلْمُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَسَائِلُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ

يَتِمُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِنَا ثُمَّ هَذَا عِلْمًا فَإِنَّ تَمَامَهُ مَعْلُومٌ مَعْرُوفٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَمَامِهِ جَمْعًا تَمَامُهُ عِلْمًا فَفِيهِ فَائِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ (الْمُسْمِعِ كَلَامُهُ آذَانًا صُمًّا الْآتِي مِنْ أَحَاسِنِ الْمَحَاسِنِ بِمَا يَنْظُرُهُ الْأَعْمَى) أَيْ أَنَّهُ لِعُذُوبَةِ لَفْظِهِ الْقَلِيلِ وَحُسْنِ مَعْنَاهُ الْكَثِيرِ يَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَحَقَّقَهُ الْأَصَمُّ فَكَأَنَّهُ يَسْمَعُهُ وَالْأَعْمَى فَكَأَنَّهُ يَنْظُرُهُ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ: أَنَا الَّذِي نَظَرَ الْأَعْمَى إلَى أَدَبِي ... وَأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَتَهُ لَهُ فِي ذِكْرِ السَّمْعِ قَبْلَ الْبَصَرِ لِلتَّأَسِّي بِالْقُرْآنِ وَفِي ذِكْرِهِ الْأَسْمَاعَ لِلْآذَانِ لَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَالْأَسْمَاعُ لَهَا أَسْمَاعٌ لِصَاحِبِهَا (مَجْمُوعًا جَمُوعًا) أَيْ كَثِيرَ الْجَمْعِ وَهُمَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْآتِي وَكَذَا قَوْلُهُ (وَمَوْضُوعًا) ذَا فَضْلٍ (لَا مَقْطُوعًا فَضْلُهُ وَلَا مَمْنُوعًا) عَمَّنْ يَقْصِدُهُ لِسُهُولَتِهِ (وَمَرْفُوعًا عَنْ هِمَمِ الزَّمَانِ مَدْفُوعًا) عَنْهَا فَلَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ بِمِثْلِهِ (فَعَلَيْكَ) أَيُّهَا الطَّالِبُ لِمَا ضَمِنَهُ (بِحِفْظِ عِبَارَتِهِ لَا سِيَّمَا مَا خَالَفَ فِيهَا غَيْرَهُ) كَالْمُخْتَصَرِ وَالْمِنْهَاجِ (وَإِيَّاكَ أَنْ تُبَادِرَ بِإِنْكَارِ شَيْءٍ) مِنْهُ (قَبْلَ التَّأَمُّلِ وَالْفِكْرَةِ) فِيهِ (أَوْ أَنْ تَظُنَّ إمْكَانَ اخْتِصَارِهِ، فِي كُلِّ ذَرَّةٍ) مِنْهُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصْفُهُ بِالتَّمَامِ فَهُوَ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ هَذَا آخِرُ مَا قَصَدْنَا جَمْعَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِلْمُصَنِّفِ دُونَ غَيْرِهِ) وَأَيْضًا الْجَوَامِعُ جُزْءُ عِلْمٍ فَلَا يُعْمَلُ وَلِأَنَّ جِهَاتِ التَّمَامِ كَثِيرَةٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَمَامَهُ مِنْ حَيْثُ التَّسْوِيدُ لَا التَّحْرِيرُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ أَيْ أَنَّهُ أَتَى عَلَى صِفَةِ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَحَقَّقَهُ الْأَصَمُّ) بِأَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ مَثَلًا أَوْ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ (قَوْلُهُ: مُنْتَزَعٌ) أَيْ مَأْخُوذٌ عَلَى وَجْهِ الْحَلِّ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبَدِيعِ بِأَنْ يَأْتِيَ الشَّخْصُ لِنَظْمٍ وَيُحِلُّهُ نَثْرًا وَضِدُّهُ الْعَقْدُ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ لِنَثْرٍ فَيَنْظِمُهُ (قَوْلُهُ: وَنَبَّهَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي أَمْرَيْنِ لِنُكْتَةٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّأَسِّي بِالْقُرْآنِ فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهِ السَّمْعَ عَلَى الْبَصَرِ قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وَالْعُدُولُ إلَى الْمَجَازِ الْأَبْلَغِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبْلَغُ) فَإِنَّ إيقَاعَهُ عَلَى الْأَصْحَابِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْمَجَازُ وَهُوَ الْإِفْهَامُ نَعَمْ فَاتَ الْمُصَنِّفَ نِكَاتٌ فِي كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ عَبَّرَ بِالْمَاضِي وَالْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ فِي نَظَرَ وَيَنْظُرُ وَعَبَّرَ أَبُو الطَّيِّبِ بِالْكَلِمَاتِ وَالْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ (قَوْلُهُ: جَمُوعًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ كَثِيرَ الْجَمْعِ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا حَالٌ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَالَانِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْآتِي وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَالًا مِنْهُ وَالْآخَرُ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ تِلْكَ الْحَالِ فَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأَحْوَالِ الْمُتَدَاخِلَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ حَالًا وَاحِدَةً بِمَعْنَى الْكَامِلِ فِي الْجَمْعِ وَالِاسْتِيعَابِ كَمَا فِي حُلْوٍ حَامِضٍ (قَوْلُهُ: وَمَوْضُوعًا) أَيْ مَجْعُولًا (قَوْلُهُ: لِلْأَفْضَالِ عَلَى الْقَاصِدِينَ) أَيْ مُؤَلَّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ أَيْ زَمَانِ الْمُصَنِّفِ) تَقْيِيدُهُ بِزَمَانِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِهِ وَلَا مَانِعَ فَإِنَّ فَضْلَ اللَّهِ وَاسِعٌ وَمَوَاهِبَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْعِبَادِ فَيَضَانُهَا {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105] وَلَا يُنَاقِضُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الزَّمَانَ يَتَنَاقَضُ فِي الْفَضَائِلِ كُلَّمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ تَنَاقُضَهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَجْمُوعِ الطَّبَقَةِ فَلَا يُنَافِي تَفَوُّقَ بَعْضِ أَفْرَادٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي خُطْبَةِ تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ فِي خِلَالِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ وَالِدَهُ أَفْضَلُ مِنْ أَفْرَادٍ تَقَدَّمَ عَصْرُهُمْ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ إتْيَانِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ زَمَانِ الْمُصَنِّفِ بِمِثْلِهِ قَدْ يَمْنَعُ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِقْرَاءِ أَحْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَهُوَ مُتَعَسِّرٌ بَلْ مُتَعَذِّرٌ وَأَمْثَالُ هَذَا الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَقَدْ أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ الْفَنَارِيُّ وَعَصْرُهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ كِتَابَ فُصُولُ الْبَدَائِعِ فِي الْأُصُولِ وَجَمَعَ فِيهِ مَا تَفَرَّقَ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مَعَ مَزِيدِ التَّحْرِيرِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ مِمَّا خَلَا عَنْهَا هَذَا الْكِتَابُ وَأَلَّفَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْهِنْدِ كِتَابًا فِي هَذَا الْعِلْمِ وَسَمَّاهُ مُسَلَّمَ الثُّبُوتِ وَتَارِيخُ تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ هُوَ اسْمُهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَتِسْعٌ فَهَذَا زَمَانٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَالْفَتَاوَى وَمُسَلَّمِ الثُّبُوتِ هَذَا قَدْ اعْتَنَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْهِنْدِ وَمَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ شُرُوحًا وَحَوَاشِيَ وَاشْتَغَلُوا بِهِ كَاشْتِغَالِ أَهْلِ دِيَارِنَا بِهَذَا الْكِتَابِ إلَى الْآنَ كَمَا

أَيْ حَرْفٍ (دُرَّةٌ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ كَالْجَوْهَرَةِ. (فَرُبَّمَا ذَكَرْنَا) فِيهِ (الْأَدِلَّةَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ إمَّا لِكَوْنِهَا مُقَرَّرَةً فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبِينُ) أَيْ لَا يَظْهَرُ (أَوْ الْغَرَابَة) لَهَا (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَخْرِجُهُ النَّظَرُ الْمَتِينُ) أَيْ الْقَوِيُّ كَبَيَانِ الْمُدْرِكِ الْخَفِيَّ الْأَوَّلَ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي مَبْحَثِ الْخَبَرِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا وَالثَّانِي كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي عَدَمِ التَّأْثِيرِ إذْ الْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ وَالثَّالِثُ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ لِارْتِفَاعِ الثِّقَةِ بِمَذْهَبِهِ إذْ لَمْ يُدَوِّنْ. (وَرُبَّمَا أَفْصَحْنَا بِذِكْرِ أَرْبَابِ الْأَقْوَالِ فَحَسِبَهُ الْغَبِيُّ) بِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ الضَّعِيفُ الْفَهْمِ (تَطْوِيلًا يُؤَدِّي إلَى الْمَلَلِ وَمَا دَرَى أَنَّا إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِغَرَضٍ تُحَرَّكُ لَهُ الْهِمَمُ الْعَوَالِ فَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ مَشْهُورًا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ) كَمَا فِي نَقْلِ أَفْضَلِيَّةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ عَنْ الْأُسْتَاذِ وَالْجُوَيْنِيِّ مَعَ وَلَدِهِ الْمَشْهُورِ وَذَلِكَ مِنْهُ فَقَطْ (أَوْ كَانَ) مَنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ قَوْلًا (قَدْ عُزِيَ إلَيْهِ عَلَى الْوَهْمِ) أَيْ الْغَلَطِ (سِوَاهُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ مِنْ الْمَانِعِينَ لِثُبُوتِ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ الْمُجَوِّزِينَ (أَوْ) كَانَ الْغَرَضُ (غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُظْهِرُهُ التَّأَمُّلُ لِمَنْ اسْتَعْمَلَ قُوَاهُ) كَمَا فِي ذِكْرِهِ غَيْرَ الدَّقَّاقِ مَعَهُ فِي مَفْهُومِ اللَّقَبِ تَقْوِيَةً لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ. (بِحَيْثُ إنَّا جَازِمُونَ بِأَنَّ اخْتِصَارَ هَذَا الْكِتَابِ مُتَعَذِّرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْبَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْهِنْدِ وَعُلَمَاءِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَلِصَاحِبِ مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ كِتَابٌ جَلِيلٌ فِي الْمَنْطِقِ سَمَّاهُ سُلَّمَ الْعُلُومِ وَشَرَحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْهِنْدِ وَاعْتَنَتْ بِهِ فُضَلَاءُ تِلْكَ الدِّيَارِ كَاعْتِنَائِهِمْ بِمُسَلَّمِ الثُّبُوتِ وَقَدْ اطَّلَعْت لَهُ عَلَى شَرْحَيْنِ وَنَقَلْتُ عَنْهُمَا فِي حَاشِيَتِي عَلَى الْخَبِيصِيِّ وَمَا زَالَ الزَّمَانُ يَأْتِي بِالنَّوَادِرِ، هَذَا الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَالْعَلَّامَةُ مِيرْ زَاهِدْ كِلَاهُمَا مِمَّنْ أَدْرَكَ الْقَرْنَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَلَهُمَا مِنْ التَّأْلِيفِ مَا خَضَعَتْ لَهَا رِقَابُ الْفُضَلَاءِ وَتَفَاخَرَتْ بِإِدْرَاكِ دَقَائِقِهَا أَذْهَانُ النُّبَلَاءِ وَلَا يُعْجِبُنِي قَوْلُ أَهْلِ دِيَارِنَا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَعْلَمُ مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِقْرَاءٍ تَامٍّ وَلَا يَتَأَتَّى لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُهُمْ وَغَايَةُ مَا يَصِلُ إلَيْهِ عِلْمُنَا أَفْرَادٌ مِنْ الْأَقْطَارِ الْقَرِيبَةِ مِنَّا لَا جَمِيعُ الْأَفْرَادِ فَهَذَا قَوْلٌ يُنَادِي بِرُعُونَةِ قَائِلِهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: وَمَا عَبَّرَ الْإِنْسَانُ عَنْ فَضْلِ نَفْسِهِ ... سِوَى بِاعْتِرَافِ الْفَضْلِ فِي كُلِّ فَاضِلٍ وَسُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ بِأَحْوَالِ عِبَادِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ حَرْفٍ) أَيْ مِنْ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ كَوَاوِ الْعَطْفِ مَثَلًا أَوْ الدَّالَّةِ وَلَوْ فِي ضِمْنِ الْمُرَكَّبَاتِ فَشَمِلَ سَائِرَ الْحُرُوفِ (قَوْلُهُ: أَيْ فَائِدَةٌ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي دُرَّةٍ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَرُبَّمَا ذَكَرْنَا) كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُبَادِرَ إلَخْ بِأَنْ تَقُولَ بَيَانُ الْأَدِلَّةِ لَا يَلِيقُ بِالْمُتُونِ فَإِنَّ جَوَابَهُ أَنَّ ذِكْرَهَا إمَّا لِكَوْنِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي مَبْحَثِ الْخَبَرِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَمَدْلُولُ الْخَبَرِ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لَا ثُبُوتُهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ التَّأْثِيرِ) أَيْ فِي مَبْحَثِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ كَالظُّهْرِ فَزَادَ الْمَفْرُوضَةَ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِالْفَرْضِ أَشْبَهَ فَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ حَشْوًا (قَوْلُهُ: تَحَرَّكَ) بِحَذْفِ إحْدَى تَاءَيْهِ الْفَوْقِيَّتَيْنِ فَتَاؤُهُ مَفْتُوحَةٌ مُضَارِعٌ (قَوْلُهُ: فَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ مَشْهُورًا) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى قَائِلِهِ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ: وَالْجُوَيْنِيِّ) هُوَ وَالِدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ إنَّا جَازِمُونَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ بِحَيْثُ إلَخْ وَالْأَمْرُ مُتَلَبِّسٌ هِيَ بِحَالَةِ إنَّا جَازِمُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ اخْتِصَارَ هَذَا الْكِتَابِ مُتَعَذِّرٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ جَزْمُهُ لِمَا قَامَ بَعْدَهُ بِتَعَذُّرِ اخْتِصَارِهِ لِغَيْرِ مُبَذِّرٍ مُبْتِرٍ لَا يُنَافِي جَزْمَ غَيْرِهِ بِضِدِّ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِلْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ اهـ. أَقُولُ: قَدْ اخْتَصَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمَا أَدْرِي أَوْفَى بِجَمِيعِ مَقَاصِدِهِ أَوْ لَا وَلِدَعْوَى التَّعَذُّرِ مَحْمَلٌ بِأَنْ يُرَادَ اخْتِصَارُهُ عَلَى وَجْهِ اسْتِيفَاءِ مَعَانِيهِ كُلِّهَا مَعَ اتِّحَادِ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ إمْكَانُ الِاخْتِصَارِ بِحَيْثُ لَا تُسْتَوْفَى جَمِيعُ مَعَانِيهِ أَوْ تُسْتَوْفَى لَكِنْ تَكُونُ دَلَالَةُ الْفَرْعِ أَخْفَى مِنْ دَلَالَةِ الْأَصْلِ كَمَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمُخْتَصَرَاتِ (قَوْلُهُ: وَرَوْمُ النُّقْصَانِ مِنْهُ مُتَعَسِّرٌ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ رَوْمَهُ

اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ مُبَذِّرٌ) أَيْ يَنْقُلُ شَيْئًا مِنْ مَكَانِهِ إلَى غَيْرِهِ (مُبْتِرٌ) أَيْ يَأْتِي بِالْأَلْفَاظِ بَتْرَاءَ أَيْ نَوَاقِصَ كَأَنْ يَحْذِفَ مِنْهَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ رَوْمُ النُّقْصَانِ لَكِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَفِي بِمَقْصُودِنَا (فَدُونَكَ) أَيُّهَا الطَّالِبُ لِمَا تَضَمَّنَهُ مُخْتَصَرُنَا (مُخْتَصَرًا) لَنَا (بِأَنْوَاعِ الْمَحَامِدِ حَقِيقًا وَأَصْنَافِ الْمَحَاسِنِ خَلِيقًا) لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يَقْتَضِي أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ (جَعَلَنَا اللَّهُ بِهِ) لِمَا أَمَلْنَاهُ مِنْ كَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: 69] ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ فَيَرْجِعُ إلَى الِاخْتِصَارِ وَإِلَّا فَغَيْرُ مُتَعَسِّرٍ اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ) رَاجِعٌ إلَى تَعَسُّرِ رَوْمِ النُّقْصَانِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ وَهُوَ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقَصْدِ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ أَمْرٌ بَعِيدٌ نَادِرٌ كَأَنَّهُ يَدْعُو اللَّهَ وَيُنَادِيهِ اسْتِظْهَارًا بِهِ وَاسْتِعَانَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا اهـ. زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: بِأَنْوَاعِ الْمَحَامِدِ حَقِيقًا) أَيْ الْمَحَاسِنِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ بِهَا وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ لِرِعَايَةِ السَّجْعِ فَقَوْلُهُ وَأَصْنَافِ الْمَحَاسِنِ خَلِيقًا بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ إذْ خَلِيقُ بِمَعْنَى حَقِيقٍ (قَوْلُهُ: أَيْ لِمَا أَمَلْنَاهُ مِنْ كَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَأَعْلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الْعِلْمُ وَلِذَلِكَ قَالُوا إنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ مِنْ عَالِمٍ أَوْ مُتَعَلِّمٍ إذَا دَخَلَ الطَّرِيقَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتْرُكُ قِرَاءَةَ الْعِلْمِ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ أَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ لِابْنِ وَهْبٍ لَمَّا جَمَعَ كُتُبَهُ وَقَامَ يَتَنَقَّلُ مَا الَّذِي قُمْتُ إلَيْهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِيهِ إذَا أَحْسَنْتَ النِّيَّةَ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ رَجُلٌ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هَذَا الْعِلْمُ فَمَتَى الْعَمَلُ فَقَالَ أَحْمَدُ أَلَسْنَا فِي عَمَلٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ النَّافِلَةِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ الْعَالِمُ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي فَرْضٍ أَفْضَلُ مِنْ الْعَابِدِ وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ جَعَلَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُوَثِّقِينَ جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِلْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْعَمَلِ إجْلَالُ اللَّهِ وَتَعْظِيمُهُ وَثُبُوتُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ مَعَ ذَلِكَ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْلِيلِ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْأَغْرَاضِ وَالْأَغْرَاضِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْعَمَلِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مَحْمُودَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إظْهَارِ الِافْتِقَارِ إلَى إحْسَانِ الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلَا. وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ لَا نَعْبُدُهُ خَوْفًا مِنْ نَارِهِ وَلَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَظَّمَ شَأْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَرَغَّبَ عِبَادَهُ فِي الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَخَوَّفَهُمْ مِنْ النَّارِ وَعَذَابِهَا وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ احْتِقَارَ شَأْنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَعَدَمِ الِاهْتِبَالِ بِهِمَا فَإِنَّ تَعْظِيمَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ وَاجِبٌ وَاحْتِقَارُهُ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَجْعَلُونَ أَعْمَالَهُمْ مُعَلَّلَةً بِهِمَا بِحَيْثُ إنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُوجَدَا مَا عَمِلُوا فَإِنَّ مَوْلَانَا تَعَالَى يَسْتَحِقُّ عَلَى الْعَبْدِ الْعِبَادَةَ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَحَرَّزُونَ عَنْهُ وَمِنْ هَاهُنَا نَعْلَمُ أَنَّ حَقَّ الْعَامِلِينَ لَا يَقْصِدُوا بِأَعْمَالِهِمْ التَّوَصُّلَ إلَى عَطَائِهِ بَلْ مِنْ حَقِّ هَذَا السَّيِّدِ الْمُحْسِنِ فِي حَالَتَيْ الْإِقْبَالِ وَالْإِعْرَاضِ أَنْ لَا يَسْلُكَ مَعَهُ سَبِيلَ الْمُعَامَلَاتِ وَالْإِعْرَاضِ وَأَنْ يَعْبُدَ وَيُخْضَعَ لَهُ لِجَلَالِهِ وَجَمَالِهِ اللَّذَيْنِ أَنْبَأَ عَنْهُمَا عُمُومُ إحْسَانِهِ فَمَنْ عَبَدَهُ حِينَئِذٍ لِيَتَوَصَّلَ بِعِبَادَتِهِ إلَى عَطَائِهِ فَقَدْ جَهِلَ حَقَّ رُبُوبِيَّتِهِ وَلَمْ يُخْلِصْ فِي عُبُودِيَّتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْمَلُ لِنَيْلِ حَظِّهِ فَكَأَنَّهُ يَدْفَعُ شَيْئًا لِيَأْخُذَ فِي مُقَابَلَتِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَيْسَ عَبْدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَأَنَّهُ يَسْتَشْعِرُ أَنَّ مَعْبُودَهُ إنَّمَا يُعْطِيهِ بِعَمَلِهِ عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْكَرَمِ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ تَعَالَى وَلِهَذَا أَوْرَدَ النَّهْيَ عَنْ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ نَحْوَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَتَصَدَّقَنَّ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ اشْفِ مَرِيضِي أَعْبُدْكَ بِكَذَا كَأَنَّهُ إنَّمَا يَشْفِيهِ لَهُ إذَا الْتَزَمَ عِبَادَتَهُ وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ بِكَرَمِهِ تَعَالَى فَهُوَ جَهْلٌ قَبِيحٌ مِنْ الْعَبْدِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالنَّذْرَ فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَقَدْ نَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنَالُ شَيْئًا فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا بِفَضْلِهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ بِقَوْلِهِ «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» فَحَقُّ الْعَبْدِ إذًا أَنْ لَا يَجْعَلَ عَمَلَهُ هُوَ الْمُوَصِّلُ عَلَى سَبِيلِ الرَّبْطِ الْمُطَّرِدِ وَالدَّوَرَانِ الدَّائِمِ بَلْ يَعْمَلُ عُبُودِيَّةً وَخُضُوعًا وَيَعْتَمِدُ عَلَى فَضْلِ مَوْلَاهُ وَكَرَمِهِ وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبُطْلَانَ الرَّبْطِ الْمُطَّرِدِ إحْسَانُهُ السَّابِقُ عَنْ الْأَعْمَالِ. قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ عِنَايَتُهُ فِيكَ لَا لِشَيْءٍ مِنْكَ وَأَيْنَ كُنْتَ حِينَ وَجَّهَتْكَ عِنَايَتُهُ وَقَابَلَتْكَ رِعَايَتُهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَزَلِهِ إخْلَاصُ أَعْمَالٍ وَلَا وُجُودُ أَحْوَالٍ بَلْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا مَحْضُ الْإِفْضَالِ وَعَظِيمُ النَّوَالِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ) فَسَّرَهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ صَعِدَتْ نُفُوسُهُمْ تَارَةً بِمَرَاقِي النَّظَرِ فِي الْحُجَجِ وَالْآيَاتِ وَأُخْرَى بِمَعَارِجِ التَّصْفِيَةِ وَالرِّيَاضَاتِ إلَى أَوْجِ الْعِرْفَانِ حَتَّى اطَّلَعُوا عَلَى الْأَشْيَاءِ وَأَخْبَرُوا عَنْهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ رَفِيقًا) لِأَنَّ فَعِيلًا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَالصَّدِيقِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى وَحَسُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَفِيقًا وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُرَافَقَةِ الِاشْتِرَاكَ مَعَهُمْ فِي الْجَنَّةِ فِي الْمَنَازِلِ وَالدَّرَجَاتِ إذْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّينَ بَلْ وَالصِّدِّيقِينَ عَلَى تَفْسِيرِ الشَّارِحِ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ عَنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَفْضُولٌ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا فِي الْوَاقِعِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَفْضُولٌ وَلَكِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ لَا يُوجِبُ عِنْدَهُ حَسْرَةً لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِمَا قُسِمَ لَهُ. (قَوْلُهُ: الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَرَاتِبُ إلَخْ) لِأَنَّ الْجِنَانَ سَبْعٌ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَجَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ النَّعِيمِ وَدَارُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى وَدَارُ السَّلَامِ وَعِلِّيُّونَ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ وَالْعُمَّالِ اهـ. نَقَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَوَى عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ أَنَّ الْجِنَانَ سَبْعٌ دَارُ الْجَلَالِ وَدَارُ السَّلَامِ وَجَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى وَجَنَّةُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَجَنَّةُ النَّعِيمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقِيلَ إنَّ الْجِنَانَ أَرْبَعٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62] وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 15] قُلْنَا جَنَّةُ الْمَأْوَى اسْمٌ لِجَمِيعِ الْجِنَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ {فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 19] وَالْجَنَّةُ اسْمُ جِنْسٍ فَمَرَّةً يُقَالُ جَنَّةٌ وَمَرَّةً يُقَالُ جَنَّاتٌ وَكَذَلِكَ جَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّاتُ عَدْنٍ لِأَنَّ الْعَدْنَ الْإِقَامَةُ وَكُلُّهَا دَارُ الْإِقَامَةِ كَمَا أَنَّهَا كُلُّهَا مَأْوَى الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ دَارُ الْخُلْدِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا دَارٌ لِلْخُلُودِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَحَزَنٍ وَكَذَلِكَ جَنَّاتُ النَّعِيمِ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ لِأَنَّهَا كُلُّهَا مَشْحُونَةٌ بِأَصْنَافِ النَّعِيمِ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ وَلَا مِحْنَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ يَقُولُ مُؤَلِّفُهَا الْفَقِيرُ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ الشَّافِعِيُّ الْأَزْهَرِيُّ عَامَلَهُ اللَّهُ بِلُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ قَدْ اسْتَرَاحَ جَوَادُ الْقَلَمِ مِنْ الْجَرْيِ فِي مَيْدَانِ طِرْسِهِ وَتَجَرَّدَ عَنْ حُلَّةِ سَوَادِ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ اقْتَنَصَ أَوَابِدَ الْفَوَائِدِ وَغَاصَ فِي بِحَارِ الْمَعَانِي فَاسْتَخْرَجَ نَفَائِسَ الْفَوَائِدِ وَسَاقَهَا أَيُّهَا الطَّالِبُ الذَّكِيُّ إلَيْكَ وَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَأَرَاحَكَ مِنْ تَعَبِ التَّفْتِيشِ عَنْهَا فِي مَظَانِّهَا وَسَهَّلَ لَكَ الطَّرِيقَ إلَى وِجْدَانِهَا فَلَا تُقَابِلْهَا بِإِعْرَاضٍ وَطَيِّ كَشْحٍ وَإِنْ عَثَرْتَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الطَّبْعُ الْبَشَرِيُّ مِنْ التَّقْصِيرِ فَقَابِلْهُ بِإِغْمَاضِ صَفْحٍ وَلَا تَنْسَنِي بِاَللَّهِ مِنْ صَالِحِ الدُّعَا فَإِنِّي لِمَا أَمَّلْتُهُ فِيكَ مُحْتَاجٌ، قَالَ مُؤَلِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَافَقَ الْكَمَالُ بَعْدَ عِشَاءِ لَيْلَةِ الْخَمِيسِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 1246 بِمَنْزِلِي بِحَارَةِ دَرْبِ الْحَمَامِ بِخُطَّةِ الْمَشْهَدِ الْحُسَيْنِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِمَنْ حَلَّ بِهِ وَالْمُسْلِمِينَ آمِينَ

أَيْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِي الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ {وَالشُّهَدَاءِ} [النساء: 69] أَيْ الْقَتْلَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ {وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] غَيْرِ مَنْ ذَكَرَ {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] أَيْ رُفَقَاءَ فِي الْجَنَّةِ بِأَنْ نَتَمَتَّعَ فِيهَا بِرُؤْيَتِهِمْ وَزِيَارَتِهِمْ وَالْحُضُورِ مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ مَقَرُّهُمْ فِي دَرَجَاتٍ عَالِيَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ وَمِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّهُ قَدْ رَزَقَ الرِّضَا بِحَالِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَفْضُولٌ انْتِفَاءً لِلْحَسْرَةِ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْمَرَاتِبُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْأَعْمَالِ وَعَلَى قَدْرِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ يَشَاءُ اللَّهُمَّ يَا ذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تَفَضَّلْ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ وَبِمَا تَشَاءُ مِنْ النَّعِيمِ بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَمْدُ لِلَّهِ الْجَامِعِ قُلُوبَ النُّسَّاكِ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى مَحَبَّةِ ذِي الْكَلِمِ الْجَوَامِعِ الْبَدِيعِ الَّذِي أَبْدَعَ بِبَاهِرِ قُدْرَتِهِ مَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ الْوَاحِدُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْإِيجَادِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ وَلَا مُدَافِعٍ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ طِرَازِ الْأَحْكَامِ وَأَمَانِ الْأَنَامِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ عُلَمَاءِ شَرِيعَتِهِ وَأَعْلَامِ حَنَفِيَّتِهِ الَّذِينَ أَبَادُوا تُرَّهَاتِ الْعُقُولِ بِمَا أَوْصَلُوهُ مِنْ حُجَجِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ (وَبَعْدُ) فَقَدْ تَمَّ طَبْعُ حَاشِيَةِ مُقَوِّمِ تَحَارِيرِ الْمَعَانِي مُثَقِّفِ تَحَابِيرِ الْمَبَانِي ذِي الْفَضْلِ الْمِدْرَارِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَنِ الْعَطَّارِ عَلَى شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْإِمَامِ ابْنِ السُّبْكِيّ الْأُصُولِيِّ ذِي الْيَدِ الطُّولَى فِي إجَادَةِ التَّصْنِيفِ وَالتَّحْبِيرِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَأَحَلَّهُمْ جَمِيعًا دَارَ رِضَاهُ وَقَدْ حَلَّيْتَ طُرُرَهُ وَوَشَّيْتُ غُرَرَهُ بِتَقْرِيرِ شَيْخِ الْمَشَايِخِ ذِي الْفَضْلِ الْبَاذِخِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّرْبِينِيِّ ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُ الْأُجُورَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ لِمَا لَهُ مِنْ كَثِيرِ الْعَائِدَةِ وَكَبِيرِ الْفَائِدَةِ لِلشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الْإِمَامِ حَفِظَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَهْدَى إلَى الْأَفْكَارِ وَزَفَّ إلَى الْبَصَائِرِ وَالْأَبْصَارِ مَا يَشْهَدُ بِهِ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ وَتَقَرُّ بِمَحَاسِنِهِ النَّوَاظِرُ النَّوَاضِرُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ امْتَازَتْ هَذِهِ الطَّبْعَةُ بِتَقْرِيرَاتٍ قَيِّمَةٍ وَتَعْلِيقَاتٍ وَافِيَةٍ لِحَضْرَةِ الْفَاضِلِ الْأُسْتَاذِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ الْمَالِكِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ.

§1/1